رسائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أرسل رسول الإسلام محمد بن عبد الله إلى الملوك والرؤساء رسائل
يدعوهم للإسلام تحقيقا لعالمية الإسلام كما جاء في قوله تعالى: {تبارك
الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}
سورة الفرقان:1، ثم توالت الآيات في السور المكية تؤكد عالمية الإسلام كقوله
تعالى: {وما
أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}
سورة
سبأ:28، كما جاءت في معنى عالمية الإسلام آيات في سورة الأنبياء والأعراف
وإبراهيم وبناء على هذه العالمية أرسل صلى الله عليه وسلم رسائله إلى ملوك
عصره وأمراء عهده،
وتمتاز هذه الرسائل بالنقاط التالية:
تجاهل الرسول صلى الله عليه وسلم تماما التوسعات الاستعمارية التي
كان يقوم بها الروم والفرس ضد بعض المناطق العربية وكتب صلوات الله وسلامه
عليه لولاة هذه المناطق مباشرة فكتب لوالى الروم على دمشق والمقوقس والى
مصر، وكتب إلى باذان والى الفرس على اليمن، وتعتبر هذه الخطوة رائعة ذات
مغزى عظيم في الدلالة على عظمة الدعوة.
صيغت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنتهى الحكمة والبراعة
فالرسول فيها سمح يدعو ولا يهدد، يخاطب الملوك والرؤساء بألقابهم ويعترف
بمكانتهم ويقرر أن سلطانهم في ظل الإسلام باق لهم، وهو بذلك يؤكد أنه ليس
طالب ملك، ثم هو يذكر أن هناك زكاة في أموال الأغنياء ولكنه يؤكد أن
الزكوات والصدقات لا تحل لمحمد ولا آل محمد، وإنما تؤخذ من أغنياء المسلمين
وترد على فقرائهم، وهو بهذا يؤكد أنه ليس طالب مال.
كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل ملك حسب ظروفه، فإن كان من أهل
الكتاب أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط ، وإذا كان من غيرهم
أشار إلى التزام البشرية بالعودة إلى الله وترك عبادة ما سواه.
اختير المبعوثون بحيث يعرف كل منهم لغة من سيرسل إليه.
امتدت فترة إرسال الرسل فيما بين الحديبية ووفاة الرسول.
ونذكر هنا نصوص بعض الرسائل:
كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم
"من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى،
أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن
توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين". {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة
سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك به شيئا،ولا يتخذ بعضنا
بعضا آربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}
آل عمران:64.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فارس
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فارس: بسم الله الرحمن
الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى
وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلى الناس
كافة، لأنذر من كان حيا، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم مصر
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط: سلام على من أتبع الهدى،
أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين {يا
أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ،ولا نشرك
به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولو فقولوا اشهدوا
بأنا مسلمون}
آل عمران:64. وتقول الرواية: إن المقوقس لما قرأ الكتاب سأل حامله (حاطب بن أبى بلتعة): ما منع صاحبك إن كان نبيا أن يدعو على من
أخرجوه من بلده فيسلط الله عليهم السوء ؟ فقال حاطب: وما منع عيسى أن يدعو
على أولئك الذين تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم ما يستحقون ؟ قال
المقوقس: أنت حكيم جئت من عند حكيم.
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي
كتاب رسول إلى النجاشي: من محمد رسول الله إلى النجاشى ملك الحبشة:
سلام عليك إنى أحمد الله إليك ،الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى
مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم
بيده ، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى،
والسلام على من اتبع الهدى. وقد أدت الرسائل كلها مهمتها خير أداء.
المراجع:
1- الصحيحان: البخارى ومسلم. 2- تاريخ الأمم والملوك: الطبرى 2 /644-657.
3- تاريخ الواقدى: 2/ 33 وما بعدها. 4- الأموال: لأبى عبيد ص20-24. 5- زاد
المعاد: ابن القيم 1/ 30-33. 6- الروض الأنف: السهيلى 1/ 250. 7- الأغانى
الأصفهانى 6/ 348،349. 8- السيرة النبوية: ابن هشام 2/ 352،353. 9- فتوح
مصر وأخبارها: ابن الحكم ص40 وما بعدها. 10- تهذيب الأسماء: 2/ 150 وما
بعدها.
من كلام له عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب في غزوة
الفرس
إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة وهو دين الله
الذي أظهره وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود
من الله والله منجز وعده وناصر جنده: ومكان القيم بالأمر مكان النظام من
الخرز يجمعه ويضمه فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره
أبداً.
والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون
بالاجتماع فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن
شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع
وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا هذا اصل العرب فإذا قطعتموه
استرحتم فيكون ذلك أشد لكبلهم عليك وطعمهم فيك فأما ما ذكرت من مسير القوم
إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير
ما يكره: وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما
كنا نقاتل بالنصر والمعونة.
ومن وصية له عليه الصلاة والسلام قالها بصفين
أما بعد فقد جعل الله عليكم حقاً بولاية أمركم ولكم علي من الحق مثل
الذي لي عليكم فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف لا يجلاي
لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه الأجرى له ولو كان لأحد أن يجر ي له ولا
يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في
كل ما جرت عليه صروف قضائه ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم
عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله ثم جعل
سبحانه من حقوقه حقوقاً اقترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في
وجوهها ويجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض وأعظم ما افترض سبحانه
من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها
سبحانه لكل على كل فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم فليست تصلح الرعية
إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى
الوالي حقه وأدجى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين
واعتدلت معالم العجل وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء
الدولة ويئست مطامع الأعداء وإذا غلبت الرعية وإليها وأجحف الوالي برعيته
اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين وتركت محاج
السنن فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثر علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل
ولا لعظيم باطل فهل فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتعظم تبعات الله عند
العباد فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه فليس أحد وإن اشتد على
رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده لبالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة:
ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة
الحق بينهم وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته يفوق
أن يعان على ما حمله الله من حقه ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته
العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه.
فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته
فقال عليه
السلام
إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده
لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله ولطف إحسانه
إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظماً وإن من
أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على
الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء ولست
بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه عن
تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء: وربما استحلى الناس الثناء بعد
البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية
في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لابد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به
الجبابرة ولا تتحفظا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني
بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي
فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل
عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي يفوق أن أخطئ
ولا آمن ذلك من فعلني إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما
أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا
وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا
البصيرة بعد العمى.
