أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

أعلى التالي

التعديل الأخير: 02/09/2022

دراسات أدبية - أدب الطفل

نماذج قصصية فيدب الطفل 1

 

 

لقراءة النماذج القصصية

 

 

 

 

 

 

 

 

القصص

بين الحيوانين

في حديقة الحيوان

 غضب الطبيعة

الحان النسمة الباردة

لا تبردي يا قطتي

 ميلاد لولو

مغامرات تالة

حارس البستان

أحلام صبي 

مملكة الكراسي

حكمة الهدهد

 كعكات جدتي

من أجل قطرة ماء

الأجمل

الثلج الدفيء

الببغاء الرمادي

الأرنوب

القويقة

معنى القوة

تبارك الله

تعلم يا صغيري

الحمامة الذهبية

أرنوب والتفاح

القلم الساحر

أولاد قوس قزح

أيّهم أفضل؟

طبيبنا الصغير

ذبابة مغرورة

من مفكّرتي

يوميات دموع

صياد.. وصادوني

ثعلوب يمشي نائما

أوشا يعرج

ثعلوب يقدم الجزر

مساعدة غير مقصودة

أذنان طويلتان

الأجرّة العجيبة 

توبة كاذبة

 دواء الأسد

أرنوب يفقد الذاكرة

لعبة جرّ الحبل

ثعلوب الجائع

النّورس التّائه

العصافير تهاجر

 فرحة الطفل

نصيحة الفراشة

البلبل والساحر

فراش الذئب

السلحفاة والضب

الطائر الأبلق

 الغيمة المستكشِفة

السّاحِر

الدّرس المشؤوم

أحلام سمكة  

دهاء النعامة

السلحفاة والنمر

 ثوب من حجر

الكسولان

رحلة الغيمة الصغيرة

الصياد والسمكة

 

 

ميلاد لولو

 بقلم الكاتب: يحيى الصوفي

في يوم من أيام الربيع الجميلة

تجمعت الملائكة في الحقول بألبستها الزاهية المشكلة من ألوان قوس قزح. ...وقد تعممت هالاتها المليئة بالنور... وحملت كل منهن بين جناحيها حصتها من البذور المليئة بالحياة... لتنثرها في أعالي الجبال... والبراري والوديان ... وفي البحار والسواقي والأنهار... وفي الغابات وبين الأعشاب وعلى أغصان الأشجار. وقليل منها في البيوت المتراشقة في الأمصار.

وبينما كانت كل واحدة منهن منهمكة بواجباتها في إرشاد البذور الصغيرة إلى أبويها صاحت الملاك أنس:

-يا الهي لقد فقدت الأخيرة من بذوري الآدمية ... لا أعرف إلى أين توجهت

وأبويها ينتظران... وأمها قد عاودها المخاض وحان ميعاد ميلادها ؟؟؟ ...

وهي تبحث عنها بقلق رددت:

-يا ألهي أين ذهبت؟.

في هذه الأثناء كانت البذرة الصغيرة تتعثر بين الأعشاب، لتجد نفسها أمام نملة مسرعة تجمع قوتها فصاحت بها:

-ماما

نظرت النملة إليها باستغراب وقالت:

-ولكن أنا لست بأمك

وأنت لست من فصيلتنا ... ثم حركت قرنيها الرفيعين ورددت:

-لابد وأنك ابنة تلك الفراشة ... تعالي لكي أوصلك إليها...

صاحت البذرة الصغيرة بالفراشة وقالت:

-ماما

نظرت الفراشة إليها وهي تحرك جناحيها الملونين بغرور وقالت:

-أنا لست بأمك وأنت لست من فصيلتنا  لابد أن تكوني ابنة تلك السلحفاة ... تعالي لكي آخذك إليها        

صاحت البذرة الصغيرة في وجه السلحفاة: 

-ماما

نظرت إليها السلحفاة وهي تغمض وتفتح عينيها بذهول وقالت:

-أنا لست بأمك... وأنت لست من فصيلتنا  ... لابد أن تكوني ابنة لتلك الضفدعة الخضراء ... تعالي لآخذك إليها ...

صاحت البذرة الصغيرة على الضفدعة وقالت:

-ماما

نظرت الضفدعة إليها وهي تفرغ صدغيها من الهواء وقالت:

-أنا لست بأمك وأنت لست من فصيلتنا ... لابد أن

تكوني ابنة تلك السمكة الحمراء تلك تعالي لكي أحملك أليها.

صاحت البذرة الصغيرة وقد بدا عليها التعب:

-ماما

تفاجأت السمكة الحمراء منها وقالت وهي تحرك زعانفها وتضرب بها الماء:

-أنا لست بأمك وأنت لست من فصيلتنا...  لابد أن تكوني ابنة تلك 

 وقبل أن تنهي السمكة الحمراء كلماتها ... كانت نسمة عابرة بقربها قد حملتها بعيداً... لتحط بها على غصن شجرة بلوط ضخمة ... وما إن استفاقت من هول تلك المفاجأة القصيرة حتى وجدت نفسها في عش غراب أسود يطعم صغاره.

فرحت لولو وقد أحست بالجوع وصاحت:

-ماما

نظرت أنثى الغراب إليها وقالت:

-أنا لست بأمك وأنت لست من فصيلتنا... لابد أن تكوني ابنة ذاك الغزال ... تعالي لكي آخذك إليه.

وما أن حطت أمامه قالت وقد تهدج صوتها:

-ماما  

فتحت أنثى الغزال عينيها الكبيرتين متفاجئة بها وقالت:

-أنا لست بأمك وأنت لست من فصيلتنا ...لابد أن تكوني من فصيلة الزهور تلك، تعالي لكي أدلك عليها.

وما أن وصلت زهرة القرنفل البيضاء حاولت الصراخ بها ولم تستطع، فقد أعياها التعب، فقالت بصوت خافت يشبه الهمس:

-ماما

ضحكت القرنفلة البيضاء وقد أخذت بها بين بتلاتها العطرة وهي تهدأ من روعها:

-لقد وصلت أخيراً أين كنت كل هذه المدة؟...

فرحت البذرة الصغيرة وقد بدا على وجهها علامات الرضا والسعادة وقالت:

-أنا كنت هنا بقربك ولم تشاهدينني؟...

ابتسمت القرنفلة البيضاء ثانية وهي تقول:

-أنا لست بأمك

وأنت لست من فصيلتنا ولكن لا تخافي فأنت من هنا... ابنة

لواحدة من نبتات الملفوف في الحقل المجاور... أذهبي واسألي عنها.

قفزت البذرة الصغيرة فرحة لتحط على إحدى نبتات الملفوف الأخضر وقد شعرت بعروقها الغضة المبللة بالندى وكأنها عروق تلف ذراع مارد ضخم... مما جعلها تصاب بالذهول وبعض من الفخر والكبرياء فصاحت بأعلى صوتها:

-ماما

فتحت نبتة الملفوف إحدى أوراقها وهي فرحة وقالت:

-ها أنت أخيراً كنت بانتظارك  

لم تنتظر البذرة الصغيرة نهاية كلامها وبادرتها معاتبة:

-أنا هنا منذ الصباح... ثم أردفت بخجل:

-ها أنا هنا أمامك ماما...

قهقهت نبتة الملفوف وقالت:

-ولكن أنا لست أمك ! ولكن كل البذور الآدمية تبدأ حياتها من هنا... ثم أضافت بشيء من الغرور... هكذا يقولون... يعثرون عليكم في بطون الملفوف... ولكن لا تجزعي فالملاك أنس تنتظرك هنا... وهي تبحث عنك... هاهي وصلت...                 

فرحت الملاك أنس بوجودها وقالت:

-أين كنت يا ألهي

لقد بحثت عنك في كل مكان... هيا فوالديك بانتظارك وأمك على وشك أن تضع مولودها وأنت سر الخلق، وسر الحياة، وسر الوجود، لاشيء يحصل بدونك هيا... هيا...  

وقبل أن تنتقل برفقتها إلى المكان الموعود، التفت الملاك انس إليها وتابعت:

-ولكن وقبل ذلك عليك أن تتذكري الوعد الذي قطعته لي... الوعد بأن تكوني مثال الخلق الكريم... صادقة وأمينة ومحبة للخير... وذلك طوال حياتك... اتفقنا؟.

أجابتها البذرة الصغيرة وهي تومئ برأسها بالإيجاب:

-أعدك     

تأبطت البذرة الصغيرة جناح ملاكها الحارس، لتهبط برفقتها في حضن والدتها الدافئ وقد أخذتها بين ذراعيها بحنان... من ثم بدأت تشعر بالهواء البارد يدخل -على غير عادته- رئتيها آخذة بذلك أول نفس من أنفاس الحياة، وبدأت تصرخ صرخة الفرح الآدمية...   وواع... ووواااع... ووواااع....

ثم غفت بعد أن ملأت معدتها الفارغة بأول وجبة دافئة من الحليب ؟؟؟...

-هكذا مثلك تماما يا لولو، هكذا كنت، وهكذا ولدت... وهكذا عثرنا عليك؟ !.

ردد والد لولو عليها وهو يغلق القصة المصورة القصيرة التي أعتاد أن يقرأها لها في كل مساء...   

في حين استولى على لولو النعاس، وقد أطبقت جفنيها وهي تمتم: 

-همهم هكذا إذاً...هكذا إذاً...

مع تحيات يحيى الصوفي    جنيف في 25/10/2003

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

لا تبردي يا قطتي

بقلم الكاتبة: لينا كيلاني

 

(سمر) بنت صغيرة... حلوة ومؤدبة... أمها تحبها كثيراً... وأبوها يدللها... وأخوها (سامي) لا يزعجها أبداً. (سمر) لم تذهب إلى المدرسة بعد... بل إلى حديقة الأطفال القريبة من عمارتهم... توصلها أمها أوأبوها وأحياناً بواب العمارة.

وفي يوم عثرت هي والبواب على قطيطات صغيرات مع أمهن خلف دكان البقال. أسرعت نحوها... وحاولت أن تمسك بالقطيطة البيضاء... لكن القطة الأم نفخت في وجهها، وأخرجت أظافرها لتخمشها.

قال العم البواب:

- هل أحببت هذه القطيطة يا سمر؟

قالت سمر:

-جداً.... جداً.... ليتني آخذها إلى البيت.

قال العم البواب:

- حسناً.... سآتي لك بها بعد أيام عندما تكون أمها قد فطمتها. وتكونين أنت قد طلبت الإذن من أمك برعاية هذه القطيطة الجميلة. ولكن اسمعي ما سأقوله لك يا سمر.

واستمعت (سمر) بكل انتباه إلى العم البواب وهو يقول:

- فالقطيطة يجب أن تتناول أولاً اللبن لأنها صغيرة.... وبعد ذلك تطعمينها ما تشائين. ويجب أن تنام في مكان آمن ودافئ. وأهم من كل ذلك ألا يؤذيها أحد.

قالت (سمر):

-سأفعل كل ذلك ياعم... سأفعل.

وبعد أيام ومن وجود القطيطة التي أسمتها (ماسة)، أصبحت (سمر) لا تفارقها.... تحملها... وتطعمها... وتضعها مساءً في سلة من القش مفروشة بالقطن.

وفي ليلة... وقد نسيت (سمر) قطتها المحبوسة في غرفتها دون أن تقدم لها طعاماً، أخذت (ماسة) تموء وتموء، ولم يسمعها أحد. وما إن فتحت (سمر) باب غرفتها حتى هربت (ماسة) بسرعة كبيرة إلى المطبخ.. ووثبت فوق الطاولة الصغيرة بحثاً عن الطعام فأوقعت الصحون فحطمتها.

أسرعت الأم إلى المطبخ لتعرف ما الخبر... فقالت (سمر):

- ماسة هي التي أوقعت الصحون... ولست أنا.

 

غضبت الأم وقالت:

- يجب أن نعاقب (ماسة) فلا تنام في سلتها في غرفتك بل في الخارج.

أطرقت (سمر) حزينة.... ولم تعارض أمها التي أخرجت (ماسة) إلى الحديقة، وأغلقت الباب.

ولما كان الفصل شتاء.. وهطلت الأمطار... لم تستطع (سمر) النوم.. وأخذت تبكي لأنها هي السبب فيما جرى مع (ماسة) وهي لم تخبر أمها بالحقيقة.

تسللت (سمر) من فراشها بهدوء وخرجت إلى الحديقة، والتقطت (ماسة) التي كانت ترتجف برداً أمام الباب، وقالت لها:

- لاتبردي يا قطتي... سامحيني أنا السبب.. أنا السبب، فقد نسيتك في الغرفة وما قصدت حبسك.

وكانت أم (سمر) قد سمعت ضجة وحركة، ورأت ابنتها وهي تحتضن القطة وتعتذر منها، فابتسمت... واعترفت لها (سمر) بكل شيء.

قالت الأم:

- عودي إلى فراشك يا سمر.. الطقس بارد.

قالت سمر:

- وهل تعود (ماسة) أيضاً إلى فراشها؟

قالت الأم:

- طبعاً كي لا تبرد هي أيضاً... هيا يا قطتي أسرعي كي لا تبردي.

أضيفت في04/02/2006/ * خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

ألحان النسمة الصغيرة الباردة !!

 بقلم الكاتب: جبير المليحان

في الحارات الصغيرة ، تمتد الشوارع الكثيرة مسافة ، ثم تنتهي .

الهواء الذي يملأ تلك الشوارع القصيرة..

يحرك الهواء الغبار و بقايا الأوراق .. و الروائح الطائرة من الأكوام المتروكة ..

هذا الهواء يخرج من شارع صغير ، إلى شارع ، إلى شارع ..

يدور في الشارع ، ماشيا على مهل ، ملتفا ، و ملتويا .. حتى يصرفه جدار ما ، فيتكوم قليلا .. و تسقط الأوراق منه ، و تتكوم مخشخة ..

كانت النسمة الصغيرة الباردة من ضمن الحزم الطائرة مع هذا الهواء .

دارت النسمة الصغيرة الباردة معه .. حملت أوراقا .. مبتعدة عن الروائح ..

أسرعت .. الروائح تلحقها ..

و عندما تكوم الهواء وسط الحارة مرة أخرى ، أمام جدار ، تحت تلك الشجرة ..

لم تستطع النسمة الصغيرة الباردة أن تستقر .. دارت و دارت ، ثم طارت بسرعة ، و هي تقول :

- لأخرج من هذا الجو الخانق !!

فرت ، لكن الجدار الكبير الواقف صدمها ، تلوت متألمة ، وانحدرت حتى استقرت في الظل ..

كانت أوراق الشجرة الكبيرة تحدق بها و هي واقفة منتظرة ..

هبت النسمة الصغيرة الباردة إلى الأغصان ، و هفهفت بين ثنايا الأوراق الخضراء فرحة ..

فرحت الأوراق و تحركت بطرب ، و أصدرت ألحانا صغيرة و جميلة كالغناء ..

توافدت العصافير : من الجدران القصيرة ، من الشقوق ، من فوق سعف النخيل اليابسة ، من السطوح حيث تخبئ أعشاشها ، من كل مكان ..

جاءت العصافير ، و حطت على الأغصان ..

توقف رجل محني الظهر ، و رفع عينيه الصغيرتين إلى أوراق الشجرة التي تعزف ألحانها .. شاهد العصافير الفرحة

و من نافذة قريبة أطلت فتاة صغيرة بضفيرتين طويلتين ، و عينين ذكيتين ، كانت تبتسم ، و هي تشرع النافذة للهواء ..

نور الشمس الناعم أخذ يتماوج من بين الأغصان مطاردا قطع الظل المرحة ..

ازداد فرح النسمة الصغيرة الباردة ، و تمدد جسمها و اتسع ..

تراقصت الأشجار الأخرى القريبة و اهتزت ..

طربت النسمة ، و لوحت بمناديلها البراقة ، و انطلقت من فوق الجدران ..

ماجت في الشوارع ..

و انطلقت إلى الحقول ..

كانت أسراب العصافير تتبع النسمة الباردة و هي تكسو الأشياء ..

و هاهم الأطفال اللاعبون يجرون خلفها ..

و أوراق الأشجار تلتفت ..

حتى المياه .. مياه البرك النائمة اختضت و تماوجت فرحة ..

الرجل العجوز يهمس باسما : يا لهذه النسمة الصغيرة الباردة !!

البحرين 23/6/2001

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

غضب الطبيعة

بقلم الكاتبة: سمر المزغن

 

ارسل البحر اذاه المجرجرة الذي يصل الى الاذان كأنه الزئير المنبعث من حلوق الوحوش الضارية ، والعالي كأنه الجبال الشاهقة ، معلنا عن قدومه لحضور اجتماع هام ، تقدم البحر تصحبه امواجه الصاخبة ، مزمجرا غاضبا ثم صرخ – دون القاء السلام - بصوة قوي غريب ، لو سمعته الهضاب  لارتجت من مكانها فزعة : " انا مغتاض  جدا ، ولا يمكنني ان اتحمل اكثر ضرر الانسان ، لوثني بنفطه الذي قتل اسماكي ، لم يترك لي حتى بعض الاصداف تزينني وتلون شاطئي ، ذالك الشاطىء الذي غدا سلة مهملات كبيرة يلقي فيها فضلاته واوساخه … لقد طفح الكيل والانسان يحرمني من التسلي مع اصدقائي الاسماك … الم ادعه يسبح في هناء ونعيم في مياهي الباردة خلال فصل الصيف ؟ ألم استقبل الشمس وادعوها لالقاء أشعتها الدافئة وهو يلهو ويمرح ؟ ألم أسخر له شاطئي ليلعب برماله ويرتاده متى شاء مع اصدقائه ؟ ألم اتركه يصنع من الرمل قصورا يزينها بأصداف متناثرة ؟ لما كل هذا الجشع والطمع الذي يحركه حتى أنه لم يترك لي أصدافي تمسح لي دمعي حين ابكي ، وتلعب معي أوقات فراغي ؟ ألم أمسك نفسي عن البكاء وأنا أسمح له مضطرا باصطياد أسماكي وهي تنظر لي معاتبة ، لائمة ؟ ثم بعد ذلك اراها تشوى أمامي لتصبح سوداء فاحمة ، وصوتها يرن في أذني يلومني على عدم عدالتي وانصافي ، يحرص ان يصطاد أكبر قدر من أسماكي ، وأشباحها الحمراء المتشحة بالسواد تحاصرني في منامي ويقظتي ، مناظرها مخيفة وهي الملطخة بالدم والسواد ، تعكر صحوتي ومنامي ، وأمام ذلك ألست مذنبا وأنا أسمح له بكل ذلك السلب والنهب ، ساكتا ، صامتا ، صابرا ، ومتحملا أذى وخطر أفعاله ؟ " .

