أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتب: محمد قرانيا

       
       
       

سربُ عَصافير-قصص أطفال

     

قصائد الأطفال في سورية

الستائر المخملية-دراسات

   

 قصة الأطفال في سورية

القصة القصيرة في سورية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

ولد في بلدة أريحا بمحافظة إدلب سورية- 1941

عمل فترة في وزارة المالية، ثم مدرساً لمادة اللغة العربية في المدارس الإعدادية والثانوية 

يعمل حالياً رئيساً للمكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب بإدلب منذ تأسيسه عام 1994.

عضو جمعية أدب الأطفال، وأمين سرها منذ عام 1996.- 1998.

نال عدة جوائز محلية في أدب الأطفال.

شارك في تحرير مجلة(ماما ياسمين) في الكويت.

وشارك في تحرير ملحق جريدة الرياض الأسبوعي. صفحة البراعم في المملكة العربية السعودية.

 

مؤلفاته:

01-أنت أحلى- قصص. الشركة العالمية. بيروت 1996

02-ليلة سمر- رواية. الشركة العالمية. بيروت 1996

03- ثلاث ليالٍ من ليالي ألف ليلة ـ  قصص قصيرة ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999.

04- استقالة عائشة. قصص قصيرة جداً

 

(في أدب الأطفال).

05 ـ نوادر وفكاهات أدبيةـ دمشق 1965.

06 ـ أريحا عروس مصايف الشمال ـ حلب 1975.

07 ـ سلسلة مازن الصغير ـ خمسة أجزاء ـ حلب 1976.

08 ـ وسام من الياسمين ـ قصص قصيرة  للأطفال ـ حلب 1979.

09ـ المجد للطفولة ـ شعر للأطفال ـ حلب 1980.

10 ـ القمر يحب الأطفال ـ قصص قصيرة  للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1986.

11 ـ نهر الحب ـ شعر للأطفال ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1994.

12 ـ الصخرة والبحر ـ قصص قصيرة للأطفال ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1995.

13- ألعابنا الحلوة- شعر للأطفال- وزارة الثقافة- دمشق 1996.

14 ـ شعر الأطفال في سورية ـ دراسة اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1996.

15ـ سربُ عَصافير-قصص أطفال ـ  قصص قصيرة جداً ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق2000.

له في الموقع دراسة في القصة القصيرة في سورية

ودراسة في  قصة الأطفال في سورية و قصائد الأطفال في سورية

ودراسة الستائر المخملية-دراسات

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

الأحلام الجميلة

صعلكة

بالمقلوب

معاناة 

رشوة

السجن

صورة

ثلاث ليال من ليالي ألف ليلة وليلة

 

 

معاناة

 

صديقتي (ليليانا سارانوفا) التي تقيم في شارع الدانوب الأزرق قرب البولشوي في موسكو..

وصديقتي (جمانه المنصوري) التي تقيم في شارع الأميرات ببغداد.. تقولان لي في رسائلهما الأخيرة: إنهما تعانيان كثيراً، لأنهما لا تجدان دواءً وحليب أطفال.

فكتبت إليهما: إننا نعيش المأساة نفسها تقريباً، ولكن بصورة معكوسة، فالأطباء عندنا إنسانيون بكل معنى الكلمة، والصيدليات تغصّ بالأدوية وحليب الأطفال ولكننا لا نملك نقوداً نشتري بها.

 

 

 

بالمقلوب

 

منذ شهرين لم أسمع الأخبار. منحت نفسي إجازةً أرتاح فيها من سماع أخبار الانتصارات الدون كيشوتية، ولكن بعد انقضاء فترة الإجازة فتحت شباك غرفتي، ونظرت إلى الحديقة، فهالني أن أرى عصفور الدوري يحاول الطيران إلى الشجرة فلا يستطيع، فما كان منه إلاّ أن أتى بسلّم وأسنده إلى ساق شجرة الزيتون ثم أخذ يصعد عليه قافزاً درجةً درجة حتى وصل إلى الغصن. عندئذ أغمضت عينيّ وأغلقت الشباك!

ثم تاقت نفسي للخروج إلى الشارع..