ومن وصية له عليه السلام وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو
فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل الأشراف وسفاح
الجبال أو أثناء الأنهيار فيما يكون لكم رداء ودونكم مرداً ولتكن مقالتكم
من وجه واحد أو اثنين واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب
لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن: واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم
وعيون المقدمة طلائعهم وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا
ارتحلتم فارتحلوا جميعاً وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة ولا تذوقوا
النوم إلا غراراً أو مضمضة.
ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على
الصدقات
انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له ولا تروعن مسلماً ولا تجتازن
عليه كارهاً ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله فإذا قدمت على الحي
فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى
تقوم بينهم فتسلم عليهم ولا تخدج بالتحية لهم ثم تقول: عباد الله أرسلني
إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل الله في أموالكم
من حق فتأدوه إلى وليه فإن قال قائل لا فلا تراجعه: وإن أنعم لك منعم
فانطلق معه من غير أن تخفيه وتوعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من ذهب
أو فضة فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه فإن أكثرها له فإذا
أتيتها فلا تدخل عليها متسلط عليه ولا عنيف به ولا نتفرن بهيمة ولا تفرعنها
ولا تسؤن صاحبها فيها واصدع المال صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما
اختاره ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره فلا
تزال بذلك حتى يبقى ما فيه لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه فإن استقالك
فأقله ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله
ولا تأخذن عوداً ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار ولا تأمنن
عليها إلا من تثق بدينه رافقاً بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه
بينهم ولا توكل بها غلا ناصحاً شفيقاً وأميناً حفيظاً غير معنف ولا مجحف
ولا مغلب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصبره حيث أمر الله فإذا
أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصليها ولا يمصر لبنها
فيضر ذلك بولدها ولا يجدنها ركوباً وليعدل بين صواحبتها في ذلك وبينها:
وليرفه على اللاغب وليستأن بالنقب والظالع وليوردها ما تمر به من الغدر ولا
يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق وليروحها في الساعات وليمهلها عند
النطاف والأعشاب حتى تأتينا بإذن الله بدنا منقيات غير متعبات ولا مجهودات
لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه ( فإن ذلك أعظم
لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله.
وقال عليه
السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا:
أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المخدوع بأبلطيلها ثم تذمها أتغتر
بالدنيا ثم تذمها أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك متى استهوتك أم
متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك
وكم مرضت بيديك تبعي لهم الشفاء وتستوصف لهم الأطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك
ولم تسعف بطلبتك ولم تدفع عنه بقوتك وقد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه
مصرعك: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فيهم عنها، ودار غنى
لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها مسجد أحباء الله ومتجر أولياء
اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت بينها ونادت
بفراقها ونعت نفسها وأهلها فمثلت للهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها إلى
السرور راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً
فذمها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون يوم القيامة ذكرتهم الدنيا فتذكروا
وحدثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا.
المصدر: كتاب
جواهر الأدب
أضيفت في
20/12/2007/ خاص القصة السورية (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس
لما هُيئت أم إياس بنت عوف إلى زوجها ملك كندة قالت لها امامة:
أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركتُ ذلك لكِ، لكنها تذكرة
للعاقل، وتوعية للغافل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبوها وشدة
حاجتها إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خُلق
الرجال.
أي بنية: انك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت
إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا، فكوني
له امة يكن لك عبدا وشيكا.
الوصايا العشر
أي بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً
1- الصحبة بالقناعة.
2- المعاشرة بحسن السمع والطاعة.
3- التعهد لموقع عينيه، فلا تقع عينه منك على قبيح.
4- التفقد لموضع انفه، فلا يشم منك آلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن،
والماء أطيب الطيب المفقود.
5- التعهد لوقت طعامه فان حرارة الجوع ملهبة والهدوء عند منامه فإن
تنغيص النوم مغضبة.
6- الاحتفاظ ببيته وماله، والارعاء على نفسه وحشمه وعياله، فإن
الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والارعاء على العيال، والحشم جميل حسن
التدبير.
7- لا تفشي له سراً، فإنك إن أفشيت سره لم تؤمني غدره.
8- لا تعصي له أمراً، فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره.
9- ثم اتقي ذلك الفرح إن كان ترحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن
الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير.
10- كوني اشد ما تكونين له مرافقة، يكن أطول ما تكونين له موافقة،
واعلمي انك ما تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك،
فيما أحببت وكرهت والله يخير لك .
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة العلامة
أحمد الهاشمي إلى
أحمد
شوقي
كتابي لديك يصف شوقي إليك ولا يخفى عليك فمذ فارقتني فرقت بين أنسي
ونفسي بل بين روحي وجسمي ولا تعجب إذا كنت أغدو وأروح فالطير يمشي من الألم
وهو مذبوح وإني أشكو إليك ؟من ألم الوحشة غراماً لا يشعر به إلا من ذاق حلو
أنسك وعرف مقدار نفسك وساهد جمال لطفك وفي صفاتك ترويحاً لروحي وفي كرم
خلقك تفريحاً لنفسي.
إذا وصف الناسُ أشواقهم
فشوقي لوجهك لا يوصفُ
فعندي لك من المحبة والشوق والتلهف والتوق ما لايصفه الواصفون ولا
يعبر عن حقيقته العارفون.
الشّوق فوق الذي أشكو إليكَ وهل
تخفى عليك صباباتي وأشواقي
فيا شوقي إلى لقياك ووالهفي على جمال محياك قيدن أملي عن سواك وبهرت
ناظري بنظرة سناك وكسرت جيش قراري وتركتني لا أفرق بين ليلي ونهاري.
فؤادي والهوى سلمٌ وحربُ
وسلواني أقام على الحياده
وشوقي كاملٌ ما فيهِ نقصٌ
فلستُ عليهِ أطمعُ في الزّياده
فليت شعري ماذا أصنع في شوق أنا مدفوع إليه من صادق حبي بعوامل
صادفت مني قلباً خالياً فتمكنت بالتعارف ولم تدع للسلوان سبيلاً.
عرفتُ هواهُ قبل أن أعرفَ الهوى
فصادفَ قلباً خالياً فتمكَّنا
إي وربي إن شوقي إليك الظمآن إلى برد الشراب وحنيني لك حنين الشيخ
إلى زمن الشباب، فما الأبل وقد حنت إلى أعطانها، والغرباء وقد أنت إلى
أوطانها بأعظم مني حنيناً ولا أكثر أنيناً.