 

طأطأ البحر رأسه وأسنده على أمواجه المتأثرة بكلامه الى حد البكاء . خفت صوته شيئا فشيئا وأخذ يصدر زفرات طويلة بين الفينة والفينة ، لما رفع رأسه انحدرت من عينه دمعة حارة كبيرة لتسقط على الموج المرتطم بالصخور وتختلط بالزبد. كان منظره محزنا للغاية، وغادر المكان قبل أن تضعف ارادته تماما فيختنق بالعبرات … جاء البحر غاضبا قويا ، لو اعترضه الانسان لأغرقه بموجه ثم انصرف ذليلا حزينا منكسر الخاطر لو شاهده الانسان على حالته تلك لسخر منه واستهزأ به .

 

نفخ الريح بقوة وقال : " كلام البحر صحيح ، الانسان يضر نفسه ويضرنا بافعاله ، انا أيضا لوثني بدخان سياراته السريعة، في حين ان دراجاته أقل سرعة ولا تؤذيه ولا تؤذيني ، طائراته وصواريخه وبواخره وقطاراته مصادر لراحته ومصدر لايذائي … التبغ الكريه الذي يستهلكه في البيت وفي الحي والمقهى ، ألم يعرف لحد الان انه يلوثني ويسبب له افات مميتة، ويشكل اذى لمن حوله ويسبب لهم الامراض … ثم أيضا تلك المصانع التي تدمرني وتجعل مني سوادا في سواد ، ثم … "    

 

قاطعه الحيوان مزمجرا : " على مهلك أيها الهواء ، لست اكثر مني هما ولا أظن أن صدرك يسع غمي ، الانسان جعل مني عبدا ذليلا ، أكل بيضي والتهم لحمي وشرب لبني ، لم يكفه أنه ركبنا وحملنا ما لا طاقة لنا به حتى في الصحراء الجافة ، لم يكفه أنه حثنا على السير بعصاه الغليظة الخشنة،  حتى زج بنا في السجون يزين بها بيوته وحدائقه ، ليتمتع بمشاهدتنا في حين لا نطلب سوى الحرية … يعيش صغارنا محرومين من الحرية ويموتون حزينين لأنهم لم يذوقوا طعم الحرية ولم ينعموا بالغابات الخضراء والجبال العالية … نحرس بيته ليلا نهارا لينام هادئا ونبقى نحن سهارى ، يقظين لحمايته ، وجزائنا في الاخير عظام بليت ولحوم فسدت وضربات توجعنا ، ثم نصاحبه في كل مكان ليتفاخر أمام أصدقائه بالسلسلة الحديدية التي تشد عنقنا كأنها تنوي خنقنا …"

 

صرخ صرخة مدوية ثم نظر شزرا والشرر يتطاير من عينيه وكشر عن أنيابه متهيئا للهجوم ، لكنه رجع الى الوراء كأن مسا من الجنون أصابه،  وانزوى يهذي في ركن بعيد .

 

تدخلت الشجرة وقالت : " يقطع الانسان خشبي ليصنع منه مهودا لصغاره ، يرتاحون في مهودهم ونبكي بكاء متواصلا، صنع منا قواربا، سفنا ، مراكبا ، وبيوتا تحميه من قر الصيف وبرد الشتاء . وهبته كل شيء حتى الهواء أنقيه له ولكنه ظالم ، فلما نكران الجميل . اكل الانسان ثماري اليانعة ، اقتلع اخوتي ليصنع منهم كراسي يستلقي عليها وطاولات لأكله … رفس جيراني النبتات الصغيرة بأحذيته الضخمة ". سكتت الشجرة برهة ثم أضافت : " اني أدعو الجميع لمحاسبة الانسان " وبقيت في مكانها صامدة مظهرة شجاعة وصبرا … كل من تكلم قبلها أبدى هيجانا وحزنا ، ولكنها الوحيدة التي تمالكت نفسها ومكثت في مكانها تنتظر رأي الجميع.

سألت الأرض الشمس : " وانت أيتها الشمس ما رأيك "

- أنتظر رأي القمر .

همس القمر : " رأيي معاكس للجميع ، الانسان يحبني في الليالي التي أنيرها ، وعلى كل أنا متأكد أن الانسان لم يقصد ايذاء البحر وتلويث الهواء وتخريب الطبيعة وقتل الحيوان ، الانسان صنع محميات حتى لا تنقرض الانواع النادرة الفريدة من الحيوانات ، الشجرة رفيقة الانسان ولا حياة لها بدونه ، أنا أدعو لمسامحته وسأتولى بنفسي تنبيهه لهفواته ، سأطلب منه حماية الطبيعة لأنه لا حياة له من غيرنا ولا حياة لنا من غيره ، سأبعث للبحر لأحدثه وأرضيه وأهدئه .

 

انفض المجلس وأسارير الحاضرين مختلفة : بعض الملامح تدل على اليأس ، منها ما تدل على الغيض والندم في نفس الوقت ، منها ما تدل على الشك ، ومنها ما تدل على الامل .

نوفمبر 1999

 

 

بين الحيوانين

 

 

أسرعت للغداء ، كان طعامي المفضل كسكس باللحم وحساء بالسمك ، لما كنا نلعق شفاهنا قبل الاكل سمعت ضوضاء بعيدة، اقترب كلبي ريكس وقطة اخي ايزبلا من المائدة ، كل منهما اخذ يتوسل ، ذاك يتمنى شريحة لحم وتلك تحب سمكة صغيرة :  لم  يكن اخي الصغير يعرف الامر لذلك اعطى كلبي " سمكة " وقطته " لحما " ، وعندها نشبت المعركة … كانت ساحة الوغى هي المطبخ والجيشان هما القطة والكلب ، غرست القطة اظافرها في لحم العدو فنبح نباحا عاليا وعض ذيل خصمه ، حينها اصدرت القطة مواء عاليا وقفزت فوق كلبي ، لكن هذا الاخير تفاداها وسقطت فوق صحن ابي لتهشمه، غضب ابي غضبا شديدا ، عندئذ حاولنا ان ننهي المعركة ولكن ذهبت محاولاتنا ادراج الرياح ، فالعراك على اشده والويل كل الويل لمن يقترب … كانت امي قد افطرت ولبست ثوبها الحريري الناعم لزيارة صديقتها ، ولكن حين دخلت نظرت القطة للثوب وظنته سمكة مشوية اذ كان اسود اللون وعلى  شكل سمكة ، انقضت القطة على الثوب تنهشه ، ففزعت امي وهرولت خارجة ، لكنها تعثرت بثوبها الذي غدا خرقا بالية ، فسقطت على القمامة وانفجرت غيضا واتجهت الى الحمام … المعركة لم تنته بعد ، لقد كان كلبي ناعم الشعر ،  اما الان فقد اصبح شعره أشعث كمسلات القنفذ او الاشواك ، كانت القطة ناعمة الملمس لكن نصف شعرها قد اختفى ، تناثر في ارجاء المطبخ الذي انقلب راسا على عقب … و ها انت ترى القطة مسرورة في عيد الفطر والكلب سعيدا في عيد الاضحى لكن امي ما زالت في العيدين ناقمة عليهما .

 

 

 

حلم في حديقة الحيوانات

  

 

مفيدة ، فتاة طيبة القلب وفية ، جميلة وذكية ، جميع الناس يحبونها لانها تساعد الكل قدر استطاعتها ... غدا اول ايام العطلة الصيفية ، ارادت مفيدة ان يكون اول  يوم عطلة لها في حديقة الحيوانات ، طلبت من امها اسية اصطحابها الى الحديقة فوافقت .

من الغد ، ارتدت بطلتنا اجمل ثيابها وحلت شعرها بضفيرة طويلة متناسقة ، ثم تعطرت وخرجت تصحبها امها ، لم تنس طبعا احضار بعض الطعام لها ولوالدتها .

 

فتشت عن قطع الخبز القديمة التي لم تعد صالحة للاكل لتقديمها للحيوانات ، كانت مفيدة  تقف عند  كل قفص لتتفرج على ما بداخله ولتقرأ ما هو مكتوب من معلومات عن كل حيوان اسير القفص ، في الغد روت لنا مفيدة تفاصيل زيارتها للحديقة قائلة : اعترضتنا القرود المرحة وقد كانت تمتع الناظرين بحركاتها البهلوانية وهي على عجلة من امرها  كانها تقدم عرضا تدربت عليه في السيرك ، دون ان تهمل التقاط ما يرمي به الزائرون في مهارة وسرعة وفي لمح البصر ، كانت تقلدنا في كل ما نفعله ونحن  نضحك ، لم اتمالك نفسي امام  حركاتها المضحكة فانفجرت ضحكا ، انتقلنا الى قفص الدب فارعبني صوته وكدت اهرب مستغيثة لكن امي اخبرتني انه لا يستطيع تكسير القفص ، اخذت اصيح قائلة : " لا اريد البقاء في هذا المكان فالننتقل الى قفص اخر " ... مررنا على الزرافة ادهشني طولها الخارق ، ومررنا  بقفص النمر الذي اعجبت بفروه الرائع وفرو أخيه الفهد ، لكن في نفس الوقت افزعتني انيابهما ومخالبهما .

لن انس طبعا انني مررت حذو الفيل الرمادي مع امي ، لكن ما  اذهلني هو دهاء وذكاء ابن اوى و الذئب وصديقه الثعلب الماكر .

من المواقف الطريفة : اني مررت على النعامة فوجدتها مدخلة رأسها في باطن الارض كعادتها ، انها كالطامع "اشعب" لا ينفك عن التطفل على الموائد .

 

حيرني ظهر الجمل والناقة فاجابتني ماما اسية بقولها : " ان ظهره هكذا يا حبيبتي ليمكن الجلوس عليه بسهولة وهو يدعى "سفينة الصحراء" كما انه اكثر الحيوانات صبرا على الماء ، وعلى ذكر الماء فقد زرت فرس النهر الكبير والضخم الجثة ، واستغربت من ضخامة جثته الأعظم من جثة الثور وزوجته البقرة وصديقتها وجارتها الجاموسة اللاتي يبعدن عنها ببضع امتار … لن انس طبعا زيارة الفقمة  صديقة  الدلفين وكذلك  القرش المخيف الذي يذكرني " بدراكولا " وقصته الخرافية المخيفة حتى ان اعوان الحديقة تركوه منعزلا  لخطورته ، كما لن انس اني شاهدت عدة حيوانات مائية اخرى ، كالسمك والحوت الكبير ، وهلما  جرا …

بعد هذا التجوال  قررت الاستراحة انا وامي ، جلسنا على مقعد امام المراجيح وشرعنا في اكل بعض الطعام الذي احضرناه ، وكنت استعجل الاكل حتى اكملت لمجتي وانطلقت جريا نحو الارجوحة ، اما امي فقد نصحتني بعدم الركض ، والتحول لمشاهدة  الخراف والماعز والفئران والقنافد … واذكر ان علاقة صداقة متينة توثقت بيني وبين بطة فقد كنت اطعمها وصديقاتها البطات وجاراتها الوزات والبجعات ينظرن اليها  في حسد شزرا ، فانقذتها من غيرتهن  وسلمتهن  بعض الطعام ، لذلك نظرت  إلي  بامتنان وشكر .

عند المرور على مأوى الخنازير فضلت الجري والابتعاد عن المكان مع حرصي على سد انفي لاشمئزازي من الروائح الكريهة … عند زيارة الكنغر ظننت انه يلبس  سروالا به جيوب  لحماية ابنه ، لكن عندما قرات المعلومات عنه فهمت كل شيء .

اطربتني زقزقة العصافير وهديل الحمام وقد سافرت في بحر الموسيقى عند الاستماع لتغريد البلابل ، وتمنيت ان اكون مثل تلك الفراشات ذات الالوان المبهجة الزاهية ، وقد ازدادت  ضحكاتي حتى انقلبت على ظهري عند سماع الببغاء وهو  يردد اقوالي  مباهيا  بالوانه الزاهية كمباهاة الطاووس الموجود قربه بريشه الملون .

 

بقينا وقتا نتـامل الخيول وهي تملأ المكان بصهيلها وكذلك الحمير بنهيقها ، وقد الححت على امي ان تشتري لي دجاجة ، فرخا ، كلبا او ارنبا لكنها اخبرتني ان الحيوانات الموجودة في حديقة الحيوانات ليست للبيع ووعدتني بان تشتري لي حيوانا لطيفا من السوق عند العودة.

كنت طوال الطريق التهم قطع شوكولاطة لذيذة واتسلى ببالونة وقناع مضحك وبعض اللعب اشترتها لي امي من الحديقة ، وكنا نستغرق في الضحك طوال الوقت عندما المح احد الحيوانات واشبهها بشيء مضحك ، دون ان انسى اننا استمتعنا بمنظر نافورة رقراقة جارية .

قبل ان ننتقل الى قفص الاسد وعائلته ذهبنا الى قفص الثعابين وقمنا بلعبة : من يخرج لسانه اكثر ويحدث فحيحا قويا لكن ماما غلبتني في اللعبة …. راجعت كراسي وكل ما كتبته من معلومات على الحيوانات كما اضفت نكتة على التيس ولحيته الطويلة .

 

حذو قفص الاسد انتابني بعض الخوف وشعرت بانه سيحصل شيء ما ، واذ بالاسد ينفجر غيضا ويحمر وجهه غضبا ويزأر زئيرا عاليا عندما شاهد ضفيرتي بالذات ولا أدري لماذا ... هرب الجميع عند تحطيم  الاسد للقفص ، لم اعرف كيف تسمرت في مكاني من الدهشة ... بغتة  نما  للاسد جناحان ابيضان طارا بهما وحلق بواسطتهما عاليا ماسكا بي من ثيابي تارة ومن ضفيرتي طورا . نظرت تحتي فاخذت ارتجف كالقصبة في مهب الريح واحسست باعضاء جسمي ترتجف وباسناني  تصطك ، دارت الدنيا بي وكاد قلبي يخرج من صدري ، جف ريقي ، لكنني بالكاد تمالكت نفسي ، وتمنيت الا اسقط ، وبالطبع لم اصرخ رغم  مسكه القوي لشعري حتى لا يفزع الاسد العجيب ويسقطني ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ،  فقد قادت الاقدار حمامة ازعجت الاسد الطائر ، وعندما اراد الفتك بها سقطت من مخالبه من ارتفاع عال، حمدت الله وشكرته  لانني سقطت على كومة قش فوق جبل كبير ، ولم اصب الا بخدوش بسيطة لم تألمني كثيرا ، احسست ان احدا  يدفعني الى الامام ، وعلى حين غرة وفي غفلة مني سقطت من قمة الجبل ، عند الوصول اصطدم رأسي بصخرة كبيرة  فانفلقت جمجمتي وصرخت صرخة مدوية ،  كرر الصدى ندائي كانه يسخر مني ، واذ بي انهض فاجد نفسي في غرفتي مرتمية على الارض واقعة  من السرير وقد اصطدم راسي بالمنبه فاخذ يرن رنينا عاليا متواصلا  حتى ايقظ جميع افراد العائلة ، صببت عليه جام غضبي وقمت بتانيبه تأنيبا  شديدا ، عند ذلك سمعت وقع اقدام ثابتة فارتميت فوق فراشي مخفية المنبه بين طيات ملابسي متظاهرة بالنوم متجنبة وخائفة من غيض امي . 

اكتوبر 1998

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

 حارس البسـتان

بقلم الكاتب: محمود البدوى

 

كان نعمان حارسا لبستان الشيخ سليمان ، وهو بستان كبير غنى بالثمر ومن أشهر البساتين فى الصعيد ، ومنذ ثلاثين سنة ونعمان يحرس هذا البستان .. ولم تحدث فى خلال هذه السنين الطوال حادثة سرقة واحدة ..

كانت المنطقة كلها تعيش آمنة .. كان مرهوبا قوى البطش .. وكان الفلاحون ينسجون حول بندقيته المقصوصة الأساطير .. يقولون أنها تفرش .. وتغرد .. وتنطلق منها النيران فى كل اتجاه .. مع أنه لم تطلق من هذه البندقية رصاصة واحدة ..

وكان الغلامان سعيد وعمار يصطادان البط فى البركة القريبة من البستان عندما انطلقت خرطوشة طائشة من بندقية سعيد فأصابت عمار فسقط والدم ينـزف منه ..

وأصاب الذعر سعيدا فجرى إلى نعمان خفير البستان وقص عليه ما حدث وهو يبكى ويرتعش ..

فهدأ نعمان من روعه وذهب معه إلى المصاب فحمله إلى داخل العريشة .. وأسعفه وربط الجرح وتركه هو وسعيد لزوجته لتعنى بالجريح ولا تدع سعيدا يخرج من البستان حتى لايتعرض لأى سوء ..

وكانت فلاحة قد بصرت بالمصاب وهو ملقى بجوار البـركة وسعيد يجرى مذعورا .. فطارت إلى أهله وأخبرتهم أن سعيدا قتل عمارا ..

