أدب الرسائل... أدب
الفطرة أم أدب الفطنة؟
للاطلاع على الصفحة
بقلم الكاتب: يحيى
الصوفي
مقدمة:
تساءلت دائماً عن هذا الذي
أطلق عليه جزافاً "أدب الرسائل" هل هو نوع جديد من أنواع الأدب؟... تضاف إلى
الأنواع الأخرى المتعارف عليها كأدب المرأة وأدب الطفل والأدب المهجري الخ
الخ!؟.
وهل كانت أمي وبدون دراية
منها -وهي تخط رسائلها إلي- تكتب أدباً متعارفاً عليه وله هوية وشروط؟... ومن
وضع شروط وعلامات ودلائل هذا الأدب؟... وهل وجدت الرسائل قبله؟... أم هي من
فرضت شروطها وقوانينها وأعطت له ملامحها المتعارف عليها الآن!؟.
وأنا وقبل أن أغوص -من خلال
هذه الدراسة المتواضعة- في تفاصيل هذا الأدب، خاصة وان المصادر المكتوبة حوله
شحيحة للغاية وليست كافية في وصفه وتحديد هويته... أحب أن أعود قليلاً إلى
الوراء عندما كان الإنسان الأول يخط أولى حروفه ويرسم أول صوره مستخدماً ابسط
وأقدم أداة عرفها وهي الفحم وأقدم لوح وهو جدران الكهوف والصخور، ليعبر عن شيء
ما يهمه -مع غياب اللغة للتخاطب- كتحديد أنواع الحيوانات الأليفة التي يعتاش
عليها... أو المفترسة التي يجب أن يخشاها... والبيئة الطبيعية التي تحتاجها
كالأشجار والأعشاب والمياه... بحيث ساعدته بلا شك للتواصل مع أقرانه، وكانت
وسيلته لتحديد الأنواع التي ستتواجد في مواسم الصيد أو الجفاف، ووضع الخطط
اللازمة للتعامل معها، والاستفادة منها، ونوع الأسلحة التي تناسب قنصها... قبل
أن يبدأ بتسجيل أعدادها... وتصوير الاحتفالات والأعياد التي كان يقيمها فرحاً
بصيد أو غنيمة أو نصر!.
إذاً استخدم الإنسان الأول
وسيلته الأولى للتعبير وهي الرسم للتخاطب مع أهله، دون أن يدرك بأنه سيترك
أثراً فنيا،ً ينقل من خلاله رسالة بليغة إلى الأجيال التالية، تكون بمثابة تحفة
فنية تؤرخ عصره قد لا تقدر بثمن!؟.
ومن البديهي آلا يفكر هذا
الإنسان بالناحية الجمالية أو الفنية في هذه الوسيلة الجديدة التي اكتشفها
للتخاطب مع الغير إلا متأخراً!.
وبأن الإتقان في تصوير أعماله
ما هي إلا نتيجة لمهارة اكتسبها -ببعض الفطنة والخيال- مع الوقت!.
وهكذا كانت البداية مع وسائل
التخاطب من رسوم ونقوش ورسائل... حاجة ملحة تعهد لمن ملك المقدرة على الكتابة
والتعبير (حيث كانت من اختصاص الطبقة المتعلمة التي تجيد الكتابة من الحكماء
والكهنة) وتجلت في أروع صورها في قوانين وألواح وخطب الأنبياء والرسل الذين
كانوا جميعا من نخبة وخيار الأمة، يتمتعون بالأمانة والحكمة والبلاغة وقوة
الحجة، التي منحها الله لهم، ليكونوا وسيلته في إبلاغ رسائله إلى أقوامهم
وشعوبهم... ولهذا أطلق عليهم لقب الرسل، والديانات اسم الرسائل السماوية (قانون
حامورابي - صحف إبراهيم وموسى (ألواح موسى - الوصايا العشرة) - كلام وخطب النبي
عيسى عليه السلام (الإنجيل) - وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسائله
وحجته بنزول الوحي وتسطير القرآن.
وكما كانت وسيلة الإنسان
الأول للتخاطب مع الغير عبر الرسم وقد حكمتها الفطرة... كانت رسائل الأنبياء
وقد سيطر عليها الوحي والفطنة!.
