ثعلوب يمشي نائما...
أصيب ثعلوب بداء المشي في أثناء النوم، ولكن من دون أن يدري بمرضه هذا.
وفي إحدى الليالي.. بينما كان ثعلوب يمشي وهو نائم.. توجّه إلى بيت أرنوب،
واستطاع أن يدخل بيته من دون أن يحسّ به أرنوب. بحث عن أرنوب في بيته، فوجده
نائماً على سريره، فأمسكه من أذنيه وخرج من بيت أرنوب عائداً إلى بيته. كان
ثعلوب يمشي حاملاً أرنوب من غير أن يحسّ به، وعندما وصل إلى بيته,وضع أرنوب على
كرسي قرب سريره، ثم عاد إلى فراشه من جديد. وفي الصباح.. عندما استيقظ
الاثنان... كانت المفاجأة !
فصرخ أرنوب :
- يا ويلي !! ما الذي جاء بي إلى هنا ؟!
ضحك ثعلوب وقال مكشّرا ًعن أنيابه :
- لقد جئت إلى حتفك أيها العزيز اللذيذ.. ستكون وجبة إفطاري لهذا الصباح
الجميل.
أطلق أرنوب ساقيه للريح، وفرّ هارباً.. وعندما أراد ثعلوب أن يلحق به لم يستطع،
لأنه كان متكاسلاً من أثر النوم.. لكنّه أطلق وراء ثعلوب قهقهة عالية.. وصاح :
- مسكين أرنوب... يبدو أنه أصيب بداء المشي في أثناء النوم.
رجع أرنوب إلى بيته محتاراً... وراح يفكر :
- ترى كيف وصلت إلى بيت ثعلوب ؟.. هل يعقل أن أصبت بداء المشي في أثناء النوم
فعلاً؟
وفي الليلة التالية تكرّر الشيء نفسه . وفي الصباح.. استيقظ الاثنان من نومهما..
والمفاجأة تعلو وجهيهما.. صاح ثعلوب
- ما هذا ؟! أنت مرة أخرى !.. هل تريد أن تقتلني وأنا نائم ؟
ثم صاح أرنوب :
- لا... بل أنت الذي تختطفني في أثناء نومي.
- تجادل الاثنان فيما بينهما.. كلّ منهما يوجّه تهمته إلى الآخر...حتى تناول
أرنوب الكرسي وهوى به على رأس ثعلوب ولاذ بالهرب مذعوراً. بعد قليل... كان
الاثنان يقفان أمام الأسد ليحكم بينهما.. فقال الأسد لهما أمام جميع حيوانات
الغابة:
- أمركما محيّر.. لذلك أرجو أن تعطياني فرصة حتى الغد، وعندها ستسمعون حكمي.
في الليل... كان الأسد مع عدد من حيوانات الغابة يقفون أمام بيت أرنوب، وفجأة
لاح لهم ثعلوب وهو يدخل بيت أرنوب، وبعد قليل يخرج حاملاً أرنوب النائم من
أذنيه.
عندها أدرك الأسد أن ثعلوب في حالة مرضية لا يدري بها، وهي المشي في أثناء
النوم، فاقترب منهما وأطلق زئيراً جعل الاثنين يهبّان من نومهما فزعين. ارتعش
ثعلوب من خوفه وهو يقول :
- مستحيل !! كيف وصلت إلى هنا ؟!... وما الذي جاء بأرنوب ؟!
ضحك الأسد واقترب من ثعلوب، وربت على كتفه مطمئناً :
- لا تقلق... سنسامحك هذه المرة... بل سنعالجك يا ثعلوب، لأنّك مريض، تتصرّف
تصرفات لست مسؤولاً عنها.
أمسك الأسد بيد ثعلوب، وتوجّه به إلى حكيم الغابة، وتبعته بقية الحيوانات،
ليعالجوا ثعلوب من
مرضه المفاجئ هذا، وكان ثعلوب يندب حظه طوال الطريق وهو يدمدم مع نفسه :
- يا لحظي التعس... لطالما تمنّيت أن أحظى بأرنوب.. وعندما تحقّق ما أريد...
وجدت نفسي نائماً... آه.. آه.. آه..
ثعلوب الجائع
أحسَّ ثعلوب بالجوع ، فخرج إلى الغابة ليبحث له عن وجبة طعام يملأ بها معدته .
وبعد أن تعب من البحث، واشتدّ به الجوع ، جلس في ظلّ شجرة ليستريح .
-آه .. لقد تعبت من البحث دون جدوى .. سأموت جوعاً .
كان أرنوب يختبئ خلف الشجرة عندما سمع ثعلوباً يقفز فرحاً وهو يقول :
- وجدتها.. فكرة مدهشة .فكلّ الحيوانات والطيور تخرج صباحاًباحثة عن طعام ،
وتترك صغارها في البيت .
أدرك أرنوب ما يفكّر به ثعلوب الماكر , فقرّر مع نفسه :
-لا بدّ أن أنقذ صغار الحيوانات من هذا الثعلب الماكر . إنّه يفكّر في مكيدة
جديدة . سأتبعه أينما ذهب .
فجأة شعر ثعلوب بالنشاط يسري في جسمه ، فانتفض واقفاً .. ثمَّ بدأ يمشي
متبختراً ، وهو يدندن ببعض الألحان بصوت قيبح :
أنا ثعلوب .. أنا شاطر
أنا ثعلوب .. أنا ماكر
في الغابة أمشي أتبختر
لعدوّي دوماً أتحضّر
عندما وصل ثعلوب إلى شجرة الصفصاف العالية، نظر إلى الأعلى .. فوجد عشّ الحمامة
، وفيه ينام فرخاها الصغيران . هزّ الشجرة بقوّة .. هو يصيح:
-استيقظا .. استيقظا أيّها الصغيران . وكفاكما نوماً .
استيقظ الفرخان المسكينان وهما يرتجفان من الخوف ..
-صو .. صو .. إنّه الثعلب الماكر .. سيأكلنا ..صوصو .. صوصو ..
كان أرنوب يختبئ خلف شجرة قريبة،وهو يراقب ما يحدث من بعيد .. بانتظار أن
يتدخّل في الوقت المناسب. ولكنّه لم يتمالك نفسه عندما سمع ثعلوباً وهو يخاطب
فرخي الحمامة :
-اسمعا .. هل تعرفان ماذا سأفعل إن لم تنزلا إلى الأرض لآكلكما ؟
فقفز أرنوب وهو يقول :
-نعم.. أنا أعرف.سترجع من حيث أتيت،لأنّك لن تستطيع أن تتسلّق الشجرة .
تجمَّد ثعلوب في مكانه حينما سمع صوت أرنوب،ثمّ استدار إليه قائلاً:
-أفشلت خطّتي يا أرنوب،وستنال عقابك جزاء هذه الفعلة.ستكون أنت وجبتي لهذا
اليوم .
وقفز لينقضّ عليه . لكنّ أرنوب كان أسرع منه.وفي الوقت المناسب حضرت الحمامة
إلى عشّها،وعرفت من صغيريها ما جرى لهما مع الثعلب ، وكيف استطاع أرنوب
إنقاذهما منه . فقرّرت أن تفعل شيئاً .
كان ثعلوب ما يزال يطارد أرنوباً ليفترسه جزاء حرمانه من وجبة شهيّة . وفي هذه
الأثناء كانت الحمامة تحلِّق فوقهما وهي ترى ما يجري .. وفي الحال قرّرت أن
تردّ الجميل لأرنوب،وتنقذه من هذا المأزق.
صرخ ثعلوب متألماً :
- آخ .. آخ .. ماذا يجري ؟
أتعرفون ماذا حصل ؟ لقد حطّت الحمامة على ظهر ثعلوب وراحت تنقر بمنقارها على
ظهره .. لتمنعه من ملاحقة أرنوب
وفجأة .. توقف ثعلوب عن الركض ، وغيّر وجهّه ليعود من حيث أتى .. وهو يصرخ من
الألم :
- آه ذيلي .. آه ظهري .. آه أذناي ..