وانتشر الخبر فى القرية بسرعة النار فى الهشيم .. وخرجت عائلة عمار وهى مسلحة بالبنادق ، والشوم ، والهراوات .. لتضرب أى إنسان تجده من عائلة سعيد ..

وكانت عائلة سعيد قليلة العدد وضعيفة بالنسبة لعائلة عمار .. فخشيت أن تفنى جميعا .. وهرب أفرادها فى المزارع ..

 

وأخذ رجال عمار يزحفون إلى مكان الحادث وفى عيونهم الشر والغضب والجهالة .. ورآهم نعمان خفير البستان وهم يتقدمون .. وأدرك أنهم يريدون قتل الغلام المسكين فتناول بندقيته وتحرك من مكانه حتى أصبح قريبا من الطريق الذى يأتى منه الرجال ..

وجلس هادئا وبندقيته ملقاة  بجانبه وكانوا يتقدمون فى سواد يسد عين الشمس ، وعجب للجهالة وللغضب الذى يقلب الإنسان إلى شيطان مجنون .. وتساءل هل جاء كل هؤلاء ليقتلوا غلاما مسكينا لاعصبية له فى القرية ولا عائلة قوية تحميه

ظل يراقبهم وهم مهرولون ويلوحون بالنبابيت .. ومنهم من كان يجرى فى قلب المزارع ويدوس على بساط البرسيم ..

وعندما لمحوه وهو جالس على رأس الطريق حبسوا من خطوهم إذ ندر أن يترك نعمان البستان فى ليل أو نهار ..

وكانوا كلما اقتربوا منه تمهلوا فى سيرهم حتى سمعوه يقول بصوت خافت وهو ينقر الأرض بعصا صغيرة من البوص ..

ـ لا أحد منكم يعبر الطريق ..

    

فتوقف الرجال واضطربوا ..

ـ إننا بعيدون عن البستان ونبحث عن سعيد .. لقد قتل عمار ..

ـ أعرف هذا .. ولا أحد منكم يتقدم خطوة ..

فسمر الرجال فى أماكنهم كأنما غشيتهم غاشية .. وقال أحدهم ليخفف من حدة الموقف ..

ـ إننا لانريد به شرا .. وسنسلمه للمركز ..

ـ ليضربه العساكر .. وليصنعوا منه مجرما فى يوم وليلة .. لا ..

ـ ولكنه قاتل ..

ـ انه لم يقتل .. والخرطوشة طائشة .. وهذا يحدث لكل إنسان ..

ـ وأين عمار ؟ .. نريد جثته ..

ـ  سأحملها إليكم فى المساء .. والآن اذهبوا .. ومن بقى منكم بعد أن أعد العشرة فسأصرعه ..

    

وعجب الرجال لتخاذلهم وللضعف الذى طرأ عليهم فجأة وقد كانوا أشد ما يكونون حماسة للانتقام .. ماذا جرى لهم أيخذلهم رجل واحد .. ومنهم من هو أشد بطشا منه وقوة .. وسلاحهم أشد فتكا من سلاحه .. وليس معه سوى بندقية عتيقة مقصوصة .. ربطها بالسلك والدوبارة .. فما سر قوته وجبروته طوال هذه السنين ؟..

    

وقبل أن تغرب الشمس بصر الفلاحون بنعمان قادما على الجسر وهو يمشى ثابت الخطى بجوار حماره .. وقد وضع على كتفه بندقيته العتيقة .. وكان يركب على الحمار سعيد وعمار وكانا مازالا صديقين متحابين .. وقد احتضن سعيد عمارا ليمنعه من السقوط .. إذ كان الأخير بادى الاعياء ..

    

وقال أحد الفلاحين .. بعد أن مر عليهم نعمان :

" أرأيت أننا كنا معتدين وحمقى ؟ ‍‍‍‍‍‍‍.. ولقد انتصر علينا هذا الرجل وحده .. لأنه كان مؤمنا .. يدافع عن غلام مسكين وقد ظل طول حياته .. يحمى الضعفاء .. ويسحق الشر .. أينما كان فأعطاه الله هذه القوة الرهيبة "

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

مغامرات تالة

بقلم الكاتبة: ماجدولين الرفاعي

 

تالة وانتظار العيد

 

عادت تالة من الروضة فرحة جدا تقفزهنا وهناك

ومن فورها قالت لماما

-ماما  احقا غدا سياتي العيد؟؟

سالتها ماما ومن اخبرك ؟

اجابت تالة:

-اخبرتنا المعلمة وعلمتنااغنية عنه اسمعيها وبدات تالة تغني:

جاء العيد ودق الباب

افتحولوا ياااولاد

ضحكت ماما كثيرا وقالت نعم ياتالة غدا سياتي العيد

في صباح العيد استيقظت تالة مسرورة

لبست ملابسهاالجميلة ولبست حذاء جديد بلون برتقالي

حملت بيدها حقيبة من نفس اللون ثم بدات تتجول بين الشرفة والصالة

صرخت ماما.....

تالة  ماذا تفعلي؟

اجابت تالة:

- انتظر العيد متى ياتي لافتح له الباب ؟؟

-هاهو العيد؟

-اين لااراه ولم اسمع اي طرق على الباب

-تالة هاهو العيد ياحبيبتي ومن سيطرق الباب ؟

-قالت تالة:المعلمة اخبرتنا ان العيد سياتي ويدق الباب

-ضحكت ماما كثيرا  وشرحت لتالة ان العيد هو يوم كباقي  ايام الاسبوع

لكنه مخصص للاحتفال

ثم قبلت تالة قائلة لها

كل عام وانت بخير حبيبتي هيا لنفرح بالعيد

 

تالة والعاب الكومبيوتر

 

تنظر تالة كل يوم الى جهاز الكومبيوتر اثناء عمل والدها عليه وتفكر متى تتعلم الجلوس هي ايضا والعمل ببرامجه

وتتعجب لما لايشتري لها بابا  كمبيوتر خاص بها!!!

ولماذا يصر على وضع البرامج التي تستخدمها هي بنفسه؟

ولماذا لايضع لها سوى برامج التلوين والاغاني والاحرف؟

وتردد في سرها بابا يختار مايريد

و قررت اخيرا التعلم بنفسها

 ولن تنتظر ان يعلمها احد

 انتظرت حتى خرج والدها  من الغرفة وركضت باتجاه  جهاز الكومبيوتر الذي تركه بابا في وضع امن

 حركت الفارة ثم  صرخت بصوت عال مما جعل امها تاتي مسرعة من المطبخ

 فقد شغلت تالة احد الالعاب المخيفة  ذات الاصوات المرتفعة والصور المتوحشة مماجعل تالة تبكي وتصرخ

ضحكت الام كثيرا وهدات من روعها  ونبهتها الى عدم الاقتراب من اشياء لاتخصها

وان عليها الالتزام بالبرامج التي يختارها لها والدها

اعتذرت تالة بخجل ووعدت بعد تكرار التجربة

 

تالة في المطبخ

 

تالة طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات من عمرها  جميلة ورقيقة لكنها شقية جدا

وتقوم بأعمال شغب مختلفة

هي لاتعلم بأنها مشاغبة وتظن إنها تقدم المساعدة  لامها

دخلت تالة  المطبخ أمس بينما والدتها تجلس مع جارتهم  في غرفة الضيوف

نظرت حولها وقالت :

أصبحت كبيرة  وعلي مساعدة ماما في أعمال البيت

حسنا سأجلي لها الصحون

لم يكن في المطبخ صحون متسخة

 ماذا تفعل إذا؟؟

قالت في نفسها

سأغسل علبة  سائل الجلي لتصبح نظيفة

سكبت كل محتوياتها في حوض الجلي وغلسته جيدا بالماء

 وعادت لتجلس فخورة بإنجازاتها

                                 

تالة فنانة ماهرة

 

اليوم تالة تشعر بالملل فهي وحدها واخوتها في الخارج قررت أن ترسم

فهي تحب الرسم كثيرا

أحضرت علبة الألوان وبحثت عن ورقة بيضاء كبيرة لكنها لم تجد

لابد أن ترسم  فكرت كثيرا ماذا تفعل

آه

وفجأة صرخت وجدتها  سأرسم على الجدار ليصبح كسور الحديقة

كادت والدتها تبكي حين رأت الرسومات تغطي كل جدران الغرفة

لكن والدتها هذه المرة لم تسامحها

أعطتها اسفنجة مليئة بالصابون وتركتها تنظف كل الألوان على الجدار

ساصبح خياطة في المستقبل

شاهدت تالة ووالدتها وهي تخيط ثوبا وجلست تراقبها

وتتأمل المقص وهو في يد أمها

جميلة حركاته وسهلة جدا

ستصبح خياطة ماهرة عندما تكبر لأنها ستتعلم الخياطة في وقت مبكر

صرخت

ماما اعطني المقص أريد أن أتعلم الخياطة

لا ياصغيرتي المقص خطر على فتاة صغيرة مثلك

أف ماما ودعيني أتعلم

لم تجب والدتها وضعت المقص مكانه ونادت على تالة لكي تساعدها في تحضير العشاء

اقتربت تالة  من الدرج الذي خبئت به أمها علبة الخياطة وأخرجت المقص

لكنها ماذا تخيط؟

لا يوجد قماش

نظرت حولها

الستائر مناسبة جدا لتعلم الخياطة

كانت العقوبة شديدة

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

كعكات جدّتي

بقلم: الكاتب: نزار نجار

العيدُ يدقّ الأبوابَ، ويهمس:

- هيّا، ياأطفال، أنا قادم، يومان فقط، وأحلّ  ضيفاً عليكم..

نتهيّأ لقدومه، تتهيأ جدّتي أم الطّاهر، يتهّيأ جيراننا، تتهيّأ حارتنا لاستقباله كما يليق الاستقبال..

البيوت في الحارة، كلّ البيوت تستيقظ باكراً، والأطفال ينهضون مع خيوط الفجر الأولى، وأهل الحارة يهرعون إلى فرن النحّاسين، يصلّون الفجر في جامع الأشقر، ثم يقصدون الفرن، يأخذون دوراً عند" أبي صبحي".. والرجل يبلّ قلم ( الكوبيا ) بريقه ، ويسجل الأسماء بخطٍّ مرتعش وحروف متشابكة ؛ لايفكُّ ارتباطها ولايعرف تناثر نقاطها غيرُ أبي صبحي نفسه..

ورقة مدعوكة، مقطوعة من دفتر مدرسيّ مسطّر لكنّها- بالنسبة إلينا- ليست ورقة عادية، فهي مطرّزةٌ بالألقاب والأسماء والتوصيات:

- ابو أحمد.. فطائر بالجوز

أم عادل: هريسة بالفستق الحلبي..

أبو علي كرشة .. أقراص مرشوشة بالسمسم أم محمود الطبلة.. صينية صغيرة واحدة..

سعيد الفهمان.. صينية كبيرة..

زنّوبة...

أمّا جدّتي أم الطّاهر فاسمها لابدّ أن يكون في رأس الورقة!.

قبقابي يوقظُ النائمين في الحارة، أقفز من الدار إلى الفرن، أقطع الدرجات الحجرية، أجتاز البوابة المعتمة، والزّقاق الصّغير، تتفرّق القطط، تركض بعيدة وقد أزعجها قرع القبقاب، أصير أمام الفرن ، رائحة الخبز الأسمر الطّازج تستقبلني، أرغفةٌ منفوخة كالأقمار المعلّقة على السطوح ، تذوب في الأفواه كما تذوب" غزّولة البنات"..

صوان نحاسية ذات أطرافٍ مدروزة تدخل الفرن أو تخرج منه، وأمام الباب، هناك، يزدحم رجال بحطّاتٍ وقنابيز يحجزون دوراً، نساء قادمات من أطراف الحارة، يجئن مبكّراتٍ ، على رؤوسهنّ أطباق القش الملوّنة، وقد عقدْن المناديل المزركشة وفي عيونهنّ الواسعة لهفة وانتظار.. ترى هل يسبْقن غيرهنّ، ويأخذْنَ أقراص العيد قُبَيل أذان الظّهر

جدّتي تمسح رأسي بكفّها الحانية، وتهمس لي:

- لايُفرحُ قلبي غيرك.. هيّا.. قمْ.. وخذْ دَوْراً عند أبي صبحي.. كعك العيد- في الصّواني- جاهز..

هذا أنا، أوّل من وصل..

ماأسعدني.. سبقت أولاد الحارة كلّهم، اسم جدّتي أم الطاهر في رأس الصفحة، وكعك جدّتي بحبّة البركة واليانسون يدخل الفرن،...

يتقاطر الأولاد ورائي، حسن وسالم وفادي وعبّودة، ومحمد وأيمن وبشير.. تتألّق عيونهم النّاعسة أمام نور الفرن، يتحلّب ريقهم وهم يَرَوْن الفطائر والهريسة الغارقة في السمن البلدي، والكعك المسمسم، والأقراص المنقوشة..

سهرت جدّتي الليل بطوله مع أمّي وعمّتي من أجل كعك العيد، وجدّي لايحبّ إلاّ كعكات جدّتي.

لايأكل حلوى إلا من صُنْع يديها.. وأبي كذلك، وأمي وعمّتي وأنا وإخوتي.. والأقارب، والجيران وأهل الحارة..

ما إن يقترب العيد حتى نتحلّق حول الجدّة ما أجمل السهر والسّمر والحكايات التي نسمعها..

ونمدّ أكفّاً صغيرةً منمنمة.. ولا ندري كيف تُرْبَطُ- بعدئذ- في أكياس قماشية، تشدّ جدّتي

وتقول:

- ضمّوا أصابعكم هكذا..

وتحذّر أمّي:

- ارفعوا أيديكم، بعيداً عن الأغطية والملاءات البيض!..

أرفع صوتي محتّجاً:

- ولكنْ.. أكبر كعكة من نصيبي!

تبتسم جدّتي وتهمس في أذني:

- أكبر كعكة يتقاسمها الجميع.. أنت ولد عاقل!

أهزّ رأسي مقتنعاً:

- نعم .. ياجدّتي.. الكعكة الكبيرة لي ولأخوتي..

حكايات جدّتي تحملنا إلى عالم مسحور.. نسافر إلى بلاد مجهولة، نقطع غابة، نتسلّق جبلاً، نعبر نهراً أو بحراً، أو نهبط وادياً أو منحدراً..

الصّواني صارت جاهزة، والكعك الطّازج يخرج من الفرن،جدّتي تفرك كفّيها بلهفة:

- أنت.. منْ يفرحُ قلبي.. كم أحبّك!..

أقفز أمامها..

- أكبر كعكة من نصيبي!

تمسك جدّتي بكفيّ وتقول:

- انتظر.. ليس قبلَ أنْ..

وتساعدها أمي:

- هاتوا أكّفكم ياأولاد!..

وننام تلك الليلة، أكفَّنا مضمومةٌ، وأصابعُنا مأسورة في أكياس جدّتي القماشية، ننام بهدوء بعد أن يئسنا من إظهار مهاراتنا فوق الوسائد والمساند، لاقفز ولا شقلبةَ ولا دحرجة..

وفي الصباح، صباح العيد، نفتح أعيننا مبكّرين، وتحلّ جدّتي عقدة الأكياس، تحرّرُ أصابعنا، فإذا أكفّنا مخضّبةٌ بالحنّاء، تلك نقوش جدّتي النّاعمة السّحرية!..

نفرد أصابعنا أمام وجوهنا، تضيء شموس، وتركضُ نجوم، لقد تلطّخت راحاتنا الوردية برسوم مدهشة، وها نحن نتذوّق مع جدّتي كعكها الّلذيذ.. وأكبر كعكة نتقاسمها جميعاً..

تلك دارنا، فإذا اجتزتم الدرجاتِ الحجرية في أول حارة النحّاسين، وعبرتم البوابة_ هناك ذات القوس القديم، ستجدونني أمام الباب الخشبي، كفّاي ملطّختان بحنّاء جدّتي، وأنا أنتظركم، لتذوقوا كعك الجدّة، ولن تنسوا طعمه أبدأً..

* القبقاب: حذاء عال من الخشب له سير جلدي.