ولكنّ التفرُّق طالً حتى
توقّدَ في الضُّلوع له حريقٌ
فكلما تخطر ببالي في أي وقت من الأوقات يمثل لي التذكر منك محاسن
ولطائف تجذبني ميلاً إليك وتطربني شغفاً بك واغتباطاً بإخائك فلا عجب أن
كان شوقي لرؤيتك عظيماً لأنه كما قيل (كم كرم الرجل حنينه إلى أوطانه وشوقه
إلى إخوانه).
يا خلاصَ الأسيرِ يا حصّة المّد
نف يا زورة على غيرِ وعدِ
يا نجاةَ الغريقِ يا فرحةَ الأو
بة ياقفلة أتتْ بعد بعدِ
ارضَ عنّي فدتكَ نفسيَ أنّي
لك عبدٌ أذلُّ من كلّ عبدِ
ناشدتك الله أن ترفق بحالي وتعيد وصالي وارع الود القديم وأبدل شقاء
محبك بالنعيم واغمد سيف ظلمك المسلوى (وَأَوْفُواْ
بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)
[الإسراء: 34].
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
الشيخ
محمد
عبده
إلى
حافظ بك إبراهيم
لو كان بي أن أشكرك لظن بالغت في تحسينه أو أحمدك لرأي لك فينا
أبدعت في تزيينه لكان لقلمي مطمع أن يدنو من الوفاء بما يوجبه حقك ويجري في
الشكر إلى الغاية كما يطلبه فضلك لكنك لم تقف بعرفك عندنا بل عممت به من
حولنا وبسطته على القريب والبعيد من أبناء لغتنا زفقت إلى أهل اللغة
العربية عذراء من بنات الحكمة العربية سحرت قومها وملكت فيهم يومها ولا
تزال تنبه منهم خامداً وتهز فيهم جامداً بل لا تنفك تحيي من قلوبهم ما
أماتته القسوة وتقوم من نفوسهم ما أعوزت فيه الأسوة حكمة أفاضها الله على
رجل منهم فهدى إلى التقاطها رجلاً منا فجردها من ثوبها الغريب وكساها حلة
من نسج الأديب وجلاها للناظر وحلاها للطالب بعدما أصلح من خلقها وزان من
معارفها حتى ظهرت محببة إلى القلوب رشيقة إلى مؤانسة البصائر تهش للفهم
وتبش للطف المذوق وتسابق الفكر إلى موطن العلم فلا يكاد يلحظها الوهم إلا
وهي من النفس في مكان الإلهام.
حاول قوم من قبلك أن يبلغوا من ترجمة الأعجم مبلغك فوقف العجز
بأغلبهم عند مبتدأ الطريق ووصل منهم فريق إلى ما يحب من مقصده ولكنه لم يعن
بأن يعيد إلى اللغة العربية ما فقدت من أساليبها ويرد ما سلبه المعتدون
عليها من متانة التأليف وحسن الصياغة وارتفاع البيان فيها إلى أعلى مراتبه:
أما أنت فقد وفيت من ذلك ما لا غاية لمريد بعده ولا مطمع لطالب أن يبلغ
حده، ولو كنت ممن يقول بالتناسخ لذهبت إلى أن روح "ابن المقفع" كانت من
طيبات الأرواح، فظهرت لك اليوم في صورة أبدع ومعنى أنفع ولعلك قد سننت
بطريقتك في التعريب سنة يعمل عليها من يحاوله بعد ظهور كتابك ويحملها
الزمان إلى أبناء ما يستقبل منه فتكون قد أحسنت إلى الأبناء كما أجملت في
الصنع مع الآباء وحكمت للغة العربية أن لا يدخلها بعد من العجمة ما هو
الأسماء الأماكن والأشخاص لا أسماء المعاني والأجناس: ومثلي من يعرف قدر
الإحسان إذا عم ويعلي مكان المعروف إذا شمل ويتمثل في
رأيه بقوله:
ولو أ'ني حبيتُ الخلدَ فرداً
لما أحببت بالخلدِ انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائبُ ليسَ تنتظم البلادا
فما أعجز قلمي عن الشكر لك وما أحقك بأن ترضى من الوفاء باللقاء.
وكتب أيضاً في الشكر مع المودة إلى بعض أصحابه
لك في قلوبنا من المودة ما يزكيه سناؤك وفي مناطقنا من الحمد ما
يوجبه كمالك وفي صدورنا من الإجلال ما يرفعه بهاؤك وما بيننا من المودة لا
تحده منه ولا تخلق له جده نعيذه من حاجة للتجديد واستدعاء للمزيد فلا
المواصلة تربيه ولا المجاهلة توهيه: نعم إن ما يحفظ لك في الأنفس هو تجلي
فضلك ومثال علائك ونبلك وذلك الخالد بخلود الأرواح الباقي في تفاني
الأشباح.
وبعد فقد تلقيت منك كتاباً يبوح بسر المحبة وبنشر طي الصداقة فيه
تبيان وجدانك مما وجدنا وتأثرك على ما فقدنا فكان نبأ عما نعلم وقضاء بما
نحكم ولكن شكرنا لك فضل المراسلة وأريحية المجاملة والله يتولى إيفاءك
مثوبة تكافئ وفاءك.
