بدايات قصة الأطفال في سورية
بقلم الكاتب:
محمّد
قرانيا
نظرة تاريخية:
انشغل الأدب العالمي بأدب الطفل، وعلى الرغم من مرور هذا الأدب بالعديد من
المراحل التاريخية، إلاّ أن الاهتمام به جاء في ثلاثة القرون الماضية؛
بمعنى ابتدائه منذ عصر النهضة في أوربا.. ناقلاً مرحلةً كان يسيطر فيها
سابقاً أدب الشفاهية، على شكل حكايات وأساطير تناقلتها الألسن جيلاً بعد
جيل.. وفي وطننا العربي تشير المراجع التاريخية إلى أن أدب الطفل قد تأخر
كثيراً جداً مقارنةً مع انتشاره وتطوره في أوربا.
لقد لاقى هذا الجنس الأدبي قبولاً غريباً لدى الناس في الغرب والشرق كافة،
ويروي تاريخ الأدب أن قصةً واحدةً "كتبتها زوجة كاهن بروتستانتي" عن "جزيرة
البرنس إدوارد" حيث كانت تعيش في فقر وعزلة موحشة، قبل مئة عام، في مزرعة
كافنديش شمال الجزيرة على ساحل كندا الأطلسي، قد فعلت هذه القصة فعل السحر
في العالم. مع أنها قصة للأطفال تتحدث عن جزيرة تربتُها فقيرةٌ حمراءُ
اللون، لا تُنتج غير البطاطا، ولا تكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 140
ألفاً. وبسبب هذه القصة البسيطة أخذ السياح يتوافدون على الجزيرة كل عام،
بمعدل مليون وخمسمائة ألف شخص. وهذا يشهد على عظمة الأدب وشدة تأثيره في
وجدان البشر. فما الذي يدفع مئات الألوف لعبور القارات والبلدان (مئة ألف
زائر من اليابان فقط) إلى جزيرة صغيرة مناظرُها الطبيعية لا تختلف عن مناظر
الأماكن الأخرى في كندا، وفنادُقها أغلى سعراً؟!.
لقد بدأ العالم الغربي بإحياء فن رواية القصة، وما يتبعه من حكايات شعبية
من أجل مجابهة الواقع المادي، بكل صراعاته وآلامه، بزرع أمل رومانسي، وحلم
عاطفي، بنقاء الأرواح الإنسانية لتجاوز الصراعات والآلام، متفائلة بغد
مشرق.
يعدّ كتاب "حكايات أمّي الإوزّة" الذي صدر في فرنسا عام 1697 لمؤلّفه
"تشارلز بيرو"
(1628 ـ 1703) أوّل كتاب أدبي خاص بالأطفال، يحتوي على مجموعة من الحكايات
الشعبيّة تشكّل بداية مرحلة جديدة في تاريخ تطوّر أدب الأطفال، إذ ظهر
مستقلاً عن الآداب الشّعبيّة. ومنذ ذلك الزمن بدأ أدب الأطفال في استقطاب
أجناس متعدّدة من التراث، وظلّت الحكاية الشعبيّة في ألمانيا موجّهة للكبار
حتّى أصدر "الأخوان جريم" (يعقوب 1785 ـ 1863، وفلهلم ـ أو ـ وليم 1786 ـ
1859) الجزء الأوّل من كتابهما "حكايات الأطفال والبيوت" عام 1812 وفي
نهاية عام 1914 ظهر الجزء الثاني. ولم يجد أيّ صعوبة في تقديم الحكايات
الشعبيّة للأطفال، ثم كانت النقلة النوعية بظهور كتاب "أليس في بلاد
العجائب" عام 1846 الذي عدّه النقاد (البركان الروحي) لأدب الأطفال، جاء
بعده الكاتب الدانمركي "هانس كريستيان أندرسن" (1805 ـ 1873) بأقاصيصه التي
عُدّت بداية العصر الرومانتيكي، والتي لا يزال الأطفال يتداولونها حتى
اليوم، بعد أن ترجمت إلى لغات العالم.
في عام 1930 بدأ الحديثُ عن "أدبيات الطفل" يتردد على ألسنة المربين العرب
والكتّاب في الدوريات العربية، وظهرت إلى الوجود ملامح تأصيل جنس أدبي
للطفل، وقبل هذا التاريخ، كانت كتب الأطفال تقتصر اقتصاراً ـ يكاد يكون
تامَّاً ـ على الأغراض التعليمية "مادةً للقراءة المدرسية" تهتمّ بالمحصول
اللغوي، وتدعو إلى القيم والآداب الحميدة، والتمسك بالدين، ثم وُجدت أصوات
تدعو إلى ضرورة الاهتمام بالتأليف للأطفال بعيداً عن التعليم، وبدأت تستحوذ
على اهتمام المختصين في مصر الشروطُ الواجب توافرها في الكتب الموجهة
للصغار، سواء من حيث الشكل، أو من حيث المضمون، محاولةً منهم لحثّ كُتَّاب
الطفل على تقديم الأفضل، وقد أشاد "د. زكي مبارك" برائدين، فقال: "أشهر
المؤلفين في هذا الباب رجلان: محمّد الهراوي، وكامل الكيلاني، وهما بعيدان
عن التدريس". (1)
لقد نجحت القصة الطفلية ـ في مصر، خاصة ـ في الاستفادة من التراث، ولعل سبب
نجاحها في هذا التوّجه، عائدٌ إلى طبيعة الجنس الأدبي القصصي، الذي رأى في
التراث جانباً درامياً بتسليط الضوء على ثنائية التضاد، أو المفارقة الفنية
في الخير والشرّ، والحق والباطل، والعدل والظلم، والجمال والقبح، مستغلةً
ما استوحته في ذلك من التراث الشعبي الموروث. كسِيَر "عنترة، وذات الهمة،
والملك الظاهر بيبرس، وسيف بن ذي يزن، وعلي الزيبق، وشهرزاد، والسندباد..."
وسواها من السِيَر التي اجتمعت في شخصيات أبطالها، إلى جانب الصفات
الإنسانية، جوانبُ سحرية خارقة، مما جعل "السيرة الشعبية تمثّل ذخيرةً
عربية لا تنفذ مهما قُدّمت في أشكالها، وزاداً لا ينتهي، حينما تغدو مصدراً
جيداً من مصادر ثقافة الطفل، لا تقلّ أهمية ـ إن لم تكن تتفوّق ـ على هؤلاء
الأبطال المعاصرين، الذين يتفوّقون بالحاسوب وغيره من الأدوات العصرية"
التي يمكن الاستفادة منها في تشكيل وجدان الطفل. (2)
في المصطلح والهدف:
إن مصطلح "أدب الأطفال" يعني الأدب الموجه إلى الصغار بالتعبير الاصطلاحي،
لأن مُجمل عملية إنتاج أدب الأطفال تحمل في مراحلها المختلفة خصوصية عناصره
ومجمل أهدافه أيضاً، ومن ثم، فإن القنوات والوسائط التي يمر منها هذا الأدب
على عالم الصغار تؤدي إلى تلقيه وانتشاره. لذلك فهو يتوجّه بصورة عامة إلى
مرحلة الطفولة المحددة، التي يُكتب لها، من دون أيّ اختلاف في روح الأدب
ذاته. فحين نتحدّث عن "أدب الراشدين" أو الموجه إلى الكبار، فإننا لا
نستعمل هذا المصطلح، بل نكتفي بلفظ "الأدب" من دون إضافة كلمة الكبار. ومن
جهة أخرى، فليس هناك أيّ تمديد لأجيال الكبار وملاءمة الأدب لها. إذ يُكتب
الأدب للكبار من جيل الثامنة عشرة، وما فوق، من دون أيّ فصل بين مراحل هذا
الجيل. وهنا تبدو خصوصية أدب الأطفال الذي يعدّ الأدب الوحيد الذي يلتصق
اسمُ نوعِه باسم متلقّيه، ويراعي فيه الكاتب المستويات الفكرية والمعرفية
لجمهوره، ولا يكون ذلك من خلال مستوياته الفكرية والمعرفية هو ككاتب مبدع،
وإنما من خلال جمهوره، لأنه يدرك من البداية أن المتلقي الذي ينتظره في
نهاية بحر الإبداع هو طفل، وأن عليه أن يحدد قاموسه المعرفي واللغوي
وتركيبه الفسيولوجي والبيولوجي، لتحديد ميوله الفكرية، والانطباعية للفكر
الذي يتلقاه، فيستعيد ذاكرته وغرائزه الطفولية بفكر واع لكاتب مبدع.
إن مصطلح أدب الأطفال، يطلق على "الأدب المكتوب للأطفال بصورة خاصة، ويتميز
بملاءمته لمراحل الطفولة المتعددة والمختلفة" (3) وهذا من شأنه التمييز في
المصطلح، بين الأدب، وروح الأدب، والتي يصعب تساويهما عند طفل وكهل. تماماً
كما هي روح الإنسان؛ الروح واحدة، وإن كانت في جسد طفل، أو في شخص رجل
كبير.
إن أهم ما يميز أدب الأطفال من أدب الكبار، هي فكرة التناسلية؛ أي مراعاة
المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل. كما أن الطفولة نفسها ليست مرحلة
واحدة، فما يُضحك طفلَ العاشرة قد يثير رعباً أو خوفاً لطفل الخامسة، ولهذا
يراعي الأديب ذلك في مضموناته، وفي لغته، وفي كل تفاصيل الجنس الأدبي الذي
يقدمه للطفل.
لو تتبعنا بدايات أدب الأطفال في سورية سنجد أن ميلاد الشعر كان سبّاقاً
للقصة، وذلك لأن الشعر الطفلي نشأ في ظل التربية والتعليم، وكانت المدارس ـ
ولا تزال ـ تثبت القصيدة في كتبها بين مواد القراءة والإنشاء والمحادثة،
وهي تغري الطفل بإيقاعها الغنائي، وبالحفظ والاستظهار الحرفي أكثر من أيّ
مادة تعليمية أخرى، فضلاً عن أن المطبوعات الخاصة بالطفل التي تُنشر بجهود
خاصة، أو في دور نشر تجارية، تؤكد على أن الشعر فنياً سبق القصة في هذا
الاتجاه، فقد نشرت المكتبة الهاشمية بدمشق عام 1937 كتاب "الاستظهار المصور
في أدب البنين والبنات" في حلقتين، لـ "جميل سلطان".
إن جميع الذين كتبوا للصغار انطلقوا من المدارس، وكان غرضهم رفد مناهج
التعليم التي تسعى إلى ترسيخ قيمٍ تربوية مرتبطةٍ بالقيم الروحية، ولكنها
غالباً ما تقدَّمُ بأسلوب الوعظِ، وإزجاء النصح، ثم خفتت هذه النزعة مع
تقدّم الزمن، وازديادِ الزخم القومي، بسبب توالي الأحداث التي عصفت بالوطن.
فاتسعت القيمُ الخلقيةُ إلى جانب القيم القومية، وهذا من شأنه الإخلال
بتوازن المنظومة. نظراً لعدم التكامل في العطاء والتوجّه. وقد لعبت
التناقضات السياسية دوراً بارزاً في دفع الشاعر للتطلّع إلى الأفق القومي.
في حين تأخّرت القصة كثيراً عن هذا التاريخ، إذا اعتبرنا القصص الدينية،
وغيرها من القصص الشعبية، واللوحات الحكائية المدرسية الأخرى التي تشبه
موضوعات التعبير، ذات الأسلوب الإنشائي العالي، خارج إطار القصة الفنية،
والتي تخلو من معايير التربية الحديثة بأهدافها القيمية.
يدرك الأدباء، ويؤكد النقاد، على أن القصة شيء من غذاء العقل والخيال
والذوق عند الأطفال، وهي تتيح للأطفال أن يطوفوا على أجنحة الخيال في عوالم
شتى العوالم، ويلتقوا بأشخاص قد يشبهونهم أو قد يسعدهم التشبّه بهم،
ويتجاوز الأطفال في قصصهم أبعاد الزمان والمكان، فيجدون أنفسهم في يومهم
هذا، أو يجدونها في عصور غابرة، أو عصور لم تأت بعدُ، ويقفون عند حوادث
حصلت بالأمس، أو قد لا تحدث مطلقاً، ويتعرّفون على قيم وأفكار وحقائق
جديدة. وهم شديدو التعلّق بالقصص، يحبون أن يستمعوا إليها، أو يقرؤوها
بشغف، يحلقون في أجوائها، ويتشبّعون بما فيها من أخيله، فيتجاوزون من
خلالها أجواءهم الاعتيادية، ويندمجون بأحداثها، يتعايشون مع أفكارها،
خصوصاً وأنها تقودهم بلطف ورقة وسحر إلى الاتجاه الجمالي الذي تحمله، إضافة
إلى أنها توفر لهم فرصاً للترفيه وتزجية أوقات الفراغ في نشاط ترويحي،
وتشبع ميولهم إلى اللعب، وهي بذلك ترضي مختلف المشاعر والأمزجة والمدارك
والأخيلة، بوصفها عمليةَ مسرحةٍ للحياة والأفكار والقيم.
والقصص بفضل مسرحتها وما فيها من معان أصبحت وعاءَ تجسيدٍ للثقافة، ما دامت
الثقافة أسلوباً للحياة إذ إنها تجعل للحياة أبعاداً جديدة، فتبدو معقدة أو
مشوقة أو غريبة أو قريبة إلى حياة الطفل (4) ومن ثم لا يمكن إغفال الدور
الثقافي للقصة في الطفل فهي تحمل مضموناً ثقافياً من خلال ما تتضمنه من
أفكار ومعلومات علمية وتاريخية وجغرافية وفنية وأدبية ونفسية واجتماعية.
أنموذج من قصص البدايات:
لم تكن القصة معروفة كجنس أدبي في الكتاب المدرسي، فقد كانت تتغلغل كنص
للقراءة الصامتة والجهرية في كتاب القراءة، وعلى سبيل المثال فقد ورد نص
شبيه بالقصة في كتاب الصف الخامس الابتدائي المقرر عام 1954 ص 105 بعنوان
"لا سحر في الكلمات" بالصيغة الآتية:
1 ـ كان سعيد طفلاً مهملاً، ففي يوم واحد ترجّح على غصن شجرة التفاح فكسره
وتسلّق شجرةً ومعه دميةُ أخته، فمزق ضفائرها حتى صارت خيوطاً، واصطدم بطبقٍ
جديد فكسره، وبعد كل حادث كان يبادر فيقول: "إني آسف" وكان سعيد يعتقد أن
تمنحه هذه الجملة العفو والغفران.
2 ـ وفي اليوم التالي، وكانت الأسرة تتناول عشاءها، أسقط سعيد قشدة اللبن
على غطاء المائدة غافلاً فقال: "إني آسف" فما كان من والدته إلاّ أن خلعت
مئزرها الأبيض، وجعلته عمامة على رأسه بدل تأنيبه، وناولته عصا من زجاج
انتزعتها من حامل المناشف، وقالت لـه: "أنت الآن ساحر وهذه عصاك السحرية
فردد الكلمة السحرية "إني آسف" عشر مرات على بقعة القشدة هذه "فأطاع أمرها،
وظل سائر أفراد العائلة يكتمون ضحكهم، فلما انتهى، قالت لـه "هل زالت
البقعة؟" فقال سعيد وقد خنقته العبرات: "لا. إنها لن تزول حتى إذا قلت "إني
آسف" مليوناً من المرات"، فقالت له أمه: "هذا ما أردت أن تعرفه، فإن كلمة
"إني آسف" لا تمحو بقعةً كان من الممكن أن نتجنبها بشيء من الحذر
والانتباه".
ولم تعد والدة سعيد تذكر له الإهمال، لأن عصا الزجاج كانت تنتظره.
تعليق:
أُدرجت القصة بين دروس القراءة، من دون أن تكون فيها إشارة تميّزها من
غيرها، ولا شيء يدل على أنها قصة، ويمكن أن نلاحظ أن:
1 ـ جملها طويلة.
2 ـ لغتها عالية جداً. وصيغة العنوان ليست سهلةً
3 ـ قسمت القصة إلى مقطعين. وبرزت فيها شخصيتان، في حدث أسري منزلي، ولكنها
لم تراعِ أسلوب كتابة القصة، من حيث التنسيق الكتابي، فامتزج الحوار
بالسرد.
4 ـ حرصت القصة على خصوصية العنوان، فجعلته في ثنايا السرد بين هلالين
صغيرين.
5 ـ اعتمدت القصة على الأسلوب المباشر في العرض، فقررت: "كان سعيد طفلاً
مهملاً" ولم تترك للطفل المتلقي أن يستنتج تلك القيمة/الإهمال، بنفسه، ثم
ابتعدت القصة عن المباشرة حين اعتمدت على الاستنتاج، وطرح قيمة ضمنية،
تجلّت في وقوف سعيد بنفسه على خطئه، لكن المباشرة ما لبثت أن تدخلت، حين
أكّدت الأم على العبرة والمغزى في النهاية بقولها: "هذا ما أردتُ أن
تعرفَه، فإن كلمة "إني آسف" لا تمحو بقعة كان من الممكن أن تتجنبها بشيء من
الحذر والانتباه".
6 ـ حافظت القصة على وظيفتها التعليمية التربوية، بما تضمنته من قيم تندرج
في إطار العلاقات الاجتماعية كالحفاظ على الأثاث المنزلي، وحب النظافة،
واحترام رأي الأم، ومراعاة السلوك الأمثل في آداب المائدة، وتصّورٍ عام لما
يجب أن يكون عليه الإنسان في حياته، وعلاقاته مع الآخرين. كما رسمت لـ (
الساحر) سمتاً ذا خصوصية معينة، يقوم على الإضحاك.
7 ـ حافظت القصة بحساسية مرهفة على خصوصية دور الأم الذي ارتبط بالتدبير
المنزلي وجعلته الغاية المثلى، والهدف الأول.
شهادات:
تنبّهت وزارة التربية إلى الصورة الجديدة التي يجب أن يكون عليها الطفل
العربي، فخرجت بمنهاج جديد للمرحلة الابتدائية، نظمه القرار 1285 تاريخ
17/9/1967 تتلخص بنوده بـ: "خلقِ فردٍ ذي شخصية متكاملة منفتح على الحياة
والعلم.." وراعى أن تكون القصة من صميم المطالعة، وخصّ كلاً من الصفين
الخامس والسادس بكتاب ذي موضوع (شبه قصصي) لكل صف، الأول أعدّه "منير
الخير" بعنوان "قصص قصيرة" طبع وضم ست قصص يبدو أنها مترجمة، باستثناء قصة
"شجرة الليمون الصغيرة" والثاني "قصص مختارة" طبع عام 1970 وهو من إعداد
"يوسف بنا وعادل زريق" وقد استقيا مادته من كتابات عربية سورية لـ "أديب
نحوي،
وعبد الرحمن الباشا، وعبد الله عبد" ومن مادةً للمستشرقة الألمانية "زيغريد
هونكه" وجزءاً من مذكرات "فالنتينا" رائدة الفضاء السوفياتية، ومسرحية
"قطرة الماء" لـ "سليمان العيسى" وترجمة لـ "أبي بكر الرازي".
وقد وجد المربون أن القصة تحقق الصورة المأمولة التي رسمها المنهاج
المدرسي، فجعلوها تتغلغل في كتب المرحلة الابتدائية، وجعلوا من بين أهدافها
الاستمتاعَ والترفيه، الذي لا يخلو من قيم خلقية وتوجيه تربوي، وهذا اللون
من القصص المدرسية يختلف عن القصص التي بدأ الكتّاب ينشرونها مجموعات
خاصةٍ، تراعي الاعتبارات الفنية العامة لأدب القصة، وتستفيد من خبرات الأمم
الأخرى، في ما أنتجه هذا الفن الجديد والصعب. وقد كان كتاب "فن الكتابة
للأطفال" للباحث المصري "أحمد نجيب" (دار الكاتب العربي. القاهرة 1969)
مرجعاً للعديد من كتّاب أدب الأطفال ونقاده في سورية.
إن البدايات القصصية تحمل سمات الكتابة العفوية التي قد لا تقترب من مقومات
القصة الفنية، وهذا ما جعل بعضها يغرق في المباشرة. لأنها لم تنطلق من رؤية
إبداعية مستندة إلى مرجعية تراثية، بقدر ما كانت تراعي النظرات التربوية،
لأن جل كتابها كانوا من المعلمين وليسوا من الأدباء المبدعين، وحتى الكتاب
المتمرسون لم يكونوا على بيّنة من أمرهم، وما اصطادوه من حكايات منثورة في
كتب التراث وقصص العرب، وأخبار التاريخ فيبسّطونها، أو ينقلونها بعفوية
ويضفون عليها شيئاً من أفانين العصر.
ولكن على الرغم من بساطة البدايات وعفويتها، وعدم مراعاتها السمات الفنية
للقصة الطفلية، فإنها شكلت جذوراً تاريخية على الصعيد الأدبي، ساعدت الكتاب
على تطويرها شيئاً فشيئاً. حتى بدأت تقف على رجليها، وتحديداً إثر نكسة
حزيران عام 1967 التي كانت أشبه ببوق الخطر الذي نبه عقول المثقفين إلى ما
يحلّ بالأمة، وأدخل في روعهم أنه لم يبق لها أمل إلاَّ في جيلها الناشئ.
إن من أسباب تأخّر القصة الطفلية عن الشعر في سورية، أن شعر الأطفال كان
بصورة من الصور امتداداً لديون الشعر العربي، بينما دخلت القصة في المنهاج
المدرسي من دون جذور تاريخية واضحة، وما جاء مستحدثاً منها، ليس سوى لوحات
قصصية، وأنها لم تولد ولادة حقيقية في المكتبة السورية إلاَّ بعد أن التفتَ
للاشتغال بها ثلاثةُ كتاب، كان لهم باعهم الطويل في الكتابة القصصية
والروائية، هم "زكريا تامر وعادل أبو شنب وعبد الله عبد" وربما كان لـ "تامر
وأبو شنب" دورٌ كبير في إغناء التجربة الطفلية بصورة عامة، فقد ساعدا ـ
بحكم موقعهما الإداري والأدبي في مؤسسات الدولة الثقافية ـ على إصدار مجلات
وصفحات في الصحف اليومية، فكان لذلك أبعد الأثر في تنبيه الرأي العام
الثقافي إلى هذا الجنس الأدبي الوليد، وقد توالى الاثنان على رئاسة تحرير
مجلة أسامة.
لقد كانت هزيمة عام 1967 مؤشراً هاماً على تحوّل الكتابة بصورة عامة وأدب
الأطفال بصورة خاصة، يقول "سليمان العيسى": (5)
"وذات
يوم أفاقت أمتنا العربية على كارثة من كوارثها المتلاحقة على نكسة حزيران..
في هذه الزوبعة السوداء الخانقة، التفتُّ إلى الأطفال، رأيت في عيونهم غد
الأمة العربية ومستقبلها، فتساءلت: لمَ لا أتجه إليهم؟ لمَ لا أكتب لهم؟
لمَ لا أنقل إليهم همومي كلها؟. الشهيدُ الذي يسقط على أرض المعركة وهو
يقاتل الغزو الأسود، لا أستطيع أن أنتقم لـه بأحسن من أغنية تحمل قطرة من
دمه، وتتردد حارةً على شفاه الأطفال.. نتوارى نحن. نيبس. نجف. ويأتي
أطفالنا أمواجاً متلاحقة ترفد المد العظيم.. من إيماني بهذه الحقيقة
الصغيرة الكبيرة المتواضعة الشامخة بدأت رحلتي مع الصغار، أخذت أكتب لهم.
أغني معهم. أنفق الساعات الطويلة بينهم أختار لهم الكلمة المشرقة،
والموسيقا المعبرة".
وينطلق "زكريا
تامر"
من التوجه الوطني والقومي نفسه، فيعبر عن عجز الكبار من خلال الأمل في
الصغار، قائلاً: "عندما جاءت حرب حزيران ونتائجها ازداد ارتباطي بالواقع،
وصار أكثر حدةً وصرامة، وابتدأت أنظر إلى الصغار نظرة مختلفة. إنهم الجيل
الذي سيُطلب منه في المستقبل أن يجابه عدواً شرساً، ولذا فلا بد من منحه
الوعي وإرادة التحدي، والرغبة العميقة في التغيّر والحفاظ عليه.. لابد من
أن يكون جيلاً قادراً على التضحية في سبيل العدالة والحرية والفرح". (6)
لكن تجربتي كل من "دلال
حاتم،
ولينا
كيلاني"
تبدوان مخالفتين للشهادتين السابقتين، فقد اعترفت الكاتبتان بأنهما لم
تستطيعا الكتابة للأطفال إلاَّ بعد محاولتيهما في ترجمة القصص الأجنبية،
تقول "لينا كيلاني": "لم يكن يفصلني عن عالم الطفولة زمن طويل، وأنا طالبة
جامعية في السنة الأولى، عندما وجدت لديّ الحماسة الكافية لأن أغامر
بالكتابة للأطفال، وقد كنت لا أزال مشبعة بروح الكتب الكثيرة التي قرأتها،
والأفلام، والمسرحيات، وباختصار، عالم الطفولة الكامل.
وكان لاتصالي بالطبيعة، وأنا في كلية الزراعة أثرٌ كبير في أن أكتشف الصلة
بين الأشياء وبين الحياة، فكأن الشجرة كانت تتكلم، والطير يلبس شخصية طفل
منطلق، وهكذا..
وتدريجياً بدأتْ تنضج لديّ فكرةٌ كلما تدرجت في دراستي العلمية، بأن أحوّل
هذه المعلومات إلى قصص جذابة ومشوّقة للأطفال تمنحهم المتعة والمعرفة معاً،
وبدأت أتجرأ على الكتابة بعد أن ترجمت من الإنكليزية بعض القصص للأطفال،
فوجدت أن أفكاري أيضاً يمكن أن تصبّ بقالبٍ قصصي، شبيه بما ترجمت، فكانت
نقطة البداية، وكم كانت فرحتي كبيرةً عندما نُشرت لي قصتي الأولى عام 1976
وكان هذا أكبر تشجيع لي". (7)
وتعترف "دلال
حاتم"
بعدم اطّلاعها على أدب الأطفال، عندما دخلت رحابه، وأنها لم تبدع قصةً
إلاَّ بعد أن اطّلعت على هذا الفن في لغة أخرى فترجمت منها، تقول: "عندما
طلبت مني مجلة "الموقف الأدبي" أن أتحدّث عن تجربتي في الكتابة للأطفال،
تملكتني رهبةٌ، أحسست أنني ما أزال بحاجة إلى سنوات كثيرة كي أتابع خلالها
الكتابة، لأتمكن من التحدّث عن تجربتي. أما الآن، فتجربتي ما تزال طفلاً
يحبو، وككاتبة للأطفال لا أجد ضيراً في الاعتراف بأنني ما أزال أقف على
شاطئ هذا الجنس الأدبي، وأنني أخشى اقتحام مياهه العميقة.
لم يكن لي أيّ تجربة سابقة قبل عام 1970 فجأة وجدت نفسي أُندب للعمل في
مجلة "أسامة" ومعنى هذا أن أساهم في تقديم مادة يقرأها الأطفال على صفحات
المجلة.
كانت هنالك مجلات كثيرة ترد إلى إدارة المجلة، فبدأت بالمطالعة المركزة،
ووضعِ الملاحظات في محاولة مني للإمساك بطرف الخيط. كانت لديّ الرغبة في
الكتابة، ولكن الخوف يلجمني، كنت كمن أُلقي به في فراغٍ يحاول التمّسك بأيّ
شيء ليتخلّص من حالة انعدام الوزن.
بدأت الترجمة عن اللغة الفرنسية ـ قد تكون هذه البداية خطأ ـ ولكن هذا ما
فعلته. وضع زميلي الأستاذ سعد الله ونوس ـ وكان رئيس تحرير وقتذاك ـ أصابعي
في الشق. اعتذرت أنني لا أملك تجربة سابقة، فقال لي: وأنا أيضاً لا أملك
تجربة سابقة، ولكن هنالك حجم عمل علينا أن نقوم به.
مع متابعتي لمطالعة مجلات وكتب الأطفال التي ترد إلى إدارة المجلة، بدأت
بمطالعة كتب أخرى في علم النفس وتربية الطفل لأفهم القارئ الذي أتوجّه
إليه.
كانت نكسة حزيران ما تزال جاثمة على صدورنا، ومرارتها كالعلقم في فمنا،
فتوجهت إلى القصص الوطنية، وكانت أول قصة من تأليفي نشرت على ثلاث حلقات في
مجلة أسامة، بعنوان (الغريب).." (8)
دور النشر الخاصة:
على الرغم من الدور الاستباقي الذي اتجهت إليه دور النشر الخاصة في مرحلة
مبكرة نحو الطفولة، إلاَّ أنها لم تلعب الدور المنشود في إيجاد قصة طفلية
ذات ملامح فنية، فكثيرٌ من منشوراتها كان معتمداً على القصص الدينية التي
تبسّط السيرة النبوية للصغار، إلى جانب القصص المستمدة من ألف ليلة وليلة،
والسِيَر الشعبية، كرحلات السندباد وعلاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا
والأربعين لصاً وجحا وقراقوش.. وقد كان لدور النشر هذه أن تلعب دوراً
بارزاً في الحياة الأدبية والثقافية لولا نزعتُها التجارية البحتة، التي
تجلّت في إهمال تاريخ النشر وعدم ذكر اسم المؤلف، والمترجم، ومكان الطباعة،
فضلاً عن أنها لم يُهيأ لها كاتب أديب جادٌّ كالذي تهيأ لدور النشر
المصرية، من أمثال كامل كيلاني، الذي قام باستلهام حكايات ألف ليلة وليلة،
وبسّطها وقدّمها للأطفال، وكان أوّلها السندباد البحري عام 1927.
ومع ذلك فإن قلةً من دور النشر السورية عمدت إلى تبسيط الروائع العالمية،
كقصة مدينتين، لـ "تشارلز ديكنز" ومسرحيات "شكسبير" التي بُسّطت بقالبٍ
قصصي، وحول العالم في ثمانين يوماً، إضافةً إلى تبسيط المؤلفات العربية،
كقصص
ألف
ليلة وليلة،
وسِيَر الأبطال وعظماء العرب والمسلمين، وكان لدار الشرق بحلب الدورُ
البارز والرائد في هذا المجال، إذ ابتدأت مشروعها الجديد في نشر كتب
الأطفال العربية والعالمية، في عهد الوحدة السورية المصرية، وقد حرص صاحبها
"عبد السميع عفش" على ذلك، بعد أن كان يغذّي مكتبته بقصص الأطفال المصرية
واللبنانية.
وكانت السمة العامة لقصص الأطفال في مرحلة البدايات، أنها كانت تراعي
الثقافة السائدة، وتعبّر عن المزاج العام في الستينيات وما قبل، فقد التفتت
التفاتة تاريخية إلى أبطال العرب بصورة خاصة، نقلت من خلالها الجانب الذهبي
من الحضارة العربية، وكان لمكتبات حلب الدور الأول في بعث هذا اللون، وعلى
رأسها مكتبة ربيع، ومكتبة الشرق، ومكتبة البلاغة، وأكملت مكتبات دمشق
الدور، كدار الفكر، ودار كرم، ومكتبة الزهراء، ودار الجليل، ومكتبة أسامة،
كما كان لمكتبة التراث في دير الزور دورها اللاحق، وكذلك مكتبة الغزالي
بحماة.
الكتابات الجادة:
في مرحلة ما بعد نكسة حزيران، بدأت الدراسات النقدية تقف على الملامح
العامة والخاصة لأدب الطفل، والقصة منه على وجه التحديد، فرأت ضرورة تعرّف
الكاتب على جمهور الأطفال الذي يكتب له، والمعرفة تعني الاطّلاع على جوانب
النمو المختلفة (الذهنية، والنفسية، والاجتماعية، واللغوية) التي يمر بها
الطفل، وذلك لأن كثيراً من الأخطاء التي يقع فيها الأدباء، سواء في المضمون
أو في البناء الفني، مرّدها عدمُ اطّلاع الكتاب والرسامين عما يناسب
الأطفال، وما يحتاجون إليه.
لقد حظيت القصةُ الطفلية في سورية باهتمام النقاد أكثر مما حظي به الشعر،
فقد توفّر على دراستها عددٌ من النقّاد من أمثال "د. سمر روحي الفيصل" و"د.
عبد الله أبو هيف" و"د. عبد الرزاق جعفر" ثم " علي حمد الله" و"نزار
نجار"
و"د. عيسى الشماس" وسواهم، ممن تركّزت دراساتهم حول ضرورة الاطّلاع على ما
كُتب من دراسات وبحوث حول أدب الطفل، ومراعاة الخصائص الموضوعية والفنية
له، التي توصّل إليها أولئك الدارسون.
لقد ابتدأ الكتّاب كتابة القصة من دون أن تكون في أذهانهم رؤيةٌ واضحة
لمقومات هذا الفن، الذي قد يلتقي مع فن الراشدين، وقد يختلف عنه في الموضوع
والمعالجة، فلم يكن بين أيدي الكتّاب آنئذ تعريف واضح، ولم يصدر مثل هذا
التعريف على الصعيد المحلي إلاَّ بعد أكثر من عشر سنوات على البدايات
الجادة، فنقرأ على سبيل المثال لـ "سمر روحي الفيصل" قولَه: القصة "جنس
أدبي نثري قصصي موجّه إلى الطفل، ملائم لعالمه، يضم حكاية شائقة ليس لها
موضوع محدّد أو طول معين، شخصياتها واضحة الأفعال، ولغتها مستمدة من معجم
الطفل، تطرح قيمة ضمنية، وتعبّر عن مغزىً ذي أساس تربوي مستمد من علم نفس
الطفل". (9)
وسادت لدى النقاد والكتّاب رؤية فنية ترى أن قصص الأطفال عبارة عن موضوع،
أو فكرة لها هدف، تمثل صورة الإبداع الفني التعبيري، تصاغ بأسلوب لغوي
محبّب، لأن الأطفال بطبيعتهم يميلون إلى سماع القصة، وينامون في هدوء عند
سماعهم لحكايات أمهاتهم وجداتهم. وأن أكثر أنواع القصص الطفلية فائدةً
للصغيرة ما كان مستوحىً من البيئة القريبة، ونقصد بذلك بيئة الطفل المنزلية
الصغيرة التي يتفاعل معها، والتي تشارك في تنشئة عناصر شخصيته وتكوينها من
خلال النماذج المختلفة، فتكسبه العديد من المهارات التي تشارك في بناء هذه
الشخصية الغضة.
وقد تعدّدت موضوعات القصة في أدب الأطفال، وتنوعت شخصياتها العفوية منها
والمدروسة بعناية، في المطبوعات التي صدرت عن المؤسسات الحكومية، فوُجدت
القصص الاجتماعية، وقصص الحيوان، وقصص البطولة والمغامرة، وقصص الخوارق
والأساطير والحكايات الشعبية، والقصص التاريخية، وقصص الفكاهة، وقصص الخيال
العلمي. وقد راعت معظمها العناصرَ المطلوبة في الأسلوب المعتمد على الوضوح
في كتاب القصة، ودقة التعبير، والبساطة في تناول الموضوع، وجمال العبارة.
ولكن ما يلاحظ هنا أن معظم هذه القصص لم تحدّد الشريحة الطفلية، أو المرحلة
العمرية التي تتوجّه إليها، تبعاً لمراحل النمو اللغوي عند الطفل.
وقد كانت وزارة الثقافة والإرشاد القومي الجهة الرسمية الأولى التي أخذت
زمام المبادرة، في طباعة الكتب ونشرها وتوزيعها، ولكن ما يلفت الانتباه أن
خطة الوزارة في بداياتها كانت غايتها إيجاد كتاب للطفل فحسب، لذلك كان
اللون الطاغي على مطبوعاتها في السنوات الأولى الكتابَ المترجم. وهذا لا
يعني عدم الاعتراف بالدور الرسمي الرائد الذي قامت به على صعيد نشر الكتاب
الطفلي أولاً، وإصدار مجلة أسامة ثانياً، ثم إجراء مسابقة لكتابة القصة
الطفلية ثالثاً، ورابعاً إصدار كتاب أسامة الشهري. ومن ثم إصدار أعدادٍ
ممتازة وخاصة من مجلة المعرفة، غدت مع الزمن من المراجع التي لابد منها
للمتخصصين.