ضحك أرنوب .. وضحكت الحمامة .. ثمّ شكر كلّ منهما الآخر على ما أبداه من
مساعدة ، وتمنّا أن تدوم صداقتهما للأبد .
مساعدة غير مقصودة...
أحس أرنوب بالجوع، فراح يبحث له عن طعام... ظل يمشي تارة ويركض تارة أخرى، حتى
أنهكه التعب فقرر أن يستريح قليلا . وبينما كان أرنوب يفكر في طريقة يجد بها
طعاما، لاح له من بعيد شيء برتقالي، فقال في نفسه :
-ما هذا ؟! إنه اللون المفضل لي ! ترى ماذا يكون ؟ سأركض باتجاهه لأعرف.
وعندما وصل إلى المكان.. لم يصدق ما رأته عيناه :
-ما هذا ؟! إنه تل من الجزر ! على ما يبدو أن هذا هو حقل واسع للجزر، واليوم هو
يوم الجني.
أراد أرنوب أن يقفز إلى التل،ويستأذن من صاحب الحقل، ويأخذ بضع جزرات ليسدّ بها
جوعه، لكنّ جدول الماء كان يفصل بينه وبين الحقل، إنها مشكلة كبيرة بالنسبة له،
فقال في نفسه :
-فرحتي لم تكتمل... فالجدول عريض، ولا يمكنني أن أقفز من فوقه أو أن أحفر من
تحته.
جلس أرنوب حائراً... وهو ينظر إلى حقل الجزر :
-ماذا أفعل ؟ سأموت من الجوع، وأنا أقف قبالة حقل كبير من الجزر.. من يصدّق ؟
وبينما هو كذلك.. وإذا بالقنفذ يمر بالقرب منه، فسلّم عليه :
-مرحباً يا صديقي أرنوب.. ما بالك تبدو حزيناً ؟
فأجابه أرنوب :
- لست حزيناً، بل أنا متعب وجائع، وحقل الجزر أمامي ولا أستطيع الوصول إليه، هل
تستطيع أن تساعدني ؟
قال القنفذ :
-كان بودّي ذلك، ولكن لا حيلة عندي، ثم إنني مستعجل... مع السلامة.
تقدّم أرنوب بخطى بطيئة نحو شجرة قريبة، ليستريح في ظلّها وليفكّر بطريقة
مناسبة تجعله يصل إلى الضفة الأخرى. فجأة... سقط عليه شيء ثقيل من الأعلى كأنّه
جبل.. ففزع أرنوب، وكاد قلبه يتوقف. كان هذا الشيء هو القرد الذي أراد أن يمزح
مع أرنوب.
-هل أخفتك ؟
قال أرنوب :
-بل كدت أموت من الخوف .
ابتسم القرد وهو يقول :
-انا آسف يا صديقي.. رأيتك حزيناً فأردت أن أمازحك.
فسأل أرنوب صديقه القرد, عن طريقة تجعله يعبر النهر حتى يصل إلى الجزر..وهنا
حكّ القرد رأسه مفكّراً.. وبعد لحظات قال :
-ما رأيك أن أكوّرك، أي أجعلك مثل الكرة، ثم أرمي بك إلى الجهة الثانية ؟
ارتعب أرنوب وهو يسمع هذه الفكرة, فقال :
-لا... فربّما تكون الضربة قاضية فأموت.. شكراً لك.. لا أريد فكرتك, والموت
جوعاً أهون لي.
ترك القرد صديقه أرنوب حائراًَ, يفكّر في طريقة مناسبة للوصول إلى حقل الجزر،
وبينما هو كذلك فإذا بالثعلوب يقف أمامه، وهو يكشّر عن أنيابه ويقول :
-وأخيرا صرت أمامي يا أرنوب .
ارتعش أرنوب.. وصارت أسنانه تصطكّ ببعضها وهو يردّد :
- ثـ ثـ .. عـ عـ .. لو ب ب ؟؟!!؟!
انطلق أرنوب مثل الرصاصة, وهو يفرّ من أمام ثعلوب..ونسي كلّ تعبه وجوعه..
وانطلق وراءه ثعلوب يريد افتراسه.. وصار الاثنان يجريان بأقصى سرعتيهما بمحاذاة
النهر. فجأة.. ارتطم أرنوب بعمود, لم يلاحظه لشدّة ارتباكه وخوفه.. فرآه فرصة
مناسبة أن يتسلق هذا العمود وينقذ نفسه من أنياب ثعلوب. بعد لحظات.. اكتشف
أرنوب أن هذا العمود رجل من أرجل صديقته الزرافة، كانت تقف تشرب من ماء النهر..
ووجد نفسه فوق ظهرها، فواصل تسلّقه على رقبتها ثم على رأسها وهو يقول :
-من فضلك يا صديقتي الزرافة، أنزلي رأسك إلى الجهة الأخرى فتساعديني في اجتياز
النهر..
أومأت الزرافة برأسها بالموافقة ,لأنها لاتستطيع الكلام . وهكذا وجد أرنوب
نفسه في الجهة الثانية من النهر، ووسط حقل الجزر، فضحك بصوت عال وهو يقول :
-شكراً يا ثعلوب.. لقد قدّمت لي المساعدة من غير أن تقصد ذلك.. لقد كنت حائراً
كيف أعبر النهر لأحصل على الجزر، وقد دلّيتني على الطريقة المناسبة .. ها ها
ها..
راح أرنوب يلتهم الجزر. بينما وقف ثعلوب حائرا كيف يعبر النهر.
أرنوب والتفاح
في الطريق .. وبينما كان أرنوب مع أمّه عائدين إلى بيتهما ، صادفتهما السلحفاة
.. فبادرتها أمّ أرنوب بالتحيّة :
-مرحباً يا صديقتي السلحفاة . إلى أين تذهبين ؟
أجابتها السلحفاة :
-إلى ضفة النهر. فقد سمعت من جارتنا السنجابة أنّ ثمار التفاح قد سقطت من
أشجارها على الأض ، وأولادي يحبّون التفاح .
قالت أمّ أرنوب :
-ولكنّ الوقت متأخّر، والشمس شارفت على المغيب. لماذا لا تنتظرين حتّى الصباح؟
أجابتها السلحفاة :
-لو ظلّ التفّاح على الأرض حتّى الصباح،فإنني أخشى أن تصل إليه دودة الأرض
قبلي.
ما إن سمع أرنوب بكلمة ( تفاح ) حتّى لعق شفتيه بلسانه،وتوسّل بأمّه قائلاً :
-ماما.. أرجوك..أنا أحبّ التفّاح..دعيني أذهب مع عّمتي السلحفاة .
أجابته الأمّ :
-ولكن يا أرنوب ..
قاطعتها السلحفاة :
-سترافقاني أنتما الاثنان . فهذا سيخّفف علّي وحشة الطريق .
قالت أمّ أرنوب :
-اعذريني يا صديقتي السلحفاة.فزوجي سيحضر بعد قليل،وعليّ أن أعدّ له الطعام .
قال أرنوب :
-لقد سئمت أكل الجزر،وأشتهي أن آكل التفّاح .
قالت السلحفاة :
-إذن سترافقني بعد أن تسمح لك أمّك بذلك .
بعد أن أوصت الأرنبة ابنها الأرنوب أن يسمع كلام عمّته السلحفاة،وتعهّد لها
بذلك،صعد أرنوب على ترس السلحفاة،متوجّهين إلى ضفة النهر.وفي الطريق شعر أرنوب
أنّ السلحفاة بطيئة في مشيها،فنزل من على ترسها وهو يقول :
-ما هذا يا عمتي السلحفاة ؟! لوبقيت تمشين هكذا فإنّنا لن نصل إلى ضفة النهر
قبل الصباح .
ابتسمت السلحفاة قائلة :
-لا تتعجّل يا أرنوب .. لم يبقَ إلاّ القليل .