أضيفت في04/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

حكمـــة الهـدهـد

 

بقلم الكاتبة: حنان درويش

 

دعا الهدهد طيور الغابة منذ الصباح الباكر إلى اجتماع طارئ، وبدا وكأنّ أمراً خطيراً قد وقع، أو هو على وشك الوقوع... فمثل هذه الدعوات لا تحدث إلاّ في حالات نادره.‏

سارعت الطيور تمسح عن عيونها آثار النوم، ومضت في طريقها نحو الساحة الكبيرة، محاولة أن تخمّن سبب هذه الدعوة المفاجئة، وعندما اكتمل الحضور، انبرى الهدهد يتكلّم:‏

- أنتم تعلمون أيّها الأعزّاء أنّ هذه الغابة هي موطننا وموطن آبائنا وأجدادنا، وستكون لأولادنا وأحفادنا من بعدنا.. لكنّ الأمور بدأت تسوء منذ أن استطاعت بندقيّة الصياد الوصول إلى هنا، فأصبحت تشكّل خطراً على وجودنا.‏

- كيف؟.. قل لنا..‏

تساءل العصفور الصغير.‏

- في كلّ يوم يتجوّل الصيادون في الغابة متربصين، ولعلّكم لا حظتم مثلي كيف أخذ عددنا يتناقص، خصوصاً تلك الأنواع الهامّة لهم.‏

مثل ماذا؟‏

تساءل الببغاء‏

- مثل الكنار والهزار والكروان ذات الأصوات الرائعة..‏

ومثل الحمام والدجاج والبط والإوز والشحرور والسمّان ذات اللحم المفيد، والبيض المغذي، ومثلك أيّها الببغاء... فأنت أفضل تسلية لهم في البيوت، نظراً لحركاتك الجميلة وتقليدك لأصواتهم.‏

وقف الطاووس مختالاً، فارداً ريشه الملوّن.. الأحمر، والأصفر، والأخضر، والأسود..‏

 

قال:‏

 

- لابد وأنّك نسيتني أيّها الهدهد، فلم يَردْ اسمي على لسانك، مع أنني أجمل الطيور التي يحبّ الإنسان الحصول عليها، ليزيّن بها حدائقه.‏

- لا لم أنسك، وكنتُ على وشك أن أذكرك... فشكلك من أجمل الأشكال.. ولكنْ حذار من الغرور.‏

قال الحجل بدهاء:‏

- معك حق فيما قلته أيّها الهدهد.. حذار من الغرور. نظر الطاووس نحو الحجل بغضب شديد، اتجّه إليه وهو يؤنّبه:‏

- إنّك لا تقلّ خبثاً عن الثعلب الماكر، ولذا لن أعيرك أيّ اهتمام.‏

حاول الحجل أنْ يردَّ له الإهانة، لكنّ الهدهد هدّأ من حاله قائلاً له:‏

- دعونا الآن من خلافاتكم... فأنتم إخوة ويجب أن لا تنشغلوا عن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا جميعاً.‏

قال الشحرور:‏

- أيها الصديق معك حق.. لقد لامست كبد الحقيقة.. قل لنا ماذا نفعل؟‏

رفع الهدهد وجهه، فاهتزّت ريشاته المغروسة في رأسه... قال:‏

- لقد دعوتكم لنتبادل الرأي في هذا الموضوع.. فليذهب كلّ منكم إلى عشّه الآن، ويأتني غداً في مثل هذا الوقت بالتحديد، وقد حمل إليّ حلاً نستطيع به حماية أنفسنا من بنادق الصيادين.‏

أضيفت في10/03/2006/ خاص القصة السورية/ عن مجموعتها حكمة الهدهد الصادر عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

مملكة الكراسي الخشبيّة

 

بقلم الكاتب: محيي الدين مينو

 

 

إلى صديقي عبد اللّطيف الباير:

-"بُصرى مملكتك، ولا أرضى لك أن تكون ملكاً".

 

يُحكى أن في قديمِ الزمانِ جندياً، غافلَ يوماً الملكَ، وجلسَ على عرشه، وراحَ يصرخُ صراخاً مُدويّاً:

-"أنا الآن ملكُ البلادِ".

تردّدتْ صرختُه في أرجاءِ القصرِ، ووصلتْ أسماعَ الملكِ وحاشيتِه الّذين فاجؤوا الجنديَّ، وهو مازالَ جالساً على العرشِ، يرتجفُ من هَوْلِ المفاجأةِ، والجنودُ يُشهرون سيوفَهم الّلامعةَ في وجهِه، ولكنّ الملكَ أمرهم أن ينصرفوا عنه، ويتركوه وهذا الجنديَّ.

نهضَ عندئذٍ الجنديُّ من مكانِه، فأشار إليه الملكُ أن يجلسَ، فجلس، والسّيافُ يتراءى أمام عينيه المذعورتين شاهراً سيفه، يهُمّ بضربِ عُنقِه، فيرتعدُ هَلَعاً وخوفاً. حاول الجنديّ أن يفتحَ عينيه، ويرفعَ رأسَه قليلاً، فلم يستطعْ، وحاولَ أن ينهضَ من مكانِه ثانيةً، فلم تحملْه قدماه، والقصرُ يدورُ به، فلا يهدأُ، ولا يستقرُّ.

سأله الملكُ مستغرباً:

-أتظنُّ أنّ هذا الكرسيَّ الخشبيَّ يجعلُكَ ملكاً؟!".

أجابَ الجنديُّ، وهو يتلعثمُ:

-"هو مجرّدُ حُلُمٍ، يا صاحبَ الجلالةِ، ظلَّ يراودني منذ صغري".

ثمُ أردفَ الملكُ ضاحكاً:

-"أنتَ الآن ملكٌ، وأنا أحدُ رعاياكَ. بمَ ستحكمُ عليّ لو انقلبتُ عليكَ".

هبَّ الجنديُّ واقفاً، وقالَ معتذراً:

-"أستغفرُ اللهَ، يا صاحبَ الجلالةِ، ما أنا إلاّ عبدٌ من عبيدِكَ".

قالَ الملكُ:

-"اجلسْ، اجلسْ، أيّها الجنديُّ، وقلْ لي: كيف ستحكمُ بين هؤلاء النّاسِ الذين لا همَّ لهم إلاّ التآمرُ عليّ وعلى مملكتي".

قالَ الجنديُّ، وهو مطرقُ الرّأسِ:

-"إنّهم-يا صاحبَ الجلالةِ- لا يستحقّون إلاّ الموتَ، فلا رأفةَ بهم، ولا عطفَ عليهم".

قالَ الملكُ:

-"لا شكّ في أنّكَ جنديٌّ مخلصٌ لي وللوطنِ. أيّها الجنديُّ، أنتَ منذ اليومِ وليُّ عهدي الأمينُ".

يُحكى بعدئذٍ أنّ وليَّ العهدِ انقلبَ يوماً على الملكِ، وزجّه في السِّجنِ، حتّى ماتَ، وجلسَ على عرشِه منتشياً، لا يفارقُه لحظةً، ولكنّ جنديّاً غافله يوماً، وجلسَ عليه، وهو يقولُ:

-"أنا الآن ملكُ الزّمانِ".

ويحكى أنّ الملكَ تلمّسَ عندئذٍ رأسَه، وهو يرى أحدَ جنودِه يجلسُ مكانَه، وأمرَ من فوره السّيافَ أن يضرِبَ عنقَه، حتّى يكونَ عِبرةً لغيره من الجنودِ الذين لا يروقُ لهم من كراسي القصرِ جميعِها إلاّ كرسيُّ الملكِ.

دبيّ في 10/3/1999

أضيفت في 06/02/2006 / خاص القصة السورية /عن مجموعته مملكة الكراسي الخشبية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

أحلام صبي

بقلم الكاتبة: جمانة طه

 

أحس فارس بالضجر من القراءة، ومن حلّ المسائل الحسابية.

فتح التلفاز، وراح يشاهد بعض أفلام الكرتون التي أدخلت الدهشة إلى قلبه، والخيال إلى عقله. فاندمج مع بطل الفيلم الذي كان فارساً من فرسان أيام زمان، يرتدي الدرع ويضع الخوذة على رأسه والقناع على وجهه ويحمل بيده سيفاً طويلاً.

تخيل فارس أنه بطل يدافع عن أخوته وأصدقائه في فلسطين المحتلة.

نادى أمه، وقال: أنا فارس من الفرسان، أريد أن أذهب وأنقذ المظلومين.

قالتلـه أمه: لا تزال صغيراً يا فارس، افعل هذا عندما تكبر.

- أنا ضجر جداً وأريد أن أفعل هذا الآن.

ضحكت أمه، وقالت: إنك لست فارساً، بل صبي صغير.

- ولكني ضجر ومتضايق، وسأذهب الآن بعيداً.

مسحت أمه على رأسه بحنان، وقالت: إذا ذهبت يا صغيري، فسألحق بك إلى أي مكان تذهب إليه.

- إذا لحقتِ بي، فسأصبح سمكة في جدول غزير المياه، وأسبح بعيداً.

- إذا أصبحتَ سمكة في جدول عزير المياه، فسأصير صياداً، وأصطادك.

- إذا صرتِ صياد سمك، فسأصبح أنا صخرة على جبل عال، ولن تتمكني من الوصول إلي.

- إذا أصبحتَ صخرة على جبل عالٍ، فسأتعلم كيف أتسلق الجبل، وأتبعك أينما كنت.

- إذا تسلقتِ الجبل، فسأختبئ في حديقة بعيدة عن الأنظار.

- إذا اختبأتَ في حديقة بعيدة عن الأنظار، فسأصبح بستانياً وأجدك.

- لن تستطيعي، لأني سأتحول إلى طائر وأحلق بعيداً في السماء.

- إذا تحولتَ إلى طائر، فسأصبح شجرة تأتي إليها، وترتاح على أغصانها.

- إذا أصبحتِ شجرة، فسأصير قارباً صغيراً وأبحر بعيداً.

- إذا صرتَ قارباً صغيراً، فسأصير ريحاً وأحرك قاربك إلى حيثما أشاء.

- عندها سألتحق بسيرك، ألعب على الأرجوحة وأطير من طرف إلى طرف.

- إذا التحقتَ بسيرك، فسأصير لاعبة سيرك، أمشي في الهواء على حبل مشدود، وأصل إليك.

- إذاً سأصبح أرنباً، وأقفز في الغابة من مكان إلى مكان آخر.

- إذا أصبحتَ أرنباً، فسأصير حقلاً من الجزر لتأكل منه ما تشاء.

سكت الصبي برهة، ثم قال: في هذه الأحوال من الأفضل لي، أن أبقى في البيت كما أنا.

ردت عليه أمه: وستجدني دائماً بقربك يا صغيري، أرعى شؤونك، وأسهر على راحتك، وأبعد عن نفسك الضجر.

قبَّل الصبي أمه، فقبلته وضمته إلى صدرها في عناق حنون.

أضيفت في06/02/2006/  خاص القصة السورية / من مجموعتها مغامرة سمكة الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الأجمل

 

بقلم الكاتب: محمد قرانيا

 

قصص قصير جدا

 

في الربيعِ، والشمسُ مشرقة

حطّ عصفورٌ دوريٌّ على سور المدرسة

سمعَ المعلمةَ

تسألُ الأطفالَ

عن أجملِ امرأةٍ في الوجودِ

لكنَّ العصفورَ طار.

وتنقَّلَ من مكانٍ لمكان.

يسألُ عن أجملِ امرأة

وحين عادَ

والشمسُ لا تزالُ دافئةً.

حكى للفراخِ الصغارِ.

عمّا رأى في النهار.

قال:

ذهبتُ إلى الرسّام.

قلتُ: يا فنَّانَ اللونِ الأجمل

أريدُ لوحةً

لأجملِ امرأةٍ في الوجود.

قال: اذهبْ إلى البستانيّ

***

قلت: يا فنّانَ الروضِ الأخضرِ.

أريدُ وردةً ناضرةً

لامرأةٍ رائعةٍ

قال: اذهبْ  إلى  بائعِ الوردِ.

***

يا بائعَ الورد:

أريدُ وردةً صافيةً مثل عينيها

قال: اذهب إلى بائع الزنابقِ.

***

يا بائع الزنبقِ:

هل مَسَحَتْ على رأسِكَ أصابعُ الحنان؟

وهل ربتتْ على كتفك يدٌ حانية؟

أريدُ زنبقاً كأصابعها.

قال:  اذهبُ إلى بائع الحرير..

***

يا بائعَ الحريرِ:

هل شاهدَتْ أزهارَ الياسَمين؟

أريدُ ثوباً لأجملِ امرأةٍ.

قال:  اذهبْ إلى ذلك البيتِ القريبِ.

***

في البيت القريبِ المجاور.

وجدتُ اللوحةَ الجميلة.

رأيتُ امرأةً تعمل بمهارةِ.

تمسحُ زجاج النافذة.

تسقي أصيصَ الزهرِ.

تقتربُ من طفلٍ صغير.

تُسرّحُ شعرَه.

تعطيه قطعةَ حلوى..

***

الطفلُ الصغيرُ يحملُ حقيبتَهُ المدرسية.

وعلى ثغرهِ ابتسامة

يُقَبّلُ يدَ المرأةِ.

وقبلَ أن ينطلقَ

يقولُ: "شكراً يا ماما" 

 

كأس ماء

 

 

غسلتْ ليلى الكأسَ جيَّداً، ثم ملأتْها ماءً، وسارتْ نحو أبيها.

كانَ أبوها يقرأُ الجريدةَ في ظلِّ شُجيرةِ الياسَمين.

عندما صارتْ ليلى قربَ أبيها. طارتْ زهرةُ ياسَمينٍ، وسقطتْ في الكأسِ.

توقَّفتْ ليلى، وفكَّرتْ لحظةً...

سألها أبوها:

ـ مابكِ يا ليلى؟ أعطني الكأسَ.

ابتسمتْ ليلى وهي ترى أوراقَ الياسَمينةِ يُحَرِّكُها الهواءُ، فتصلُ إليها رائحتُها المنعشةُ، وظلَّتْ واقفةً.

أعاد الأبُ سؤالَهُ:

ـ مابكِ يا ليلى؟!

ابتسمتْ ليلى من جديدٍ، وقالتْ:

ـ الياسَمينةُ تشيرُ إليَّ... إنها عطشى!

سقتْ ليلى الياسَمينَة، ثم ملأتِ الكأسَ من جديدٍ، وانحنتْ قليلاً، ثم قالتْ مبتسمةً:

ـ تفضَّلْ يا بابا... 

 

الوردة

 

 

شمَّتْ (عبير) الوردةَ الحمراءَ، وقالتْ:

ـ هذه الوردةُ جميلةٌ. سأقدّمها إلى معلَّمتي.

لكنَّ أخاها (خالداً) اعترضَ، وقالَ:

ـ سآخذها ـ أنا ـ وأقدِّمُها إلى معلِّمي.

أمسكتْ (عبير) الوردةَ وأبعدتها.

لكنَّ (خالداً) شدَّها...

فحزنتِ الوردةُ، وتناثرتْ أوراقُها على الأرضِ.  

 

انظروا

 

راقبوا جيِّداً

صديقيَ الصغيرَ

إنه يأخذُ من أبيهِ قطعةَ النقودِ

ويركضُ مسرعاً إلى الحانوتِ.

انظروا إليه

انظروا جيِّداً

إنه كعادتهِ كلَّ يومٍ

يشتري (بالوناً).

انظروا  كيف ينفخ (البالون).

ينفخُ....

والبالونُ يكبرُ.. يكبرُ...

ثم ينفجرُ!!!...

 

بالون سامر

 

كنتُ مع أهليّ على ضفِّةِ النهرِ، نتمتَّعُ بالمنظرِ الجميلِ...

قلتُ لأخي سامر:

ـ تعالَ نشاهدِ الصيَّادين.

وقفنا دقائقَ ننظرُ إلى الصيادين، وهم يصطادون السمكَ... تمنَّيتُ لو كان معنا (سنارة) نصطادُ بها، ونجرِّبَ حظَّنا...

قلتُ لسامر:

ـ سأشتري شيئاً أتسلَّى به، من الدكان.

ذهبنا إلى الدكانِ القريبِ. كان يحتوي على كلِّ شيءٍ... اشتريتُ قصَّةً ملوَّنةً، لكنَّ سامراً قرَّرَ شراء (بالون).

سألتهُ:

ـ لماذا اخترتَ (البالون)؟

فأجابَ:

ـ لأنَّه يسلِّيني طوالَ الوقتِ.

ضحكتُ في سرِّي، وجلستُ على مَرجٍ أخضرَ بجانب أُمِّي وأبي، أمامَ النهر، وأخذتُ أقرأُ القصَّة، بينما نفخَ سامرٌ (البالون)  فصارَ كبيراً.. كبيراً، حتى ظننتُ أنَّهُ سينفجرُ!...

بدأ سامرُ يلعبُ بالبالون. يضربه بيده، فيعلو قليلاً في الجوِّ، ثم يلحقُ به، والسعادةُ تغمرُ نفسَه. لكنَّه ضربَه ضربةً قويةً بيدهِ، فاندفع (البالونُ) بعيداً...

لاحقناه جميعاً بأنظارنا، حتى رأيناه يحطُّ مثلَ بطَّة فوق الماءِ! ... وذهبَ مع النهرِ... مسكينٌ سامر!!.. ظلَّ ينظرُ إليه حتى غابَ عن الأنظارِ، وقد بدتِ الخيبةُ على وجهه... وحين التفتَ إليَّ حزيناً. شاهدَني أطالعُ قصَّتي الملوَّنةَ، ولكني كنت ـ في الحقيقةِ ـ أضحكُ من أعماقِ قلبي، ضحكةً طويلةً...  

 

سهرة

 

 

ذاتَ ليلٍ ربيعيٍّ دافئٍ، أحبَّتْ ليلى السهرَ في ضوءِ القمر، حتى ساعةٍ متأخِّرةٍ.

قالتْ لها أُمُّها:

ـ هيَّا يا ليلى. اذهبي إلى النوم.

قالتْ ليلى:

ـ لكنِّي أحبُّ القمرَ.

ـ القمرُ (سيزعلُ) منكِ. إذا لم تنامي الآنَ.

قالت ليلى للقمرِ:

 

ـ هل صحيحٌ (ستزعلُ) منِّي لأني أُحبُّ السهرَ معك؟

ابتسمَ القمر، وغمرها بأشعَّتهِ الفضيَّة.

عندَ الصباحِ استيقظْت ليلى متأخَّرةً، ونظرتْ إلى أمّها تعاتُبها:

ـ لماذا لم توقظيني باكراً؟

ردَّتِ الأمُّ:

ـ لأنَّ القمرَ قد (زعلَ) منكِ.

عندئذٍ أدركتْ ليلى خطأها، واعتذرتْ من أُمِّها قائلةً:

ـ لن يزعلَ القمرُ مني بعدَ اليوم، لأني سأنامُ باكراً.

أضيفت في06/02/2006/ خاص القصة السورية / من مجموعته سرب عصافير الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

من اجل قطرة ماء

 

بقلم الكاتبة: لبنى ياسين

 

طق... طق... طق ... يكاد رأسه ينفجر وتدوي الضربات فوق دماغه بطريقة مرعبة ... وضع الوسادة فوق رأسه عله يهرب من هذا الصوت المزعج إلا انه لم يفلح ...طق ...طق... طق ... اللعنة على هذا الصنبور, منذ شهور وهو ينقط بالطريقة نفسها إلا أنها المرة الأولى التي يزعجه فيها ذلك فعلا ... ربما كان السبب في ذلك طفلاه اللذان فاجآه وهو يغسل سيارته, فأخذا يرميان في وجهه بحماس وأدب  كل ما قالته لجنة ترشيد المياه والتي كانت لحظه العاثر في زيارة للمدرسة في أسبوع التوعية لتعليم الأطفال فوائد الترشيد كي تطلعهم على مضار هدر المياه بطريقة مستهترة, طق... طق ...طق ... يا لهذه القيلولة المزعجة, يكاد رأسه ينفجر والصنبور يرفض أن يغلق فمه مبتلعا صرخة الاستغاثة المشؤومة التي كانت تنطلق من فمه دون استجابة, بينما تتردد الآية الكريمة التي زرعها ابنه في رأسه ناصحاً "إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين ",  وأخيرا وبعد حرب ضروس بين رأسه وأذنيه وصنبور الماء استكان  مستسلما لإغفاءة هو في أمس الحاجة إليها.

الصنبور مرة أخرى وهو ينقط في وعاء كبير هاجمه في الحلم, امتلأ الوعاء حتى بدأ الماء بالسيلان عن حوافه, ثم تضخم و تضخم وعاء الماء حتى وجد نفسه فجأة في لجة أمواج عاتية قزما يحاول النجاة بحياته, لم يستطع أن يقاوم لأمواج التي تتقاذفه يمنة ويسرى وترفعه تارة فوقها ثم ترميه تارة أخرى في عمق جسدها الغاضب وهو عاجز عن فعل أي شئ ... حتى الصراخ, فجأة رمت به موجة ضخمة على الشاطئ الرملي, تلفت حوله فإذا بالرمال تحيط به من كل صوب وقد كشفت الشمس عن نواجذها بينما اختفى الماء تماما كأنه لم يكد يغرق فيه منذ لحظة, بدأ يتصبب عرقا من شدة اللظى القادم من قرص الشمس, تلفت يمنة ويسرى عـله يرى ولو جدول ماء صغيراً إلا أن المكان كان صحراء قاحلة ...على امتداد النظر لم يكن ثمة كائن غيره برفقة  الشمس و السماء  والرمال المشتعلة بلهيب الشمس... لا شئ مطلقا سواهم.

شد قدميه شداً ليُخرج نفسه من هذا المكان, إلا انه لم يكن هناك أية إشارة لوجود كائن حي واحد ولا حتى شجرة صغيرة يحتمي بها من أشعة الشمس الحارقة, بينما بلغ العطش مبلغه وجف حلقه وتيبست شفتاه, قال في نفسه: قد ادفع نصف  عمري الآن من أجل كأس واحد من الماء لكن أحداً لن يرغب بهذا الثمن أو غيره إذ لا أحد مطلقا سواه في هذا المكان .

اشتد عطشه اكثر ...  لم يعد يستطيع التنفس ... أحس انه يوشك على الاختناق ودارت في خلده ذكريات كان فيها الماء متوفرا بشكل مريح ... لم يكن يعلم أن الماء ثمين إلى هذا الحد ... تذكر سيارته التي كان يرويها بمئات الليترات من الماء لتبدو لامعة ... لو أن كأسا واحدا من هذه الليترات يأتيه الآن وسيدفع مقابله كل ثروته ... إلا أن شيئا من هذا لم ولن يحصل ...هربت من عينه دمعة رسمت طريقا لها على خده ... فكر في نفسه ملهوفاً إنها قطرة ماء  ومد لسانه صوبها في محاولة لاصطيادها علها تخفف من لوعة الكبد لقطرة ماء ... هل كان الماء غاليا حتى هذا الحد ؟؟؟

نزلت من عينه دمعة أخرى كان يحاول اصطيادها عندما رنت الساعة معلنة انتهاء قيلولته, فتح عينيه فإذا هو في المنزل وإذا بالصحراء كابوسا دمرته رنة الساعة, لكن صنبور الماء ما زال ينقط ... طق... طق... طق... ودون أدنى تفكير هرول نحو الهاتف يطلب السمكري ليقوم بإصلاح الصنبور وفحص بقية أنابيب المياه .

أضيفت في06/02/2006/ خاص القصة السورية (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الثلج الدافئ

 

بقلم الكاتب: نور الدين الهاشمي

 

توقف الثلج عن الهطول، لقد خلعت الغيوم أرديتها البيضاء فوق أسطحة المنازل والأشجار والطرقات وظهور السيارات. أسند سحبان رأسه إلى النافذة يرنو بحزن إلى الطبيعة... نعم بحزن فهو لن يستطيع الخروج ومشاركة رفاقه اللعب هذا اليوم الذي انتظره طويلاً، لقد شُفي منذ أيام من مرضه واستعاد عافيته، لكنّ أوامر الطبيب كانت صارمة: (استراحة في البيت مدة أسبوع). سامحك الله أيها الطبيب أهذا وقت استراحة؟! انظر إلى الطبيعة ما أحلاها! كلُّ شيء فيها يدعو للركض والقفز والتراشق بكرات الثلج. لقد رجا والديه أن يأخذاه معهما إلى بيت جده لكنهما رفضا، تخيّل سحبان بيت جده الآن... الثلج يغطي قرميده الأحمر كما يغطي أرض الدار الواسعة ورخام البركة ويكسو شجرة النارنج ثوب عروس ناصع البياض. أما جده فسوف يكون جالساً قرب مدفأة الحطب وقد ارتدى عباءته يشرب الشاي الساخن ويحكي لوالده مغامرته حين فاجأه الذئب في ليلة مثلجة وكيف حطّم رأس الذئب بعصاه، أما القط (نمّور) فهو راقد حتماً بخمول عند قدمي الجد وتمنّى سحبان لو كان هناك لأجبر هذا القط الكسول على الخروج واللعب معه في الباحة البيضاء.

 

أفاق من حلمه وتراءت لـه من بعيد رؤوس أشجار السرو في الحديقة ترتدي عمائم بيضاء سوف يذهب رفاقه إليها ويطاردون بعضهم بكرات الثلج. ستحمرّ أيديهم ووجوههم ويغمرهم شعور بالفرح والسعادة وبعد أن يتعبوا من الركض والمطاردة سوف يصنعون تمثالاً من الثلج رأسه كالملفوفة وعيناه من أغطية العلب وأنفه جزرة كبيرة وربما ألبسوه معطفاً قديماً ووضعوا على رأسه قبعة صيّاد كما فعلوا في العام الماضي، ولكنْ لا أحد من رفاقه قد تذكّره حتى الآن، لم يتصلْ به أحد أو يطرق الباب... لقد نسوه.. فالجميع قد خرجوا يحتفلون بالثلج، شعر سحبان بالبرودة تنتشر في جسده إنه يرتعش... ترك النافذة وجلس قرب المدفأة.. أشعل التلفاز.. قلّب المحطات... غناء.. صراخ... مطاردات.. حيوانات... شرطة... سيّارات... مخلوقات عجيبة... ولكن لا شيء فيها يشدّه أو يزيل الحزن عنه. أطفأ التلفاز.. ما زال يرتعش، ليس مريضاً إنه واثق من ذلك ولكنّ ماءً بارداً ينسكب فوق قلبه، اتجه إلى مكتبته الصغيرة قلّب الكتب والمجلات باحثاً عن شيء يسليه ولكنه اكتشف أنه قد قرأها جميعاً... ربما كان جائعاً... كلا إنه لا يشعر بميل إلى الطعام، اتجه نحو المسجلة ضغط زرها... أحس بالموسيقا تزيد إحساسه بالبرد أغلقها... بحث في الأشرطة فلم يعثر على شريط واحد يفرحه.

استلقى أخيراً على الديوان أغمض عينيه محاولاً جلب أطياف النوم ازداد شعوره بالصقيع غطى جسده... إنه يرتجف... ما زال مريضاً... كلا.. إنه وحيد... كاد أن يبكي.. فجأة رن جرس الهاتف.. قذف سحبان الغطاء ووثب نحو الهاتف.

-ألو.. ألو.. مَنْ..؟ ارفع صوتك... أرجوك

-أنا مهند

-أهلاً.. أهلاً.. لا.. لا.. لست مريضاً... أنا بخير ولكني لا أستطيع الخروج..

-ستأتي مع الرفاق لزيارتي... أنا بانتظاركم... مع السلامة... مع السلامة.

قبّل سحبان سماعة الهاتف مراراً ثم أعادها وأخذ يقفز ويصرخ فرحاً كمهر نشيط ثم أسرع نحو النافذة يرقب بفارغ الصبر قدوم رفاقه، زال إحساسه بالبرد تماماً، الدفء اللذيذ يغمر روحه وجسده أما الثلج الذي غفا بغطائه الأبيض الناصع فوق كل شيء فقد شعر سحبان بأنه دافئ وحنون.

أضيفت في06/02/2006/ خاص القصة السورية / من مجموعته أزهار الصداقة الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الببغاء الرمادي الساخر

 

بقلم الكاتب: خليل بيطار

 

كان أحمد صديقاً للطيور، محباً لها إلى درجة جعلته قادراً على تمييز أصواتها وأنواعها دون رؤيتها أحياناً، وقد اشترى له أبوه مجموعة نادرة منها مكافأة له على تفوقه الدائم، وهكذا غدا لديه بلبل وحسون وكناري وعاشق ومعشوق…

نجح أحمد إلى الصف الأول الإعدادي بتفوق كعادته، وأراد أبوه أن يقدم له هدية، وترك له حرية اختيارها، ومضيا معاً إلى محل بيع الطيور، وشاهدا أقفاصاً كثيرة منها طيور نادرة وسمعا تغريدها الجميل، لكن أحمد مال إلى قفص فيه ببغاوان: أحدهما أخضر سمين، يطلق صيحات مهللة، ويرحب مثل صاحب المحل بكل زبون،  ويقلد هذا ويمازح ذاك، ثم يلتفت كي يتأكد من جمال حركاته وتقليده، وصاحب المحل يثني على موهبته، ويهديه مزيداً من بذورعباد الشمس…

والببغاء الثاني رمادي أقرب إلى السواد، بأرجل منقطة ونظرة  متحفزة، وصمت  لم يكتشف صاحب المحل سببه..

راقب  الصبي الببغاء الرمادي الصغير الصامت داخل القفص، وتجاهل شروح البائع، ونظر بعينين حانيتين إلى الببغاء السجين، الذي قابلهما ببعض الاهتمام..

كان الأب يميل إلى شراء الببغاء الأخضر، لكنه لاحظ اهتمام أحمد بالببغاء الرمادي، فسأل البائع عن الحركات التي يجيدها، دون أي تصور لاقتناء طائر نحيف مكتئب مثله..

قال البائع: إنه ببغاء محير، لا ينفذ أي أمر يطلب منه، وهو دائم السخرية من بعض المارة. وقادر على اكتشاف اللصوص بمجرد رؤيتهم عن كثب، وحين يقترب واحد منهم أو أكثر نحوه يصيح: أمسكوا اللص، لص، لصان، ثلاثة …مغارة علي بابا.. وقد حاول بعض اللصوص سرقته، لكنه اكتشفهم وأنقذ المحل، ولم يعد اللصوص يمرون من هنا، وقد خسرنا بسببه عدداً من الزبائن…

وأضاف البائع: إنه يسخر حين يرى مشهداً عجيباً، أو مفارقة محزنة، وقد يشتم أحياناً، ويضعنا في مواقف حرجة..

تجاهل الأب شروح البائع منذ نطق جملته الأولى عن الببغاء الرمادي الساخر، وانصرف اهتمامه إلى تخيل ثمن الببغاء الأخضر السمين، وجمال وقفته عند الشرفة، أو في غرفة الجلوس، لكن أحمد، قال بحزم:  يعجبني هذا الببغاء الساخر، ولن أشتري سواه..

اضطر الأب إلى شراء الببغاء وقفصه، وأَلِفَ الببغاء الرمادي أهل أحمد، وبات يخرج من القفص، ويطير إلى الحديقة، ويراقب المارة، وينقل مفارقاتهم المضحكة إلى صديقه، الذي يرويها بدوره لأفراد الأسرة، فيغرقون في الضحك..

كان الطائر الرمادي يصيح أحياناً، "قذر" لمن يرمي القمامة في الطريق، و"غبي" لمن يلعب وسط الشارع، و"متطاول" لمن يقطف ورود الحديقة  و"بليد" لمن لا يقدم المساعدة للآخرين، و"مهمل" لمن يتأخر عن المدرسة و"منافق"، لمن يكثر المديح، وكان يردد مفردات كثيرة لا يعرف أحد كيف حفظها مثل: حديث فارغ، مراوغة، خنوع، غش، فساد، جبن….

وكان الصبي يسمع الكلمات ويبتسم، ويشجع الببغاء ويتعلم منه..

حاصرت النظرات الببغاء الرمادي، وأطلقت التحذيرات نحو الصبي وأهله قائلة: أسكتوا هذا الثرثار المخرف، لكن الببغاء ظل يتمتع بتشجيع أحمد وحمايته.

وصباح جمعة شتائي، تأخر الصبي في النوم، وحين استيقظ لم يسمع صوت الببغاء ودُعاباته، ولاحظ حزناً في العيون، ووجه نظرة متسائلة إلى أبيه، الذي قال: لقد رحل الببغاء…

وقبل أن يطلق أحمد احتجاجه الحزين، سارع الأب إلى القول: لا تحزن، فلا مانع عندي من شراء الببغاء الأخضر، فهو يحسن التقليد، ويبهج، ولا يؤذي مشاعر أحد.

قال الصبي: تريدني ببساطة أن أنسى صديقي، الذي ملأ البيت حبوراً، وكشف الحقائق المخبأة خلف الأقنعة، لقد كبرت، وتعلمت كثيراً، من صراحة صديقي الببغاء الرمادي الساخر المتمرد، ولم أعد بعد اليوم بحاجة إلى أي ببغاء!..

آب / 2000.

أضيفت في06/02/2006/ خاص القصة السورية / من مجموعته الغيمة المستكشفة الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الأرنوب

بقلم الكاتب: د. أسد محمد

 

مرّ فيل ضخم وسط بيوت الأرانب فهدم بيت الأرنب الكبير ، انزعج الجميع من أجله،و قرروا مساعدته في بناء بيت جديد له ، رفض قائلا :

-إن الطقس بارد و لا احتمل الانتظار حتى تبنوا لي بيتا جديداً .

حاولوا أن يفهموا  منه ماذا يريد ، و اقترحوا عليه أن يجهزوا له البيت المهجور مؤقتاً ، فقال لهم :

-أنا الأرنب الكبير و تريدونني أن أنام في بيت مهجور وغير نظيف.

قدموا له عدة اقتراحات أخرى ، تظاهر بالغضب  وابتعد عنهم ، تفقد البيوت مساءً فأعجبه بيت الأرنوب النشيط ،و دون أن يسأله ، دخل البيت وقال :

-هذا بيتي الجديد ، هيا اخرج منه .

تدخلت الأرانب و قالت :

- البيت للأرنوب ولا يحق لك أخذه .

 هزّ رأسه ساخراً، وقال ،

-لن أسمح له بالدخول إليه أبدا .

تجنبت الأرانب الدخول معه في خلاف لأنهم يعرفون جيداً قوته و المشاكل التي يمكن أن يسببها في حال غضبه  ، تدخل الأرنوب، وقال :

- قد يغضب و يؤ ذيننا جميعاً،  سأبني بيتا جديداً.

اختار المكان و بدأ يحفر و كراً ، فجأت الأرانب وساعدته ، وتمكن من بناء بيت  بسرعة كبيرة ، شكرهم على مساعدته ، عاشت الأرانب بعد ذلك بسلام ، لكن الأرنب الكبير انزعج و ظن أنهم تحدوه  بسبب مساعدتهم للأرنوب ، و اعتقد أنهم لا يزورونه بسبب انزعاجهم منه .

فيما بعد أوضحت له الأرانب أنهم كانوا منشغلين بجمع الطعام لذا لم يتمكنوا من زيارته ، لم يقتنع بكلامهم ، وقال في نفسه :

-لا يزالون غاضبين مني ، وسأعاقبهم .

اندفع مساء اليوم التالي و احتل بيت الأرنوب النشيط  و طرده منه ، ثم نام فيه  ، توقع في الصباح أن مشكلة ستحدث  وسيخرب على الأرانب حياتهم الآمنة ، لكن الأرنوب ترك الأمر سراً كي لا يزعج أحداً ، تصرف بذكاء و نام في بيته القديم الذي أخذه منه الأرنب ، و هكذا راح الأرنوب  ينتظر حتى ينام الأرنب في أحد البيتين ، ثم ينام في الآخر ، وقال :

- لقد أصبح لي بيتان : بيت قديم و بيتي الجديد  .

بعد فترة سأل الأرنب الكبير نفسه:

-لماذا لم تحدث أية مشكلة ؟ و أين ينام الأرنوب ؟

راقب الأرنوب واكتشف السر ، فقرر أن يمنعه ، ووقف في منتصف المسافة بين البيتين، وقال :

-سأحرسهما جيدا ، وأنام هنا، أو الأفضل أن أبني بيتا بينهما ، وأمنعه من النوم في بيتي .

 فكر في الأمر قليلا وتابع :

-لن أتمكن من بنائه وحدي ، و لن يساعدوني  .

 وقف مساءً بين البيتين ،أحس الأرنوب بما يخطط له الأرنب وبأنه سيمنعه من النوم ، فراقبه حتى تعب ونام ، ثم تسلل ونام في بيته  ، وعندما علم الأرنب بذلك ، اعترف أن الأرنوب النشيط أذكى منه  ، وبأن خطته فشلت ، فكر في الأمر طويلا ، و أخيرا قال:

-يكفيني بيت واحد ،ولايمكنني النوم في بيتين في الوقت نفسه.