سرت بضع خطواتٍ فوق الرصيف.. فوجدت الأرض تهتزّ أمام ناظريّ وتبهت المعالم مع أني في كامل صحوي.. ورأيت الناس يمشون على أيديهم بينما ترتفع أرجلهم في الهواء.

 

عندئذٍ أصابني ما يشبه الغثيان، فوقفت مندهشاً، وحاولت لملمة شتات نفسي..

استوقفت أحدهم، وسألته:

-ماذا حدث في الدنيا؟! ولماذا يمشي الناس بالمقلوب؟!

فنهرني وتابع سيره على يديه، وهو يقول مستغرباً:

-كأنك لا تعيش في هذا العصر!

 

 

 

صعلكة

 

عضّ الجوع معدتي، فنهضتُ أبحث عن لقمة خبزٍ، ولكن من دون جدوى، خرجت أبحث عن طعام. سرت في شوارع المدينة بجسمي النحيل، وساقيّ المعوجتين، وظللتُ أسير، حتى توقفتْ بجانبي سيارة صغيرة. ناداني السائق باسمي. تذكرته بسرعةٍ.. نظرت إلى السيدة التي ترفل بمعطف الفرو الوثير، والجالسة إلى جانبه. حيّيتها بأدبٍ جمّ، بانحناءةٍ من رأسي، مثلما يفعل الرجال المحترمون.

عَرّفني الرجل إلى زوجته. لم يخجل من معرفته بي، عندما قال لها: "صديق الطفولة" سألني عن أحوالي، وعما إذا كنت أحتاج إلى مساعدة، فنظرت إلى نفسي مبتسماً، وقلت:

-شكراً لك. انظرْ. كل شيءٍ على ما يرام.

ثم وجدته يفتح درج السيارة، ويخرج رزمةً من الأوراق النقدية، فيستلّ منها قطعة من فئة خمس الليرات، ويدسّها في يدي.

بعد أن انطلقت السيارة، تذكّرت جميع الخطابات السياسية التي كنت أكتبها له، والتي ألقاها في النادي الدبلوماسي، عن الثورة والعمال وفقراء العالم الثالث والمشروع النهضوي..

عندما صرت بجانب مطعم شعبي سمعتُ المؤذن يرفع صوته بالنداء الخالد "الله أكبر"، لذلك قررت تأجيل شراء رغيف الخبز إلى ما بعد الصلاة، وما إن انتهيت من الصلاة وخرجت حتى شاهدت أمام باب الجامع امرأة فقيرة، تمدّ يدها إليّ، وتقول:

-من مال الله!

فما كان مني إلا أن أخرجت القطعة النقدية، بصورة عفويةٍ، وقدمتها إليها، ثم اندفعت ليبتلعني الشارع المزدحم من جديد.

 

 

 

الأحلام الجميلة

 

دخل عليه صديقه. انتشله من رحلة التفكير والكتابة التي لا تنتهي.

سأله: "بمَ تفكر؟!"

-إنني أبحث عن الحلم الجميل.

-أنت تبحث عن سراب في مكانك هذا. تعال معي، لأريك الأحلام الجميلة.

أخذه من يده. اصطحبه إلى منتجعٍ ليلي، على منصته راقصةٌ، وحولها جمهورٌ في أوج نشوته. وعندما سأله: "أليس هذا حلماً جميلاً؟!" ردّ بالنفي.

سار به إلى خماراتٍ وفنادق من الدرجة الأولى، وأماكن عامة متعدّدة، وعندما تعبَ من دون أن يعثر على حلمٍ جميلٍ. قال له "عد، ونم الليلة جيداً".

في اليوم الثاني، طاف به صديقه على المدارس والمكاتب السياحية والمكتبات العامة، ودور البغاء الخاصة، فشعر بالإحباط، وعاد من دون أن يرى حلماً جميلاً.

أدخله صديقه، حديقةً عامةً، ليستريحا قليلاً قبل أن يتابعا الطواف. جلسا تحت ظلّ شجرةٍ وارفه. فجأةً رآه ينهض، ويتجه نحو طفلةٍ صغيرةٍ، ترتدي ثوباً أبيض، وتزيّن جانبي رأسها بضفيرتين رائعتين.