القصة في مجلة أسامة:
يعدّ صدور مجلة أسامة مطلع شهر شباط عام 1969 الخطوة الجادة الأولى نحو
تأصيل فن أدبي للأطفال على الساحة السورية بصورة خاصة، والعربية بصورة
عامة. وقد غدت وسيلة اتصال هامة من الوسائل الضرورية لثقافة الأطفال، وحققت
أول لقاء للطفل مع الثقافة والعلم والأدب والفن، لأنها لعبت دوراً هاماً في
تقديم خدمات معرفية جليلة.
لقد كان من أولى مهمات مجلة أسامة مراعاة اختيار الموضوعات والمواد التي
تقدّمها لقرّائها الصغار، ومحاولة معرفة الشرائح العمرية التي تتوجّه
إليها، بغية تحقيق الحاجات الأساسية للنمو، والتوافق مع الميول، ومستوى
التطوّر العقلي واللغوي والاجتماعي، الذي يضع الطفل في عصره، وإعداد الجيل
لعالم الغد، والتعامل مع تكنولوجيا العصر بروح علمية وعقل منفتح، إضافة إلى
الحرص على تحقيق الانتماء للوطن والحضارة العربية والتراث، وتمثّلِ قيم
الدين الحنيف.
إن كلمة "أسامة" التي حملت عنوان المجلة، هي اسم علم جنس الأسد، والأسد ملك
الغابة، ورمزٌ للقوة والشجاعة، وهذا ما يؤهله لكي يكون أنموذجاً للبطولة
والمغامرة التي يحبها الأطفال، وهي تحيل إلى فن القصّ، فثمة أكثر من إشارة
وردت في العدد الأول توحي أن التسمية، لشخصية إسلامية، هي "أسامة بن زيد"
حب رسول الله (، وكان فتى شجاعاً، عُرف بالحكمة والأمانة والإخلاص، وهو
أصغر قائد في الدولة العربية يقود جيشاً باتجاه بلاد الروم، ويهزمهم شر
هزيمة، والذي يُرجّح هذا الرمز، وجود قصة تاريخية في العدد الأول، كتبها
"محيي الدين صبحي" بعنوان "بطولة أسامة بن زيد" كما نشرت في العدد الأول
أيضاً قصة ثانية مسلسلة، بإسقاطٍ معاصر، تحمل عنوان "أسامة مع الفدائيين"
لـ "عادل أبو شنب".
أفسحت المجلة حيّزاً من صفحاتها لقصص الأطفال، وذلك إدراكاً من القائمين
عليها، أن الطفل بفطرته ميالٌ للقص والحكي، وقد تشدّد رؤساء التحرير في عدم
نشر القصة التي لا تحقق فنيةً عاليةً، وركّزوا اهتمامهم على أن قيمة القصة
تتأتّى من آثارها الإيجابية أو السلبية اللذين يتحدّدان من مدى جودة القصة
أو رداءتها "ومقاييسُ الجودة أو الرداءة هي قبل كل شيء مقاييس فنية، فالقصة
المفيدة للطفل هي القصة الجميلة التي تتحقق فيها شروط الفن القصصي المناسب
لأذهان الصغار وأذواقهم، والتي تصدر عن مبدعين حقيقيين".
أخذت القصة مكانها على صفحات المجلة بين مجموعةِ المواد المتنوعة، وقد جاء
في قرار إنشاء المجلة (10) إنها تضمّ (32) صفحةً، منها (24) صفحة بالألوان
و(8) صفحات غير ملونة، توزّع فيها المواد حسب الحصص الآتية:
صفحتان للغلاف خارجي.
صفحتان لنتاج الأطفال.
صفحتان لصور الأصدقاء، والذين يرغبون في التعارف مع غيرهم.
صفحتان للقصة المؤلفة (محلية ـ عربية).
صفحتان للقصيدة الشعرية.
صفحتان للقصة المترجمة.
صفحتان للتسليات وأوقات الفراغ.
أربع صفحات للمادة العلمية.
صفحتان للريبورتاج المصور.
ثماني صفحات للمسلسلات المصورة (تاريخية ـ مغامرات).
صفحتان متفرقتان.
ومن هذا المخطط، يتضح أن القصة الإبداعية العربية لم تأخذ سوى ما أخذته
الصفحات المتنوعة الأخرى، ولم تميّز بشيءٍ من غيرها، وكان نصيبها نسبة 1/16
وهذا مؤشر متواضع على النظرة الرسمية لمكانة القصة. لكنّ ما حدث في الواقع
أن أعداداً كثيرة من المجلة لم تلتزم بهذا التوزيع، فطغت القصص في بعض
الأعداد على غيرها من المواد الأخرى، واحتلّت عدّةَ صفحاتٍ، وصلت في بعض
الأعداد إلى ثلث عدد صفحات المجلة.
ومع ذلك، فإن تخصيص مجلة أسامة صفحتين للقصة، يبدو جيداً إذ ما قيست بغيرها
من المجلات المماثلة، التي تصدر في باقي أقطار الوطن العربي. ويبدو أن
المجلة تمردّت على مخططها، منذ العدد الأول، فنشرت ست قصص، هي:
بطولة أسامة بن زيد. قصة تاريخية، لـ "محيي الدين صبحي".
أسامة مع الفدائيين. قصة مسلسلة، لـ "عادل أبو شنب".
لماذا سكت النهر. قصة رمزية، لـ "زكريا تامر".
آلة الزمن. قصة مصورة اقتبسها "نجاة قصاب حسن" من رواية لـ "هـ. ج. ويلز".
قصة من دون كلام، قريبة الشبه من الكاريكاتير، لعلها مأخوذة من مجلة
أجنبية، ولم يذكر اسم ناقلها.
قصة الطيران، وهي مادة علمية حملت عنوان (قصة) تتحدث عن تجربة (عباس بن
فرناس) ذُكر اسم رسامها "حسان أبو عياش" ولم يُذكر اسم كاتبها.
وقد حملت القصص سمات فنية وعلمية، ضمنية ومباشرة، لا يضاهيها في المستوى
الفني الرفيع إلاَّ القصص التي بدأت تنشرها ـ بعد ذلك ـ مجلتا "المزمار"
و"مجلتي" اللتان صدرتا عن دائرة ثقافة الأطفال العراقية ببغداد، ومع ذلك
فإن تعامل مجلة أسامة مع القصة بدا جيداً، نظراً لتوالي عددٍ من رؤساء
التحرير والمحررين من كتاب القصة والمسرحية المرموقين على رئاسة تحريرها،
وهم "سعد الله ونوس، وزكريا تامر، وعادل أبو شنب، ودلال حاتم، ثم بيان
الصفدي" ولكن الدخول إلى صميم العمل الإداري الفني في المجلة يُظهر مدى
معاناة رئيس التحرير في إخراج القصة للنور، وقد بيّنت "دلال حاتم" كثيراً
مما كانت تعانيه في التعامل مع القصة قبل نشرها، لأن بعض القصص ـ كما تقول
ـ يجب أن تكون "عجينة لينة كي يستطيع العاملون في المجلة قولبتها بالشكل
الذي يرونه مناسباً" (11) من تنقيح لغوي، وتشذيب فني، ورسوم، وحجم خط، وقد
تضطر إعادتها إلى كاتبها، وتطلب إليه تعديل بعض فقراتها وإعادة كتابتها من
جديد.
ومع ذلك، وعلى الرغم من خبرة رؤساء التحرير وتشددهم، فإن عدداً من السلبيات
اعتور المادة القصصية في المجلة، فعلى سبيل المثال، ضمّ العدد (220) من
المجلة قصةً تفتقر إلى مقومات التربية، حيث يروي طفل لرفاقه أن أباه عندما
كان صغيراً رمى "بالوناً" تحت عجلات سيارة عامداً، وقصةً أخرى مترجمة لـ
"أندرسون" تقوم على السحر والاغتيال والموت، وقصةً ثالثة تحكي عن أخ يذبح
أخاه الأصغر، ويشق بطنه، ليرى ماذا أكل في غيابه، وهي صورة رهيبة، لا يجوز
أن تعرض على طفل، وفي العدد قصةٌ مسلسلة أخرى، توشك أن تتحوّل إلى قصة
"بوليسية" عن القتل والخيانة، ودورُ الخائن فيها أكثر بروزاً من دور غير
الخائنين". (12)
ولكن ـ على الرغم من ذلك ـ فإن الكتّاب منذ أن بدأوا التوجه الجدي للطفل،
برزت طاقة من الإبداع، موشاة بملامح إنسانية جديدة في قصص عدد من الكتّاب
من أمثال نزار نجار، وأيوب منصور، عزيز نصار، لينا كيلاني وسواهم، كما
توشّى عدد منها بالبعد الاجتماعي التربوي الذي يعبّر عن تآلف الأسرة، وذلك
بسبب التقاليد المألوفة في المجتمع العربي من جهة، وفي رغبة الكتّاب
الانطلاق من الرؤية التربوية من جهة أخرى، فكانت القصص الاجتماعية الهادفة،
كما تجلت في قصص دلال حاتم، وليلى صايا، وجمانة نعمان.
قصص الحيوان:
حين نظر الكتّاب العرب في الأدب العالمي، أُعجبوا بـ "إيسوب اليوناني" الذي
استطاع أن يبتكر قصص الحيوان، ويتحدّث من خلالها عن بعض القضايا الفكرية
والإنسانية، ثم أعاد صياغتها "لافونتين" الفرنسي، فأخذت مكانتها في الذائقة
الأدبية الإبداعية، واحتلت مكانتها في الذائقة الثقافية العربية إلى جانب
"كليلة ودمنة" لـ "ابن المقفع" التي تُعدّ من أهم ما كُتب في هذا المجال.
وهذا واحد من بين الأسباب الهامة التي دفعت القاص السوري إلى اتخاذ شخصية
الحيوان المحببة إلى الأطفال شخصية رئيسة ومحورية في قصصه، ففي مجموعة
"العصافير تبحث عن وطن" لـ "ياسين رفاعية" "تنصرف معظم قصص المجموعة
[الإحدى عشرة] إلى وضع شخصيات حيوانية مألوفة جداً للطفل، وعلى سبيل الحصر،
فقد وردت الشخصيات التالية: العصفور ـ السمكة ـ الديك ـ الأرنب ـ الذئب ـ
النسر... والواضح أن كون الشخصية من الحيوانات الناطقة بلسان البشر،
المعبّرة عن انفعالاتهم من حزن وفرح وغضب وحب وتعاون، شيئاً له وزنه القصصي
بعد اتّباع مبدأ الاعتماد على ضعف ارتباط الطفل بالواقع، لأنه يجعل القصة
قريبة من نفس الطفل، وهو هنا طفل يعلم يقيناً أن العصفور لا يتكلم، ولكنه
يبقى يتابع القصة، لما تقدّمه إليه من متعة، ولأن خياله مازال ناشطاً، ولأن
ارتباطه بالواقع لم يصبح تاماً بعد، بحيث يرفض هذا النوع رفضاً نهائياً،
وإن كنا نعلم أن هذا الرفض مجرّد احتمال قد لا يكون له نصيب في الواقع،
تبعاً لكون كلام الحيوان ينتقل من حيّز الخيال إلى حيّز الرمز، ويبقى الطفل
ـ وكذلك الراشد عموماً ـ يفسر الصفات البشرية للشخصية الحيوانية تفسيراً
رمزياً، ويضع له خلفيات تتحدّد بمقدار الثقافة الخاصة التي يحملها القارئ،
كذاك الذي يحدث حين نقرأ ـ نحن الكبار ـ كليلة ودمنة وحين يقرؤها الأطفال
في الوقت نفسه". (13)
ثم طغت الشخصيات الحيوانية في القصة السورية على الشخصيات البشرية، فشكّلت
ظاهرة محيّرة للناقد الذي رأى أن قصص الأطفال السورية قد تحوّلت إلى "حديقة
حيوان" على الرغم من أنها تختلف عن تلك القصص القديمة اختلافاً كبيراً،
ولكنها باستبدالها الشخصية الإنسانية بالحيوان، تدخل دائرة الترميز، وتنقل
الصراع إلى عالم الحيوان، وتضع الطفل وسط غابة من الحيوانات المتوحشة
والآهلة، التي تتكلم باسمنا وبمنطقنا، وتعبّر عن مشاعرنا ومشكلاتنا، وهي في
القصص مثالية أخلاقية ينتصر فيها الخير على الشر، والحق على الباطل، وهذا
وإن كان يخدم الفن، إلا أنه مخالف للمنطق الطبيعي، لأن قانون الغابة ليس له
منطق البشر.
قصص الخيال العلمي:
لابدّ للباحث المنصف من أن يعترف بأن المرحلة التي تمر بها الأمة العربية،
هي من أكثر مراحل التحدّي الحضاري خطورةً، بسبب تفجّر المعلومات، التي نتجت
عنها قفزات نوعية سريعة ومتلاحقة في المعارف والعلوم كافةً، مما ينطبق
عليها مصطلح "ثورة المعلومات" الأمر الذي يتطلّب منا أن نستيقظ من غفلتنا،
ونتمّعن في مكانتنا، ونراجع حساباتنا، ثم لنقرّ بأن موقعنا يجب أن يتجاوز
موقع المستهلك، ومشاركتنا لا تنحصر في دور التلقّي والانبهار، دورِ من يعيش
في الظلّ، يستقبل التقنيات الغربية فتستهلكه، وهو مسلوب الإرادة والفكر
والإبداع.
لقد تنّبه بعض الكتاب إلى أن عدم المشاركة في هذه الثورة العلمية، يمكن أن
يؤديّ بنا إلى التخلّف الحضاري، ويتسبّب في حدوث فجوةٍ واسعةٍ تفصلنا عن
الدول المتطوّرة علمياً وتقنياً، إذ تضاعفَ حجمُ المعلومات في النصف الثاني
من القرن العشرين، وتسارعت القدرة على تجديد الإمكانات التقنية، وهذه
المضاعفات ليس لها صفة الثبات والدوام، لأن ما يفرزه العلم كل ساعة وكل
يوم، يؤكّد على أن المعلومات والاتصالات تزيد من زخم ثورتها وكأنها تفجّر
بركاناً (معلوماتياً) إثر بركان بغير هوادة.
لقد كان القرن الماضي، رمزاً مختصراً للمستقبل البعيد، أو رمزاً للمكان
الذي نتمثّل فيه أمانينا البعيدة، وأحلامنا التي نرجو تحقيقها، ويمكن أن
نتقرّى آثاره البارزة في مجالات (التعليم) حيث يبدو مستقبلُ الحضارة،
وامتلاكُ أسباب التفوّق الصناعي والعسكري، مرتبطان بالمدرسة، وما يُدرّس
فيها من علوم وآداب، وما يُتّبع فيها من مناهج، وهذا قائم على استقراءٍ
عميق للتجارب الحيوية وتقويمها بأسلوبٍ علمي مؤسّسٍ على الحقائق من دون
الأماني، وعلى الواقع من دون شطحات الخيال وتهويماته، وبغير الاهتمام
بالشعارات البراقة، ولا التطّلعات الجامحة، استقراءً وتقويماً نابعاً من
الواقع بغية إصلاحه، وتزيينه بالإنجازات الحضارية التي تواكب طبيعة العصر.
(14)
إن العصر الذي عاش فيه طفل منتصف القرن العشرين، حمل إليه، ثقافة جديدة،
غير تقليدية، أقنعته بأنه لم يعد بالإمكان تصوّر عالم من دون طائرة نفاثة،
أو تلفاز، أو أقمار صناعية، أو رجل آلي، أو سفن فضاء، فقد وصل روّاد الفضاء
الروس ثم الأمريكان إلى القمر في أواخر الخمسينيات، وهذا يعني أن العلم
والتكنولوجيا هما مفتاح الحياة على عالم فيه القوة، والثراء المادي
والنفسي، وتطور المجتمع ورفاهيته.
ولمجاراة هذا العالم، أخذ الكتّاب في سورية ـ خارج إطار التعليم الرسمي ـ
يكتبون في أدب الخيال العلمي، واهتموا بالقصة، ليؤديَ الكتّاب دورهم في سوق
هذه الثقافة، بعد أن مرّوا بطور الكتابة الأدبية العادية، أو طور الثقافة
(الورقية) للطفل.
إن أدب الأطفال وثقافتهم بصورة خاصة باتت كالبحر الهادر، ولم تعد محصورة في
إطار النشيد والأغنية والقصيدة، والحكاية والقصة والمسرحية، ولم يعد الأمر
مقصوراً على صحافتهم وكتبهم، والموسوعات والمعاجم، ودوائر المعارف
(الورقية) الموجهة إليهم، فهناك برامج الإذاعة والتلفزيون المختلفة، وأفلام
الصور المتحركة، ثم الوسائل الإلكترونية والتكنولوجية الجديدة الكمبيوتر
والانترنيت. وقد برزت أسئلة جديدة تدور على الألسن في عصر المعلومات
وانفجار المعرفة، حول مستقبل الإنسان، والآفاق القادمة التي يمكن أن يصل
إليها. وهذا ما استدعى التوجّه إلى الخيال العلمي والثقافة العلمية التي
تهتم بإيصال الرسالة العلمية إلى جيل عصر المعلومات، لأن الثقافة التقليدية
لا تستطيع أن تحقق ذلك، وهذا من شأنه أن يضع الجيل وجهاً لوجه أمام
المستقبل، والحديثُ عن عالم المستقبل، هو الحديث عن عصر العلم والرياضيات
الحديثة والرجل الآلي والذكاء الاصطناعي و(بنوك المعلومات) والهندسة
الوراثية والاستنساخ، وحرب النجوم والأقمار الصناعية التي تجوب الكون
وتستشعر عن بُعدٍ أعماقَ الأرض.. وبصورة أكثر وضوحاً، فإن الاتجاه إلى أدب
الخيال العلمي من شأنه أن ينقل الطفل إلى رحاب المستقبل الذي يعتمد فيه على
العلم، ويعمّق لديه الثقافة العلمية، ويحرّضه على التفكير العلمي، وقد بات
ذلك ضرورياً لمستقبله، وغدا كالهواء الذي يتنفسه، لا يجوز التواني عنه أو
تأجيله.
لكن كتابة قصة الخيال العلمي على درجة من الصعوبة، نظراً لجوهر مادتها التي
تعتمد على النظرية العلمية قبل كل شيء، وفي ذلك يوضح "د. طالب عمران"
قائلاً إن "كتابة القصة العلمية للطفل يجب أن تستند على أرضية من الثقافة
العلمية، ويجب أن تتوجه قصة الخيال العلمي بإقناع يستند على العلم
ومكتسباته، ويجب أن تفرق بين الخيال العلمي والخرافة. "كما يجب أن ندرك
الفرق بين القصص العلمية، وقصص الخيال العلمي، فالقصص العلمية ـ حسب تعريف
"عبد البديع قمحاوي": "قد تكون قصصاً وصفية، تتبَّع أبحاث العلماء، وجهود
المخترعين والمبتكرين، وقصص مخترعاتهم ومبتكراتهم، وما لاقته هذه المخترعات
من قبول أو رفض، وما كان لها من تأثير في حياة الناس. أما قصص الخيال
العلمي فتقوم على خيال، ولكنه ليس بالخيال المحض، وإنما هو خيال مدعم
بنظريات علمية، قد تكون سائدة في عصر الكاتب أو المؤلف، أو تكون هذه
النظريات العلمية غير منشرة في عصره، ولكنها معروفة لدى مؤلِّف هذه القصص.
وليس من الضروري أن يكون مؤلِّف قصص الخيال العلمي من العلماء، ولكن من
الضروري أن يمتلك الخيال المقنن الذي يستطيع أن يجعله يجسِّد عالماً
خيالياً، يمكن أن يعيش فيه القارئ ويتطلّع إليه".
إن من أهم وظائف الخيال العلمي، تهيئة العقل الإنساني لتقبّل العلوم
المستقبلية، وفي هذا المجال نتذكّر أن العالم "أنشتاين" ذكر عبارةً، يستشهد
بها دائماً الكتَّابُ والباحثون في أدب الخيال العلمي، يقول فيها: "لقد
تعلمت من الأديب الروسي دوستوفسكي في مجال الرياضيات أكثر مما تعلمته من
نيوتن وكوس".
وقد وعى "د. طالب عمران" طبيعة هذا اللون الأدبي الخيال العلمي، فأكد على
أن "الكتابة للطفل ليست سهلة، يجب أن نشد اهتمامه إلى ما ينفع ويمتع ويثير
التفكير في نفس الوقت.. نحن نعيش في عصرٍ العلمُ فيه هو الفارس، ولكي نربط
الطفل إلى هذا العصر يجب أن نبتعد عن القوالب الجامدة ونقرب الفكرة العلمية
منه بقصة مشوقة، بحكاية صغيرة يحل فيها العلم المشكلات التي تعترض الإنسان
ويقربه من روح العصر".
وقد استوحت قصة الخيال العلمي جانباً من روح العصر، وحاولت مواكبة ما يدور
حولنا من أحداث وتطورات في عالم الأرض، والفضاء والأقمار الصناعية، والوصول
إلى الكواكب المجاورة لكوكبنا، وبخاصة قصص الخيال العلمي التي كتبها "د.
طالب عمران" و"عبدو محمد" و"دياب عيد" والتي نلمح فيها امتداداً لقصص
الخيال العلمي التي كتبها في مصر "نهاد الشريف" وتلك التي ترجمتها "د. سهير
القلماوي" بعنوان قصة "القرد حارس المرمى" ونقلت فيها القيم والأفكار إلى
جانب الطرافة والحداثة، بحيث يألفها الصغار بسهولة ويُسر.
لكن أدب الخيال العلمي على الرغم من إقبال الأطفال عليه من خلال الأفلام
والمسلسلات الإلكترونية، لم يلاقِ الإقبالَ في الكتاب المطبوع، وقد عانى
كتّابه من انصراف النقاد وجمهور القراء عن كتاباتهم، وقد اعترف "د. طالب
عمران" بذلك قائلاً: "هذا النوع من الكتابة يغني كثيراً معارف الطفل، وينمي
خياله، ويجب أن ننتبه جيداً إلى التورط في لعبة المبالغة وشطحات الخرافة،
فهي تقطع خيط الثقة بيننا وبين الطفل حين يعلم أن ما نقوله له هراء، بعيد
عن الإقناع".
"أفكّر كثيراً بخلق عوالم جديدة، لقصصي؛ كواكب بعيدة مسكونة بكائنات لطيفة
مسالمة، متفوقة في المعرفة، يحتك بها الإنسان ويتعلم منها".
ربما كان الأول الذي يكتب خيالاًَ علمياً في سورية، ما ينطبق عليه فعلاً
تسمية الخيال العلمي الذي يقدم للطفل خيالاً وأحداثاً منسجمة مع المنطق
العلمي، ولاشك أن التوجه للطفل يجب أن يراعي السن.. وقد كتبت قصصاً للأطفال
دون الثانية عشرة، وقصصاً للفتيان اليافعين.. ربما كانت كتابات الخيال
العلمي الموجهة للأطفال، نادرة في الوطن العربي، وقد بدأت أكتب وأنشر في
هذا المجال منذ بداية السبعينات حيث توصلت إلى قناعة أن الأطفال في بلدنا
هم في حاجة فعلاً لمن يكتب لهم قصصاً علمية موجهة تؤصّل فيهم حب العلم
والبحث في عصر العلم والتقنية الذي نعيشه.. لم يتقبل الناشرون هذا النوع من
القصص بصدر مفتوح، وهذا ما جعل المهمة صعبة في البداية.. ولكن الإصرار على
المضي في هذه التجربة دفعني لنشر عديد من القصص العلمية الخيالية في الصحف
اليومية التي كانت تخصص بعض صفحاتها للكتابة للأطفال (كالبعث والثورة
وتشرين) ثم المجلات الطفلية (أسامة) و(الطليعي) في سورية (سامر) في لبنان
(ماجد) في الإمارات العربية المتحدة.." (15)
الترجمة وتطور الفن القصصي:
إن التفاتة الكتّاب إلى آداب الأمم الأخرى، كانت نتيجة فراغ واسع في ساحتنا
الثقافية، لذلك وجدوا أنه قد بات لزاماً عليهم نقل الآداب الأجنبية التي
تطوّر فيها آداب الأطفال ـ وبعض هذه الدول بلغ فيها مراتب عالية، فاقت أدب
الكبار ـ فأخذوا ينقلون ويترجمون بغير هوادة، وقد كان لوزارة الثقافة جهدٌ
واضح في نقل روائع الأدب العالمي، في القصة والحكاية، فأوجدت بين أيدي
النقاد وأدباء الأطفال نماذج متألّقة عالمياً، لم نعهد لها مثيلاً في قصصنا
الطفلية، كما يتمثّل في المقطع الآتي من قصة "مكان هادئ" التي صيغت بأسلوب
شاعري: (16)
طفلةٌ اسمها ربى
كانت تبحث في يومٍ مشمسٍ
عن مكانٍ هادئ
بحثت وراء أصيص البنفسج في الصالة
ولكن ذلك المكان
كان ضيقاً جدّاً...
وقد كانت المادة المترجمة للأطفال في مطبوعات وزارة الثقافة مقتصرة على
القصة وحكايات الشعوب، والتي أفادت في اتجاهين:
الاتجاه الأول:
تقديم مادة إنسانية من قصص الشعوب للطفل العربي، فيزداد أفق اطّلاعه.
والاتجاه الثاني:
تقديم مادة فنية، أو شبه فنية كي يحتذي الكاتب السوري حذوها، نظراً لحداثة
نشوء أدب الأطفال الذي لم يعتمد في نموه على جذور تراثية كالشعر.
وفي منحى آخر على طريق تطور القصة الطفلية، نجد أن العدد الأول من مجلة
أسامة، ضم قصةً مترجمة، وإن أول كتاب أصدرته وزارة الثقافة للأطفال عام
1970 كان مجموعة قصصية مترجمة بعنوان "حكايات مهاجرة" ضمت مختارات قصصية
روسية، نقلتها "نجاة أبو سمرة" ثم توقفت الوزارة خمس سنوات عن نشر القصص،
أصدرت بعدها عام 1975 مجموعتين مترجمتين هما "مدرسة اللقلق" و"عندما جاءت
عصافير الدوري" ترجمة "عيسى فتوح" ومجموعتين مترجمتين عام 1976 هما "الشموس
الثلاث" ترجمة "ميخائيل عيد" و"مصرع قارع الطبل" ترجمة "هشام الدجاني" ثم
ارتفع العدد إلى سبع مجموعات عام 1979، فـ (23) مجموعة عام 1980، وبلغ
العدد أوجه عام 1987 فوصل إلى (34) عنواناً، بدأت بعده الأعداد السنوية في
التناقص، وقد انفردت وزارة الثقافة بترجمة أدب الأطفال، قبل أن تلتفت إليه
دور النشر الخاصة، فقد وجدت فيه الوزارة عملاً أدبياً يستحق أن ينصرف إليه
الكتاب، وأن يضعوه في مكانة عالية تتساوى مع الترجمة للراشدين، فبرزت أسماء
مترجمين من بينها "دلال حاتم، ميخائيل عيد، عيسى فتوح، إليان ديراني، هاشم
حمادي، رباب هاشم، وجيه توفيق جبر.." وكانت الترجمة عن الإنكليزية
والفرنسية والروسية والبلغارية.
لقد حاول عددٌ من الكتّاب السوريين محاكاة المادّة المنقولة ـ القصة بصورة
خاصة ـ فكانت هناك قصص ناجحة، ومحاولات جادّة. فإذا أصرّ أصحابها على أنها
غير متأثّرة بالنماذج الأجنبية، فإنها ـ لابدّ ـ تقترب منها، وإن عدداً
قليلاً من القصص قد تألّق، فلفت الأنظار إليه، كقصص "زكريا تامر" الذي حافظ
على مستوى راق من السوية الفنية، في كتابته بصورة عامة، وعمل على زعزعة
أسلوب القص التقليدي، بترسيخ رؤية تربوية جديدة، فوضع بين يدي الطفل مادةً
قصصية صارخة، تضعه وجهاً لوجه أمام القمع، وجرأة المواجهة في العلاقة
الإنسانية بين الفتى والفتاة /الذكورة والأنوثة، وبين المواطن والسلطة،
والشعور بالكرامة في قصص "أوامر الملوك، الحمار المحترم، العشب الأخضر" من
مجموعة "لماذا سكت النهر" وهو عندما كتب للكبار راعى في كتابته أبعاد
الطفولة، وعندما كتب للصغار استحضر ـ في بعض القصص ـ مشكلات الكبار، وقد
استطاع في قصة "رندا" أن يوجد لوناً جديداً في فن القصة القصيرة جداً، يصلح
للصغار والراشدين على السواء، فنُشرت القصة مسلسلة في مجلة أسامة للأطفال،
كما نُشرت ضمن ملف قصص الكبار في مجلة الموقف الأدبي، فوجد فيها كل من
الصغير والكبير متعته، وقد أهّلتها فنيتها البارعة لأن تأخذ مكانها ضمن
قراءات الطفل، ودخلت ضمن نطاق اهتماماته بلغتها الشعرية ورمزيتها الشفافة
ومضمونها الإنساني، كما وقعت ضمن قراءات الكبير، ولم تخرج عن نطاق
اهتماماته الفكرية والثقافية. ومثلُ هذه الملامح الطفلية تتغلغل في كثير من
قصصه القصيرة جداً، التي كتبها للراشدين، والتي ـ غالباً ـ ما ينسج خيوطها
المتعددة من الطفولة وعالمها الفطري البريء، ويصوغها في أداء موحّد منغّم،
كقصة "الصغار يضحكون" من مجموعة "النمور في يومها العاشر".
نظرة فنية خاصة:
في البدايات الجادة، يمكن الوقوف عند النقلة التاريخية لوزارة التربية نحو
أدب الأطفال، حين اعتمدته مادة تدريسية، فقررت مادة (أدب الأطفال) في منهاج
دار المعلمين عام 1967 ثم أتى الكتاب الثاني الذي ألّفه "علي حمد الله" عام
1970 على أنواع الأدب وسماته العامة، فحددها بـ "أربعة أنواع رئيسية: قصة
وتمثيلية وشعر ومقالة، ولكل واحد منها خصائص وأنواع ومصادر" (17).
وقد خصص الكتاب القسم الثاني منه للقصة وخصائصها، واعترف بأن القصة أحب
أنواع الأدب للطفل، وركّز ـ بأسلوب مدرسي تعليمي ـ على دور البطولة في
القصة، فنص على أنه يجب أن يكون منطلقها تربوياً "وتكون أفعال البطل
إيجابية خشية أن يتعلّم الأطفال منه أفعالاً، إذا هم قلدوه فيها وقعت
الواقعة، لأن البطل عند الطفل مرشّح للمثل الأعلى ـ على حدّ تعبير الكتّاب
ـ سواء أكان إنساناً أم حيواناً أم نباتاً أم شيئاً جماداً.. والبطل فرد أو
جماعة، وهو كذلك قوي أو ضعيف، وكلاهما ضروري في أدب الأطفال، مادام في
الأطفال أنفسهم قوي وضعيف، وكلاهما ينتصر في آخر القصة بفضل بعض الإيجابيات
التي فيه، وكلنا يلاحظ أن أبطال الرسوم المتحركة (كرتون) غالباً صغار أو
ضعاف". (18)
ومن هذه المنظور, نجد أن رؤية أدب الأطفال في كتاب دور المعلمين غير
مستوفية الشروط الفنية، فلا يمكن أن يكون البطل في القصة هو المثل الأعلى،
لأن ذلك يتناقض مع واقعية الفن القصصي، ويتنافى مع جوهر العقيدة الإسلامية،
كما في النص القرآني (ولله المثل الأعلى( كما أن الحتمية التي تُلزم الكاتب
بالتقيّد بالخاتمة، التي وضعها المؤلف للقصة، التي تقضي بانتصار البطل،
فيها تعسّفٌ يخالف الواقع والفن، لأن كثيراً من قصص الطفولة لا يعتمد على
عنصر الصراع بين الخير والشر، أو القوة والضعف، أو الحق والباطل، فقد تعتمد
على الحب والحنان والعطف والأخوّة والصداقة والتعاون، وسوى ذلك من القيم
الإنسانية المعروفة في منظومة قيم أدب الأطفال.
انفتاح على الطفولة:
ثم توالى الاهتمام بأدب الأطفال بعد انطلاقة مجلة أسامة، فصدرت مجلة رافع
الأسبوعية عن مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، يوم 15/8/1970 وقد تميّزت
بحرصها على التوازن بين الكلمات والألوان، وجعلتهما عملاً مشتركاً بين
الكاتب والرسام، لكنها لم تستمر سوى عام واحد تقريباً، ثم أصدر "نزار نجار"
في حماة مجلة غير دورية بعنوان "تعال نقرأ" لكنها لم تعمر طويلاً لاعتمادها
على جهود فردية، ثم أعلنت وزارة الثقافة عام 1972
عن مسابقة متميزة لكتابة قصة الأطفال، وحرصت على أن تهدف إلى التوحيد
القومي، والتقدّم الاجتماعي، في محاولة جادة لتشجيع الكتاب على الكتابة
للطفل، وإيجاد مادة قصصية تضع الطفل العربي في جو عربي معاصر، شريطة أن
تربطه بتراثه، وقد كانت النتيجة كالآتي:
أ ـ الجائزة الأولى: قصة "حكاية من دمشق" لـ "أحمد يوسف داود".
ب ـ الجائزة الثانية: قصة "الوشاح الأزرق" لـ "إبراهيم المصري".
ج ـ الجائزة الثالثة: مناصفة بين:
قصة "فارس والغول سالمة" لـ "عبدو محمد".
وقصة "الصياد والأرض" لـ "أحمد مختار الشريف".
وبذات الهدفية أو القيمية أعلنت منظمة طلائع البعث عن مسابقتين للقصة
الطفلية؛ الأولى عام 1977، والثانية عام 1979 وقد كان الهدف الواضح المعلن
على النحو التالي:
أ ـ تدعيم أبحاث الطفل بقوميته العربية ومثلها العليا.
ب ـ تنمية خياله النضالي.
ج ـ ترسيخ حبه لوطنه، واستعداده للشهادة في سبيله. (19)
وكانت القصص الفائزة في المسابقة الأولى كما يأتي:
1 ـ قصة "وائل يبحث عن وطنه الكبير" لـ "سليمان العيسى".
2 ـ قصة "الفراشة لا تبحث عن نبات اللبلاب" لـ "زكريا شريقي".
3 ـ قصة "أوراق من الأرض المحتلة" لـ "ليلي صايا سالم".
4 ـ قصة "الصاروخ الأخير" لـ "أيوب منصور".
5 ـ قصة "سطوح جباتا" لـ "خيري الذهبي".
5 ـ قصة "صيد الذئب حياً" لـ "جمانة نعمان".
6 ـ قصة "رسالة إلى ولدي" لـ "سعيد أبو الحسن".
7 ـ قصة "بيدر من النجوم" لـ "جان ألكسان".
8 ـ قصة "ذكريات ذلك الصيف" لـ "رياض عصمت".
9 ـ قصة "طريق إلى الأرض الحرة" لـ "محسن يوسف".
10 ـ قصة "بطولة من بلدي" لـ "مكرم الكيال".
11 ـ قصة "ولادة نسر" لـ "فؤاد حريب".
وكانت القصص الفائزة في المسابقة الثانية على النحو الآتي:
1 ـ قصة "البرج" لـ "أحمد يوسف داود".
2 ـ قصة "الجسر" لـ "جان ألكسان".
3 ـ قصة "انطلق يا بساط الريح" لـ "ليلي صايا سالم".
4 ـ قصة "التلميذ أحمد يبحث عن الحرية" لـ "محمد أبو معتوق".
5 ـ قصة "ابن الشهيد" لـ "وداد يازجي".
6 ـ قصة "احتلال القلعة" لـ "سعيد أبو الحسن".
ويلاحظ أن قصص البدايات الجادة الرسمية:
1 ـ حافظت على توجّهها العربي.
2 ـ وحاولت مراعاة منظومة القيم.
3 ـ واعتنت باللغة عناية فائقة. فحرصت على وضوح الأسلوب وملاءمته لسن الطفل
الناشئ متوسط الذكاء.
4 ـ واهتمت بدقةِ معالجةِ الأحداث التاريخية، وبخاصة الأسماء والمواقع
والأعلام.