الرسائل الأدبية:
عرفت المراسلات منذ أول ظهور لها -بعد توسع الفتوحات
العربية الإسلامية وتأسيس الدولة- تحت اسم أدب المكاتبات، وقد صنفت من حيث
الموضوع
إلى ثلاثة أنواع: الرسمية والأهلية أو الإخوانية
والعلمية
النوع الأول:
المكاتبات الرسمية أو رسائل الدواوين، وهي تلك التي كانت تتم بين مختلف دوائر
ومكاتب الدولة، أو بين الدولة ودول أخرى، منها
رسائل النبي محمد عليه
الصلاة والسلام إلى ملوك وأباطرة عصره، والتي دعاهم فيها إلى الإسلام، وقد
كانت تلك الرسائل مباشرة وصريحة وموجزة خالية من الحشو، بعيدة عن التكلف.
مع اتساع أركان الدولة
العربية الإسلامية صارت المكاتبات فناً مهماً صبغت بفصاحة وبلاغة لسان العرب
الذي اشتهروا به، وهم أمة اللغة والشعر ومعجزة القرآن الكريم، وقد جمعت -حسب
المناسبات التي كتبت لها- بين اللين والحزم... والشدة والرحمة... وفيها الكثير
من النصح، ولم تخلو قط من الشعر به ننذر ونحذر... وننصر ونستبشر. كمكاتبات
الخلفاء المسلمين لأمراء الأقاليم وقادة الجند والأئمة والقضاة وعامة الشعب.
أو كتلك التي كان يكاتب بها
الخلفاء ملوك وأباطرة عصرهم، بها يعقدون الاتفاقيات والمعاهدات، ومن خلالها
تفرض الإتاوات والشروط.
فكان لا بد من تأسيس دواوين
خاصة لهذه المراسلات، وتعيين كتاب مهرة يجمعون ما بين بلاغة اللغة وفصاحة
اللسان، وقوة الحجة وشواهد من الشعر والسنة والقرآن.
وقد اشتهر في كل عصر عدد من
الكتاب، من أمثال عبد الحميد الكاتب، المتوفى سنة 132هـ، وأبو الفضل بن العميد،
المتوفى سنة 360هـ، والقلقشندي، المتوفى سنة 821هـ، وهو صاحب كتاب "صبح الأعشى
في صناعة الإنشا"، الذي يقع في بضعة عشر مجلداً، وهو أضخم موسوعة في أدب
الإنشاء والمراسلات، الذي يصعب حصر ما اشتمل عليه من معلومات ومعارف تتصل بفن
المكاتبات.
النوع الثاني:
الرسائل الأهلية "وتعرف
برسائل الأشواق هي ما دارت بين الأقارب والأصدقاء وأسفرت عن مكنون الوداد وسائر
الفؤاد ولا حرج على الكاتب إذا بسط فيها الكلام على أحواله وأخفى السؤال في
أحوال أصحابه، وتتفرد هذه الرسائل بأن يطلق الكاتب فيها العنان للأقلام ويتجافى
عن الكلفة ويعدل عن الانقباض: وقد قيل: الأنس يذهب المهابة والانقباض يضيع
المودة. هذا: ولابد من مراعاة مقتضى الحال والاعتصام بركن الفطنة"
(1)
أو الإخوانية وهي التي يكتبها الأدباء في شتى
المناسبات
كمقامات بديع الزمان الهمذاني، المتوفى سنة 398هـ، وكان أحد روادها، وقد ترك
لنا تراثاً غزيراً من الرسائل في مختلف الموضوعات ليكون بذلك أول رائد لفن
المقالة في الأدب العربي.
وهي تنقسم إلى عدة فصول:
رتب العلامة المصري
أحمد الهاشمي
في كتابه
جواهر الأدب، أدب الرسائل في عدة
فصول،
بحيث ضم إلى كل فصل من فصولها،
أجمل ما وقع عليه اختياره من هذه الرسائل عبر
تاريخ العرب والمسلمين، وأروع ما انتظمت فيه شواهد البلاغة، وأرقى
ما أبدعت به أقلام الكبار. (اقرأ
نماذج عنها)
وهي كالتالي:
1-رسائل الشوق.
2-رسائل التعارف قبل اللقاء.
3-رسائل الهدايا.
4-الرسائل
المتداولة:
هذه الرسائل تتفرع إلى ثلاثة أقسام باعتبار الغرض المقصود:
فأما أن تقصد بها أمور الكاتب
وأما أمور المكتوب إليه
وأما غرضاً ثالثاً.
ومنها القسم
الأول:
1- رسائل تجارية
الطلب والشكر
2-
رسائل الاستعطاف
والاعتذار.
3-رسائل حسن التقاضي.
القسم الثاني:
4-رسائل النصح والمشورة.
5-رسائل الملامة والعتاب.
6-رسائل الشكوى.
7-رسائل العيادة.
8-رسائل التهاني.
9-رسائل التعازي والتأبين.
10-الأجوبة.
القسم الثالث:
11-الوصايا والشفاعات.
12- التنصل
والتبرؤ.
(اقرأ
نماذج عنها)
النوع الثالث:
الرسائل العلمية وهي المقالات التي يكتبها العلماء في شتى الميادين العلمية
(علوم الأحياء، طب، فلك، رياضيات) أو الأدبية (شعر، رواية، مسرح، قصة، الخاطرة
والمقالة) أو الفلسفية والروحية (العلوم الفلسفية والدينية).
ويسلك فيها كاتبها مناهج البحث والتدقيق وذكر المراجع، ويسترسل فيها بالشرح
ويستخدم المخاطبة البليغة.
وأنا سأحاول هنا إلقاء الضوء
على نوع واحد منها -هو محور دراستي- وهو الرسائل الأهلية أو الإخوانية.
الرسائل الأهلية:
عرف العلامة المصري
أحمد الهاشمي
المولود سنة 1878م، في كتابه المشهور "جواهر
الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب" الرسائل
بأنها (مخاطبة الغائب بلسان
القلم، وقال عنها: إنها ترجمان الجنان، ونائب الغائب في قضاء أوطاره،
ورباط الوداد مع تباعد البلاد.) قال
إبراهيم بن محمد الشيباني إذا احتجت إلى مخاطبة أعيان الناس أو أوساطهم أو
سوقتهم فخاطب كلا على قدر أبهته وجلالته وعلو مكانته وانتباهه وفطنته. وقال
آخر: إن بلاغة الرسالة تستفاد من ملاحظة مقامات الكلام وأوقاته ومراعاة أحوال
المخاطبين بالنسبة إلى المتكلم واعلم أن لكل مقام مقال.(1)
وهي حسب تعريفي ترجمة للمشاعر
والوجدان، وقاضية للحاجات بين الأهل والأقرباء والأصدقاء وقد فرقت بينهم
الغربة، فتقرب فيما بينهم بما حوته بين سطورها من جميل العبارات، وتعيد الصلات
المقطوعة، وترمم خواطر الأحبة الملتاعة بالشوق والحنين، وتمنح السلام والأمان
والاطمئنان للقلوب المجروحة.
وهي في غالبها نابعة من
الفطرة
ليس بالضرورة أن تحمل الرسائل
صفة الرسائل الأدبية
يتبع
مراجع:
(1)
كتاب:
جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب
للعلامة المصري
أحمد الهاشمي
============================
مع تحيات يحيى الصوفي جنيف في 01/02/2008
أكثر من ثلاثين أديباً وكاتباً وصحفياً
قدموا أكثر من ثلاثين نموذجا أدبياً وبحثاً
وكتاباً في أدب الرسائل
بعضها يقدم وينشر وبشكل حصري لأول مرة على
الانترنت
أنت أيضاً صديقنا الأديب
والكاتب والصحفي
يمكنك المشاركة في دراساتك وأعمالك
وخطاباتك الحميمة وكتبك
لرفد هذا العمل الإبداعي وإغناء مكتبة موقع
القصة السورية به
ووضعه في متناول كل باحث ومهتم في هذا
المجال
لزيارة الصفحة المخصصة لأدب
الرسائل
للمشاركة والتعليق مباشرة على
الأعمال المنشورة
|