فقال أرنوب :
-لا .. سأسبقك إلى هناك .. لأجمع التفّاح وأبقى بانتظارك .
ابتعد أرنوب عن السلحفاة مسرعاً،بينما ظلّت السلحفاة تناديه :
-ارجع يا أرنوب..لقد تعهّدت لأمّك بأن تسمع كلامي .
صاح أرنوب :
-لقد مللت من خطواتك البطيئة .
كان ثعلوب يستلقي على بطنه,وهو يقاوم الجوع.. بانتظار الحصول على وجبة من
الطعام, يملأ بها معدته الفارغة. وفي هذه الأثناء أحسّ برائحة بدأت تنفذ في
أنفه. فنهض وهو يحكّ أنفه ويقول :
-هذه الرائحة أعرفها .. إنّها ليست غريبة عنّي.فأنفي لا يخطيء أبداً .
ثمّ داعب بطنه وهو يضحك ويقول :
-لقد أتتك وجبة شهيّة يا معدتي العزيزة . آه ..ما أشهى طعم الأرانب!! .
ما إن مّر أرنوب من أمام العشب الذي كان يختبيء فيه ثعلوب،حتى قفز عليه وأمسك
به بأسنانه .ارتعب أرنوب، وصار يصرخ بأعلى صوته :
-النجدة .. النجدة .. الثعلب سيأكلني .. أنجدوني ..
ولكنّ أحداً لم يسمع صيحات أرنوب واستغاثته.
بعد أن وصلت السلحفاة إلى ضفة النهر ، ورأت ثمار التفاح تملأ الأرض،عرفت أنّ
أرنوب لم يصل إليها .. وأنّه ربما يكون بحاجة للمساعدة . فقّررت أن تخبر
صديقتها الأرنوبة بذلك ..لكنّها فكّرت ثم قالت :
-ولكنّ رجوعي إلى بيت الأرنوبة سيستغرق وقتاً طويلاً ،وربّما يكون أرنوب في خطر
. عليّ أن أتصرف بسرعة .
في بيت ثعلوب كان أرنوب يصرخ متوسّلاً :
-أرجوك يا ثعلوب .. لا تأكلني .. أنا خائف ..
فضحك ثعلوب وهو يقول :
-وأنا جائع .. كفاك ثرثرة ودعني أهيء مائدة الطعام .
وراح ثعلوب يعدّ مائدته لاستقبال وجبة شهيّة . وضع الصحون والسكاكين .. لكنّه
عندما بحث عن الشوكة لم يجدها . فصاح :
-ترى أين اختفت الشوكة ؟
لم يشعر ثعلوب إلاّ والشوكة تنغرس بقوّة في رجله ،وصوت يأتيه من الخلف يقول :
-هذه هي شوكتك يا ثعلوب .. إيّاك أن تغدر بأصدقائك الحيوانات بعد الآن .
قفز ثعلوب من شدّة الألم فصاح :
-آه .. آه رجلي ..
سارعت السلحفاة لإنقاذ أرنوب من الحبل ،وخرجا من بيت ثعلوب الذي انشغل بمعالجة
رجله . احتضن أرنوب عّمته السلحفاة وهو يقول لها خجلاً :
-لقد كنت بطيئة في مشيك يا عّمتي السلحفاة ،لكنّك كنت سريعة في إنقاذي .إني
نادم على فعلتي هذه . ومن الآن لن أعصي كلام مَن هو أكبر منّي أبداً .
توبة كاذبة .. وخطّة فاشلة
شيَّع ثعلوب يوماً بين حيوانات الغابة خبراً كاذباً مفادُه انّه مرض مرضاً
أقعده في الفراش ، وأنّه قد ندم على كلّ ما فات من حياته التي قضّاها في
الاحتيال والمكر والخداع .
وعندما سمع أرنوب بمرض ثعلوب حزن عليه ، رغم العداوة التي بينهما .فقَّرر أن
يزوره . فقال له القنفذ :
-هل نسيت ما فعله بك ثعلوب يا صديقي أرنوب ؟
أجابه أرنوب :
-لا لم أنسَ .. ولكنّ المسكين قد يكون بحاجة لمساعدة . وعيادة المريض واجبة .
عندما لاحظ القنفذ إصرار أرنوب على زيارة ثعلوب في بيته ، قرّر أن يرافقه
ليطمئن عليه من غدرثعلوب .
وصل أرنوب والقنفذ إلى بيت ثعلوب، وطرقا بابه فردَّ عليهما ثعلوب من الداخل
بصوت مرتجف:
-ادخل .. الباب مفتوح .
دخل أرنوب والقنفذ بهدوء،ولاحظا أنّ ثعلوب راقد في فراشه فعلاً ..ويبدو بحالة
سيئة.
حزن أرنوب لمّا رأى ثعلوب بهذا الحال . بينما الحقيقة أنّ ثعلوب كان يتظاهر
بالمرض ،وقد سُرَّ وهو يرى خطّته قد نجحت وجعلت أرنوب ياتي بنفسه إلى بيته .
جلس أرنوب إلى جانب ثعلوب على سريره ،وقال له مواسياً :
-لقد حزنّا عليك يا ثعلوب .. وجئنا لنطمئنَّ عليك .
قال ثعلوب الماكر :
- شكراً لك يا أرنوب الطيّب .
نظر ثعلوب إلى القنفذ وقال في نفسه :
-آه منك يا قنفذ .. ما الذي جاء بك الآن ؟ أخشى أن تفشل خطّتي هذه المرّة أيضاً
. وعندما لاحظ القنفذ نظرات ثعلوب له ، تنحنح قليلاً ثمّ قال :
-ولكن ما سبب مرضك يا ثعلوب ؟
أجابه ثعلوب :
-إنّها نوبة برد يا صديقي .
قال أرنوب لثعلوب :
-سمعت من حيوانات الغابة أنّك قد أعلنت توبتك .
فقال ثعلوب :
-نعم .. فبعد أن سمعت أمر الأسد ملك الغابة ، قرّرت أن أكون صديق الجميع .
تعجبّ أرنوب والقنفذ بما سمعاه ، وقالا مندهشين :
-أيّ أمر تعني ؟
أجابهم ثعلوب :
-لقد أمرنا ملك الغابة أن ننسى كلّ خلافاتنا وعداوتنا ،ونكون جميعاً متحابيّن
متعاونين لا يغدر أحدنا بالآخر . قال القنفذ :
-عجيب .. لم نسمع بهذا إلاّ منك .
وقال أرنوب :
-لو كان هذا صحيحاً فإنّه شيْ رائع .
فقال ثعلوب :
-طبعاً .. ألا ترياني كيف صرت وديعاً ؟
ثمّ ضحك في نفسه وهو يقول :
-بهذه الطريقة سيطمئنّ القنفذ على صديقه أرنوب ، ويتركه وحده معي .
استأذن أرنوب والقنفذ من ثعلوب ليسمح لهما بالانصراف . فقال ثعلوب :
-إلى أين تذهب يا صديقي أرنوب ؟ .. أنا بحاجة لمساعدتك أيهّا الطبيّب .
فأجابه أرنوب :
-أنا ذاهب لأجلب دواء يشفيك من نوبة البرد التي أصابتك .. وسأعود بعد قليل .
بعد أن خرج القنفذ وأرنوب من بيت ثعلوب ، قال القنفذ :
-هل تعرف يا أرنوب أننّي أشكّ في كلّ ما قاله ثعلوب ؟.
فقال أرنوب :
-المهمّ أنّه مريض وبحاجة لمن يساعده ، وسأجلب له الدواء .
فقال القنفذ :
لا تأمن لعدوِّك أبداً يا صديقي .
أخيراً قرّر القنفذ وأرنوب أن يختبرا صدق كلام ثعلوب . ففكّرا بحيلة سريعة .
حتى خطرت ببال أرنوب فكرة ، وقرّر أن ينفّذها . فاقترب من بيت ثعلوب وطرق الباب
.