وكتب أيضاً في الشكر لآخر
لو كان في الثناء وملازمة الدعاء وحفظ الجميل والقيام بالخدمة جهد
المستطيع ما يفي بشكر من يفتتح باب المحبة ويبدأ بصنائع المعروف لكنت
والحمد لله من أقدر الناس عليه ولكن أني يكون في ذلك وفاء والمحبة سر نظام
الأكوان والإحسان قوام عالم الأمكان والقائم على كنه جميعه قيوم السموات
والأرض والمفتتحون لأبواب العرف على هذه النسبة الجليلة منه فليس لي إلا أن
ألجأ إلى الله في مكافأة فضيلتكم على ما كان منكم أيام الإقامة بينكم ثم
أسلي نفسي عن عجزي بما أتخيل أن كرمكم سيروي:
سيكفي الكريم إخاءُ الكريم
ويقنع بالودّ منه توالا
وبعد هذا أرجو عفوكم عن التقصير في المبادرة إلى المكتبة لأني شغلت
بما شغلني عن نفسي ولكن زالت العوارض والحمد لله: وفاتني لهذا العذر
تهنئتكم بالعيد: وإنما للمؤمن في كل يوم بربه عيد فنهنئكم برضاء الله عنكم
وتقبله صالح الأعمال منكم: وسلامي على نجلكم ومن يتمنى إليك.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة الشيخ
إبراهيم اليازجي إلى
أحمد الهاشمي
بم يعتذر إليك من لايرى لنفسه عذراً وكيف يستتر من عتبك من لايستطيع
لذنبه ستراً بل كفاني من العتب تعنيف نفسي على ما ألقيت عليها من تبعة
تقصيري وما حلت به من التفريط بينها وبين معاذيري والله يعلم ما كان تقصيري
شيئاً أردته ولا كان تفريطي أمراً قصدته ولكنها الأيام إن صاحبتها لم تصحب
وإن عاتبتها لم تعتب فلقد عبرت بي هذه البرهة كلها وأنا بين شواغل لا
يشغلها عني شاغل وبلابل قد اختلط حابلها بالنابل فنازعتها هذه النهزة
اليسيرة أجدد فيها التذكرة إلى أن يمن الله بصلة الحبل واجتماع الشمل
واستنزل أحرفاً من حظك يكتحل بها الناظر ويأنس إليها الخاطر متوقعاً بعد
ذلك أن أبقى بين يدي مودتك مذكوراً وإلا يكون عجزي لديك شيئاً منظوراً وإن
تجري بي على عادة حلمك إلى أن يجمع الله الشتيتين ويغني العين عن الأثر
بالعين إن شاء الله تعالى والسلام.
وكتب أيضاً
وافاني كتابك العزيز والنفس نازعة إلى ما يزيل نفارها والقريحة
تائقة إلى ما يشحذ غرارها فكان روضة باسمة الكمائم فائحة النسائم قد ردت
على النفس انبساطها وأحيت البادرة فاستأنفت نشاطها فأنا منه ما بين وشي
يخجل طراز العبقرية وزخرف دونه نضرة السابرية تناجيني منه رشاقة ألفاظ تفضح
قدود الحسان وغضاضة أنفاس يغار منها ورد الجنان ورقة خطاب يشف عن ود صفي
ولطف خفي وكرم وفي عتب أعذب من الماء القراح وأرق من نسمات الصبا في الصباح
حتى لقد جنب إلى تقصيري وشفع عند نفسي في قبول معاذيري على أن ما عندي من
الولاء لا يعتريه معاذ الله وهن ولايخلقه تمادي زمن أو ترامي وطن ولكن صروف
الأحداث قد قصرت الجهد جواد العزيمة عن القصد والله يعلم أني لو نزلت على
حكم نوازل الدهر ولم أدافع طلائعها بما بقي من ساقة الصبر لما كان في همتي
إلا كسر اليراع وهجر المحابر والرقاع وحسبي من العذر ما أعرفه من حلمك
المألوف وما ألفته من كرمك المعروف.
والله أسأل أن يبقيك لي من الدهر نصيباً ويمتعني بلقائك قريباً بمنه
وكرمه.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة الشيخ
إبراهيم اليازجي إلى
أحمد الهاشمي2
مازلت أدافع النفس عما تتقاضاني من شكوى أشواقها وفي الشكوى شفاء
واستنزال أثر من لدنك تتعلل به مسافة البين إلى أن يمن الله باللقاء ومن
دون إجابتها مشاده قد شغلت الذرع وشواغل قد أفرغ من دونها الوسع إلى ان
اغلب جيش الوجد على معاقل الصبر وزاحم مناكب العدواء حتى ضرب أطنابه وبين
الحجاب والصدر فاتخذت هذه الرقعة أزجيها إليك وفيها من وقر الشوق ما ينوء
برسولها ومن رقة الصبابة ما يكاد يطير بها: أو يخلفها فيصافح الأعتاب قبل
وصولها: راجياً لها أن تتلقى بما عهد في سيدي من الطلاقة والبشر وأن لا يضن
عليها بما عودني من تمهيد العذر ويصلني من بعدها بأبنائه الطيبة عائدة عنه
بما يكون للناظر قرة وللخاطر مسرة: إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
وكتب أيضاً
وافاني كتابك العزيز فأهلاً بأكرم رسول جاء ببينات الإخلاص والوفاء
مصدقاً لما بين يديه من ذمة الوداد والإخاء. يتلو علي من حديث الشوق ما شهد
بصحته سقمي. وهتف مؤذنه في كل مفصل من جسمي ويذكرني من عهدك ما طالما
أذكرينه البرق إذا لمع والبدر إذا طلع والقمري إذا سجع. وإنما عداني عنك ما
أنا فيه من مجاذبة الشواغل ومساورة البلابل.
وفي القلب ما في القلب من شجن الهوى
تبدّلت الحالاتُ وهو مقيمُ
وأنا على ما بي من غل البنان وشغل الجنان مازالت أبناؤك عندي لا
يخطئني بريدها ولا ينقطع عني ورودها أهنئ النفس منها بما تتمنى لك من سلامة
لا يرث لها شعار وإقبال لا يعترضه بإذن إدبار.
وقصارى المأمول في كرمك أن تعاملني بما سبق لك من جميل الصلة إلى أن
يمن الله بالاجتماع ويغني بالعيان عن السماع (وَمَا
ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ)
[فاطر: 17].
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
أحمد الهاشمي
إلى أستاذه الحكيم الشيخ
محمد
عبده
سيدي ومولاي أطال الله بقاك ورفع في الدارين علاك الهدية مفتاح باب
المودة وعنوان تذكار المحبة يتسابق إليها كرام السجايا ويتسارع إلى إحياء
شعائرها عشاق المزايا حرصاً على حفظ عهود الوداد والتآلف وإذهاباً لوحشة
التقاطع والتحالف.
هدايا النّاس بعضهمْ لبعضٍ
تولّد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في القلوب هوى وودا
وتكسوك المهابة والجلالا
ولقد وجدتك إماماً حكيماً وفيلسوفاً عليماً تقدر الأعمال حق قدرها
وتضع الأشياء في مواضعها سباقاً إلى نشر العلوم والمعارف في المشارق
والمغارب.
يبقى الثّناء وتنفد الأموال
ولكل دهرٍ دولة ورجال
ما نالَ محمدةَ الرّجال وشكرهم
إلاّ الصّبور عليهم المفضال
فلذا أهديك كتابي (جواهر
أدب في بلاغة لغة العرب) جمع فأوعى من الآداب والحكم ما خلت منه مفعمات
الأسفار فهو بلا شك ولا مرا كل الصيد
في جوف الفرا.
تزين معانيهِ ألفاظه
وألفاظه زائنات المعاني
على أني وإن تطفلت عليك ووضعت كتابي هذا بين يديك فقد ولجت الأمور
من الأبواب وأصبت كبد الصواب حيث يعرف الفضل من الناس ذووه
ويتقبله بقبول حسن عالموه.
شكراً وحمداً إن قبلت هديّتي
وجعلت لي فضلاً على أقراني
فتنازلك بقبوله يكون الإقبال عليه جليلاً ويعجز لساني عن أن أشكرك
جزيلاً والسلام
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة الإمام الحكيم الشيخ
محمد
عبده
إلى
أحمد الهاشمي
عرض لي ما منعني من قراءة الجرائد نحو أسبوع وكنت أسمع فيه بحادثة
(ميت غمر) من بعض الأفواه أظنها من الحوادث المعتاد وقوعها حتى تمكنت من
مراجعة الجرائد ليلة الخميس الماضي فإذا لهب ذلك الحريق يأكل قلبي أكله
لجسوم أولئك المساكين سكان (ميت غمر) ويصهر من فؤادي ما يصهره من لحومهم
حتى أرقت تلك الليلة ولم تغمض عيناي إلا قليلاً وكيف ينام من يبيت يتقلب في
نعم الله وله هذا العدد الحم من أخوة وأخوات يتقلبون في شدة البأساء فأردت
أن أبادر بما أستطيع من المعونة وما أستطيعه قليلاً لا يغني من الحاجة ولا
يكشف البلاء ثم رأيت أن ادعوا جمعاً من أعيان العاصمة ليشاركوني في أفضل
أعمال البر في أقرب وقت وكان ذلك يوم السبت فحضر منهم سابقون وتأخر آخرون
وكتب بعضهم يعتذرون فشكر الله سعي من حضر وجزى خيراً من اعتذر وغفر لمن
تأخر.. على أنه ليس الحادث بذي الخطب اليسير فالمصابون خمسة آلاف وبضع مئين
منهم الأطفال الذين فقدوا عائليهم والتجار والصناع الذين هلكت آلاتهم ورؤوس
أموالهم ويتعذر عليهم أن يبتدئوا الحياة مرة أخرى إلا بمعونة من إخوانهم
وإلا اصبحوا متلصصين أو سائلين والذين فقدوا بيوتهم ولا يجدون ما يأوون
إليه ولا مال لهم يقيمون ما يؤويهم من مثل بيوتهم المتخربة لهذا رأيت ورأى
كل من تفكر في الأمر أن يجمع مبلغ وافر يتمكن به من تخفيف المصاب عن جميع
أولئك المنكوبين.
وكتب أيضاً في الغرض المذكور
قد بلغكم ولا ريب من أخبار الجرائد ما عليه أهل (ميت غمر) بعد
الحريق الذي أصاب مدينتهم فهم بلا قوت ولا ساتر ولا مأوى فليتصور أحدكم أن
الأمر نزل بساحته أفما كان يتمنى أن يكون جميع الناس في معونته فليطالب
الآن كل منا نفسه بما يطالب به الناس لو نزل به ما نزل بهم ولينفق مما له
ما يدفع الله به عنه مكروه الدهر.. فأرجو من همتكم أن تدفعوا شيئاً من
مالكم في مساعدة إخوانكم وان تبذلوا ما في وسعكم لحث من عندكم على مشاركتكم
في هذا العمل: والسلام.
الفصل الخامس في رسائل الملامة والعتاب
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
زعيم الوطنية الشيخ عبد العزيز جاويش إلى
أحمد الهاشمي
سيدي: مالي أراك كمن نسي الخليط وتجرد في الصحبة عن المحيط والمحيط
فإذا ما صادفتك صدفت أو أنصفتك ما نصفت أتظن أني قعيدة بيتك أو رهين كيتك
وذيتك فوحقك إذا آنست من يدي مللا أو من قدمي كللا لنجزتها البتات وكلت
بنقصها الذات ولو أني آنست من الزاد فترة أو من الشراب عسرة لطعمت الطوى
وأستقيت الجوى فكيف أداعب وتصاعب وأحالف وتخالف وأواصل وتفاصل وأجالب
وتجانب لبئست مطيتك التي اقتدعت وشرعتك التي شرعت فوالله لولا أن الحب حادث
لا يتقي بالتروس ومعنى لا يدب إلا في النفوس وسهام لا ترمى إلا من قسي
الحواجب ونحو أوله المعية وآخره الجوازم لما افترست الظباء الصيد الأسود
ولا ملكت الأحرار العبيد ولولا أني كرعت من صابه والتحفت ببردة أوصابه
لتعوذت منك (بسورة الفلق) ونبذتك نبذ الرداء الخلق ولهان علي أن أدعك أو
أسمعك.
تمرَّون الديارَ ولن تعوجو
كلامكمو عليّ إذاً حرامُ
غير أن لي نفساً شبت على الحب فلم أفطمها وتقادعت على ناره فلم
أعصمها حتى بلغ السيل الزبى وتبددت النفس أيدي سبا إلا حشاشة غفل عنها
الوجد وبقية رمق ألفيتها من بعد وكلما رأيت منك الشطط واعتساف الخطط عمدت
إلى أن اثني من رسنها وأذود عن عطنها وشخصت إلى المكافحة والمكافأة وأن لا
أكليك إلا مثلاً ولا أسقيك إلا وشلا ولا أزيدك إلا فشلا.
ولست أجزيك الجزاء الذي
على وفاءِ الصنع لا يخسه
وليس يبكي صاحباً من إذا
أهين لا يبكي على نفسه
على أني بالرغم أصبح في نهار أحلك من ليل وأمسي في ليل أشق على
النفس من ويل.
وليل كموج البحر أرخى سدوله
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فإن تخلصت من لقائك فإلى الشقاء وإذا لجأت من عسفك فإلى العناء وإذا
استجرت بفراقك فقد استجرت بالنار من الرمضاء وكأنك لم تدر أن دولة الحسن
سريعة التقويض وأنه لابد من هبوط القمر إلى الحضيض ولسوف تبلى بعارض بيد
أنه غير ممطر وبساعة مقبلك فيها مدبر وستصبح عما قريب قد عفت رسومك ولم تجد
في سوق الصحبة من يسومك والعاقل من لا يختال بنفسه ولا يبني على غير أسه
فإنك ما نضت لؤلؤة مبسمك ولا نضرت صورة معصمك ولا شئت فخلقت كما تشاء ولا
اتخذت عند الله عهداً وهذا الوفاء ولكن مثلك من أفرغه الله في القالب الذي
اختار وجعله مرتع النفوس ومسرح الأبصار وغني أبها العزيز قد تقدمت إليك.
ولي أملق قطعتُ به الليالي
أراني قد فنيت به وداما
فلا تحرمني من سائغ العفو وسابغه ولا تجعلني (كَبَاسِطِ
كَفّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ)
[الرعد: 14].
فأشدُ ما لقيتُ من ألم الجوى
قربُ الحبيب وما إليه وصولُ
كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما
والماءُ فوق ظهورها محمولُ
فاعمل في يومك لغدك واستجز غيرك ببسط يدك ولا تأخذني بجرم الجاني
المتلبس ولا تبتغ مني صحيفة المتلمس بيد أني أنشدك الذي بلى العاشق
بالمعشوق وكلفه في الحب بيض الأنوق وسهد طرفه بنواعس العيون وخول للحسن (إِذَآ
أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
[يس: 82] كما قرن الهوى بالنوى والقلب بالجوى وقضى على المحب ونشر العشق فلم
يحتجب ما الذي أغرى إلى الإعتكاف وعدم الإنصاف ألين الأعطاف أم فتور
الأجفان أم تكسر الكلام أم هيف القوام؟ لقد شددت أزرك والله بضعاف واستمنت
تلك العجاف وهل حدا إلى قطيعتي بك أني خشن الملمس رث الملبس ولم أمنح كما
منحت نضرة ولم ألبس برقع البياض والحمرة فأعلم أنك إن تظرتني بعين الرضا
ورحمت فؤاداً يتقلب منك على جمر الغضا فستجدني صديقك الذي لا يبطره الوفاء
ولا يثنيه الجفاء املك لك من لسان وأطوع لأمرك من بنان: أكتب فأين لعبد
الحميد الكاتب قلمي وأشعر فأين الشعراء إلا تحت علمي وأبذل فأين حاتم من
كرمي وأحلم فأين أحنف من حلمي.
وحسبك فخراً أن يجود بنفسه
على رغب منْ ليس يأملُ في الشكر
ومن يحتمل في الحب ما فوق كاهلي
فحسبك حلماً أن يقيمَ على الهجرِ
فإن أصخت إلى الداعية ووعيت كلمات لا تسمع فيها لاغية فإليك الجزاء
وعلي الوفاء وإلا فالفرار إلى الموت أمرٌ يسير والقبر للعشاق قليلٌ من
كثير.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
الشيخ
محمد
عبده
وهو مسجون
بسبب الحوادث العرابية إلى
أحمد الهاشمي
تقلّدتني اللّيالي وهي مدبرةٌ
كأنني صارمٌ في كفّ منهزم
عزيزي (هذه حالتي) اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر فأخذت صخوره من
مركز الأرض إلى المحيط الأعلى واعترضت ما بين المشرق والمغرب وامتدت إلى
القطبين فاستحجرت في طبقاتها طباع الناس إذ تغلبت طبيعتها على المواد
الحيوانية أو الإنسانية فأصبحت قلوب الثقلين (كَالْحِجَارَةِ
أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً)
[البقرة: 74] فتبارك الله أقدر الخالقين انتثرت نجوم الهدى وتدهورت الشموس
والأقمار وتغيبت الثوابت النيرة وفر كل مضيء منهزماً من عالم الظلام ودارت
الأفلاك دورة العكس ذاهبة بنيراتها إلى عوالم غير عالمنا هذا فولى معه آلهة
الخير أجمعين وتمحضت السلطة لآلهة الشر فقلبوا الطباع وبدلوا الخلق وغيروا
خلق الله وكانوا على ذلك قادرين.
رأيت نفسي اليوم في مهمة لا يأتي البصر على أطرافه في ليلة داجية
غطي فيها وجه السماء بغمام سوء فتكاثف ركاماً ركاماً لا أرى إنساناً ولا
أسمع ناطقاً ولا أتوهم مجيباً أسمع ذئاباً تعوي وسباعاً تزأر وكلاباً تنبح
كلها يطلب فريسة واحدة هي ذات الكاتب والتف على رجلي تنينان عظيمان وقد
خويت بطون الكل وتحكم فيها سلطان الجوع ومن كانت هذه حاله فهو لا ريب من
الهالكين.
تقطع الأمل وانفصمت عروة الرجاء وانحلت الثقة بالأولياء وضل
الاعتقاد بالأصفياء وبطل القول بإجابة الدعاء وانفطر من صدمة الباطل كبد
السماء وحقت على أهل الأرض لعنة الله والملائكة والأنبياء وجميع العالمين.
سقطت الهمم وخربت الذمم وغاض ماء الوفاء وطمست معالم الحق وحرقت
الشرائع وبدلت القوانين ولم يبق إلا هوى يتحكم وشهوات تقضى وغيظ يحتدم
وخشونة تنفذ "تملك سنة القدر" و(اللّهَ
لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)
[يوسف: 52].
ذهب ذوو السلطة في بحور الحوادث الماضية يغوصون لطلب أصداف من الشبه
ومقذوفات من التهم وسواقط من اللمم ليموهوها بمياه السفسطة ويغشوها بأغشية
من معادن القوة ليبرزوها في معرض السطوة ويغشوا بها أعين الناظرين لا
يطلبون ذلك لغامض يبينونه أو لمستور يكشفونه أو لحق خفي فيهرونه أو خرق بدا
فيرقعونه أو نظام فاسد فيصلحونه كلا: بل ليثبتوا أنهم في حبس من حبسوا غير
مخطئين، وقد وجدوا لذلك أعواناً من حلفاء الدناءة وأعداء المروءة وفاسدي
الأخلاق وخبثاء الأعراق رضوا لأنفسهم قول الزور وافتراء البهتان واختلاق
الإفك وقد تقدموا إلى مجلس التحقيق بتقارير محشوة من الأباطيل ليكونوا بها
علينا من الشاهدين، كل ذلك لم تأخذني فيه دهشة ولم تحل قلبي وحشة بل أنا
على أتم أوصافي التي تعلمها غير مبالٍ بما يصدر به الحكم أو يبرمه القضاء،
عالماً بأن كل ما يسوقه القدر وما ساقه من البلاء فهو نتيجة ظلم لا شبهة
للحق فيه، لأن الله تعالى يعلم كما أنت تعلم أنني بريء من كل ما رموني به،
ولو أطلعت عليه لوليت منه رعباً وكنت من الضاحكين.
نعم حنقني الغم وأحمى فؤادي الهم وفارقني النوم ليلة كاملة عند ما
رأيت اسمك الكريم واسم بقية الأبناء والأخوان المساكين تنسب إليهم أعمال لم
تكن وأقوال لم تصدر عنهم لقصد زجهم في المسجونين.
لكن اطمأن قلبي وسمن جأشي عندما رأيت تواريخ التقارير متقادمة ومع
ذلك لم يصلكم شرر الشر فرجوت أن الحكومة لم ترد أن تفتح باباً لا يذر
الأحياء ولا الميتين.
قدم فلان وفلان تقريرين جعلا تبعات الحوادث الماضية على عنقي ولم
يتركا شيئاً من التخريف إلا قالاه وذكرا أسماءكم في أمور أنتم جميعاً أبعد
الناس عنها، لكن لا
حرج عليهما فإني لأراهما من المجانين، ولم أتعجب من هذين الشخصين إذ
يعملان مثل هذا الذنب القبيح ويرتكبان هذا الجرم، الشنيع ولكن أخذني العجب
"كل العجب غاية العجب بالغ ما شئت في عجبي"، إذ أخبرني المدافع عني بتقرير
قدمه فلان الذي أرسلت إله السلام وأبلغته سروري عندما سمعت باستخدامه، وأنا
في هذا السجن رهين.
إلى هذا الوقت لم يصلني التقرير ولكن سيصل إلي إنما فيما بلغني أنه
شهادة بأقبح شيء لا يشهد به إلا عدو مبين: هذا اللئيم الذي كنت أظن أنه
يألم لألمي ويأخذه الأسف لحالي ويبذل وسعه إن أمكنه في المدافعة عني فكم
قدمت له نفعاً ورفعت له ذكراً وجعلت له منزلة في قلوب الحاكمين: كم سمعني
أقاوم هجاء الجرائد وأوسع محرريها لوماً وتقريعاً وأهزأ بتلك الحركات
الجنونية وكان هو علي في بعض أفكاري هذه من اللائمين: كان ينسب فلاناً لسوء
القصد اتباعاً لرأي فلان وأعارضه أشد المعارضة، ثم لم أنقض له عهداً ولم
أبخس له ودا وحقيقة كنت مسروراً لوجوده موظفاً فما باله أصبح من الناكثين:
آه ما أطيب هذا القلب الذي يملي هذه الأحرف، ما أشد حفظه للولاء، ما أغيره
على حقوق الأولياء، ما أثبته على الوفاء، ما أرقه على الضعفاء، ما أشد
اهتمامه بشؤون الأصدقاء، ما أعظم أسفه لمصائب من بينهم وبينه أدنى مودة،
وإن كانوا فيها غير صادقين، ما أبعد هذا القلب من الإيذاء ولو للأعداء، ما
أشده رعاية للود، ما أشده محافظة على العهد ما أعظم حذره من كل ما توبخ
عليه الذمم الظاهرة، ما أقواه على العمل الحق، والقول الحق، لا يطلب عليه
جزاء، وكم اهتم بمصالح قوم وكانوا عنها غافلين، هذا القلب الذي يؤلمونه
بأكاذيبهم هو الذي سر قلوبهم بالترقية وملأها فرحاً بالتقدم ولطف خواطرهم
بحسن المعاملة وشرح صدورهم بلطيف المجاملة ودافع عنهم أزماناً "خصوصاً
هذا اللئيم" أفنشرح الصدور وهم يحرجون ونشفي القلوب وهم يؤلمون ونفرحها وهم
يحزنون؟ تالله (قَدْ
ضَلّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)
[الأنعام:
140] هذا القلب ذاب معظمه من الأسف على ما يلم بالهيئة العمومية من
مصائب هذه التقلبات وما ينشأ عنها من فساد الطباع الذي يجعل العموم في قلق
مستديم، وما بقي من هذا القلب فهو في خوف على من يعرفهم على عهد مودته، فإن
تسللوا جميعاً بمثل هذه العمال اصبحوا من مودته خالين واتخذوه وقاية لهم من
المضرة وجعلوه ترساً يعرضونه لتلقى سهام النوائب التي يتوهمون تفويقها
إليهم كما اتخذوه قبل ذلك سهماً يصيبون به أغراضهم فينالون منها حظوظهم فقد
أراحوا تلك البقية من الفكر فيهم، والله يتولى حسابهم (وَهُوَ
أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)
[الأنعام: 62]، آه ما أظن أن تلك البقية تستريح من شاغل الفكر في شؤون الأحبة وإن
جاروا في تصرفهم.
إن طبيعة هذا القلب لطبيعة ناعم الخز إذا اتصل بذي الود وإن كان
خشناً فصعب أن ينفصل ولو مزقته خشونته، وإن هذا القلب في علاقة مع الأوداء
كالضياء مع الحرارة أيما حادث يحدث وأيما كيماوي يدقق لا يجد للتحليل
بينهما سبيلاً، وأظنك في العلم بثبوت تلك الطبيعة فيه كنت من المتحققين.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
حافظ بك إبراهيم إلى الأستاذ الإمام الحكيم الشيخ
محمد
عبده
كتابي إلى سيدي وأنا من وعده بين الجنة والسلسبيل ومن تيهي به فوق
النثرة والإكليل وقد تعجلت السرور وتسلقت الحبور وقطعت ما بيني وبين
النوائب.
وبشّرتُ أهلي بالذي قد سمعتهُ
فما منحتي إلاّ ليالٍ قلائل
وقلت لهم للشيخ فينا مشيئةٌ
فليس لنا من دهرنا ما ننازلُ
وجمعت فيه بين ثقة الزبيدي بالصمصامة والحارث بالنعامة فلم أقل ما
قال الهذلي لصاحبه حين نسي وعده وحجب رفده.
"يا
دار عاتكة التي أتغزل" بل أناديه نداء الأخيذة في عمورية شجاع الدولة العباسية وأمد صوتي
بذكر إحسانه مد المؤذن صوته في آذانه واعتمد عليه في البعد والقرب اعتماد
الملاح على نجمة القطب.
وقال أصيحابي وقد هالني النَّوى
وهالهمُ أمري متى أنتَ قافل
فقلت إذا شاء الإمامُ فأوبتي
قريبٌ وربعي بالسَّعادة آهلُ
وهأنا متماسك حتى تنحسر هذه الغمرة وينطوي أجل تلك الفترة وينظر لي
سيدي نظرة ترفعني من (ذَاتِ
الصّدْعِ)
[الطارق: 12] إلى (ذَاتِ
الرّجْعِ)[الطارق:
11] وتردني إلى وكري الذي فيه درجت رد الشمس قطرة المزن إلى أصلها ورد
الوفي الأمانات إلى أهلها.
فإن شاءَ فالقربُ الذي قد رجوته
وإن شاءَ فالعزُّ الذي أنا آملُ
وإلاَّ فإني قافُ رؤبةَ لم أزل
بقيد النَّوى حتى تغولَ الغوائلُ
فلقد حللت السودان حلول الكليم في التابوت والمغاضب في جوف الحوت
بين الضيق والشدة والوحشة والوحدة: لا، بل حلول الوزير في تنور العذاب
والكافر في موقف الحساب بين نارين نار القيظ ونار الغيظ.
فناديت باسم الشيخ والقيظ جمرهُ
يذيب دماغ الضّب والعقل ذاهل
فصرت كأني بينَ روضٍ ومنهلٍ
تدبُّ الصّبا فيه وتشدو البلابل
واليوم أكتب إليه وقد قعدت همة النجمين وقصرت يد الجديدين. عن إزالة
ما في نفس ذلك الجبار العنيد فلقد نما ضب ضغنه علي وبدرت بوادر السوء منه
إلي فأصبحت كما سر العدو وساء الحميم وآلامي كأنها جلود أهل الجحيم كلما
نضج منها أديم تجدد أديم وأمسيت وملك آمالي إلى الزوال أسرع من أثر الشهاب
في السماء ودولة صبري إلى الاضمحلال أحث من حباب الماء فنظرت في وجوه تلك
العباد وإني لفارس العين والفؤاد فلم تقف فراستي على غير بابك.
وإني أهديك سلاماً لو امتزج بالسحاب واختلط منه باللعاب لأصبحت
تتهادى بقطرة الأكاسرة وأمست تدخر منه الرهبان في الأديرة ولأغنى ذات
الحجاب عن الغالية والملاب ولابدع إذا جاد السيد بالرد فقد يرى وجه المليك
في المرآة وخيال القمر في الإضاءة وإن حال حائل دون أمنية هذا السائل فهو
لا يذم يومك ولا ييأس من غدك فأنت خير ما تكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً:
والسلام.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة
السيدة عائشة تيمور إلى السيدة
وردة اليازجية
استهل براعة سلام مل الشوق وتقلد الشقق ما نشقت ناشقة عف الوداد
كفالته ورضيت المجال في صدق المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه وأقام
بأداء التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد توجته أزهار الثناء
بلآلئ غراء كللته زواهر الوفاء من خالص الوداد إلى حضرة من لا تزال تستروح
الأسماع بنسيم أنبائها صباح مساء، وتتشوق الأرواح إلى استطلاع بدر إنسانها
الكامل أطرافاً وآناء، ومما زادني شوقاً إلى شوق حتى لقد شبّ فيه طفل الشفق
تعن الطوق اجتلائي حديقة "الورد" القدسية ونافجة الأدب المكية فيالها من
حديقة رقمتها أحداق الأذهان فاقتبست نوراً وانشقتها مسام الآذان فثملت
طرباً وسروراً ومنذ سرحت في أرجاء تلك اليانعة إنان العيون وشرحت بأفكار
البصيرة أسرار ذلك الدر المصون لم أزل بين طرب أتوشح وأدب أتعجب من حسن
اختتامه وافتتاحه وجعلت أغازل من نرجس تلك الروضة تعيوناً ملكت مني الحواس
وهصرت من غصون ألفاتها كل ممشوق أهيف مياس وأتأدب في حضرة وردها خوفً من
شوكة سلطانها وأن حياتي بجميل الالتفات ضاحكة عن نفس جماثة وإذا بالياسمين
الغض قد ألقى نفسه على الثرى ونادى بلسان الإفصاح هل لهذه النضرة نظيرة يا
ترى فأشار المنثور بكفه الخضيب أن لا نظير لتك الغادة ونطق الزنبق بلسان
البيان لا تكتموا الشهادة فعد ذلك صفق الطير بأكف الأجنحة وبشر وجرى الماء
لإذاعة نبأ السرور فعثر بذيل النسيم وتكسر وتمايل أغصانها المورقة لسماع
هذا الحديث وأخذت نسماتها العاطرة في السير الحثيث إذاعة لتلك البشائر في
العشائر ونشراً لهذه الفضائل التي سارت مسير المثل السائر فقلت بلسان
الصادق الأمين بعد تحقق هذا النبأ اليقين هكذا وهكذا تكون الحديقة وإلا
وكذلك كذلك لتكتب الفضائل وتملي.
وحدثني يا سعد عنهم فزدتني
غراماً فزدني من حديثك يا سعدُ
فتحمل عني أيها الصديق تحية إلى ربة هاتيك الحديقة واشرح لديها حديث
شغفي بفضلها الباهر على الحقيقة وأعتذر عن كتابي هذا فقد جاء يمشي على
استحياء وكلما حركة الشوق يبطئه الحياء وكيف وقد حل في منيع الفضائل
والمقام الذي لم يدع مقالاً لقائل فكأني إما أهدي الثمر إلى هجر وأمنح
البحر الخضم بالمطر أدام الله معالي تلك الحضرة وزادها في كل حال بهجة
ونضرة ما لاح جبين وبلغ غاية الكمال.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
رسالة وردة اليازجية
إلى السيدة عائشة تيمور
سيدتي ومولاتي: أعرض أنني بينما أنا ألهج بذكر ألطافكم السنية أتنسم
شذا أنفاسكم العبقرية وأترقب لقاء أثر من لدنكم يتعللل به الخاطر ويكتحل
بإثمد مداد الناظر.
وصلتني مكاتبكم فجلت العين أقذاءها وردت إلى النفس صفاءها فتناولتها
بالقلب لا بالبنان وتصفحت ما في طيها من سحر البيان، فقلت:
هذا الكتابُ الذي هامَ الفؤاد به
يا ليتني قلمٌ لفي كفّ كاتبه
ولعمري إنه كتاب حوى بدائع المنثور والمنظوم وتحلى من درر الفصاحة
فأخجلت لديه دراي النجوم وقد تطفلت على مقالكم العالي بهذا الجواب ناطقاً
بتقصيري وضمنته من مدح سجاياكم الغراء وما يشفع لدى مكارمكم في قبو معازيري
لا زلتم للفضل معهدناً وذخر اً وللأدب كنزاً وفخراً.
أضيفت في
04/02/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: كتاب
جواهر الأدب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة بأدب الرسائل)
|