ولكن لابدّ من التنويه إلى أن معظم الذين كتبوا القصة الطفلية وحصدوا جوائز
المسابقات هم من الأدباء الذين كان لهم باع طويل في الكتابة للكبار، ومن
سوء حظ الأدب الطفلي في سورية أن كثيراً ممن كتب للأطفال في مرحلة
البدايات، قد توقّف عن الكتابة إليهم بُعيد خمود فورة هذا اللون، التي بردت
في أعقاب رحيل عام الطفل الدولي عام 1979.
ثم صدرت مجلة (الطليعي) الشهرية عن منظمة الطلائع بدمشق، مع مطلع شهر آذار
عام 1984 في (52) صفحة، وقد خصصت للقصة حيّزاً بين موادها، ولكنها لم تحافظ
على خط نمطي محددين، فقد اختلف عدد الصفحات التي تحتلها القصة من عدد إلى
آخر، وقد نشرت قصصاً جميلة، لكنّ بعضَها غلب عليه الإنشاء المدرسي،
والتوجيه (الشعاراتي) المباشر.
لابد للدارس من أن يلاحظ التطور النوعي الذي طرأ على القصة الطفلية، بدءاً
من عام الطفل الدولي عام 1979 إذ لفتت القصة السورية أنظار المهتمين بها في
الأقطار العربية، فطبعت دور النشر في بيروت (دار الآداب. دار الفتى العربي.
دار المسيرة..) القصة السورية، واقتنتها إدارة التعليم في المملكة العربية
السعودية بالآلاف، وتربّعت على رفوف مكتباتها المدرسية قصص "د. عبد الرحمن
الباشا" التي طبعت الملايين منها في عدة طبعات، وأخص منها بالذكر سلسلتي
"من حياة الصحابة" و"من حياة التابعين" وقررتهما في مناهجها الدراسية في
المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، كما تعرّف طلاب المدارس السعودية إلى قصص
"بيان الصفدي" و"عبد الفتاح قلعجي" ونشرت المجلات العربية قصصاً لكثير من
كتّابها، وأخص بالذكر مجلتي "المزمار ومجلتي" العراقيتين في عام 1978 ـ
1979 ومجلتي "ماجد" و"علاء الدين" الخليجيتين" وحصد الكاتب السوري جوائزَ
مسابقات القصة على امتداد الوطن العربي، وغدا الكاتب السوري كغيره من
الأدباء العرب مقروءاً ومطلوباً لأدب الأطفال العربي والغربيّ، فقد تُرجمت
قصص "زكريا تامر" إلى عدد من اللغات الأجنبية.
الخاتمة:
نلاحظ في مرحلة البدايات "كثرة النصوص التي تُنسب إلى أدب الأطفال بالحق
وبالباطل، وقليل منها هو الذي يحقّق الغايات المرجوة؛ لأنَّ النص الأدبي
الطفلي ليس عملاً تربوياً فحسب، وإنَّما هو عمل فني بالدرجة الأولى، وهيهات
أن تتحقق هذه الفنية بسهولة أمام ما يعترض طريق هذا الأدب من صعوبات جمّة،
لعلّ في مقدَّمة هذه الصعوبات أنَّ الكبار هم الذين يكتبون لهؤلاء الأطفال،
وهم قد تجاوزوا هذه المرحلة، ممّا يتطلّب منهم ـ ليس فقط ـ استرجاع طفولتهم
بملابساتها والعوامل الفاعلة فيها، ولكن عليهم أن يعايشوا طفولة اليوم، وما
أكثر متغيراتها!". (20)
وهذا يعني إلاَّ يتصرّف الأديب حيال الأطفال مثلما يتصرَّف رجل التربية أو
عالم النفس، وهو الأديب الفنان.. لأنَّ موقف أديب الأطفال كموقف الفنان
التشكيلي إزاء لوحته الفنية التي يبدعها؛ إنَّه يتطلّع إليها من بُعد قريب
بين حين وحين، ليعود ويحمل الفرشاة فيضيف إليها لوناً وهكذا.. ولا يكفي أن
يعرف أديب الأطفال جمهوره بل لا بد من أن يحترمه، يبشِّره بأنَّه صديق له،
وألاّ يغالي بأستاذيته عليه، أو أن يقلَّل من شأنه، أو يستخف به وبقدراته".
(21)
"أما موضوع وعي الطفل نفسه وعلاقته بالآخرين، ومراعاة الأدب لهذا الجانب
الهام، فهو قضية أساسية، لأن ما نكتبه للطفل يجب أن يساعده على فهم نفسه
بصورة أفضل. وفهم الآخرين، وإنشاء علاقات إيجابية معهم، لأن الطفل بحاجة
إلى الرؤية الواضحة لمخاوفه وتطلعاته، وإلى تهدئة صخب انفعالاته، وإلى وعي
مشكلاته وصراعاته، وتلمّس حلولها، وإلى تجاوز الحدود الضيقة لوجوده
المتمركز حول ذاته، وبذلك يمكن للطفل أن ينتقل من وجود "تبعي" متأزم ومشحون
برغبات طفولية، إلى وجود مستقل ـ لحد ما ـ أكثر إرضاء وملاءمة لنفسه.."
(22) هذا ما حرصت القصة على تحقيقه.
ولكن على الرغم من أن "الرؤية الطفلية" يحكمها منطق خاص، حدوده أرحب من
الواقع، وأبعد مدى، وأكثر خصوبة.. فإن وجهات نظر النقاد تختلف حول هذه
النقطة، فأديب الأطفال المعروف "عبد التواب يوسف" يرى ضرورة الابتعاد عن
حكايات التراث الشعبي، فيقول: "إنَّ خيال الطفل دنيا واسعة بلا حدود، تعيش
فيها صور وشخصيات وأحداث ومرئيات، وإذا نحن لم نصوِّر له هذه الدنيا،
فإنَّه يبتكرها، ويوجدها، إنَّها دنيا يستقيها الطفل ممّا سمعه من قصص أو
حكايات، ويعيد فيها تنظيم العالم حسب رؤيته، كما يحلو لـه أن يصوِّره..
وأطفال اليوم قد ضاقوا بسذاجة الكتب التي تسمّى كتب الأطفال، وضاقوا بـ
"بساط الريح" و"سندريلا" وغيرها، ورفضها كثيرون لأنّها بالغة السذاجة، ولا
تجدِّد خيالهم، في الوقت الذي يستطيع هذا الخيال أن يغيِّر الكثير من
ذوقهم، وبالتالي يغيَّر من عالمنا ذاته، ولهذا ينادي بعض الباحثين بألاّ
نخاطب الطفل من أعلى، خاصة في مجال الخيال؛ لأنَّه يسبقنا ويتفوّق علينا في
هذا الميدان بالذات"(23).
وهذه الرؤية على جانب من الغرابة، تدعونا للوقوف عند المراحل الناظمة
لعملية إنتاج أدب الأطفال وتوصيفها، بوصفها المدخل إلى تطوير هذا لإبداع
لدى الكبار والصغار، ولاسيما في مجالات العلاقة بين الكتاب المدرسي،
والمستوى المعرفي للطفل العربي، وشكل الكتابة وتوجهاتها، وخصوصية الطفل
العربي.
إن تلك المراحل ترتبط في مجموعها وفي جوهر إبداعها بالكلمة المكتوبة، وعلى
الرغم من تنوّع وسائط الأطفال وانتشارها إلى أدبهم بتأثير النزعة
الاستهلاكية وتطور الأساليب التربوية، والتقدم الهائل في التقنية الحديثة،
فإن أدب الأطفال يظل في حالة علاقة لا تنفصم بنشأته الأولى وأرضيته البكر،
أرضِ الأساطير والشعر والحكايات واللغة والخيال والأحلام، وتعرف هذه
العلاقة الوثيقة إمكانية الكشف عن طبيعة أدب الأطفال بكل أجناسه في مجموع
عملية مخاطبة الأطفال، وما تُقره من اتجاهات تربوية وفنية. وهذا ما لمسناه
في مواصلة الكتابات التي تحكي عن السندباد وعلاء الدين، والتي ستعيش مع
الأطفال القرّاء على امتداد الزمن.
وبعد: فإنَّ أدب الأطفال على أهميته ومسيس حاجتنا إليه، مازال يفتقر إلى
الأدباء المتفرغين الواعين الذين يوغلّون فيه؛ للأسباب التي ذكرناها في
البداية، كصعوبة هذا الفن، وانحسار الضوء اللائق عمَّن يمارسونه بدأب وحب،
ولن تزداد رقعة المبدعين المجوِّدين في هذا الميدان الهام إلاَّ إذا التفتت
إليه المؤسسات الثقافية، تدعمه وترصد الجوائز من أجله، وتشجِّع المنتجين
فيه، كما أنَّ اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام بكُتّاب هذا اللون من الأدب
يفتح أمامه الآفاق، ثمّ وجود نقّاد يتناولون هذه النصوص بالنقد والتقويم،
وتقديمها لعموم القراء، ومن قبل هذا كلّه تخلّي دور النشر الخاصة عن نزعتها
التجارية، وعدم سرقة جهد الكتاب، والاهتمام بالأقلام الجيِّدة المبعدة في
هذا المجال اهتماماً إنسانياً عن الاستغلال.
ومن المآخذ الهامة على قصة الطفل في الكتاب الرسمي، أنه لم يراعَ فيها
الإخراج الجيد، القادر على المنافسة، فالموضوع الجيد يحتاج إلى شكل فني
جيد، بدءاً من الورق وحجم الخطوط، وأنواعها، وانتهاء بالغلاف، فضلاً عن أن
الرسوم التعبيرية والألوان في قصة الطفل، التي تعمل على إثارة الخيال وجذب
الاهتمام، ومساعدة الطفل على تكوين صورة عقلية لأحداث القصة، كما أن للرسوم
دوراً في تعزيز الإدراك وشحذ الحس، وإغناء النص وإثرائه، والمساعدة على
فهمه، وبصورة خاصة للطفل الذي يعاني من صعوبة في القراءة، ومن ثم فإن الصور
والرسوم تعني بعداً جمالياً للقصة، بوصفها فناً قصصياً أيضاً، لأنها تحكي
قصةً، ولكن بالخطوط والألوان بدلاً من الكلمات والجمل. مما يكسب الطفل متعة
زائدة عما يقدّمه النص اللغوي.
إن أدب الطفل في مجتمعنا غير مفعّل بالصورة الحضارية اللائقة، وذلك لأسباب
كثيرة، منها تقصير المؤسسات الرسمية، والنزعة التجارية لدور النشر الخاصة،
وانصراف المربين (آباء وأمهات ومعلمين) عن تقديم الأدب للأطفال إلى الصور
المتحركة الطاغية في المنازل، ومن ثم تقاعس الأدباء والمبدعين عامة (شعراء،
رسامين...) عن الخوض في تجربة الكتابة للأطفال، إما جهلاً بأهميتها، أو
تقليلاً من شأنها. أو إن الكتابة للأطفال ليست بالأمر السهل، ولهذا فمن
الخطورة بمكان أن يتصدى لها من لا يعرف شروطها ومعاييرها، أو من تنقصه
الخبرة العلمية والتربوية ويفتقد الحس الأدبي والتذوق الجمالي. ولابد لمن
يكتب للأطفال من أن يكون على صلة وثيقة بهم، لذلك فقد سقط كثيرون، واستمرت
القلة، ولهذا كانت المسؤولية كبيرة وتترتب على الجميع!.
الإشارات:
1 ـ مدخل إلى أدب الطفولة، أسسه، أهدافه، وسائطه. د. أحمد
زلط.
2 ـ محمد قرانيا. قصائد الأطفال في سورية. ص 96 وما بعد.
اتحاد الكتاب العرب. دمشق 2003.
3 ـ د. نعيم عرايدي. الأسس الإنسانية لأدب الأطفال. ويُنظر:
مجدي محمود الفقي. أدب الأطفال بين الرواية والتخيل.
4 ـ هادي نعمان الهيتي. ثقافة الأطفال. عالم المعرفة. العدد
133 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت 1988.
5 ـ مجلة الموقف الأدبي. العدد 11 آذار 1974.
6 ـ نقلاً عن عيسى فتوح. أدب الأطفال في سورية. نشأته
وتطوره. مجلة الناشر العربي. ص 178 العدد 11 طرابلس. ليبيا 1988.
7 ـ لينا كيلاني. ممر إلى القلب. مجلة الموقف الأدبي. العدد
208 ـ 209 ـ 210 ص 169 دمشق 1988.
8 ـ دلال حاتم. أنظر بعيني طفل إلى ما يحيط بي وأكتب. مجلة
الموقف الأدبي. العدد 208 ـ 209 ـ 210 ص 169 دمشق 1988.
9 ـ سمر روحي الفيصل. الشكل الفني لقصة الطفل في سورية.
مجلة الموقف الأدبي. العدد 208 ـ 209 ـ 210 دمشق اتحاد الكتاب العرب 1988.
10 ـ القرار رقم 130 الصادر عن وزير الثقافة لعام 1969.
11 ـ دلال حاتم. عدد من مجلة أسامة تحت الطبع. كتاب صحافة
الأطفال ص 36, منظمة الطلائع. دمشق.
12 ـ علي حمد الله. أدب الأطفال. المؤسسة العامة للمطبوعات
والكتب المدرسية ص 32 دمشق 1985.
13 ـ سمر روحي الفيصل. العصافير تبحث عن وطن. مجلة الموقف
الأدبي. العدد 95. ص 102 دمشق. آذار 1979 والمجموعة صدرت عن دار المسيرة.
بيروت 1978.
14 ـ محمد قرانيا. قصائد الأطفال في سورية. الثقافة العلمية
وانعكاساتها على أدب الأطفال. ص 96 وما بعد. اتحاد الكتاب العرب. دمشق
2003.
15 ـ د. طالب عمران، الخيال العلمي للأطفال.. مجلة الموقف
الأدبي. العدد 208 ـ 209 ـ 210 ص 169 دمشق 1988.
16 ـ مجموعة الأرنب المخملي. قصة: مكان هادئ. ص 7. ترجمة:
رباب هاشم. وزارة الثقافة. دمشق 1978.
17 ـ علي حمد الله. أدب الأطفال. المؤسسة العامة للمطبوعات
والكتب المدرسية ص 23 دمشق 1985.
18 ـ علي حمد الله. أدب الأطفال. المؤسسة العامة للمطبوعات
والكتب المدرسية ص 39 دمشق 1985.
19 ـ عبد أبو هيف. أدب الأطفال نظرياً وتطبيقياً دراسة. من
بحث: الموضوع القومي ونبض الحكمة. ص 105 ـ 106. اتحاد الكتّاب العرب. دمشق
1983.
20 ـ علي محمد الغريب. الكتابة للأطفال ليست ملكاً مشاعاً!.
جمهورها ملّ سذاجتها وسطحيتها، ويُنظر: النص الأدبي للأطفال. د. سعد أبو
الرضا.
21 ـ د. هادي نعمان الهيتي. أدب الأطفال، فلسفته وفنونه
ووسائطه.
22 ـ نجيب الكيلاني. أدب الأطفال بين الهدف والوسيلة.
23 ـ أدب الأطفال، أهدافه وسماته: محمد حسن بريغش.
أضيفت في08/02/2006/ خاص
القصة السورية /عن موقع أتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الأطفال
بقلم الكاتب: د.
سمر روحي الفيصل
الفصل الأول نحو أدب مُوَحِّد
لابدَّ، بادئ ذي بدء، من الإشارة إلى أنني أستعمل عبارة (الأدب الموحَّد)
بمعنى النصوص الأدبية الفنية التي تُسهم في بناء الشخصية القومية للطفل
العربي. وقد اشترطتُ أن تنطلق معالجة الموضوع من النصوص الفنية لأُبعد
الحديث عن تحليل الجانب الفني في أدب الأطفال، وهو جانب مهمّ ولكنني لستُ
معنياً به هنا، لأنني مؤمن بأن توافر المستوى الفني يسبق أي تحليل لمحتوى
أدب الأطفال. بل إن معالجة موضوع الشخصية القومية للطفل العربي لا معنى لها
إذا لم تنطلق من نصوص أدبية قادرة على التأثير في الطفل وإقناعه وإمتاعه.
كما أنني انطلقتُ من أن (الأدب الموحِّد) رافد من روافد الشخصية القومية
للطفل العربي، أو مكوِّن من مكوِّناتها.
ذلك لأنني مؤمن بوجود روافد أخرى، كالتربية ووسائل الإعلام والنوادي
والمراكز الثقافية وغيرها. وهذه كلها تُسهم في بناء الشخصية القومية إذا
أُحسن توجيهها والإشراف على علاقة الطفل العربي بها. وعلى الرغم من ذلك
فإنني أرنو إلى أن ألفت نظر الباحثين إلى أهمية منظومة القيم في بناء
الشخصية القومية للطفل العربي، وأن أقترح تعديلاً لمنظومة القيم العربية
الإسلامية تستطيع الروافد كلّها الاهتداء به، لأنه شامل وليس خاصاً بأدب
الأطفال. وقد آثرتُ استعمال المصدر (نحو) في العنوان لأُبقي المنظومة
المقترحة قابلة للمناقشة والإضافة والتعديل، ولأنني أعتقد - من الناحية
المنهجية- أن تصوُّراً من هذا النوع القومي لابدَّ من أن ينطلق من الخطة
الشاملة للثقافة العربية.
1- أدب الأطفال والقيم:
نما أدب الأطفال العربي نموّاً واضحاً بين السبعيّنيات والتسعينيّات، وأصبح
الباحث قادراً على أن يعثر في كل دولة عربية على رصيد مقبول من النصوص
الأدبية ذات المستوى الفني الجيّد. وهذا الأمر يدعو إلى التفاؤل بمستقبل
أدب الأطفال في الوطن العربي. ويُعزِّز هذا التفاؤل شيءٌ آخر هو حرص النصوص
الأدبية على القيم الإيجابية، حتى إنه ليصعب العثور على نص عربي للأطفال
ليس فيه قيمة وطنية أو قومية أو اجتماعية أو أخلاقية إيجابية، ويُخيل إليَّ
أننا لا نعثر، إذا حللّنا النصوص منفردةٌ، على أية مشكلة تمس الشخصية
القومية للطفل العربي. ولكننا إذا حلّلنا النصوص مجتمعةً لاحظنا أمراً ذا
بال يتعلّق بالقيم المفضية إلى بناء الشخصية القومية للطفل العربي. ولكي
يتّضح هذا الأمر سأشير إلى ثلاث دراسات حلّلت المحتوى القيمي لنصوص موجَّهة
للطفل العربي:
أ- استخرجتُ في عام 1979 القيم المطروحة في (138) نصاً قصصياً للأطفال(1)
نُشرت في مجموعات قصصية موجَّهة لأطفال المرحلة العليا (بين 9- 12 سنة).
وقادني تصنيف القيم في مجموعات استناداً إلى تصنيف (وايت) إلى النتيجة
الآتية:
- المرتبة الأولى لمجموعة القيم المعرفية الثقافية: 42 قيمة (40 قيمة
معرفية، وقيمتان للذكاء. أما قيمة الثقافة فلم تنصرف إليها أية قصة).
- المرتبة الثانية لمجموعة القيم الاجتماعية: 28 قيمة (10قيم لوحدة
الجماعة، وقيمة لقواعد السلوك، وثلاث قيم للتواضع، وأربع قيم للمماثلة،
وأربع قيم للكرم، وست قيم للأسرة، أما قيم الظرف واللطافة والتسامح
والصداقة فلم تلتفت إليها أية قصة).
- المرتبة الثالثة لمجموعة قيم تكامل الشخصية: 19 قيمة (انصرفت القصص إلى
قيم القوّة والعدوان والسعادة والمظهر، وابتعدت ابتعاداً كاملاً عن قيم
الحرص والانتباه والتصميم).
- المرتبة الرابعة لمجموعة القيم الوطنية القومية: 17 قيمة (تمركزت القيم
كلها إلى جانب قيمة حرية الوطن، وأهملت القيمة الوطنية وقيمة وحدة الأقطار
المجزّأة).
- المرتبة الخامسة لمجموعة القيم العملية الاقتصادية: 7 قيم (انصرفت القيم
إلى العمل، وأهملت الضمان الاقتصادي والملكية).
- المرتبة السادسة لمجموعة القيم الأخلاقية: 5 قيم (انصرفت القيم إلى
الأخلاق، وأهملت العدالة والطاعة والدين).
- المرتبة السابعة لمجموعة القيم الجسمانية: قيمتان (انصرفت القيمتان إلى
الصحة، وليس هناك ذكر لقيم الطعام والراحة والنشاط والرفاهية والنظافة).
ب- استخرجتُ في عام 1984 القيم المطروحة في (223) نص قصصي للأطفال(2)
نُشرتْ في مجلات لأطفال المرحلة العليا (بين 9-12 سنة). وقادني تصنيف القيم
في مجموعات استناداً إلى تصنيف (وايت) إلى النتيجة الآتية:
- المرتبة الأولى لمجموعة القيم المعرفية الثقافية: 97 قيمة (78 قيمة
معرفية، وخمس قيم للذكاء، و14 قيمة للثقافة).
- المرتبة الثانية لمجموعة القيم الاجتماعية: 40 قيمة (توزَّعت القيم
الأربعون على قيم المجموعة كلها، مع اهتمام خاص بقيم قواعد السلوك، وإهمال
نسبي لقيم التسامح والظرف والتواضع).
- المرتبة الثالثة لمجموعة القيم تكامل الشخصية : 29 قيمة (انصرفت القيم
إلى التحصيل والنجاح والعدوان، وأهملت قيم التصميم والمظهر والسيادة).
- المرتبة الرابعة لمجموعة القيم الترويحية: 26 قيمة (12 قيمة للخبرة
الجديدة، وثماني قيم للتعبير الذاتي المبدع، وست قيم للمرح. وكان هناك
إهمال لقيم الإثارة والجمال واللعب).
- المرتبة الخامسة لمجموعة القيم العملية الاقتصادية : 11 قيمة (انصرفت
القيم إلى العمل غالباً، وأهملت الضمان الاقتصادي والملكية).
- المرتبة السادسة لمجموعة القيم الوطنية القومية: 10 قيم (خمس قيم
للوطنية، وخمس قيم لحرية الوطن، وليس هناك أية قيمة لوحدة الأقطار
المجزّأة).
- المرتبة السابعة لمجموعة القيم الأخلاقية: 5 قيم (انصرفت القيم إلى
الأخلاق، وأهملت قيم الصدق والعدالة والطاعة والدين).
- المرتبة الثامنة لمجموعة القيم الجسمانية: 5 قيم (انصرفت القيم إلى
الصحة، وأهملت قيم الطعام والراحة والنشاط والرفاهية).
ج- حلَّل خلف نصَّار محيسن الهيتي استناداً إلى تصنيف (وايت) 809 صفحة من
صفحات صحافة الأطفال (3)، فعثر على (3489) قيمة. ولدى تصنيفه هذه القيم
لاحظ بروز قيم المجموعة الوطنية القومية كلها، وبروز قيم الجمال والخبرة
الجديدة والتعبير الذاتي المبدع من مجموعة القيم الترويحية، كما لاحظ بروز
قيمتين من مجموعات القيم الآتية: الاجتماعية (حب الناس- وحدة الجماعة)-
المعرفية (المعرفة- الذكاء)- تكامل الشخصية(التصميم- الحرص) -العملية
(العمل- الملكية)- الجسمانية (النشاط والصحة- سلامة الجسم). أما مجموعة
القيم الأخلاقية فلم تكن إلى جانبها أية قيمة.
انتهت الدراسات الثلاث السابقة إلى نتائج تكاد تكون متقاربة، يهمّني منها
الذاتية أو الفردية في طرح القيم على الأطفال، والافتقار إلى منظومة قيم
يستند الأدباء إليها في أثناء إبداعهم النصوص الأدبية الموجّهة للطفل
العربي، فالأدباء، كما تدل الإشارة الموجزة إلى الدراسات الثلاث، اهتموا
بمجموعة القيم المعرفية الثقافية أكثر من اهتمامهم بمجموعتي القيم
الأخلاقية والجسمانية. كما أنهم انصرفوا، ضمن مجموعات القيم، إلى قيم دون
أخرى. فكان هناك تركيزٌ واضح على قيم المعرفة وقواعد السلوك ووحدة الجماعة
والتحصيل والنجاح وحرية الوطن، وإهمالٌ لقيم التسامح والتواضع والطاعة
والدين ووحدة الأقطار المجزّأة... وليس هناك تعليل لذلك كله غير انطلاق
الأديب من ذاته وخبرته وثقافته. فهو يطرح القيم التي يرتضيها ويراها أساسية
في التربية القيميّة للطفل العربي، من غير أن يُعير مايطرحه زميله الأديب
أي اهتمام. فالقيمة المعرفية التي نعثر عليها في نص أو نصين لأحد الأدباء
تبقى إيجابية مقبولة، ولكنّ اهتمام الأدباء كلهم بهذه القيمة المعرفية شيء
سلبي مرفوض. وقد أكّدت الدراسات الثلاث هذا الاهتمام المرفوض، لأنه يعني أن
الأدباء يعتقدون بأن الطفل العربي صفحة بيضاء يجب أن تُملأ بالمعارف. وهذا
الموقف الأدبي من الطفل هو نفسه موقف المدرسة منه. فهي ترى واجبها مقصوراً
على تنمية معارف الطفل، لأن المعارف لبوس المتعلِّم ووسيلته في الحياة.
وإذا كان الطفل يقبل موقف المدرسة ويُسوِّغه، فإنه ينفر من النص الأدبي
الذي يتقمّص الموقف نفسه. ويترسَّخ نفوره إذا تقمّص النص الأدبي موقف
المدرسة وأسلوبها معاً. والمراد هنا لجوء النص الأدبي إلى أسلوب الوعظ
والإرشاد في طرح القيم. ذلك أن الطفل يُقبل على النص الأدبي طواعيةً، آملاً
في العثور على المتعة والتشويق، فإنْ رأى هذا النص يُكرِّر موقف المعلّم
وأسلوبه انصرف عنه إلى غيره.
إن خبرة الأديب الفردية وشعوره بالمسؤولية الأدبية دفعاه إلى طرح القيم
الإيجابية، ولكنهما لم يكونا كافيين لاجتماع الأدباء على طرح قيمٍ يُكملِ
بعضها بعضاً، وليس فيها تكرار لما تطرحه المؤسسات الأخرى المعنية بثقافة
الطفل العربي وتربيته. ومن ثمّ كان هناك تركيز على قيم وإهمال لقيم أخرى.
وزاد من الأثر السلبي للتركيز والإهمال خضوع خبرات الأدباء الفردية
لمؤثِّرات التجزئة والإعلام.
فالتجزئة السياسية التي تعاني منها الأمة العربية، خلقت أنظمةَ حكمٍ
متباينة في عقائدها السياسية وفي القيم التي تُجسِّد هذه العقائد. واللافت
للنظر أن يتأثّر الأديب بالقيم التي يُحبِّذها نظام الحكم في دولته،
فيعكسها في النصوص التي يكتبها للطفل، ويهمل قيماً أخرى لا تُقرُّها
السياسة في دولته ولا تُشجّعه على طرحها، أو لا تسمح له بنشرها في كتب
الأطفال ومجلاتهم التي تُصدرها وتُشرف عليها وتحرص على أن تعكس القيم
المفضَّلة لديها. ويمكن الاطمئنان إلى أن التجزئة السياسية العربية لا
تُشجِّع على إبداع أدب الأطفال ذي محتوى قيميّ واحد موحِّد، بل تُشجِّع على
طرح قيم متباينة غير متكاملة. وتكمن المشكلة في أن الأدباء العرب لم يكتفوا
بالتأثر بالتجزئة السياسية وحدها، بل راحوا يتأثرون بتوابعها، أقصد هنا
الطبيعة الآنية للإعلام العربي. ففي أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام
1982، وبعده في زمن المقاومة الوطنية في جنوبي لبنان، ثم في الانتفاضة
الفلسطينية، كان الإعلام العربي يُعلي من قيم المقاومة والدفاع عن الوطن
والشهادة في سبيله، وقد برزت القيم نفسها في نصوص أدب الأطفال التي واكبت
هذه الأحداث، وكأنّ أدباء الطفل تشبَّثوا بإيقاع الإعلام العربي وحماسته،
وراحوا يجسِّدون مايرغب فيه. وهذا ما دفعني إلى الشك في أن يكون أدب
الأطفال تابعاً للإعلام وليس مستقلاً عنه أو رائداً له. وعزّز هذا الشك
خلوّ أدب الأطفال من القيم نفسها بعد تلاشي الاهتمام الإعلامي بهذه
الأحداث، كلها أو بعضها.
مهما يكن الأمر فإن أدب الأطفال العرب يعاني من ظاهرتي التركيز والإهمال،
التركيز على قيم أو مجموعات قيم، وإهمال قيم ومجموعات أخرى. وسواء أكنا
نعزو هاتين الظاهرتين إلى انطلاق الأدباء من خبراتهم الفردية ورؤاهم
الذاتية المتباينة أم نعزوهما إلى تماهي أدب الأطفال بالبيئة التي يُنْتَج
فيها وأخلاصه للقيم التي يدعو إليها نظام الحكم في دولته، فإن النتيجة التي
أخلص إليها هي أن أدب الأطفال العربي ليس أدباً موحِّداً، لأنه يطرح قيماً
لا تقود - على تفاوتها في التركيز والإهمال- إلى بناء شخصية قومية واحدة
للأطفال العرب. وهذا يعني أننا نحتاج إلى حل مقبول لمشكلة القيم في أدب
الأطفال إذا أردنا لهذا الأدب أن يكون موحِّداً لهؤلاء الأطفال مهما يختلف
الأدباء وتتباين الأنظمة وتتعدّد الظروف.
2- أدب الأطفال ومنظومة القيم:
تحتاج علاقة الأديب العربي بالقيم إلى الارتقاء من الفردية الذاتية إلى
الموضوعية. ذلك لأن الأدباء العرب جميعاً يعون أهمية القيم في حياة الطفل،
وخصوصاً قدرتها على توجيه نشاطه وتحديد سلوكه وتكامل شخصيّته. غير أنهم
متباينون كثيراً في وعي الطبيعة العلمية للقيم، أقصد: كون القيم تُوجِّه
نشاط الطفل وتعكس الواقع، فهي أفكار أو ظواهر للوعي الاجتماعي، يُعبِّر
الناس بوساطتها عن واقعهم وأهدافهم. ولابدَّ من أن يكون الأديب قادراً على
معرفة المُثُل الاجتماعية العليا التي تُعبِّر عن واقع العرب وأهدافهم حتى
يتمكّن من طرح القيم الملائمة لهم. وهذا التباين بين الأدباء العرب عائد
إلى اعتمادهم النظرة الفردية للقيم، وابتعادهم عن دراسة نظرية القيم، وهي
دراسة فلسفية تُعين على معرفة طبيعة القيم ومشكلاتها وجوانبها.
فما هو شرٌّ عند هذا الأديب ربما كان خيراً عند أديب آخر لتباينهما في
النظرة الفردية الذاتية التي تُكوِّنها الثقافة وتبلورها العقيدة. وتكمن
المشكلة في أن مفهوم الخير أو الشر معيار لتقييم كثير من السلوك البشري في
الحاضر، كما أنه مطلب أخلاقي في الوقت نفسه، أيْ أنه رغبة في أن يتحقّق هذا
الخير أو الشر. ومن ثمّ لا يصح أن تبقى النظرة إلى الواقع والمستقبل مقصورة
على النظرة الفردية الذاتية، لأن هذه النظرة لا يضبطها ضابط موضوعي يُحدِّد
صلة القيم المطروحة في الأدب بالممارسة الاجتماعية، ويوضِّح جانبها
الإنساني العام. ويمكنني الادعاء بأن هذا الضابط الموضوعي هو (منظومة
القيم) الواضحة المحدَّدة المستمدَّة من ماضي الأمة العربية الإسلامية،
المعبِّرة عن حاضرها وتطلُّعها إلى المستقبل.
ولاشك في أننا لم نكن نملك، قبل بداية النصف الثاني من الثمانينات(4)، أية
محاولة عربية لصنع منظومة قيم خاصة بنا. وهذا أمر بديهي، لأن اقتراح هذه
المنظومة يحتاج إلى تحديد معالم الهوية العربية، وإلى الخروج من مأزق
التجزئة السياسية. ولنقل على سبيل الإيجاز إنّ مناقشات المثقفين العرب حول
قضية الهوية بدأت تحمى وتتأجّج ابتداءً من أُخريات القرن التاسع عشر، في
هيئة الأصالة (أو القديم) حيناً، وهيئة المعاصرة (أو: الحديث) حيناً آخر.
ولم تكن محاولات التوفيق بين الأصالة والمعاصرة غائبة عن الفكر العربي، ولا
ضعيفة فيه، لأنها انطلقت من التلازم بين العروبة والإسلام، وكان التراث في
مفهوم الأمة العربية الإسلامية (5) مكوِّناً من مكوِّنات الهوية وليس
المكوِّن الوحيد لها.
بيد أن ظروف التجزئة السياسية لم تكن مواتية لتجسيد أحلام المثقفين في
تحديد الهوية العربية. فقد أفرزت التجزئة أنظمة متباينة في وجهات نظرها
وعقائدها ومصالحها، وفي نظرتها إلى القيم أيضاً. وجهدت هذه الأنظمة في
توظيف أجهزتها ومؤسساتها لترسيخ القيم التي آمنت بها، ونتج عن ذلك تباين
واضح بين الأقطار العربية في القيم السائدة في أدب الأطفال لديها. ولم يكن
هذا التباين مقصوراً على الأنظمة ذات العقائد السياسية المختلفة، بل شمل
الأنظمة السياسية المتقاربة في عقائدها ونظرتها إلى الحياة والكون. ومن
ثمَّ لم يكن غريباً أن تتباين القيم في أدب الأطفال العرب، وأن يصح وصف هذا
الأدب، تبعاً لذلك، بأنه أدب غير موحِّد.
والدليل على ذلك ماثل في أن نقد أدب الأطفال الذي بدأ يتضح في السبعيّنيات
لم يعثر، وهو يتجه إلى تحليل المحتوى القيمي، على أية منظومة عربية للقيم،
فاضطر إلى اصطناع منظومات غريبة، وراح يطوِّعها لتلائم الثقافة العربية.
وهو محقّ في ذلك. لأنه نظر إلى القيم على أنها الشيء الذي يُحدِّد سلوك
الفرد وأفعاله(6) ومواقفه الاجتماعية والأخلاقية والسياسية وأهدافه العامة
في الحياة (7)، كما رغب النقد في الكشف عن القيم السائدة في أدب الأطفال
ليتمكّن من تحديد موقع الأدب من التغييرات الاجتماعية واستجابته للمُثُل
القومية العليا. وما الدراسات الثلاث التي أشرتُ إليها في بداية الفقرة
السابقة إلا نموذج للدراسات التي اصطنعت منظومة القيم التي قدَّمها (رالف
وايت). وهناك دراسات اصطنعت منظومة وايت نفسها في تحليل المحتوى القيمي
لكتب المطالعة العربية وللطلبة الناشئين (8)، مماجعل هذه المنظومة أكثر
شهرة لدى النُّقاد والباحثين في الوطن العربي. وأود، هنا، تقديم الصورة
المطوَّرة لمنظومة (وايت) كما طرحها خلف نصَّار محيسن الهيتي(9)، لأن هذا
التطوير راعي الثقافة العربية. وسنلاحظ، بعد، أن هناك إمكانية للإفادة من
هذه المنظومة في تعديل المنظومة التي اقترحتها الخطة الشاملة للثقافة
العربية.
تضم منظومة (وايت) المطوَّرة ثماني مجموعات، فيها سبع وأربعون قيمة على
النحو الآتي:
أ- مجموعة القيم الاجتماعية: وحدة الجماعة- الظرف واللطافة- قواعد السلوك-
التواضع- المماثلة- (التشبُّه)- الكرم والعطاء- التسامح- حب الناس (الجنس
الآخر- الأسرة- الصداقة).
ب- مجموعة القيم الأخلاقية: الأخلاق- الصداقة- العدالة- الطاعة- الدين.
ت- مجموعة القيم القومية الوطنية: الوطنية - حرية الوطن (استقلاله)- وحدة
الأقطار المجزّأة (عربية - غير عربية).