ردّ ثعلوب من الداخل :
-هل جئت يا أرنوب ؟! ادخل يا عزيزي .
قال أرنوب :
-صديقي ثعلوب .. لقد سمعت الكلاب بمرضك وجاءت لتطمئّن عليك .
ما إن سمع ثعلوب كلمة (( كلاب )) حتىّ قفز من فراشه .. وفتح باب بيته ، ثمّ
أطلق ساقيه للريح وهو يصيح مذعوراً :
-يا ويلي .. لقد هلكت .. جاءت الكلاب لتقضي عليّ .
ضحك أرنوب وهو يخاطب ثعلوب قائلاُ :
-إلى أين يا ثعلوب ؟! ألم تقل إنّ العداوة قد زالت من الغابة ؟.
أجابه ثعلوب من بعيد :
-نعم .. ولكن يبدو أنّ الكلاب لم تسمع بهذا الخبر .
دواء الأسد...
كان ثعلوب بلاحق أرنوب- كعادته- من أجل افتراسه. فجأة.. أحس ثعلوب بكماشة كبيرة
ذات مخالب حادة تقبض عليه وتكاد أن تخنقه. وعندما رفع رأسه قليلاً ونظر إلى
الأعلى ذهل من هول المفاجأة :
- من ؟! ملك الغابة !! مولاي الأسد !!.
كشّر الأسد عن أنيابه الحادة وأطلق زئيراً, جعل ثعلوب يغمض عينيه. ضرب الأسد
برجله على رأس ثعلوب ليستعيد وعيه، وعندما أفاق ثعلوب من غيبوبته خاطبه الأسد :
- لقد حذرتك أكثر من مرة أيها المخادع، أن لا تغدر بأصدقائك الحيوانات، ارتعش
ثعلوب وهو يقول:
- أنا آسف يا مولاي، لم أكن ألاحقه لأفترسه، بل لأقنعه بالمثول بين يديك.
ابتسم الأسد مستهزئاً من كلام ثعلوب، وقبل أن ينطق بأي كلمة... واصل ثعلوب
كلامه قائلاً:
-لقد عرفت من جدّي رحمه الله، أن لحم الأرانب خير دواء لشفاء مرض المعدة.. وحسب
ما علمت من أصدقائي الحيوانات أنك تشكو من آلام حادّة في معدتك، فقرّرت
مساعدتك.
وضع الأسد يده على معدته، وتذكّر الآلام الحادة التي تنتابه كلّ يوم، فحكّ رأسه
وهو يتمتم :
- فعلا... آلام شديدة لا أكاد أحتملها .
اقترب ثعلوب من الأسد وهو يهمس:
-والدواء موجود يا سيد الغابة .
قبض الأسد بمخالبه على عنق ثعلوب وهو يهدّده :
- اسمع... إذا كان كلامك هذا صحيحاً فلك مني مكافأة.. أما إذا كنت كاذباً...
فالويل لك.
أراد ثعلوب أن يتكلّم، لكنّ مخالب الأسد كانت تطوّق عنقه ,وتمنعه من أن ينبس
بأي كلمة. ترك الأسد ثعلوب يذهب إلى حال سبيله... بينما راح يفكّر :
-إذن... عليّ أن أبحث عن دوائي.
أما أرنوب فعندما اطمئنّ إلى أن ثعلوب قد توقّف عن ملاحقته, جلس على جذع شجرة
قديم ممتدّ على الأرض.. وراح يقضم في تفاحة أعطاها له صديقه السنجاب.
بعد أن شبع أرنوب وأحسّ بالراحة، داعبته خيوط الشمس الدافئة، فجعلته يشعر
بالنعاس.
-أوه... سأنام على جذع هذه الشجرة.. وأنعم بدفء الشمس الجميلة.
وما هي إلا بضع دقائق حتى وجد أرنوب نفسه معلّقاً من أذنيه، وصوت مرعب يقول له
:
- إذن أنت.. أنت دوائي يا أرنوب.
وهنا عرف أرنوب أن ثعلوب قد دبّر حيلة, لينقذ بها نفسه من بطش الأسد.. فقال
وهو يرتجف :
- يا ملك الغابة... لقد خدعك ثعلوب الماكر.. اتركني وسأفهمك حقيقة الأمر.
فكّر أرنوب في طريقة ينقذ بها حياته، فقال :
- يا مولاي الأسد.. أتعرف لماذا يلاحقني ثعلوب دائماً؟
فسأله الأسد عن السبب، عندها قال أرنوب :
- كي لا أخبرك عن الدواء المناسب الذي سيشفيك من مرضك.
اقترب الأسد قليلاً من أرنوب وهو يقول :
-لكنّه أخبرني بأن لحم الأرانب هو الدواء المناسب.
ضحك أرنوب وقال :
- وهل صدّقته... أنسيت أنه ثعلب ماكر محتال ؟ أنسيت ألاعيبه وحيله ؟ لقد قال لك
ذلك لينفذ بجلده.
أدرك الأسد أن كلام أرنوب صحيح.. فسأله :
- وما الحقيقة إذن ؟ أخبرني أنت ..
أجابه أرنوب :
-الدواء يا مولاي تجده عنده.. فلسان الثعالب هو خير دواء لشفاء جميع الأمراض،
وخصوصاً مرض المعدة، جرّب ذلك وسترى، ولكن عليك أولاً أن تبحث عن ثعلوب.
بعد فترة قصيرة.. شاع في الغابة كلّها أن الأسد يبحث عن ثعلوب ليقطع لسانه
ويشويه ويشفى من مرضه، وعندما سمع ثعلوب هذا الخبر ,اختفى عن الأنظار، ولم يعد
يظهر أمام أيّ حيوان، وبهذا تخلّص أرنوب وجميع حيوانات الغابة من مكر الثعلب
المحتال.
ثعلوب يقدم الجزر لأرنوب
بينما كان أرنوب يتمشى وسط الغابة ،مستمتعاً بالجوّ الربيعيّ الجميل ، وأشعة
الشمس الدافئة ، سمع صوت صديقه الخلد يناديه :
-أرنوب .. صديقي أرنوب .. انتظر ..
توقّف أرنوب ليرى ما يريدهُ الخلد.وَصَل الخلد إلى أرنوب وهو يلهث،فبادره
أرنوب بالسؤال:
-ما بالك أيّها الخلد ؟ لقد أقلقتّني !.
أجاب الخلد :
-شيء قد لاتُصدّقه ! لقد سمعت من بعض الأصدقاء أنَّ ثعلوب في الحقلّ يجمع الجزر
ويضعه في سلّةكبيرة !.
ضحك أرنوب وهو يقول :
-ماذا ؟! ثعلوب يجمع الجزر ؟! يبدو أنّه كفَّ عن ملاحقة الأرانب وقرَّر أن يكون
الجزر أكلته المفضّلة .
ثم توقَّف عن الضحك ، ونظر إلى الخلد وهو يقول مستغرباً :
-ولكن .. هل أنت جادّ فيما تقوله يا صديقي ؟.
أجابه الخلد :
-ألم أقُل لك إنَّه شيء لا يُصدَّق .. تعال معي لترى بنفسك .
رافق أرنوب صديقَهُ الخلد متوجّهين إلى حقل الجزر . وقبل أن يصلا إليه ، لاح
للأرنب ثعلوب من بعيد وهو يمسك بسلّة كبيرة مليئة بالجزر .
سأل الخلد :
-والان .. ماذا ترى ؟ فإن نظري خفيف .
أجاب أرنوب :
- إنه يجمع الجزر فعلاً . لنقترب منه أكثر .. ولكن من غير أن يحسّ بوجودنا .
عندما صار أرنوب والخلد على مقربة من ثعلوب ، لاحظا أنّه يرمي الجزر على الأرض
..
تاركاً مسافة مناسبة بين جزرة وأخرى .حينها أدرك أرنوب أنّ ثعلوب يخطّط لحيلة
جديدة , فقال لصديقه:
- تعال معي لنراقب ما يفعله ثعلوب.