أضيفت في10/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

 القويقة

حكايات عمتي حكايةشعبية للأطفال

 

بقلم الكاتب: نزار ب. الزين

 

كانت جمانة  إحدى جواري  ملك مملكة سهرورد ، و كانت أثيرته ، يحيطها بعنايته و حبه ؛ و ذات يوم أسرَّت له أنها حامل . فرح الملك  و  وعدها  إن أنجبت ذكرا أن يعتقها و يضمها إلى زوجاته ؛ و من ثم أمر قهرمانته* ألا تسند إليها بعد اليوم أي عمل ، و حتى إشعار آخر . و هكذا قضت شهور حملها محاطة بالرعاية و التدليل إلى أن حان و قت ولادتها .

كانت المفاجأة صاعقة ، عندما إكتشفت الداية أن المولود طائر أنثى من فصيلة الغربان يطلق عليه العامة إسم ( القاق ) .

ما  أن رأت النور ، حتى رفرفت بجناحيها  ثم طارت إلى أعلى نافذة من نوافذ الغرفة  العلوية .

استغرب الحضور هذه الظاهرة العجيبة ثم  أطلقوا على جمانة لقب ( أم القويقة ) ،  و عندما تنامى خبر ( القويقة ) و أمها إلى مسامع الملك ، غضب غضبا شديدا ، و أمر بإعادة جمانة إلى المطبخ ، لتقوم فيه بوظيفة تقشير البصل و الثوم .

ثم أخذت جواري القصر و سيداته و عبيده  و أطفالهم ، يرشقون القويقة  بأي شيء  يقع في متناول أيديهم في كل مرة يصادفونها  ، دون يتمكنَّ من إصابتها أحد ، فقد  كانت تتنقل بين النوافذ العلوية  من إفريز لأخر بمهارة فائقة ، و هي تصيح محتجة : " قاق .. قاق .. "

و لكن في الليل ، كانت تنحول (القويقة) إلى  طفلة حلوة تندس في فراش أمها ،  فتضمها هذه إلى صدرها حانية و ترضعها من لبنها ، و قد آلت على نفسها أن تكتم سرها و أن تحتمل إضطهاد الجميع لها ، خشية أن  يظن الآخرون أنها من الجن  أو العفاريت ، فيلحقون بهما الأذى .

و استمرت (القويقة) في سلوكها هذا ، تتحول إلى طائر في النهار و إلى طفلة رائعة الجمال في فراش أمها في الليل .

و ذات يوم ربيعي ، سمعت ( القويقة )  أن بنات القصر سيقمن بنزهة يجمعن خلالها الزهور البرية و نباتات الخبيزة و الفطر من  بساتين القصر الفسيحة و روابيه ، فقررت (القويقة) أن ترافقهن ، فحملت سلة في منقارها و طارت بها فوق رؤوسهن ، ثم إختفت ، و كم كانت مفاجأتهن كبيرة عندما شاهدنها و قد ملأت سلتها بالخبيزة و الفطر قبلهن ، ثم و هي تسبقهن نحو القصر ، فدخلت إلى حيث أمها  تقشر الثوم و البصل ، فهبطت بسلتها  فوضعتها بين يديها ، ثم إنطلقت طائرة إلى اقرب نافذة علوية .

و عندما  قدم الصيف ، قررت فتيات القصر أن يذهبن إلى  بحيرة قريبة ضمن أسوار القصر ليقضين  يومهن هناك .

و بينما كن  يلعبن و يتراشقن بالماء و تسبح منهن من تجيد السباحة ، لحقتهن (القويقة) ثم وقفت في أعلى شجرة جوز و أخذت تشاهدهن و تراقب لعبهن ، و تبحث في الوقت ذاته عن ركن يمكنها أن تسبح فيه و هي متوارية عن أظارهن .

و ما لبثت أن عثرت على المكان المناسب في طرف البحيرة ، تظلله  أشجار الصفصاف و قد أمتدت أغصانها فوق سطح البحيرة .

طارت إليه في الحال ، و ابتدأت تخلع ثوب الطائر الأسود الذي كانته ، لتخرج منه ( صبية لبية تقول للقمر غيب لأجلس مكانك قاضي و مفتي و نقيب )* ثم إبتدأت تغطس في الماء البارد المنعش و تعبث به و هي في غاية النشوة و الحبور.

تصادف أن مر صفي الدين إبن  وزير الملك الأول قرب البحيرة أثناء عودته من رحلة صيد و قنص ، فشاهدها و هو في غاية الذهول و هي تنض عنها ثوبها لتتحول من طائر إلى فتاة رائعة الجمال ، فاختطف الثوب و خبأه ، فغطست ( القويقة ) في الماء  فلم يعد يظهر منها غير رأسها ، و أخذت ترجوه أن يستر عليها و يعيد إليها الثوب .

أجابها جادا : " لن أعيده إليك ، قبل أن تخبريني ، هل أنت أنسية أم جنية " فأقسمت له أنها إنسية بنت أنسي و أنسية ، و أن ما شاهده منها إن هو إلا قدرة إلهية  لا يعلم سرها إلا الله وحده .

رمى إليها بعبائته قائلا : " اما ثوب الطائرالأسود فلن ترتديه بعد اليوم ، لأنك سوف تصبحين زوجتي على سنة الله و رسوله ، ثم أردفها خلفه فوق حصانه و مضى بها إلى حيث سلمها لوالدتها  .

حدَّث صفي الدين والدته بشأنها و أنه قد وقع في حبها و غرامها ، التي  نقلت خبرها لزوجها  وزير المملكة الأول  ، الذي أخبر الملك – بدوره – في  شأنها ، ثم شاع الخبر في القصر و الكل في غاية الدهشة و التعجب بين مصدق و مكذب .

و في اليوم التالي استدعى الملك  جمانة التي أقسمت له أغلظ الأيمان بأنها لم تعاشر من الرجال غيره ، لا من الإنس و لما من الجن ،  و أن ( القويقة ) هي إبنته  ، و أن ماجرى لا تستطيع تفسيره إلا بأنه  من قدرة الله .

تعرف الملك – من ثم -  على ( القويقة ) فضمها إلى صدره و هو يناديها بأعذب عبارات الحب و الحنان ، فبكت من شدة الفرح و أبكت كل من حولهما ؛ ثم أعلن للجميع أن اسم إبنته أصبح منذ الساعة شمس الشموس ، و حذر من يناديها بالقويقة بعد اليوم بأوخم العواقب ، ثم أعلن للملأ إعتاق جاريته جمانة ، و طلب من مفتي الديار عقد قرانه عليها ، لتصبح واحدة من زوجاته ، حرة كريمة ، و أقربهن إلى قلبه .

ثم تقدم الوزيرالأول لخطبة شمس الشموس  من أبيها الملك لإبنه صفي الدين  ، فوافق في الحال .

و عمت الأفراح و الليالي الملاح ، و ارتفعت الأعلام و إنتصبت الزينات ، و قُرعت الطبول و صدحت المزامير ، و أقيمت حلقات الدبكة و الزار ،  في كل أرجاء المملكة ، و أعلن المنادي لسكان العاصمة ألا يأكل أحد أو يشرب إلا في قصر الملك ،  سبعة أيام بلياليها ؛ زُفت في نهايتها شمس الشموس لعريسها صفي الدين .

( و توتة توتة خلصت الحدوته )*

*قهرمانة : رئيسة الجواري

*صبية لبية تقول للقمر غيب لأجلس مكانك قاضي و مفتي و نقيب  : تعبير عامي شائع يستخدم لوصف الفتيات رائعات الجمال

*( و توتة توتة خلصت الحدوته ) : تعبير شعبي يقال عند إنتهاء الحكاية .

أضيفت في10/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

القلم الساحر

بقلم الكاتب: السيد نجم

 

ما أن تستضاء الأرض في مطلع كل نهار, حتى ينهض "توما" من النوم, ويمسح بجبهته التراب, تحية لله, ثم يجمع أدوات الكتابة ..القلم المصنوع من أعواد الغاب, وأحبار سوداء صنعها من نبات النيلة,وملف كبير من أوراق البردي.

بعدها يذهب إلى مدخل سوق القرية, فيكتب للفلاحين الشكاوى والمظالم, وما جعل الجميع يحبونه كثيرا, كما أحبهم.

في صباح كل يوم جديد , يتربع "توما" في جلسته فوق المقعد الحجري. فهو صاحب لقب "حامل القلم", بعد أن درس الحكمة وفنون الكتابة في "بيت الحياة" وهو الملحق بمعبد مدينة "طيبة" عاصمة الدولة. في هذا الصباح بالذات, شاف "توما" علامات الفزع على وجوه الناس, علم أن اللصوص هاجموا كل حظائر القرية في ليلة الأمس, وسرقوا البهائم وأيضا القمح والشعير من المخازن.

 

حزت "توما" حزنا شديدا, وبينما جلس يفكر ويبحث عن حل مناسب, دخل عليه ثلاثة رجال يعرفهم..شيخ البلد, شيخ الخفر, أحد أشراف القرية. رحب بهم, وبدؤا جميعا في حديث طويل.

قال شيخ البلد:

"يا "توما"..إن المسافر يجئ إلينا بالحمير المحملة بالتوابل والملح والأخشاب.

أما أنت فقد سافرت وعدت إلينا بالعلم والمعرفة والحكمة..وميزك الله بالقلم"

تابع شيخ الخفر:

"أعترف أني عاجز عن مواجهة هؤلاء الأشرار, لم تعد قوة رجالي تكفى, أنا

وكل الخفر في حاجة للاستماع إلى حكمة قلمك" 

شارك الشريف قائلا:

"أهل قريتنا طيبون, ليس فينا من يسئ إلى آخر, ونحن معا نطعم الجائع,

ونكسو العاري, ونحترم المسن, ونساعد الأرامل واليتامى"

بانفعال قال شيخ الخفر معلقا:

"ليس عندي غير الرمح والسهم, نمزق بها أجسادهم.. ماذا يفعل "القلم"

المصنوع من الغاب الضعيف؟ الناس في القرية خائف من اللصوص!"

وقف "توما" وكأنه اكتشف الفكرة الساحرة, والحل العجيب المدهش, قال لهم:

" وجدت الحل.. لن نقضى على الأشرار قبل أن نقضى على الخوف الذي يملأ قلوب الناس"

فنظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض في دهشة!!.. من جديد تابع "توما" قائلا:

"من يحاول أن يخرس القلم, سوف يخرسه الله إلى الأبد"

ففهموا ما يعنيه حامل القلم "توما", وانتظروا تفاصيل الفكرة التي يريد تنفيذها.

......               .......               ......               ....

وفى اليوم الجديد, سمع أهل القرية غواق الغربان كلها (صوت الغراب), تساءلوا في حيرة وقلق:

"هذا الصوت نذير سؤ, ماذا حدث ليلة الأمس؟؟"

وخرج شيخ الخفر ورجاله يبحثون عما حدث, فعلموا أن الفلاح الفقير الأخرس "نو" اختفى في ليلة الأمس !. فلما كانت زوجته ممن يتكلمون وليست خرساء, أخبرتهم بالتفاصيل كلها.. وقالت وهى حزينة حزنا شديدا:

"بعد منتصف ليلة الأمس, دخل علينا ثلاثة لصوص ملثمين, يضعون قطعا من الكتان

فوق وجوههم..هددوا زوجي المسكين الأخرس, ثم سرقوا كل ما نملك. سرقوا

الصندوق الخشبي الأسود الذي نحتفظ بداخله بكل ما نملك"

وبعد أن فر اللصوص بالصندوق, خرج الفلاح الأخرس الفقير "نو" ولم يعد حتى الصباح.

.....               .......              .......                 ......

وبينما جلس الفلاح "نو" عند ضفة النهر يبكى, منذ شروق الشمس وحتى غروبه , ظل الرجل يبكى وهو يبتهل إلى الله.. أن يسمع شكواه, وأن يستجيب إلى دعواته في التخلص من اللصوص.. وعودة ثروته القليلة التي يملكها.

وفجأة لمح سطح مياه النهر يعلو.. نعم, يرتفع إلى أعلى , ثم تنشق المياه إلى نصفين. وإذا بحورية جميلة تخرج من الشق الذي رآه في النهر..كانت جميلة ورشيقة, ولها شعر أسود طويل يصل إلى نصفها السفلي , نصفها الذي هو على هيئة زعنفة سمكة.

بكل ما يملك من قوة حاول "نو" أن يبدو قويا, وأشار لها بيده وهو يرجوها ألا تؤذيه. فضحكت الجميلة, وقالت له:

" لا تخف يا عم نو...جئت كي أراك وأطلب منك الاطمئنان لأن الله يحمى

الضعفاء , وأنت قاومت اللصوص , لكنهم كانوا أقوى منك"

ثم اختفت بسرعة, وعادت مياه النهر إلى سابق حالها, وكأن شيئا لم يكن..!

من شدة الخوف , بدأ الفلاح المسكين الأخرس "نو" يدعو الله قائلا في نفسه:

"أنت الله , سيد السماء والأرض, ولا تشرق الشمس إلا بأمرك....

أدعوك أن تبدد شقائي, وخوفي, وتعيد لي الصندوق الخشبي"

بينما هو هكذا, إذا بسطح مياه النهر تنشق ثانية, وتخرج العروس الجميلة مبتسمة. اقتربت منه, وأعطته قطعة صغيرة من الغاب , صفراء اللون, ذهبية المظهر مع ضوء القمر الساطع في كبد السماء.

أمسك "نو" بقطعة الغاب دهشا, ومن جديد بدأ يبكى. وكلما سقطت دمعة فوق قطعة الغاب تشكلت بشكل القلم الذي يشبه قلم "حامل القلم توما"!!

أسرع عائدا إلى زوجته التي فرحت بعودته, أخبرها بطريقته بكل ما حدث, وفهمت كل الحكاية. معا خرج إلى بيت شيخ البلد فورا.

قصت الزوجة المخلصة كل تفاصيل الحكاية, حكاية القلم السحري هذا. ولم ينتظر شيخ البلد طويلا, استدعى شيخ الخفر وشريف القرية, وأسرعوا جميعا إلى دار توما".

قالوا جميعا لتوما:

"الآن حان الوقت ليبرز دورك يا حامل القلم.. أنها رسالة الله إليك في هذا القلم,

وعلى يد هذا الفقير "نو"."

......              .......              .......              ........

في الصباح الجديد, جلس "توما" عند رأس السوق, فوق المقعد الحجري كعادته..يكتب على الورق البردي, ثم يدور بين لناس في السوق يوزعها عليهم.

كتب في اليوم لأول يقول:  (أهلي قريتي الأحباء..كل صباح ومساء قولوا معي.. أيها اللصوص ستصيرون شعلة من النار, وستغرقون , بسبب شروركم)

لفترة تجاهل الناس ما يقرأون, ويديرون وجوههم أمام نظرات "توما" المعاتبة لهم كلما التقى بهم داخل السوق أو خارجه.

في يوم آخر كتب "توما" يقول: (أنت يا من تقرأ تلك البردية.. لا تجعل وجهك يعبس مما حدث وحسب, يجب أن تدبر أمرك في هدؤ وبسرعة)

فبدأ الناس يتساءلون , ويتناقشون معا:

" ماذا نفعل واللصوص أقوياء وأشرار؟"

" كيف نواجههم ؟؟"

فرح "توما" بالأسئلة, وقال لهم جميعا:

"الخطوة الأولى , أن تقلعوا الخوف من قلوبكم, وأن تزرعوا الشجاعة مكانها)

رويدا بدأ الجميع يردد أقوال توما , وحفظها الأطفال الصغار, وحتى إن لم يفهموا معناها. وفى الأسواق وفى كل مكان بدأ الجميع يغنى, بقلع الخوف وزرع الشجاعة !!

وأصبحت كلمات "توما" تردد في الأفراح , وأيام تحنيط موتاهم.

.......                 ......               .......                 ......

كانت السيدة العجوز "حور" تجمع البيض في السلة كل أسبوع , لتبيعها في السوق وتشترى ما تحتاجه من قمح وفاكهة وغيرها. وهى في طريقها إلى السوق, قابلها اللصوص واستولوا على السلة الممتلئة بالبيض!!

الحقيقة لم يكن الأمر هكذا ببساطة وسهولة, لأن السيدة العجوز لم تستسلم للصوص. فقد قال لها كبيرهم :

"أعطنا السلة أيتها العجوز "

فقالت لهم:

" أنا سيدة عجوز, وبهذا البيض سوف أحضر طعامي لأسبوع كامل...

أرجوكم , اتركوه لي ..."

فضحك اللصوص, وسخروا منها ومن دموعها, حتى قال أحدهم:

" لماذا العناد أيتها العجوز, سوف تنفذين أوامرنا فورا؟ "

فلما لمحت العجوز أحد شباب القرية, قادم من بعيد, تشجعت, وصرخت في اللصوص بصوت مرتفع, قالت:

" لن يحدث, لن أعطيكم طعامي لأسبوع كامل..."

فلموا ضحك اللصوص ثانية, قالت:

" لن يرحمكم الله لو حاولتم استخدام القوة معي..."

أحد اللصوص صرخ فيها:

" دعك من الحكمة التي يصيح بها "توما" ليل نهار"

فهمس أحد اللصوص إلى كبيرهم:

" يبدو أننا سوف نعانى كثيرا بعد كلمات "توما" هذا"

وما أن بدأ أحدهم انتزاع السلة من يد العجوز بالقوة, بدأت العجوز في المقاومة, وضمت السلة إلى صدرها بقوة, وبدأت تصرخ بكل قوتها:

"لن أدعكم تسرقوني .... اقتلوني ولا تأخذوا طعامي"

ما بين الشد والجذب بين اللصوص والعجوز..سقطت السلة إلى الأرض, وتحطم البيض!

