نشر الكتب
إلكترونياً إلى أين؟.
كثر الحديث في
الآونة الأخيرة عن حسنات ومضار النشر الالكتروني للكتب على الشبكة "العنكبوتية"
خاصة تلك التي تلحق أصحاب الحق من كتاب ودور نشر، وعلت أصوات كثيرة بإيجاد
حلول وتشريعات لها. خاصة بعد أن كثرت السرقات لكتب وأعمال علمية وأدبية دون
حتى الرجوع إلى أصحابها أو اخذ الموافقة على نشرها من أي جهة رسمية أو غير
رسمية.
وأنا
أتصور وبمعزل عن أي تفسير شرعي لموضوع نشر الكتب الالكترونية دون اخذ أذن
صاحب العلاقة، بأن الأمر يتعلق أولا وأخيرا بطريقة ذلك الاستخدام.
هل هو للتجارة
وتحقيق الربح؟... أم لنشر الثقافة وتحقيق المعرفة!؟.
وقبل البدء في
السباحة في بحر هذا الموضوع الهائج علينا التمييز بين عدة أنواع من النشر
الالكتروني.
1-
النشر الالكتروني لكتب التراث: حيث لا حقوق للمؤلف ولا
لورثته ولا تعقيدات في الترخيص والدعاية والتوزيع لأنها تهتم في الغالب
بكتب تراثية ذات طابع علمي أو الثقافي تحتاجه المؤسسات التعليمية وجمهور
المعلمين والمثقفين كل لغرضه.
2-
النشر الالكتروني للكتب المترجمة وفي غالبها تتم بتشجيع
من الهيئات والمؤسسات الحكومية سواء العربية أو الأجنبية بهدف نشر الثقافة
الغير عربية في البلاد العربية وحقوق النشر في هذه الحالة تكون ضمن
اتفاقيات خاصة بين المنتفعين... (بعضها بدعم من المنظمات الدولية) ونشرها
بدون أذن خاص تلقى كل ترحيب بل يمكن أن يكافئ الناشر عليها.
يبقى هناك
نوعين آخرين من النشر الالكتروني الذي يتحفظ الجميع حولهما، وهما دائما محط
خلاف وشكوى وامتعاض من المؤلفين أو ورثتهم، أو من له الحقوق الخاصة
المحفوظة لصالحه وهما:
3-
النشر الالكتروني للبحوث والدراسات العلمية (طب،
فيزياء، كيمياء، ذرة، فضاء، اختراع، الخ) أو الأدبية أو الدينية أو
التاريخية التي تتميز بخصوصيتها لأن وراءها جهد وتعب للمؤلف قد يتجاوز عدة
سنوات مضنية وصعبة قد بذلها من حياته لانجازها، منها ما استحق درجة علمية
خاصة عليها كالدكتوراه.
4-
النشر الالكتروني للكتب الثقافية والأدبية وخاصة تلك
التي تهتم بالرواية والقصة والشعر المعاصر.
فإذا أخذنا
بعين الاعتبار بأن معظم الكتب المنشورة ورقيا في هاذين المجالين لم يحققا
أي انتشار أو أعادة طباعة أو توزيع بما يليق بالأسماء الكبيرة وخبراتها
وأهميتها الأدبية على الساحة العربية والدولية... وبأن دور النشر لم تعد
ترغب حتى في أعادة طباعة بعض الكتب المهمة بعد نفاذها من الأسواق لعدم
مردودها المالي أو حتى تغطية كلفة طباعتها!؟... وبذلك حرمت أجيال كبيرة من
الشارع العربي من متعة مطالعة هذه الكنوز المهملة لثمنها المرتفع إذا ما
وجدت!؟.
بحيث أصبحت في
بعض الحالات حكرا لبعض الناس من أصحاب الأموال والنفوذ يبتاعون نسخها
المنمقة لصمدها في مكتباتهم الخاصة كقطعة ديكور وزينة لهم لا أكثر!.
وبالرغم من
تحفظي على نشر هذه الكتب بشكل عشوائي على الشبكة الالكترونية دون موافقة
أهل الشأن، فانا أجد بأن هذا النشر لا يضر بأي حال من الأحوال لا بالمؤلف
ولا دور النشر أصحاب الحقوق.
لأن هذا النشر
لن يزيد أو ينقص من عدد المشترين لنفس الكتب من السوق الورقي هذا إن وجدت!؟.
مع الملاحظة
بأن النشر الالكتروني لمثل هذه الأعمال قد تكون وراء زيادة الطلب والشراء
لهذه الكتب بعد مطالعتها على الانترنت... فهي وسيلة دعائية مثالية للمؤلف
والناشر لابد أن يعترفوا بفضلها عليهم يوما ما.