ث- مجموعة القيم الجسمانية: الطعام - الراحة- النشاط- الصحة وسلامة الجسم -
الرفاهية - النظافة.
ج- مجموعة القيم الترويحية (التسلية - اللعب): الخبرة الجديدة- الإثارة-
الجمال- المرح- التعبير الذاتي المبدع.
ح- مجموعة قيم تكامل الشخصية: التكيُّف والأمن الانفعالي- السعادة- التحصيل
والنجاح- التقدير- اعتبار الذات (احترام الذات)- السيطرة (التسلُّط)-
العدوان- القوة- التصميم- الحرص والانتباه- استقلال الفرد- المظهر.
خ- مجموعة القيم المعرفية الثقافية: المعرفة- الذكاء- الثقافة.
د- مجموعة القيم العملية الاقتصادية: العملية (الواقعية)- العمل -
الاقتصاد- الضمان الاقتصادي- الملكية الاشتراكية.
3- نحو أدب موحِّد:
صدرت الخطة الشاملة للثقافة العربية عام 1986، بعد عمل دؤوب استمر أربع
سنوات تقريباً (1982-1985). وتنبع أهمية هذه الخطة من أنّها أول تقنين
للهوية العربية الإسلامية تُصْدِره جامعة الدول العربية، ويحظى بموافقة
الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي. وقد روُعي في وضع
الخطة خمسة أمور تلبي الحاجة إلى التنمية القومية الشاملة، وهي(10):
أ- تحديد المنظور المستقبلي العربي، والرؤية الواضحة لنوع الإنسان الذي
نريد، وشكل المجتمع الذي نبني. وبناء نظرية ثقافية متكاملة تُعَدّ إطاراً
مرجعياً للسياسات الثقافية العربية في تنويعاتها القطرية. وفي مواجهة
تحديات المستقبل ومتغّيراته.
ب- تطوير الثقافة العربية لتصبح ثقافة علمية معاصرة محافظة على تراثها
وهويّتها، مسهمة في الوقت نفسه في التقدُّم العربي والبشري.
ت- الاستجابة للأعمار كافة، من المهد إلى اللحد، بمرونة قادرة على التكيُّف
مع تنوُّع البيئات العربية وحاجاتها المتجدِّدة.
ث- الاستجابة لتحدّيات المعرفة والتقنية المتزايدة، وللصراع مع الثقافات
المالكة لها.
ج- الاستجابة لحاجات الأطفال والناشئين الثقافية بإقامة توازن بين الثقافة
التي يجري إعدادها لهم من تراثنا وعصرنا، والثقافة التي يحتاجون إليها في
المستقبل.
جسّدت الخطة الشاملة للثقافة العربية الأمور الخمسة السابقة، فحدَّدت
الهوية الثقافية العربية، ووضعت الأهداف والمبادئ الأساسية، وفصَّلت في أسس
العمل ووسائله، ورسمت عناصر السياسات والبرامج الإقليمية والقومية.
والمعروف أن جامعة الدول العربية لم تكتف بإصدار الخطة، بل راحت تعقد
الندوات لمناقشتها وتوضيحها (11)، وليس غريباً في مثل هذا العمل العلمي أن
تحتلَّ القيم مكانة الصدارة، وأن تُطْرَح على أنها منظومة القيم العربية
الإسلامية (12). ولاشك في أن تقديري جهد جامعة الدول العربية يفرض عليَّ
مناقشة المنظومة قبل الدعوة إلى اعتمادها إطاراً مرجعياً لأدب الأطفال
العربي. ذلك لأن الخطة الشاملة للثقافة العربية صنَّفت منظومة القيم
العربية الإسلامية في أربعة جوانب، يضم كل جانب قيماً رئيسة تتبعها قيم
فرعية تُوضِّحها أو تزيدها تفصيلاً. ويمكنني، تمهيداً للمناقشة، تقديم
الصورة الموجزة الآتية لهذه المنظومة:
أ- من الناحية السياسية:
تكريم الإنسان بوصفه إنساناً (نفي التمييز العنصري)- الشورى أسلوباً للحكم-
العدل- رفض الظلم- الحرية (إطلاق ملكات الإنسان- تحرير الإنسان من
الاستغلال- حرية التعبير)- المساواة في الفرص (استناداً إلى معيار: قيمة
المرء مايُحْسِن).
ب- من الناحية الاجتماعية:
احترام الأسرة (رعاية الوالدين- التراحم بين ذوي القربى- قضايا الإرث-
قضايا الزواج- صوت حقوق المرأة)- إيثار المروءة- العفو هو الأساس في
العلاقات الاجتماعية- التكافل الاجتماعي- (الرعاية الاجتماعية- توفير حاجات
الإنسان الأساسية-نبذ الأنانية الفردية - الصداقات والزكاة- إشراف الدولة
على المشافي- إحياء الأرض- المحاسبة- الوقف)- العدل الاجتماعي (تحريم
الربا- إنكار استغلال الإنسان- التعليم المجاني)- المسؤولية الاجتماعية
العامة للجماعة (تنظيم الحرف- مراقبة الأسواق والأسعار- منع الغش- الحفاظ
على النظافة- الرفق بالحيوان- السهر على القضاء وتنفيذ الأحكام- منع
الاحتكار).
ج- من الناحية الاقتصادية:
تقديس العمل النافع والإنتاج (العمل واجب ديني ودنيوي)- الاستثمار الإنتاجي
ومنع الاكتناز والاحتكار (معيار استثمار المال هو توفير الحاجات الأساسية
للإنسان) -مسؤولية الدولة عن أعمال النفع العام- الثروات العامة ملك
الدولة، تديرها لصالح الجميع.
د- من الناحية الفكرية والثقافية:
رفض الأمية وتكريم العلم- الدعوة للإبداع والتفكير في آلاء الله والطبيعة
والذات الإنسانية - البحث عن الحكمة والمعرفة (التلاقح الثقافي).
حدّدت الجوانب الأربعة للمنظومة المحتوى القيمي للثقافة العربية، وشكّلت
الإطار المرجعي له. كما راعت مكوِّنات الهوية العربية الإسلامية من تراث
روحي وثقافة وشخصية اجتماعية محدّدة، مستندة في ذلك إلى عراقة الثقافة
العربية، وسماتها الإنسانية، وقابليتها للنمو والإبداع والتطوّر، وأصالتها
التي منحتها القدرة على التلاقح ومواجهة الغزو الثقافي. ولا أشك في أن ذلك
كله منح المنظومة خصوصية عربية تفتقر إليها منظومة (وايت) المطوَّرة على
الرغم من التقائها المنظومة العربية في ثلاث مجموعات، هي المجموعة
الاقتصادية والفكرية الثقافية. ولعل افتقار منظومة (وايت) إلى المجموعة
السياسية يدل على رغبة واضعها في جعلها مطلقة غير مقيَّدة بمجتمع معيّن، في
حين رغبت المنظومة العربية في أن تبدأ بالناحية السياسية لإدراكها أهميتها
في المجتمع العربي.
وإذا قارنا مفردات القيم في المنظومتين لاحظنا الخصوصية العربية نفسها.
فقيمة الأسرة الفرعية في منظومة وايت أصبحت أساسية في المنظومة العربية،
لأن الأسرة كالعمل واجب ديني ودنيوي عند العرب، عبَّرت عنه الثقافة العربية
وجسَّده الواقع بحرصه على التماسك الأسري، وتشجيعه العمل النافع، ومحاربته
البطالة. كما تشير المقارنة إلى أن منظومة وايت لا تضم قيماً عربية أصيلة،
كتكريم الإنسان، ونفي التمييز العنصري، والمساواة في الفرص، والدعوة إلى
التفكير، والإبداع، والاستثمار الإنتاجي لصالح الناس كافة، وتكريم العِلْم،
ورفض الأميّة، والعدالة الاجتماعية...
وفي المقابل، تخلو المنظومة العربية من مجموعتين التفتت إليهما منظومة وايت،
هما: مجموعة القيم الوطنية القومية، ومجموعة القيم الجسمانية. ولهاتين
المجموعتين أثر كبير في تنمية الحس القومي والوطني لدى الطفل العربي، وفي
الحفاظ على صحته وسلامة جسده، كما تفتقر المنظومة العربية إلى قيم لها صدى
في الثقافة العربية، كالكرم وحب الناس والصداقة والجمال والمرح والتصميم
نفي العدوان والتسلُّط.
كما أن المنظومتين معاً تحتاجان إلى قيم أخرى روحية وثقافية واقتصادية
واجتماعية، تسدُّ ثغرات في النظام القيمي المعبِّر عن الهوية العربية
الإسلامية. وقد لاحظتُ أن الخطة الشاملة أشارت إلى بعض هذه القيم في أثناء
حديثها عن تنمية القيم الروحية واستلهامها(13)، وعن الهوية الثقافية (14).
ولكنها لم تضمّها إلى المنظومة لسبب أو آخر. وهذا كله يعني، في رأيي، أن
منظومة القيم العربية الإسلامية المقترحة في الخطة الشاملة للثقافة العربية
تحتاج إلى جهد آخر لتصبح شاملة.
وصفة الشمول في منظومة القيم ضرورية جدّاً إذا أردنا لأدب الأطفال أن يُسهم
في بناء الشخصية القومية السليمة للطفل العربي. ذلك لأن تنمية قيم دون أخرى
تُصيب النظام القيمي للطفل بالخلل وبشيء غير قليل من الصراعات التي تؤدّي
إلى اضطرابات عصابية عنده. وهذا مادفعني إلى تقديم صورة معدَّلة لمنظومة
القيم العربية الإسلامية التي اقترحتها الخطة الشاملة. وقد راعيتُ في
التعديل الأمور الأتية:
- المحافظة على منظومة القيم العربية الإسلامية، مع تعديل بعض القيم
الفرعية فيها(15).
- إضافة مجموعتي القيم الوطنية القومية والجسمانية من منظومة وايت، مع
تعديل بعض قيمهما الفرعية (16).
- إضافة القيم التي لم تُذكر في المنظومة العربية ومنظومة وايت(17).
- إضافة القيم الروحية التي أُدرجت في الخطة الشاملة، ولم ترد في المنظومة
العربية(18).
- اعتماد التصنيف المستند إلى (مجموعات).
- اعتماد القيم الفرعية داخل كلّ مجموعة حرصاً على التخصيص وابتعاداً عن
التعميم.
4- المنظومات العربية الإسلامية المعدَّلة:
أ- مجموعة القيم الأساسية:
تكريم الإنسان لذاته- نفي التمييز العنصري- اعتماد الشورى أسلوباً في
الحكم- العدل- رفض الظلم- حريّة التعبير والرأي- تحرير الإنسان من
الاستغلال- إطلاق ملكات الإنسان- حرية المعتقد(19)- التسامح الديني(20)-
رفض التسلُّط- المساواة في الفرص استناداً إلى معيار: قيمة المرء بما
يُحسن.
ب- مجموعة القيم الاجتماعية:
احترام الأسرة- رعاية الوالدين- التراحم وصلة ذوي القربى- التقيُّد بقضايا
الإرث الشرعي- تشجيع الزواج المتكافئ (21)- صون حقوق الطفل والناشئ والكهل
والمرأة (22)- إيثار المروءة والعفو في العلاقات العامة- الرعاية
الاجتماعية- توفير الحاجات الأساسية للإنسان- نبذ الأنانية الفردية- تشجيع
الصدقات والزكاة- إحياء الأرض- اعتماد مبدأ المحاسبة (23)- العدل
الاجتماعي- تحريم الربّا- نفي استغلال الإنسان- التعليم المجّاني-
المسؤولية العامة للجماعة عن تنظيم الحِرَف- المسؤولية العامة للجماعة عن
مراقبة الأسواق والأسعار- المسؤولية العامة للجماعة عن نفي الغش- المسؤولية
العامة للجماعة عن نزاهة القضاء- المسؤولية العامة للجماعة عن منع
الاحتكار- المسوؤلية العامة للجماعة عن سيادة القانون(24)- المسؤولية
العامة للجماعة عن مراعاة الجوار(25)- المسؤولية العامة للجماعة عن الحفاظ
على وحدة الجماعة- المسؤولية العامة للجماعة عن حبِّ الناس- المسؤولية
العامة للجماعة عن الملكية العامة- المسؤولية العامة للجماعة عن الآداب
العامة- المسؤولية العامة للجماعة عن تحويل المبادئ إلى مؤسسات اجتماعية
(26)- اللباقة (27)- الصداقة- التواضع- احترام الصداقة.
ت- مجموعة القيم الاقتصادية:
تقديس العمل النافع (العمل واجب ديني ودنيوي) - الاستثمار الإنتاجي
(استناداً إلى معيار: استثمار المال مشروط بتوفير حاجات الإنسان)- مسؤولية
الدولة عن أعمال النفع العام- التضامن الاقتصادي العربي(28)- توفير الضمان
الاجتماعي- نفي التبذير (29)- ترشيد الاستهلاك(30)- منع احتكار الحاجات
الأساسية واكتنازها (32)- التكافؤ بين العمل والأجر(33).
ث- مجموعة القيم الفكرية الثقافية:
رفض الأميّة- تكريم العلم والعلماء (34)- الدعوة للإبداع- الدعوة للتفكير
في آلاء الله والطبيعة والذات الإنسانية- البحث عن المعرفة والحكمة-
التلاقح الثقافي مع الثقافات العالمية (35)- احترام الكلمة (36)- احترام
الحوار (37)- رفض الاستلاب الفكري(38)- احترام التراث وإحياؤه(39)-
التكيُّف مع الحاضر والإعداد للمستقبل (40)- عدم التعارض بين العقل
والنقل(41)- احترام الفكر العلمي وتشجيعه (42)- ممارسة الاجتهاد(43)- تنمية
الأحاسيس الجمالية (44)- التحصيل والنجاح- احترام الذات- التصميم- الحرص
والانتباه.
ج- مجموعة القيم الوطنية القومية:
احترام الوطن والأمة العربية (45)- الشهادة في سبيل الوطن والأمة
العربية(46)- الحفاظ على حرّية الوطن والأمّة العربية(47)- وحدة الأقطار
العربية(48)- نفي العدوان(49).
ح- مجموعة القيم الجسمانية:
الاعتدال في الطعام والشراب(50)- الحفاظ على الصّحة وسلامة الجسد(51)-
النظافة- الرياضة (52).
تضمّ المنظومة العربية الإسلامية المعدّلة ست مجموعات، فيها ثلاث وثمانون
قيمة. ولا أشك في أن هذه المنظومة، في أصولها الأولى وفي صورتها المعدَّلة،
لم تُوضع للأطفال العرب فحسب، بل وُضعت لمتلّقي الثقافة العربية في مراحلهم
العمرية كافّة. ذلك لأننا نهدف إلى أن يُسهم أدب الأطفال في بناء الشخصية
القومية للطفل العربي، أي أن يكون أدباً موحدّاً. غير أننا نعي جيّداً أن
أدب الأطفال لا يهدف إلى إمتاع الطفل وجَعْلَهُ يعيش حاضره فحسب، بل يهدف
في الوقت نفسه إلى إعداده للمستقبل. ومن الضروري ألاّ يختلف النظام القيمي
للطفل حين ينتقل إلى مرحلة المراهقة فالرجولة فالكهولة، إذا أردنا للشخصية
القومية أن تُبْنَى بناءً سليماً متماسكاً. ولهذا السبب لم تقترح الخطّة
الشاملة للثقافة العربية منظومة واحدة للأطفال وأخرى للناشئين وثالثة
للرجال والنساء، بل اقترحت منظومة واحدة للثقافة العربية، وانطلقت من أن
ثقافة الطفل إحدى الثقافات الفرعية في المجتمع العربي.
وإذا كان أدب الأطفال مكوِّناً من مكوِّنات ثقافة الطفل فإن الحرص على
إنتاج أدب موحِّد للأطفال العرب لا يتحقّق إذا لم يتقيَّد الأدباء الذين
يكتبون للمراحل العمرية اللاحقة بالمنظومة نفسها ليبقوا الأدب الموحِّد
موحِّداً، قادرا في كل مرحلة عمرية على تعزيز الشخصية القومية وتنميتها،
وبذلك يتّجه الأدب العربي كله نحو غاية واحدة، هي ترسيخ أدب موحِّد للشخصية
القومية العربية.
الإحالات:
1- مشكلات قصص الأطفال في سورية- اتحاد الكتاب العرب- دمشق
1981.
2- انظر جزئّيات التحليل في الفصل الخاص بالقيم وصحافة
الأطفال من كتابي: ثقافة الطفل العربي- اتحاد الكتّاب العرب- دمشق 1987.
3- انظر القيم السائدة في صحافة الأطفال العراقية- خلف
نصّار محيسن الهيتي- وزارة الثقافة والفنون- بغداد 1978.
4- الإشارة هنا إلى عام 1986، وهو تاريخ طباعة الخطّة
الشاملة للثقافة العربية.
5- للتفصيل انظر: البحث عن الهويّة العربية- د. فؤاد مرسي-
مجلة الوحدة- العدد 53- فبراير/ شباط 1989- ص 7.
6- انظر ص 53 من: خليفة، د. عبد اللطيف محمد- ارتقاء القيم-
عالم المعرفة 160- الكويت 1992.
7- المرجع السابق- ص 54.
8- منها تطوّرات في قيم الطلبة- محمد إبراهيم كاظم- مكتبة
الأنجلو المصرية- القاهرة 1974. وذكر خلف نصّار محيسن الهيتي دراسات أخرى،
كدراسة عائشة حسين طوالبة (القيم السائدة في كتب المطالعة العربية للمدارس
الابتدائية)، ودراسة محمد الياس بكر (دراسة مقارنة في القيم بين طلبة
الجامعة).
9- انظر القيم السائدة في صحافة الأطفال العراقية- ص 51،
ومابعد.
10- الأمور الخمسة مستمدّة من تصدير الخطة الشاملة للثقافة
العربية- ص 24/25- الط 2- تونس 1990.
11- عقدت المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ندوات
عدّة لمناقشة الخطة الشاملة للثقافة العربية، من هذه الندوات ندوة (الثقافة
والقوى البشرية) التي التأم عقدها في تونس بين 16/19-11-1992
12- انظر الخطة الشاملة للثقافة العربية - ص 54 ومابعد.
13- المرجع السابق - ص 82 ومابعد.
14- المرجع السابق - ص 50 ومابعد.
أضيفت في04/02/2006/ خاص
القصة السورية / عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الأطفال والتربية الإبداعية
بقلم الكاتبة: سناء العطاري
مقدمة
يقول بياجيه: "إن الهدف الأساسي من التربية هو خلق رجال قادرين على صنع
أشياء جديدة، ولا يقومون فقط بتكرار ما صنعته الأجيال السابقة، رجال
مبدعين، مبتكرين، ومكتشفين" (Fisher,
2001).
ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الرجال الذي ذكره بياجيه، يحتاج إلى تربية
من نوع خاص؛ ألا وهي التربية الإبداعية. فمثلما توجد تربية دينية، وتربية
رياضية، وتربية فنية، فإن هناك تربية إبداعية، هدفها خلق الأفراد المبدعين
في المجتمع، من خلال الكشف عن طاقاتهم الإبداعية وتنميتها وتطويرها. وهذه
التربية توجه اهتمامها وأساليبها وأنشطتها إلى الإبداع.
ولا يخفى على أحد أهمية وجود الأفراد المبدعين في المجتمع، "حيث تعتبر
العمليات الابتكارية والإبداعية صاحبة الفضل في تقدم الحياة وتطورها على مر
العصور والأجيال، ولهذا فإن أصحاب القدرات الابتكارية والإبداعية يكونون
رأس مال قومياً وإنسانياً، يسهم في إثراء التراث البشري، وتقدم الإنسانية
وازدهارها" (نجيب، 1994).
ويقول فيشر (Fisher)
إنه "إذا كان على أطفالنا أن يتوقعوا إشكالية التغير، سواء على المستوى
الفردي أو الاجتماعي، وأن يتغلبوا عليها ويتعلموا مواجهتها، فإنهم بالإضافة
إلى حاجتهم إلى تعلم كيفية التأقلم مع المستقبل، فإن عليهم أن يتعلموا كيف
يشكلونه أيضاً. وإذا كان إعداد الأطفال لمواجهة التغيرات السريعة في
العالم هو أحد تحديات التربية، فإن تعليمهم التفكير بإبداع يصبح حاجة ملحة"
(Fisher,
2001:.30).
وتنبع قيمة التفكير الإبداعي من كونه يؤدي إلى مرونة الاختيار، فما ينقصه
في السرعة يكسبه في نوعية القرار، فهو قادر على تحطيم المفاهيم والعادات
المألوفة، وجعل العقل يفكر باتجاه أفكار واحتمالات جديدة.
لقد كشفت الكثير من الدراسات حول نمو الطفل وتطوره المعرفي، أن الطفل يولد
ولديه الميل الفطري للاكتشاف والاستقصاء والتساؤل والتخمين، ولكن عادة ما
يحصل تغيير سلبي في عملية التعليم في عمر ثلاث أو أربع سنوات، ويمكن تسمية
هذا التغيير (هدماً)، حيث يتعلم الطفل أن يتوقف عن الإجابات التي تتضمن
التخمين والإبداع عندما تواجه جهوده بالرفض لعدد من المرات، وبدلاً منها
يصبح يوجه الأسئلة مباشرة إلى الكبار، فهو يتعلم أن الإجابات لا تعتمد على
ما يفكر ويؤمن به الطفل، بل على ما يفكر ويؤمن به أحد الوالدين أو المعلم.
فالطفل هنا يبدأ بالتصرف بسلبية، ويبدأ بالاعتماد على سلطة الآخرين بدلاً
من الاستمرار في التدرب على إيجاد الروابط والتخمين والإبداع، وبدلاً من
زيادة مهاراته في الاكتشاف، والربط، والمقارنة، وربط المعلومات. فإذا لم
يكن يعرف الإجابة الدقيقة، أو لم يكن قد فهم ما رآه بشكل كامل، فإنه ينتظر
شرح الآخرين (Fisher,
2001).
إن بيئة الطفل قد تكون بيئة مساندة تعمل على الكشف عن طاقاته الإبداعية
ورعايتها، وقد تكون بيئة غير مساندة، تعمل على تجاهل هذه الطاقات وتدميرها
أيضاً. وما نقصده هنا بالبيئة البيت والمدرسة بشكل خاص.
والأدب أحد المجالات التي تسعى التربية الإبداعية إلى توجيه الطفل نحوها
إذا ما لوحظ وجود ميول أدبية لديه مثل: كتابة القصة والشعر وغيرهما.
وللأدب تأثير كبير على لغة الأطفال وتفكيرهم وسماتهم النفسية والشخصية.
ومن الأهمية بمكان أن يتعرض الطفل منذ الطفولة المبكرة للنماذج الأدبية
المختلفة؛ لكي يتشكل لديه الحس والذوق الأدبي الفني. ففي البداية يسمع
الطفل الأنشودة والقصة من الوالدين ومعلمة الروضة، وبعد أن يتعلم القراءة،
يقرأ بنفسه ما يختار من القصص والأناشيد والمجلات وغيرها.
وتلعب المدرسة بما فيها من إدارة ومعلمين ومرشدين تربويين ونفسيين دوراً
مهماً في الكشف عن طاقات الطفل الإبداعية، وتشكيلها، وتنميتها، ويمكننا أن
نقول في هذا السياق إن الإبداع من أنواع السلوك التي يمكن أن يتعلمها
الفرد. وهنا يجب أن نؤكد أهمية وجود المعلم المبدع (أو على الأقل المقدر
للإبداع)، فإذا لم يكن المعلم نفسه مفكراً مبدعاً مجدداً، فكيف نتأمل منه
الكشف عن الطلاب المبدعين ورعايتهم؟
وهناك الكثير من الممارسات والنشاطات التي يمكن أن يقوم بها المعلم داخل
غرفة الصف بالاشتراك مع طلابه، والتي تؤدي إلى تنمية مواهبهم وقدراتهم
الأدبية الإبداعية، وهي ما سيتم تفصيله في سياق هذه الدراسة.
أدب الأطفال والتربية الإبداعية
مفهوم التربية الإبداعية: يقصد بالتربية الإبداعية أن توجه التربية
اهتمامها وأساليبها وأنشطتها ونتائجها إلى مجال الإبداع، مع مراعاة خصائص
وإمكانيات ومقومات كل من التربية وعمليات الإبداع ودورها بالنسبة للفرد
والمجتمع. أي أنها هي التربية في مجال الإبداع، وما يمكن أن يحدث بينهما
من تفاعل ونشاط إيجابي متميز، مع توظيف خصائص الإبداع ومقوماته لإثراء حياة
الفرد والمجتمع الحاضرة والمستقبلية، وتنميتها، وتطويرها لمواجهة ما يطرأ
عليها من متغيرات ومواقف ومتطلبات، بأفضل صورة ممكنة (نجيب، 1994).
مفهوم أدب الأطفال
يمكن تعريف أدب الأطفال بأنه: "خبرة لغوية في شكل فني، يبدعه الفنان،
وبخاصة للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً، يعيشونه
ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح،
وينمي فيهم الإحساس بالجمال وتذوقه، ويقوي تقديرهم للخير ومحبته، ويطلق
العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعية، ويبني فيهم الإنسان. كما يعرف أدب
الأطفال بأنه شكل من أشكال التعبير الأدبي، له قواعده ومناهجه، سواء منها
ما يتصل بلغته وتوافقها مع قاموسه الطفل، ومع الحصيلة الأسلوبية للسن التي
يؤلف لها، أم ما يتصل بمضمونه ومناسبته لكل مرحلة من مراحل الطفولة، أم
يتصل بقضايا الذوق وطرائق التكنيك في صوغ القصة، أو في فن الحكاية للقصة
المسموعة (يحيى، 2001: 18).
ويعرف أدب الأطفال بأنه في مجموعه هو: "الآثار الفنية التي تصور أفكاراً
وأحاسيس وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال وتتخذ أشكال القصة والمسرحية والمقالة
والأغنية" (الهيتي، 1979) في (أبو فنة، 2001).
والقول عن الأدب بأنه "الآثار الفنية التي تصور أفكاراً وأحاسيس وأخيلة" قد
ينطبق على الأدب عامة - الموجه للصغار والكبار على السواء - ولكن قول
الهيتي بوجوب ملاءمة تلك الآثار الفنية لمدارك الأطفال، أو ضرورة ملاءمة
مضامين تلك الآثار مع "قدرات الأطفال العقلية والخيالية والعاطفية"، هذا
التحديد يشير إلى اختلاف أدب الأطفال وتميزه عن أدب الكبار بسبب اختلاف
جمهور المتلقين الصغار وخصائصهم.
وكتبت الأديبة الناقدة ليئة غولدبرغ (أبو فنة، 2001) عن أدب الأطفال بشيء
من التفصيل، مضيفة عناصر ومقومات أخرى، فهي تعرف أدب الأطفال بأنه: "ذلك
النوع من الأدب - نثراً أو شعراً - الذي يلائم في مضمونه وأسلوبه إدراك
الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة حتى الثالثة عشرة تقريباً، أما
أسلوب هذا الأدب فيكون سهلاً واضحاً خالياً من التعقيد وحشد المشاكل، ولا
يتجاوز المفاهيم المفهومة للطفل حسب نموه وقدرة استيعابه".
وكما أن هنالك اختلافاً في تحديد مفهوم أدب الأطفال، فإن هنالك أيضاً
اختلافاً حول تحديد مرحلة الطفولة، وحول تقسيماتها المختلفة، فمن الباحثين
من ينتهي بها عند الثانية عشرة، ومنهم من يمتد بها حتى سن الرابعة عشرة أو
الخامسة عشرة، ومنهم من يصل بها إلى أكثر من ذلك.
أنواع الأدب
وقسم رافع يحيى الأدب إلى نوعين رئيسيين:
أدب بمعناه العام:
وهو يدل على النتاج العقلي عامةً مدوناً في كتب.
أدب بمعناه الخاص:
وهو يدل على الكلام الجيد الذي يحدث لمتلقيه متعةً فنية (يحيى، 2001).
وفي ضوء ما سبق، يمكن أن نجد لأدب الأطفال في المرحلة العمرية التي يدور
حديثنا حولها، مفهومين رئيسيين:
أدب الأطفال بمعناه العام:
وهو يعني الإنتاج العقلي المدون في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتى فروع
المعرفة؛ مثل: كتب الأطفال العلمية المبسطة، والمصورة، وكتبهم الإعلامية،
ودوائر المعارف الموجهة إلى الأطفال.
أدب الأطفال بمعناه الخاص:
وهو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية سواء
أكان شعراً أم نثراً، وسواء أكان شفوياً بالكلام، أم تحريرياً بالكتابة؛
مثل قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم وأغانيهم وما إلى ذلك.
ومما تجدر الإشارة إليه أننا عندما نتحدث عن الكتب، إنما نقصد إلى معناها
الواسع، بحيث تضم: المقروء، والمسموع، والمرئي، تمشياً مع مقومات التقدم
التقني المعاصر.
"ويرى بعض الباحثين، أهمية التمييز بين النتاج الفكري عن الطفولة والنتاج
الأدبي الموجه لهم. وينادون بإعادة النظر بين هذين النتاجين. ويرون أن
أدب الأطفال له آثاره الإيجابية في تكوينهم، وبناء شخصياتهم وإعدادهم
ليكونوا رواد الحياة. والطفل هو الإنسان في أدق مراحله وأخطر أطواره، ومن
ثم فإن الاهتمام بالجانب الوجداني من حياة الطفل يتعين ألا يعلوه أي اهتمام
آخر، ويقوم أدب الطفل بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي
... الخ " (يحيى، 2001).
اللغة والأسلوب في أدب الأطفال
يمكن القول إن غالبية الأدباء والباحثين الذين تطرقوا لقضية اللغة والأسلوب
في أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل وقاموسه حسب مراحل
العمر والنمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس
في الأمور التالية:
"على صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية – الدعوة لاستخدام الألفاظ والتراكيب
السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب
المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى التكرار في الألفاظ
والتعابير.
وعلى صعيد الجملة، تركيبها ونحوها – استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة
الطول، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة. استخدام الجمل والألفاظ الدالة على
المعاني الحسية وتجنب المجرد المعنوي.
وعلى صعيد الأساليب – تحري الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة
والزخرف والثراء اللغوي المتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة
الصعبة، والاقتراب من خصائص "لغة الكلام" والاستفادة من أسلوب الراوي في
الحكاية الشعبية الشفهية" (أبو فنة، 2001).
ويعتقد البعض أن الكتابة للأطفال أكثر مشقة من الكتابة للكبار، بسبب
الاشتراطات التربوية والثقافية التي يلتزم بها كاتب الأطفال، وبسبب مراعاته
للمستوى العقلي والنفسي للمتلقين.
ويمكن القول إن أدب الأطفال قد يكون كل عمل أدبي يكتب ابتداءً وخصيصاً
للأطفال، وقد يكون كذلك كل عملٍ أدبي يكتب ثم يقرأه الأطفال فيستسيغونه،
ويجدونه مادة أدبية مشوقة ومحببة لهم حتى ولو لم يقصد مؤلف ذلك العمل
توجيهه أصلاً للأطفال.
وبالفعل، هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي لم تكتب خصيصاً للأطفال،
ولكنها أصبحت مع مرور الزمن، بعد تعديلها وملاءمتها، من المواد الأدبية
الشائقة والمحببة لدى القراء الصغار، من بين تلك الأعمال نذكر رواية
"روبنسون كروزو" للكاتب دانيال ديفو (1660-1731 )، والرواية الساخرة "رحلات
جلفر" لجوناثان سويفت (1667-1745). كذلك يدخل ضمن هذا الإنتاج الأدبي الذي
أصبح جزءاً من أدب الأطفال، الأساطير والحكايات الشعبية بعد تعديلها
وملاءمتها للأطفال، كحكايات وقصص "ألف ليلة وليلة" و"سيرة عنترة" وغيرهما
(أبو فنة، 2001: 18).
الكتب المدرسية وأدب الأطفال
عند الحديث عن موقف الكتب المدرسية من أدب الأطفال يشار إلى أبعاد ثلاثة:
البعد الأول: يتعلق بتعريف أدب الأطفال، وفيه نرى أن الكتب المدرسية تدخل
ضمن أدب الأطفال بمعناه العام، إذ أنها نتاج عقلي مدون في كتب موجهة إلى
الأطفال.
البعد الثاني: يتعلق بجمهور القراء، ذلك أن كتب الأطفال هي ببساطة، كتب
موجهة للأطفال (التلاميذ)، ولهذا لا بد للكتب المدرسية الناجحة من أن تراعي
خصائص الأطفال وقدراتهم واهتماماتهم فيما تقدمه لهم من مواد دراسية منهجية.
البعد الثالث: يتعلق بالاتجاهات المعاصرة ومنها الأدبي الواضح نحو تذويب
الفوارق بين الكتب المدرسية وكتب الأطفال الإعلامية، بحيث أصبحت كلها كتب
أطفال مشوقة (يحيى، 2001: 19).
وفي ضوء هذه الأبعاد الثلاثة نستطيع أن نرى بوضوح أن الكتب المدرسية هي جزء
من صميم كتب الأطفال وأدب الأطفال، وهذه حقيقة – على الرغم من بساطتها –
تغيب عن الأذهان، وهي على قدر كبير من الأهمية؛ لأن الكتب المدرسية تمثل
أهم قطاع من قطاعات الكتب التي يتعامل معها الأطفال، في كل مراحل نموهم،
وفي جميع مراحلهم التعليمية.
تعليم وتعلم التفكير
يقتصر عمل الكثير من المدارس على تزويد الأطفال بالمعلومات المنهجية في
نواحي العلوم والفنون والآداب المختلفة، وهذا يمثل قصوراً كبيراً في قيام
هذه المدارس بدورها في تنشئة الصغار؛ لأنها تغفل أمراً على درجة قصوى من
الأهمية هو: تعلم واكتساب طريقة التفكير الصحيحة، بحيث يكون تفكير الفرد
علمياً منطقياً سديداً، موضوعياً بعيداً عن التعصب، أو المصلحة الشخصية
والعوامل الذاتية.
وطريقة التفكير الصحيحة هي عادة معرفية لها قيمة كبيرة في التقدم البشري،
وهي من أهم ما يجب أن يركز عليه المشتغلون في ميادين التربية والتعليم.
أما الاقتصار على الحفظ والاستظهار، والاعتماد على الذاكرة وحدها، فإنه لا
ينجح في إعداد الفرد المفكر الناقد المستنير، الذي يحسن الحكم على الأمور،
وتقدير العواقب، وابتكار الحلول، والذي يستطيع أن يسير بمجتمعه خطوات إلى
الأمام.
اللغة والتفكير
هناك صلة وثيقة بين اللغة والتفكير، ويتوقف التفكير إلى حد كبير على الصورة
اللفظية البصرية والسمعية، وكذلك على الكلام الباطن، ولهذا فإن اللغة تمثل
عوناً كبيراً على التفكير، وعلى تنظيمه وتيسيره وتوضيحه.
وكذلك نجد أن اللغة هي وسيلة تمثيل الأفكار، ونقلها بين أفراد الجنس
البشري، وكلما زاد الثراء اللغوي، وتوفرت الكلمات المعبرة عن مختلف الأشياء
والمفاهيم، زادت قدرة الفرد على التفكير والتعبير ونقل الأفكار، وأصبحت
أكثر فعالية ودقة، ومن ثم فإن تقدم الفكر مرتبط أشد الارتباط بثراء اللغة،
كما أن ضحالة اللغة وتخلفها، والفقر في الألفاظ، هي من العقبات الرئيسية في
طريق التفكير ونموه ورقيه وتطوره (نجيب، 1994).
واستيعاب هذا الارتباط الوثيق بين اللغة والتفكير يوضح عمق أثر أدب الأطفال
وتأثيره على كل من: اللغة التي يقوم الأدب بدور أساسي في غناها وثرائها،
والتفكير الذي يمكن أن يقوم أدب الأطفال أيضاً بدور مهم في تنميته وتطويره،
ودعم أسلوبه الصحيح بين الأطفال.
تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي
تقوم التربية الإبداعية بدور مهم في تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي عند
الأطفال بوسائل مختلفة:
1. إتاحة الفرص أمام الطفل للإسهام في حل مشكلاته الخاصة، وقيامه بدور
إيجابي في هذا السبيل، بدلاً من أن نقدم له الحلول الجاهزة، مع تدريبه على
إدراك المشكلة من جميع جوانبها، وافتراض الحلول، وتقييم هذه الحلول بطريقة
موضوعية، ومحاولة وضعها موضع التنفيذ، وما إلى ذلك، ما ينمي التفكير العلمي
والإبداعي عند الأطفال.
2. تنمية خيال الطفل بطريقة سليمة، والطفل لديه استعداد قوي لهذا، والخيال
الإنساني مسؤول عن كل الأعمال الابتكارية في حياة البشر.
3. إتاحة الفرص أمام الأطفال للتجريب واكتشاف الأشياء واستطلاع البيئة
المحيطة بهم، والكشف عن خواص الأشياء وتجريبها، وممارسة ألعاب البناء
والتركيب، والرسم والقص والتكوين.
4. الاهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال، والعمل على تنمية استعدادات
الفرد وقدراته إلى أقصى حدودها وإمكانياتها.
5. إثارة اهتمام الأطفال بالمشكلات المختلفة، والإحساس بها، وإثارة حماستهم
للبحث في هذه المشكلات، والتماس الحلول المبتكرة المناسبة لها.
6. الاهتمام بممارسة الأنشطة الإبداعية وتذوقها، مثل الرسم، والتصوير،
والأشغال الفنية، والهوايات، والابتكارات التقنية، والتصميم، وكتابة الشعر
والقصة ... الخ. وهنا يجد الطفل نفسه مبتكراً، يبدأ إنتاجه الفني بمعارفه
السابقة، ثم يضيف إليها من ذاته وأحاسيسه وعواطفه وأفكاره، فيخرج إبداعاته
الأولى التي تمهد لإعداده ليكون فرداً مبدعاً.
7. تنمية قدرة الأطفال على الملاحظة الدقيقة، والتقاط الظواهر ذات القيمة،
التي تبدو كأنها حدثت مصادفة (مثل سقوط التفاحة عن الشجرة)، وتشجيعهم على
تفسير هذه الظواهر، واختبار التفسيرات المختلفة، والتحقق من صحتها.
8. تدريب الأطفال على الصبر والمثابرة وبذل الجهد المتصل، فالمبدعون
يتميزون دائماً بالقدرة الفائقة على تحمل العناء.
9. تدريب الأطفال على التفكير الناقد الذي يحسن التعليل والتحليل وربط
الأسباب بالنتائج، وتقييم الأمور بطريقة موضوعية (نجيب، 1994).
البيئة المساندة للإبداع
مهما كانت قدرات الأطفال الإبداعية الكامنة، فإنها لن تؤتي أكلها ما لم تكن
محاطة ببيئة مساندة دافئة، تكشف عن هذه القدرات وتوجهها وتساعدها على النمو
والتطور. فكل الأطفال يولدون ولديهم قدرات إبداعية، ولكن الأمر يعود إلينا
لتوفير البيئة المساندة لجهود الطفل الإبداعية.
"وعالم النفس كارل روجرز يقول: "إن الناس يحتاجون إلى شرطين إذا أرادوا أن
يقوموا بعمل مبدع: الأمن النفسي، والحرية النفسية. وإحساس الطفل بالأمن
النفسي ينتج من ثلاث عمليات مترابطة:
1. تقبل الطفل كفرد ذي قيمة غير مشروطة، والإيمان بالطفل بصرف النظر عن
وضعه الحالي.
2. تجنب التقييم الخارجي، ودعم تقييم الذات.
3. التعاطف مع الطفل، ومحاولة رؤية العالم من وجهة نظره، وتفهمه وتقبله" (Fisher.2001:
35).
وبإمكان الشخص البالغ الذي يرشد الطفل، سواء أكان أحد الوالدين، أو المعلم
أن يقول للطفل "لا يعجبني تصرفك"، ولكن عليه أن يكون حذراً في استخدام بعض
الألفاظ التي تقيم الطفل ذاته مثل: "أنت سيئ، مخطئ، كسول". ومع أن الفرق
بين الأسلوبين دقيق، وقد لا يتنبه له البعض، إلا أنه مركزي لبيئة الإبداع،
فهناك فرق بين أن نقيم أو ننتقد سلوك الطفل، وبين أن ننتقده أو نقيمه هو
ذاته، فقد سبق أن ذكرنا أنه يجب علينا أن نتقبل الطفل كما هو دون شروط.
وقدرة الطفل الإبداعية تُغذَّّّّى بالاستحسان الإيجابي والدافئ من قبل
البالغين المهمين في حياته. فالأطفال يميلون للخلق من أجل من يحبون.
أما الحرية النفسية فإنها تقوي الإبداع بإتاحة حرية التعبير لدى الأطفال.
ويجب أن يشعر الأطفال بدرجة كافية من الأمان تتيح لهم تجربة الأشياء
الجديدة، وأن يعطوا الحرية للقيام بذلك ضمن حدود، ولكن بحيث لا تكون حريتهم
عائقاً أمام حرية الآخرين. وفي ظل مناخ مساند للإبداع يُقَدِّر الراشدون
والأطفال عالياً الأصالة وليس المسايرة لأفكار الآخرين، ويُقَدِّرون كذلك
اختلاف الأفكار وليس التشابه. ومن الممارسات التي تساند الإبداع تشجيع
الذات الساعية إلى التجريب وليس الذات الساعية إلى حماية نفسها (Fisher,
2001).
وللتعابير والألفاظ التي نقولها للأطفال أهمية في إضعاف ثقتهم بأنفسهم،
وتدمير تقدير الذات لديهم، أو على العكس دعم التفكير الإبداعي لديهم، ودعم
ثقتهم بأنفسهم. وهذه بعض الأمثلة على التعابير المحبطة:
من أين أتيت بهذه الفكرة السخيفة؟
لا تسأل مثل هذا السؤال الغبي.
ألا تستطيع أبداً أن تفكر بطريقة صحيحة.
ألا تفكر أبداً.
هل هذا كل ما تستطيع قوله/عمله/التفكير به؟
ومن الأمثلة على التعابير التي تدعم التفكير الإبداعي:
هذه فكرة رائعة.
أخبرني المزيد عن ذلك.
كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
هل فكرت ببدائل أخرى؟
جرب ذلك بنفسك، وإن احتجت إلى مساعدة أخبرني.
هذا سؤال جيد.
أنا واثق أنك تفهم بشكل صحيح.
وعلينا أن نتقرب من الأطفال بتفهم كبير، هادفين إلى تقليل أخطائهم، ومكافأة
جهودهم. "والدراسات البحثية أظهرت أهمية وجود توقعات كبيرة من الأطفال.
فتوقعات البالغين من الطفل، سواء الإيجابية أو السلبية تؤثر على استجابات
الطفل إلى التفكير والتعليم. ويذكرنا تورانس أن الإبداع يتطلب الجرأة؛
فبمجرد أن يمتلك الفرد فكرة جديدة، يصبح أقلية مكونة من فرد واحد " (Fisher,
2001: 37).
ومن المهم أن نذكر أن البيئة المساندة للإبداع، هي بيئة تقدم الدعم
والمساندة والتشجيع للإناث كما تقدمها للذكور، فكما يستطيع الطفل الذكر أن
يبدع، تستطيع الأنثى كذلك.
"وفي إطار البحث عن العوامل التي تساعد في تنمية الإبداع وتطوره، وجد أن
آباء وأمهات الأطفال المبدعين أقل ميلاً إلى التسلط، ويتيحون لهم الحرية
الكاملة لاتخاذ القرار الذي يراه الطفل المبدع مناسباً، كما يتيحون
لأطفالهم فرصة اكتشاف البيئة من حولهم. أضف إلى ذلك قيام الآباء والأمهات
باصطحاب أطفالهم إلى المكتبات، وكثيراً ما يقرأون الكتب والقصص أمام
أطفالهم، فهؤلاء الآباء والأمهات يفضلون أسلوب التوجيه، ونادراً ما يلجأون
إلى العقاب الجسدي" (قطامي وقطامي، 2001: 510).
"وتؤثر العوامل الثقافية تأثيراً كبيراً على سير تطور الإبداع، ومستوى
وظائفه، ونمطه. ويحصل الطلبة الذين يعيشون في بيئات مدعمة وغنية ثقافياً
على درجات إبداع أعلى من الدرجات التي يحصل عليها الطلبة الذين يعيشون في
بيئات محبطة ومحرومة، أو فقيرة ثقافياً" (قطامي وقطامي، 2001: 511).
دور أدب الأطفال في تشجيع الإبداع
يمكن لأدب الأطفال أن يدعم بقوة تربية الأطفال التربية الروحية الصحيحة،
التي تدعم بدورها بناء شخصية الفرد السوي، الذي يتسم بالصفات التي تدعم
الفكر والابتكار والإبداع، فهو الإنسان القارئ، المفكر المتأمل، العامل
الجاد، الصابر المثابر، المدقق الذي يتقن عمله، الذي يطلب العلم طوال
الحياة، والذي يعيد النظر في أفكاره وأعماله بهدف تقييمها وتطويرها، والذي
يهتم بشؤون مجتمعه ومشكلاته، والذي تتسم تصرفاته بالموضوعية بعيداً عن
الأهواء الشخصية.
ويمكن لأدب الأطفال أن يعدهم للحياة في عالم الغد، بمتغيراته وتكنولوجياته
المتقدمة. وأدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة، يقدم هنا لخدمة
الحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية والمعلومات والمهارات والقيم، ما
يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلي بالمرونة، والتفكير العلمي،
والقدرات الابتكارية والإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة.
كما يقوم أدب الأطفال بدور مهم في إثراء لغة الطفل، واللغة -كما رأينا-
وثيقة الصلة بالتفكير. وتقوم القصص والمسرحيات والأغاني والأناشيد، وغيرها
من ألوان الإنتاج الأدبي، بدعم القيم والصفات اللازمة لعمليات التفكير
الإبداعي والابتكاري، مثل: دقة الملاحظة، والصبر والمثابرة، والتفكير الجاد
المستمر، وتنمية الخيال، والتفكير الناقد ... الخ. وألوان الإنتاج الأدبي
المقدم للأطفال تصل إلى دعم هذه الصفات والقيم الإيجابية بوسائل شديدة
الفعالية، مثل: التقليد والقدوة، الاستهواء (وهو تقبل آراء الآخرين ممن
يعجب بهم الطفل ويقدرهم من غير نقد أو مناقشة)، والانطباعات، والاندماج ،
والتعاطف الدرامي، والتقمص، وغيرها.
ويقدم أدب الأطفال قصص العلماء والمخترعين، وأهل الإبداع، ليتخذ الأطفال من
حياتهم وسيرهم وتصرفاتهم نماذج وأمثلة تحتذى. كما يقدم أدب الأطفال
أنماطاً للتفكير المستهدف، ونماذج للتصرف السليم في مختلف المواقف، ومن
خلال تصرفات الأبطال الذين يعجب بهم الطفل ويقدرهم، فيقلد تصرفاتهم ويتبنى
أساليبهم من غير تردد، على أن يكون هذا مما يخدم أساليب التفكير العلمي،
والتفكير الابتكاري والإبداعي.
وكتب الأطفال التي تقدم لهم أنشطة عملية وفكرية، تقوم بدور مهم في القيام
بعمليات التصنيف، واكتشاف المختلف والمتشابه، والتدرب على دقة الملاحظة،
وابتكار الحلول، والخروج من المتاهة، وإكمال الصور والرسوم، وحل الأحاجي
والألغاز وما إلى ذلك.
وأدب الأطفال في قصصه وبرامجه التلفزيونية والإذاعية وغيرها، يتيح مواقف
تستدعي من الأطفال: دقة الملاحظة والتأمل، والربط والتعليل، والاستنتاج،
وحسن إدراك الأمور، وتشجع الرغبة في تفسير المسائل وحل المشاكل، وللقصص
البوليسية دور في تنمية مهارات التفكير السابقة.
"وتستطيع الكتب المدرسية - باعتبارها من أهم قطاعات كتب الأطفال - أن تنمي
قدرتهم على الإبداع إذا راعت أموراً منها:
1- عرض المادة بتسلسل منطقي.
2- عرض بعض المادة عن طريق أسئلة ومشكلات تثير قدرات الطالب على الحل
والبحث والدراسة.
3- ألا تقتصر التمارين على أسئلة الاستدعاء والتذكر، بل يجب أن تتضمن أسئلة
عن تحليل المواقف وإعمال الفكر، وأسئلة تقتضي من الطالب أن يعرض رأيه،
ويدافع عنه ويبرره، ويبرهن على صحته.
4- أن تتضمن المادة – كلما أمكن – عرضاً لبعض المواقف التي يتضح فيها إبداع
العلماء وقدرتهم على الابتكار، وأساليبهم في حل المشكلات، وفي التفكير
العلمي وما إلى ذلك.
5- أن تصاحب المادة المكتوبة الصور والخرائط التوضيحية الجذابة المناسبة.
6- أن تشجع الكتب المدرسية الطالب على التعلم الذاتي.
7- أن تتضمن المستحدثات العصرية المناسبة في مجال المادة الدراسية " (نجيب،
1994).
وأدب الأطفال الناجح يحبب الأطفال في الكتب والقراءة، وكل أوعية العلم
والمعرفة الحديثة، ويحقق الألفة بينها وبين الأطفال.
الكتابة الإبداعية
"يقصد بالكتابة الإبداعية قيام التلاميذ بالتعبير عن أحاسيسهم، وخلجات
نفوسهم، وانطباعاتهم، عما رأوه، أو سمعوه، أو اتصلوا به، تعبيراً نابعاً من
الوجدان، وأهدافها:
تنمية قدرات التلاميذ التفكيرية.
تعويد التلاميذ على الطلاقة في التعبير.
تنمية الخيال لدى التلاميذ، وإفساح المجال لخيالهم في التعبير الهادف.
توسيع خبرات التلاميذ ومعلوماتهم، وتنمية ثروتهم اللغوية.
تدريب التلاميذ على جمع الأفكار، وترتيبها ترتيباً مترابط العبارات.
تدريب التلاميذ على الكتابة " (الحسن، 1990: 115).
وإذا كان الطفل لا يستطيع الكتابة بنفسه (طفل الروضة مثلاً) بسبب عدم
امتلاكه مهارة الكتابة بعد، فإنه يلجأ للتعبير عن أفكاره ومشاعره شفوياً،
ويقوم المعلم أو المعلمة بكتابة ما يمليه الطفل.
ويمكن للمعلم أن يشجع كتابة الطالب الإبداعية بوسائل عدة، منها:
1- الدفتر الشخصي:
يتمثل الإبداع أصلاً في الكتابة الحرة خارج الصف، وبدوافع ذاتية داخلية،
يكتب التلميذ إبداعه في دفتر شخصي، قد يُطلع معلمه أو زملاءه على محتواه
وقد لا يطلعهم. وفي هذا الدفتر يكتب التلميذ النوع الأدبي الذي يستهويه،
كقصة واقعية عاشها، أو خيالية نسج أحداثها بنفسه، أو قصيدة نظمها، أو خلجات
وخواطر يجد متنفساً في البوح بها.
2- فرص الكتابة الإبداعية في الصف:
على الرغم من أن الكتابة الإبداعية تتم أساساً خارج الصف، فإنه قد تتوفر
بعض الفرص في الصف لتشجيع الإبداع، كوقوع حادثة مؤثرة، أو مرور الصف بتجربة
جمالية معينة، كمشاهدة منظر يثير الإعجاب أو فيلم أو رسم أو سماع قصة أو
قصيدة وغيرها. وعلى المعلم أن يكون عوناً للتلاميذ إذا طلبوا الكتابة في
أحد هذه المواضيع.
3- منابر لتشجيع الإبداع:
حلقات للكتابة الإبداعية وأخرى للتمثيل (تشجيع الحواريات والمسرحيات،
وتمثيل الملائم منها).
صندوق البريد المدرسي لتشجيع الكتابة الشخصية المغفلة (غير الموقعة).
قراءة نتاج التلاميذ في الصف أو في اللقاءات (بموافقتهم).
جريدة الصف أو المدرسة.
الإذاعة المدرسية.
ساعات الإرشاد:
من الضروري تخصيص أوقات محددة يتلقى فيها التلاميذ الراغبون إرشاداً شخصياً
من المعلم، فيتباحث معهم في سبل رفع مستوى كتابتهم، دون أن يُملي على
التلميذ ذوقه في النوع الأدبي أو الأسلوب. كما يستطيع المعلم اختيار بعض
هذا النتاج، بشرط موافقة أصحابه، لإفادة تلاميذ آخرين في الصف، أو في ساعات
الإرشاد (أبو خضرة وآخرون، 1995).
كتابة القصة كمثال على الكتابة الإبداعية:
لقد ذكرنا سابقاً أن من المجالات التي يمكن أن يكتب فيها الطفل: المذكرات
الشخصية، والقصة، والشعر، والرسائل الشخصية، وغيرها. وسنتناول هنا بشيء من
التفصيل كتابة القصة، وكيف يمكن للمعلم أن يدرب طلابه عليها.
وقد ذكر (Tompkin,
1982)
في (Essex,
1996)
سبعة أسباب توضح لنا أهمية أن يكتب الأطفال القصص، وهذه الأسباب نفسها
تنطبق على كتابة الشعر، وفيما يلي هذه الأسباب:
1- للمتعة.
2- لتقوية التعبير الفني.
3- للكشف عن قيمة ووظائف الكتابة.
4- إثارة الخيال.
5- تنقية التفكير.
6- البحث عن الهوية.
7- لتعلم القراءة والكتابة.
والأسباب السابقة تبين مدى أهمية جعل الكتابة الإبداعية جزءاً مهماً من
البرنامج اليومي للصفوف الابتدائية. ومن المهم توضيح هذه الأسباب
للإداريين والآباء، الذين قد يعتبرون الكتابة مجرد لعب عابث لا يفيد
أطفالهم.
ويجب أن يستمتع الأطفال بالكتابة الإبداعية، ويجب أن تتاح لهم فرصة اختيار
مواضيع وطرق الكتابة. وعلى المعلمين أن يؤكدوا للطلاب أن القصة الجيدة
تتطلب تتابعاً منطقياً وتسلسلاً حقيقياً؛ لذلك يجب أن يكون كاتب القصة
عالماً بتفاصيل الأشياء التي يكتب عنها، وكذلك مدركاً وملماً بكثير من
الأشياء التي حوله، وفي عالمه.
قد يكون من الصعب على الطالب أن يدرك معنى "قصة"، فهو قد تعرض للعديد من
القصص منذ الصغر، سواء بالاستماع إليها أولاً، ثم بقراءتها بنفسه ثانياً.
وهو قد يدرك معنى القصة بطريقة حدسية في البداية. وبعد ذلك ينمو مفهوم
القصة لديه من خلال قراءة القصص في الصف، وبعد ذلك مناقشتها، وهو أمر مهم
جداً، فإذا تمت عملية مناقشة القصة بطريق ناجحة، فإن الطالب يبدأ بملاحظة
أوجه الشبه والاختلاف بين الكتب ذات أساليب الكتابة المختلفة، وكذلك ذات
المحتوى المختلف، ويبدأ بتشكيل فكرة عن الأساليب وأنماط البناء التي تتبعها
القصة عادة.
ومناقشة القصة تكون من خلال تحليل عناصرها (الشخصيات، الزمان، المكان،
الأحداث، الفكرة المركزية والمغزى، الأسلوب والألفاظ) وكل ذلك بطريقة مبسطة
تناسب المرحلة العمرية للطفل.
وقد يكتب القصة طالب واحد، وقد يكتبها مجموعة من الطلاب، أو طلاب الصف
جميعهم، وتسمى القصة في هذه الحالة "القصة الجماعية".
مفهوم القصة الجماعية: هي القصة التي يقوم بتأليفها مجموعة من طلاب الصف أو
جميعهم بمساعدة المعلم وإرشاده غير المباشر، معتمدين في ذلك توارد الأفكار،
وقصف الأذهان وابتكار الكلمات، التي تتم في بيئة اجتماعية تخلق فيها
فعاليات التعلم والأنشطة المتنوعة داخل الصف بشكل جماعي وتعاوني مكمل.
ويتم تأليف القصة الجماعية بإحدى الطريقتين التاليتين:
1- يؤلف طلاب الصف القصة كاملة.
2- يقسم الصف إلى مجموعات، وتؤلف كل مجموعة قصة مختلفة عن الأخرى.
خطوات كتابة القصة من قبل جميع طلاب الصف:
تبدأ القصة بجملة من المعلم أو الطالب.
يكوِّن الطلاب جملاً مفيدةً وذات صلة بالجمل الأخرى لإكمال القصة.
يكتب المعلم الجمل على السبورة بعد سماعها من الطلاب.
يقوم الطلاب بمساعدة المعلم بالتصحيح بالحذف أو الإضافة، مع الاهتمام
بعلامات الترقيم.
بعد الانتهاء من كتابتها، تقرأ من قبل المعلم ثم الطلاب.
يختار الطلاب عنواناً مناسباً للقصة، وتوقع باسمهم.
يمكن كتابة القصة على لوحة كرتونية تعلق على الحائط داخل الصف.
تتم قراءة القصة عدة أيام متتالية من قبل الطلاب وبمساعدة المعلم، وتجري
خلال هذه الأيام فعاليات متنوعة حول القصة نفسها.
تأليف القصة ضمن المجموعات:
كل مجموعة تؤلف قصة باتباع الطريقة السابقة في تكوين الجمل.
طريقة أخرى أن يوزع المعلم على كل مجموعة عدة صور، وتقوم المجموعة بتأليف
قصة حولها حسبما يراها أفراد المجموعة نفسها، أو حسبما توحي هذه الصور لهم.
وعندما يكتب الأطفال القصة، لا نتدخل في رؤيتهم الخاصة للأمور، فلا نتدخل
في سير الأحداث مثلاً، أو في اختيارهم لأسماء الشخصيات، ونشجعهم على إضافة
الرسومات لكتاباتهم؛ فقد يعبر الطفل بالرسم عما لا يستطيع التعبير عنه
بالكلمات، كما أن استخدام الألوان يبهج نفسه، ويضفي قيمة جمالية على عمله
الإبداعي.
التغذية الراجعة:
قد يخشى بعض المعلمين من إبداء الملاحظات حول كتابات الطلاب الإبداعية، لأن
ذلك حسب اعتقادهم قد يكون عملاً غير موضوعي وغير عادل؛ ولذلك يمكن جعل
الطلاب يقومون بقراءة أعمال بعضهم البعض وإبداء الملاحظات حولها، وذلك يكون
مفيداً لكل من القارئ والكاتب. والكثير من الأطفال يتقبلون الملاحظات من
زملائهم أكثر من تقبلهم لملاحظات معلميهم.
التقييم:
كما ذكر سابقاً، فإن الكثير من المعلمين يرون أن الكتابة الإبداعية أمر
مستحيل تقييمه، وأن أي شكل من أشكال التقييم هو بالضرورة ذاتي، وبالتالي
غير عادل. وبناءً على ذلك، فإنهم يعتقدون أنه إذا لم يكن بالإمكان الحكم
على عمل الطالب بعدالة، فإنه لا توجد هناك طريقة للمراقبة الدقيقة لنموهم
وتطورهم.
وقد أدركت (Glazer,
1994)
في (Essex,
1996)
هذه المخاوف، ولكنها تقول أن التقييم يمكن أن يكون عملياً، ومفيداً،
وعادلاً، وذلك بأن يضع المعلم معايير تقييم واضحة وثابتة للعمل الذي سيتم
تقييمه. وتركز هذه المعايير على مهارات الكتابة مثل: الوصف، والتنظيم،
وعلامات الترقيم، بالإضافة إلى انطباع المعلم العام عن جودة العمل، أو
المقارنة بأعمال الطلاب الأخرى. وهذه المعايير قد توضع بناءً على قوة أو
ضعف التلاميذ، وقد تعدل حسب تطور قدرات الطفل.
النشر:
نشر عمل الطالب الإبداعي أمر مهم جداً، ويمكن نشر عمل الطالب في عدة مواقع
مثل: النشرات الشهرية أو السنوية التي تصدر عن المدرسة ونشاطاتها، أو في
مجلة الحائط. ويمكن تشجيع الطالب على نشر عمله في مجلات الأطفال، أو الصفحة
الخاصة بالأطفال في الصحف. وعندما يرى الطالب عمله منشوراً، فإن ذلك يكون
مصدر فخر له، وطريقة لمشاركة كتابته الإبداعية مع عائلته وزملائه. والنشر
يزود الطالب بدافعية للقيام بالمزيد من مراجعة العمل والتصحيح اللازمة في
الطباعة.
وقد يتم استبدال النشر بتقديم عمل الطالب للجمهور من خلال مسابقة كتابية
مثلاً، أو بقراءة عمل الطالب الإبداعي في الاحتفالات المدرسية، أو في
الإذاعة الصباحية.
خلاصة:
إن الكشف عن الأطفال المبدعين ورعايتهم، ليس بالأمر السهل، بل أمر يحتاج
إلى تخطيط تربوي، وحشد هائل للطاقات المادية والبشرية.
وتقع على عاتق الأسرة والمدرسة كمؤسستين تربويتين مسؤولية احتضان الأطفال
ورعايتهم، والبحث باستمرار عن القدرات الكامنة فيهم، وجعلها تظهر في أعمال
إبداعية تعبر عن أفكارهم ومشاعرهم.
ويجب أن تتوفر للطفل البيئة المساندة للإبداع، ومن ميزات هذه البيئة أنها
داعمة لشخصية الطفل، فهي تقدره لذاته وتوفر له الأمن النفسي الذي يستطيع في
ظله أن يعبر عن أفكاره بحرية، وأن يظهر أعماله الإبداعية. ومن ميزات
البيئة المساندة أيضاً أنها داعمة للقراءة، والمقصود هنا قراءة أدب الأطفال
الذي يقوم بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي.
وهناك علاقة جدلية بين القراءة ومفهوم الإبداع، فالقراءة تدفع الأطفال
للإبداع، الذي بدوره يزودهم بالثقة بالنفس، وبطرق ذات معنى لاستخدام اللغة،
وأخيراً يشجعهم على القراءة أكثر، وهكذا تبدأ الدائرة من جديد.
والكتب المدرسية جزء من أدب الأطفال، فهي نتاج عقلي مدون في كتب موجهة
للأطفال، ولذلك عليها أن تراعي الخصائص العقلية والنفسية لهم. ويجب أن
تشتمل الكتب المدرسية على الكثير من النماذج الأدبية الشائقة والجميلة
(القديمة والحديثة) التي تمتع نفس الطفل بقراءتها، وتنمي ثروته اللغوية،
وتوسع آفاقه الفكرية، وتجعله يتصل فكرياً وعاطفياً بأفراد الشعوب الأخرى،
فيخلق لنفسه أصدقاء من الكتاب، وأصدقاء خياليين من شخصيات القصص.
وعندما يقرأ الطفل كثيراً، ويتذوق فنياً النصوص التي يقرأها، تتغذى ميوله
وقدراته الإبداعية، وقد يصبح راغباًً في الكتابة بنفسه، وهنا يأتي دور
الوالدين لتشجيعه، ودور المعلم في المدرسة ليأخذ بيده ويدربه على الكتابة.
وعلى المدرسة أن تضع خططاً لتدريب الطلاب على الكتابة الإبداعية، فلا يبقى
الأمر خاضعاً للصدفة، ومزاج المعلم، وفسحة الوقت.
*سناء
العطاري - معلمة ومرشدة للغة العربية
المراجع:
أبو خضرة، فهد وآخرون. (1989). منهاج تدريس اللغة العربية
وآدابها للمدارس الابتدائية العربية. القدس: وزارة المعارف والثقافة.
أبو خضرة، فهد وآخرون. (1995). التعبير والفهم للمرحلتين
الإعدادية والثانوية. القدس: وزارة المعارف والثقافة .
أبو فنة، محمود. (2001). القصة الواقعية للأطفال في أدب
سليم خوري. حيفا: دار الهدى للطباعة والنشر.
الحسن، هشام. (1990). طرق تعليم الأطفال القراءة والكتابة.
عمان- الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
قطامي، يوسف وقطامي، نايفة. (2001). سيكولوجية التدريس.
عمان - الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع.
نجيب، أحمد. (1994). أدب الأطفال علم وفن. القاهرة - مصر:
دار الفكر العربي.
يحيى، رافع. (2001). تأثير ألف ليلة وليلة على أدب الأطفال
العربي. حيفا: دار الهدى للطباعة والنشر.
Essex,Christopher .(1996). Teaching Creative Writing in Elementary
School . ED391182.
Fisher,
Robert. (2001) .Teaching Children to Think . Nelson Thornes Ltd. United
Kingdom.
أضيفت في04/02/2006/ * خاص
القصة السورية /عن موقع أدب الأطفال العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الأطفال والحكايه الشعبيه
بقلم الكاتب: د. نعيم عرايدي
دراسه في قصص
الدكتور نجيب نبواني
عملية السذاجه والبراءة في هذا الانتاج يحددها جمهور المتلّقين ، الشعب
البسيط ، الذي يجعل من القصه شيئاً بسيطاً ويفرض عليها مبنى " مسطحاً " ذا
بعدٍ واحد أو بعدين بالأكثر .
الشعب بسيط بمجالات تفكيره ولكنه قوي وعميق بمجالات عواطفه . لذا فالقصه
تحاكي العاطفه وليس الفكر .
ومن ناحية أخرى فإن حياة الشعب في الأزمنه القديمة تحت ظلم الحكام وبعدم
توفرّ العلم كظاهره شعبية ، فإن التضامن بين الأفراد والمجموعات والفئات
يجعلها جميعاً ذات مقام مشترك واحد – عواطف إنسانيه عامه ولكنها أساسيه ،
ولهذا تكون مجتمعه بذاكرة جماعيه واحدة . من هذه الناحيه لا تمر هذه
المجموعه بتغيرات حادة
ومتنوعة بل حياتها مسطحة شبه ثابتة ، همومها متواصلة ، وأحلامها بعيدة
التحقيق لدرجة أنها تتبطن في الأعماق وتبحث عما يثيرها من جديد لتحرر
المجموعه والافراد من ثقل وعبء ما تتركه في نفوسهم العميقة .
من هذا المنطلق إن المشترك بين الطفل وبين الشعب البسيط في الفترات
المتقدمه أكثر من المختلف .
فالطفل في طور النمو في المراحل الأولى يشبه إلى حدّ ما الشعب البسيط في
الفترات المتقدمه الإولى أي قبل تطور العلم والاقتصاد والنواحي الاجتماعيه
.
ففي المراحل الاولى لنمو الطفل تبرز العاطفه والغرائز على حساب العقل
والادراك والتفكير . غرائزه هي التي تحركه وتصادمها مع القوانين والقيم
الاجتماعيه هي التي تثير عواطفه لتجعله يحول الكثير من رغباته إلى أحلام
وخيالات والبعض الآخر يبطنه منتظراً ما يمكن أن يدفع به إلى الظاهر ويحرره
من قيوده .
والطفل بحاجه إلى القصه أكثر من الشعب البسيط في أطواره القديمه ، لأن
الطفل يختلف عن الشعب البسيط بكونه يمر في مراحل تطوره الأساسيه بتغييرات
هائله ، تثير لديه شبكه معقده من الانفعالات القويه تأخذ بالاتساع رويداً
رويداً حتى تقربه من عالم الكبار في الفترات اللاحقه . قدراته الفكريه تكبر
فتبرز رويداً رويداً على حساب غرائزه وعواطفه وهنا يحتدم الصراع لدرجة
الانفجار إن لم يجد الإطار اللائق لتلطيف هذا الصدام .
وفي الأساس إن الوظيفة الرئيسية للدين والفلسفه ، وقبل ذلك بالمقابل ،
الأدب الشعبي على أنواعه، هو تزويد المجتمع الإنساني بفرصة إيجاد مفهوم
حقيقي وعميق للحياة.
لا يمكن ترك الحياة تسير بشكل لا يجد فيها الإنسان مفهوماً لحياته ، وذلك
لأن الوجه الآخر لغريزة التشبث بالحياة هو غريزة هدم الحياة ، وكثيراً ما
يمر الإنسان ، فرد وجماعة ، بظروف تشجعه على القضاء على حياته ، وذلك عندما
يفقد الإنسان قيمة حياته . هكذا أيضاً بالنسبة للطفل الذي يمر كما أسلفنا
بظروف متصارعة وبتناقض بين حريته وبين تقييد المجتمع لهذه الحرية . من هذا
المنطلق ، يتوجب علينا دائماً أن نزود الطفل بفرص عاطفيه ونفسية ، يجد من
خلالها المفهوم العميق لوجوده في هذه الحياة ، ومن ثم الحصول على شعور
بالذات وإدراك قيمته الخاصه والمستقله أو تلك التي تبحث عن إستقلالها .
إن التربيه المباشرة سواء كانت من قبل الأهل أو في إطار المؤسسه التربوية ،
لا تستطيع ، خاصة في الاجيال الدنيا ، أن تفي بذلك المطلب أو الحصول على
الهدف المرغوب من قبل الكبار أو المجتمع ككل . لأن هذه الأطر تقوم بدورها
التربوي عن طريق العقل ، أي الوعي والإدراك . بينما ما يحتاجه الطفل هو تلك
التجربه العاطفيه والنفسيه للوصول إلى نضوج إدراكي يمكنه من التعامل مع ما
يدور حوله من ضرورة الإلتزام بالقيم والإخلاق والسلوكيات التي يفرضها
المجتمع .
إن تفهم هذه الأمور ومحاولة إدراكها في نفسية الطفل بحاجة إلى " هضم "
داخلي يتدخل فيه الخيال واللغة الكافيه المعبّرة التي تأتي من خلال نصوص
لغويه ورسومات مثريه تعبر عن هذه المراحل الحبكيه وتلخص له الحياة بشكل "
عملي حقيقي " من خلال القصة .
من المعروف أن الحكايه الشعبيه تجسد تعبيراً لرغبات مبطنه داخل الإنسان ،
الفرد والمجموعة ، وهي التعبير الأسمى للعاطفة الشعبيه .
لقد أبدعت الشعوب الإنسانيه حكاياتها في فترة ما نسميه بالطفوله الإنسانيه
، أي في البدايات . وكانت العوامل الأساسية التي دفعت الإنسان إلى إيجاد
تعبير منظم لمخاوفه وأمنياته هي في الأساس ظواهر الطبيعة المحيطة بحياته :
البرق والرعد ، الهزة الأرضية ، المد والجزر ، الحريق والدمار ، الحرارة
والقحط وغيرها . ففي تلك الفترات التي لم يستطع فيها الإنسان فهم ما يحيطه
من تأثيرات مصيرية على حياته ، أخذت تجول في خواطره تساؤلات أساسية عن
الحياة والطبيعة . وقد أدتّ هذه التساؤلات إلى حاجة ماسة للتعبير عنها ،
ومن ثم محاولات لإيجاد الإجابات أو على الأقل بلورة صيغٍ تعبيريه يستطيع من
خلالها تحرير مخاوفه وتحقيق رغباته وأماله . هذه الصيغ التعبيريه بمثابة
الحكايا الخياليه أعطته ألواناً متعددة من الإجابات التي كان من شأنها
التعويض عن جهله في معرفة ما يدور حوله من ظواهر تؤثر تأثيراً حاداً على
تجربات حياته – وهذه الحكايه هي نوع من نتاج الروح والفكر الآولي الطفولي ،
والتي شملت فيما بعد المخاوف الحياتيه الناجمه عن الصراع الأبدي بين
القوانين الجماعيه وحرية الفرد ، والتي تتمثل بالأحاسيس البشريه من حب
وغيره وكراهيه . وفي خضم جيشان العاطفه الفرديه على خلفية هذا الصراع ينمو
خيال البشريه ويبدع خيالات لا حدود لها من الشخصيات والإحداث ، والتي
تتجاوب مع رغبته وحاجته لإيجاد صيغٍ جماليه وفنيه لا حدود لها ، بعيدة كل
البعد عن المنطق العادي الذي يتقزم في " فترة الطفولة " إزاء العاطفه
والغريزة والخيال .