كان ثعلوب يرمي الجزرة بعد الأخرى على شكل خطّ يمتدّ إلى داخل مغارة صغيرة ،
صنع لها باباً من أغصان الأشجار وتركهُ مفتوحاً . هَمسَ أرنوب لصديقه الخلد :
-لقد تأكّدتُ الآن من خطّة ثعلوب ..إنّه ينصب لنا فخّاً ليوقعني فيه .. يا
للمحتال!! .
بعد أن أكل ثعلوب نصبَ الفخ .. فَرَكَ يديه قائلاً :
-أين أنت يا عزيزي أرنوب ؟ لقد أحضرتُ لك كمية كبيرة من الجزر .تعال لتأكلَ أنت
الجزر ؟وآكلَ أنا مَن أكلَ الجزر
فكَِّر أرنوب في كيفية إفشال خطة ثعلوب ، وتلقينه درساً لن ينساه .. وبعد قليل
.. نظر أرنوب إلى الخلد وقال له :
-خطرت ببالي فكرة مدهشة يا عزيزي .. وسأحتاج إلى مساعدتك .
أجابه الخلد :
-وأنا حاضر لمساعدتك يا أرنوب .
اختبأ ثعلوب خلف شجرة قريبة من المغارة ، مستعداً لإغلاق بابها حالما يدخل
أرنوب فيها . وضحك ضحكة خبيثة وهو يقول :
-هذه المرّة لن تفلتَ منّي يا أرنوب .
لم يُصّدق ثعلوب عينيه وهو يرى أرنوب من بعيد قادماً نحوه بهذه السرعة . وبعد
قليل سمع صوت أرنوب وهو يقول :
- آه .. ما هذا ؟ إنّه جزر ! يا للسعادة .. وجدت طعامي هذا اليوم بكلّ سهولة .
لم يستطع ثعلوب أن يكتم ضحكته الخبيثة ، فوضع يده على فمه وهو يقول في نفسه :
-وأنت وقعت في مصيدتي بكلّ سهولة .
كان أرنوب يجمع الجزر واحدة بعد الأخرى وهو يقول بفرح :
-ما أسعدني ! .. إنها كمية كبيرة من الجزر .. يبدو أنّها سقطت من أحد المزارعين
.
وعندما وصل أرنوب إلى المغارة قال بصوت مسموع :
-آه .. يبدو أنّه مخزن للجزر .. سأدخل فيه .
ما إن دخل أرنوب إلى المغارة حتى سارع ثعلوب بإغلاق بابها وهو يصرخ بفرح :
-لقد وقعت في الفخّ يا أرنوب .. ماذا سيفيدك الجزر أيّها الذكي ؟.
استغرب ثعلوب لأنهّ لم يسمع أيّ صوت استغاثة من أرنوب ! فتساءل :
-أرنوب.. هل تسمعني ؟ .. ما بالك لا تتوسّل بي مثل كلّ مرة ؟.
ولكنّه أخيراً .. قرّر أن يدخل ليرى ما حلّ بالأرنب . دخل ثعلوب إلى المغارة ،
وفي الحال سارع أرنوب والخلد بإغلاق بابها عليه .. فصرخ ثعلوب مذهولاً :
-ما هذا !! كيف استطعت الخروج من المغارة يا أرنوب ؟.
ضحك أرنوب وقال :
-الفضل يعود لصديقي الخلد لقد ساعدني بحفر نفق تحت الأرض قبل أن أدخل إلى
المغارة. وقال الخلد :
-لقد عرفنا خطّتك الخبيثة يا ثعلوب ، وهذا جزاؤك .
صاح متوسّلاً :
-لا .. أرجوكم .. أخرجوني من هنا ولن أعيدها ثانية ..
ضحك أرنوب وقال :
-ستبقى هنا .. ريثما يحضر الصّياد .. فهو يبحث عنك منذ فترة .
ابتعد الصديقان ضاحكين .. بينما تعالت صيحات ثعلوب طالباً النجدة .
صياد... وصادوني
ذهب ثعلوب إلى الذئب، وجلسا يتسامران ويتبادلان أطراف الحديث.. فقال ثعلوب :
- لقد سمعت عن دهائك في اصطياد الحيوانات يا صديقي الذئب.. فعلّمني طريقة أصطاد
بها أرنوب.
ابتسم الذئب وهو يقول :
- سأعلّمك طريقة تجعلك تجلس في بيتك مرتاحاً، ولا تتحرّك منه إلا عندما يقع
أرنوب في الفخ.
استغرب ثعلوب ما سمعه من الذئب.. وخصوصاً أنه تعب من ملاحقة ومطاردة أرنوب
دونما فائدة.. فسأل :
- كيف يا ذئب يا صيّاد ؟!
أشار الذئب لثعلوب بإصبعه أن : اتبعني...وتوجّه الاثنان إلى بيت ثعلوب. عندما
وصل الاثنان إلى البيت.. طلب الذئب من ثعلوب أن يحضر له حزمة من الجزر، بينما
راح هو يعلّق جرساً فوق باب بيت ثعلوب من الداخل . أحضر ثعلوب الجزر الذي طلبه
الذئب، وبعد أن ربطه بالحبل، وعمل منه حزمة كبيرة قال الذئب :
- هات معك كيساً من القماش أو الخيش ثم اتبعني.
توقّف الاثنان عند شجرة كبيرة بالقرب من بيت أرنوب، وقال الذئب :
- سننصب الفخّ هنا.... إنه مكان مناسب جداً، فالمسافة قريبة من بيتك وبيت أرنوب.
قال ثعلوب :
- رغم أننّي لحد الآن لم أفهم شيئاً.. لكنّني أشكرك يا صديقي الذئب.
وفي هذه الأثناء.. مرّ أرنوب بالقرب من الشجرة في طريقه إلى بيته، قال الذئب
بحذر :
- اختبئ خلف الشجرة يا ثعلوب.. كي لا تفشل خطتنا.
قال ثعلوب :
- حسن سنختبئ.. ولكنّني أخشى أن يكون قد رآنا من بعيد.
اقترب أرنوب من الشجرة، ثم توقّف قليلاً كأنّه سمع حركة أو خشخشة، ثم نظر إلى
الشجرة.. كان الذئب وثعلوب يختبئان خلف جذع الشجرة بحذر.قال ثعلوب وهو يضع
سبابته على أنفه:
- هس س س .. إنّه يقف هنا.. يبدو أنّه شكّ في شيء ما.. لا تصدر أية حركة.
انطلق أرنوب متوجّهاً إلى بيته وهو يدندن بلحن ما ويصفر.. عندها.. التقط الذئب
وثعلوب أنفاسهما وقالا :
- الحمد لله... إنه لم يرنا .
واصل الذئب عمله في نصب الفخّ، فربط فوهة الكيس بالحبل، ثم دفنه بمهارة تحت
الأرض، وفي الطرف الثاني من الحبل ربط حزمة الجزر، وجعلها تتدلّى من على غصن
الشجرة.
كان ثعلوب ينظر إلى الذئب معجباً بمهارته في صيد الحيوانات... فقال :
- أنا أحسدك يا صديقي على مهارتك في الصيد... وأتمنى أن أكون مثلك.. ولكن أرجو
أن تنجح الخطة هذه المرة.
قال الذئب :
- عندما يقفز أرنوب ليجذب حزمة الجزر هذه، سيغلق عليه الكيس المدفون تحت الرمل
نتيجة الثقل الذي سيحدثه أرنوب.
ضحك ثعلوب وقال :
- إنها خطّة ذكيّة أيها العبقري.. ولكن كيف سأعرف أنه وقع في الفخ ؟
قال الذئب :
- ستعرف ذلك حالاً...
ربط الذئب حبلاً آخر بحزمة الجزر وعلقه بغصن الشجرة، وصار يمدّه باتجاه البيت،
وهو يقول :
- لقد أنهينا عملنا هنا.. سننسحب بسرعة وحذر.