لأن المتعارف
عليه حول حقوق النشر، هو كل نشر غير شرعي يحقق السارق (الناشر بدون أذن
صاحب العلاقة) ربحا من وراء عمله.
أما والحالة
الخاصة التي ظهرت أخيرا من خلال النشر الالكتروني للأعمال الأدبية سواء
كانت حكومية أو خاصة فأظن بأن الهدف الرئيسي خلفه هو تعويض النقص الحاصل في
النشر الورقي... وتقاعس الكثير من دور النشر في نشر الكتب ذات محتوى ثقافي
وأدبي لعدم مردودها المالي من ناحية وتعقيدات حقوق الكاتب (خاصة مع ورثته
إذا كان متوفى) كما ذكرت، واهتمام الجمهور المعاصر من القراء في الكتب ذات
الصبغة المعاصرة (كتب العناية بالجسم، الطبية، الشعوذة والأبراج،
المعلوماتية...الخ.
وأخيرا لأن
النشر الالكتروني يخاطب مجموعة محدودة من القراء (الطبقة المثقفة) والتي لا
تتجاوز عددها عشرات الألوف من ملايين رواد الانترنت الذين يستخدمونه لأغراض
الترفيه والتسلية.
وهذه الطبقة
المثقفة في غالبها محدودة الدخل (طلبة، أساتذة جامعات) وتجد في هذه النافذة
الجديدة فرصة لتعويض ما فاتهم من وقت في الاطلاع على الكتب المهمة من تراث
وأدب وعلوم.
بالإضافة
لاعتمادها كمصدر وحيد وسهل للمعلومات التي يحتاجونها في مراجعاتهم وبحوثهم
ودراساتهم.
في الغرب تقوم
الشركات الكبرى مثل (غوغل وياهو وميكروسوفت) وبالاتفاق مع كبريات المكتبات
في العالم على نسخ وتصنيف وتعميم الكتب وبشكل مجاني على الشبكة.
ولهذا أنا
استغرب محاربة المساعي الفردية لأي كان في نشر ونقل أمهات الكتب وطرحها على
الشبكة طالما الهدف الرئيسي منها هو نشر الثقافة!.
وليس المتاجرة
بها وتحويلها لمسلسلات أو أفلام سينمائية أو طبعها على الورق لتوزيعها وكسب
المال من وراءها وهذا شيء مختلف تماما برأيي.
أما إذا كان
هناك من محاسبة وملاحقة قانونية لمنع هذه الظاهرة من الانتشار على الشبكة
العنكبوتية والحصول على تعويضات عليها!؟.
فانا أرى بأن
عليها أن تتوجه أولا وأخيرا ضد الحكومات العربية الممثلة بمؤسساتها الرسمية
الثقافية (وزارات الثقافة، اتحادات الكتاب) على تقاعسها عن القيام بدورها
في دعم المؤلفين وأصحاب الحقوق للوقوف على أرجلهم ومنحهم الحياة الكريمة
(خاصة
تحسين الراتب
التقاعدي لمن يمتلك الحق وإيجاد أليه لمنح راتب تقاعدي يليق بمكانة الكاتب
لمن لا يملك هذا الحق) من خلال الدعم المالي وشراء هذه الحقوق والقيام
بنشرها، أو السماح للغير بنشرها، دون الرجوع إليها، في سبيل خدمة الثقافة
العربية المتخلفة، والتي تتراجع يوم بعد يوم إلى الوراء ولا تفي بمتطلبات
الحياة المعاصرة!.
وعليه أصبح
لزاما على تلك الهيئات الحكومية، إيجاد صناديق دعم مالي لهؤلاء المؤلفين
ورعاية أنتاجهم الأدبي والعلمي والمعرفي بدلا من مضيعة الوقت في البحث عن
المقصرين وملاحقة المثقفين.
وأخيرا يبقى
للطباعة والنشر الورقي وللكتاب رغم كل شيء دفئه الخاص ومكانته المرموقة
التي لا يمكن لأي كان انتزاعها منه، مهما تطورت الحضارة وتمددت وانتشرت عبر
شبكتها الالكترونية العملاقة... وسيبقى الكتاب شئنا أم أبينا ملكا وسلطانا
متوجا بكل اعتزاز وفخر على قمم الحضارات مهما حصل، لأنه الوحيد الذي لا
ينطفئ ولا يموت بكبسة زر.
لقراءة موضوع ذات صلة
---------------------------------
لقراءة موضوع ذات صلة (الانترنت
وعلاقته بالثقافة والأدب !؟)
يحيى الصوفي جنيف في 14/05/2007
|