الحكاية الشعبيه إذن تحمل حكمة فطرية وتلبس أثواباً مختلفه من الخيالات
التي لا تتقيد بزمان أو مكان وهذه الخيالات هي تعبير عن تجسيد غير منطقي
لرغبات الإنسان وحلول غير منطقيه لتساؤلاته ولمخاوفه ولأمانيه . من هذا
المنطق نفهم أن الإنسان منذ طفولة حضارته بحث عن معان ذات أهميه لحياته على
هذا الكون . ولعل مسار هذا الفهم لا يكتمل في مرحلة واحدة بسرعه ، لأنه
يحتاج إلى مراحل نموّ وتطور تسير رويداً رويداً وخطوة خطوة ، ومع هذا فإنه
يدل على نضوج عاطفي وإدراكي لمجرد بحثه عن معنى عميق لحياته وفي كل مرحلة
من هذه المراحل نحاول إيجاد جزءٍ ولو بسيط من هذه المعاني ، وفقاًُ لدرجات
نضوج عواطفنا وإدراكنا الحاصل من جراء ذلك .
ومن هنا فإن حكمة الحياة التي يمتلكها الشعب في هذه المسيرة تختمر رويداً
رويداً بين ثنايا الحكايات ولا تنطلق مرة واحدة نحو الخارج ، إلا بجزئيتها
الآخذه بالنضوج والإكتمال .
ولعل أكثر ما يميز الخرافات والحكايا الشعبيه هو عرض المشاكل والقضايا
الكيانيه والأساسيه لدى الإنسان وهي تعرضها ، كما أسلفنا سابقاً ، بشكل
بسيط ومسطح وبصيغتها الأوليه . فالحكايا تبسط كل القضايا حتى وإن كانت
معقدة تعقيد مستحيلاً وينطبق الأمر أيضاً على الشخصيات الواردة فيها .
فالشخصيات واضحة كل الوضوح ولا تتعامل مع التفاصيل الصغيرة لتمتنع عن
التعقيد وعن جعل الحبكة معقدة . إذن ، الحبكه هي أيضاً مسطحه وواضحة لكي لا
تضفي على الشخصيات ميزات خاصة ومركبه .
أما من ناحية المضمون فالمواضيع والأفكار والأوضاع ترد وكأنها تعكس الواقع
الذي يعيشه الإنسان بحسناته وسيئاته ، فالشر يتواجد في الحكايه تماماً كما
يتواجد الخير ويتجسد بشخصيات أو بسلوكيات واضحه . وهذه الثنائيه هي التي
تخلق قضية الصراع في الحكايه والسير نحو حلّها .
للشر قوة هائلة تتجسد في الشخصيات الظالمه والطاغيه والشريرة وهو يعبّر عن
غريزة كامنة في داخل الإنسان وإزاء ذلك يبدو الخير ضعيفاً في البدايات ،
لكن حضوره واجب وملزم وبصراعه مع الشر يبدو أنه سيخسر المعركه ، إلاّ أن
حدثاً مفاجئاً يحدث دائماً ويجعله يتغلب على الشر في النهايه . إلا أن هذه
النتيجه ليست هي التي تثير الشفقه والخوف لدى سامعي الحكايه ، بل ما يثير
عواطفنا نحو النضوج والتحرر هو تضامننا مع الخير المظلوم في البداية
وبمسيرته مع الشر .
التقاطب في الحكايا الشعبيه هو عامل أساسي في تركيبها . ولهذا لاتوجد ظروف
مركبه من عوامل متناقضه ، ولا توجد شخصيات ذات بعدين مختلفين ولا تتشابك
القيم والصفات الأخلاقيه المتناقضه . الشخصيه في الحكايه هي إما طيبه وإما
شريرة ، إما حكيمه وإما ساذجه ، إما غنية وإما فقيره ، إما جميله وإما
قبيحه ، إما مجتهده وإما كسوله ، إما قويه وإما ضعيفه وهكذا دواليك .
هذا بالطبع يسّهل على الإنسان البسيط المستهلك للحكايه عملية فهم واستيعاب
الأمور.
هذه العوامل والظروف التي اوجدت الحكايا الشعبيه والخرافات ، وبنتها بهذه
التركيبه المميزه هي التي جعلتها أكثر ما يلائم الأطفال في مجال الأدب
وأنواعه .
إن ما يثير حقاً هو المدى الذي يتفاعل فيه الأطفال مع الحكايا الشعبيه .
قلما نجد طفلاً أو مجموعة أطفال لا يتضامنون مع الخرافات والحكايا الشعبيه
. أجيال كثيره من الأطفال تعود وتكرر العوده إلى هذه الحكايا لتجدد كيانها
لأنهم يجدون فيها متنفساً لقضاياهم وحلولاً لمشاكلهم وإجابات لتساؤلاتهم .
يجد الأطفال في هذه الحكايا أيضاً منبعاً من المتعة والتوتر والتسليه
ويكتشفون فيها مصدراً للإكتفاء الذاتي مما يساعدهم على بناية حاجاتهم
النفسيه والهويه الشخصيه . إن الطفل يستطيع بواسطة الحكايا أن يدخل إلى
عالم مختلف عن عالمه الواقعي ، عالم من العجائب الذي يستطيع أن يحتوي على
كل إمكانية ، وفيه فرص غير محدودة لحل كل مشكله وقضيه ، وخاصة تلك المشاكل
التي لا تجد حلولاً في عالمه الواقعي . وهذا المدخل إلى ذلك العالم العجيب
يستجيب إلى الخيال الهائل الذي يمتلكه الطفل ، والذي لا يستطيع الدخول إليه
إلاّ من يملك جرأة لا حدّ لها ، تماماً كما يعرفها الطفل على عكس الكبار
البالغين الذي يتحكم فيهم العقل والإدراك اللذين يحدّان من فرصته في التمتع
والتجاوب في هذا العالم الرائع .
إن ما يحدث من عجائب وظروف غير منطقيه في عالم الحكايات هي أمور مقنعه جداً
بالنسبة للطفل ، وهي تشبع خيال الأطفال بمدى اكتمالها الحدثي ومفاهيمها
الواضحه وذلك بقوة سحرها الوارد في خيالات الأطفال .
إذن من هنا نلخص العوامل المشتركه بين توقعات الطفل وما تقدمه له هذه
الحكايا الشعبيه والخرافات :
1. العمر الزمني:
الفترة التي نبتت وترعرعت فيها الحكايات هي فترة الطفوله الإنسانيه وهي
فترة مطابقه لفترة الطفوله لدى الإنسان . وهي الفترة التي لا يملك فيها
الإنسان تفكيراً كافياً يمكنه من فهم ما يدور حوله من ظواهر طبيعيه أو
مشاكل كيانيه معقدة وفيها تسيطر الغريزه والعاطفه على العقل والإدراك .
2. إنعدام المنطق:
إنه بسيطرة الغريزه والعاطفه على الوعي والإدراك ينعدم المنطق العادي ويحتل
مكانه الخيال الذي يولد اللامعقول من سحرٍ وعجائب وإمكانيات مفاجئه .
3. الصراع بين الخير والشر:
إن الصراع بين الخير والشر في فترة الطفولة يتجسد بقطبين مختلفين متناقضين
وبشكل واضح وحاد وساذج ، لأنه بغياب المنطق والعقل المسيطر لا يمكن رؤية
التناقضات بتشابك مركب ، بل يدركها العقل بشكل مسطح وساذج .
4. المجابهة المباشره:
الإنسان بفترة طفولة حضارته يشبه الطفل بمراحل نموّه الأولى من حيث مجابهة
الصر اعات . فعندما لا يتمكن من التفكير والمنطق لإنعدام المعرفه الكافيه ،
فإنه يجابه القضايا والمشاكل والصراعات بشكل مباشر وواضح وخاصه فيما يتعلق
بالعواطف البشريه من حب وغيرة وكراهيه ومن خوف وقلق من الموت والحياة.
5. تحقيق الرغبات:
القصه الشعبيه لدى الأطفال كالحلم لدى الكبار . إنها مصدر الخيال للتنفيس
والتحرر من القلق والخوف ، ومن خلالها يستطيع الطفل أن يحقق كل رغباته التي
يستطيع تحقيقها في الحياة الواقعيه .
6. السيطرة على الوحدة والعزلة:
في عالم من التناقضات يجد نفسه الإنسان البدائي تماماً كما يجد الطفل نفسه
في وحدة مقلقة وشبه قاتله . ولهذا تجد له الحكايا الشعبيه فرصة الروابط
الحقيقيه والعلاقات الشخصيه الصادقه التي تعوضه عن وحدته وعزلته ، وتزرع
لديه فرص الترابط مع مايحيطه حتى لو كانت هذه الأشياء أحياء أو نباتات أو
جماد .
هذا وغيره من العوامل الحياتيه النفسيه والعاطفيه هي ما يربط الطفل
بالحكايه الشعبيه والخرافه وربما أكثر من كل نوع آخر من الأنواع التي يحاول
الكبار تزويد الطفل بها لصقل شخصيته بشكل سليم في مسيرة نحو مجابهة الحياة
الواقعيه .
من الخرافة إلى الحكايه الشعبيه
لقد تعلمنا – من قصص
ألف ليله وليلة
، وعن قصة الإطار التي شكلت العامود
الفقري لهذه المجموعة المميزة ، أن الحكايه تنقذ من الموت وان الحب ينقذ من
اليأس .
شهرزاد هي آخر الفتيات العذارى التي بقيت في المدينة . لقد شاهدت وأحست
بقلق والدها الوزير ، حيث كان يعرف رغم محاولته الهروب ، أن ابنته هي
الأضحية التاليه ، التي ستقدم إلى الملك شهريار ليتزوجها لليلة واحدة ثم
يقتلها .
وهذه الفتاة الذكيه والحكيمة كانت متأكدة أنها تستطيع التغلب على رغبة
الملك في الانتقام من النساء ، وتستطيع أن تنقذ نفسها من الموت وذلك بواسطة
الحكايه . وهكذا صار فبعد أن قصّت على الملك حكاية ألف ليله وليله بطريقة
سرديه لم يسبق لها مثيل في مجال أسلوب الحبكه الروائيه المعروفه – حتى
سيطرت على الأمور واقتلعت بذلك رغبة الانتقام لدى الملك ، ومن الناحية
الأخرى استطاعت هذه القصة أن تعيد لدى الملك عاطفة الحب التي بواسطتها
استطاع أن يقضي على اليأس والكراهيه .
إذن بدءاً من أساس القصة نشعر وكأنها قبل الدخول في التفاصيل ، بمقدورها
أن تنقذنا من الموت ، ومن ثم تستطيع أن تلطف في أنفسنا غرائز الشر والنقمة
والهدم .
هكذا يجب أن نبدأ بتحليل وقع القصه الشعبيه على نفوس السامعين ، أو
القارئين في العصر الحديث ، ولهذا قبل الدخول في تفاصيل القصة الشعبية يجب
أن نبحث عن هذه القاعدة التي تترسخ على أساسها العوامل الحبكيه والروائيه ،
اللغويه والأسلوبيه.
وقصة علاء الدين كخرافه شعبيه تحمل هذه القاعدة والتي تغيب في كثير من
الأحيان من الحكايه الشعبيه المألوفه .
والفرق الآخر بين الخرافه والحكايه الشعبيه هو أن الأولى مرتبطة بزمان
ومكان مع أن هذين العاملين يكونان في أكثر الأحيان مجرد صلة واقعيه لأحداث
القصة . ومع ارتباط الخرافه بالزمان والمكان فهي من ناحية أخرى كالحكايه
الشعبيه تلائم كل زمان ومكان .
أما الحكايه الشعبيه فهي مجهولة الزمان والمكان لأنها منذ البدايه لا تحمل
الهدف التقريري المتعلق بإيمان الإنسان الذي من شأنه تفخيم أبطال الخرافه
أو القيم التي تحملها بالمصير الجماعي الذي من شأنه أن يرفع مجموعة أو يحط
من كيانها . فبالرغم من تأثيرها على الجماعة فهي في الأساس تحكي عن الفرد
وتتعامل مع إنسانيته .
ومن هنا نبدأ بالتعامل مع قصص الأديب نجيب نبواني من سلسلة الحكايات
الشعبيه التي استمدها من التراث وأعاد إحياءها من منطلق تقديمها للأطفال
بلغة وأسلوب يلائمان مرحلة الطفوله .
قصص الدكتور نجيب نبواني بين القديم والحديث
الإضافة إلى قصص الأطفال العديده التي يقدمها الدكتور بواني مترجمة ومؤلفة
فهو يقوم بسلسلة واسعة من الكتابه للأطفال . بروح الأدب الشعبي . سلسلة
الحكايا للأطفال هي قصص مستمدة من الحكايا الشعبيه ، المألوفه منها وغير
المألوفه .
ومن الممكن تقسيم هذه السلسلة إلى ثلاث فئات تركز كل واحدة منها على موضوع
معين ، أو على وضع معين يثير إهتمام الطفل ، كما أثار اهتمام الشعب من خلال
تراثه الإنساني .
إلا أن هذا التقسيم قد ينتمي أحياناً إلى فئة من حيث المبنى وإلى فئه أخرى
من حيث المضمون . ولتسهيل هذا التقسيم قمنا بطرح معادلة قياسية لنتمكن من
تنظيم التصنيفات التي من شأنها مساعدة المعنيين في هذا المجال وسنطرحها
لاحقاً .
وعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، هنالك من القصص ما يهتم بمسألة الذكاء
الفطري الذي يساعد الطفل على حل مشاكله بنفسه عندما يغيب الكبار في ظروف
يرغب الطفل أن يكون فيها مستقلاً . وفي الوقت نفسه قد تكون هذه القصة أو
الحكاية تتعامل مع الذكاء من حيث المضمون والعبرة فقد تنتمي إلى قصص
الأحلام والخيالات ، أو أن تنتمي قصة مشابهة إلى الواقع اليومي .
وبالمقابل أي في الفئة ذاتها قد تركز القصة على موضوع الغباء الذي هو عكس
الأول ولكنه ينتمي إلى الفئة ذاتها من حيث المبنى والحبكه والأسلوب .
والأمر ينطبق على جميع القصص والحكايا وإن إختلفت المضامين . لذا نجد أنه
من الأفضل استعمال المقاييس البنيويه لتصنيف القصص والتي من شأنها أن تشمل
أكبر عدد من القصص حتى وإن اختلفت مضامينها أو العبر التي تريد أن تقدمها
للسامع أو القاريء .
ومن ناحية أخرى يجب ألا ننسى أن الحكايا الشعبيه القديمة أخذت بعين
الاعتبار أن تحتوي على المقومات الأساسيه المقدمه للسامع وليس للقارئ . في
حين أن إحياءها من جديد وتقديمها للأطفال في عصر القراءة فإنها تتنازل عن
بعض مقوماتها البنيوية والأسلوب الشعبي لصالح مقومات جديدة تنتج عن القراءة
وحتى المشاهدة في عصر التكنولوجيا المتطورة .
إذن علينا أن نلفت انتباهنا إلى هذه التغييرات وألا نركز على القصة الحديثة
كأنها لا زالت خرافه أو حكايه شعبيه ، بل علينا إدراك أن البنيه التحتيه
لها هي في الأساس شعبيه بينما جميع مركباتها هي حديثة العهد بما تتلائم مع
العصر الحديث .
وهنا يدخل موضوع اللغة وأهميتها في القصة الحديثه ونحن نعرف أن القصه
الشعبيه على أنواعها كانت تُقدم باللغة المحكيه أو بما هو أقرب إلى اللغة
المحكيه ، ولم يكن لها هدف الإثراء اللغوي المكتوب بل التعبير الكلامي عن
العواطف من مخاوف وامنيات .
فمن هذا المنطلق ، عندما نتناول القصه الشعبيه الحديثه على اللغه الفصحى أن
تلفت الانتباه إلى ذاتها ، وهي هنا في صراع آخر بين اللغة الفصيحة الادبية
وبين مقدور الأطفال إستيعاب هذه اللغة . فهل نحن ، إذن ، إزاء اكتشاف وخلق
لغة جديدة ما بين المحكية والفصحى ؟ أم أننا أمام لغة عربيه فصيحة مبنيه من
طبقات متعددة يستمد منها الطفل الطبقه الأولى المسطحة مع إهمال شحناتها
التاريخيه وما عليها
أن تورده من أفكار وتجارب بعيدة المدى ؟!
هنالك دراسات متعددة في هذا المجال ، ولا نريد الدخول في تفاصيلها في هذا
الإطار ولكننا رأينا من واجبنا لفت الانتباه إلى هذه القضايا
أما القصص التي سنتناولها هنا هي كما أسلفنا ، سلسلة الحكايات الشعبيه التي
قدمها الدكتور نبواني بقالب للأطفال وقد صنفناها على ثلاث فئات كالتالي :
أ . المجموعه الأولى:
1. القاضي الصغير .
2. الديك الذكي .
3. ذكاء الشيخ .
4. الشرطي الذكي .
ب . المجموعه الثانيه:
1. الفقير الغبي .
2. الثعلب المغرور .
3. الملك العادل .
4 . خروف العيد .
ج . المجموعه الثالثه:
1. الدواء العجيب .
2. الحطاب والأفعى .
المجموعه الأولى مبنية على أساس حكايات شعبيه بسيطه ، ولكنها ذات رسالة في
مجال التربية ، وهذا هو الدافع الذي جعل كاتبها يختارها .
إن الذكاء الفطري لدى الشعب البسيط هو الذكاء الفطري لدى الأطفال . ومن هذا
المنطلق تتعامل هذه الحكايه مع قضيه الذكاء بغية شحذه لدى الطفل ونقله من
القوة إلى الفعل . قصة " القاضي الصغير " هي قصة مميزه في هذا المجال ، وهي
تمزج بين المعرفه العلميه والذكاء الفطري ، وتلك المعرفه تتلاءم مع أطفال
العصر الحديث – وهذا هو الجديد في هذه القصة . فالجيل الجديد يتعلم في
المؤسسات التربوية ويتزود بالمعلومات التي من المفروض أن تنفعه في حياته
العمليه . نقول إن هذا هو الجديد لأن الحكايه الشعبيه في أصلها كان بطلها
رجلاً طاعن السن وأرادت الحكايا أن تبرز خبرته العلميه من خلال ذكائه فقط .
إذن ، لو افترضنا أن أطفال هذه القصه يعرفون معلومتها العلمية من خلال
دراستهم في المؤسسه التربويه ، فتلائم القصه لجيل مابين العاشره والثانية
عشرة من العمر .
وتدخل في نفس الفئة قصة " الديك الذكي " كأمثولة . والأمثوله هي ظاهرة في
الأدب الشعبي استمدها التراث العربي في الأساس من قصص " الف ليله وليله "
وكليلة ودمنه " وقد يكون العكس أيضاً صحيحاً . وفي كلتا الحالتين إن أنسنة
الحيوانات في القصة الشعبية أكثر ما يلائم الأطفال في أدبهم . ففي الأساس
إن الحيوان أقرب إلى الطفل من البشر الكبار لأن أولئك يمثلون بالنسبة
للصغار عالم الممنوعات التي تحد بقيمها وسلوكياتها من حرية الصغار . فالطفل
يهرب من الكبار أو يتمرد عليهم وفي كلتا الحالتين يجد نفسه أقرب إلى عالم
الحيوان والأحياء منه إلى مجتمعهم .
ومن ناحية أخرى فإن تقرب الأطفال إلى عالم الأحياء وتضامنهم معه ، ينبع من
المقام المشترك الآخر بينهما وهو عالم الغرائز . فالطفل في مراحل نموه
الأولى تدفعه الغرائز والأحاسيس تماماً كما يحدث في عالم الحيوانات وهو في
هذه الحالة أقرب إلى الطبيعه من عالم الكبار الاجتماعي
أما المجموعة الثانيه فهي مجموعة الوسط وهي تتعامل مع الأشياء الحياتيه
العاديه في عالم الطفل ، والعامل الأساسي في هذه الفئه هو المباشرة
والمجابهة . فالقصة تجابه الإنسان بالواقع دون أن تلطف له الأجواء من خلال
أمثولة أو تمثيل .
قصة " خروف العيد " هي قصة مجابهة بين عالم الطفل العاطفي ومحبته للحيوان
الأليف وبين عالم الكبار " وسنّة الحياة " .
وهكذا أيضاً بالنسبة " للفقير الغبي " والتي تتحدث عن هذا الغباء ليس
كوجه آخر للذكاء، بل الغباء القاتل وبشكل شفاف . هو الوضع أيضاً بالنسبة "
للثعلب المغرور".
أما الفئة الثالثه من هذه المجموعة فهي أكثر جمالية وأقرب إلى عالم الخرافه
منها إلى عالم الحكاية . والطفل يحبّ هذا النوع من القصص لما تحتوي عليه من
سحر وخيال يثريان عالم الطفل ويضيفان جمالية على القصة .
وسنقدم الأن المعادله القاسية التي تحتوي على أدوات علميه واضحة لتحليل
وفهم هذا النوع من القصص ومدى تأثيرهما على إحتياجات الطفل .
الجزء الأول : القاعده الشعبيه:
1. النصائح الحكيمه ، حكمة الحياة ، اللعبة الخياليه .
2. القوى الناشطه ، القدرات غير الطبيعيه .
3. المخاوف الخفيه ، الأمنيات الخفيه .
4. النهايه السعيده ، الحلول العجيبه .
الجزء الثاني : الأسس البنيويه:
1. الزمان والمكان .
2. الشخصيات .
3. من المعقول الى اللامعقول .
4. الواعي واللاوعي .
الجزء الثالث : الأدب الشعبي والأطفال:
1. التعرف على الظواهر الطبيعيه .
2. التساؤل والأحجيه .
3. الثنائيه والحوار .
4. الصراع .
5. قانون التثليث .
قصتا " الدواء العجيب " و " الحطاب والأفعى " هي من نوع الخرافات التي
ينطلق فيها الخيال على حساب المنطق ، والسحر المستحيل هو الذي يحتل مكان
الواقع .
بواسطة " الدواء العجيب " يستطيع الفقير الشاب أن يصبح ملكاً ، لأنه يشفي
داء الملكه بدواء الحياة ( سائل الحياة ) . إلا أن الكاتب في إعادة بناء
الخرافه كقصة للأطفال تصرف بعض الشيء بمركبات القصة . فبدل أن يكون الأب
الذي اقترب من الموت ، ويريد أن يترك ورثة لأولاده ، شيخاً فقيراً حكيماً ،
جعله الكاتب ملكاً . إذن يتغير مجرى الأمور هنا ، فبدل التركيز على الأمل
الذي يجب أن يتسلح به الفقير ليصبح غنياً أو حتى ملكاً فيما بعد ، فإن
الكاتب يفضل هنا عاملاً آخر هو عالم السحر الذي يخبيء أحجية تتطلب من الطفل
حكّ ذكائه والوصول إلى معرفة الإجابه على السؤال المطروح : لماذا صاحب
الدواء هو الذي يتزوج من الملكه ؟
والإجابه هي لأن أخويه يستطيعان الإحتفاظ بما لديهما من ورثة أبيهما ،
بينما صاحب السائل الشافي لم يعد يملك شيئاً بعد أن إستعملته الملكه
لشفائها .
إذن المضمون هنا بسيط وبريء ولذا يجب بحث الأسلوب والمقومات الأخرى للقصه:
1. الشيخ ( الملك ) الذي يريد أن يضمن مستقبل اولاده وهذه فكره سائده في
الأدب الشعبي وتنطبق على كل زمان ومكان .
2. جمالية السحر والخيال : بساط الريح ( المركبه السحريه ) الذي يُعد من
أجمل مقومات القصة الخياليه في كل العصور .
3. حكمة الحياة وأسرارها الموجودة في كتاب نادر لا يملكه إلاّ القلائل ;
وهنا يملكه الشيخ الحكيم الذي يريد لأبنائه أن يرثوا هذه الحكمه منه . وقد
تتمثل لدى الأطفال في العصر الحديث بالفضول والعلم الذي من شأنه تعليم
أسرار الحياة لمن يمشي في سبيله .
إذن لو حاولنا تحليل القصة حسب المقاييس الواردة سايقاً فإن القاعدة
الشعبية فيها واضحه :
1. حكمة الحياة والنصائح واردة من خلال اللعبه الخياليه التي تنتهجها
القصة.
2. القوى الناشطه في القصة هي بساط الريح ، كتاب أسرار الحياة والدواء
العجيب . إنها ثلاثه وتتمشى حسب المقومات البنيويه أيضاً لهذه القصه .
3. الأمنيات الخفية تتحقق هنا حسب الحلول العجيبه وحسب النهايه السعيدة وهي
تكشف عن مخاوف مخفيه في نفوس الناس وخاصه لدى الوالد العجوز الذي يقلق
لمستقبل اولاده .
وهكذا نستطيع أن نسير حسب نهج المعادله والمقاييس المذكورة إلى نهاية القصة
.
وإلى القصص الأخرى .
المصادر :
5. يحيى ، رافع . ( 2001 ) تأثير الف ليله وليله على أدب
الأطفال ، الكليه العربيه ، حيفا .
6. العنتيل ، فوزي . ( 1983 ) عالم الحكايه الشعبيه ، دار
المريخ ، الرياض .
أضيفت في04/02/2006/ خاص
القصة السورية /عن موقع أدب الأطفال العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
حول مستقبل أدب الخيال العلمي
بقلم الكاتب:
السيد
نجم
قدم "المسعودى" في كتابه "مروج الذهب و معادن الجوهر", وقص عن الاسكندر
الذي سعى إلى اكتشاف قاع البحر..حيث كانت المغامرات الغرائبية والمثيرة,
مما يشي بخيال أدبي طموح, وان لم يصنف هذا اللون من الكتابة بمسمى ما.
كما أن "القزوينى" تحدث عن" عوج بن عنفق" الذي جاء من كوكب آخر و شرح قضية
الحياة على الكواكب الأخرى.. وأفاض عن تلك الحياة التي لا يمكن أن توصف إلا
بقدرة الكاتب على الانفتاح الخيالي إلى آفاق غير معتادة في حينه. مع ذلك
عرض الباحثون إلى أن لأدب الخيال العلمي جذوره في التراث العربي. فقد تحدث
"الفارابي " عن المدينة الفاضلة , وهى الفكرة التي تناولها توفيق الحكيم في
عمله "في سنة مليون", وصبري موسى في " السيد من حقل السبانخ".
وغيرهم كثر في التراث العربي ممن سجلوا وأبحروا بخيالهم, فيما يمكن أن نطلق
عليه الآن بأدب الخيال العلمي.
كان ميلاد "أدب الخيال العلمي" خلال العصر الحديث تعبيرا انسانيا ولو من
باب الخيال المحض حول الطبيعة و تجاوز معوقاتها. فولد ذلك النمط الجديد
للتعبير عن محاولة الإنسان استلهام العلم و محاولة تجاوز الواقع لاستشراف
المستقبل.
قدمت د. مها مظلوم تعريفا لرواية الخيال العلمي بما نصه:" هي رواية
مستقبلية تقوم على الحقيقة الثابتة حينا أو المتخيلة عن جانب مجهول من
الكون و الحياة حينا آخر, شخصيتها اسمية أو رقمية غير مكتملة الهيئة النفسي
والجسدية , تنقل زمان الخطاب الروائي – المسرود في الغالب – إلى زمان
مستقبلى أو استرجاعي متوهم, و إلى مكان خيالي , أحداثها مشوقة و مثيرة تدفع
إلى التفكير في نتائج هذا الخيال المقنن و الموظف , فتقدم حلولا مستقبلية
يجب أن تكون عليه في ظل التقدم العلمي المتسارع, كذلك تقدم محاذير لنتائج
تلك النظريات العلمية ا`ذا اسىء استخدامها دون حساب النتائج ,
عنصراها العلم و الأدب."
بدأت الرواية العلمية في العالم العربي خلال فترة الستينيات من القرن
العشرين . وهذا التاريخ يتجاهل بعض المحاولات غير المتعمدة لبعض الكتاب من
قبل .كما عن الكاتب توفيق الحكيم في بعض قصصه القصيرة و المسرحية, كذلك "عز
الدين إسماعيل" في مجموعة من التمثيليات الإذاعية .. و غيرهما.
خلال الستينيات كان الوعي و إرادة الكتابة في الخيال العلمي هي السمة ,
وليس من باب التجريب و العرض. فقد كتب "د.مصطفى محمود" رواية "العنكبوت"
عام 1965, و"رجل تحت الصفر" عام 1967م..ثم "نهاد شريف" في روايته " قاهر
الزمان" عام 1974, و"سكان العالم الثاني" عام 1977, و "الشيء" عام 1989 , و
رواية "ابن النجوم" عام 1997.
كما كانت هناك العديد من الروايات بقلم " صبري موسى", و"ايهاب الأزهري", و
"اميمة خفاجى"..وغيرهم .
ربما يمكن عرض مجمل الأفكار (أو اغلبها) التي تناولها كتاب الخيال العلمي
في العربية. منها: الأطباق الطائرة و تأثيرها, علاج بعض الأمراض
الاجتماعية , فكرة التناسخ , نقد تأثير النظم السياسية على الأفراد ,
تطور الهندسة الوراثية , فكرة الخلود , فكرة الحياة الأفضل أو يوتوبيا
المدينة الفاضلة , الحلم بحضارة مختلفة .
إلا أن هناك بعض الأعمال التي تتناول فكرة "السلام" و الحلم بمجتمع عالمي
آمن.. أو هي فكرة "السلام المطلق". وضحت في رواية " سكان العالم الثاني "
للكاتب "نهاد شريف. وفيها يشير الكاتب إلى السلام المرهون بالقوة , و أنه
يرى عدم إمكانية تحقيق السلام إلا بالقوة, وليس برغبة الأفراد و الشعوب
فقط , ولا حتى الحكام .
في قصة قصيرة " رقم 4 .. يأمركم" للكاتب "نهاد شريف" , يبرر الكاتب تدمير "اتلانتس"
الجزيرة التي هوت في المحيط, تلك التي سقطت و تلاشت لم يكن ذلك إلا بسبب
الصراع الداخلي. لكن مخلوقات كوكب المريخ يعتقدون بفناء كوكب الأرض كله و
ليس جزء منها (اتلنتس) إذا قامت حرب نووية و إذا زاد مخزون السلاح.
أما رواية "السيد من حقل السبانخ" , فالكاتب "صبري موسى" يعبر عن الخوف من
السلام برؤية داخلية أي داخل مفهوم السلام, فيقول السيد"هومر":"أيها السادة
إنكم تقتلون الأحاسيس الخلاقة في المواطنين.. إنكم تقتلون الحرية لشخصية
داخل فكرة الانضباط.. و تعوقون الخيال الإنساني عن الانطلاق الجامح الذي
تولد فيه العبقرية الخلاقة"
ومسرحية "عائلة السيد رقم 1" للكاتب "صلاح معاطى" , فيها تخيل الكاتب حياة
جديدة للإنسان الآلي حتى وصل إلى مستو عال من الأداء, بل من القيادة
الإدارية بالمؤسسات الاقتصادية , ثم التفكير المستقبلي. فقد تعددت أجياله ,
و اتصف بالانضباط السلوكي و النفسي, وشكلت مجتمعا أشبه بمجتمع البشر. فلما
أصاب الوهن قواها الآلية , تفككت القيم و أصبح الجيل الجديد مناقضا للجيل
الأكبر منه . في المقابل تحول البشر إلى خدم في هذا المجتمع الآلي الجديد.
روايدا شعر البشر بقهر الآلي , و بدأ يصرخ (الكاتب) من خوف سيطرة الآلة , و
بدأت الدعوة للمطالبة بالحرية من قهر و سيطرة الآلة... إذن فقد الإنسان
مجتمعه البشرى و قام المجتمع الآلي, قال خادم السيد رقم1: "ولكننا بالحب
استعدنا مجدنا القديم"
الأمثلة السابقة و غيرها تكشف أكثر ما تكشفه عن أن موضوع الحرب و السلام ,
و الخوف من المستقبل هي من الموضوعات التي شغلت كتاب أدب الخيال العلمي
كثيرا .
وتشير إحصاءات القراءة في الأدب الغربي/ الأوروبي الآن , أن منتج الخيال
العلمي في الرواية يمثل أكثر من 30% من الكم الإجمالي للرواية..فإذا ما
أضفنا تلك الروايات التي تتناول الفورم أو الشكل المثير "الأكشن" , ثم
الشكل البوليسي ..يمكن بالتالي أن نستنتج غلبة أشكال روائية جديدة, وقلة
المنتج والمعروض من الروايات الإنسانية بالمعنى والشكل والتناول المتعارف
عليه..وهو الذي يسعى إلى أعماق النفس البشرية والعلاقات الإنسانية بين
الفرد والجماعة.
وهو ما جعل البعض يعلن عن تخوفه من تلك الحقيقة, وبدأت تعلو بعض الأصوات
لتعلن عن ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع.
أما في العالم العربي فمازال أدب الخيال العلمي في مراحله الأولى, وكم
المنتج منه محدود, ولا يمثل أية مشكلة, بل ندعو إلى الخوض فيه للأخذ من
ميزاته التي هي مزيج من الانفراج الخيالي, والمزج بين الحقائق العلمية
والحياة اليومية المتخيلة.
أضيفت في10/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الطفل ووظيفته التعليمية والذوقية
بقلم الكاتب:
د. عبد الرؤوف أبو السعد
أ ـ الوظيفة التعليمية:
من أفضل الوسائل التعليمية تلك التي تتم بواسطة السمع والبصر، وترفض الورق
كوسيلة للتعلم والتذوق. فالأدب المكتوب من الوسائل التعليمية المحدودة
الأثر، وحينما يصبح الأدب مسموعاً أو مشاهداً فإنه ـ حينئذ ـ يؤدي دوره
كاملاً .. كما أن التراث الشفهي كان من أقوى الوسائل في نقل المعارف،
والحقائق، والنماذج الأدبية الراقية .. وذلك للأسباب التالية:
1 ـ أن أسلوب الحكى والقص يحقق الألفة، والعلاقة الحميمة، والمودة والثقة
المتبادلة بين المتلقى، وهو هنا الطفل، ومَن في مستوى مراحل الطفولة، و
«القاص» أو «الحكواتي». وفي إطار هذا التبادل الدافئ في العلاقة تتسلل
المعلومات بخفة وسهولة ويسر .. ويقبل عليها الأطفال بشوق ولهفة.
2 ـ أن رفض «فن الكتابة» واعتماد فن القصة على التلقي سماعاً وتلقي المسرح
مشاهدة بصرية حيث المبدع يلتقي فيه مباشرة ـ أمر يحقق عمقاً في الذاكرة ..
بحيث لا تنسى هذه الأعمال الفنية، وتظل محفورة في وجدان وعقل المتلقى،
وتمده بالمعلومات في حينها.
3 ـ في المراحل المختلفة لنمو الأطفال، ينبغي بناء الأدب بعامة والقصص
بخاصة على مواد تعليمية ترتبط بميول التلاميذ والأطفال وخبراتهم، لأن مثل
هذه المواد التعليمية تزيد من شغف الأطفال والتلاميذ بالأعمال الفنية،
وتدفعهم إلى بذل المزيد من حسن الاستعداد، ومن الجهد العقلي للاستفادة من
هذه المواد. كما تزيد من تهيئتهم للاستفادة الوجدانية وقدراتهم على الحفظ
والقراءة والأداء اللغوي والصوتي السليم.
4 ـ الأدب في إطاره القصصي مصدر للنمو اللغوي السليم عند الأطفال والتلاميذ
.. وبرغم ما في أطوار نمو الأطفال من اختلاف وتباين حيث الاستعدادات
للتنمية اللغوية مختلفة .. فإن الأدب يساعد كل الأطفال، ابتداء من مرحلة
الحضانة حتى عتبات الشباب على التحصيل اللغوي وتنميته، ويتزايد المحصول
اللغوي، وتثري دلالاته وتتنوع استخداماته، وذلك بأثر من تزايد عمليات النضج
الداخلي لدى الطفل، والخبرات التي تزوده بها البيئة والتجارب التي يمارسها
بحكم تقبله وتلقيه للإبداعات وفي مقدمتها القصص والمسرحيات .. ثم ألوان
الأدب المختلفة من أناشيد، وأشعار جميلة، وأغاني ذات إيقاع جماعي، لكن بشرط
أن تكون هذه «الآداب» متلاقية مع حاجة من حاجات الأطفال.