قال ثعلوب وهو يتقافز فرحاً :
- عظيم !! أنت رائع!! لقد فهمت كل شيء
في بيت ثعلوب علّق الذئب الطرف الثاني من الحبل في الجرس.. والتفت إلى ثعلوب
قائلاً :
- عندما يرنّ الجرس ستعرف أن أرنوب قد صار داخل الكيس.
قال ثعلوب وهو يمسّد على بطنه :
- وبهذه الطريقة أستطيع أن أظلّ في البيت مستلقياً على فراشي بانتظار الوليمة..
ها ها ها .
استأذن الذئب بالانصراف وهو يقول :
- لقد أنهيت مهمتي.. فأرجو أن لا تنسى أنني ساعدتك أيها المخادع.. فلربمّا
أحتاج إلى مساعدتك يوماً.
قال ثعلوب :
- طبعاً... طبعاً.. ولكن المهم أن تجدي هذه المساعدة نفعاً.
مرّت ساعتان وثعلوب ينتظر... حتى أنه سئم الانتظار وقال في نفسه :
- أرنوب ذكيّ.. ولا أعتقد أن الحيلة ستنطلي عليه.. أما أنا و....
(( ترن... رن ... رن... رن ))
قبل أن يكمل كلامه.. رنّ الجرس فجأة.. قفز ثعلوب وهو يصيح فرحاً :
- عظيم.. لقد اصطدتك يا أرنوب أخيراً.. لقد وقعت في الفخ أيها المغفل.
ما إن خرج ثعلوب من بيته ليحصل على الوليمة الجاهزة، حتى انطبق عليه فخّ حديدي
كان منصوباً أمام باب بيته... فصرخ .
- آخ... آخ.. أنجدوني.. سأفقد قدمي.
ثم تعالت ضحكة ساخرة.. وقهقهات عالية.
- ها.. ها.. ها.. هذا جزاؤك أيها المحتال الماكر. لقد اكتشفت الحيلة، لذلك وضعت
لك هذا الفخ، ثم سحبت الحبل ليرنّ الجرس عندك .
قبل أن ينصرف الأرنب أطلق ضحكة عالية وهو يقول :
- من يضحك أخيراً.... يضحك كثيرا ًأيها الصياد البارع.
دمدم ثعلوب مع نفسه :
- صياد ... وصادوني... آخ..
فيضان
بينما كان أرنوب يغطُّ في نوم عميق ، وهو يحلم بطريقة تخلّصُه من عدوِّه اللدود
( ثعلوب ) ، كانت قطرات الماء تتسلّل داخل جحره – أي بيته ..
استيقظ أرنوب فزعاً ، وهو يرى الماء قد ملأ بيته . فراح يصرخ طالباً النجدة .
-آه .. سيغرقني الماء .. سيغرقني الماء .. أنجدوني .. أنجدوني ..
أخرج أرنوب رأسه من بيته ليطلب مساعدة أصدقائه ، فوجد أنَّ الأرض الخضراء من
حوله قد فاضت بالماء . نظر أرنوب يميناً ويساراً ، ولمّا لم يجد أحداً صار
يصرخ :
-ياه .. إنهّ فيضان إذن .. النجدة .. سأغرق .. النجدة .. ساعدوني ..
من بعيد ..كان ثعلوب يسمع صراخ أرنوب وهو يطلب النجدة .. فخطرت بباله فكرة ..
-إنّها فرصتي الثمينة .. سأتظاهر بمساعدة أرنوب ، لأحظى بوجبة شهيّة هذا اليوم
.
استطاع ثعلوب أن يجد له جذع شجرة ، اتخذ منه زورقاً ، وغصناً طويلاً صار له
المجداف ، وبدأ يجدف صوب أرنوب بحجّة مساعدته .. وهو يصيح بمكر :
- أرنوب يا صديقي .. لا تخف .. أنا آتٍ لنجدنك .
عندما رأى أرنوب ثعلوباً قادماً نحوه ، أدرك أنهّ وقع في مأزق أكبر من الفيضان
.
فتلعثمت الكلمة في فمه حينما قال :
-آه .. ثعـ .. ـلـ .. ـو .. ب ..
كان ثعلوب يقترب من أرنوب شيئاً فشيئاً .. وهو يخطّط ويفكّر ..
-لا بد من حيلة للانقضاض عليك يا أرنوب .
ثم لعق شفتيه بلسانه الطويل وهو يردّد :
-ما ألذ طعم الأرانب .
وعندما اقترب من المكان أكثر ، صاح بصوت عالٍ :
-ابق مكانك يا أرنوب ..لا تتحرك..سأنقذك يا صديقي لا تخف..ثعلوب قادم لنجدتك .
وفي الوقت نفسه كان أرنوب يفكّر في طريقة للخلاص من ثعلوب الذي يتحيّن الفرصة
لافتراسه ثمَّ توصّل إلى حيلة ربما ستنقذه من أنياب ثعلوب .. ولكن ..
هل سينجح ؟
وصل ثعلوب على زورقه إلى حيث يقف أرنوب . ومدّ يده إلى أرنوب قائلاً :
-هات يدك يا صديقي . حضرتُ بنفسي لنجدتك .
قال أرنوب مرتعشاً :
-ولكنني أخاف أن نغرق معاً يا صديقي ثعلوب .فهذا الجذع لن يتحملّنا نحن
الاثنين.
فكَّر ثعلوب بكلام أرنوب ، ثمّ قال في نفسه :
-ربّما يكون أرنوب على حقٍّ . ما العمل إذن ؟
ثمّ قال أرنوب :
-انزل يا ثعلوب، لنفكّر بطريقة قبل أن نغرق نحن الاثنين .
نزل ثعلوب من الزورق ، وقبل أن يدع مجالاً للتفكير ، قفز أرنوب على جذع الشجرة
، وتناول الغصن الطويل ، ودفع به الأرض بقوّة مبتعداً عن المكان .
-ماذا تفعل ؟! إلى أين أنت ذاهب ؟
بعد أن ابتعد أرنوب عن ثعلوب مسافة كافية ، ضحك بأعلى صوته وهو يقول :
- شكراً لك يا ثعلوب .. لقد أنقذتني من الغرق ، كما أنقذتني من مخالبك وأنيابك
الحادّة .
صاح ثعلوب:
-وأنا من سينقذني يا صديقي ؟
أجاب أرنوب
- سآتيك بجذع الشجرة .. ولكن .. بعد أن يجفَّ الماء .
وأطلق ضحكة عالية ، بينما راح ثعلوب يدمدم .
-فعلاً .. من حفَرَ بئراً لأخيه .. وقَعَ فيه .
لعبة جرّ الحبل...
بينما وجد أرنوب نفسه محاصراً من قبل ثعلوب، ولا حول له ولا قوة... قال له
متوسّلاً :
- أرجوك يا ثعلوب أن تتركني هذه المرة، وأعدك أن أوفر لك طعامك لهذا اليوم.
كشّر ثعلوب عن أنيابه وقال بغضب :
- في كل مرة تخدعني، لذلك لن أتركك هذه المرة .
وضع أرنوب إصبعه على أنفه ليسكت ثعلوب ويمنعه من الاستمرار في كلامه :
- هس س س.. أسكت لئلا يسمعك الحيوانات، ويتأكدوا من صدق ما يقال عنك.. من أنك
صرت أضحوكة الجميع، وأضعف حيوان في الغابة .
عندما سمع ثعلوب هذا الكلام جن جنونه، وقال :
- أنا لست ضعيفاً أيها الصغير، بل أنا قوي.. أقوى مما تتصوّر، وسأثبت للجميع
هذا الشيئ.
ترك ثعلوب أرنوب... وانصرف ليفكّر في طريقة تجعله قوياً في نظر أرنوب وبقية
حيوانات الغابة... أما أرنوب فقد ضحك في نفسه طويلاً.. وتقافز وهو يقول :
- عظيم... لقد نجحت... وأنقذت نفسي.