جلس القرفصاء قريباً منها، راقب حركاتها البريئة، ونظراتها الساحرة.

كانت الصغيرة تنظر إلى غصن شجرةٍ عليه عصفور.

هتف من أعماقه.

-عثرت عليه!! يا لله. هذا هو الحلم الجميل!

وبينما كانت نفسه تفيض بالسعادة رأى حارس الحديقة يمسكه من قميصه ويقول:

-الآن وقعتَ في قبضتي. أنت سارق الأحلام الجميلة!

 

 

 

رشوة

 

قدّم الصحفي الشاب دراسة مفصلةً عن الرشوة إلى مدير مؤسسة الدراسات الإعلامية في الدول النامية، لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة حين شاهد السيد المدير يتناول الدراسة بغير اكتراثٍ، ويرميها جانبه، فوق كومة الأوراق المغبّرة.

قال الشاب:

-إنها ظاهرةٌ خطيرةٌ، وينبغي تسليط الضوء عليها!

قال المدير العام ببرود:

-لا حاجة بنا إلى مثل هذه الدراسة.

-لماذا؟!

-لأننا متأكدون جميعاً أن تنظيف دوائر العالم الثالث من الرشاوي من رابع المستحيلات.

-ولكننا إعلاميون، ونحن نرسم أبعاد الحضارة.. يجب تعرية الفساد!

طلب إليه المدير أن يصمت، لكن الشاب توعّد:

-إذا لم تنشر الدراسة، فسأعلن للملأ أنك –أنت- تشجع الرشوة.

نظر إليه المدير ببرود أشدّ، وقابل ثورته بابتسامة صفراء، ثم طلب إلى السكرتيرة أن تصحبه إلى المقصف، وتطلب له زجاجة ويسكي.

أسقط في يده!

سار خلف المرأة الجميلة كالأبله.. درس تفاصيل جسدها من الخلف.. انتبه فجأة لنفسه. توقّف. ضرب الأرض برجله. قال بحدّة:

-هذه رشوة! رشوة!!

ثم أمسك السكرتيرة من كتفها. صعدّها بنظراته الممتعضة، وقد تذكر كيف وصلت إلى وظيفتها. وصرخ من جديد:

-وأنتِ أيضاً رشوة! رشوة!

 

 

 

السجن

 

في السجن طلب إليّ الشرطي أن أُفرغ محتويات هويتي في البيان المخصص لذلك، فأعدتُ الورقة بيضاء، وعندما سألني عن نقودي، أجبته: "أنني لو كنت أملك نقوداً لما نزلت في مضافته."

أحببت السجن، لأنني وجدت فيه فندقاً متواضعاً يقدّم خدماته من المبيت والطعام والأمن والحماية مجاناً، ولكني لكي أحظى بهذه الخدمات، كان لا بدّ لي من افتعال حادثةٍ خفيفةٍ، أو جنحةٍ أو إيهام الآخرين بأني أنوي الشروع في جريمةٍ.. وعندما لا يحالفني الحظّ، أطلق إشاعةً حول مسؤولٍ، أو أدّعي أن رئيس البلدية طلب مني رشوة لقاء تعبيد الطريق أمام بيتي، ثم ما يلبث أن ينكشف زيف إدعائي، حين يثبتون بسهولةٍ أنني لا أملك بيتاً.

عندما انتهيت من قضاء مدة توقيفي الأخيرة، والقصيرة جداً، أعلنت عن أسفي للشرطي، وقلت له: "يبدو أن دخول السجن يحتاج إلى وساطة" فنهرني، لكنني أعلمته بأنه يدفعني لارتكاب جريمةٍ جديدةٍ، إذا لم يتركني عنده، أو يمنحني ما أتقوّتُ به، فتبرع لي برغيفٍ خبزٍ.