5 ـ الأدب مصدر من مصادر المعرفة، في مرحلة من مراحل الخصوصيات المعرفية
التي تصبح موضوع اهتمام المبدع مثل القصة أو المسرحية أو قطعة الشعر، حينما
تكون حاملة للغة الخطاب المعرفي، والطفل والتلميذ والآباء والمدرسون يجدون
في هذه النماذج الأدبية ما يجعل المتلقى من عالم الصغار قادراً على اكتساب
ثقافات، وتتبع ما يجد من ألوانها ومن فنون المعرفة، ويكون عادات وجدانية
تسهل التقاط المعرفة والأدب باعتباره نشاطاً لغوياً يساعد على التربية
السليمة .. حيث الخبرة والعمل، والإحساس السليم والعاطفة الإيجابية تساعد
الأدب على تنميتها، والأدب ـ فوق هذا ـ ينتقل بالمدرسة وبعمليتها التعليمية
من مجرد تلقين التلميذ مواد دراسية إلى تزويده بالخبرات العقلية
والوجدانية، وإعادة تنظيم خبراته السابقة، بصورة تضيف إلى معناها، وتزيد من
قدرته على توجيه مجرى خبراته التالية نحو تحقيق أهداف التربية في خلق
المواطن السليم جسماً وعقلاً وروحاً ووجداناً وقلباً .. إلخ.
ب ـ الوظيفة الجمالية التذوقية:
الطفل يولد بمشاعر رقيقة، وشعور فياض بالنيات الحسنة، والحب المتسامح
النبيل .. وهو يولد مزوداً بخبرات فطرية جميلة .. فالطفل قيمة تنطوي على
الخير والسعادة والرفاهية حباً ومودة وتواصلاً كما أنه معروف بشمولية ذوقه،
ورهافة حسه وسعة خياله، وحبه وشوقه للمجهول، وقيام عالمه الطفولي على
المغامرة، والحل والتركيب. والسؤال أن الأدب يخلق في عالم الطفل توجهات نحو
الجمال، ويبرز القدرات المتذوقة ويكشف عن القدرة الإبداعية.
كما يستطيع الطفل بكل مراحل نموه، أن يكتسب قدرات التذوق حسب كل مرحلة،
وخصائصها، وقيمها، وطبيعة العمل الأدبي المناسب لها .. بذلك نستطيع تنشئة
الطفل تنشئة تذوقية حسب استعداده، وقدراته، وطبيعة مرحلته .. فرحلة الطفل
خلال مراحل نموه برفقة الأدب، تخلق نوعاً من الصلة بين الجمال والإحساس به،
ويمكن تلمس أثر هذا على الطفل الذي تعود الاستماع إلى الأدب أو مشاهدته، أو
قراءته .. حيث الطفل يكون عادة في اتم صحته النفسية، وأكمل درجات نضجه،
وأفضل حالاته الوجدانية والذهنية .. وهذا كله صدى للحس الذوقي الذي نما
لديه أثر إرتباطه الدائم بالتذوق الأدبي. ويمكن بلورة العوامل التي تنمي
التذوق الأدبي لدى الأطفال وذلك بأثر من تعاملهم مع الأدب استماعاً أو
قراءة أو مشاهدة، وذلك فيما يلي:
1 ـ يعمل الأدب على تنشئة الشخصية، وتكاملها، ودعم القيم الاجتماعية
والدينية، والثقافية .. ومن ثم تتكون عادات التذوق السليمة، والتوجهات نحو
الجمال في كل ما يتصل بالحياة اليومية والاجتماعية، والحضارية. ويصبح الطفل
قادراً على مواصلة علاقاته الإيجابية ببيئته، ويؤكد دائماً على مطالبه
لتحقيق الجمال في حياته العامة والخاصة.
2 ـ تتكون لديه قدرات وخبرات وتجارب وثقافة تعمل على التأكيد على شخصية
الطفل المتذوقة للجمال، وإصدار أحكام إيجابية لصالح النظام والنظافة، وذلك
في إطار الجمال العام. بالإضافة إلى دعم القيم الروحية والقومية والوطنية
لدى الأطفال، وذلك لخلق ثقة كاملة في مستقبل أمة تنهض على أكتاف مسئولين
تربوا وهم أطفال على التذوق، والتمسك بالجمال في حياتهم الخاصة والعامة.
3 ـ كما أن تذوقهم للغة، وجمالياتها يساعد على تنشيط وجدانهم، وإكسابهم
القدرة على تذوق اللغة واستعمالاتها وحسن توظيفها .. ومن ثم تتكون عادات
عقلية وفكرية، تكون قادرة على تهيئة أطفال اليوم، ليصبحوا قادة المستقبل،
ومفكريه.
4- ان الاطفال الذين ينشأون نشاة تذوقية ادبية يحققون اكتساب المهارات
التالية :
- التعبير باللغة والرسم عن افكارهم واحساساتهم لتنمية قدراتهم على
الاستفادة من الوان الثقافة وفنون المعرفة واعدادهم للمواقف الحيوية التي
تتطلب القيادة والانتماء والتمسك بالجدية والاستفادة في الوقت نفسه من
مباهج الحياة .
- التذوق اللغوي والادبي يحقق للاطفال مجالات وافاقا اوسع في تعاملهم
واحتكاكهم الاجتماعي والانساني ويعالج سلبيات الاطفال المتمثلة في انطوائهم
وعزلتهم وارتباك مواقفهم وتخرجهم هذه القدرات اللغوية وتذوق الادب من اطار
عيوبهم الشخصية والاجتماعية الى اطار اوسع من النشاط والحيوية والتعاون
والاقبال على الحياة .
- القدرة على القراءة الواعية وعلى تقدير قيمة الكلمة المكتوبة فكرية
ووجدانية ومن ثم اعداد الاطفال لتولى اعمال اذاعية ومسرحية و...
- ان الادب يمكن الاطفال من معرفة الدلالات المعجمية ويزودهم بالدلالات
الثانوية الموحية ويخلق لهم من خلال تذوقهم واستعمالاتهم ابعادا جديدة عن
طريق المجازات التي هي في الحقيقة استعمالات لغوية تدل على الذكاء وحسن
توظيف اللغة وضرورية لتنمية التعبير وامكاناته وتجديد طرائفه بل هنالك من
يرى ان اللغة كلها مجازات .
- الادب فن والفن موطن الجمال وعلاقة الذوق بالفن قائمة على تنمية الاحساس
بالجمال لدى اطفالنا .فالادب قادر على تغذية مخيلة الطفل بكل مايثير ويمتع.
- ان الدب في افقه الاوسع مجموعة من التجارب والخبرات وعندما نقدم شيئا منه
لاطفالنا انما نقصد الى ان الاطفال لم يخوضوا اية تجربة شخصية مؤلمة ولم
يستطيعوا التعرف على معنى وماهية الخوف القابع في اعماقهم ولهذا فانهم
يجدون في ادبهم تعويضا عن ذلك في تلك الشخصيات والاحداث والمناسبات التي
يتضمنها ادبهم .فكاتب ادب الاطفال العظيم هو القادر بحق على التعبير عن
مشاعر الخوف العميقة لدى اطفالنا والقادر على ان يبتكر لهم مشاعرهم واحاسيس
تربطهم بالحياة بشكل اجمل
عن حواء
مراحل
النمو وعلاقتها بأدب الطفل، وتدريسه
بقلم الكاتب:
د. عبد الرؤوف أبو السعد
تجمع الدراسات النفسية، ودراسات الطفولة على أن الأطفال يمرون بمراحل تنمو
بهم، وتنمي قدراتهم، وتسلم في نهاية هذه المراحل، إلى عتبات الشباب. وتبدأ
مراحل نمو الطفل، كما هو مشاهد، بالمرحلة الأولى، وهي:
أولاً: مرحلة المهد، والتي تبدأ من اللحظة الجنينية ـ حتى سن ثلاث سنوات.
وفي هذه المرحلة، تكفي أغنيات الأم، وهز المهد بطريقة إيقاعية، وحكايات
الجدة، وحواديتها الخيالية، وقصص الحيوانات، التي تتجمع، وتتعاون وتتساند
لتقدم العون للآخرين، ويقوم كل حيوان أو طير بتقديم ما يقدر عليه .. وقد
تستغني الأم بشريط التسجيل ليحل محلها، أو محل الجدة .. لكن هذا البديل ليس
مقبولاً دائماً .. حيث الطفل بحاجة إلى أدب دافئ: أي أغنيات وحكايات
وحواديت بين أحضان الأمهات، والجدات مصحوبة بموسيقى ورقص وكل ما هو حسن.
ويمكن تدريس هذا اللون الأدبي لمعلمي ((أدب الطفل)) وذلك على النحو التالي:
1 ـ الوحدة التي يدور حولها الدرس: ((أغنيات ماما زمنها جيه))، ((قصة أرنوب))،
حكاية من حكايات: ((افتح يا سمسم))، حدوتة من حواديت المغامرات.
2 ـ تذاع الأغنية، أو الحكاية على الطالبات، ثم تبدأ كل واحدة تردد المقاطع
واحداً واحداً، ثم يبدأ المعلم في توجيه أسئلة عن مضمون وتوجهات هذه
الأعمال، لاستخلاص أهم الأفكار وشرح المعاني وبلورة الاتجاهات التربوية،
التي تستهدفها الأغنية، أو الحكاية.
3 ـ تبدأ الطالبات، في تقديم ألوان أدبية، على غرار تلك الأعمال ليمرن على
إبداع مثل هذه المواد، وقد تدخل ضمن موضوعات التعبير، التي يطالبن بالكتابة
فيها، وذلك مع حفظ عدد كاف من أغنيات، وحكايات، وقصص تدور حول معاني
الأمومة، والطفولة والإخوة، والأطفال، مع اهتمام ببساطة كلماتها، وعروبتها
المستعملة في بيئات طفولة هذه المرحلة، والبعد عن الإسفاف في المبنى
والمعنى.
4 ـ ينبغي الاستعانة، بوسائل تساعد على بلورة، وتنمية الوظائف الأساسية
للمادة الأدبية .. فالأغنية، أو الحكاية، تحاول تقديم متعة، وحاجة إلى طفل
هذه المرحلة والمعلم مطالب، بتحقيق هذا عن طريق وسائل تستطيع تجسيد وإبراز
هذه التوجهات، والمساعدة في إيصالها، وتحديد مفهومها وهذه المعينات، قد
تكون سمعية، أو بصرية، والمقصود منها في هذه المرحلة هو إثراء خبرة الطفل
الأولى، وتوضيح المعاني المقصودة، وإيصال الأثر المطلوب، كما أن هذه
المعينات تقدم البديل أحياناً، وتضيف الكثير للخبرة المباشرة، ووجودها
مصاحب، للعملية التعليمية حول تدريس ((أدب الطفل)) إنما يقصد من ورائه
إحداث نوع من البديل المباشر المعين، ليظل الطفل، والمعلم، في حالة اتصال
بمضمون الأدب. وبالرغم من أن هذه الوسائل المعينة، فعالة، في تحقيق أهداف
الأدب إلا أنها لا تتسم بالمرونة، التي تتسم بها العلاقة الثلاثية بين
الطفل والمادة الأدبية، والمعلم، ولا يمكن أن تتضمن ـ هذه المعينات ـ على
خصائص العلاقة الإنسانية الإبداعية، التي تضمنها العلاقة الإبداعية، بين
متلق متذوق، وأدب صادق أصيل، ومعلم موهوب، وموصول في توجهاته، بعالم الطفل
.. من ثم ينبغي إدراك أن هذه الوسائل مجرد معينات، لإحداث نوع من البديل.
ثانياً: مرحلة الطفولة المبكرة، وهي تبدأ من (3 ـ 6)، أي سن دخول المدرسة،
وفي هذه المرحلة، يبتعد الطفل عن إطار الوالدين، والأسرة قليلاً، ويبدأ في
التعرف على المجتمع حوله، والكون المحيط، والطبيعة الممتدة، ويأخذ في تكوين
صداقات، وينمو بداخله غريزة حب الاستطلاع، والتعرف على ما وراء النهر، أو
البيوت في أطراف المدينة، أو ما وراء السماء، وما تحت الأرض، ويأخذ في
إثارة الأسئلة، طلباً للإجابة، وبدءاً للتأمل الذاتي، والخارجي الذي سيستمر
معه إلى النهاية، وهو لهذا يميل إلى الأدب في إطاره الجماعي، وإلى القصص
الخرافي، والحكايات الشعبية والحواديت (الفلوكلورية) لكن في إطار البيئة،
وواقعها.
ويمكن لطفل هذه المرحلة، أن يتعرف، ويتقن مفردات لغته العربية خلال أغنيات،
وأشعار عربية سليمة، وذلك مثل ((حوارات الأزهار)) أو ((الطيور))، أو
((الحيوانات الأليفة)) .. حيث تجري اللغة طيعة جميلة، صحيحة متدفقة، وسأضرب
مثلاً بحوار يدور بين فتيات الريف الوادع الجميل، والحمام الزاجل، وكانت
هذه الأغنية مشهورة في ريفنا، قريباً من ((بلقاس)) عاصمة البراري تقول
الأغنية:
الفتيات: أيها الطائر أهلاً .. بمحياك وسهلاً .. فقت كل الطير شكلاً ..
زانه ذاك الهديل.
الطائر: أمُّكُنَّ استودعتني ... شوقها إذ ودعتني. وكتاباً حملتني .. لفظه
يَشفِي العَلِيلَ.
الفتيات: أقر يا خير الحمام ... أمنا منا السلام ... ذاك أقصى ما يرام ...
وبه تم الجميل.
الطائر: سأطير .. وأطير .. وأشدو للسلام الجميل.
ويمكن اتخاذ هذه الأنشودة، محور الدرس في ((أدب الطفل)) يقوم به معلم
طالبات أقسام الطفولة، ورعاية الأطفال، وذلك على النحو التالي:
1 ـ بيان أهمية اللغة، والمضمون الإنساني، والجمالي، والقيمي للأنشودة، ومن
أجل هذا ينبغي التأكيد على النقاط التالية:
أ) تجنب ربط الأنشودة بقاعدة لغوية، أو نحوية .. بل ينبغي الاقتصار على
النطق السليم الجميل، وتدريب الطالبات على ذلك.
ب) تزويد الأطفال، الذين سنقوم بتنمية الذوق الأدبي عندهم، عن طريق
المعلمين، أن تزودهم، بما يحتاجون إليه، لمساعدتهم على النطق الصحيح،
والتذوق السليم، والأداء الجيد، والإيقاع المضبوط.
ج) الإقلال، قدر الإمكان من الإشارة إلى المعلومات، ويكتفي ببعض المعارف
التي تساعد على التذوق، واكتساب الخبرة، وتحسن من الأداء والتوظيف المناسب،
مع الإقلال من المناقشات التي تضعف من تأثير الفن، وتفسد على الأطفال،
تذوقهم الشعر، وتجنب المناقشات اللغوية والفكرية واللفظية المملة،
والابتعاد عن كل ما يجعل هذه الأنشودة، وغيرها ومثيلاتها من الشعر، وسيلة
لبث المواعظ والتوجيه المباشر الممل، والمفسد لقيمة الجمال، التي موطنها
وغايتها النص.
2 ـ بيان أن هذه الدراسة، توظيف للأدب، وتنمية للأذواق، وتهيئة الطفل
لاستقبال الأدب، بوجدان وقلب، مفعمين بحب الجمال، ولهذا، تصبح تنمية
القدرات التذوقية، لدى طفل هذه المرحلة، هو انعكاساً أميناً، وصادقاً، لما
عليه البيئة، والمجتمع العام والخاص من ثقافة، وحضارة، مع إضافة ما تتوسل
به البيئة من معينات وفي هذا المجال ينبغي التأكيد على النواحي الآتية:
أ) إثارة المهارات اللغوية، والقدرة على تصوير بعض المواقف، في إطار
التعبير عن الذات في اتجاه الثقافة السائدة، والجماليات المعروفة.
ب) الاستفادة من كل المثيرات المصاحبة، لتدريس هذه الوحدة الغنائية.
ج) تعديل سلوك الأطفال الإبداعي، وإكسابهم اتجاهات نحو الجمال، وتنمية
تفاعله الوجداني، مع الفنون الأخرى خلال العرض الدراسي، وفي إطار من
التفاعل مع البيئة ثقافياً و ((فلوكلورياً)) ... وعلى ((المعلم)) أن يطرح
مجموعة من الأسئلة على طلابه، كي يستفيدوا منها عند قيامهم بدور معلم ((أدب
الطفل)) وتدور هذه الأسئلة في الأطر الآتية:
1 ـ العوامل المشجعة على الإبداع، وتندرج تحتها مثل هذه الأسئلة التي تكشف
عن العوامل الكامنة مثل:
س 1: كيف توجه القدرة الإبداعية عند طفلك؟
س 2: إلى أي مدى يعتبر التعليم والتربية الجيدة دافعاً إلى الإبداع؟
س 3: ما أنواع الدوافع التي تعينك على الأخذ بيد الطفل نحو التذوق؟
2 ـ العوامل النافية للإبداع، أو المعوقة لعمليات التذوق الجمالي، ومن ثم
القدرة على الإبداع، ويمكن تلخيص تلك العوامل فيما يلي:
أ) ضعف العملية التربوية والتعليمية في أفقها الأوسع، وبخاصة الموجهة
للأطفال، ولذلك لا نستطيع كشف القدرات الإبداعية والتذوقية لدى الأطفال،
والتعليم حينئذ، لا يشجع على كشف المواهب.
ب) دفع الأطفال، إلى التقليد، والمحاكاة، وحب الظهور، بدلاً من الاعتزاز
بالشخصية، والقدرة على الحضور المؤثر، في المواقف، والمشكلات.
ج) الميل إلى الهروب السلبي، وعدم الميل إلى القراءة، والمطالعة وسماع
القصص الخيالي، والتشتت الناشئ عن عدم تجديد هدف أي عملية فكرية، أو
وجدانية، أو تعليمية، وما ينشأ عن هذا كله من فقدان الثقفة. ويمكن الكشف عن
هذه العوامل النافية للإبداع، والقدرة على التذوق وذلك بواسطة الأسئلة
التالية:
س 1: ماذا تحب من درس القراءة .. ؟
س 2: لماذا لا توجه أسئلتك إلى معلمك؟
س 3: ما الذي تفضله، وأنت في حصة الأناشيد؟
س 4: هل يسعدك التصفيق لك. أم مساعدة الآخرين دون علم أحد .. ولماذا؟
س 5: أيهما تفضل زيارة عمك للتمتع بثمار حديقته أم الذهاب إلى المكتبة
للقراءة. ولماذا؟
س 6: هل تكون مسروراً، عند الانتهاء من رسم لوحة، أو كتابة خطاب إلى صديق.
ولماذا؟
وفي هذه المرحلة، ينبغي التركيز على مثيرات الخيال، وتوجيه الطفل نحو إثارة
عواطفه، وخياله تجاه الأشياء المحيطة، والتعاون معه في الرد على كل
تساؤلاته، وتوجيهها توجيهاً يتفق، والكشف عن قدراته الإبداعية، وتقديم
نماذج أدبية، تساعده على التذوق، والتغني بها، ومساعدته في تلحينها،
وترديدها فرداً، أو مع جماعته، ولخصوصية هذه المرحلة (3 ـ 6) فإن على معلمي
((أدب الطفل)) أن يبثوا بين الأطفال، النزوع الفني، والأدبي وأن يعيدوا
صياغة الأطفال اللغوية، في صياغات إيقاعية، وفنية. وأن يكشفا عن ميولهم
الإنسانية، واتجاههم نحو الحيوانات الأليفة، والطيور، والكائنات الصغيرة،
والأزهار، والأشجار ليؤكدوا على هذه الميول، ويبلوروها، لأنها مؤشر، على
شخصية الطفل الإبداعية، والفنية، والأدبية، وميله إلى الابتكار.
ثالثاً: مرحلة الطفولة من (6 ـ 10)، وهي مرحلة تشد انتباه الطفل إلى ما
وراء الأشياء، وتذهب به إلى آفاق فسيحة من الخيال، وتعمق له الظاهر، وتدعوه
إلى كشف الباطن الخفي.
وفي هذه المرحلة، يحاول الطفل التركيب، والتجميع، وتفسير كل الظواهر وعقله،
مرحلتئذ، أقرب إلى الخيال، واصطناع الحلول الخرافية للمشكلات، ودورنا يتمثل
في تقديم، أدب يشبع خياله، ونهم وجدانه نحو الرؤى الحالمة، مع أخذه بمنهج
عقلاني يمجد الفعل الإنساني، بديلاً لغيبية الحل الخرافي والاتجاه به عبر
أدب قصصي، إبداعي، وغنائي للسير في مسار الأدب الخيالي، تحقيقاً للمتعة،
وإثراء للعواطف، والأحاسيس وتقوية للخيال، ووصولاً إلى معرفة عقلية، يكشف
عنها هذا الأدب الخيالي، حتى يكون طريقاً إليها، وفي خدمتها، وتحقيقها أو
إلى قيمة فنية جمالية، أو أخلاقية .. المهم أن يكون هذا النوع من الأدب
الخيالي، وسيلة لا غاية .. أما الغاية، فهي تقوية الإرادة، والفعل، وإثراء
المرحلة بالخبرة، وتزويد الشخصية بالمعرفة، وإشباع الحاجة، وبث الفضيلة، مع
قوة التصور الذي ننميه، لدى كل مرحلة، من مراحل عرض الدرس الأدبي ..
والمعلم حينئذ يستطيع اختيار قطعة أدبية، تساعد على تقوية الخيال، وتمنح
الطفل فرصة للتذوق، أو أن يختار قصة تتميز بخيالها الحر، وبقدرة البطل على
التجاوز، والامتداد في المجهول ثم يعود حاملاً ثمار مغامراته، خيراً،
واكتشافاً علمياً نافعاً.
رابعاً: مرحلة الطفولة من (10 ـ 14)، وهي المرحلة التي تتحدد فيها معالم
الشخصية، وتستفيد من الرافد المغذية القادمة من التربية والتعليم، والأسرة،
والمجتمع، والنظام الاجتماعي وفلسفته السائدة، ومن المناخ العام الثقافي
والحضاري والاقتصادي، والسياسي، وتظهر في هذه المرحلة، النزوع نحو الفردية
(الأنا) وحب السيطرة، وشدة التملك، وحب الظهور، ولذا فإن الأدب الذي يقدمه
المعلم ليكون ملائماً لهذه المرحلة. بكل تعقيداتها، وتركيبها، هو أدب
البطولات: الشعرية، والقصصية، والمسرحية، وهو الأدب الملتزم بقضايا الحرية،
والدفاع عن الأوطان والمعتقدات، والتغني بالأبطال الحقيقيين، ومع هذا
اللون، يمكن الاهتمام بالأدب الاجتماعي، والإنساني، وفي التاريخ القديم،
والمعاصر، والمشكلات الحضارية والاجتماعية الحديثة، معين خصب لإرواء ظمأ
أطفال هذه السن، وينبغي لمن يعمل في تدريس مادة الأدب لأطفال هذه المرحلة
الاهتمام بما يلي:
1 ـ توجيه النزوع إلى السيطرة وحب المقاتلة، إلى الحار العقلاني الهادف،
والدعوة إلى السلام باعتباره قاعدة الحياة العامة، غلا إذا هدد الوطن، أو
الأمة، أو المعتقد فلا بديل للسلام، إلا الشجاعة والإقدام، والبسالة في
سبيل الأوطان، والشعوب، والمعتقدات.
2 ـ توجيه مرحلة المغامرة، والبطولة، التي يعيشها أطفال هذه المرحلة، نحو
التفوق، والخدمة العامة، والانخراط في معسكر العمل والإنتاج، وتعلم فنون
الدفاع عن الأوطان.
إننا بالفن، وبالشعر خاصة، نحمل الطفل على البوح لنا بكل ما يعانيه، ويحس
به، وحينئذ، نكون أكثر إنصافاً له وقدرة على حل مشكلاته، وفي سبيل هذا
ينبغي أن ننوع له في التجارب الشعرية، ونأخذ بيده نحو شعر الطبيعة، وشعر
الحب العفيف، وشعر الانتماء للوطن وشعر التسامح الديني، وشعر الإيمان ..
وشعر الحماسة في اتجاه المثل الأعلى، وأن ننوع له أيضاً في الفن القصصي
فنختار له، قصصاً اجتماعياً، وآخر إنسانياً، وتاريخياً كما لا نحرمه من
الأساطير، التي تفسر نشأة العلوم وتوضح اجتهاد البشرية، لتفسير الكون،
واللحاق بالعلم واكتشافاته، والحدوثة، والحكاية، التي يسترجع عن طريقها طعم
الحياة الشعبية، التي عاشها، ويعيشها مجتمعه الصغير والكبير.
وفي هذه المرحلة يجدر بالمعلم، أن يضع نصب عينيه حقائق منها:
1 ـ ليس الغرض من تدريس ألوان الإبداع الأدبي، هو مجرد شرح نصوص أدبية ..
بل المقصود هو تزويد الطفل بخبرات جمالية وأخلاقية، وإنسانية، ثرية بكل
عناصر التذوق السليم والاستنارة الغنية بالمفاهيم الصحيحة، عن التاريخ،
والوجود، والكون والحياة.
2 ـ أن يكون ما يختار لهم غنياً بالرؤى، وجماليات الشكل والمضمون.
3 ـ أن تكون الأعمال المقدمة للأطفال، مليئة بالحيوية، والتفتح للحياة،
وقادرة على التسلل إلى عقولهم، وقلوبهم ووجدانهم لتصنع هناك حساً فنياً
وأخلاقياً تجاه كل الأشياء.
4 ـ أن تكون هذه الأعمال من الأدب، الذي يستطيع الطفل، أن يستعيد من خلاله
الخبرات، ويشعر تجاهها بالحاجة الملحة، وأن تكون من أدب الأطفال، أو من
الأدب الذي يبدعه الكبار، ويتضمن خبرات مستفادة للأطفال.
أضيفت في20/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
سيرورة أدب الأطفال
بقلم الكاتب:
د. وليد مشوِّح
أدب الطفل إلى أين؟!
سؤال ما برح يفرض نفسه بإلحاح ويضغط على ضمائر الكبار، فيتحول شيئاً فشيئاً
ـ مع تقدم العلوم التقنية في زمننا هذا ـ إلى صراخ، لتتناسل منه أسئلة مهمة
أخرى: هل أفلحنا في هذا الحقل الذي نريده تأسيساً للمستقبل؟. هل استوعبنا
الغايات التي ينبغي أن نوجه كتابتنا للطفل في أفيائها؟ هل توصلنا إلى
المقدرة التي تؤهلنا للتفريق بين أدب الطفل والأدب الموجه للطفل؟. هل فكرنا
ـ جدياً ـ بإجراء دراسات ميدانية توضح توجهات الطفل (العقلية ـ الرغائبية)
وجهة القراءة، أو السماع أو المشاهدة، وما الذي فعلناه بهذا الاتجاه؟. هل
تنبهنا إلى النقص (الفظيع) الذي تعانيه المكتبة الطفلية العربية في
الدراسات التي تصب في علم نفس الطفل! لضمان صحته النفسية؟. هل مددّنا
نظرتنا خارج حدودنا القطرية، ونقلنا الواقع الأمني، النفسي، الصحي،
الاقتصادي، الإبداعي الذي يعيش فيه طفلنا (في ظل طغيان الأقوياء) إلى آباء
العالم وأطفالهم؟!!.
ثمة أسئلة تبدأ بـ /هل، متى، علامَ، حتامَ، إلامَ، كيف.. الخ/، ومع ذاك كله
مازلنا في دائرة صناعة الأسئلة، والتجريب، واتباع (المودة)، واللهاث وراء
الحلم والأمل!!.
ومما لاشك فيه أن بعض المؤسسات والتجمعات الثقافية بدأت في التخطيط لصناعة
آلية دقيقة لصناعة الوعي الطفلي بدءاً من استحضار التاريخ العربي الإسلامي
في أيامه ومواقفه وأخلاقياته، وإعادة صياغتها، ومن ثم طباعتها ووضعها بتصرف
الطفل العربي، وهذا ما فعله اتحاد الكتاب العرب في سورية إذ بدأ الخطوة
الأولى بتشكيل لجنة تقوم على الانتقاء والدرس والتحليل وتقديم خلاصة ما
توصلت إليه من آراء واجتهادات إلى رئاسة الاتحاد الذي سيقوم بدوره بطباعة
المختار والمفيد والمساهم في صناعة الوعي الطفلي، مع استخدام آخر معطيات
التقانة وأدوات الاتصال المتطورة ووضعه بتصرف الطفل، وتلك خطوة غيريّة
رائعة نتمنى أن تتسارع، وتتطور، وتتوسع، لتترجم الأعمال إلى اللغات الأخرى
التي ستكون وسيلة ربط وكشف وتوضيح واتصال بين أطفال العرب والمسلمين وأطفال
العالم بانتماءاتهم وتلاوين دمائهم وجنسياتهم المختلفة كما أننا نجيز
لأنفسنا أن نتوسع بالحلم لنصل إلى ثورة حقيقية، تعني النهضة الشاملة في
مضمار ثقافة الطفل والإبداع الموجه إليه، والإبداع الصادر عنه في الآن
نفسه.
وهنا لابد من إعلان تضامننا ومناصرتنا وانتصارنا لبعض الأفكار الطيبة التي
باتت في حدود العمل الفعلي لدى بعض الجماعات والمؤسسات الإنتاجية الخاصة ـ
بصرف النظر عن الغايات التجارية ـ إذ نقلت إلينا بعض وسائل الإعلام بشائر
عن مبادرات ذاتية في هذا المجال، نورد واحدة منها كمؤشر حقيقي يشفّ عن
البدايات؛ فقد أوردت إحدى الصحف خبراً عنوانه (مسلسل رسوم متحركة يصحح صورة
الإسلام)، وجاء في طياته: "صرح ناطق باسم صندوق إنجازات للتكنولوجيا التي
يتخذ من دبي مقراً له: إن الصندوق سيساهم في تمويل سلسلة من حلقات الرسوم
المتحركة موجهة بالدرجة الأولى إلى الغرب توضيحاً للقيم الإسلامية.
وأضاف إن المسلسل الذي سيطلق عليه اسم (بن وايزي) ستنتجه (فات روك
انترنميتنت) بالتعاون مع شركة روبيكون الأردنية لإنتاج الرسوم المتحركة
وبرامج الوسائط المتعددة، وسيتكون المسلسل في البداية من عشر حلقات مدة
الواحدة منها نصف ساعة. وستتحدث كل حلقة عن الحضارة العربية ـ الإسلامية
والاكتشافات التي حققها العرب من خلال رحلة عبر التاريخ يقوم بها الطفلان
الصديقان (بن وعصام) الذي يسمى اختصاراً (ايزي).
وقال الناطق: إن الحلقات ستشتمل على مناظر رسوم متحركة ولقطات حيّة مستقاة
من عدد من الدول العربية، وسيعمل المسلسل أيضاً على إبراز إسهامات العالم
الإسلامي في مسيرة الحضارة العالمية عبر تسليط الضوء على الإنجازات العلمية
والهندسية والفنية والطبية العربية الإسلامية حيث يسهم في تعزيز الوعي
للقيم والثقافات الإسلامية في المجتمعات الغربية.
ويذكر أن رأسمال الصندوق ـ في بداياته ـ خمسون مليون دولار، وسيتم توزيع
الحلقات في الولايات المتحدة والدول الأوربية، والدول الإسلامية والدول
العربية.
والصندوق يعمل وفقاً لاستشارات مجتهدين وخبراء وعلماء ومؤرخين من أنحاء
العالم، ويقوم بالاستثمار في الشركات المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات
في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا.." (صحيفة النهار 17 حزيران 2004 ـ العدد
21989).
ونحن (الغيورين على موضوعة أدب الطفل) لا يسعنا إلا أن نبارك ـ مع قليل من
التريث الحذرـ هذا العمل، ونحتفي به جداً إن تبينت طهارة الغايات.
وهنا يولد السؤال ويكبر ليغدو بحجم الأمل: ماذا لو اقتطع مترفونا بعضاً من
الأرصدة المخصصة لأمنهم أو لأمن كراسيهم، وبعضاً من نفقات ملذاتهم وأوجدوا
صندوقاً مشابهاً في التوجه والغاية، وصنعوا أقراصاً مدمّجة ومسلسلاً عن
الصحة الجسدية والنفسية ونظافة البيئة، وتوعية الطفل العربي تجاه ما يتهدده
جرّاء موت الضمير عند تجار الحروب والكوارث وقَتَلَة إنسانية الإنسان،
وتدمير الكون وإلغاء المستقبل من خلال استغلال الأطفال وزجهم في حمأة
المهالك؟!!
وكيلا أُتهم من قبل بعض (اللاأدريين) بالمبالغة والمغالاة، فإنني أسوق
خبراً ورد في إحدى الصحف نقلاً عن وكالات أنباء عالمية، ومصادر صحية أخرى:
"كشف تقرير أعدته النيابة العامة في موسكو أن دماً ملوثاً بالزهري والتهاب
الكبد الوبائي (B
وC)
وربما الإيدز؛ استخدم في عمليات نقل دم وصنع مواد طبية في منطقة موسكو.
وجاء في التقرير ـ الذي رفعته ـ ايلينا بتشيكلنوكوفا (الاختصاصية في علم
الحساب والمعلوماتية) إلى رؤسائها، وفيه تأكيد على أن هذه الاتهامات مبنية
على أبحاث طويلة بدأت منذ سنوات وما فتئت تعمل بها، حيث أحصت المتبرعين
بالدم الذين يعانون من أمراض مُعْدِيّة، قبل توظيفها في قسم المعلوماتية.
وحذرت العالمة الروسية من أن تكون شركات أدوية ـ بما فيها شركات أجنبية
تتخذ من روسيا مقراً لهاـ استخدمت دماً ملوثاً لتصنيع (الإنترفيرون) ـ دواء
لمكافحة التهاب الكبد، وإنتاج أمصال وبلازما مخصصة للقاحات الأطفال ضد
الحصبة..".
إذن نحن بحاجة إلى توعية الطفل (وأسرته) صحياً وبيئياً، من خلال الإبداع
الذي يقدم إلى الطفل؛ مرسوماً، مرئياً، مسموعاً، مقروءاً، أو مُبدَعاً من
قِبله ومقدماً عبر الوسائل الآنفة نفسها.
نحن بحاجة إلى مؤسسات تحمل رأسمالها وتوظفه في خدمة الطفل مستعينة بعطاءات
الأدباء والمتخصصين في عالم الطفولة والذين سيتوجهون وجهة أخرى تراقب
معطيات الزمن المعيش السلبية والإيجابية وتحويلها إلى مسلسلات إذاعية
وتلفزيونية ناهيك عن وضعها في مطبوعات تعزز مكتبة الطفل.
وعلينا ـ أخيراً ـ أن نعيش في زمننا، لأن مدارك طفل اليوم ـ مع ثورة
المعلومات وانتصار العلم في مجال التقانات الإعلامية والعلمية ـ أوسع بكثير
من مدارك طفل الأمس الذي كان يخلد إلى القص والحكاية وحوار (أرنوب وثعلوب
وليلى والذئب)، لأن وسائل الإعلام الحديثة في ظل المعطيات الحضارية المذهلة
وسّعت من مدارك طفل اليوم، فبات أدب طفل الأمس متخلفاً عن المراد
والغاية...
أضيفت في26/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
قصة الأطفال في سورية في التسعينيات
الشخصيّة في
القصة الطفليّة
بقلم الكاتب:
نور الدين الهاشمي
إذا كانت الحكاية المشوّقة هي عماد القصة الطفليّة فإن الشخصيّة هي عنصر
أساسي في بناء القصّة لأنها تساهم في صنع الأحداث وتتأثر بها سلباً أو
إيجاباً.. ولا يمكن تخيّل قصة دون شخصيات. وقد استطاع تراثنا العربي أن
يقدّم لنا شخصيات خالدة أثّرت في الأدب العالمي وما تزال مثال:
(علاء الدين – السندباد- علي بابا- جحا...-الشاطر حسن...).
ويكمن سرّ خلودها في حيويتها وتعدد جوانبها فالطفل يهوى الشخصيات المغامرة
الجريئة التي تتحدى الأخطار وتتسم بالذكاء والشجاعة والمرح والطموح، وحب
الحرية والانطلاق..
وفي عقد التسعينيات صدرت عشرات المجموعات القصصية الطفليّة ونشرت مئات
القصص في مجلات أسامة والطليعي ومن خلال دراستي لحوالي مئة قصة طفلية
اخترتها لمعظم كتاب هذه المرحلة في سوريّة حاولت فيها استجلاء طبيعة
الشخصية في هذه القصص وتبيّن لي ما يلي:
1-معظم هذه القصص تكون البطولة فيها للأطفال ونستطيع أن نرى ذلك في قصص
دلال حاتم حكايات من طفولة زينب(1) فبطلة القصة طفلة صغيرة في الرابعة من
عمرها وفي قصص نجيب كيالي سعدو وقصص أخرى(2) وفي قصص الدكتور موفق أبو طوق
(مروان والألوان)(3) وفي قصة (السماء التي أمطرت ذهباً) لهيثم يحيى
الخواجة(4) وقصة الساعة الذهبية لعارف الخطيب(5) وقصة رزان الصغيرة لنزار
نجار(6) وقصة سامحني يا أخي لجمال علوش(7) وقصة حوار الصباح لمحمد قرانيا(8).
2-وقد تكون البطولة لمجموعة من الأطفال كقصة الأطفال والجسر لعبدو محمد(9)
فالأطفال الصغار يتعاونون جميعاً لدحرجة الصخرة في مجرى النهر الذي ارتفع
منسوب مياهه كي يتمكنوا من العبور... (كنا أربعة أطفال أو خمسة...) وكذلك
في قصة الأطفال والموز(10). وفي قصة قلب واحد لعارف الخطيب(11) فالبطولة
لمجموعة من الأطفال يساعدون في إسعاف أبناء قريتهم التي قصفها العدو. وكذلك
في قصة مدينة الحجارة للكاتبة مريم خير بك(12) فقد استطاع الأطفال أن
يقاوموا شرّ الملك الظالم والساحرة مستخدمين حجارة التماثيل، وفي قصة حلم
ماطر لمحمد محيي الدين مينو(13) حيث يحلم الأطفال بأن تتحوّل قطرات المطر
إلى نقود.
ولكن هل القصة التي يكون أبطالها من الأطفال هي أكثر جذباً للطفل القارئ من
غيرها. لا أعتقد ذلك فالأمر يتعلّق بفنيّة القصة وقدرتها على الإمتاع وفتح
آفاق الخيال المبتكر.
3-وهناك قصص كانت البطولة فيها لمظاهر الطبيعة كقصة البنت الصغيرة والريح
لمحمد الموحد(14) فالبطولة فيها للريح التي حملت الطائرات الورقية إلى
الأعلى وداعبت الأزهار ودفعت أشرعة السفن وعبثت في شريطة الفتاة وكذلك نرى
البطولة للنهر في قصة عارف الخطيب (النهر الصغير)(15) فهو الذي يسقي
الأشجار الظامئة ويرفض عناد الصخرة، التي تمنعه من السير وعندما يجف لا
يحزن لأنه صار في كيان الجميع.
4-واعتمدت بعض القصص على الأنسنة فجعلت من الحيوانات أبطالاً لهذه القصص
ونرى ذلك مثلاً في (قطتان وثعلب) لحسين راجي(16) وفي قصة (الثعالب لا تأكل
الجزر) لجمال علوش(17) فالبطولة فيها لأرنب وثعلب وفي قصة المكان المناسب
لفيصل حجلي(18) فالبطولة فيها لعصفورة وثعلب.
5-وكان الكبار أيضاً أبطالاً لشخصيات القصص الطفلية.
فالبطل شاب مقاتل في قصة (بشير يعود) لمحمود مفلح البكر(19) وملك مع وزيره
في قصة ملك الأحلام لعبدو محمد(20) وعلماء ومهندسون في قصة لينا كيلاني
سندريللا 2000(21) وكذلك في قصة الدكتور طالب عمران (شحنة الدماغ)(22).
6-كما أنسن عارف الخطيب القارب والبحر فجعلهما يتكلمان ويتحاوران(23) وأنسن
نجيب كيالي الكرة دعبولة(24) كما أنس الدكتور موفق أبو طوق الفم والأنف
والهواء في قصة الطريق الصحيحة(25) ومحمد محيي الدين مينو الأرقام في قصة
(الصديقان)(13).
وتتحرك هذه الشخصيات في بيئة واقعية ضمن البيوت متأثّرة بما فيها من نباتات
وحيوانات أليفة وبحيرات ونوافير وأثاث ونرى ذلك خاصة في قصص دلال حاتم
ونجيب كيّالي أو الحي بشوارعه وأزقته وبائعيه وأطفاله والمدرسة وما تتضمن
من باحة وصفوف ومقاعد أو القرية بطرقاتها وبيوتها وحيواناتها أو البحر
والغابة والجبل.. وقد يصنع بعض الكتاب عوالم متخيّلة.
سفن فضاء ومركبات وصواريخ ومجرّات ومخابر كما يفعل الدكتور طالب عمران في
قصص الخيال العلمي التي يكتبها وفي القصص الأخيرة للكاتبة لينا كيلاني.
واستخدم الكتّاب طرقاً مختلفة في رسم الشخصية فقد يلجأ بعضهم إلى الطريقة
المباشرة كما فعل عزيز نصّار في قصة (حمامتان)(26) حيث يقول: (مرزوق بقامته
الطويلة ووجهه العابس يشبه مارداً مخيفاً. يحب الطيور الأليفة) كما يصف لنا
طفلة بقوله (سلوى الصغيرة كزهرة الياسمين صديقة الحمامات لا تتجاوز
التاسعة. ضئيلة الجسم عيناها صافيتان شعرها أسود)(26) ونرى هنا امتزاج
الوصف الجسدي بالنفسي، ويرسم لنا نجيب كيالي الطفل نعيم في قصته (سامحك
الله يا جدي)(27) (نعيم ولدٌ يحب اللعب والفرح كثيراً وأهله يلقبونه (نعيم
الطابة، لأنه قصير كالكرة). وترسم لنا لينا كيلاني في قصتها سندريللا 2000
شخصية ساندي (ساندي فتاة في حوالي العشرين. نالت شهادتها الثانوية وكلّها
أحلام بأن تتابع دراستها الجامعية في العلوم ولكنها اضطرت أن تشتغل معلمة
بعد أن ماتت أمها وأخوها في حادث سيّارة..)(21). وتقول دلال حاتم على لسان
بطلة قصتها زينب (كنت في الرابعة من عمري طفلة مدلّلة وحيدة.. كان لديّ
الكثير من الألعاب ولكنني كنت كثيرة الشكوى سريعة الملل)(1) ويقول عبدو
محمد عن بطله (كان عبدو الفقير لا يملك شيئاً سوى البيت البسيط يصرف ما
يكسبه على أهم المحتاجين.. كان كريماً لدرجة أنه لا يتورّع عن اقتسام لقمته
مع الآخرين)(28).
وتتجسّد لنا أيضاً ملامح هذه الشخصيات من خلال أفعالها وأقوالها وحديث
الآخرين عنها والمصائر التي تنتهي إليها ففي قصة (آنا آسف) لمحمد قرانيا
نكتشف كثرة شرود الطفل ونسيانه من خلال قول الكاتب (وقد ترسله أمه إلى
السوق ليشتري خبزاً ولبناً فيغيب ساعة أو ساعتين ثم يعود فتسأله أمه: أين
الخبز واللبن يا حسّان؟ فيقف أمامها صامتاً خجلاً ويقول بصوت خافت: لقد
نسيت..)(29).
ونستنتج شجاعة الجندي من خلال أفعاله في قصة (باقة الأزهار لكرم رستم(30)
فقد حمى الجندي الشجاع الطفلة من قصف الطائرات الإسرائيلية غير مبال
بالجروح التي أصابته. كما نكتشف حب هند لأخيها وإيثارها في قصة (سامحيني يا
أختي) لجمال علوش(31) حين أخرجت الطفلة من جيبها عشر ليرات وقالت بحنان:
(خذها وخذ حصتي فقد تحتاجها أكثر لتتمكن من شراء الدراجة).
ونستشف أيضاً حبّ شخصيات قصص الدكتور طالب عمران للمغامرة وارتياد المجهول
والبحث عن الحقيقة العلمية كما في قصة شحنة الدماغ وتتطوّر هذه الشخصيات في
القصص نتيجة الأحداث والتجارب التي تمرّ بها وغالباً ما يكون هذا التطوّر
إيجابياً ففي قصة (قلب واحد) لعارف الخطيب(11) نرى الأطفال يمزّقون
طائراتهم الورقية ويقولون: لا نريد طائرات ورقية نريد طائرات حقيقية. وفي
قصة (اللعب تذهب إلى البحر) لعزيز نصّار(32) يتحول حسّام من طفل أناني لا
يريد أن يشاركه الآخرون في لُعبه إلى طفل يشارك الأطفال ألعابه ويشعر
بالبهجة والسرور.
ومحمود بطل قصة (أعواد البابونج) لنجيب كيالي(33) يتحوّل من إنسان يكره
العصافير ويريد الانتقام منها لأنها تسببت في كسر رجل زوجته إلى إنسان مشفق
عليها ويرعاها. والطفل رهيف في قصة (السماء التي أمطرت ذهباً) لهيثم يحيى
الخواجة(4) يدرك في النهاية أنّ قطرات المطر هي الذهب الحقيقي. وفي قصة
(القوي) لحسين هاشم(34) نرى هذا الطفل القوي يندم على اعتدائه على سليم
الصغير لأنه نال درجاتٍ أفضل منه ويقرر الاعتذار والمصادقة... والطفلة في
قصة (ليلة تورّم خدي) لدلال حاتم(35) تتحوّل الطفلة من إنسانة مهملة لنظافة
أسنانها إلى إنسانة واعية تدرك أهمية الأسنان لحماية أسنانها.
وهذا التطور الإيجابي في الشخصية هو ما يهدف إليه الكتاب في قصصهم لأنَّ
هدفهم الجوهري هو نزع قيم فاسدة بالية وغرس قيم إيجابية نافعة يؤمن بها
الكاتب. وإذا استعرضنا مطامح شخصيات القصة الطفليّة وما ترغب به داخل القصة
لأمكننا أن نقسمها إلى المجموعات التالية:
1 -هناك شخصيات تهوى الاكتشاف والمعرفة عن طريق السؤال والتجريب كشخصية
زينب لدلال حاتم(1) وأحمد بطل قصة يوم ذهبت إلى النهر لنزار نجار(36) يدفعه
حبه للسباحة واكتشاف الطبيعة للذهاب إلى النهر والمغامرة غير آبه بالنتائج،
ونرى هذه الشخصيات أيضاً في قصص الدكتور طالب عمران (شحنة الدماغ)(22)
ولينا كيلاني (سندريللا 2000)(21).
2-شخصيات تريد اجتياز المآزق والعقبات التي وقعت فيها كقصة الأطفال والجسر
لعبدو محمد(9) فالأطفال يريدون عبور النهر لكن الجسر قد حطمته السيول. وقصة
الثعالب لا تأكل الجزر لجمال علوش(17) فالأرنب الصغير يريد تخليص نفسه من
الثعلب.
وديبو في قصة عارف الخطيب الغصة الأخيرة يريد التخلص من لسانه الطويل
الكاذب الذي اتخذه سلاحاً خاطئاً فيقوم بعضّ لسانه...
3-شخصيات تعشق الحرية وتتوق إليها وتناضل في سبيلها ففي قصة مدينة الحجارة
لمريم خير بك(12) نرى أطفال المدينة يقاتلون بالحجارة ضد الملك الظالم الذي
احتلّ مدينتهم وسحر رجالهم وحوّلهم إلى تماثيل حجرية. والهدف نفسه نراه عند
الأطفال في قصة حلم ماطر لمحمد محيي الدين مينو(13) فهم يحلمون بتحرير
أرضهم من العدو الصهيوني.
4-شخصيات تهوى المشاكسة والعناد وإيذاء الآخرين وخاصة الأضعف فتقع في شرّ
أعمالها أو تندم على ما فعلت ويمكن أن نرى نماذج من هذه الشخصيات في قصة
الأطفال والموز لعبدو محمد(10) وقصة (القوي) لحسين هاشم(34) وقصة غلطة
لدلال حاتم(38).
5-شخصيّات تريد تحقيق أحلام غير واقعية وتكتشف خطأها في النهاية كقصة
(السماء التي أمطرت ذهباً) لهيثم يحيى الخواجة(4).
6-أطفال لا يستمعون إلى نصيحة آبائهم فيقعون في المآزق كقصة (وائل لا يحب
البحر) محمد قرانيا 29 ويوم ذهبت إلى النهر لنزار نجار(36).
ونلاحظ أحياناً تناقضاً في بناء الشخصية ففي قصة (العجوز والثعلب)(39)
لبيان صفدي نرى العجوز تتمكن بذكائها من معاقبة الثعلب والقبض عله ولكنها
تسجنه في قن دجاجاتها فيلتهم الدجاجات. ونرى الخلل أيضاً في شخصية العصفورة
في قصة (المكان المناسب)(18) لفيصل حجلي فالعصفورة لا تعرف أين ستضع بيضها
في وكر الثعلب أم عش الغراب مع أنّ هذه المعرفة شيء غريزي في الطائر.
وبعد هذا الاستعراض العام لطبيعة الشخصية والبيئة التي تتحرك بها وتطورها
وأنواعها وأهدافها يمكننا ملاحظة ما يلي:
-لقد حمّل معظم الكتاب شخصيات قصصهم أفكارهم بشكل مباشر دون النظر إلى
مستوى الشخصية العمري والاجتماعي فبطل قصة (الأغنيات الجميلة) لفيصل حجلي
هو طفل صغير ومع ذلك ترد على لسانه العبارات التالية: (وطني أغلى من كل
الذهب) (الأرض ملك لمن يعمل بها).
-قدّم الكتاب شخصياتهم الإيجابيّة بريئة من كل الذنوب.. مجتهدة ذكية.. تحبّ
الطبيعة.. تخطئ دون قصد.. يقول نزار نجّار واصفاً بطل قصته (ثلاث ليرات
ذهبيّة). (أحمد طفل في مثل سنكم يذهب إلى المدرسة وهو مجد ونظيف ومرتب
ونشيط ويحوز على رضا الأهل والأقارب والجيران)(36) إنّ مثل هذه الشخصية
المعقمّة لا تثير فضول الأطفال وهي غير موجودة إلاَّ في خيال الكتاب الذين
لا يدركون أن الحياة مزيج من الخير والشر والقبح والجمال...
-كثرت في القصص شخصيات الأب والأم والمعلم والعمة والجد.. لتبرير تقديم
النصائح على الأغلب.
-استمد بعض الكتاب شخصياتهم أحياناً من الحكايات الشعبية والتراث (عارف
الخطيب) في قصته المجنون عبدو محمد في مجموعته (ملك الأحلام(20) محمد
قرانيا في قصته البنت والذبابة(41).
-أغفل كثير من الكتاب أسماء شخصيات قصصهم واستعاضوا عنها بأسماء المهن
(النجار- الحداد- الفلاح... التاجر) أو القرابة (الأب- العم- الخال- العمة-
الجد...).
وأحياناً الأوصاف: الأكبر... الأصغر.. النحيف- السمين...
-تحدث بعض الكتاب في قصصهم عن شخصية واحدة يروي حكايات مختلفة ويستجلي
أبعاد هذه الشخصية مثال:
حكايات من طفولة زينب دلال حاتم(1) سعدو وقصص أخرى لنجيب كيالي(2) حكايات
العم مصطفى لعبدو محمد(28) حكايات أحمد نزار نجار(36) وشخصية ديبو عند عارف
الخطيب...
-يندر أن تجد قصة ترسم معالم الشخصية من الداخل فتتحدث عن الصراع والأحلام
والهواجس والمطامح.
أخيراً يمكنني القول إن معظم الشخصيات التي قدمها كتاب القصة الطفلية في
التسعينيات تبدو باهتة الملامح لا يرسم الكاتب إلاّ جانباً بسيطاً منها
وسرعان ما تغيب من ذهن القارئ ولا تترك إلا أثراً بسيطاً لأن كتابنا لم
يستطيعوا حتى الآن تقديم شخصية حيويّة متميزة تثير المشاعر النبيلة والخيال
فما زال كتابنا أسرى أفكارهم المثالية الجاهزة ويريدون بشكل سريع مباشر أن
يتحول أبطالهم إلى مثال نقي فيرسمون شخصيات عادية فقيرة الحيوية باهتة لا
تعيش كثيراً في عالم تنهال فيه المعرفة المتنوعة على أطفالنا الذين لم تعد
تقنعهم أبداً هذه الشخصيات التي لم يعد لها وجود إلاّ في خيال بعض الكتاب.
مراجع البحث:
1-حكايات من طفولة زينب دلال حاتم اتحاد الكتاب العرب
1996.
2-سعدو وقصص أخرى نجيب كيالي اتحاد الكتاب العرب 1993.
3-مروان والألوان د. موفق أبو طوق اتحاد الكتاب العرب
1994.
4-السماء التي أمطرت ذهباً هيثم يحيى الخواجة جائزة الشيخ
فاطمة 1997.
5-الساعة الذهبية عارف الخطيب أسامة العدد 529/1995.
6-رزان الصغيرة نزار نجار مجلة أسامة العدد 536/1996.
7-سامحني يا أخي جمال علوش مجلة أسامة العدد 546/1997.
8-حوار الصباح محمد قرانيا مجلة أسامة العدد 542/1996.
9-الأطفال والجسر عبدو محمد مجلة أسامة العدد 537/1996.
10-الأطفال والموز عبدو محمد مجلة أسامة العدد 531/1995.
11-قلبٌ واحد عارف الخطيب مجلة أسامة العدد 554/1997.
12-مدينة الحجارة مريم خير بك مطبعة ابن حيان 1990.
13-العالم للجميع محمد محيي الدين مينو مطبعة ابن الوليد
1995.
14-البنت الصغيرة والريح محمد الموحدّ مجلة أسامة
471/1996.
15-النهر الصغير عارف الخطيب مجلة أسامة 556/1997.
16-قطتان وثعلب حسين راجي مجلة أسامة 540/1996.
17-الثعالب لا تأكل الجزر جمال علوش مجلة أسامة 543/1996.
18-المكان المناسب فيصل حجلي مجلة أسامة 461/1997.
19-بشير يعود محمود مفلح البكر مجلة أسامة 547/1997.
20-ملك الأحلام عبدو محمد دار الفكر دمشق 1997.
21-سندريللا 2000 لينا كيلاني وزارة الثقافة 1996.
22-شحنة الدماغ د. طالب عمران اتحاد الكتاب العرب 1996.
23-القارب والبحر عارف الخطيب مجلة أسامة 463/1996.
24-القبض على دعبولة نجيب كيالي مجلة أسامة 551/1997.
25-الطريق الصحيحة دكتور موفق أبو طوق مجلة أسامة
498/1996.
26-حمامتان عزيز نصار أسامة 457/1995.
27-سامحك الله يا جدي نجيب كيالي أسامة 541/1996.
28-حكاية العم مصطفى عبدو محمد وزارة الثقافة 1992.
29-الصخرة والبحر محمد قرانيا اتحاد الكتاب العرب 1996.
30-باقة الأزهار كرم رستم أسامة 542/1996.
31-سامحني يا أخي جمال علوش مجلة أسامة 546/1997.
32-اللّعب تذهب إلى البحر عزيز نصّار أسامة 552/1997.
34-القوي حسين هاشم أسامة 520/1996.
35-ليلة تورّم خدي دلال حاتم أسامة 498/1996.
36- حكايات أحمد نزار نجار اتحاد الكتاب 1993.
37-العضّة الأخيرة عارف الخطيب أسامة 547/1997.
38-غلطة دلال حاتم أسامة 530.
39-العجوز والثعلب بيان صفدي أسامة 557/1995.
40-السيف المسحور فيصل حجلي اتحاد الكتاب العرب 1990.
41-البنت
والذبابة محمد قرانيا مجلة أسامة 541/1996.
أضيفت في26/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أساليب التشويق في القصة الطفلية السورية
في العقد
الأخير من القرن العشرين
بقلم الكاتب:
نجيب كيالي
يلعب التشويق بمعناه العام دوراً حاسماً في قراءة الطفل للقصة، وأظنه يبدأ
بغلاف الكتاب الذي تُشكِّل جماليته إغواءً بصرياً، يدفع الطفل إلى مد يده
إليه، بعد ذلك يأتي دور العنوان، ثم جاذبيةُ الأسطر الأولى.. إلى أن نصل
إلى التشويق الأعمق النابع من داخل النص، وهو مدار دارستي هذه.
وإذا كان عنصر التشويق مطلوباً جداً حتى في قصص الكبار، فإن أهميته في قصص
الصغار أكثر من فائقة.. ذلك لأن الطفل مخلوق سريع الملل، قليل الصبر، فضلاً
عن أنه لا يعرف المجاملة، فعندما لا يعجبه الكتاب الذي بين يديه سرعان ما
يطويه، أو يطوِّح به، أو يمزق أوراقه نكايةً بمؤلفه ثقيل الدم.
وتزداد أهمية هذا العنصر أكثر فأكثر في عصرنا الحاضر إذا أخذنا في الحسبان
ما دخل إلى عالم الصغار من تأثير أجهزة الإعلام، وأنواع اللعب والتسلية،
وكلُّها وسائل شديدة الجاذبية قد تصرفهم عن القصص وعن الكتب عامة صرفاً
مؤقتاً أو دائماً.
إنَّ دراستي لمسألة التشويق في قصص الأطفال السورية في الفترة المومأ إليها
في العنوان تهدف إلى الأمرين التاليين:
1 ـ اكتشاف الأساليب التي استخدمها كُتَّابنا لتحقيق هذا الهدف.
2 ـ تحديد جوانب القصور لديهم في هذه المسألة بغية تجاوزها إلى الأحسن
والأكمل، وبخاصة أن القصة الطفلية السورية والعربية عامة ما تزال حتى يومنا
هذا مشروعاً ناهضاً لم يقطع خطواتٍ كثيرةً في طريق النجاح.
الأساليب المتبعة:
تفاوت وعي كتابنا بأهمية التشويق في قصصهم، ولكنَّ لدى الجميع بلا شك
إدراكاً ـ ولو أولياً ـ لهذه المسألة، فقد جرِّبوا ـ كل بحسب وعيه وطاقته ـ
عدداً من الأساليب حاولوا بها إثارةَ فضول الطفل، وتحبيبه بالقصص التي
يكتبونها له، ولكن ما مدى تمكُّنهم من أدواتهم؟ وهل حسن النية وحده كاف
لتحقيق هذا الهدف؟ إن القيمة الحقيقية ليست في معرفة أساليب التشويق ـ كما
أعتقد ـ بل في استثمارها بشكل جيد، وتعزيزها في كل جزء من أجزاء النص،
وتطويرها من مجموعة قصصية إلى أخرى بما يناسب متطلبات العصر. إنها كأدوات
أي مهنة تنتظر اليد الماهرة الذكية.
سأبدأ الآن بسرد الأساليب التي أمكن حصرها، ثم أقوم بمناقشتها:
1 ـ افتتاح القصة بأسلوب الاستفهام الذي يتحدى الطفل تحدياً مثيراً ليعرف
الجوابَ نفسه، أو يتابعَ الكاتبَ ليقدمه له: (حكاية هشام) لموفق أبو طوق
يبدؤها بهذا الشكل: هل تعرفون هشاماً؟ هل سمعتم حكاية هذا الولد الكسول؟
2 ـ استثمار الدعابة في النص كله أو في جزء منه لما تتمتع به من جاذبية
خاصة عند الأطفال. في قصة (سعفان وجمعان) لعارف الخطيب تنبني القصة كلُّها
على أخبار المجنونين المذكورين في العنوان، وآخرها تهديد الثاني للأول بنشر
المئذنة التي صعد إليها مختطفاً أحد أطفال القرية، بينما تنحصر دعابة مريم
خير بك في قصتها (أم أربع وأربعين) في تلك الهدية التي ستقدمها هذه الحشرة
لابنتها، وهي حذاء لكل رجل من أرجلها.
3 ـ الأنسنة: ولا أعرف أحداً من الكتاب إلا استعملها، وهي تجذب الأطفال إلى
القصة، لأنها تقدِّم لهم الجوامد والأحياءَ كلها ناطقةً، شاعرةً، مفكِّرة،
كما يتصورونها ويحبونها: (الوطن) لمحمد قرانيا، (المعجم) لخير الدين عبيد،
(حوار داخل ثلاجة) لموفق أبو طوق.
4 ـ الحبكة القصصية: وتقوم على تصوير الصراع بين جانبين أو أكثر، ومع
تصاعده ترتفع درجة الانفعال والمتابعة عند الطفل، ويرى أغلب كتّاب القصة أن
هذا الأسلوب هو أهم أساليب التشويق على الإطلاق، وتكون الحبكة في أحسن
حالاتها إذا بنى الكاتب قصته على أساس من الحركة، والفعل، والمواقف المثيرة
أكثر من بنائها على السرد والإخبار. الحركة والفعل نجدهما في قصة: (غرفة
الألعاب) لكاتب المقال. أما الصراع المتصاعد فنراه في قصة نور الدين
الهاشمي (أغلى الأشياء).
5 ـ إدخال شخصيات مثيرة أو محببة أو جديدة إلى القصة، وهي إما من شخصيات
العظماء كشخصية صلاح الدين الأيوبي التي عالجها أكثر من كاتب، وإما من عالم
الحيوان كالحصان، والقطة، والفراشة: (المهر دحنون) لموفق نادر، وإما من
عالم الطبيعة الصامتة كالشجرة، والنهر، والغيوم: (الصخرة والبحر) لمحمد
قرانيا حيث تصمد الصخرة أمام البحر الذي حاول اقتلاعها بأمواجه، فاستحقت
محبة الصيادين والمصطافين والبحر نفسه، وإما أنها تتمتع بقدرات خارقة
كشخصية الإنسان الآلي (ورد) في قصة د. طالب عمران (الخروج من الجحيم).
6 ـ دخول القصة إلى عالم الطفل واهتماماته بحيث تصبح عنه وله مما يعطي
مردوداً تشويقياً أكيداً، في قصة (الثلج الدافئ) يصوِّر نور الدين الهاشمي
مدى محبة الطفل (سحبان) للعب بالثلج، لكن أوامر الطبيب منعته من مغادرة
المنزل حفاظاً على صحته.
7 ـ الخيال العلمي وغير العلمي: وكلاهما يفعل بالطفل ما يفعله المغناطيس
بالدبابيس. من النوع الأول القصص التي كتبها د. طالب عمران: (ضوء في
الدائرة المعتمة)، (الخروج من الجحيم)، (البحث عن عوالم أخرى)، وهي مكتوبة
للفتيان وإن لم يذكر مؤلفها ذلك، لكنها تصلح للأطفال والكبار أيضاً، ومن
النوع الثاني: (عصفور الجنة)، (مدينة الحجارة) لمريم خير بك. وغالباً ما
يقترن الخيال العلمي بسحر المغامرة، فيسجِّل التشويق أعلى مستوياته، ولنا
في النماذج المشار إليها آنفاً عند طالب عمران أكثر من مثال على ذلك.
8 ـ مغازلة حواس الطفل من خلال وصف بارع يضفي على الأشخاص والحالات،
والأماكن بريقاً وجاذبية: وهذا كالأسلوب رقم (6) لا نعثر عليه إلا عند فئة
واعية قليلة من الكتَّاب والكاتبات ممن اختمرت لديهم ولديهن تجربة
الكتابة.. تقول دلال حاتم واصفةً بيت زينب في قصتها (أخت جديدة): "بيت في
أحد أحياء دمشق القديمة، باحته السماوية مبلطة بصفوف من الحجر الأسود
والوردي، تخترقها ساقية تتدفق فيها مياه النهر... أذكر أيضاً الدرج الحجري
الأسود الذي يصل بين الطابقين الأرضي والعلوي، وعلى كل درجة أصيص صغير من
الفخار".
9 ـ الاستفادة من جماليات الفنون الأخرى كالرسم والنحت، والشعر، والغناء،
مما يبعث الحيوية في النص، ويفتح شهية الطفل للتلقي الممتع: (مدينة الحروف)
لخير الدين عبيد.
10 ـ لغة القص الرشيقة، والاستفادة من أساليب الحكاية التي تذكِّر الطفل
بدفء حكايات جده وجدته: (الذباب) لعارف الخطيب.
11 ـ قمة التشويق أن يجمع الكاتب بين أكبر عدد ممكن من أساليب التشويق
السابقة، فيقرأ الطفل القصة بحواسه جميعاً أو بكلِّيَّته، وتترك فيه أثراً
بالغاً. في قصة (الولد الصغير المشاكس) لفيصل الحجلي، نجد تشويقاً مركَّباً
نابعاً من الصراع، والدعابة، والأنسنة، ولغة القصة الرشيقة المميزة.
بعد هذا الاستعراض يمكنني أن أقسم الأساليب السابقة إلى قسمين:
1 ـ أساليب موضعية التأثير.. أي أن التشويق المتولَّد منها لا يشمل القصة
كلَّها، فهي بحاجة ماسة إلى تعزيز سريع بالأساليب الأخرى. من هذا النوع:
الأساليب (1) (8) (9).
2 ـ أساليب شاملة التأثير يمتد ناتجها من التشويق على سائر القصة، فحاجتها
إلى التعزيز أقل من النوع الأول، وهي الأساليب ذوات الأرقام: (3) (4) (5)
(6) (7) (10). أما الأسلوب (2) المتعلق بالدعابة، فيمكن تصنيفه من النوع
الأول أو مع هذا النوع بحسب حجم الدعابة فيه جزئية أو شاملة.
في القسم الأول من الأساليب نجد أن تطبيقها تراوح بين الوسط والضعيف عند
معظم الكتَّاب، لكنني حرصت عند ضرب الأمثلة في العرض أن أختار النماذج
الجيدة، ففي أسلوب التشويق رقم (1) نلاحظ أن استعمال التساؤل في أول القصة،
أو المجيء به في أحد أجزائها لم يكن في بعض القصص أكثر من تلوين بلاغي يظهر
فيه الفرق بين الجملتين الخبرية والإنشائية، وهكذا فما يأتي به من تشويق لا
يعدو لحظة تنبيهٍ صغيرة، لكنَّ بعض كتَّابنا ربطوا بين هذا الأسلوب وبين
مضمون القصة، فصار أحد حوامل النص، وأعطى حصيلةَ التشويق المرجوةَ منه: قصة
(سؤال) لدلال حاتم، قصة (السن الجديدة) لموفق أبو طوق.
وفي أسلوب التشويق رقم (8) نلاحظ كثرةَ استخدام الوصف عند كتّاب القصة إلا
أنه يثقل أحياناً على النص، ويخفض درجة التشويق فيه إلى مستويات قريبة من
الصفر، لأنه يقوم بوظيفة تزيينية، لا عضوية.
وفي أسلوب التشويق رقم (9) نرى أن الاستفادة من جاذبية الفنون الأخرى أقل
من قليلة، لأن هذه الاستفادة تقتضي إجادة القاص لهذه الفنون، وهو ما لم
يتحقق إلا نادراً، وغالباً ما استعان القاصون بالأغاني الطفلية لتجديد
الحيوية في نصوصهم كهذه الأغنية التي تغنيها العمة لزينب في قصة (أين تذهب
الساقية؟) لدلال حاتم:
"عالتشتشه التشتشه زينب تحت المشمشه
يا ربي نسمة هوا ترمي لزينب مشمشمه"
إلا أن الشاب خير الدين عبيد ـ وهو رسام قبل أن يكون كاتباً ـ أدخل الرسم
بالكلمات إلى قصته (مدينة الحروف)، فكان لذلك أثر بالغ في ارتفاع منسوب
التشويق فيها، فالأطفال مغرومون جداً بالرسوم والألوان. يقول واصفاً
المدينة التي انطلق إليها الطائر الملوَّن: "لمح على الشاطئ المقابل بوابةً
حجرية كبيرة، نقشت عليها حروف كثيرة، وأمامها وقف ألفان باستعداد واضعين
على رأسيهما همزتين كبيرتين.. كانت الأحواض على طرفي الطريق مزروعة
بالنباتات إلا أن أشكالها لم تكن عادية، فقد التفَّتْ على بعضها بليونة
مُشكِّلةً حروفاً جميلة كالواو والصاد والهاء".
في القسم الثاني من أساليب التشويق ذات الفعالية الممتدة على القصة كلها
نجد أن تطبيقها أحياناً، وأكاد أقول غالباً لم يكن أحسن حالاً من أساليب
القسم الأول، فقد تأثرت سلباً بالأمور الآتية:
أ ـ كثير من كتّابنا انصبَ اهتمامهم بالدرجة الأولى على مقولة القصة.. أي
أنها صارت لديهم أهمَّ من القصة ذاتها، وهذا الأمر ورَّطهم في توجيه القصة
إلى الهدف الذي رسموه لها سلفاً في أذهانهم، وبالتالي تلاشت فعاليات النص
الداخلية من حبكة، وشخصيات، وأنسنة، وخيال، وانهار ما ارتبط بها من تشويق
وجاذبية.
ب ـ قلَّدَ بعض الكتّاب زملاءهم في بعض القصص التي لاقت رواجاً، أو قلَّدوا
أنفسهم في أعمالهم الناجحة، فجاءت قصصهم باردةً، خالية أو شبه خالية من
التشويق والتأثير، وقد كثر التقليد في الموضوعات الوطنية، والقومية رغم أن
الدافع كان نبيلاً، وكثر أيضاً في استخدام شخصيات الحيوانات.
ج ـ لم يعط أكثر الكتّاب مسألة تعزيز التشويق اهتماماً كبيراً سواء في
القسم الأول من أساليبه أو القسم الثاني، فالتشويق بحاجة إلى رفع وتائره مع
كل مقطع من مقاطع النص إذ أن طاقة الطفل على المتابعة في انخفاض دائم. إنَّ
الأمثلة على النقاط الثلاث السابقة أكثر من كثيرة، لكنني تجنبتها عمداً
خشية الحساسية والحرج.
جوانب القصور:
أظن أن معظم هذه الجوانب اتضح من خلال المناقشة السابقة، لذا سأكتفي بتسجيل
الملاحظات السريعة التالية:
1 ـ المجيدون في استعمال أساليب التشويق في الفترة التي تدور حولها الدراسة
أقل من غير المجيدين، وعدم الإجادة مرتبط إما بضحالة الثقافة، وإما بنظرة
محدودة إلى وظيفة القصة الطفلية.
2 ـ لم تتطور أساليب التشويق عند معظم جيل الكتّاب في العقد الأخير من
القرن العشرين عما كانت عليه عند جيل الرواد كإبراهيم الكيلاني، وزكريا
تامر، وعبد الله عبد.
3 ـ لم يستفد كتّابنا كثيراً من تجارب القصة العالمية كاستخدام الخيال بشكل
ساحر عند أندرسن، ولا نجد عندهم إدهاش مارسيل إيمي في (حكايات القط
الجاثم)، بل بقيت تجارب بعضهم تدور حول ذاتها، وتنظر إلى نفسها في المرآة.
4 ـ قصرتُ حديثي حتى الآن على التشويق النابع من كتابة القصة، وهو مسؤولية
من مسؤوليات الكاتب، ولكنَّ كل عنصر جمالي فيها هو في آخر المطاف عنصر
تشويقي إذا استثمر بشكل جيد كلوحة الغلاف، والرسوم الداخلية، ونوعية حروف
الطباعة، والإخراج الفني عامة، وهذه الأمور بدأتْ دور النشر الخاصة توليها
عناية كبيرة، لكننا قلما نجدها كما يشتهي الطفل والكاتب في مطبوعات الاتحاد
ووزارة الثقافة، إما لضعف الأجور المخصصة للمشتغلين فيها، وإما لأن هؤلاء
المشتغلين لم يراعوا جيداً حاجة الطفل إلى الجمال، ولم يدركوا تأثير
العناصر البصرية في جذبه وتكوين معارفه.
أخيراً.. إن كل من يشارك في تقديم القصص للصغار.. كتَّاباً، ورسامين،
وطابعين مطالبون أن يتقنوا أعمالهم في المستقبل لتكون هذه القصص أكثر
جاذبية، وجمالاً، وتأثيراً في أطفالنا الذين نتمنى لهم ثقافة أحسن من
ثقافتنا، وحياة أفضل من حياتنا.
أضيفت في26/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
|