كان ثعلوب ما يزال يفكر في إيجاد حيلة تجعله قوياً في نظر الجميع، فكان يتمشّى
في الغابة على غير هدى.. حتى وصل إلى النهر.. وهناك.. كان فرس النهر يستحم تحت
أشعة الشمس الدافئة... وخلف تلّ صغير كان الفيل يلهو مع نفسه بخرطومه الطويل.
وفجأة... لمعت في رأس ثعلوب فكرة خبيثة، فأسرع نحو الفيل وألقى عليه التحية..
فتوقف الفيل عن مداعبته لخرطومه.. ونظر إلى ثعلوب مستغرباً :
- غريب !! ما الذي أتى بك إلي اليوم يا ثعلوب ؟!... هل تظنني صرت أرنباً كبيراً
وجئت لتصطادني؟ ها ها ها .
نفخ ثعلوب نفسه وقال في كبرياء :
- لا... بل قرّرت منذ اليوم أن ألعب مع الحيوانات التي من مستواي.. مكانة وقوة.
أطلق الفيل ضحكة قوية... وقال مستهزئاً :
- أنت ؟! تلعب معي !؟ ...اذهب قبل أن أسحقك بقدم واحدة من أقدامي .
قال ثعلوب للفيل متحدياً :
- إذا كنت غير مصدّق، فانتظرني في مكانك ريثما أعود ومعي حبل، وعندها سنلعب
لعبة " جرّ الحبل", وسترى من سيجرّ الثاني .
عبر ثعلوب التلّة، وتوجّه إلى النهر، وألقى التحية على فرس النهر.. ثم سأله :
- ما رأيك أن نلعب معاً يا فرس النهر ؟
استغرب فرس النهر طلب ثعلوب العجيب هذا.. وظنّ أن ثعلوب يمزح.. فقال له :
- اغرب عن وجهي يا ثعلوب قبل أن أغضب.
طلب ثعلوب من فرس النهر ما طلب من الفيل، وذهب إلى بيته ليحضر حبلاً ويسحب به
فرس النهركما ادّعى، بينما كان أرنوب يراقب ما يحدث وهو يخرج رأسه من حفرة تبعد
بضعة أمتار.
حكّ أرنوب أذنيه الطويلتين، وتساءل في نفسه :
- ترى كيف سيستطيع ثعلوب أن يجر الفيل بالحبل ؟... وكيف سيجرّ فرس النهر؟
سأنتظر ريثما يعود ثعلوب وأرى ما سيحدث.
حضر ثعلوب إلى التلّة ومعه حبل طويل ومتين، فرمى طرفه عند النهر، والطرف الثاني
من الجهة الثانية بالقرب من الفيل.كان أرنوب يراقب ما يفعله ثعلوب عن كثب.
توجّه ثعلوب متبختراً نحو فرس النهر.. وقال له :
- اسمع يا فرس النهر... أمسك بطرف الحبل هذا، وسأذهب أنا إلى الجهة الثانية
وأمسك بالطرف الآخر.. الأقوى من يستطيع أن يجرّ الآخر... ولكن لا تبدأ اللعبة
قبل أن تسمع إشارة البدء.
عبر ثعلوب التلّة، وتوجّه إلى الفيل وطلب منه الطلب نفسه.أمسك الفيل بطرف
الحبل، وكان فرس النهر يمسك بالطرف الثاني منه... لقد بانت خطة ثعلوب إذن..
لعبة الجرّ ستكون بين الفيل وفرس النهر، من دون أن يعرفا أنهما يتسابقان مع
بعضهما... فكلّ منهما يظنّ أنه سيسحب ثعلوب. سحب ثعلوب نفسه خلسة ليختبأ خلف
الشجرة، ويعطي إشارة البدء.. وعندما فعل، وجد أن أرنوب قد سبقه إليها. ارتبك
لما رأى أن أرنوب قد اكتشف حيلته وتوسّل إليه قائلاً :
- أرجوك أيها الصديق العزيز... لا تفضحني.. وإلا فسأهلك.. سأعطيك ما تريد..
أرجوك...
ضحك أرنوب وهو يقول :
- يوماً بعد يوم تزداد مكراً وخداعاً أيها المحتال.
وضع ثعلوب يديه حول فمه وأطلق صوته عالياً وهو يصيح (( ابدأ )) .
ما إن سمع الحيوانان الكبيران كلمة البدء.. حتى راح يسحب كلّ منهما الآخر بكل
ما أوتي من قوة، وقد فوجئ كلّ من الفيل وفرس النهر القوة الهائلة التي نزلت على
ثعلوب فجأة، وكان كلّ واحد منهما يقول في نفسه :
- أيعقل أن يكون لثعلوب كل هذه القوة ؟!
أما أرنوب فقد اطمئن إلى أن ثعلوب سوف لن يتعرض إليه بسوء ولو بضعة أيام...
وإلا فسيفضح أمره، ويكون مصيره الهلاك .
أرنوب يفقد الذاكرة...
بينما كان أرنوب يلعب ويقفز وينطّ من مكان إلى آخر، سقط من فوق تلّ عال وهوى
على رأسه على الأرض، ممّا أفقده وعيه بضع دقائق.
- آوه... رأسي يكاد ينفجر.. ماذا جرى لي ؟
إذن.. فقد أرنوب ذاكرته، ونسي كيف ولماذا سقط.. ومتى ؟.. ومن هو ؟! وأين ؟ وكلّ
الأسئلة وعلامات الاستفهام كانت بحاجة إلى إجابات.. وهو لا يعلم شيئا.وعندما
مرّ به السنجاب حيّاه قائلا :
-طاب صباحك يا أرنوب... ما بالك تفكر ؟
وهنا تمتم أرنوب مع نفسه :
- أرنوب ؟!... إذن أنا أرنوب .
ثم قفز فرحا ًوهو يصرخ :
- عظيم.. عرفت اسمي.. أنا أرنوب.. أنا أرنوب.
استغرب السنجاب تصرّف أرنوب، وأصابته الدهشة، بينما استمر أرنوب يصرخ :
- أنا اسمي أرنوب... ولكن من أنت ؟
شعر السنجاب بالخوف. فتراجع إلى الخلف قليلاً، ثم انطلق يجري بسرعة وهو يصيح :
- لقد جنّ أرنوب... لقد جنّ أرنوب..
حكّ أرنوب أذنيه الطويلتين وهو يتساءل :
- عجيب ّ؟ ما باله ؟ .. لماذا جرى ؟!
ثم انطلق يدندن :
- ترللا.. ترللا.. لا لا لا .. ترللا.
في الطريق... كان ثعلوب يجلس تحت شجرة، يفكّر في وجبة طعامه القادمة، وكيف
سيحصل عليها، وما إن رآه أرنوب من بعيد، حتى انطلق إليه مسرعاً ظنّاً منه بأنه
واحد من الحيوانات التي يمكن أن يلعب معها. عندما وصل إليه أرنوب أطلق ضحكة
عالية جعلت ثعلوب يجفل من مكانه:
- ها ها ها . أخيرا وجدت صديقاً ألعب معه.
لم يصدق ثعلوب ما سمعه ويراه أمامه، فابتلع ريقه، وسال لعابه، وهو يحدّث نفسه :
- معقول ؟! أرنوب أمامي بشحمه ولحمه ؟
اقترب ثعلوب من أرنوب، ووضع يده على ظهره، وقال له :
- أهلا بأرنوب.. قبل قليل كنت أفكّر بك، فأنت كما تعلم على بالي دائماً..
ضحك أرنوب وقال له :
- شكراً لك أيها الصديق.. ولكن لم أتشرف بمعرفتك لحد الآن .
ظنّ ثعلوب أن أرنوب يمزح معه، فأجابه :
- ما هذا يا أرنوب؟ هل نسيت ثعلوب صديقك الذي يلعب معك دائماً؟
فرح أرنوب كثيراً وهو يرى صديقاً يريد أن يشاركه اللعب، أما ثعلوب فكان غير
مصدّق ما يحدث أمامه، وكان يقول لنفسه :
- قبل لحظات كنت أفكّر في الحصول على قليل من الطعام... أما الآن.. فأنا أمام
وجبة دسمة جائتني دون أي تعب .
- اقترح ثعلوب على أرنوب أن يذهبا إلى بيته ليلعبا هناك، ووافق أرنوب على هذا
الاقتراح وتوجه الاثنان إلى بيت ثعلوب.
- عندما وصل الاثنان إلى بيت ثعلوب ودخلا فيه، أسرع ثعلوب وأشعل ناراً ووضع
عليها قدرا ً ملأه بالماء، وراح يحضر السلطة والمقبّلات الأخرى، لأنه كان ينوي
أن يجعل من أرنوب وجبة طعامه الشهية.
- أما أرنوب الذي كان يجلس على كرسي، فقد استغرب وهو يرى ثعلوب يتهيأ لإحضار
وجبة
الطعام، فقال :
- ما هذا أيها الصديق ؟ .. هل جئنا لنأكل أم نلعب.
فأجابه ثعلوب :
- سنلعب أولاً.. وعندما نحس بالتعب والجوع سنأكل.. والآن.. هيا.. سنلعب لعبة
الكرسي والرقم عشرة.
وصار ثعلوب يشرح لأرنوب تفاصيل اللعبة وهو يقول :
- سيجلس أحدنا على هذا الكرسي، بينما يقوم الآخر بربطه بالحبل، والعدّ إلى
العشرة، وعلى
الجالس أن يتحرّر من الحبل قبل أن يكمل العد، وإلا فسيخسر وينال العقاب.
سأل أرنوب :
- وماذا سيكون عقاب الخاسر ؟
أجابه ثعلوب :
- بالنسبة لي.. سيكون عقابي لك ضربة قوية بهذه المطرقة.
ثم رفع المطرقة عالياً وهوى بها على رأس أرنوب، فسقط على الأرض. وفي هذه
اللحظة استعاد
أرنوب ذاكرته، ووجد نفسه أمام عدوّه اللدود.. فاحتار ماذا يفعل !
ضحك ثعلوب وقال :
- هذا عقابي لك في حالة خسارتك، فماذا سيكون عقابك أنت في حالة خسارتي ؟
نظر أرنوب فيما حوله، وقفز إلى قدر الماء المغلي، وسكبه على ثعلوب، وفر هاربا
وهو يصيح :
- هذا عقابك أيها الخاسر دائماً .
الأصدقاء يلعبون
في الغابةالسعيدة اجتمع القنفذ والأرنب والسنجاب وابن عرس ، وقرروا أن يلعبوا
فيما بينهم . قال أرنوب :
- ما رأيكم في أن نلعب لعبة كرة القدم ؟
فأجاب السنجاب :
- لا .. إنّها لعبة تحتاج إلى عدد أكبر من الأصدقاء.
ثمَّ ضحك ابن عرس وهو يقول :
-وعدا هذا فإنّ صديقنا القنفذ سبق له أن فجرَّ الكثير من كراتنا بأشواكه
الحادّة .
بعد تفكير .. قفز السنجاب وهو يقول :
-وجدتها ! .. سنلعب لعبة الاختفاء .
قال ابن عرس :
-نعم .. إنّها لعبة مناسبة .. ولكن من سيبدأ اللعب أولاً ؟
فوقع الاختيار على أرنوب ليبدأ هو اللعب أولاً . قال أرنوب :
-سأعدّ من الواحد حتى العشرة ، وبعدها سأبدأ البحث عنكم . ومن أعثر عليه أولاً
سيحلّ محّلي . اتفقنا ؟
صاح الجميع بصوت واحد :
-اتفقنا .. هيا إذن يا أرنوب .
وضع أرنوب يديه على عينيه كي لا يرى أصدقاءه وهم يحاولون الاختباء . وبدأ العّد
:
-واحد .. اثنان .. ثلاثة .. أربعة .. خمسة .. ستة .. سبعة .. ثمانية .. تسعة ..
عشرة . انتهى الوقت ، وسأبدأ بالبحث يا أصدقاء .
فتح أرنوب عينيه ، ونظر حوله،فرأى شجرة عاليّة تغطّيها الأوراق الخضراء .
وعندما تمعّن فيها جيداً لاحظ أنّ لوناً بنيّياً يبرز من بين أوراقها الخضر .
فصاح :
-أظن أنني وجدت أحدكم .
ثم قفز إلى الشجرة ، وأمسك بالسنجاب . ضحك أرنوب وهو يقول :
-لقد فضحك ذيلك يا عزيزي .
صاح السنجاب :
-اظهروا يا أصدقاء .. إنّه دوري في اللّعب .
خرج القنفذ من حفرة قريبة وهو يقول ضاحكاً :
-كان عليك أن تكون أكثر حذراً يا سنجاب .
ثمّ صاح أرنوب :
- اظهر يا صديقنا ابن عرس .. أين تختبيء ؟
شعر الأصدقاء الثلاثة بالقلق ، فصديقهم ابن عرس لم يظهر لحدّ الآن . ماذا جرى
له ؟
صاحوا بصوت واحد :
-ابن عرس .. أين أنت يا صديقنا ؟
فجأة .. سمعوا صوت استغاثة :
-( النجدة .. النجدة .. ثعلوب سيفترسني ) .
ظهر ابن عرس من بن الأعشاب راكضاً وثعلوب يلحقه وهو يصيح :
-انتظر يا صديقي .. لا تخف .. أريد أن ألعب معكم .
قال ابن عرس :
-إنه ماكر .. كاد أن يقضي عليّ .
توقّف ثعلوب أمام الأصدقاء الأربعة ، وقال لهم بمكر :
-أرجوكم .. أريد أن أشارككم باللعب ، فأنا أحبّ لعبة الإختباء كثيراً .
قال أرنوب :
-أنت محتال .. قبل قليل أردت أن تقضي على صديقنا ابن عرس .
قال ثعلوب :
-لا .. وإنّما أردت أن أساعده بالاختباء .
عرف الأصدقاء أنّ ثعلوب يخطّط لحيلة جديدة . فتشاوروا فيما بينهم ، وبعد أن
توصّلوا إلى قرار صاح أرنوب :
-اسمع يا ثعلوب.. ستشاركنا اللعب.. ولكنّنا لن نلعب لعبة الاختباء هذه المرة.
مارأيك بلعبة كرة القدم ؟
أجاب ثعلوب فرحاً :
-ياه .. كم يعجبني أن ألعب هذه اللّعبة الجميلة ! فأنا هداف ماهر .
اقترب أرنوب من ثعلوب وقال له :
-ولكن علينا أولاً أن نختبر مهارتك في اللّعب. سنرمي لك الكرة ونرى سرعتك في
رميها .
قال ثعلوب :
-أنا لاعب ماهر .. جرّبوني .
فقال له أرنوب :
-إذن ..سأعدّ إلى الثلاثة وأرمي لك الكرة ،حالما تأتيك تضربها بقدمك . والآن
استعد .
رجع ثعلوب بضع خطوات كي يستعّد لاستقبال الكرة وضربها .
وبدأ أرنوب العدّ :
-واحد .. اثنان ..
وما إن نطق أرنوب بكلمة ( ثلاثة ) حتى تكوّر القنفذ ليجعل من جسمه كرة ، ورمى
بنفسه إلى قدم ثعلوب بدل الكرة . وفي لحظة ضرب ثعلوب القنفذ برجله وبكلّ قوّته
، فآذته شوكاته الحادّة ، وابتعد وهو يمسك برجله ويصيح :
-آه .. رجلي .. لن أستطيع المشي بعد الآن .
ضحك الجميع ..فقد نال ثعلوب ما يستحقه.. وعادوا إلى لعبة الاختباء من جديد.
|