خرجت إلى الشارع، وما إن تنفست الهواء النقي حتى فوجئت بكلبٍ جارحٍ يهجم عليّ ويختطف رغيف الخبز من يدي، وكنت منذ نعومة أظفاري أخاف من الكلاب والنساء لأن زوجة أبي كانت كلما شاهدتني جالساً إلى المائدة، قالت لي: "إذا لم تبتعد فسأرميك إلى الكلاب" فأهرب إلى جارتنا الأرملة، أحكي لها حكايتي، فتتأثّر، وتضمني إلى صدرها بصورةٍ غريبة، وتعصرني.. وعندما أقول لها: "إنني جائع" تخرج ثديها وتضع حلمته في فمي، فأعافها، وأقول لها "لقد كبرت عن ذلك كثيراً!.."

وقفت حائراً.

الجوع يعضّ معدتي.

الكلب يقف بعيداً، وفي فمه رغيف الخبز.

شعرت بالخزي.

عدتُ إلى الشرطي. رجوته أن يعيدني إلى السجن، وعندما رفض، طلبت إليه أن يلقي القبض على الكلاب هذه المرة.

 

 

 

صورة

 

سار باتجاه المصرف، يغمره شعور غامض، يقبض على محفظته بإحكام (بنكو دي روما) مكتوبٌ اسمه بالإيطالية والإنكليزية، تنفتح أمامه أبواب السعادة. فتحتها تلك الوسيطة الشقراء التي لازمته كظله. إنها ساحرةٌ جداً. ذكيةٌ تتميز من جميع النساء اللواتي عرفهن. لجسدها حرارةٌ ونكهةٌ غريبة، ولطريقتها في التعبير والإقناع أثرٌ يستقرّ في النفس.. لا يدري كيف جعلته يقتنع بفكرة التصوير مع ذلك الوغد، اللئيم.

-فقط، تصوّرْ إلى جانبه. لا توقّعْ معه اتفاقاً، ولا تعقدْ معه صفقة، أو تبرمْ معه صلحاً.. الصورة من أجل الفن والذكرى.. الفن ليس له هوية أو حدود، أو انتماء! أقنعته أن يقف قرب ذاك (البغل) الذي تنتشر منه رائحة تبعث على الغثيان! ولن يدينه أحدٌ بفعلته.. قد تكون هذه اللقطة (الفوتوغرافية) بداية الصعود نحو آفاق أوسع من الدائرة القطرية التي يتحرك في فلكها منذ عشرين عاماً من دون أن يتغير وضعه المادي أو الاجتماعي، وقد تكون الخطوة الأولى نحو العالمية. والجوائز التي ستخلده مع رامبرانت، وبيكاسو، وسلفادور دالي.. وسيكون بينالي البندقية، المطارَ الذي سيطير منه نحو (النجومية) إلى كل عواصم العالم.. والوسيطة الشقراء تغريه..

أغرته. أذاقته من الحب ألواناً، ثم سطَّرت لـه (الشيك) ليتدفق بين يديه بعد قليلٍ، سيلٌ من العملة الصعبة.

ها هو يصعد درجات المصرف سيفتح حقيبته (الدبلوماسية) كرجال الأعمال، أصحاب الثياب الأنيقة، وربطات العنق الفاخرة، لا كالفنانين الفقراء الذين يهملون شعورهم ولا يكترثون بمظاهرهم.

قدّم الإشعار المصرفي إلى العاملة الجميلة، من خلال الكوة الصغيرة. رآها تنظر إليه بإمعانٍ، تدَقّق في ملامحه، ثم تضغط مفتاح جهاز الكمبيوتر.. تعود تردّد نظراتها بين الإشعار وبينه. نظراتها تبعث الريبة والخوف في النفس.. يجدها تبتسم بمكرٍ.. انبثقت عن شفتيها المكتنزتين عبارة بالإيطالية.. ظنته لم يفهم. أعادت العبارة بالإنكليزية، ثم بالفرنسية، وعندما وجدته جامداً أمام الكوة كالأبله ردّدت بعربيةٍ ركيكةٍ:

-آسفة. ليس للإشعار رصيد!

أضيفت في 30/03/2005/ خاص القصة السورية من مجموعته زقزقة العصافير

 

 

 

 

ثلاث ليالٍ من ليالي ألفِ ليلةٍ وليلة

 

1- شهرزاد الملكة:‏

 

.... ويروى أن شهرزاد، بعد أن استطاعت إغراء الملك شهريار بحكاياتها المسليّة المثيرة، وبحديثها الشائق المعسول، وجسدها الدافئ المخدّر، جعلته ينسى شيئاً فشيئاً صلَفه وغروره، وظلّت تسقيه من رحيق الغزل العذب، حتى انصاع إلى رغباتها مكسور القلب، وأرغمته على التنازل لها عن كرسي العرش، فتسنّمت سدّة الحكم، وأخذت تحكم البلاد، وتسوس العباد، ببراعةٍ وذكاء، حتى ذاع صيتها، وعمّ الآفاق....‏

ثم إن شهرزاد، عندما تمكنت من السيطرة على دفة الحكم، وكانت تشعر بما سامه الرجالُ بناتَ جنسها من ألوان المهانة والإذلال، قَدَحَتْ ذهنها، وعملت فكرها في الطريقة التي يتوجّب أن تعامل بها الرجال، لتأخذ بالثأر لجميع النساء اللواتي امتهن شهريارُ شرفَهن.... ولمّا كان منظر القتل يثير في نفسها(التقزّز والقرف) والامتعاض، لاعتقادها بأن(القوارير) لا يليق بهن سفكُ الدماء، انتهى بها الرأي إلى أن استدعت(مسروراً) الجلاد، وأمرته بأن(يحصي) الرجال في البلاد، لكن مسروراً الجلاد، لمّا كان يعلم ما آل إليه الحال من انحطاط وفساد، خاف مغبَّةَ عمله المشؤوم، وسأل الملكة شهرزاد أن تزوّده بكتاب موسوم بخاتمها السنيّ، فأمسكت شهرزادُ عن الكلام، وأخذت قلمها المصنوعَ من ريش النعام، وبلّلته بحبر السواد، وكتبت:‏

"من شهرزاد ملكةِ البلاد، إلى مسرورٍ الجلاد. اِحصِ الرجال، في الحال"‏

وانصرف مسرورٌ من(حضرة) الملكة مرتاعاً مشغول البال، ونسيَ ساعةً ما طلبت إليه الملكة، فوضع الكتابَ بجانب ذبالة مصباحٍ، وقضى ليلته مؤرّقاً حتى الصباح، وفي تلك الأثناء جاءت ذبابةٌ، وأخذت تحوم حول الضوء، ثم حطّت رحالها فوق صفحة الأمر الملكي، ووضعت (سقْطتها) فوق حرف الحاء...‏

ونهض مسرورٌ المهموم، فأعاد النظر في الكتاب، وشرع يقرأ الطلب المستجاب، وفوجئ بأمر الملكة العجيب وطلبها الغريب، وقد كتبت بخطها الناعم(اِخصِ الرجال)... وبعد لحظاتٍ من التفكير والتدبير، لم يستبعد نزوات النساء عندما يتحكّمن في الرجال، ضحك مسرور وقال: هذا أمرٌ يسير، ثم تناولَ عُدّته، وابتدأ عمله بهمةٍ ونشاط، من دون أن يلقى أيّ معارضةٍ، مبتدئاً برجال القصر، وأنشأ يخصيهم واحداً بعد الآخر، ومن دون أن يعبَأ بصيحات الرجاء والاستغاثة،....‏

ولمّا تناهى الخبر إلى الملكة شهرزاد، ضحكت كثيراً، ثم قالت:‏

-الحمد لله، لقد كفانا مسرورٌ الدجال، مؤونة التفكير في محنة الثأر من الرجال.‏

 

***‏

 

2- عودة السندباد:‏

 