وكانت لحظة وصول شباب القرية, اندفعوا جميعا نحو اللصوص, للمرة الأولى يفاجأ اللصوص بمقاومة شباب القرية, فأسرعوا يجرون في كل اتجاه, وفى كل مكان بعيدا عن العجوز والشباب القوى !

للمرة الأولى يعدو اللصوص, ويرجون النجاة من أحد أفراد القرية!

.....                  ......                  .....              ......

بسرعة وصل اللصوص إلى المغارة البعيدة القاطنة في قلب الجبل القريب من القرية, بدأ كبيرهم الكلام محذرا من المستقبل وهو يتساءل:

" ما حدث اليوم خطير يا رجالي..يجب أن نبدأ خطة جديدة"

علق آخر:

" بل يجب أن ننزل بكل سكان القرية العقاب الشديد على ما بدر من شبابهم

اليوم..."

وبعد مناقشات طالت, علق كبيرهم في حسم قائلا:

"اسمعوا.. يجب تنفيذ كل كلمة أنطق بها الآن.

إن سر ما حدث كان بسبب كلمات الكاتب "توما", ولا حل إلا أن نسكت هذا القلم."

فعلق الجميع في دهشة:

" وماذا نفعل مع الكلمات أو هذا القلم المصنوع من الغاب؟؟!"

جادا علق كبيرهم:

" نعم.. سوف نسرق هذا القلم, مهما كلفنا ذلك من جهد أو مشقة"

ردوا عليه بصوت متردد:

" موافقون!!!"

......               .......              .......               .......

بينما كان صاحب القلم الساحر "توما" خارج داره, يتأمل السماء الصافية والنجوم المتلألئة ليلا في منتصف الليل. إذا باللصوص يتسللون إلى داره , يبعثرون كل شئ, يبحثون عن القلم الساحر. ولم يشعر بهم "توما" لفترة طويلة, حتى نجحوا في مهمتهم الشريرة !

في الصباح انتشر الخبر, وعلم أهل القرية بما حدث مع "توما" وقلمه السحري. ومع ذلك ردد الجميع, وقالوا لتوما:

"كلماتك الآن في قلوبنا, لسنا في حاجة لي القلم المسروق"

فرح "توما " بما سمع, ولم يعلق.

وبينما شيخ القرية وشيخ الخفر وشريف القرية , كلهم معا يتحدثون مع "توما". سمع الجميع بعض الضوضاء في مؤخرة السوق هناك.

اندفعوا ...

كلموا اقتربوا أكثر من مصدر الهرج والمرج والضجيج, كلما اتضح الموقف أكثر..لقد حاول اللصوص سرقة الماشية كعادتهم في الأسواق..لكن ما حدث اليوم, أن قاومهم الجميع..الصغير والكبير, الرجال والنساء.. كل أهل القرية الموجودون في السوق قاوموا اللصوص. أنزلوا بهم إصابات شديدة, وعجز كل اللصوص عن الفرار!!

وبدأت مهمة الخفر, ليعلن شيخ الخفر أنه تم القبض على كل اللصوص. وبعده أعلن شيخ القرية عن شكره إلى الجميع, وقبلهم كلهم "توما" الكاتب المخلص الأمين.. وابتسم وهو يقول:

"بل كل الشكر إلى قلمه الساحر العجيب"

هلل الجميع, وزغردت السيدات, ثم طلبوا أن يسمعوا كلمات "توما" إليهم, بعد انتصارهم على اللصوص, فقال:

"سوف يهلك كل من يحاول سرقة أهل قريتنا ....

ليس بسبب القلم الساحر كما تقولون.. لأنه سرق!!"

فعبر الجميع عن خوفهم, وانزعجوا, ليتابع "توما" قائلا:

" الآن القلم الساحر أصبح في قلوبكم.. وكل كلمة أنتم قادرون على تنفيذها

قبل أن يكتبها, لأنكم أصحاب حق, ولا تقولون أو تفعلون إلا الحق"

ومن جديد هلل الجميع فرحا بعد خوف وقلق. وقضت القرية ليلة من أسعد الليالي, ما بين الغناء والرقص والأفراح في كل مكان.

 

 

 

معنى القوة

 

قصة أطفال (المرحلة السنية من9 حتى 11سنة)

 

كنت في طفولتي أحب الأسد كثيرا, وكلما اشتقت لرؤيته, أطلب من أبى زيارة حديقة الحيوان, أو الذهاب إلى السينما التي تعرض فيلما فيه أسد.

ذات مرة انشغل أبى في عمله, ولفترة طويلة لم أر الأسد. وفى صباح جديد, وأنا أمشط شعري أمام المرآة, تهيأ لي فجأة وقد نبتت "شوارب" طويلة في وجهي, وكذا رأيت "لبدة" من الشعر الكثيف الأصفر حول رقبتي. كان لونها مثل لون الذهب, ففرحت لأنني أصبحت أسدا قويا !!

فخرجت من الحجرة أزأر, تماما مثل صوت الأسد الذي أعرفه وأحبه. وببساطة تقدمت نحو الأكواب الزجاجية أعلى المائدة في الصالة, كي أحطمها.

لما سألني أبى عن سبب فعلتي تلك, أجبت مبتسما:

"لأنني قوى مثل الأسد"

فورا قرر أبى قرارا همس به في أذن أمي. فطلبت منى ومن أخوتي الاستعداد كي نذهب إلى حديقة الحيوان.

بعد فترة قصيرة, قدم أبى لي كتابا عن عادات الأسد, وطلب منى الاطلاع عليه ونحن في الطريق, وحتى نرى الأسد في عرينه.

عرفت أنه الحيوان الوحيد الذي لقبه العرب بالكثير من الألقاب والأسماء, منها..الليث, أسامة, غضنفر, ضرغام, هزبر..وغيرها الكثير.

دهشت, عندما قرأت أن من عادات الأسد, أنه لا يأكل إلا عندما يشعر بالجوع, ولا يهاجم فريسته في الغابة إلا عندما يجوع, ولا يأكل من الفريسة إلا بقدر حاجته ويتركها لبقية الحيوانات تأكل منها.

قبل أن أنتهي من الكتاب, صرخت فرحا بتلك المعلومات, ولما أخبرت أبى عن شعوري, طلب منى الانتظار حتى نهاية الرحلة.

فلما وقفنا جميعا أمام عرين الأسد (أو بيته) في حديقة الحيوان, رأيته قلقا حائرا ويدور حول شبلين صغيرين, هما أولاده. كان دوما يحرص على إبعادهما عن سور القفص الحديدي الخارجي. فلما سألت الحارس عن سبب قلق الأسد على أولاده.. قال:

" لأنه يحبها ويخاف عليها من الزوار"

دهشت أكثر في نفسي, أسأل: "كيف يكون الأسد قويا هكذا, وعطوفا جدا, بل وكريما مع الحيوانات الأخرى؟!!"

يبدو أن صوتي كان مرتفعا, وسمعنى أبى, وإلا لماذا سألني أبى قائلا:

"والآن هل عرفت المعنى الحقيقي للقوة؟؟"    

أضيفت في16/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الحمامة الذهبية

بقلم الكاتب: عز الدين جلاوجـي

 

ما إن فرغَ جدُّنا من صلاة العشاء حتى أحطْنا به وأمسكنا بعنقه نُلِحَّ في أن يقصَّ علينا قصة طريفةً كما تعود كل ليلة…وجدُّنا طيب القلب لا يمكن أن يرفض لنا طلبا… ضحك من أعماق قلبه… عدل كوفيته جيدا فوق رأسه وقال وقد علا وجهَهُ حزنٌ عميقٌ:

-سأقص اليوم عليكم ياأحفادي الأعزاءَ قصةَ الحمامةِ والقردِ والخنزير …

يُروَى أن حمامة بيضاءَ ناصعةَ البياض لها رأس ذهبيُ اللونِ وجناحان خضراوان، وهي كما تلاحظون تحفةٌ عجيبةُ لم ترَ الخليقةُ مثلها قطُ وكانت هذه الحمامة تعيش آمنةً مطمئنةً في حضن شجرة زيتون وارفة الظلال كثيرة الثمارِ، ولم يكن لتلك الحمامةِ ما يشغلها غير الهديلِ والتحليق على التلال والتمتعِ بروعة الطبيعة أو كانت تقضي وقتها مع فراخها الصغارِ، تناغيها وتداعبها أو تقص عليها القصص الطريفةَ الجميلةَ، وحدث ذات يومٍ أن فاجأها قرد أبيضُ وجدته ممددا على فروع شجرة الزيتون النضرةِ، وهاجت الحمامةُ ذاتُ الرأس المذهَّبِ وصاحت في القرد: الشجرةُ شجرتي، عشت فيها منذ طفولتي، وفيها عاش آبائي وأجدادي، فما الذي جاء بك إليها؟

أظهر القرد غضبه الشديدَ وقال: ما ينبغي لك أيتها المعتوهة أن تنطقي، أنت ضعيفة وأنا قوي ولا حيلة لك سوى أن تغادري هذه الشجرة .

وهزت الدهشة الحمامةَ فرفرفت قريبا منه وقالت:

-أنت تهددني ظلما وعدوانا أيها المغتر بقوته، ولكن لا تنس أنني أقوى منك.

 ضحك القرد حتى ظهرت أضراسه المسوسة وقال: كم أنا نهم إلى رأسِكِ المذهب وجناحيك الخضراوين.

خشيتْ الحمامة على نفسِها فحملت أولادها ورفرفت بهم بعيدا إلى أعلى غصن في الشجرة، وباتت مرتجفة بعيدة عن عشها… ولكنها باتَتْ تفكر في كيفيةِ الخلاصِ من هذا القرد اللعين، واهتدت في الليل إلى حيلة ذكيةٍ قررت أن تنفذها في تلك الليلة.

و ما كاد الظلام يخيمُ ويشتد حتى تركت الحمامة فراخها حيث هيَ، ونزلت إلى الأرض فاختارت صخرةً كبيرةً، وراحت تحدد منقارها عليها حتى إذا تأكدت من حدَّتِه رفرفت بهدوء إلى حيث يغط القرد في سبات عميق، واختارت عينَه اليمنى وبقوة نقرتها نقرة حادةً، وارتفع عويل القردِ وصياحُه يشقُّ عتَمَةَ الليلِ متألما، وقفزَ إلى الأرض …

فرِحت الحمامةُ المذهبةُ الرأس بهذا الانتصارِ وصاحت: أرني قوتَك أيُّها المُغترُّ بنفسه وبضخامة جثتِه...وراح القردُ يتمرغُ ويهدد، فلم تجبه الحمامة المذهبة الرأس، ورفرفت بجناحيها الخضراوين إلى قمة الزيتونةِ، فحملت فراخَها، وعادت بهم إلى عشِّها الهادئِ الآمنِ.

في الصباح حين أشرقت الشمسُ الذهبية استيقظت الحمامة من نومها، وأيقظَت فراخها الصغيرةَ ليبدؤوا جميعا يوما جديدا سعيدا لكنَّهم فوجئوا بصياح القرد مهددا:

- لن أدَعَكِ تهنئين بهذه الزيتونة المباركة، وإني عائدٌ إليك لا محالةَ، كل حلمي أن أحصل على رأسِك المذهب وجناحيك الخضراوين.

ضحكتْ منه الحمامةُ وقالت: لقد أشفقت عليك ففقأتُ أحدَ عينيك، وتركت لك الأخرى، فإنْ عاندت وعدتَ فقأتُ عينك الثانيةَ وتركتك أعمى لا تبصر شيئا، فلا تفكرْ في العودة أيها الشقيُّ.

 و لم يبرحِ القردُ المكانَ إلا وهو يهددُ الحمامةَ بالويل والثبورِ، وأنه عائدٌ لا محالةَ لينتقم منها ويستوليَ على الشجرةِ المباركةِ.

فكَّر القردُ كثيرا حزينا منكسرَ البالِ والدمُ ينزفُ من عينهِ المفقوءةِ، ولمعتْ في ذهنِه فكرةٌ جهنميةٌ فصرخَ بأعلى صوتِه: قضيتُ عليكِ أيتُها الملعونةُ، قضيتُ عليك.

وراح يحدِّث نفسه، لا حيلة لي إلاَّ أن أستعينَ بصديقي العزيزِ في تحقيقِ هدفي، هو لنْ يردَّ لي طلبا إذْ طالما خدمتُه خدَماتٍ جليلةٍ.

وانطلق القردُ يطوي الجبالَ والوديانَ حتى وصلَ إلى بيتِ صديقِه، دقَّ البابَ مرةً وثانية وثالثةً، فلما يئِسَ ولَّى راجعا، وإذا بالباب يُشقُّ ببطءٍ شديدٍ وحذرٍ كبيرٍ، ويطلُّ منه رأسُ الخنزيرِ الأسودِ، وماكادَ يتعرفُ على الطارقِ حتى خرجَ إليه وارتمى في حضنِه قائلا:

-لا تلُمْني ياصديقي أنتَ تعرفني كثيرَ الحرصِ والحذرِ، ضحكَ القردُ متناسياً آلامَه وقال:

-أهو الحذرُ أمِ الجبنُ أيها الرِّعديدُ؟

 ثم سكت فجأةً، ووضع يدَه على عينه المفقوءةِ، وراحَ يئِنُّ ويتألمُ قائلا: أنا في ورطةٍ ياصديقي العزيزَ، تصورْ مجردُ حمامةٍ لعينةٍ فقأتْ عيني بهذا الشكلِ المَشينِ، لقد ذهبْت إليها، أتَرَجاها مرةً، وأُرْهِبُها مرةً، كي تتنازلَ لي عن شجرةِ الزيتونِ المباركةِ التي تسكنُها في أعلى الربوةِ، فرفضتْ ذلك وقابلتُ أنا الأمرَ باستهزاءٍ وإذا بها تباغِتُني ليلاً فتفقأ عَيني.

صاحَ الخنزيرُ هلعًا وقال: ما أشرسَها  ! ، حمامةٌ هذه أم أفعى سامةٌ؟ وأنتَ يا صديقي العريزَ ما الذي قرَّبَك من هذه الملعونةِ؟

حزنَ القردُ لما سمعَ هذا الكلامَ وقال بغضبٍ:

- تَعسًا لك أيُّها الجبانُ، وأنا الذي قلتُ لن يأخذَ بثأري، ولن يشفيَ غليلي إلا صديقي العزيزَ الخنزيرُ الشجاعُ الجميلُ.

وأحسَّ الخنزيرُ أن القردَ يغريهِ كيْ يحققَ بهِ حلمَه، ففتحَ فاهُ ليرفضَ فكرةَ صديقِه، لكن القردَ قاطعَه مواصلا كلامَه: ولقدْ أشفقتُ عليك لا تنسَ أنك لا تملكُ بيتاً، وأنت مطاردٌ في الأرضِ، منبوذٌ محتقرٌ، وهذا الغارُ الذي تسكنُه الآن ليسَ ملكَك، وقد تُطردُ منه في أيةِ لحظةٍ.

كان الخنزيرُ يستمعُ إلى صديقِه والحزنُ يجلِّلُه، حقيقةٌ أنه يعيشُ من زمنٍ طويلٍ مشرداً منبوذاً هائماً كأنَّ لعنة الله قد حلَّتْ به … وفطنَ من شرودِه والقردُ يكملُ حديثَه بقوله:

-أما إذا تغَلبتَ على الحمامةِ المذهبةِ الرأسِ الخضراءِ الجناحينِ فإنك ستأخذُ بثأري أولاً، وتعيشُ في شجرةِ الزيتونِ المباركةِ هانئاً آمناً يحترمُك الجميعُ ويقدرونَك.

ردَّ الخنزيرُ وقد اختلطَ عليه الطمعُ والخوفُ: فكرةٌ جميلةُ ياصديقي العزيز ولكنَّ فرائصِي تصطَكُّ من شدةِ الخوفِ، لقد فقأتُ عينَك، وأخشى أن تفقئَ لي عينيَّ الاثنتين.

طمأنَه القردُ وأكَّدَ له أنه سيمُدُّه بالدعمِ الكاملِ مادياً ومعنوياً، وأنه سيكونُ إلى جانبِه في السرَّاءِ والضراءِ مادامَ عدوُهما مشتركاً، وانطلق القردُ من ساعته قاصدا التلةَ الجميلةَ التي تعرشُ فوقها الزيتونةُ المباركةُ، حينما وصلَها لم يجد فوقها الحمامةَ، فصعدَ بسرعةٍ، وقام برميِ الفراخِ بعيدا عن العشِ، ثم قام ببناء بيت محصنٍ فوق الشجرةِ التي بدت حزينةً كئيبةً.

عادتِ الحمامةُ في المساءِ منسابةً في الهواء، محلقةً في الجوِّ، حالمةً بعشِّها الدافئِ وبفراخها الصغارِ، وماكادت تقتربُ حتى هزتها المفاجأةُ، لقد رأتْ عشَّها متناثرا، وفراخَها على الأرض العراءِ يبكون، اشتد غضبُها حين علمتْ بالحقيقةِ، وزاد غضبُها حين خاطبها الخنزيرُ من داخلِ بيتِه الذي ابتناه فوق الشجرةِ قائلا:

-انتهى أمرُكِ أيتُها الحمامةُ المغرورةُ، لقد أصبحتِ الشجرةُ مِلكي، ولا تعتقدينَ أنني سهلُ المأخذِ كالقردِ فقأتِ عينه اليمنى بِيُسْرٍ، اذهبي بعيدا وابحثِي لك عن مكانٍ آخرَ تعيشين فيه … انتبهتِ الحمامةُ إليه والشررُ يتطايرُ من عينيها وصاحتْ فيه: إنك أجبنُ من القردِ وإلَّا ما كنتَ تحدثني من داخلِ البيتِ، انزلْ وسترى ما أفعلُ بك.

لم ينطقِ الخنزيرُ ولم يخرجْ إليها، سلامتُه في الاحتماءِ بجدرانِ بيته الحصينِ، وحينَ يئستِ الحمامةُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحين حملت فراخَها واختارَت لهم مكاناً آمنا في سفح الجبلِ، ثم ضمتْهم تحت جناحَيها وهم يرتعدُون من البردِ والخوفِ، وقضتِ الحمامةُ ليلَها تواسيهُم وتشجعُهم وتعِدُهُم بالعودةِ.

ومضتِ الأيامُ الطويلةُ، تذهبُ الحمامةُ إلى الشجرةِ تصيحُ في الخنزيرِ القذرِ أن يخرجَ إليها، لكنه كان يرفضُ، يُرهبُها مرةً، ويبصقُ عليها مرةً ثانية، ويُغْريها أحياناً بأن يسمحَ لها بالعيْشِ في أسفلِ الشجرةِ مع فراخِها شريطةَ أن تخضعَ له وتكفَّ عن معاداتِه، وتعودَ الحمامةُ كلَّ مساءٍ إلى فراخِها الصغارِ يائسةً حزينة، تقصُّ عليهم وتواسِيهم، وتزرعُ في قلوبهم أملَ العودةِ إلى الشجرةِ المباركة.

وانصرفتِ الحمامةُ عن الذهاب إلى الشجرةِ، واكتفتْ بالبقاءِ ليلا ونهارا مع فراخِها لعلَّها يئستْ وصرفتْ تفكيرَها في الأمرِ.

 تنهضُ الحمامةُ كلَّ صباحٍ باكرا فتوقظَ أطفالها، فتصعدَ بهم إلى الجبلِ تعلمُهم الطيرانَ والعملَ والقدرة على مواجهةِ المصاعبِ والشدائدِ.

 مرتْ الأيامُ، غَدَتْ بعدَها الفراخُ قويةً تحسنُ الطيرانَ والتحليقَ والعملَ ومواجهة المتاعبِ كلِّها … ومساءً ذاتَ يومٍ جمعتهم جميعا في سفحِ ذاك الجبلِ، وراحت تذكرُهم أن بيتهم الحقيقي هو شجرةُ الزيتونِ التي اغتصبَها الخنزيرُ القذرُ، وأن الواجبَ يدعوهم إلى أن يعودوا إليه، وأن يسترجعوها، ولو كلَّف ذلك موتَهم جميعا.

وذكَّرَها أحدُ فراخها أن الخنزيرَ القذرَ ضخمَ الجثةِ، وأنه لا يخرجُ من حصنِه الذي أقامَه، وبالتالي فإن استردادَ الشجرةِ أمرٌ مستحيلٌ، ولا حلَّ إلا أن نبقى حيثُ نحن في عراءِ هذا السفحِ خاصةً وقد تعودْنا عليه، أو أن نقبلَ بفكرةِ الخنزيرِ فنعيشَ في أسفلِ الشجرةِ معه.

ولم تمتلِكِ الحمامةُ نفسَها فصفعَتْ ابنَها حتى أسقطتْه أرضاً، فلزمَ إخوانُه الصمتَ، ولم ينطقْ هو ثانيةً، بل قامَ من مكانِه ووقفَ صامتاً معهم. 

صمتَتِ الحمامةُ لحظاتٍ تتجرعُ حزنا غاضباً وقالت: اسمعوا يا أولادي سنذهبُ هذه المرةَ جميعا، ولن نعودَ حتى ننتصرَ، فإن الله لا يخيِّبُ كلَّ مطالبٍ بحقِه … صمتتْ برهةً ثم واصلَت: لقد استقرَّ تفكيرِي على حيلةٍ، إن الخنزيرَ في الشجرةِ ينزلُ ليلا لينالَ طعامَه، وطعامُه يوفرُه له القردُ اللعينُ، وأنا أخطأتُ أولَ الأمرِ حينَ حاربتُ الخنزيرَ نهارا ونسيتُه ليلا، وحين حاربتُ الخنزيرَ ونسيتُ القردَ.

واستبشرَ الأولادُ خيرا، وانطلقوا مع أمِّهم، وكلُّهم إصرارٌ على النصرِ، وماكادوا يقتربونَ من الشجرةِ المباركةِ حتى كَمَنوا ينتظرونَ الليل، وماكادَ يظلمُ حتى لمحوا من بعيدٍ القردَ الأعورَ يتعثرُ في مِشيتِه، يسقطُ وينهضُ، وهو معبأُ بأكياسِ الطعامِ، وأعطتِ الحمامةُ إشارةَ الانطلاقِ فانطلق أبناؤها بكلِّ عزمٍ صوبَ القردِ الأعورِ، ونزلوا فيه ضرباً مبرحاً، وهو يصيحُ ويستغيثُ حتى أسقطوه أرضاً جثةً هامدةً لا حراك بها.

وانتظرَ الخنزيرُ صديقَه القردَ تلك الليلةَ فلم يحضرْ، وثانية وثالثة حتى يئسَ واشتدَّ به الجوعُ فتحَ البابَ بحذرٍ شديدٍ، وتسلَّل خارجا، لكنه ما كادَ يحسُّ بوجودِ حركاتٍ غريبةٍ حتى عادَ وأغلقَ البابَ خلفَه وهو يصيحُ:

-أين أنت ياصدِيقي القرد أنقذنِي.. كدت أموتُ جوعا؟ أين أنت ياصديقي لقد وعدْتني بالمساعدةِ فلماذا تخليتَ عني؟

ولم يجبْه أحدٌ، عندَ ذاك نطقتِ الحمامةُ وهي تحلقُ قريبا منه: إما أن تخرجَ لنقتلَك أيُّها القذرُ، أو أن تبقى خلفَ جدرانِ حصنِك لتموتَ جوعاً …

 وانفجرَ الخنزيرُ القذرُ باكياً نادباً حظَّه التعيسَ صائحا: أين أنت أيها القردُ الحقيرُ؟ تبا لك لقد ورَّطْتَنِي أين أنت أيها القرد الحقير؟

الكلُّ كان يسمعُه، وكانت الجبالُ المحيطةُ ترددُ صياحَه وصراخَه ونداءه لكن القردَ لم يكن يسمعُه أبدا.

ضحكتِ الحمامةُ البيضاءُ المذهبةُ الرأسِ الخضراءُ الجناحينِ وقالتْ لأبنائها:

-هل رأيتم جزاءَ الظالمِ المغترِّ بقوته؟ تستطيعون قهرَ كلِّ الظالمين بإصرارِكم وإرادتِكم.

بقيَ الخنزيرُ أياما بلياليها سجيناً يتألمُ من شِدةِ الجوعِ منتظرا قدوم صديقه القردِ، ولما يئسَ وخارتْ قوَاهُ لجأَ إلى الحيلةِ فطلبَ من الحمامةِ أن تسمح له بمغادرة البيتِ، وأقسم بأغلظِ الأيْمان أنه لن يعودَ إلى فعلته أبدا، بل سيكونُ صديقا حميماً وسيعوضُها عن كلِّ ما لحق بها.

فرح الفراخُ بهذا العرضِ وطالبوا أمَّهم أن تقبَله لمِاَ يعودُ عليهم مِنه من الفائدةِ الجَمَّةِ.

غضبتِ الحمامةُ غضباً شديداً، وردَّتْ على أبنائها: إياكم أن تنتظروا من عدوٍّ خيرا وإياكم أن تثقُوا بماكرٍ مخادع.

صمتَ الأبناءُ مقتنعينَ بقولِ أمِّهم، وفي هذا الوقتِ فتحَ الخنزيرُ القذرُ باب حصنِه بهدوء تامٍ، وتسلَّل منه دون أن يفطنَ إليه أحدٌ، ثم رفعَ جثتَه الغليظةَ إلى الأعلى وقفزَ ليسقطَ فوق الحمامةِ وأبنائِها فيسحقَهم جميعا، ياله من ماكر  ! غيرَ أن الحمامةَ كانت يقظةً فدفعتْ أبناءَها بعيدا وطارت محلقةً.

كانت السقطةُ قويةً جدا تكسرتْ معها عظامُ الخنزيرِ وسال دمُه … اجتمعَ الفراخُ حولَ الخنزيرِ والغضبُ يتطايرُ من أعينِهم، وطلبوا من أمهم التعجيلَ بقتلِه، لكن الحمامةَ المذهبةَ الرأسِ الخضراءَ الجناحين قالت في هدوء: الدفاعُ عن الحقِّ لا يعني الحقدُ دعوه لقد نال جزاءَه.

تدحرجَ الخنزيرُ بعيدا والدماءُ تنزفُ من جسدِه كلِّه إلى أن وصل إلى حافةِ الوادي فهوى إلى أعماقِه حيث قضى نحْبَه.

حلقتِ الحمامةُ مع فراخِها سعداءَ باسترجاع الزيتونةِ المباركةِ وكلُّهم عزمُ على تنظيفِها والاعتناءِ بها والدفاعِ عنها بكلِّ ما يملكون.

الجزائر  في: رمضان 1421 /ديسمبر 2000

أضيفت في18/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

تعلم يا صغيرى

بقلم الكاتب: جابر البسيوني

 

مــن كتـاب العلم فانْهلْ                         يــا صغيـــــرى وتَعَلَّــــمْ

خَيـــــْرُ ردٍّ حيــنَ تُسْـــألْ                         خيْـــرُ خــــلٍّ يتكـــلَّــمْ

***

كم من البلدان هانت                              حين ضـاع العلمُ منها

تـركتْــــــــهُ واستهـــانت                        فنأى الإشراقُ عنهــــا

***

اقـــرأ التــــاريخَ ينطقْ                           إنَّ للعــــلْـم بقـــــــــــاءْ

أىُّ عقــلٍ أىُّ منطـــقْ                          يــرفــعُ العلَــمَ لــــــواء

***

لو أردْتَ النصرَ- دوما                               خُذْ من العلمِ طريقــاً

وإذا نـاقشْــت خصمـــا                          صـــار بالعلْمِ صديقـــا

واسْتشرْ أهْــلَ العلــــومْ                       فى كثيــــرٍ أو قليــــلْ

كـــلُّ أنــــواعِ الغيــــوم                          ستــراها فى رحيـــلْ

***

خشيـــةُ العـــالـمِ كـانت                            خيْرُ ذكْرٍ فى الكتابْ

كم من الأسرارِ دانـت                               بالهُــدى بعْد الغيـاب

***

ورســـولُ اللهِ أوْصــــى                           بإتخاذِ العلْمِ ذرعـــــا

***

من كتاب العلم فانهلْ                            يـــا صغيــرى وتعلَّـــمْ

خيرُ ردٍ حيـن تُـسْــــأل                           خيــرُ خــــلٍّ يتكلَّـــمْ

 

 

 

تبارك الله

 

 

على الغصْنِ كانتْ حمامه

وكان أبى فى صلاةٍ

وكنْتُ إمامَه،

أردَدُ "الله أكْبْر"

فأسمعُ منها هديلاً،

ينيرُ المدى وظلامَه،

ويُنْسى الوجودَ منامَه.

ورتَّلْتُ قرآنَ فجْرٍ،

وحينَ قرأتُ "تباركْ"

سَمعْنا "تباركَ ربَى"

وليْس سوى الماءِ والزرْعِ جنْبى،

ووخْزِ الضيا فى ظلام الفضاءْ

فزدْتُ الدعاءْ

إلى "حسْبُنا أنْتَ" قالت "وحسْبى"

نَظرْتُ إليها بعينى وقلْبى

فكان جناحُ الحمامةِ نحْو السماءُ

ككف تلبّى،

فسبّحتُ ربَى،

ودمعى على الخدّ يجرى

وَلُبّى مَن الأمْرِ ما عاد لُبّى

سجدْتُ

وقمْتُ،

جلسْتُ،

وقلتُ "السلامُ عليكمْ"

وقال أبى وسَمِعْنا "السلامُ عليكمْ"

وطارتْ.

أضيفت في18/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

أرنوب والتفاح

بقلم الكاتب: ضرغام فاضل

 

في الطريق .. وبينما كان أرنوب مع أمّه عائدين إلى بيتهما ، صادفتهما السلحفاة .. فبادرتها أمّ أرنوب بالتحيّة :

-مرحباً يا صديقتي السلحفاة . إلى أين تذهبين ؟

أجابتها السلحفاة :

-إلى ضفة النهر. فقد سمعت من جارتنا السنجابة أنّ ثمار التفاح قد سقطت من أشجارها على الأض ، وأولادي يحبّون التفاح

قالت أمّ أرنوب :

-ولكنّ الوقت متأخّر، والشمس شارفت على المغيب. لماذا لا تنتظرين حتّى الصباح؟

أجابتها السلحفاة :

-لو ظلّ التفّاح على الأرض حتّى الصباح،فإنني أخشى أن تصل إليه دودة الأرض قبلي.

ما إن سمع أرنوب بكلمة ( تفاح ) حتّى لعق شفتيه بلسانه،وتوسّل بأمّه قائلاً :

-ماما.. أرجوك..أنا أحبّ التفّاح..دعيني أذهب مع عّمتي السلحفاة .

 أجابته الأمّ :

-ولكن يا أرنوب ..

قاطعتها السلحفاة :

-سترافقاني أنتما الاثنان . فهذا سيخّفف علّي وحشة الطريق .

 قالت أمّ أرنوب :

-اعذريني يا صديقتي السلحفاة.فزوجي سيحضر بعد قليل،وعليّ أن أعدّ له الطعام .

 قال أرنوب :

-لقد سئمت أكل الجزر،وأشتهي أن آكل التفّاح .

 قالت السلحفاة :

-إذن سترافقني بعد أن تسمح لك أمّك بذلك .

بعد أن أوصت الأرنبة ابنها الأرنوب أن يسمع كلام عمّته السلحفاة،وتعهّد لها بذلك،صعد أرنوب على ترس السلحفاة،متوجّهين إلى ضفة النهر.وفي الطريق شعر أرنوب أنّ السلحفاة بطيئة في مشيها،فنزل من على ترسها وهو يقول :

-ما هذا يا عمتي السلحفاة ؟! لوبقيت تمشين هكذا فإنّنا لن نصل إلى ضفة النهر قبل الصباح .

 ابتسمت السلحفاة قائلة :

-لا تتعجّل يا أرنوب .. لم يبقَ إلاّ القليل .

 فقال أرنوب :

-لا .. سأسبقك إلى هناك .. لأجمع التفّاح وأبقى بانتظارك .

ابتعد أرنوب عن السلحفاة مسرعاً،بينما ظلّت السلحفاة تناديه :

-ارجع يا أرنوب..لقد تعهّدت لأمّك بأن تسمع كلامي .

 صاح أرنوب :

-لقد مللت من خطواتك البطيئة .

كان ثعلوب يستلقي على بطنه,وهو يقاوم الجوع.. بانتظار الحصول على وجبة من الطعام, يملأ بها معدته الفارغة. وفي هذه الأثناء أحسّ برائحة بدأت تنفذ في أنفه. فنهض وهو يحكّ أنفه ويقول :

-هذه الرائحة أعرفها .. إنّها ليست غريبة عنّي.فأنفي لا يخطيء أبداً .

 ثمّ داعب بطنه وهو يضحك ويقول :

-لقد أتتك وجبة شهيّة يا معدتي العزيزة . آه ..ما أشهى طعم الأرانب!! .

ما إن مّر أرنوب من أمام العشب الذي كان يختبيء فيه ثعلوب،حتى قفز عليه وأمسك به  بأسنانه .ارتعب أرنوب، وصار يصرخ بأعلى صوته :

-النجدة .. النجدة .. الثعلب سيأكلني .. أنجدوني ..

 ولكنّ أحداً لم يسمع صيحات أرنوب واستغاثته.

 بعد أن وصلت السلحفاة إلى ضفة النهر ، ورأت ثمار التفاح تملأ الأرض،عرفت أنّ أرنوب لم  يصل إليها .. وأنّه ربما يكون بحاجة للمساعدة . فقّررت أن تخبر صديقتها الأرنوبة بذلك ..لكنّها فكّرت ثم قالت :

-ولكنّ رجوعي إلى بيت الأرنوبة سيستغرق وقتاً طويلاً ،وربّما يكون أرنوب في خطر . عليّ أن أتصرف بسرعة .

في بيت ثعلوب كان أرنوب يصرخ متوسّلاً :

-أرجوك يا ثعلوب .. لا تأكلني .. أنا خائف ..

 فضحك ثعلوب وهو يقول :

-وأنا جائع .. كفاك ثرثرة ودعني أهيء مائدة الطعام .

وراح ثعلوب يعدّ مائدته لاستقبال وجبة شهيّة . وضع الصحون والسكاكين .. لكنّه عندما بحث عن الشوكة لم يجدها . فصاح :

-ترى أين اختفت الشوكة ؟

لم يشعر ثعلوب إلاّ والشوكة تنغرس بقوّة في رجله ،وصوت يأتيه من الخلف يقول :

-هذه هي شوكتك يا ثعلوب .. إيّاك أن تغدر بأصدقائك الحيوانات بعد الآن .

قفز ثعلوب من شدّة الألم فصاح :

-آه .. آه رجلي ..

 سارعت السلحفاة لإنقاذ أرنوب من الحبل ،وخرجا من بيت ثعلوب الذي انشغل بمعالجة رجله . احتضن أرنوب عّمته السلحفاة وهو يقول لها خجلاً :

-لقد كنت بطيئة في مشيك يا عّمتي السلحفاة ،لكنّك كنت سريعة في إنقاذي .إني نادم على فعلتي هذه . ومن الآن لن أعصي كلام مَن هو أكبر منّي أبداً .

أضيفت في18/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية