كلمة رئيس التحرير
خمس
سنوات في خدمة الأدب والثقافة العربية
هل يمر الوطن العربي
في أزمة هوية ؟.
هل يمر الوطن العربي في أزمة هوية
؟... ولماذا تهرب أطرافه -من جهاته
الأربعة-
مبتعدة عن الجسد ؟... بل الأخطر من هذا، لماذا تهرب أقطار بكاملها من فلكها
العربي إلى أفلاك إقليمية أخرى، تبحث من خلالها عن الأمن والأمان والقوة
والاستقرار !؟.
أسئلة كثيرة بدأت تؤرقني كما تؤرق الملايين من هذه الأمة العظيمة... الأمة
العربية... والسبب بسيط جدا لا يتعدى حالة الكذب والنفاق الجماعي التي
عاشها المواطن العربي منذ الاستقلال إلى اليوم !؟.
لنكتشف فجأة بأننا نعيش في وطن وهمي، قائم على الشعارات البراقة، تحكمنا
الطائفية والمذهبية الدينية والعنصرية القبلية !؟.
يضاف إليه انعدام الثقة والوفاء والإخلاص لمبادئ الجامعة العربية، والاتفاقيات المبرمة بين
دولها، سواء على مستوى الإقليمي أو العام... واستقلال كل دولة بقراراتها
وعلاقاتها الدولية على حساب المجموع، حتى إذا ما لحقت أي دولة من دولها
مصيبة، كانت محط شماتة وهزئ وسخرية من البقية... وكأن ما يجمع أي دولة
عربية بأخرى لا يتعدى اللسان !؟.
يحيى الصوفي جنيف في
02/11/2010
يخيفني ما يحدث في مصر
يخيفني ما يحدث في مصر... الدولة والوطن وأم الدنيا، الغالية على كل محب
ومعجب بشعب عظيم وحضارة عريقة لا يمكن أن تتكرر... هل جاء دورها -بعد
العراق والسودان- في التفتيت !؟... إنه السؤال عن أزمة هوية في الوطن
العربي مرة أخرى ؟.
فهل
يمر الوطن العربي في أزمة هوية
حقاً ؟.
عندما طرحت هذا السؤال في مقدمة مقالي -حيث عنيت به جميع البلاد العربية-
كان يستحضرني سؤال مشابه كان قد طرح في فرنسا منذ أكثر من عام تقريباً حول
هوية فرنسا، بمعنى من هي فرنسا ومن هم الفرنسيين... وبعد نقاشات دامت أكثر
من عام، ساهم فيها وبشكل نشط نخبة من مفكري وفلاسفة ومثقفي فرنسا، توقفت
هذه النقاشات فجأة !؟.
بعد أن اكتشف الفرنسيون بأن فرنسا ليست -كما كانوا يتصورون- مؤلفة من شعب
وثقافة واحدة، وإنما من عدة شعوب وثقافات ولغات... وإن الاستمرار في هذا
النقاش سيؤدي حتما إلى تفتيت فرنسا وحرب أهلية لا يحمد عقباها !؟.
فأسدل الستار عليها، وترك الأمر للمتعصبين والعنصريين، لممارسة دورهم في
تشتيت اهتمام الرأي العام عن السؤال الحقيقي والجوهري عن ماهية وهوية فرنسا
إلى المهاجرين، بهدف بعث الروح الوطنية، في وطن مركب من قطع فسيفساء ركيكة،
قابلة للانفراط بأي وقت !؟.
أنا هنا لست في وارد الحديث عن مصر العربية بالذات... أنا أخذتها مثال حي
يتفاعل ويشتعل أمام أعيننا، لما يمكن أن تصير إليه بلدان عربية أخرى تعتقد
بأنها تحصنت من الفتنه، باتجاهها نحو أقطاب إقليمية، مبتعدة أكثر عن هموم
ومشاغل العالم العربي التي استعصى على حكامه أي حل !؟.
فالأمم تحصن جبهتها الداخلية من كل اختراق... والجبهة الداخلية حصانتها
تعتمد على السلام والعدالة الاجتماعية والاعتراف بالآخر والتوزيع الصحيح
للثروة الوطنية... وإذا ما تجاوزنا العراق كمثال واضح على نتائج الظلم
الاجتماعي والتفرد الفئوي بالسلطة وما آلت إليه الأحوال من تقسم عرقي
وطائفي، يتجاوز بكثير مما يمكن تصوره... وكان من الممكن تفاديه بالحكمة
والعدالة... نجد المثال اليمني (حتى لا اتهم بمثال العراق الذي يحوي أقليات
عرقية أو طائفية) وكلهم عرب اقحاح لا تشوب دمائهم شائبة !؟... وهم في حالة
ارتحال نحو التفكك والانفصال.
وهذه الأزمة، واعني بها أزمة الهوية في العالم العربي، ستصل بنا في النهاية
للتفكك والعزلة والابتعاد عن حلم تحالف العالم العربي في وحدة سياسية
واقتصادية، إلى تحالفات إقليمية لا تتعلق بمستقبل العالم العربي كما حلم به
كل مواطن عربي منذ ستين عاماً... وذلك ليس بفعل خارجي كما يرى البعض، ولكن
بالتوجهات الخاطئة لسياسات الدول العربية مع شعوبها بكل فئاته.
وأظن بأن سبب هذا التشتت وفقدان التوازن الذي يعم العالم العربي في هذه
الفترة، هو عدم وجود شخصيات قيادية، تتمتع بشيء من الجراءة والشجاعة وقوة
الشخصية والصدق، قادرة على استقطاب محبة وثقة شعوبها... وتمتلك برنامجا
للإصلاح يتمتع بالواقعية ويمثل بشكل صادق طموحات شعوبهم، بعيدا عن القبلية
والعشائرية والعائلية والطائفية والحزبية والفئوية !؟... بكل بساطة نحن
بحاجة لنبي عادل لا يخاف أحداً !؟.
ونبي هذا العصر ليس بالضرورة أن يكون مكلفاً بمهمة سماوية ومعجزة إلهية
لينشر العدالة بين الناس، ويكون مقنعاً ومحبوباً وقادراً على الفوز برضا
الشعوب.
نبي هذا العصر يستمد تكليفه ومعجزته وقوته من إخلاصه للأرض التي أنجبته...
وللأمة التي أرضعته من ضرع فطرتها ونخوتها وشهامتها لبن الحرية والعدالة
والمساواة والصدق.
يحيى الصوفي جنيف في
02/12/2010
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
هذه الصرخة القوية التي أطلقها الخليفة الشهيد عمر بن الخطاب -بمعزل عن
ظروف ومكان قولها- تعبر بلا شك على خلق الدين الحنيف ورسالته الإنسانية،
التي لا تعرف التمييز للجنس ولا التعصب للعرق ولا الإكراه في الدين، وهي
تتفق تمام الاتفاق مع الآية الكريمة:
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}
الحجرات: 13
من هذه المقدمة البسيطة، أعود للحديث حول سؤال سابق كنت قد طرحته منذ فترة،
وموضوع لم يأخذ حقه من التمحيص والمناقشة وهو:
هل يمر الوطن العربي في أزمة هوية ؟.
وأنا -وكما جرت العادة- لا أتطرق إليه من أبعاده السياسية، وإنما من أبعاده
الأخلاقية والإنسانية... وفيه بعض الرومانسية الحالمة بمجتمع مثالي، يتمتع
بقدر كاف من التسامح والأخلاق والعدالة الاجتماعية.
ومصدر عودتي لهذا السؤال عن أزمة الهوية في العالم العربي... هو هذا القلق
الغير عادي الذي تلبسني كما تلبس ملايين مثلي من أبناء هذا الوطن الكبير...
الوطن العربي، وهو يشهد تمزقه وفرط عقد أقاليمه الواحد تلو الآخر دون أن
يستطيع القيام بأي شيء !؟.
فهو محاط بأنظمة مستبدة تمنعه حتى من التظاهر... وهي بالكاد قادرة على
حماية أنفسها وحماية أقاليمها من التفتت، بعد أن ابتعدت هي الأخرى عن
المركز، باتجاهها نحو الأطراف، وتحالفت مع قوى إقليمية غير عربية...
فإذا
كانت الدول قد فقدت ثقتها بأشقائها العرب وهم مصدر قوتها... فكيف بالمواطن
؟.
الخبر الذي استفزني هو رغبة انفصال شمال العراق بشكل نهائي عن محيطه العربي
وتأسيس دولة مستقلة... وبالرغم من أنني أتعاطف تماما مع هذا الاستقلال فله
من المبررات الكثير، ولكن مالا أتمناه هو أن يتحول هذا الوطن الصغير إلى
قاعدة تضر بمصالح الوطن الأم.
نصل دائما متأخرين... نصل بعد أن تقع الكارثة ولا نبالي... وكأنها لا
تعنينا... العراق... السودان... ربما اليمن وقريبا مصر... والشمال الإفريقي
ليس ببعيد... والسبب واحد هو عدم تدارك أزمة الثقة والهوية العربية،
والقيام على صناعة وطن قوي قائم على التسامح والعدالة والاعتراف بالآخر.
أما سبب انفراط هذا العقد، عقد هذا الوطن العربي الكبير، الذي طالما تغنينا
به، فهو بلا شك عدم تدارك هذه الأزمة، وضياع ثقة مثقفيه به... وتحاشيهم
التضامن مع قياداته في محنتها، أو حتى إيجاد قيادات بديلة !؟.
حتى لا تتكرر مأساتهم، في إعطائهم الثقة لقيادات ثورية، فشلت في إقامة
العدالة الاجتماعية، ووظفت أفكارها وقيمها لخدمة فئة من الناس على حساب
فئات أخرى، تحت أعذار مختلفة اقلها الدفاع عن العرب والعروبة والثقافة
العربية، أي إضعاف وتهميش -وفي بعض الأحيان سحق- الأقليات الأثينية
والعرقية والدينية الأخرى بالرغم مما لتلك الأقليات من جذور ضاربة في عمق
تاريخ تلك البلدان وليست دخيلة عليه.
ولهذا أنا لا استغرب أن تطالب الكثير من الأقاليم العربية ذات الكثافة
السكانية من قوميات غير عربية (السكان الأصليين للبلاد) بالاستقلال عن
الوطن الأم... وقد تصبح هذه الأقاليم ملجئاً للعقول والمثقفين العرب، خاصة
إذا ما نجحت تلك الأقاليم في إقامة دولهم على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة
الاجتماعية بحثا عن الأمن والسلام.
وموضة الدعوة إلى الانفصال، وبعث الحضارات القديمة ليست جديدة العهد، فهي
تعود إلى بدايات استقلال وقيام الدول العربية، وقد تصدى لها نخبة علماء
ومفكرو ومثقفو وثوريو العالم العربي... ظناً منهم بأنهم سيدعمون التوجه إلى
إقامة الوطن العربي الكبير، والدفاع عن اللغة والثقافة العربية.
والنتيجة إن الثورة العربية الكبرى -التي قادها عرب الجزيرة العربية
وأمرائها ضد الدولة العثمانية-
تركت بلاد الشام
والعراق مجزئين وخاضعين للاحتلال، وفلسطين مغتصبة، بعد أن اطمأن قادتها على
مكاسبهم الشخصية، وأداروا ظهورهم لها، خاصة بعد ظهور النفط في بلادهم.
وهكذا وبعد مرور أكثر من ستين عاماً على استقلال البلاد العربية، لم يحدث
أي تقدم يذكر على أي مستوى من المستويات، سواء العسكرية بتحرير فلسطين، أو
السياسية باتحاد الدول العربية، أو الاجتماعية بإيجاد فرص العمل وتحسين
مستوى الضمان الصحي والاجتماعي والشيخوخة، حيث تتجاوز مستويات الولادات
وعدد الداخلين سوق العمل كل خطط التنمية الموضوعة لذلك !؟.
بعض البلاد العربية لازالت إلى الآن تستخدم البيوت العتيقة
والمهترئة
كمدارس ومكاتب للدوائر الحكومية، هذا عدا سوء تنظيم المدن ومشاكل البنية
التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وتلوث وكل ما يتعلق بالبيئة وحمايتها
الخ... هذا إذا ما تجاوزنا المشكلة الكبرى والتي تتعلق بالحريات العامة
والخيار الديمقراطي للرئاسات والحكومات !؟.
من مواضيعي على صفحتي في
/ يحيى الصوفي جنيف في 12/12/2010
|