... ثم إنّ السندباد بعد أن رأى الموت بأم عينيه مراتٍ ومرات، على أثر تحطّم سفينته، بعد عاصفةٍ هوجاء، في مياه المحيط الهدّارِ، ظلّ متشبثاً بقطعة خشبيةٍ من حطام السفينة، مكث فوقها ثلاثة أيام بلياليها.... تتناوشه آلامُ الجوع والخوف والتعب، وعند ما، مَنَّ عليه الرحمن بالوصول إلى شاطئ السلام والأمان، فحطّ الرحال مرهقاً مشتت النفس، تنّسم الهواء، وأيقن أنه قد كُتب له عمرٌ جديد، فيمّم الأنظار صوب المعمورة، حتى وصل المدينة، فدخلها، ولكنه وجدها على غير ما كان يعهد، إذ بهرته الأضواء الساطعةُ، والبهارج الخادعة، ثم وقفَ يتساءل عما حدث لهذا الزمان، فكل شيء رآه على غير ما يرام.... ثم ساقته قدماه باتجاه الشوارع العريضة، فوجدها، عامرة بأصوات القيان، التي تصدح كأنها أغاريد البلابل التي ترسل أعذب الألحان، على أنغام موسيقا النهوند والصبا والسيكاه، ورأى الناس سكارى وما هم بسكارى، وحاول أن يجد رجلاً واحداً يسأله، فلم يجد غير النساء أو أشباه النساء من الرجال، فتجرأ وأوقف واحدةً كانت تمشي مترنحة، وسألها عما يحدث في هذه المدينة، فتضاحكت ضحكةً طويلة حتى كادت تنقلب من فرط غبطتها، وقالت:‏

-صحّ النوم يا وسنان، أنت في مدينة(النسوان).‏

ولمّا سألها عن الرجال، قالت:‏

-إنّ شهرزاد، قد أمرت بخَصْي الرجال، فإن كان أمرها السنّي لم يصل إليك، فانتبهْ لنفسك، وارحلْ عن هذه المدينة في الحال.‏

وطاف السندباد تلك الليلة بالشوارع، تدفعه الدهشة وحبّ الإطلاع، فلم يجد غير نوادٍ مشرعة الأبواب، ونساءٍ متبّرجات يغنين ويرقصن ثملاتٍ متمايلات، كأن على رؤوسهن أسنمة جِمالٍ ولا تستر أجسادَهن سوى غلالاتٍ شفاّفة، تفوح منهن روائح العطر الأخاذ، وتفحّ من أجسادهن الشهوة الشبقة،....‏

وعقدت الدهشة لسان السندباد، لكنه ما لبث أن قَدَح زناد فكره، فقرّرَ أن يغادر المدينة لتوه، وهو يتمنى في قرارة نفسه لو أن العمر قد انتهى به قبل أن يرى ويسمع ما آل إليه حال هذا الزمان، وأهله، كما تمنّى لو أنه قضى مع مَن قضى مِن ضحايا العاصفة الهوجاء، وتساءل حائراً عن إمكانية العيش، ومواصلة الحياة في مدينة(الخصيان) بعد ما تسنّمت شهرزاد زمام أمر العباد والبلاد..... ثم وضع عصا الترحال على كتفه وسار من دون أن يلتفت إلى الوراء.‏

 

***‏

 

3- الطوفان:‏

 

ثم أدركت الوصيفة ذات المحاسن اللطيفة، أن سيدتها التي تتثاءب في خدرها قد أَلَمَّ بها الكرى، وأنّ طيفاً جميلاً يحوم حول عالمها. في هذه اللحظات، انسحبت متسللةً بهدوءٍ تجرّ أذيالها الطاووسية، لكن شهرزاد تنبّهت لحركتها، فصاحت بها، وأمرتها أن تعود لتمسك مروحةَ ريش النعام، وتبرّدَ الجوَّ فوق سريرها المصنوع من العاج، والأصداف، ثم قالت شهرزاد الملكة مخاطبة الوصيفة الماكرة،‏

-أراكِ مَلَلْتِ الخدمة، وأنتِ لا تزالين في مقتبل العمر؟! واحسرتاه على عمل الرجال!. كان الواحد منهم يدخل القصر للخدمة غلاماً، فلا يخرج منه إلاّ كهلاً؛ ولكن ماذا يفيد الكلام؟!‏

قالت الوصيفة ذات المحاسن اللطيفة: تُسَوّغ فعلتها:‏

-لقد سمعت(يا صاحبة الجلالة) العرّافةَ العجوز تُدمدم بأشياء غريبة، فأردت الخروج لاستبيان حقيقة الأمر.‏

فاستشاطت شهرزاد غضباً، وقالت:‏

-إذاً تحدث أمورٌ في المملكة، ولا أعلم بها... إليّ بالعرافات والراجمات بالغيب، وفاتحات المندل، ومبصّرات الرمل، وضاربات الودع، وقارئات الفنجان..... فلمّا صِرن بين يديها، سألتهن عما يحدث في مملكتها الأنثوية، أفادت العرافة الشمطاء:‏

-إنّ الينابيع قد جفّت، والمواسمَ قد أقحلت، وأتى الجراد على ما تبقى من الخضرة، فلم يترك خلفه إلاّ يباباً،، أو غَثاءً أحوى... وأنّ طوفاناً لا محالةَ قادمٌ، فالسماء ملبّدةٌ بالغيوم السود والريح تنفخ أبواقها، وتئنّ كأنها عزيف الجن.... وثمة خطرٌ داهم!!.‏

ثم نهضت شهرزاد فوق سريرها، فتكشّفت غلالاتها الحريرية عن جزءٍ من عورتها، وتساءلت:‏

-ما الحلُّ، يا صاحبات الشأن والطَول؟!‏

فردّت العرافة الشمطاء:‏

-الأمر في غاية البساطة، وما عليك يا صاحبة الجلالة، إلاّ أن تبتني قصراً منيفاً شاهقاً يناهز السحاب، فوق أعلى قمة في البلاد، وتقيمين فيه مع خصائص الوصيفات والخصيان، وتنجين فيه من هول الطوفان.‏

ثم إنّ الملكة شهرزاد، أعجبت بالفكرةِ، فانتقت أعلى قمةٍ على جبل(سنجار) وابتنت فوقه قصراً لا مثيل له في الروعة والفخامة ثم انتقلت إليه مع من تحب، ووضعت فيه من كل زوجين اثنين، حرصاً على بقاء النوع، وعدم انقراض الجنس، فكنتَ ترى العقاربَ والسحالي والثعابين وكلّ شيء مما لا يخطر على بال، من دون أن تفطن(سموّها) إلى الرجال.... ثم استدعت شهرزادُ العّرافةَ الشمطاء إلى غرفة العرش، وسألتها عن موعد الطوفان، فأفادتها" إنه سيحدث الطوفان عندما يطأ أولُ رجلٍ امرأةً تحت سماء المملكة"، لكن الملكةَ شهرزاد ضحكت كثيراً ثم قالت:‏

-أنسيتِ أن جميع الرجال صاروا مخصيين،‏

وكان السندباد، قد وصل في تلك الأثناء إلى قريته الصغيرة الوادعة، فسلّم على أهله وجلس، فغسلت له زوجه، رجليه بالماء الساخن والطيب، ثم أطعمته، ثريداً ولحماً، فامتلأ بطنه والتفت إلى أولاده فداعبهم، وعندما حان موعد النوم آوى إلى فراشه، فتمدّد عليه، ثم جاءت زوجه على أحسن حال من الزينة والبشاشة، تمشي على استحياءٍ، ودارت حوله ثلاث مراتٍ، وهي تقول بغنج أنثوي ودلالٍ:‏

-هل لك حاجةٌ؟‏

فقال:‏

-هَيْتَ لكِ.‏

ثم شدّها إليه ووطئها تلك الليلة.....‏

...... ثم تروي الأساطير، أن السماء جادت بمطرٍ غزيرٍ فوق مدينة الخصيان، فأغرقتها، وغمرت الأودية والشعاب، ولم تتوقف عن الجود بخيرها حتى بلغ الماء أعلى قمةٍ في جبل سنجار، وبدأ القصر يغرق بمدّ الطوفان، عندئذٍ، تعالى صُراخ النساء، وكثر عويلهن، وركضن مذعوراتٍ عاريات.... وسُمعت شهرزاد تنشج وتستغيث، وتندب متحسرةً:‏

-آه، لو كان معنا رجال!!!‏

وما هي إلاّ لحظات حتى طغى الماء، وحاصر القصر من جميع الجهات، فساد العالم صمت وسكون شامل.‏

 

أضيفت في 15/11/2004/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية