اللغة في أدب الأطفال*
بقلم الكاتب:
د .
فاروق مواسي
من أهم ما يميز أدب الأطفال أنه يتمثل في كشف جوانب معرفية للطفل
وإضاءتها ، وتقديم مادة ما بمستوى أدبي مع التركيز على كيفية عرضها ،
وكذلك في التوجيه والإيحاء من خلال النص بأسلوب ميسر . إنه يعمد إلى إشباع
حب الاستطلاع لدى الطفل، وإلى تنمية خياله ، وإلى مخاطبته حول طبيعة
الإنسان والإنسانية عامة وإنجازاتها، وصولاً إلى استكشاف العوالم المختلفة
حوله .
هذا الأدب عليه أن يوفر المتعة والفهم ومحاولة ترك الأثر- أثرٍ ما
في نفسية الطفل وفي أفعاله.
إن أدب الطفل هو مفتاح لولوج عالم الأدب عامة، فمن واجباته أن يخلق
الثقة لدى الأطفال، وأن يخلق بديلاً للواقع – غير المرضي عنه أحيانًا - أو
موازيًا له، وأن يقدم الأمان العاطفي أو الروحاني، وكذلك أن يغرس الشعور
بالانتماء، ويوثق روابط المحبة مع من حوله. وأهم من ذلك أن يحفز الطفل على
استقلاليته ، بحيث
يدعوه إلى أن يتغلب على المصاعب ضمن رؤية هادفة ، هذه الرؤية التي
ترى أنه لا بد له من تضامن أو تعاون مع الآخرين.
فإذا انطلقنا من ضرورة استقلاليته عرفنا أهمية أن يقوم هو بفعاليات
تساعده على أن يتم عمله وينجزه بنجاح.... ويبني شخصيته لبنة لبنة .
ولا يدعي أحد أن هذه التوقعات أو الافتراضات ستكون كلها في نص ما،
فحسب الكاتب أن يضع نصب عينيه موضوعة مركزة أو اثنتين ليقرب النص إلى عالم
الطفل وأدبه.
إن المنشود في كتاب الطفل أن تكون محتوياته وتصميمه ولغته تؤدي
بالطفل إلى متعة شعورية وجمالية، و إلى أن تثري عالم الطفل بالتجارب...
وقد تكون في كل نص شخصية أو أكثر يتعاطف معها الطفل، وقد تكون
مُرْسَلة أخلاقية معينة يتحمس لها الطفل، أو تكون وسيلة ما لاكتساب المعرفة
ولزيادة مكنز معلوماته ، ولكنها لن تكون خالية من أي مضمون – كما يحلو لبعض
أنصار التجديد في هذا الحقل .
النص بدءًا يفترض أن يحول الطفل إلى قارئ مستقبلي، ولا يخفى أن
اللغة المنتقاة هي التي تحسن ذوقه الفني وتطور حسه الجمالي وتحمل المداليل
والمضامين المبتغاة. فليس بدعًا أن نرى أطفالنا يكررون عبارات حفظوها،
وبهذا يثرون لغتهم هم، وبذلك يطورون الوعي الذاتي والفكري.
وإذا كانت اللغة هي المقياس الأول في النص الأدبي عامة ، حيث لا
يهمنا أولاً ماذا نقول، بل يهمنا كيف تقول- فإن هذا ينطبق أكثر ما ينطبق
على أدب الأطفال . فاختيار الألفاظ ذات الإيقاع، والتكرار غير الممل،
واستخدام المحسنات من سجع وجناس وطباق وازدواج، وبناء الجمل القصيرة
والمعبرة التصويرية تجعل النص محبَّبًا لدى الطفل...
ثمة أنواع للقص الذي يلائم الطفل، ولا أرى هنا أن أصنفها - هذي
لهذا الجيل، وتلك لذاك، ولكنني أرى أن لغة حكايات الجن والسحرة والأسطورة
تختلف عن لغة القصة على لسان الطير والحيوان، عن القصة الشعبية، عن القصة
التاريخية، عن قصة من وحي الطبيعة، عن قصة دينية، عن قصة فكاهية، وكل واحدة
من هذي تختلف عن الأخرى.
والمسرحية- وهي قليلة في كتابتنا- تحاسبنا كل كلمة فيها ونحاسبها
في مدى توظيفها ونجاعتها وتوصيلها ، وذلك حتى تكون المسرحية ناجحة.
ولست أرى لغة الشعر بعيدة عن هذا الحرص الشديد الذي نعمد إليه في
اختيار كل لفظة ولفظة...
من المآخذ التي أراها في أدبنا للأطفال أنه لا يحدد على أغلفة الكتب
المستوى المعدّل أو معدّل المستوى ، كأن يُكتب على الغلاف – معد لأبناء
الرابعة-السادسة -. مثلاً، بل يتركون للآباء أن يتصفحوا وأن يقرءوا، وأن
يقرروا، بينما كان من المفروض تبيان الفئة العمرية من جهة ، وتظهير الكتاب
ببضعة سطور تبين المضمون / الملخص الذي يعالجه الكاتب. وبهذا نوفر على
الآباء جهد التصفح والقرار، ذلك لأن القرار السريع من قبلهم قد يكون غير
موفق.
يلجأ بعض كتاب أدب الأطفال إلى العامية تيسيرًا على الأطفال. وهذه
قضية ذات خطورة وخطرة ، إذ من الضرورة أولاً أن نعوّد الطفل على اللغة
التي سيعايشها في كتب المستقبل. أما أن نسوّق العامية فهذا ضرب من الخطاب
اليومي العابر - أسوة بالنكتة والأغنية الشعبية والحكاية ، ورغم أن هذه
جميعها هي من صميم الواقع حقًا، لكنها لم تدخل حتى الآن دائرة الأدب العربي
سواء في أدب الكبار أو الصغار.
ولرب سائل يسأل: كيف نميّز بين أدب الكبار والصغار؟
والإجابة في تقديري تتأتى في المستوى اللغوي وفي الأداء، وسأسوق
مثلاً:
من أدب الكبار نقرأ هذه الفقرة :
" اهتز الحصان بنشوة. كان متفوقًا بعد أن بز سائر الخيول في السباق
وحصل على قصب السبق . فلما أُعلن عن فوزه كانت أعين الناس ترنو إليه
بإعجاب."
أما في أدب الصغار فسنرى نفس الحدث بلغة أخرى:
" أسرع الحصان الأبيض الجميل، وكان يرفع رأسه وهو يجري ويجري
ويجري... حتى فاز وسبق كل الخيول التي كانت تباريه. ولما انتهى السباق أخذ
يحرك جسده وكأنه يرقص. وكان سامي ينظر إليه بإعجاب وهو يصفق."
بالطبع لاحظنا أن المستوى اللغوي اختلف في النص الثاني، كما رأينا
الحركية والدرامية والوصف الحسي ملائمًا لعالم الطفل ولخياله ، بالإضافة
إلى مشاركة الطفل ووضعه في مركز الحدث .
تبعًا لذلك فاختيار الألفاظ والتعابير يجب أن تلائم العمر أو الفئة
العمرية ، فمن المشكلات التي يقع فيها كاتب النص للأطفال أنه يكتب المضمون
السهل الميسر الملائم لأبناء الخامسة مثلاً في لغة أعلى تلائم سن العاشرة،
وذلك بقاموس لغوي لا يتوافق مع مضمون النص ، ولست بحاجة لتقديم نماذج على
ذلك، فهي أكثر من أن تحصى ، فاقرأ نموذجًا مقدّمًا لأبناء الخامسة - كما
تبين لنا من مادة المضمون - ، ولكن الجمل التي سأذكرها هي دون أدنى شك
تلائم طلابًا في العاشرة فما فوق :
" كنت كلما اقتربت من هذه المجموعة التي تحلقت حول والدي لأستطلع
الأمر الذي عزموا عليه خفضوا أصواتهم... حتى علمت أنهم يخفون شيئًا مريبًا
".
وهناك من جهة أخرى من يجعل الموضوع أو الفكرة التي تلائم أبناء
العاشرة في لغة مبسطة وكأنه يخاطب أبناء الخامسة أو السادسة.....
من هنا، فثمة ضرورة لمن يكتب أدب الأطفال أن تكون لديه ثقافة خاصة
- ذات معرفة أصولية لغوية ، ومتابعة تربوية ، وقدرة على إجراء الموازنات
الملائمة ...
ولن أتحدث هنا عن الرسوم التوضيحية التي يكون بعضها تضليليًا أو
على الأقل بعيدًا عن روح النص ، وهي أكثر من أن تُحصى ، فهي جزء من الشكل
ولغة النص على مستوى التشكيل .
على ضوء ذلك يجدر الاهتمام بأن يكلف كل مؤلف مدققًا لغويًا، بحيث
يراجع اللغة كلمة كلمة وشكلاً شكلاً لكل حرف وحرف، فكيف نجيز مثلاً :
ثمانية شّمْعات في كتاب "عيد ميلاد شادي" والصواب ثماني شَمَعات؟ وهل فحصت
المؤلفة كيف يكون خبر كان (موافقون) أم (موافقين)؟
ذكرت هنا نموذجًا عارضًا لا يمثل أصلاً الكثرة الزاخرة من
الأخطاء الحاشدة في الكتب...
أصل إلى القول إننا بحاجة إلى البحوث والدراسات الميدانية التي
تحدد مستوى النمو اللغوي لدى أطفالنا، بل ثمة ضرورة ملحة لوضع اطر أدعوها
"أطرًا احتمالية" – بمعنى أن الطفل يحتمل بل يرجح أن يدركها ، وان
يستوعبها ، وأن يستخدمها . ذكرت لي بعض المعلمات في مساق قدمته لهن:
وهذه الأطر المقترحة ستُعنى أيضًا بضرورة إضافة مراقبَة لبعض
الكلمات الجديدة الهامة في الميدان الذي يخوضه الكاتب ، وذلك من منطلق
إثراء معلوماته وإكساب مفرداته ، والتعريف بها ، وبالتالي تحدي معرفة
الطفل في مجال تطوره.
لا إنكار أن كل محاولة للتحديد سواء في الفئات العمرية الملائمة
لهذا الضرب أو ذاك أو في الأطر الاحتمالية التي أشرت إليها ستأخذ بنظر
الاعتبار الذكاء الفردي أو البيئة التي يعيشها هذا الطفل أو ذاك.
فالكتابة للأطفال تستلزم تخصصًا وممارسة ومعايشة للأطفال، وتستلزم
متابعة ودراسات متعمقة في اللغة وفي أصول التربية وعلم النفس، وإلى تبيّن
مراحل الطفولة وخصائصها. وأولاً وقبلاً إلى معرفة بالقواعد السليمة للكتابة
الأدبية وإدراك الأفاق التي يحلق فيها الأطفال ومدى ملاءمة المعاني
لقاموسهم اللغوي المنتقى بعناية وتصميم.
*
نشرت المقالة في كتاب " مؤتمر أدب الأطفال لفلسطينيي الداخل " – مركز ثقافة
الطفل – الأسوار بدعم من مؤسسة دياكونيا السويدية ، عكا – 2006 ، ص 67.
باقة الغربية
أضيفت في28/10/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الطفل/ الضوابط النفسية والفنية
بقلم الكاتب:
عزت عمر
1 تقديم قبل الدخول في تفاصيل ورقتنا هذه عن الضوابط النفسية والفنية في
أدب الطفل، لا بدّ من التنويه أوّلاً إلى أن أدب الطفل من حيث التعريف لا
يختلف عن أدب الراشدين من ناحية البناء النصّي قصة أو مسرحاً أو شعراً، كما
أنه لا يختلف عنه من حيث الأهداف العامة من كونه يقدّم التسلية أو المتعة
الجمالية إلى جانب كثير من القضايا والقيم التي يتبناها الكتّاب كقضية حرية
الإنسان وعلاقة هذا الإنسان بأخيه الإنسان والمشكلات التي أفرزها وجوده مع
الطبيعة سواء من حيث الصراع معها، أو المحافظة عليها والسعي لإحيائها. ومن
هنا، فإنه لا بدّ إذن من التأكيد على أن كثيراً من المفاهيم الخطأ قد رافقت
مسيرة أدب الطفل منذ لحظة نشوئه المتأخرة في المشهد الثقافي العربي، حيث
استسهل كثيرون الكتابة للطفل، فراحوا يحشون ذهنه بالعجائب والغرائب، أو
بالقصص المؤدلجة المتكئة على شعارات متداولة في الحياة السياسية والفكرية،
أو بقصص الخوارق والأعاجيب، هذا بالإضافة إلى كلّ ما يمكن تقديمه للطفل من
معارف ومعلومات لا يمكن اعتبارها أدباً على الأقل لأنها بالرغم من نبالة
مقاصدها التربوية لا ترقى لأن تسمى كذلك، كما أن هذه الكتب الساذجة ستكون
موجودة على الدوام وبوفرة في المعارض، لأنه ليس لأحد القدرة على منعها أو
ضبطها نظراً للكم الكبير في إنتاجها والاتجار بها سواء على صعيد فردي أو
على صعيد دور النشر اللاهثة وراء الربح السريع دون الأخذ بعين الاعتبار ما
تقدمه من سلعة رديئة تغطّي على المحاولات الدؤوبة لكتاب أدب الطفل في
تكريسه كأدب رفيع ينطوي على قدرة حقيقية في إثارة خيال الطفل، وتحفيز آليات
التفكير لديه وتمكينه من تنمية قدراته اللغوية والقدرة على التمييز بين
الجميل والقبيح بالمعنى الإبداعي لممكنات النصّ الأدبي البالغ التعقيد في
تنظيمه وفي توافر معطياته الدلالية النابعة من كيميائية اللحظة الإبداعية
ذاتها وليس غير.
2 في الضوابط الفنية ولطالما قدّمنا رأينا عن مشترك الكتابة الإبداعية بين
ادب الأطفال والكبار من حيث التعريف بأنهما لا يختلفان من حيث البناء
الفني، فإننا سنسعى لتأكيد ذلك من خلال المقارنة بين ما يتوفر عليه النصّ
الإبداعي لكلتا الجهتين من مشتركات، حيث على صعيد القصّة مثلاً سوف نرى
أنها في الغالب مركبة من حدث أو مجموعة من الأحداث تسعى لبناء الفضاء
الدلالي عبر ما تقوم به الشخصيات من أفعال وممارسات، أو عبر ما تقدمه الذات
الساردة من تفعيل لدور الزمان والمكان في حيّز النصّ للوصول إلى الحبكة
المكثفة وصولاً إلى النهاية، وكذلك الأمر بالنسبة للشعر، حيث تتطلب الكتابة
الشعرية وزناً وقوافي ولغة موحية وعاطفة صادقة وغير ذلك، والشأن ذاته في
الكتابة المسرحية من حيث البنية الحوارية والشخصيات وغير ذلك. ولكن السؤال
الذي يبدر على الفور، أنه إذا كانت كلّ هذه المشتركات متوافرة فلمَ تمّ
تصنيف الأدب إلى أدب أطفال وآخر للراشدين؟ والجواب على ذلك هو حكاية
الضوابط التي جعلناها عنواناً لهذه الورقة، وهي تتحدد بكلّ بساطة لدى
الكتّاب في هذا الحقل في اختيار الموضوع ومعالجته بما يتناسب ومقدرات الطفل
اللغوية ومدركاته العقلية التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار وبما يتناسب
ومرحلته السنية، وهذا يقتضي سفراً حقيقياً إلى ممالك الطفولة، وتمثّل لغتها
المتميزة بالرشاقة والبساطة والخيال الآسر الممتع، وكلّ نصّ طفليّ لا يتمتع
بهذه الخصائص فإنه من حيث التصنيف لا يمكن وضعه في حقل أدب الأطفال، حيث إن
عامل اللغة يعتبر من أهم الضوابط التي يتوقف عندها أمر تصنيف الكتابة،
وسيعزز رأينا هذا كثير من الباحثين في ثقافة الطفل، حيث يذهب د.هادي نعمان
الهيتي إلى أن الكتابة للأطفال من الفنون الصعبة، وتتأتى الصعوبة من جوانب
عدة، من أبرزها ما يتميز به أدب الأطفال من بساطة.. ومعروف أن أبسط الفنون
الأدبية على القارئ أصعبها على الكاتب، وسينقل عن توفيق الحكيم قوله يوم
بدأ يسجل بعض الحكايات للأطفال عام 1977: "إن البساطة أصعب من التعمّق،
وأنه لمن السهل أن أكتب وأتكلّم كلاماً عميقاً، ولكن من الصعب أن أنتقي
وأتخير الأسلوب السهل الذي يشعر السامع بأني جليس معه، ولست معلماً له،
وهذه هي مشكلتي مع أدب الأطفال." ومن هنا جاء تأكيدنا بأهمية السفر إلى
ممالك الطفولة والتعايش مع لغاتها وأخيلتها وتصوّراتها عن العالم بما يمكّن
الكاتب من تقديم الحكاية أو القصيدة أو المسرحية كما سيعيشها الطفل لحظة
قراءتها، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار جملة من المسائل لا بدّ لكاتب أدب
الأطفال ان يتوقف عندها، ومن ذلك مراعاة المرحلة العمرية التي يخاطبها، حيث
يؤكّد علماء النفس أن خيال الطفل ومدركاته تتطور من مرحلة عمرية إلى أخرى،
ولكنها إلى ذلك لا تتطور على وتيرة واحدة، وإنما سوف تختلف من بيئة إلى
أخرى، وذلك تبعاً لثقافة المجتمع وتقاليده المثقفة للطفل، ولكن جملة من
المصادر تتّجه إلى تعميم مشتركات عامة لكلّ مرحلة عمرية تساعد الكاتب على
الدخول في ممالك الطفولة، ومن ذلك تقسيمة د.هادي نعمان التي جاءت وفق ما
يأتي :
1 ـ مرحلة الواقعية والخيال المحدود بالبيئة من (3 ـ 5) سنوات. وهي المرحلة
التي تكون فيها حركة الطفل محدودة في إطار منزل العائلة والمحيط الصغير من
حولها، إضافة إلى الدمى والملابس والطعام والحيوانات الأليفة التي تحيا
قريباً منه، ويؤكّد الباحث في هذا الصدد أن الطفل في هذه المرحلة يتأثر
بعناصر هذه البيئة، مستجيباً لتأثيراتها المختلفة مشغولاً بالكشف عنها، لذا
تراه كثير التساؤل، شديد الفضول، لأنه يسعى لاكتشاف عالمه والوقوف على
خفاياه. وإلى ذلك يكون خيال الطفل في هذه المرحلة حاداً، حيث يتصوّر غطاء
القدر مقود سيارة يلف به ذات اليمين وذات الشمال، أو يتخيل العصا فرساً،
فيمسك بها ويضعها بين ساقيه ويجري بها مسرعاً، كما يتصوّر الدمية كائناً
حياً فيكلمها برفق ونعومة أو يغضب عليها فيعاقبها. والجانب الأهم بالنسبة
لنا، نحن المعنيين بأدب الطفل، أنه في هذه المرحلة يسعى لتمثيل القصص التي
يسمعها، وهذا يؤكّد مدى قبول الطفل للقصص التي تنطوي على موضوعات وشخصيات
مألوفة: كالأب والأم والأخوة، بالإضافة إلى الحيوانات والنباتات والدمى،
وبوجه عام فإن الإيقاع والحركة السريعة واللون والصوت تعد من العناصر التي
تغني المضمون الثقافي والأدبي وتزيد من ولع الأطفال به. أما من حيث اللغة
فإن الأطفال سيهتمون بموسيقى الكلمات، والعبارات المسجوعة والأصوات المرحة
التي تطلقها شخصيات قصصهم، وبالتالي فإن القصص التي تثير مخاوفهم كقصص الجن
والسحرة والعفاريت، وكذلك القصص التي تثير أحزانهم وتبعث القلق في نفوسهم،
لا تناسبهم في هذه المرحلة.
2 ـ مرحلة الخيال المنطلق من (6 ـ 8) سنوات. وهي المرحلة التي ينمو فيها
الخيال، ويزداد ولع الطفل بالقصص الخيالية التي تخرج مضامينها من محيطه
وعالمه، فنراه منجذباً إلى القصص الخرافية، ولكن اكثر القصص نفعاً هي التي
تنقلهم إلى آفاق بعيدة خارج حدود معارفهم دون أن تغفل الواقع. ويؤكّد
الباحث في هذا الصدد تعلّق الأطفال بالمغامرين الأبطال، ولذا فهم ينجذبون
إلى قصص المغامرات الخيالية، وينبغي على القصص الموجهة لهذه المرحلة أن
تراعي مثل هذه المغامرات، وأن تمضي الحوادث وفق عامل السببية قدر الإمكان
حتى لا تبدو الحياة أمام الأطفال وكأنها مجموعة من المقالب والأفخاخ.
3 ـ مرحلة البطولة من (8 ـ 12) سنة. وهي المرحلة التي ينتقل فيها الطفل نحو
الاهتمام بالحقائق، حيث تستهويه قصص الشجاعة والمخاطرة والعنف والمغامرة
وسير الرحالة والمكتشفين، هذا بالإضافة إلى القصص الهزلية والقراءات
المبسطة وكتب المعلومات.
4 ـ المرحلة المثالية من (12 ـ 15) سنة. وهي مرحلة الاستقرار العاطفي
النسبي، وهي مرحلة دقيقة وحساسة، يميل فيها الطفل إلى القصص التي تمتزج
فيها المغامرة بالعاطفة، وتقل فيها الواقعية وتزيد فيها المثالية،
فالشخصيات الرومانتيكية ستكون جذابة على الدوام، وخاصة تلك التي تواجه
الصعاب الكبيرة والعوائق المعقدة من أجل الوصول إلى حقيقة من الحقائق، أو
الدفاع عن قضية، ويشوقون إلى القصص البوليسية والجاسوسية وكذلك موضوعات
الحب. 3 ـ في الضوابط النفسية. يشتكي التربويون، والوسط الإعلامي عموماً
مما يسمى أدب الأطفال، وخصوصاً ما تعمل على نشره دور النشر من أعمال قصصية
أو من مترجمات، كما انهم يشتكون من أفلام الكارتون وألعاب الكمبيوتر، إنهم
في العموم يشتكون من كلّ ما يقدّم من أدب للطفل، والشكوى هنا لا تخلو من
صحة فيما إذا أخذنا نسبية الصحيح، نظراً لجملة التشابكات التي يحتويها هذا
الأدب على الصعيد التربوي أو النفسي، وعلاقة هذين المستويين بالتشكيلة
الاجتماعية وسلطاتها الرمزية الساعية على الدوام لتكريس قيم يفترض تداولها
من خلال الموضوع المطروح، وفي الغالب سوف يتناسى هؤلاء القيم الجمالية فيما
إذا استجاب الكاتب لرغبات هذه السلطات الرمزية، مما يدفع بأدب الأطفال لأن
يتخذ مساراً وعظياً ومباشراً لا يختلف عن أي درس يتلقاه الطفل في المدرسة.
أما من جهة الأطفال انفسهم، فهم في الغالب لا يشتكون، ولكنهم إلى ذلك
بإمكانهم أن يتجاهلوا ما يقدّم لهم من وجبات غير مستساغة مقارنة بما
يفضلونه من أدب مترجم، أو ما يشاهدونه من أفلام تسافر بهم إلى ما يحبون من
حيث الحكاية القوية والمشهد البصري الفائق والخيال الممتع، ولكن المشكلة
الأخطر تتمثّل في استجابتهم لعقلية الوصاية التي يتمسك بها الكبار كامتياز
يرفضون التخلّي عنه حتى في مسائل ذات طبيعة إبداعية وجمالية قد لا يفقهون
شيئاً منها، ولكنهم إلى ذلك يخولون أنفسهم الحقّ في تتفيه هذا العمل أو ذاك
تبعاً لمواقفهم الإيديولوجية أوالأخلاقية، واسمحوا لي أن أضمّ إلى هؤلاء
أيضاً الكتّاب الذين يحملون العقلية الوصائية ذاتها على هذا الطفل الحائر
بين أن يلبي رغبات الأسرة أو المعلم، وبين أن يلبي رغباته الخاصة في
الاستمتاع بما يحبّ ويفضّل مما يترك آثاراً نفسية واضحة على مجمل سلوكاته،
وقد قرأت مؤخراً رواية مترجمة تعالج هذا الموضوع بالذات، اسمها "القمر لا
يعرف" كاتبها السويدي "نيكلس رودستروم" قدمها كرواية للصغار ويقرأها
الكبار، ليمضي بنا في رحلة ممتعة نحو عوالم الحكاية والأحلام التي تغزو قلب
وتفكير الفتى "كريستيان"، فيذهب عميقاً في تفاصيلها الآسرة. ولكن الرواية
في الوقت نفسه تنطوي على أفكار فلسفية وتربوية عميقة، صيغت ببساطة وعفوية
طفل دشّن عامه الرابع عشر منذ قليل، ولكنه ما انفك يرفض الانخراط في عالم
الكبار بما يحتويه من أشياء لا يحبها، فيصرّ على التعايش مع لحظة الطفولة
الخالدة التي يندمج فيها عالم الحلم بعالم الواقع، ليقدّم خلال النصّ
قراءته الخاصّة للأشياء المحيطة بأسلوب قل أن نقرأ له مثيلاً في الكتابة
الروائية الحديثة. وتأتي الأهمية الاستثنائية للرواية برأينا أن المؤلف سوف
يدفعنا على الدوام للمقارنة بين عالمي الطفولة والكبار، لندرك المتغيرات
النفسية التي تطال الفتى، وهو يعيش في وسط مفكك أسروياً، ولكنه في الوقت
نفسه لا يتعرض لردّات فعل قوية نظراً لوجود جدته التي ستقوده نحو عالم
الحكاية الأخاذ، كما انه لن يتشبه بمن هم في مثل سنّه من فتية يسعون
للتشبّه بالكبار، في سبيل الحصول على الامتيازات التي يخصّ الكبار أنفسهم
بها، كالتدخين، أومصاحبة الفتيات، وغير ذلك من أمور تشغل بال المراهقين
كثيراً. وإنما يمضي برفقة جدته التي ودّعت ذلك العالم وعادت إلى لحظتها
الطفولية، ليتعايشا سويّة وفق منطقهما الخاص في تفسير العالم من خلال
الحكاية. وذلك لأنهما بالأساس ينطلقان من لحظة صدق مع الذات، والتعبير عن
ذلك بكلّ بساطة النفس الإنسانية الساعية إلى مزيد من الأنسنة للطبيعة
والأشياء. وقد يبدو للقارئ أن سرّ تشبث "كريستيان" بعالم الطفولة، هو
عزلته، وهيمنة جدّته عليه من خلال حكاياتها الكثيرة، ولكن ذلك قد يكون
محوراً هامشياً، فيما إذا تمعنّا في شكل ملاحظاته البسيطة على عالم الكبار
من حوله، كالطلاق الذي تمّ بين أبيه وأمّه، أو اعتراضه على التدخين، الذي
كانوا يعتبرونه شيئاً حضارياً، ثمّ ما لبث أن بدأ يفتك بهم واحداً بعد
الآخر، فاضطروا اضطراراً إلى هجره، وعبر السرد سنكتشف أن الصبي لا يعترض
فقط على التدخين، وإنما على جملة من الأشياء الخطأ التي تمارس، من قبلهم
وتعتبر في الوقت نفسه امتيازاً لهم وحدهم. وهذا الموقف من كريستيان سوف
يقودنا بالضرورة إلى مسألة الضوابط النفسية والتساؤل عمّا يمكن أن يقدّمه
أدبنا من قضايا على هذا المستوى من العلاقة بين الآباء والأبناء، أو بين
الأبناء والأبناء من قضايا كالحسد والكراهية والنميمة والوشاية وقلة
النظافة وغير ذلك، سيما وأن مجتمعنا يحفل بالكثير من المشكلات ومن أخطرها
مشكلة الديموقراطية الغائبة عن بيوتنا ومدارسنا ومجتمعاتنا ولينظر الآن أيّ
منا، نحن الجالسين في هذا المنتدى، إلى علاقته بأبنائه ومدى رغبته في أن
يكونوا نسخة عنا، وفي ألاّ يكونوا مستقلّين بأفكارهم وآرائهم في قضايا
تخصّهم، وإذا اعتبرنا هذا السلوك شكل من أشكال العنف الرمزي كما يسمّيه
بيير بورديو، فكيف إذاً في حال من يعتبر أبناءه صنيعته الخاصّة فيمارس كلّ
جنون العنف الجسدي. والسؤال هل يمكن للأدب الموجه للطفل أن يخرج من فضاء
القضايا الكبرى إلى قضايا تربوية مسكوت عنها؟ ماذا مثلاً عن موضوعة
الاستهانة بالطفل والطفولة واعتباره كائناً في مرتبة أدنى فيعامل كذلك حتى
يكبر، وخلال هذه المسافة الزمنية الخطيرة سنراه على الدوام مهمّشاً
ومستبعداً من المجالس لمجرد أنه طفل، أو مستخفاً برأيه من قبل المعلم، إنه
مع الأسف يشعر بالمهانة دوماً وبأن الكبار لا يحترمونه كما يجب، ولذلك نراه
ينتظر بفارغ الصبر أن يصبح كبيراً كي يتخلّص من هذه المرحلة الشائكة، في
الوقت المفترض به أن تكون اكثر متعة وسعادة!
1
انظر
الصفحة 157 من كتاب ثقافة الأطفال، د.هادي نعمان الهيتي، سلسلة عالم
المعرفة الكويتية، العدد 123، 1988. 2 انظر تقسيمة المراحل العمرية في
الصفحة 85 من المرجع السابق. وكنا رجعنا إلى مجموعة من المقالات عبر
الأنترنت فلم نجد خلافاً ذا أهمية يذكر. 3 القمر لا يعرف، نيكلس رودستروم،
ترجمها عن السويدية يوسف طباخ، مركز الإنماء الحضاري، حلب، ودار "أفنطة"
استوكهولم، 1999
أضيفت في25/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر موقع الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
عشوائية الإعلام الموجه للطفل*
(وجهة نظر)
بقلم الكاتب: حسام عبد القادر
ماذا يقرأ الطفل.. ما هى البرامج التى يشاهدها بالتلفزيون.. ما هى
المواقع التى يشاهدها على الإنترنت.. ما هى الكتب التى تصدر من أجله.. ما
هى الأفلام التى تنتج لكى يشاهدها..
كل هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن عندما نناقش موضوع "الأطفال
ووسائل الإعلام" ضمن ورشة العمل التى نحن بصددها فى المعهد السويدى،
والموضوع كبير ولكن لابد أن نتفق على أن هناك نقاط عديدة يجب أن نلتفت
إليها عند الحديث عن الإعلام والأطفال ولكى أكون محدداً أننى أتحدث عن
الموضوع فى إطار الدول العربية فقط وسوف أخصص فى بعض الأحيان على تجارب
مصرية بحكم قربى من هذه التجارب بل وعملى بها..
بداية سوف نلاحظ أن العشوائية هى سمة مشتركة فى جميع وسائل الإعلام
المقدمة للطفل والتى تشكل وجدانه وعالمه وفكره المستقبلى وهى سلبية خطيرة
جداً تواجه أطفالنا وشبابنا وفى تكوينهم الفكرى، بل إننا نترك أطفالنا فى
مهب الريح يأخذون ما يأخذون ويلتقطون ما يلتقطون ويتعرفون على يمكنهم
التعرف عليه دون أى ضابط أو رابط، ودون أى خطط منهجية تساعد فى تشكيل فكر
من سيكون بيدهم مقاليد الأمور فى المستقبل فى كل مجالات الحياة، بل إن
العشوائية امتدت ليس فقط فى وسائل الإعلام بل إلى مناهج التربية والتعليم
والتى يتم تعديلها عدة مرات بل وتعديل النظام نفسه دون وجود منهج ثابت ينشأ
عليه الطفل والدليل على ذلك مشكلة السنة الخامسة والسادسة للمرحلة
الابتدائية والتى أدت إلى إحباط عدد كبير من الأطفال كانوا يتوقعون أن
ينتقلوا إلى مرحلة جديدة وهى المرحلة الإعدادية بعد عام فإذا بهم يجدون
أنفسهم ما زالوا فى المرحلة الابتدائية وهذا طبعا ليس موضوعنا.
وداخل فكر العشوائية المتواجد داخل وسائل الإعلام المقدمة للطفل
سنجد بعض التجارب الناجحة ولكنها كلها تجارب شخصية تعتمد على أشخاص بعينهم
تنتهى الفكرة بمجرد وفاة هذا الشخص أو توقفه عن استمراره فى الفكرة كما
سنرى بعض قليل، فحتى مهرجان القراءة للجميع والذى يقام كل عام فى الفترة من
15 يونيه إلى 15 سبتمبر وهى فكرة عبقرية ورائعة بكل المقاييس أطلقتها
السيدة سوزان مبارك، إلا أن هذا المهرجان دليل كبير على العشوائية التى
أتحدث عنها فهو يركز فى احتفالاته على أطفال دون غيرهم فيترك أطفال النجوع
والقرى والأحياء الشعبية ويذهب إلى أطفال المدارس الخاصة والأحياء الراقية
وحتى المكتبات المتنقلة لا تؤدى الغرض فى الأحياء الشعبية والأماكن الفقيرة
لأن الطفل فى هذه الأماكن أصلاً لا تعد القراءة هدف من أهدافه بل يحتاج إلى
سد حاجته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن صالح ويصبح الكتاب لديه آخر
ما يمكن التفكير فيه وبالتالى لكى نغير هذا لابد أننا نحتاج إلى سنوات
طويلة ومن ثم فقد أصبح مهرجان القراءة للجميع حالة خاصة لعينة من الأطفال،
كما أن اختيار الكتب التى تطبع داخل المهرجان والتى تباع بأسعار زهيدة جدا
مما يتيح الفرصة للشباب لقراءتها يتم أيضاً بعشوائية وليس بشكل منظم وغالبا
ما يقوم بالاختيار شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص ليسوا مؤهلين لذلك
وغالباً ما يقع الاختيار على كتاب يكون صاحبه على علاقات قوية وصلة قريبة
بمسئولى النشر وقد يكون الكتاب جيد ولا خلاف على ذلك ولكن لا شك أن هناك
كتب جيدة أخرى عديدة لم تخرج فى مهرجان القراءة للجميع لأن صاحبها ليس لديه
العلاقات الكافية.
ونفس الأمر ينطبق على التليفزيون وهو من أخطر وسائل الإعلام وأشدها
تأثيراً إلا أن الأمور فيه تسير على نفس الفكرة التى نتناولها فى موضوعنا
وهى العشوائية. فرغم الإنتاج الضئيل جدا للتليفزيون فى مجال الأطفال وهو ما
يؤخذ عليه إلا أنه قدم على مدار العقدين الأخيرين مسلسل درامى عرائس
للأطفال وهو "بوجى وطمطم" قام ببطولته الفنان يونس شلبى والفنانة هالة فاخر
وكان من أنجح المسلسلات الدرامية للأطفال واستطاع أن يحقق نجاحاً كبيراً فى
جذب الأطفال وبالتالى إكسابهم سلوكاً جيداً فى المعاملات اليومية وفى
التقاليد والعادات المختلفة، إلا أن هذا المسلسل توقف بمجرد وفاة مخرجه
ومنفذه رحمى ولم يجرؤ أحد على استكمال هذا المسلسل الرائع ولم يتم وضع بديل
له أو بدائل وحتى أثناء وجودة لم يشجع هذا على تكرار المسلسل بمسلسلات أخرى
وشخصيات أخرى.
نفس الأمر تكرر مع مسلسل بكار هذه الشخصية الكرتونية الجميلة والذى
ينتمى إلى جنوب مصر ويقوم بعمل مغامرات مختلفة من أجل الحق والصواب ويعلم
الأطفال الكثير من المبادئ والمثل فعندما توفت الدكتورة منى أبو النصر توقع
الجميع أن يتوقف بكار إلا أن بكار كان حظه أفضل من بوجى وطمطم لأن ابن
الدكتورة منى أبو النصر وهو مخرج أيضا قرر أن يكمل مشوارها ويواظب على
تنفيذ حلقات بكار ولكن السؤال الأهم إلى متى.. ؟! ومن سيكمل المشوار بعد
ذلك..
أما على مستوى المجلات المطبوعة فالأمر لا يختلف كثيراً فعلى الرغم
من وجود مجلات كثيرة للطفل على مستوى العالم العربى إلا أنها بداية لا تصل
لكل الأطفال وإنما تصل إلى قطاع معين من الأطفال التى يوافق أو يتمكن فيها
الأب من شراء المجلة لأن المستوى التعليمى للأب يمنع أحيانا أن يشترى لأبنه
أى كتاب أو مجلة لأنه يرى أنها هذه أشياء كماليات لا لزوم لها، هذا
بالإضافة إلى أن بعض هذه المجلات غير ثابت فى إصداره مثل مجلة قطر الندى
التى تصدر عن وزارة الثقافة المصرية فهى تصدر لإثبات الوجود والمفروض أنها
تصدر كل اسبوعين إلا أن موعدها غير منتظم وبالتالى فلم يتمكن الطفل من
الارتباط بها وانتظارها فى موعدها مثلما يفعل مع ميكى مثلاً، إلا أن ميكى
لا يجب أن نضعها وسط المجلات العربية لأنها أصلاً مجلة مترجمة ويصدر منها
النسخة العربية وبها بعض التعديلات الطفيفة أو إضافة موضوع أو اثنين فقط
على المجلة الأصلية، أما المواد المنشورة داخل مجلات الأطفال فهى غالباً ما
تخضع للعشوائية أيضا وهذا واضح جداً فى مجلة علاء الدين وسمير وماجد وغيرها
فكل هذه المجلات معايير النشر فيها غير واضحة وتحاول دائماً الإكثار من
الأبواب الثابتة مثل عرض كتاب ونافذة على الإنترنت وصفحات لصور الأطفال
ولرسائل الأطفال وتفرد مساحات كبيرة للصور والتحقيقات الصحفية عن موضوعات
عامة لا يهتم الطفل بها غالبا، بينما تهمل دائما عرض السيناريوهات المصورة
والتى تجذب الأطفال بشدة مثلما يحدث مع مجلة ميكى، وهذا راجع لأنها أصعب فى
تنفيذها وتحتاج إلى رسامين على مستوى عال من الكفاءة وإلى كتاب متمكنين فى
الوصول إلى فكر الطفل، بينما القصص العادية رغم جودتها أحياناً إلا أنها
أسهل غالبا فى عرضها وفى رسم أى صورة بجانب الحكاية، هذا بالإضافة إلى أن
كل المجلات أو أغلبها لا تحدد السن المستهدف من قراءة المادة المنشورة ولكن
يكفى أن المجلة للأطفال ويمكن لأى طفل قراءتها وهو تعميم كبير لا لزوم له
طالما أن العمل مقدم بهدف إثراء الطفل وتنميته ثقافياً واجتماعياً
وإذا انتقلنا لكتب الأطفال فقبل أن نتحدث عن العشوائية فى إصدارتها
وفى تناولها إلا أننا يجب أن نتحدث عن أسعارها الباهظة والتى بكل تأكيد
تجعل أى ولى أمر لا يقدم على شراء كتاب لابنه إلا مرة واحدة فى السنة وبعد
تفكير طويل، وأنا هنا أتحدث عن الطبقة المتوسطة وليس الطبقة الدنيا، فسعر
كتاب الأطفال يتضاعف عدة مرات من سعر الكتاب العادى، وقد يرجع هذا إلى أن
كتب الأطفال ملونة ولها أغلفة سميكة وإخراج مختلف ومتميز ولكن فى النهاية
بعد كل هذا الجهد لا تصل للطفل، وباستثناء بعض المحاولات القليلة من بعض
الهيئات لإصدار كتب للأطفال رخيصة السعر مثل وزارة الثقافة المصرية على
سبيل المثال وإصدارها كتاب قطر الندى وهو من إصدار مجلة قطر الندى التى
تحدثنا عنها، إلا أنها أيضا محاولة صغيرة جدا لم تأخذ حظها من الشهرة ولم
تنشر على مستوى واسع بل أن بعض كثير من المثقفين لا يعرفون بوجود هذه الكتب
التى يمكنهم شرائها لأولادهم، واعتقد أننى لست فى حاجة إلى الحديث عن فكر
ومنهج هذه الكتب سواء سلبا أو إيجاباً لأن هذه الكتب لا تصل للأطفال أصلاً
فى وجهة نظرى.
وفى الحقيقة لقد تعمدت ألا أتناول الإذاعة كوسيلة من وسائل الإعلام
الهامة للأطفال ليس تجاهلاً منى لدورها الهام ولكن بعد نظرة واقعية تأكدت
أن معظم الأطفال حاليا إن لم يكن كلهم لا يستمعون إلى الراديو إلا نادراً
ورغم أننى وجيلى نشأنا على قصص عمو حسن وأبلة فضيلة فى الراديو إلا أن
الجيل الجديد من الأطفال لا يعبأ إلا بالتليفزيون ومحطات الدش الفضائية أو
بالدخول إلى الإنترنت لمشاهدة المواقع وعمل الشات، يستمع ويشاهد برامج
الكبار وأغانى الفيديو كليب والأفلام والمسلسلات تاركين لأطفالنا لعشوائية
تشكيل عقولهم من خلال هذه البرامج والأغانى والأفلام.
وإذا كنا قد تفاءلنا بوجود وسيلة جديدة نوعاً ما من وسائل الإعلام
وهى شبكة الإنترنت وبرخص سعرها رغم أنها ما زالت غير متوفرة لكثير من
الأطفال إلا أن هذه الوسيلة لم تقدم المطلوب منها حتى الآن ورغم وجود
العديد والكثير من مواقع الأطفال العربية إلا أن هذه المواقع لم تقم بالدور
المطلوب منها رغم أن شبكة الإنترنت كان يمكن أن تقدم ما تقدمه كل وسائل
الإعلام التى تحدثنا عنها فى موقع واحد مع استغلال للإمكانيات الهائلة
للإنترنت وبرامجه وسوف نتحدث باستفاضة قليلاً عن نماذج لبعض مواقع الإنترنت
العربية لنرى ما تقدمه هذه المواقع وقد تعمدنا أن نأخذ نموذج للمواقع منها
ما هو شخصى ومنها ما هو قسم داخل موقع كبير ومواقع لمجلات مطبوعة تم نقلها
على الإنترنت وغيرها
إلا أنه بخصوص مواقع الأطفال على الإنترنت فقد كانت لى بعض
الملاحظات العامة أوجزها فيما يلى:
1-لم يقم أى موقع عربى موجه للأطفال باستغلال إمكانيات الإنترنت
الهائلة فى تقديم وجبة جيدة للطفل يرفع بها من قدراته أو يؤهله علميا حتى
أو فكريا.
2-لا يوجد موقع للأطفال يحدد الفئة العمرية التى يوجه بها رسالته
للطفل مثله مثل باقى وسائل الإعلام.
3-معظم المواقع المخصصة للأطفال منشأة داخل المواقع المجانية التى
تسمح بإعطاء مساحة مجانية للمستخدم يكتب فيها ما يريد مما يدل على عدم وجود
شكل تنظيمى مؤسسى أو منهجى لعمل مثل هذه المواقع
4-أصبح وجود باب للطفل داخل أى موقع كبير أو ضخم جزء مكمل للموقع
دون الاهتمام بما يقدم داخل هذا القسم.
5-معظم مواقع الأطفال على الإنترنت لا يتم تجديدها إلا بعد فترات
طويلة جداً قد تصل إلى سنة أو أكثر وقد لا يتجدد الموقع أصلا ويظل على ما
هو عليه منذ نشأته
6-بعض المواقع تقوم بعمل نسخة إنجليزية بالإضافة للنسخة العربية فهل
هذا مطلوب وهل رسالته موجهة للأطفال فى الدول الغربية وأمريكا مثلا، أم أن
الموقع موجه للطفل العربى وهل الأطفال فى هذه الدول فى حاجة إلى هذه
المواقع العربية وهل هم على علم بها أصلاً.. واعتقد أن النسخة الإنجليزية
تم تنفيذها كشكل مكمل للموقع دون الاهتمام بما ذكرنا.
وفيما يلى نعرض لبعض هذه النماذج:
أولاً: موقع لميس:
www.almes.8m.com
وهو موقع شخصى يتم عرضه من خلال موقع آخر إعلانى يعطى مساحة مجانية،
والموقع سعودى وبه مناظر طبيعية عديدة لمناطق متعددة من المملكة العربية
السعودية وهى جميلة ولكن لا داع لها، وتحت عنوان نادى أصدقاء لميس تم نشر
بعض الصور لأصدقاء لميس، بالإضافة إلى بعض القصص والأناشيد وبعض الألعاب
وضعت بشكل عشوائى والأناشيد تحتاج إلى برنامج لتشغيل الأغانى ليتم تنزيلها
على الجهاز وتعمل.
ثانياً: موقع فناتير- التعليم الذكى
www.Fananteer.com
والموقع ربحى يركز على الألعاب وترويجها وبيعها وكان يمكن أن يقوم
بهذا الدور بجانب أدوار أخرى مثل التعليم وتنمية المهارات وغيرها لكى
يستفيد الطفل من الموقع ولا يدخل لمجرد شراء لعبة غالبا ما سيذهب مع والده
لمشاهدة الألعاب فى محل الألعاب ويختار بنفسه دون الحاجة إلى مشاهدة صور
فقط لهذه الألعاب.
ثالثا: فراس
www.ferastoon.com
وهو موقع لمجلة سعودية موجودة فى الأسواق والموقع نقل حرفى للمجلة
ما عدا استبيان للأطفال عن التعاطف مع أطفال فلسطين، وحتى القصص الموجودة
بالموقع تم نقلها من المجلة عن طريق إسكانها بالإسكانر مما يجعل تحميلها
بطئ من ناحية وتظل كتابات القصة صغيرة على نظر الطفل من ناحية أخرى، وهو شئ
متكرر مع معظم أبواب المجلة.
رابعاً: باب-الأطفال
www.bab.com
وباب هو موقع عربى ضخم به قسم خاص للأطفال ويضم بعض القصص ونماذج من
عجائب الدنيا وعجائب المخلوقات ونوادر وضحكات ونصائح للأطفال وأشهر
الاختراعات وألغاز للأطفال. وفى رأيى أن المادة المعروضة لا بأس بها ولكنها
أيضا غير محددة للفئة العمرية الموجهة لها، وأيضا المادة لا تجدد، وكان
يمكن للموقع عمل موقع مستقل للأطفال ويمكن للأطفال الدخول إليه مباشرة.
خامساً: موقع الطفل تركى:
www.torki.8m.com
وهذا الموقع أيضا استغل موقع إعلانى يعطى مساحة مجانية، والموقع
بصفة عامة لا يعد موقع للأطفال وكل ما هناك أن صاحب الموقع اسماه باسم
الطفل تركى بن عيسى ووضع صورته كأرضية للموقع ولكنه يعرض لقائمة من المواقع
المختلفة ومنها مواقع أطفال.
سادساً: ماجد:
www.emi.ae/home/press/majed.html
وهو موقع مجلة ماجد الإماراتية للأطفال ولكن الموقع ليس مخصص للمجلة
وإنما لجريدة الاتحاد ولمجلة زهرة الخليج ولمجلة ماجد وكل هذا يقع داخل
موقع الإمارات للإعلام، والموقع عبارة عن بعض المعلومات عن مجلة ماجد
وتعريف بها وبالعاملين بها والاشتراكات ولم ينقل حتى صفحات المجلة كما فعلت
مجلة "فراس"
سابعاً: مجلة الأطفال:
www.atfal.itgo.com
وهو موقع عبارة عن عدة صفحات شخصية لعدد من الأطفال فصفحة للطفل
فؤاد يضع بها طرائف ومعلومات ولعبة يحبها وفوازير وصور من ابتكاره، وصفحة
لمروة وأخوها هيثم بها قصص ومسابقات ونكت ومعلومات عامة وقرآن وحديث،
وزاوية لزياد وتضم شخصيات مهمة فى التاريخ ومخلوقات وقصة أعجبتنى ومعلومات
عامة وطرائف، وصفحة تحت عنوان "فقاقيع بشر" وتضم صور وضحك ورياضة وألغاز
وإيمانيات وغرائب والصفحة لطفل اسمه "بشر"، وصفحة أخيرة للطفل رهف وتضم
معلومات عامة وطرائف وقصة قصيرة وتصميمات مبتكرة ولعبة، وزاوية عبد الله
وتضم قصص ومعلومات وتعارف ونكت ورسوم جميلة وفنون واختراعات وهمسة وألعاب
وعرض لأسماء لغات العالم، مع زاوية أو صفحة للطفل سياف مجرد لوحة جميلة،
والموقع مزدحم بالأشكال المتحركة مما يساعد على عدم تركيز الطفل الزائر
وتشتيت ذهنه، وكون أن نعطى مساحة لمجموعة من الأطفال على موقع على الإنترنت
فهذا شئ جيد ولكن هل هذا هو المطلوب للأطفال، وهل استغل الأطفال هذه
المساحة بشكل صحيح وبإشراف مسئول أو متخصص.
ثامناً: طفولة:
www.tofoola.com
وهو موقع بسيط وصغير جدا وهذه ليست مشكلة ولكنه يعرض حدوتة غير
مصورة مكتوبة بحروف صغيرة، وعرض أزياء للأولاد والبنات وأشكال متعددة
لديكور حجرة الطفل ثم صفحة للأصدقاء من عالم الكرتون وتضم صور أشهر
الشخصيات الكرتونية وأخيرا غرائب وطرائف وتضم مجموعة من الصور الطريفة.
تاسعاً: موقع سنبل نت للأطفال:
www.geocities.com/nabilbader_2000/kids.html
وقد نلاحظ من عنوان الموقع أنه طويل جدا صعب الحفظ، وأنه أخذ مساحة
مجانية من التى يتيحها موقع ياهو والشهيرة باسم
geocities وينشر بها إعلانات والموقع مقسم إلى أقسام مختلفة الأول رياضيات
ويحتوى على العديد من الألعاب التعليمية الموجهة وبدرجات متفاوتة من
السهولة والصعوية. وقسم آخر بعنوان تراكيب ويحتوى على عدد من الألعاب
التركيبية المختلفة التى تنمى المهارة العقلية وحسن الاستكشاف والصبر، وقسم
ثالث للتلوين ورابع للإثارة وهو عبارة عن العاب للتسالى والتشويق، وقسم
أخير للمقارنات وهى تمارين على قدرة الطفل على التركيز، الموقع به أفكار لا
بأس بها ولكن غير مكتملة ويعيب معظم الأفكار أنها منقولة عن ألعاب أجنبية
والموقع أيضا عشوائى فى عرض الاختبارات للطفل فقد جمع بعض هذه الاختبارات
من بعض الكتب ووضعها فى الموقع دون منهج علمى.
عاشراً: مركز ثقافة الطفل الفلسطينى بمخيم الفوار بالخليل:
www.pccc.port5.com
وهذا الموقع له أهمية خاصة بحكم أنه فلسطينى وبالتأكيد أن كل
الأطفال العرب يحبون أن يتعرفوا على الطفل الفلسطينى ومراسلته ومعرفة
أخباره ونشاطاته والمعاناة التى يعانيها ولكن هذا الموقع مع الأسف لم يقدم
المطلوب منه لأن الموقع عبارة عن عرض لأنشطة المركز ولم يحاول استغلال
التقنية فى تقديم مواد للأطفال تكون جزءاً مكملاً للطفل الفلسطينى وخاصة أن
استغلال النت يمكن أن يغنى مثلاً العديد من الأطفال فى فلسطين على الذهاب
للمركز فى حالة عدم تمكنهم فى ظل الأوضاع المتردية هناك.
حادى عشر: شبكة الأطفال:
www.kidsnetwork.com
وينقسم إلى 5 أقسام رئيسية تعليمى ونادى الأطفال ورسوم متحركة
وإنترنت كرتون وألعاب مع عالم النبات ولحماية الأولاد، والموقع يستخدم
إمكانية برنامج فلاش للعرض بالصوت والصورة وهى من الوسائل التعليمية
الناجحة فى رأيى ونستطيع القول أن هذا الموقع استغل إمكانيات الإنترنت فى
وضع معلومات أو ألعاب يعرضها بشكل شيق للطفل، كما به لقطات كرتون بالفلاش
وبعض القصص بالرسوم المتحركة، وبالموقع نصائح هامة للأولاد عن قواعد الأمان
والوقاية على الإنترنت، والموقع أنشأته شركة إنتاج "العائلة السعيدة" من
دبى والموقع بالعربى وبالإنجليزية، ورغم أن الإنجليزية فى رأيى لا داع لها
إلا أن هذا الموقع يعد من المواقع المهمة للطفل على الإنترنت وأتمنى أن نجد
مواقع أخرى عديدة على هذا المنهج والشكل.
ثانى عشر: مجلة الفاتح
www.al-fateh.net
والموقع عبارة عن نفس المجلة اليمنية المطبوعة ولكن على الإنترنت،
ولكنه أيضا لم يستغل إمكانية الإنترنت بل على العكس فقد تم نقل المادة دون
مراعاة لنوع التقنية الجديدة فمثلاً فى صفحة مهارات يوجد رسم لعدة أشكال
تكون شكل حمار يطلب من الطفل أن يقص هذه الأشكال ويلصقها على ورق كرتون
ليكون الشكل وطبعا هذا مفهوم فى المجلة المطبوعة ولكن كيف سيقوم بهذا من
على شاشة الكمبيوتر
أيضا فى باب ارسم ولون يطلب من الطفل أن ينقل الرسم إلى أحد برامج
الرسم على الكمبيوتر ويلونه أو أن يطبعه ويلونه على الورق مما يصعب الأمر
على الطفل وكان يمكن بكل بساطة أن يتيح إمكانية خاصة بهذه الصفحة ليقم
الطفل بالتلوين مباشرة فالموضوع ليس مجرد نقل لصفحات المجلة فقط
ثالث عشر: موقع محسن لقصص الأطفال:
www.mohsen.sitatnet.com
وهو موقع خاص بالفنان محسن عبد الحفيظ كاتب ورسام قصص الأطفال
والموقع أيضا إعلانى يستغل مساحة مجانية على الإنترنت والموقع يعد عرض
لتجربة شخصية يعرض فيه صاحبه إنتاجه من قصص الأطفال، ولكنه لم يستغل أيضا
الإمكانية المتوفرة لديه فى عرض محتويات جذابة للطفل ولو من إنتاجه أو
رسومه.
رابع عشر: موقع أطفال الخليج:
www.qatar.net.qa
والموقع بسيط ويعرض لمجموعة من قصص المغامرات ونصائح للوالدين
لحماية أبنائهم من مخاطر الإنترنت وحقائق عن منطقة الخليج وألعاب كمبيوتر
مخصصة للأولاد من سن 12 إلى 14 سنة وهو الموقع الوحيد رغم ضآلته الذى خصص
جزء منه وحدد فيه السن الموجهة إليه، وهو يشجع الأطفال على نشر قصصهم على
الموقع وعلى إنشاء صفحات شخصية لهم، والموقع بالعربية والإنجليزية التى لا
داع لها كما ذكرنا سابقاً.
خامس عشر: ركن الأطفال:
www.kids-al-islam.com
الموقع جزء من موقع الإسلام ولكنه خصص عنوان منفصل لموقع الأطفال
ولم يجعل موقع الأطفال مجرد جزء داخلى فى الموقع، ويعرض الموقع افتتاحية
لأقسام الموقع بالصوت ويحتوى على طرائف وكارتون وأناشيد وألعاب وباب للرأى
وكل الأقسام تصب فى شكل إسلامى جميل، ويستخدم الموقع شخصية رئيسية هى الطفل
رشيد فى عرض محتويات الموقع وهو أيضا بطل لقصص الموقع بأنواعها وهى من
المميزات التى تميز الموقع فوجود شخصية يرتبط بها الطفل ويتابعها وتكون
محببة لديه مطلوب ولكن يجب أن يتم تجديد مواد هذا الموقع كل فترة وخاصة قصص
رشيد التى يمكن أن يكون الطفل قد ارتبط بها ويحتاج أن يعرف المزيد عنها.
سادس عشر: شبكة الطفل العربى:
www.arabian-child.net
وهو موقع أنشئ منذ ثلاث سنوات وهو من المواقع الجيدة وبه مجموعة من
الأقسام مثل بنك المعلومات والألعاب وكروت التهنئة ومشاركات الأصدقاء
وألبوم الصور ومن نحن ومسابقات، ورغم أن الموقع جيد إلا أنه ينطبق عليه
الملاحظات العامة وخاصة من تجديد المادة وطريقة توجيه المادة للطفل والسن
الموجه له هذه المادة.
*
شاركت بهذه
الورقة فى ورشة عمل بالمعهد السويدى بالإسكندرية عن الإعلام والشباب فى
الفترة من 25 إلى 27 مايو 2004
حسام عبد القادر:
صحفى بمجلة أكتوبر ورئيس تحرير مجلة أمواج سكندرية على
الإنترنتwww.amwague.com
عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب الإنترنت
www.arab-ewriters.com
hossam@amwague.com
أضيفت في17/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
لمحات في أدب الطفل
بقلم الكاتب:
إبراهيم بن سعد الحقيل
عرفت البشرية منذ وجودها أدب الطفل ـ وإن لم يكن مكتوباً ـ فهو من أنواع
الأدب المختلفة، يعبر عن الأمة: عقيدتها، وهويتها، وآمالها، وأساليب عيشها.
والإسلام ذو عناية بالطفل قبل أن يكون إلى أن يكون، وبعد أن يكون إلى أن
يبلغ مرحلة التكليف، وكانت عناية القرآن الكريم بالطفل ظاهرة، واهتمام
رسولنا الكريم - صلى الله عليه و سلم - به ساطعة.
وسنلقي الضوء في هذه العجالة على الأدب الخاص بالطفل؛ من منظورنا نحن ـ أهل
التوحيد والسنة ـ لا من منظور غيرنا المستعار.
ما أدب الطفل؟
إن أفضل تعريف وأيسره هو: أن كل ما كُتب وصُوِّر وقُرئ ليقرأه ويراه ويسمعه
الطفل فهو أدب للطفل.
ونحن ماذا نريد من أدب الطفل؟ إننا نريد منه أن يحقق لنا عدداً من الأهداف
الكثيرة التي تدخل تحت أربعة أهداف رئيسة هي:
1 - أهداف عقدية.
2 - أهداف تعليمية.
3 - أهداف تربوية.
4 - أهداف ترفيهية.
وذلك التقسيم لكيلا تتداخل الأفكار، وإلا فكل الأهداف تدخل تحت الهدف
العقدي؛ لأننا أمَّةٌ عقيدتنا تشمل جميع شؤون الحياة الكبيرة منها
والصغيرة.
1 - الهدف العقدي:
أهل كُل أمَّة كتبوا أدبهم مستمدين ذلك من عقائدهم، فتجد آثار تلك العقائد
ظاهرة في آدابهم جليَّة، وبما أن ديننا الإسلام خاتم الأديان والمهيمن
عليها وجب علينا أن يكون هذا الأدب معبراً عن تلك الحقيقة، فنجعل عقيدتنا
تصل إلى الأطفال عن طريق الربط بينها وبين جميع حواسهم وملاحظاتهم
ومداركهم؛ لأنه لا خوف من ذلك؛ فعقيدتنا لا تصطدم بشيءٍ من الحقائق
العقلية، فتكون كلمة التوحيد موجودة في ذلك الأدب حتى تنمو معه. ولقد حرص
الإسلام على أن يكون أولَ ما يطرق سمع الصبي الشهادتان، وكان سلفنا أول ما
يحرصون عليه أن يتكلم الطفل بالشهادة، فتنمو معه ويزداد حبُّه لها.
يقول الغزالي: «اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن يقدم إلى
الصبي في أول نشوئه ليحفظه حفظاً لا يزال ينكشف له معناه في كِبَرِه شيئاً
فشيئاً»(1).
لا بد من ترسيخ حب الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعرفة قدرته، وأنه خالق الإنسان
ومسيِّر الكون، وأن المرجع والمآل إليه، فينشأ الطفل غير مشوش التصور
وضعيفه، تهزُّه أول كلمة شك، أو ينساق وراء الجهل، فيقع في الشرك أو البدع
المهلكة.
وما أجمل تلك الأناشيد التي تمجد الخالق وتحث على التدبر في مخلوقاته، أو
تلك القصص والصور التي تزيد الطفل يقيناً بعظمة الخالق وقدرته، فيزداد حباً
لربه ويقيناً بعقيدته التي تدعوه إلى التضحية في سبيل الله كما فعل سلفه
الصالح.
ومن تلك الأهداف العقدية محبة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - والأنبياء
والرسل، وذلك عن طريق السيرة النبوية وقصص الأنبياء المستمدة من القرآن
الكريم والسنة الكريمة لا من الإسرائيليات، فما أروع تلك القصص عندما تكون
تفسيراً مبسطاً لقصص الأنبياء والمرسلين التي وردت في القرآن، فيزداد
ارتباطه بالقرآن، ويعلم علم اليقين أنه المصدر السابق لتلك القصص، وأنه لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيكون ذلك درعاً للدفاع عندما يصل
إليه المشككون، كما يصبح له ذلك طريقاً لتعلم القرآن وقراءته ومحبته
والارتباط به. ومن الأهداف كذلك تحبيب الأطفال بالرسول - صلى الله عليه و
سلم -، ومعرفة حقه، ووجوب طاعته؛ ففي عرض سيرته مجملة أو مقسمة خير مرسخ
لتلك المحبة، والتركيز على صلته بأصحابه وعرض محبتهم له وفدائهم له، وما
أكثر تلك المواقف القصصية في سيرته وسيرهم.
كما تعرض لهم علاقته مع أهل بيته، وليكون الطفل على دراية بدور الأم والأب
والأولاد، فلا يكون ذلك غرضاً يرمى به عند الأقلام المسمومة.
ولا بد في أدب الطفل من استلهام كل أمرٍ عقدي من القرآن الكريم؛ حتى يعرف
الطفل عن طريق تلك الآداب أن القرآن مصدر عقيدته لا يدخله شك ولا شبهة
ليكون ذلك خير دفاع في نفسه في وجه تيارات الكفر والضلال، فينشأ الطفل
قادراً على التكيف لا تتنازعه الأهواء، ويكون أكثر اتزاناً؛ لأن العقيدة
الصحيحـة غُـرسـت في قلبه وفكــره بتمثلهـم لها عـن طـريق تلك الآداب.
يقول الإمام الغزالي: «ويرسل إلى المكتب مبكراً فيتعلم القرآن وأحاديث
الأخيار، وحكايات الأبرار ليُغرَس في نفسه حب الصالحين»(2).
وليس الأمر في ذلك بحشو أدب الطفل بتلك الأسس حشواً، بل تكون أسساً يركز
عليها ذلك الأدب. فقد تكون القصة أو التلوين أو الفيلم أو الأنشودة في
بابها أو تحوي بين ثناياها تلك الأسس لتصل إلى الطفل مقرونة بشيء من
المحسوسات؛ لتكون أسرع رسوخاً في ذهن الطفل، مبسطة حتى يمكن لعقل الصغير
إدراكها، وفي القرآن الكريم أمثال لذلك من ضرب الأمثال على التوحيد، وعظمة
الخالق، وقصص النبيين.
2 - الهدف التعليمي:
لا بد أن يضيف الأدب إلى أهله شيئاً قد يكون مفيداًَ أو ضاراً؛ وأُمَّـةُ
الإسلام يجب أن يضيف أدبها ـ أيًّا كان نوعه ـ ما يفيد سوادها ـ ومن ذلك
أدب الأطفال الذي يجب أن يستغل حب الأطفال للاستطلاع والمعرفة. يقول عبد
الفتاح أبو مِعال(3): «ولما كان الإحساس بالحاجة إلى المعرفة عند الأطفال
جزءاً من تكوينهم الفطري لأن غريزة حب الاستطلاع تنشأ مع الطفل وتنمو معه،
ومحاولة الطفل التعرف على بيئته تعتبر من العوامل الهامة التي إذا عولجت
بحكمة؛ فإن ذلك يؤدي إلى تنمية ما يمكن أن يكون لديه من إمكانات وقدرات».
ومن ذلك أن يكون هذا الأدب يدرب الطفل على قراءة القرآن، وإجادة تلك
القراءة مع فهم مبسط لمعاني ما يقرأ لكي يتذوق القرآن ويفهم ما يقرأ. وفي
القرآن رصيد ضخم للمعارف بأنواعها مما يفتح عقل الطفل ويزيد تعلقه بكتابه؛
ففي بعض سور القرآن كسورة الفيل، والمسد، والشمس، قصص مبسطة وقصيرة تناسب
الأطفال. وكلما تقدم الطفل كان الأدب مراعياً لذلك التقدم، كما يتعلم عن
طريق الأدب ما يُقوّم لسانه من لغته العربية، فيزداد تعلقاً بها ومحبة لها،
مع مراعاة القاموس اللفظي للطفل، ولذلك لا يستطيع كل أديب الكتابة للأطفال.
وليكن الأدب محفزاً الطفل على اكتشاف كل جديد، ومعرفة خفاياه من علوم
دنيوية تحيط به كمكونات جسم الإنسان وآليته، وخلق الحيوانات والأرض
والأفلاك وغيرها، ليعرف إبداع الخالق وعظمته مع ربط ذلك بالقرآن الكريم
الذي يحوي الكثير منها. كما يعلمه الأدب علوم الإنسان كالتاريخ والجغرافيا
والفيزياء والحاسب الآلي والأقمار الصناعية؛ ليشبع في نفسه حب المعرفة
ولتنمية ما لديه من هوايات لتصبح مهارات يتميز بها. قال محمد بريغش: «وأدب
الطفل يعين على اكتشاف الهوايات والحصول على المهارات الجديدة، ويعمل على
تنمية الاهتمامات الشخصية عند الطفل».
ويمكن تشجيعه على استعمال تلك المعارف في حديثه مع غيره، وفي إلقائه
ومخاطبته للجمهور، ولنعلم مدى فائدة تلك الآداب للطفل لننظر إلى الأفلام
المتحركة المدبلجة أو المنتجة؛ فلغتها الفصحى علمت أكثر الأطفال هذه اللغة
المحببة، وأصبح السواد الأعظم من أطفالنا المتابعين لها يعون ويفهمون لغتهم
الفصحى وإن لم يستطيعوا الكلام بها بشكل جيد، وظهر أثر ذلك في كتاباتهم،
فزادت مفردات الفصحى وأساليبها، وأثَّرت في حديثه وكتابته.
3 - أهداف تربوية:
إن التربية التي يتلقاها الطفل عن طريق الأدب ليست بأقل مما يتلقاها في
مدرسته أو على يد والديه أو عن طريق مجتمعه؛ لأن الطفل عندما تكون هذه
التربية بالأدب أياً كان نوعه يقرؤها أو يسمعها أو يراها؛ فإنها ترسخ في
ذهنه؛ فابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عندما أوصاه الرسول - صلى الله عليه و
سلم - بالوصية الجامعة كان غلاماً، ورغم ذلك طبق تلك النصيحة ونقلها إلى
غيره من الناس، وطبعت حياته بطابعها الإيماني.
فالطفل بطبعه ميال إلى تقليد غيره من الكفار بالحسن وبالقبيح؛ فالتربية لا
بد أن تراعي ذلك الجانب؛ فإنه عندما يرى فيلماً أو يقرأ أو يسمع قصة يتمثل
أو يحاول أن يتمثل دور البطل أو الشخصية التي تناسبه فيها، فيحاول قدر
الإمكان تقليدها؛ لذلك وجب علينا أن نستفيد من ذلك وخاصة في الأدب المرئي
للطفل؛ لأنه أســهل طريــق للتربية لا يحتاج إلى كبير جهـد وعناء.
إذن يجب أن يكون هذا الأدب مربياً للطفل على الأخلاق الحسنة الفاضلة متصفاً
بالتوحيد؛ فما أحسن تلك الأفلام المتحركة أو غيرها التي تصور طفلاً ينشأ
على الفطرة الإلهية موحداً متصفاً بأخلاق حسنة وصفات نبيلة يتمثلها الطفل
ويعجب بها أيما إعجاب، وما أكثر ما بلينا بتقليد أطفالنا لكل بطل أجنبي
بسبب قصور أدب الطفل المرئي لدينا، إن لم نقل انعدامه، فجلب لنا جيلاً
منفصلاً عن أمته، بل وعن محيطه الصغير ممن هم أكبر منه سناً، وما أعظم
تأثير قصص أبناء الصحابة والصغار الصالحين؛ لأنه سيتمثل تلك المواقف لتصبح
جزءاً من تكوينه.
لا بد أن تكون الأهداف التربوية في هذا الأدب أهدافاً سامية منتقاة من
تاريخ أمتنا، لا بد أن ننمي فيهم عن طريق أدبهم روح الجهاد وبذل النفس
والمال في سبيل ديننا؛ لأن التربية الأنانية وحب الذات قادنا لنكون أمة
كغثاء السيل الذي أخبرنا به النبي - صلى الله عليه و سلم -، كما ننمي فيهم
روح المبادرة والقيام بالأعمال المفيدة، بل أن ننمي فيهم انتظار المعجزات
التي لن تكون، ونربي بهذا الأدب الاعتماد على القرآن والسنة لتصديق أمر ما
بدلاً من تحكيم غيرنا الذي قادنا لنؤمن بالخرافات والخزعبلات، فانتشر كثير
من المسلمين بين القبور والقباب، وضاعت هممهم بين الأناشيد والأذكار
الصوفية، ونجعل هذا الأدب يطبعهم بطابع العزة والأنفة وعدم الانحناء أمام
ملذات الدنيا، ويصور لهم أن الحياة خير وشر وسعادة وعناء، حتى نبعدهم عن
اليأس والضغوط والتشاؤم، ولا زلنا نتذكر تلك القصص المفزعة عن السحالي
والوحوش والعفاريت التي جبلتنا على الخوف والرهبة من كل شيء، فلا بد أن
يكون هذا الأدب منمياً لأطفالنا على حب الجهاد وعدم الخوف؛ لأن تلك التربية
قادت المسلمين لأن يكونوا أيتاماً على مأدبة اللئام.
4 - الهدف الترفيهي:
لا بد أن يكون هذا الهدف داخلاً في الأهداف السابقة؛ لأن الطفل يحب التسلية
والترفيه ويمل من الجد؛ فعندما نقدم له العقيدة والتعليم والتربية عن طريق
الترفيه فلا بد أنه سيُقبل عليها وتنغرس في ذهنه أكثر مما لو كانت خالية من
التسلية والترفيه. ولا أدل على ذلك من تعلق التلاميذ بالأفلام المتحركة،
رغم أهميتها في التعليم والتربية إلا أننا نجعلها للترفيه. قال عبد الفتاح
أبو مِعال: «والفيلم المصور المسجل بالصوت والمصاحب للحركة يساعد الأطفال
على إيصال المادة التعليمية إلى جميع فئات الأطفال؛ فهذه العناصر: الصوت
والصورة والحركة، تقوي سرعة البديهة والذاكرة، وتغرز القدرة على الفهم
والحفظ»(4).
لكن طلب تلك التسلية والترفيه للطفل لا يصرف هذا الأدب إليه خاصة بدون نظر
إلى الأهداف السابقة؛ لأنها المهمة وهو الوسيلة، لننظر إلى واقعنا حينما
صرفنا أطفالنا نحو التسلية؛ فكثير من آداب الطفل نقصد بها التسلية والترفيه
لكنها غرست في نفوسهم ما يصادم الدين والأخلاق؛ لأنه لا يوجد أدب ترفيهي
منعزل عن الأهداف الأخرى؛ فالطفل عندما يلون قصة أو يشاهد فيلماً أو يقرأ
فإنه يستمتع بذلك ويتسلى به، ولكنه يكتسب من تلك التسلية قيماً ومفاهيم إن
صيغت بما نريد أفادت، وإن صاغها غيرنا قد تفيد ولكنها تضر أيضاً، فهي
كالخمر والميسر حينما قال عنهما الله ـ تعالى ـ: {وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ
مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
واقع أدب الطفل:
هل حققنا هذه الأهداف؟ لا شك أننا لم نحقق للطفل تلك الأهداف ما عدا هدفاً
واحداً هو الهدف الترفيهي. لماذا؟ لأنه هدف لا يحتاج إلى عمل وعناء وفكر
كبير، نقوم بحشو الخيال الكاذب في قصة أو خلافها ثم نعطيه الطفل رغم
خطورته. يقول باحث(5) : «هناك فارق بين الخيال من جانب، وبين الكذب وعدم
الصدق من جانب؛ فالأطفال يحبون سماع الحكايات التي يعتقدون أنها ممكنة
الحدوث وهم لا يرفضون الأحداث الخارقة».
أو نقوم باستيراد ما يطرح لنا من مزابل الأمم الأخرى النصرانية (أمريكا)
والوثنية (اليابان) وغيرهما ونسرع به إلى أطفالنا؛ فنحن نقصد به الترفيه،
وغيرنا له أهداف أخرى يغرسها فيه.
يقول حازم العظم: «إن معظم ما تنشره دور النشر للأطفال مترجم أو مؤلف بغير
خبرة كافية؛ فالأدب الخاص قليل ويمر بأزمة وجود، وهذه الأزمة أتاحت لبعض
الناشرين في غيبة الرقابة والنقد: البحث عن مجلات وكتب الأطفال الرائجة
[أقول والأفلام المتحركة ولعب الكمبيوتر] فقدموها لأطفالنا مترجمة بالصور
نفسها بغير تمحيص، مع أنها تحوي قيماً تربوية غير ملائمة لعقيدتنا وقيمنا
الروحية، أو مرفوضة حتى في البلاد التي تصدر عنها»(6).
ويقول عبد التواب يوسف: «والأطفال لدينا اليوم ضاقوا بسذاجة الكتب التي
تسمى: (كتب الأطفال)، وضاقوا ببساط الريح وسندريلا وغيرها»(7).
بل بُلينا بمن يكتب قصصاً للأطفال تهدي إلى الخوف والجبن بدل أن تهدي إلى
الشجاعة والجهاد، وتدعو إلى الركون إلى الحظ كقصص السحرة والشياطين
والعفاريت.
يقول الدكتور محمد شاكر سعيد: «إن كثيراً مما كتب للأطفال في واقعه ليس
صالحاً للأطفال لتجاوزه مستويات الأطفال، أو لتجاوزه الجانب التربوي
المناسب للأطفال، أو لعدم تضمنه قيماً أخلاقية تسهم في تربية الأطفال
وتنشئتهم»(8).
ولاحظ حازم النعيمي في تحليله لقصص مجلة عربية للأطفال فقال: «إن كثيراً من
هذه القصص يسيطر عليها اتجاه ينقص دور المرأة في مجتمعنا العربي، كما أن
الأفكار الواردة فيها تعبر عن تبني مفاهيم خاطئة عن قدرات المرأة ووظيفتها
الاجتماعية وسماتها الشخصية وسلوكها»(9).
وأدب الطفل مجال واسع لنشر التبعية الثقافية والإعلامية؛ إذ يستخدمه
الاستعمار لغزوه الثقافي والإعلامي، ويتلقى الطفل المنتوجات الأدبية
والفنية الغزيرة في شتى الفنون والوسائط بقصد التأثير على تكوين الناشئة،
والترويج للنمط الثقافي التابع.
لذلك أفرز لدينا مفاهيم خاطئة أنتجت انفصالاً بين الطفل وعقيدته ومجتمعه؛
لأنه يرى ما يصادم ما يقال له وفي النهاية يكون عقل الطفل مجالاً للصراع.
كما يركز كثير من كتاب الأطفال على النزعة الفردية التي تسير الحدث دون ذكر
للمجتمع المحيط بالبطل؛ مما يجعل الطفل معتزاً بذاته ميالاً للانفراد برأيه
مهملاً آراء الآخرين. وكما أن الكتابة موهبة فهي أوضح في الكتابة للصغار؛
لأنك تتعامل مع مصدق لما يراه أو يسمعه أو يقرؤه، ولقد بُلي المسلمون بحفنة
من الجشعين الذين لا يحتسبون لله شيئاً مما يعملون، فلم يشجعوا أصحاب
المواهب في الكتابة للأطفال، ولم يسمحوا لهم بالنزول إلى الميدان؛ مما جعل
الكتاب المتخصصين نادري الوجود. ولكننا نلحظ منذ عقد من الزمن أن جيل
الشباب المسلم بدأ بنشر ما كتبه المتخصصون قبل ردح من الزمن وبنشر الجديد
مما كان له أطيب الأثر؛ حيث يجد الأب المسلم ما يطلب في كثير من الأحيان
لأطفاله، ولا بد أن نعي أننا نصارع عدواً شرساً له باع طويل في التعامل مع
أدب الطفل إن لم نشمر ساعد الجد لم نلحق به، ناهيك عن أن نسبقه.
والله ولي التوفيق.
(1) إحياء علوم الدين، ج 1، ص 94.
(2) المصدر السابق، ج 3، ص 57.
(3) مجلة التوثيق التربوي، وزارة المعارف السعودية، عدد 36،
ص 86.
(4) المصدر السابق، ص 85.
(5) هو عبد التواب يوسف من أوائل المبرزين في الكتابة
للطفل، نقلاً عن أدب الطفل في ضوء الإسلام، لنجيب الكيلاني، ص 166.
(6) الكتابة للأطفال، للدكتور محمد شاكر سعيد، ص 12.
(7) أدب الطفل في ضوء الإسلام، نجيب الكيلاني، ص 165.
(8) المصدر السابق، ص 38.
(9) المصدر السابق، ص 39.
أضيفت في17/02/2006/ * خاص
القصة السورية / المصدر: مجلة البيان
(للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
متى نصنع أدباً يحبه الأطفال؟
بقلم الكاتبة:
بسمة الخطيب
إن أي ذكر لواقع الثقافة العربية وأي خوض في معالجة وتحليل أزماتها
المتراكمة والمتضخّمة، يعيدنا الى نقطة البداية والمركز الرئيس الذي تتمحور
حوله هذه الثقافة، ألا وهو “ثقافة الطفل العربي”.
في كل مكان حولنا وفي كل ميدان من ميادين الثقافة والفنون نسمع
النحيب والعويل وزفرات الاستسلام. (شعب لا يقرأ. لا ينتج. لا يتعلّم من
دروس الماضي. لا يهتمّ لاستحقاقات المستقبل...).
هذا واقع عربي تهيّأت مناخات الاحباطات السياسية والانكسارات
الرؤيوية وعوامل إثنية وتيارات العولمة الجارفة لترسيخه. هذا عالم عربي من
أقصاه إلى أدناه لا ينتج سنوياً ما تنتجه دولة أوروبية شهرياً من كتب
ودوريات. وهذه أرض عربية لا تتفوّق في شيء سوى خصوبة الانجاب. فماذا تقدّم
لمن تنجبهم؟ ولأي غد تحضّرهم؟ وأية ثقافة تلقّنهم علماً وسلوكاً وفكراً؟
أسئلة تحيلنا إلى مضمار ثقافة الطفل وتحديداً الى أدب الأطفال. ماذا
تنتج دور النشر (اللبنانية نموذجاً) وماذا تقدّم للقارئ اللبناني الصغير؟
ما واقع القراءة في صفوف الأجيال الناشئة؟
كغيره من ألوان الآداب، تأخّرت ولادة أدب الأطفال العربي عن تاريخ
ولادة هذا الأدب عالمياً. فإذا كانت بداية ظهور أدب الأطفال العالمي كفنّ
مستقلّ ومكتوب تعود، إلى العام 1697 مع ظهور كتاب “حكايات أمي الأوزة”،
للأديب الفرنسي شارل بيرو، فقد لزم العرب قرنان من الزمن، بعد هذا التاريخ
ليؤسسوا “أدب الطفل العربي” وذلك عبر الترجمة والاقتباس عن سلفه العالمي
والأوروبي تحديداً. أول المترجمين كان رفاعة رافع الطهطاوي أواخر القرن
التاسع عشر، وأبرزهم أحمد شوقي في “شوقياته الصغيرة” المتأثّرة ب”خرافات”
الشاعر الفرنسي لافونتين. ثم ظهر كامل كيلاني (19591897) الذي يعتبر الرائد
الحقيقي، بل الأب الشرعي لأدب الأطفال العربي، والذي نشر منذ عام 1927 وحتى
وفاته حوالى 200كتاب، مستمدّاً معظم موضوعاته من التراث العربي والعالمي.
كذلك تأخر أدب الأطفال العربي في مواكبة تطوّر الأدب العالمي، وبقي
يعاني من مشاكل حالت دون وصوله إلى الأطفال وترحيبهم به، ودون قيامه
بمهامه.
تميّز هذا الأدب خلال النصف الثاني من القرن العشرين برداءة الإخراج
الفني من حيث قلّة جودة الطباعة وعدم توفّر الرسومات الملوّنة الجميلة
والأغلفة السميكة، واستخدام الورق الرقيق غير المقوّى. كما بقي أسير أسلوب
الوعظ والتعليم، واللغة العربية الجامدة والصعبة، وكثرة الوصف والعبارات
الإنشائية المطوّلة، وعدم مراعاة الفروقات الفردية بين الأطفال من فئات
عمرية متباينة...
جميع هذه المشاكل وغيرها دفعت الأطفال إلى النفور من القراءة وصرفت
أهلهم عن شراء الكتب، مما سبّب انتكاسة لدور النشر، ودفعها لدراسة هذه
الظاهرة ومعالجة ما يمكن معالجته.
بعد محاولات فردية ومساعدات محدودة من بعض الوزارات الثقافية
العربية (الخليجية تحديداً) بدأ المشهد بالتغيّر. اليوم يمكننا تحديد بعض
دور النشر العربية التي تعمل بجدّية بالتعاون مع فريق من الخبراء
والاختصاصيين للنهوض بهذا القطاع الثقافي الأدبي المهمّ. صحيح أنها لا تكاد
تحصى على أصابع اليدين لكن هذا أفضل من غيابها التام.
المشروع في أكمله ما زال في طور التبلور، لكن نموّه البطيء يثير
القلق، ويدعو الى تسليط الضوء على المشاكل التي تعترضه، وحثّ المجتمع
المدني والرسمي لمؤازرته.
مشروع خيري
عمدت بعض دور النشر العريقة والكبيرة إلى استحداث فروع خاصة بالنشر
للصغار فكانت “دار أصالة” المتفرّعة من “دار النهضة” عام 1999، و”دار
الآداب للصغار” 2003 المتفرّعة من “دار الآداب” وغيرها. عن التجربة الأحدث
لدار الآداب حدّثتنا مديرة الدار السيدة رنا ادريس: “هناك سببان أو خطّان
دفعا “دار الآداب” لإستحداث “دار الآداب للصغار”، أولاً لاحظنا أن نسبة
القراءة تتدنّى بشكل كبير، وتحديداً بين من هم بين 17 و23 سنة، أي المرحلة
العمرية التي يعوّل عليها لقراءة الروايات التي تصدرها دار الآداب. بحثنا
عن الأسباب، فكانت أمامنا معطيات كثيرة منها “قلّة القراءة” كظاهرة عالمية
مرتبطة بالتكنولوجيا وعصر المرئي والمسموع... لكن هناك سبباً آخر لمسناه،
وهو أن هؤلاء الراشدين أمضوا فترة مهمّة من عمرهم من دون قراءة أعمال
عربية. فالانتاج الموجّه للصغار والمراهقين باللغة العربية سيئ بمعظمه،
اخراجه رديء قصصه مباشرة وتعليمية جافّة، الورق خفيف لتوفير الكلفة... لذلك
انصرف الصغار عن القراءة، وعندما كبروا كانت عادة القراءة عندهم غير
متأصّلة. لذلك شعرت “دار الآداب” أن مهمّتها تشجيع القراءة في مرحلة مبكرة،
تحديداً عندما صدرت دراسة لليونيسكو تحدّد أن من يقرأ الكتب العربية في
العالم العربي هو بين 40 و50 سنة.
السبب الثاني كان رغبة سماح ادريس الشخصية، كلغوي وأب تمتنع بناته
عن قراءة الكتب العربية، بعد عدد من القراءات غير الممتعة التي قمن بها.
لذلك كتب سماح لبناته وأصدقائهن، وعرض عليهم القصص مستعيناً بملاحظاتهم،
مستبدلاً بعض الكلمات بكلمات من اختيارهم يجدونها أقرب اليهم. وكان هدفه
الأساسي تبسيط اللغة العربية وتطويعها، ففي النهاية أن يقرأ الطفل لغة
عربية مبسّطة خير من ألا يقرأ أبداً”.
أما عن تجربة “دار النهضة” فتقول السيدة شيرين كريدية المسؤولة عن
“دار أصالة”: “لمست دار النهضة فراغاً في الكتب العربية الموجّهة للأطفال،
وبعد انجاز تخصّصي بأدب الأطفال في بريطانيا، وبما أن مهنة النشر متجذّرة
في عائلتي، فقد أشرفت على تأسيس دار “أصالة” عام 99. خلال خمس سنوات لمسنا
صعوبة تسويق وتصريف كتب الأطفال العربية، الأهل يفضّلون دفع المال لشراء
كتب أجنبية، فهم يشعرون أنها أفضل، يساعدهم في هذا عدم وجود أعداد كبيرة
ومتنوعة من الكتب العربية، نحن بحاجة الى جهد ووقت كي نغيّر هذه النظرة في
التعامل مع الكتاب العربي. الكتب الموجودة في السوق المتوجّهة الى الطفل
فوق الخمس سنوات تكون غالباً جافّة، صعبة اللغة، تنفّر الطفل من القراءة،
لذلك حاولنا في “أصالة” أن نبدأ مع الصغار جداً، من هم دون 5 سنوات،
ونقرّبهم الى الكتب والمطالعة واللغة العربية.
في معرض بيروت 2003 للكتاب كانت سلسلة “حكايات ولد من بيروت” لدار
الآداب للصغار الأكثر مبيعاً من فئة كتب الصغار. مما يعني نجاح التجربة
فماذا عن المستقبل؟ تجيب ادريس: “حالياً نحضّر للمعرض القادم روايات صغيرة
للمراهقين، بين 9 و13، سنة نحاول من خلالها طرح مواضيع حسّاسة وجريئة، حول
مشاكل المراهقين، منها ما يندرج تحت خانة “المسكوت عنه” في المجتمع العربي.
كما فتحت الدار باب استقبال المخطوطات في مجال الكتابة للصغار والمراهقين،
لكن للأسف ما يصلنا قليل، ودون المستوى المطلوب ابداعياً. الانتاج مكبوت
ومقيّد بمعايير بالية. يخاف الكتّاب من التطرق الى مواضيع جريئة. هذه
التجربة هي أشبه بمشروع شبه خيري، إذ لن تتبناه مؤسسات تربوية، لذلك فهو
خاسر مادياً ولا يشجّع الكتّاب على الخوض فيه. لكن ليس أمام دار الآداب سوى
الاستمرار في هذه المغامرة، يساعدنا في ذلك تاريخنا وثقة القارئ فينا. نريد
كتابة جديدة، حيّة، طريفة، تفتّح آفاق الخيال، تبتعد عن التدريس والتلقين”.
كذلك تستمرّ دار أصالة في تجربتها مصمّمة على أهدافها، في طليعتها
تقديم القراءة كمتعة، واعتماد لغة وسطى بين العاميّة والفصحى. الحفاظ على
شخصيّة الكِتاب الخاصة، أن تكون له روحه وشكله وأوراقه واخراجه المتميز.
تشرح كريدية: “نحن ضدّ أن تكون الكتب جميعها بالشكل نفسه والحجم نفسه،
النصّ يلعب دوراً كذلك عمر القارئ. الولد يملّ من الخطّ الواحد واللون
الواحد”.
لكن هذه ليست حال “دار الزاوية” للأطفال التي تأسست منذ سنتين،
وتحوّلت اليوم عن هدفها الأول لتصير “محترف الزاوية”. مؤسسة الدار الفنانة
التشكيلية نجاح طاهر روت لنا سبب هذا التغيير أو التراجع: “بدأت “دار
الزاوية” بحلم كبير هو انتاج نوعية جديدة ومميزة من كتب الأطفال. الخطوة
الأولى كانت تجميع الموجود في السوق لدراسته. هنا كانت الصدمة وربما
الإحباط. وجدنا نقصاً فظيعاً في سوق كتب الأطفال. الكتب الموجودة تعاني من
مشاكل كبيرة فهي إما سطحية أو وعظية او تجارية أو تقلّد كتباً أجنبية، أو
ثقيلة وغليظة، تتوجّه الى الطفل كونه تلميذاً، وبحاجة الى الشرح
والتلقين... بينما الطفل أذكى بكثير ومنفتح العقل وواسع الخيال، يحب اللعب
والاكتشاف وتشغيل خياله. وجدنا أن هذه الكتب الرديئة بمعظمها قد أثّرت على
الذوق العام، وطبعته بطابعها، ومن الصعب اختراقها وتغييرها. لذلك صرفنا
النظر عن المشروع، وتحولت الدار الى محترف فني، هدفه اخراج وتنفيذ كتب فنية
للكبار والصغار. لكن يبقى العمل للصغار أصعب وأدقّ لأنهم أذكى. عوضاً عن
كلفته العالية”.
الجمال قيمة
في عصر المرئي والمسموع الذي يجتذب الطفال، لم يعد منطقياً أن يبقى
الكتاب في قالبه الجامد والباهت. لذلك تعوّل دور النشر الجادّة على إغراء
الطفل القارئ بصرياً وحسيّاً وذلك عبر إيلاء الاخراج الفني والرسوم وحتى
اللغة والدراما والموسيقى اللغوية اهتماماً بارزاً. هذا ما نلاحظه في
انتاجات “دار الحدائق” التي تعتبر الأنشط بين دور نشر الأطفال في لبنان
وأكثرهم انتاجاً. عن آلية العمل والمعايير التي تراعى في انتاج كتب الأطفال
تخبرنا السيدة نبيهة محيدلي، مديرة الدار، التالي: “يتمّ اختيار الموضوعات
التي تهمّ الأطفال حسب مراحل أعمارهم المختلفة، بشكل يلبّي حاجتهم للمعرفة
والتسلية. نعتمد أيضاً على جمال الشخصية والدراما الممتعة التي تقدّم من
خلالها، والقدرة على إقناع الطفل وعدم الاستخفاف بعقله والاستعلاء عليه.
كما يهمّنا إظهار أن الأبطال يخطئون ويتحدّثون عن أخطائهم ويواجهونها. هذا
من حيث المضمون، أما شكلياً فيبقى للاخراج الفني والرسم نصيب كبير من
اهتمامنا. الجمال هنا قيمة كبيرة يجب أن يعيها الطفل منذ بداية وعيه. نحاول
قدر الامكان مراعاة روح العصر والتقيّد بالمقاييس الفنية العالمية”.
بعد أن خاضت “مؤسسة تالة للوسائل التربوية” سنوات في إنتاج هذه
الوسائل العربية، من دمى وألعاب وموسيقى وأغاني وملصقات وألعاب بازل...
منطلقةً من الثقافة العربية للتعريف بالواقع والتراث العربيين، عبر تقنيات
متقدّمة تنمّي هوية الطفل ومهاراته، وبعد أن نالت جوائز من اليونيسكو
ومعارض الكتب العربية، رأت المؤسسة ضرورة إصدار كتب للأطفال وفق المراحل
العمرية المختلفة. فقدّمت ثلاث سلاسل هي “كتابي أنا”، “صديقان”، “حنين”. عن
أهدافها تقول مديرة المؤسسة ومؤلفة النصوص د. نجلاء نصير بشور: “اخترنا
فيها مواضيع تهمّ الأطفال من بيئتهم، تتحدّى عقولهم وتدفعهم الى الاستنتاج،
فأنا ضدّ الكتابة البسيطة واللغة السهلة جداً، هذا استخفاف بالطفل. المدرسة
وبعض المدرسّين يقمعون قدرة الأطفال ورغبتهم في التحليل والاستنتاج.
الانتاج للأطفال مكلف، من ناحية الاخراج وتغليف الورق بالسوليفان... كذلك
تعمّدنا في سلسلة “صديقان” تكليف كبار الرسامين اللبنانيين بالرسم، أمين
الباشا وفاطمة الحاج ونجاح طاهر، لنثبت أن هذا العمل ليس دون غيره من
الأعمال الابداعية وأن الرسوم لا بدّ أن تكون ذات قيمة فنية عالية”.
تحديات وضغوطات
في المقابل ثمة مشاكل وضغوطات تتعرّض لها “دار الحدائق” وهي، كما
تراها محيدلي، التالية: “تعاني دور النشر عادة من الهمّ الاقتصادي، تشكّل
المدارس سوق كتاب الطفل الأساسي. يقع البعض في مطبّ إرضاء المدارس. افتعال
الكتابة لأهداف تعليمية فقط يعطي نصوصاً جامدة لا متعة فيها، وهذا نرفضه،
محاولين إيجاد القاسم المشترك بيننا وبين المدارس... نحن نؤمن أن الكاتب
الموهوب لا ينطلق من حسّ وظيفي بل إبداعي، فنعمل على أن ننتقي النصوص
الجميلة، بعيداً عن أي محور مدرسي، على أن نقوم بتصنيفها وفق المراحل
العمرية قبل عرضها على المدارس. الافتعال لا يخدم الطفل بل ينفّره من
القراءة. لذلك علينا فتح أبواب المطالعة الحرة أمامه، التي يستيطع من
خلالها التنفّس والانطلاق. كما نلمس منافسة الاصدارات الرخيصة المستنسخة عن
شخصيّات الكرتون التلفزيونية أو التي تعتمد الصخب والضجيج. ان التزامنا
بمعايير الجودة يقلّل من فرص الوصول الى عدد أكبر من الناس، وهذا يعود الى
كلفة الكتاب الجيّد (لا تصل الى ربع كلفة الكتاب الأجنبي) التي يتعذّر على
الطبقات الشعبية دفعها. هنا يبرز دور المؤسسات الرسمية ووزارات الثقافة
تحديدا”.
عن الصعوبات تقول بشّور: “نعاني من مشكلة جوهرية وهي أن الشعب
العربي ليس قارئاً. وبالتالي الأطفال العرب ليسوا قراءً. الاهتمام بالكتاب
ضئيل. القراءة محصورة في هامش التدريس والواجب المدرسي. حتى فروض العطلة
الصيفية تنفّر الطفل لأنها “فروض” أولاً وأخيراً، والتناقض فيها قائم على
الجمع بين “العطلة” و”الفرض”. لا يستقبل الطفل القراءة والمطالعة بسعادة.
بل يجبر عليهما. كما أنه لا يوجد دراسات تقيّم ما يقدّم للأطفال. تلعب
العلاقات الشخصية دوراً في تسويق الكتاب بغضّ النظر عن مستواه ونوعيته.
عندما نزور معارض الكتب الغربية وحتى الشرقية (الشرق الأقصى) تصدمنا
الوقائع وتكاد تصيبنا بالإحباط. في بلد كالدنمارك مساحته 43 ألف كيلومتر
مربع تنفد 125 ألف نسخة من كتاب واحد للأطفال في شهر ونصف! في الخارج هناك
منافسة لجذب الطفل وليس لجذب جيوب أهله أو مدرسته. الطفل على مستوى من
الوعي يسمح له بفرض الكتاب الذي يريده، وبما أنهم لا يستطيعون خداع الطفل
فلا بدّ من نوعية متفوّقة”.
نبقى مع المعيقات الكثيرة التي تعترض طريق نهضة أدب الطفل العربي،
والتي تقول عنها طاهر بعد خبرة سنوات في التعامل مع “دار الفتى العربي”:
“لو قارنا بين إصدارات دار الفتى العربي وإصدارات اليوم نجد أننا نسير الى
الوراء وليس الى الأمام. منذ عقود كان المستوى أفضل برغم التقنيات
المتواضعة. نعاني من ندرة المتخصصين في هذا المجال، علماً أن الرسامين أكثر
عدداّ ومنهم الجيّدون والممتازون، لكن المشكلة هي في الكتّاب وما يقدّمونه
من مواد. مشكلة الكتّاب تندرج في خانة مشكلتنا كأمة عربية في التفكير
والابداع. فنحن نخاف من “المزاح” واللعب، ونفكّر أن فيهما إسفاف وتفاهة،
كما نخاف من الجديد ونفضّل التقليد”.
أسبوع المطالعة اللبناني
تنظّم الهيئة اللبنانية لكتب الأولاد، وهي أحد فروع الهيئة العالمية
لكتب الأولاد في بازل سويسرا، ولها فروع في 65 دولة، تنظّم سنوياً أسبوعاً
للمطالعة. المسؤولة عن تنظيم الأسبوع الدكتورة يولندا أبو النصر حدّثتنا عن
تجربة الهيئة الميدانية: “بدأت الجمعية في الحرب واستمرّت. في الملجأ كنت
أقرأ للأطفال فتمتصّ القراءة خوفهم. هذا لفت نظر الهيئة العالمية لكتب
الأطفال. توسّع نشاطنا بعد الحرب. أجريتُ بحثاً عن الكتب العربية الموجودة
في متناول الطفل اللبناني، وجدت أنها تعاني من نواقص عديدة، وتقع في
محظورات، منها الأسلوب المباشر في الوعظ والتدريس وعدم الاهتمام بالجوانب
الفنية واللغة الصعبة والمعقدة... من بين 1800 كتاب اصطفينا 75 كتاباً
جيداً. صارت النوعية بعد ذلك تتحسّن. اللافت هنا أن ليس كل كاتب، مهما كان
ذا شأن، يستطيع الكتابة للطفل. الاختصاص نادر”.
هدف الجمعية ترسيخ عادة القراءة لدى الأطفال اللبنانيين وتحفيزهم
بوسائل مختلفة، عبر المسابقات والنشاطات الترفيهية والفنية من مسرح دمى
وأسابيع المطالعة والمكتبة المتنقّلة... أما الهدف الأبعد فهو أن يكون في
كل حيّ مكتبة عامة وفي كل شارع...
تعترض أبو النصر على ما يُتّهم به الأطفال بأنهم لا يقرأون، وترمي
اللوم على ما يقدّم لهم من كتب للقراءة. “علينا اعطاءهم الكتاب الجيّد
ومنحهم الوقت ليطالعوا. المدرسة تعتمد الحشو والتكثيف والأهل يعتبرون
المدرسة هي الأهمّ، وكتب المطالعة من الكماليات. المدرسون يصرفون سنوات في
تكبّد عناء تعليم الطفل كيف يقرأ، وفي النهاية، بعد أن يتعلّم، لا يقرأ.
فلماذا كل هذا العذاب ما دمنا نهمل الهدف الأسمى لسنوات الدراسة هذه؟”،
تتساءل أبو النصر.
المدارس السوق الأولى
تقرّ دور النشر أن سوق تصريف انتاجها الأكبر هو المدارس. تختلف
طريقة التعامل مع هذا الواقع بين دار وأخرى. “دار الكتاب العالمي” تعوّل
على هذه السوق، وتهتم بتقديم احتياجات المدارس التربوية والتعليمية. المدير
المسؤول الأستاذ رفيق الزين يرى أن النشر في لبنان يعاني من أزمة حقيقية،
خصوصاً بعد أن تطوّرت المطابع في الخليج العربي، ولم تعد الأسواق العربية
تعتمد على مطابع بيروت التي كانت عاصمة النشر سابقاً. ويضيف الزين: “نحن
حالياً في طور تقييم تجربة خضناها خلال السنوات الماضية أثبتت فشل الكتب
ذات النوعية العالية فنياً واخراجياً بسبب سعرها المرتفع، وقد ثبت أن الأهل
في لبنان يفضّلون شراء الكتب الأجنبية لأولادهم ظنّاً منهم أنها أرقى. ففي
حال كان هناك كتابان أولهما عربي والثاني انكليزي، ولهما السعر نفسه
والنوعية نفسها يفضّلون الأجنبي. بعد أن اتبعنا استراتيجية خاصة، تقوم على
اعتماد مؤلفين ورسامين من العرب وتقديم كتاب مبتكر وجديد، وبرغم ان هذه
الكتب نالت جوائز الا أنها لم تجذب المشتري. بعكس الكتب غير الملوّنة، التي
بيعت لأن سعرها أقلّ، فالمشتري يبحث عن الأرخص. اضطررنا حينها الى توقيف
انتاج الكتب ذات النوعية العالية الجودة، الى حين”.
ترى أبو النصر أن ثالوثاً يتحكّم في نشر الكتب وتشجيع القراءة وهو
(المدرسة البيت المكتبة العامة). وتعجب كيف أن مدينة وعاصمة كبيروت ليس
فيها سوى مكتبة عامة واحدة هي مكتبة السبيل، وهي تحقّق نجاحاً، وتستقطب
الأطفال، لكن بيروت تستحقّ أكثر، وتستوعب أكثر من مكتبة. “الهيئات الرسمية
مقصّرة جداً في هذا المجال وجميع المحاولات فردية لجمعيات خاصة. المشوار
طويل حتى نصل الى تأصيل عادة القراءة في نفس الطفل لكن جميعنا معنيون.
أفراداً ومؤسسات، رسمية وخاصة. في الهيئة نختار الكتب الجيّدة وننصح بها
المدارس، إضافة الى الاحصاءات التي نجريها في المدارس”.
إحباط وليس يأساً
من خلال تجربتها تؤكّد “دار الحدائق” أن للكتاب الجيّد جمهوره، وهو
يطمح منذ زمن إلى الارتفاع والارتقاء الى مستوى الكتاب الأجنبي، وأن هذا
الجمهور آخذ بالاتسّاع وإن ببطء. أما دار الكتاب العالمي فمتفائلة بمستقبل
كتاب الطفل، المرتبط تحديداً بتطوير نوعيّة الكتّاب المبتكرين. كذلك تقيم
دار أصالة ورش عمل لتطوير هذا الأدب ولا تتردّد في المغامرة في حال اقتنعت
بها.
تدرّس بشّور في الجامعة الأميركية كيفية التعامل مع القصّة وتلاوتها
للطفل، كذلك لديها دراسات حول أدب الأطفال، وهي تخضع كل ما تكتبه لدراسة
ميدانية، وفق ما أكدت، وترى أن نوعاً من الوعي الاجتماعي بدور أدب الأطفال
بدأ يتشكّل.
مؤخّراً قدّم “محترف الزاوية” أول اخراج فني لسلسلة للأطفال هي
“حنين”، انتاج دار “تالة”، تقول عنها مديرة المحترف طاهر: “حاولنا خلال هذه
السلسلة دمج الرسوم مع الصور الوثائقية الى جانب النصّ الذي يحتوي على
الحكاية والمعلومات... هذه الخلطة هي تجربة أولى من نوعها في أدب الأطفال
وما زالت في طور التبلور. تضيف طاهر عن رؤيتها للمستقبل: “أنا محبطة نعم
لكني لست يائسة. أهجس في امر كتاب الطفل وأدب الطفل ولكني أعود لأمنّي نفسي
قائلة اني عملت لمدة 8 سنوات في “دار الفتى العربي” وشاركت في أعمال راقية
للطفل، كان من المفروض أن تتطوّر تجربة هذه الدار لكن للأسف ككل عمل جماعي
ناجح، يتعرّض للانتكاسة عندما يأتي أفراد لتجييره لحسابهم الفردي. ولا ننسى
أن العمل الجماعي العربي لم ينجح يوماً لسبب كامن في النفس العربية
وثقافتها وتربيتها وطريقة عملها”.
أضيفت في17/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر:
جريدة السفير (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أدب الطفل في الخليج وإنسان الزمن الآتي
بقلم الكاتب:
فريد أحمد حسن
"إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا
الآن أدب الطفل شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه ودعمهم".
هذا ما يقوله كل مهتم بأدب الطفل ويقوله كل مقدّر لهذا اللون من الأدب
ويقوله كل ذي عقل ينظر إلى البعيد. إن أدب الطفل في البلاد العربية بشكل
عام لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة. والكثير مما قدم ويقدم
للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة، وهذا يعني أنه بعيد عن أدب الطفل.
هذا ما يقوله الجميع وهو صحيح دونما شك. كما وأن الجميع -من ذوي العلاقة
بالطفل وأدب الطفل- يدركون أن الكثير من السلبيات التي يعاني منها الإنسان
العربي اليوم يمكن لأدب الطفل أن يسهم في تخليص إنسان المستقبل منها. إن
سلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل
والتعلق بالغيبيات وغيرها, يمكن التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم
للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم ويبنيهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً. فدور
أدب الطفل في هذا المجال لا يستهان به.
ترى لماذا نكره زوجة الأب؟ نحن العرب في مختلف البلاد العربية نكره زوجة
الأب ونعتبرها شريرة ولا نأمن جانبها حتى لو كانت طيبة وأثبتت أنها تستحق
الاحترام والمودة، أما لماذا فالسبب واضح ومعروف, وهو أن الحكايات
والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي وسمعناها ونحن صغار كانت تصور لنا
دائماً أن زوجة الأب شريرة, وأنها مهما حصلت من مودة وحنان وكرم فإنها تظل
قاسية على أبناء زوجها وتسعى لأذيتهم والتنكيل بهم. الآن يمكن لأدب الطفل
أن يسهم بفاعلية في تغيير هذه النظرة بإيجاد معايير عملية للحكم على
الأفراد وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم
والتكنولوجيا.
إننا بحاجة ماسة إلى التشجيع على الدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه
بقوة لتأسيس ثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الذي سيجيء،
ثقافة يستخدمها في تعامله مع مختلف المتغيرات. قديماً قال العرب إننا نربي
أبناءنا لزمان غير زماننا، وهذا يعني بكل بساطة أن أدب الطفل -الذي هو جزء
أساسي في عملية التربية- يعني التعامل مع المستقبل ويخطط له، لكن التعامل
مع المستقبل ووضع أسسه ينبغي ألا يعتمد على أفراد قلائل، لذا لا بد من
العمل على خلق قاعدة قوية لهذا الشيء أساسها تكثير وتقوية الأقلام التي
اقتحمت مجال أدب الطفل.
كم كانت فرحتي كبيرة بطفل لا يتعدى الثانية عشر من عمره التقيته في سوق
الملح بصنعاء. سمعني أقول مازحاً لصاحب محل يتاجر في العقيق إنني أريد
خاتماً يجلب الرزق، ففوجئتُ بالطفل يتدخل ويقول بلهجة الواثق ما معناه أن
دع هذه الخرافات جانباً فالرازق هو الله سبحانه وتعالى, ومن يقول لك غير
هذا فإنه يضحك عليك. هذا هو الطفل الذي نبحث عنه ونسعى لخلقه، وأعتقد أن
هذه هي مهمة التربويين جميعاً وعلى رأسهم كتّاب أدب الطفل الذين ندعو إلى
رعايتهم ودعمهم ليتمكنوا بدورهم من دعم الأطفال ورعايتهم وإعدادهم لبناء
المستقبل.
لكن لا بد من ملاحظة أمر مهم في ما يخص أدب الطفل والخوض فيه، فالكثيرون
يستسهلون الكتابة للطفل ويعتبرونها أسهل أنواع الكتابات، في الوقت الذي
يؤكد فيه المعنيون بالطفل أن الكتابة له أصعب من الكتابة للكبار. في
الثمانينات من القرن الماضي تحديداً بدأ بعض مَن تربطهم بالطفل علاقة
الكتابة له, فعرضت في تلك الفترة في مختلف دول المنطقة الكثير من
المسرحيات، لكن للأسف ليس كل من شارك في تلك المهمة كان ذو علاقة، حيث
استغل البعض الموضوع تجارياً وصار كل من يعرف الكتابة بالقلم يكتب للطفل،
وصار كل من شعر بأنه يستطيع تحريك ممثل على خشبة المسرح يخرج مسرحيات
للأطفال. والنتيجة أن الكثير مما قدم للطفل من مسرحيات على وجه الخصوص جاء
بعيداً عن عالم الطفل وفي غير صالحه, بل أثر سلباً على مسرح الطفل وعلى
الجمهور الذي كان يفترض أن يلتصق بالمسرح لاحقاً.
إن ما نعانيه حقاً هو جهلنا بالكثير من حاجات الطفل، فنحن لا نعرف إلا
القليل عن حاجاته النفسية والاجتماعية وأعتقد أننا نجهل أيضاً أساليب إشباع
تلك الحاجات. لست هنا بصدد التعميم فبيننا من درس ويدرس الطفولة ويحاول أن
يتعرف على حاجات الطفل المختلفة ويحاول أن يقدم له شيئاً مفيداً وجيداً
يشبع حاجاته، ولدينا بالتأكيد تجارب ناجحة في هذا الصدد, ولدينا أسماء يشار
إليها بالبنان، سواء في كتابة المسرحية للطفل أو القصة أو الأغنية... الخ.
إنما حديثي عن أولئك الذين يستسهلون التعامل مع الطفل فيكتبون له ويخرجون
الأعمال أو يلحنون ويغنون وهم على غير دراية بحاجاته وبأساليب إشباع تلك
الحاجات. فمثل هؤلاء لا يعرفون أن أدب الطفل أداة فنية من أدوات تنشئة
الطفولة، ولا يعرفون أن هذا الأدب يسهم بشكل كبير في بناء شخصية الطفل،
بمعنى أن التعامل الخاطئ معه يؤثر على الطفل بالسلب.
إن من الأمور التي ينبغي أن يدركها كل من يحاول التعامل مع أدب الطفل هي أن
الطفل قليل الصبر، لذا فإنه لا يحتمل على سبيل المثال عرضاً مسرحياً تزيد
مدته عن الساعة (الذي كان يحدث ويحدث الآن أيضاً أن المنتج يفرض على كاتب
النص والمخرج أن لا تقل مدة عرض المسرحية عن ساعتين لأمور تتعلق بالشباك
وبالتسويق). والطفل يفهم بعض كلماتنا بغير ما نعني بها، لذا ينبغي أن
نخاطبه بلغة يفهمها هو لا نفهمها نحن فقط (وفي هذا الصدد حدّث ولا حرج).
الطفولة طاقة كبيرة علينا أن نعمل على الاستفادة منها، وهي لا يمكن أن
تنطلق إلا إذا عملنا على تفتحها وعرفنا كيف نتعامل معها. علينا أن نعرف أن
للطفل حاجات بيولوجية ونفسية تختلف من عمر لآخر، فلكل مرحلة من مراحل النمو
خصائص معينة، وهذه مسألة يراعيها جيداً بعض كتّاب القصة عندما يكتبون
للأطفال، وغالباً ما نقرأ على الغلاف أن هذه القصة للأطفال من سن كذا إلى
سن كذا، غير أن هذه المسألة لا يتم مراعاتها في المسرح فمثلاً، فالذي يحدث
هو أن المؤسسة المنتجة تقدم مسرحية للأطفال (دون تحديد سن الأطفال الذين
تناسبهم المسرحية), فيدخل لمشاهدتها الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى سن
الثامنة عشرة. وفي هذا الصدد يقول المعنيون بأدب الطفل إن ما يبعث الخوف
والقلق في نفس طفل في الرابعة مثلاً قد يثير السرور والسعادة في نفس طفل في
العاشرة، وأنه لا بد أن يتوافق الغذاء الأدبي المقدم للطفل مع مستوى النمو.
أما النتيجة فهي أن الطفل الذي دفع والده قيمة تذكرة دخوله يهرب من العرض
وينشغل بأمور أخرى، فالمعروف أن الطفل يهرب من الأعمال التي تعلو مستواه.
ربما يقول البعض أن مراحل النمو متداخلة ويصعب تحديدها، وقد يقول البعض أن
بين الأطفال فروقاً فردية، وهذا صحيح، فالتداخل في مراحل النمو موجودة
والفروق الفردية موجودة، لكن هذا لا يعني أن نقدم عملاً للأطفال دون تحديد
الفئة التي نعتقد أنها مناسبة لمشاهدة العمل. فليس من المعقول أن نقدم لطفل
الخامسة مثلاً عملاً بطولياً عن صلاح الدين الأيوبي, لأن هذا العمل لا
يناسب هذه السن ولكنه يناسب الطفل الذي يبلغ التاسعة أو العاشرة مثلاً،
وهكذا.
جانب آخر في مشكلة أدب الطفل علينا أن نهتم به هنا, وهو ما يدعو إليه
الكاتب البحريني إبراهيم بشمي دائماً, حيث يقول: إن علينا نحن الكبار آباء
وأمهات وأولياء أمور أن نقرأ ما يكتبه كتّاب أدب الأطفال ونوصله بطريقتنا
إلى الأطفال في لحظات قبل النوم. والطريقة نفسها ينبغي أن نلجأ إليها في
العروض المسرحية، فالأفضل هو أن يذهب الأب والأم وولي الأمر لمشاهدة
المسرحية أولاً ثم يقررون إذا كان هذا العمل مناسباً أم لا. لكن في هذه
الطريقة شيء من المثالية وكثير من الصعوبة، فليس كل الآباء والأمهات على
درجة من العلم والثقافة تتيح لهم تقييم عمل مسرحي وتقرير ما إذا كان يصلح
لأبنائهم أم لا. كما أن الإعلانات التلفزيونية المشوقة تدفع الطفل ليضغط
على والديه ويرغمهما على أخذه لمشاهدة المسرحية حالاً. لذا فإن الحل الأفضل
يكمن في دعوة المعنيين بالطفولة من أكاديميين وكتّاب ومهتمين إلى مشاهدة
العمل المسرحي قبل عرضه بوقت كافٍ ومناقشته مع فريق العمل وإبداء ملاحظاتهم
ومن ثم إجراء التعديلات المناسبة قبل عرضه على الأطفال. وهذه عملية ممكنة
وقابلة للتطبيق ومن شأنها أن تخلصنا من شبح الأعمال التجارية التي تستغل
الأطفال لتسلب جيوب الكبار.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى جانب من مشكلات أدب الطفل في الوطن العربي،
فأولها وأهمها في اعتقادي غياب البحوث العربية في أدب الطفل، ثم نظرتنا إلى
الطفل على أنه رجل صغير فنتعامل معه بلغتنا وبتفكيرنا، ثم قيام من ليس له
علاقة بالطفل بالكتابة له من دون أن يدرك خصائص نموه وميوله ودوافعه
وقدراته، وبالطبع مشكلة السعي إلى الربح المادي، فليس مهماً عند البعض ماذا
يقرأ الطفل أو ماذا يشاهد, وإنما المهم هو أن يشتري ويشاهد.
ولعل من المناسب أن أطرح تساؤلاً مهماً وهو: مَنْ مِن كّتابنا يشاهد ما
يقدم للأطفال من قصص عبر برامج الأطفال والرسوم المتحركة؟ وأستشهد للإجابة
عنه بما ورد في محاضرة للدكتور عبد العزيز السبيل (الأستاذ بجامعة الملك
سعود) ألقاها ضمن فعاليات معرض البحرين الدولي التاسع للكتاب, حيث ذكر أن
دراسة أجريت شملت كبار كتّاب القصة القصيرة في الوطن العربي سُئلوا خلالها
عما إذا كانوا يعتمدون على الخبرة الكتابية والقرائية لفن القصة من خلال من
سبقهم من الكتّاب, أو يعتمدون على حصيلتهم النظرية في هذا الفن وتقنياته
ومناهجه. فأجابوا جميعهم وبينهم أسماء كبيرة مثل نجيب محفوظ ويحي حقي ويوسف
إدريس بأنهم لم يقرؤوا شيئاً عن أصول فن القصة أو طرق كتابتها. وأعتقد أن
الأمر نفسه يصدق على كتّاب أدب الطفل.
وفي دراسة لعبد التواب يوسف بعنوان "حول أدب الأطفال في الخليج العربي"
يذكر في مقدمتها أن العناية بأدب الطفل سمة حضارية لأنها تعني التعامل مع
"علم المستقبل" والتخطيط له. ووفق ما قاله العرب: إننا نربيهم لزمان غير
زماننا. وكذلك كان اهتمام منطقة الخليج العربي بهذا الأدب من منطلق الأصالة
والمعاصرة والمستقبلية. لكن عبد التواب الذي يشيد بالتفاتة الإنسان الخليجي
إلى المستقبل ممثلاً في الأطفال وكتبهم وأدبهم يبدي ملاحظة مهمة هي أن
الأقلام التي اقتحمت مجال أدب الأطفال قليلة والكتب الصادرة لهم عددها
متواضع، وهو يعتقد أنه بسبب حداثة هذا اللون من الأدب وقلة التقدير الأدبي
والمادي للعاملين فيه انصرف عنه كثيرون كان من الممكن أن يحققوا فيه نجاحاً
كبيراً.
ملاحظة عبد التواب يوسف (وهو باحث ودارس في أدب الأطفال يمتاز بخبرته
الطويلة في هذا المجال) ملاحظة مهمة للغاية، فبيننا في منطقة الخليج الكثير
من ذوي الموهبة والقدرة على توظيف أقلامهم وخبراتهم الحياتية في خدمة الطفل
الخليجي والعربي, ولكن ينقصهم التشجيع والاهتمام سواء من الحكومات أو
المؤسسات الثقافية والاجتماعية ذات العلاقة. ولعل العدد القليل الذي يكتب
في مجال أدب الطفل اليوم يشجع وزارات الإعلام في دول الخليج على تبنيهم
ودعمهم وتوفير دورات خاصة لتدريبهم والرقي بقدراتهم، بل أنه يكفيهم حتى
طباعة مؤلفاتهم وتسهيل إنتاجها.
تشجيع بسيط حصل عليه الكاتب البحريني إبراهيم سند في فترة سابقة أعطاه
الدافع لينتج ما يسهم في رفع اسم مملكة البحرين في المحافل الثقافية
العربية حيث نال العديد من الجوائز المهمة في مجال الكتابة للطفل، والأمر
نفسه يمكن أن يتحقق مع كتاب آخرين لو أنهم حصلوا على تشجيع ودعم من
المسؤولين في مجال الإعلام والثقافة. وبالمقابل بالطبع ابتعد آخرون عن
الكتابة للطفل بعد ما اكتشفوا أنهم يجدفون لوحدهم في بحر مليء بالصعاب.
إن المهتمين بأدب الطفل في كل العالم يؤكدون على سبيل المثال أهمية القصص
الخيالية في تعلم الطفل وإعداده للحياة. فعندما تلبى هذه الرغبة الملحة لدى
الطفل فإنها تفتح أمامه العديد من الطرق للإفادة من مظاهر الحياة, حيث تصبح
الكثير من شؤون الحياة وأحدثها معروفة لديه ومنها يتعلم الكثير من عادات
المجتمع وسلوك الإنسان. وبمثال أكثر وضوحاً فإن بإمكان كتّاب أدب الأطفال
تعليم الأطفال الاتزان في إصدار أحكامهم على الناس وعلى ما يشاهدون من
أعمال، وسواء تم ذلك من خلال القصة أو المسرحية أو الأغنية... الخ, وهذا
يؤكد أن أدب الأطفال يسهم بقوة في إعداد الطفل للمستقبل.
لكن ليس الدور كله في تشجيع كتّاب أدب الطفل يقع على الحكومات، فهناك أيضاً
القطاع الخاص الذي يجب أن يقوم بدوره في دعم الثقافة بشكل عام ودعم أدب
الطفل وإعداده للمستقبل بشكل خاص، وهناك المؤسسات الاجتماعية والسياسية
والثقافية والتربوية التي عليها أيضاً أن تقوم بدعم وتشجيع كتّاب أدب
الأطفال. وبالطبع لا يمكن أن ننسى الدور المهم الذي يمكن أن يقوم به أولياء
الأمور، حيث عليهم أن يشجعوا أبناءهم على شراء ما ينتجه كتّاب القصة في
الخليج، ذلك أن شراء نتاج الكاتب المحلي هو نوع من الدعم والتشجيع له،
علاوة على أن ما يكتبه هؤلاء الكتّاب لا يكون في كل الأحوال غريباً عن
الطفل الخليجي.
ومن المعنيين بتشجيع ودعم كتّاب أدب الأطفال أيضاً دور النشر التي يجب أن
لا يعميها الربح المادي فلا تبالي بما يكتب للطفل أو تغالي في أسعارها فلا
يستطيع كتّاب أدب الأطفال توصيل نتاجاتهم إلى الأطفال. والأمر نفسه ينطبق
على أصحاب المكتبات والجهات المنظمة لمعارض الكتب, حيث عليهم تقليل هامش
الربح فيما يتعلق بكتب الأطفال.
أيضاً تقع مسؤوليات كبيرة في هذا الخصوص على المؤسسات ذات العلاقة
بالطفولة، فعلى سبيل المثال لا بد أن يكون للجمعيات المعنية بتنمية الطفولة
في الخليج دور في دعم وتشجيع كتّاب أدب الأطفال، وكذلك المجلس العربي
للطفولة والتنمية ومقره القاهرة، وغيرها من المؤسسات المهتمة بالطفولة.
إن ثماراً كثيرة وكبيرة وذات قيمة يمكن أن نجنيها مستقبلاً لو أننا أعطينا
الآن هذا اللون من الأدب شيئاً من حقه بالاهتمام به وتشجيع الداخلين فيه
ودعمهم. العديد من الباحثين في أدب الأطفال يؤكدون أن هذا اللون في البلاد
العربية لم يتبلور بعد ولم تظهر له شخصية متميزة، بل أن الكثير مما قدم
ويقدم للأطفال لا تراعى فيه خصائص الطفولة, وبالتالي فهو بعيد عن أدب
الأطفال. لذا فإن على جميع الجهات المذكورة في هذا المقال دور كبير في
تكوين أدب للأطفال سليم يعد للمستقبل.
الكثير من الأمور السلبية في إنساننا العربي والخليجي اليوم يمكن لأدب
الأطفال أن يخلص إنسان المستقبل منها، فسلبيات مثل التخلي عن المسؤوليات
وإلقائها على الآخرين والاتكالية والتكامل والتعلق بالغيبيات وغيرها يمكن
التخلص منها مستقبلاً بانتهال أطفال اليوم للأدب الهادف الذي يبني شخصياتهم
وينميهم اجتماعياً ونفسياً وعقلياً، فالدور الذي يلعبه أدب الأطفال لا
يستهان به. ومثلما أسهمت الحكايات والأقاصيص التي استمدت من التراث العربي
في بغض إنسان اليوم لزوجة الأب مهما اتسمت بالطيبة, فإن بإمكان أدب الأطفال
تغيير هذه النظرة وإيجاد معايير عملية في الحكم على الأفراد بكل فئاتهم
وبناء إنسان جديد قادر على التعامل مع متغيرات الحياة في عصر العلم
والتكنولوجيا.
إنها دعوة ملحة ومباشرة للتشجيع للدخول في أدب الطفل ودعم الداخلين فيه
دعماً قوياً يؤسس لثقافة متميزة هي سلاح إنسان الغد وإنسان الزمن الآتي في
تعامله مع مختلف المتغيرات... فهل من مجيب؟
أضيفت في20/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر:
الأزمنة
العربية (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
طفل القرن الحادي والعشرين
بين التفكير الناقد والتفكير الابتكاري
بقلم الكاتب:
السيد
نجم
تؤكد الدراسات الآن، أن الطفل يحمل من الأفكار والمعلومات والآراء
ما يماثل مرحلة من مراحل الإنجاز الفكري والعلمي، وربما الفلسفي لرحلة
الإنسان على الأرض، أي ربما يحمل من المعلومات ما يفوق معلومات فيلسوف
إغريقي قديم ..
لعل فكرة "العلية" أو "السببية" الآن عند الطفل لم تصل إلى تفكير
الإنسان إلا في مرحلة متقدمة، بينما أصبحت تلقائية (إلى أن وصفها البعض
بالفطرية) عند طفل اليوم، وقد يرجع ذلك إلى كم المعلومات المنتظمة أو
المنظمة، بمعنى ما حول شتى الظواهر والمدركات للإنسان ومن حوله. وهو ما
يشير إلى الفهم أو العلم الفلسفي لدى طفل اليوم إذا ما كانت الفلسفة هي تلك
المعرفة المنظمة.
أكدت الدراسات أن الطفل في المرحلة الجنينية، له قدرة استجابية مع
العالم الخارجي سواء بحركة أو زحزحة، إلا أن فتوحات الطفل الحقيقية تبدأ
بعد الولادة حيث يبدأ في اكتشاف العالم من حوله من خلال أربعة مجالات هي:
-مجال الزمن والفضاء .. العين تلعب دوراً هاماً هنا، فالوليد في يومه
الأول قد "يثبت" بصورة بدائية إحدى مقلتيه على شيء قريب، وبعد أسبوع يبدو
قادراً أكثر على التثبيت، فإذا أتم شهره الأول استطاع أن يحدق النظر (في كل
ما سبق بإحدى مقلتيه) أما بعد شهر آخر فقد ينجح في توظيف كلتا الحدقتين في
غزو الفضاء من حوله.
ثم تأتي يداه لغزو الفضاء وعلى المسافات القريبة .. لتأتي مرحلة
هامة من بعد وهي الحبو وغزو المسافات القريبة.
وتأتي مرحلة اكتشاف البعد الثالث .. بيده والعبث في الأوعية
والمحتويات .. أو الملء والتفريغ والعبث في الرمل وتشكيل الطين وهكذا (هذه
المرحلة سماها أفلاطون: إن الفطرة تهندس).
وفي الخامسة يستطيع الصغير أن يرسم خريطة، طرقا موصلة إلى مكان، أما
في السادسة يبدأ الابتعاد عن كونه مركز العالم ويبدأ النظر إلى الشمس
والكواكب، وفي السابعة ينتبه إلى وجود أماكن أخرى في العالم المحيط به،
حتى إذا بلغ الثامنة عرف معنى الدول الأجنبية البعيدة عن بلده .. وفي
العاشرة يدرك الاتجاهات الأربعة والعالم الكبير البعيد والقريب.
أما عن الزمن، فلا يدرك الصغير إلا "هنا والآن"، ومع النضج تبدو
التوقعات المستقبلية من الأمور المحتملة .. فتراه في السادسة يهتم الطفل
بالتعرف على الأعمار والحديث عن مرحلة الرضاعة التي هي بمعنى ما امتداد
زمني .. ويبدو التعرف على الزمن الآتي لافتا لانتباه الصغير حتى يدرك
العلاقة بين الزمن والتاريخ في العاشرة .. فيتعرف على أيام الأسبوع وعلى
علاقة اليوم بالأحداث .. وهكذا.
• مجال "الأنا" والمجتمع .. "الأنا" تعني النفس أو الذات المتصلة
بشخص ما (أي ذلك الفرد الذي يزداد استقلالية عمن حوله) ويقولون إن وجود
أشخاص آخرين يساعد الرضيع على إدراك وضعه هو والتعرف على مكانته (المكانة
النفسية).
ففي سن 32 أسبوعا يحس بالغرباء وإن لم يكن تعرف على نفسه، حتى عمر
السنتين يبدأ في التعرف على نفسه واسمه، وكل الرجال (بابا) وكل السيدات
(ماما) وفي الثالثة تزداد قدرة الطفل على المساومة، أما في الخامسة فيبدأ
التعبير عما يشير على أنه كبر .. كأن يتساءل إذا كان أخوه الرضيع قادراً
على فعل كذا ؟.
وفي السادسة يكثر السؤال عن ذاته وتركيبه التشريحي مع رغبته في
المشاركة بالعالم الخارجي. وفي السابعة يتسع العالم من حوله فيطلب له مكانا
على المائدة أو في السيارة، وفي الثامنة يصبح التعرف على العالم الخارجي
والبلدان الأجنبية والثقافات الأخرى من أهم اهتمامات الصغير .. حتى إذا بلغ
العاشرة يسعى لأن يقرأ مجلات الكبار وتحديد المهنة التي سيعملها ويحبها.
في دراسة عن الطفل الأمريكي .. حول الإجابة عن السؤال: ماذا يصنع
الجنود ؟
(يجيب طفل الثالثة بأنهم "يمشون في طابور" وفي الرابعة يقول "بأنهم
يحاربون بالبنادق" وفي الخامسة يتحدث عن اليابانيين "حلوهم وسيئهم" وفي
العاشرة يسخر من "هتلر" وأنه لا يجيد هجاء كلمة قطة !).
واضح هنا الفروق العمرية، مع فروق الثقافة الخاصة الملقنة للطفل.
-الحياة
والموت .. هي المجال الثالث في حياة الطفل الفكرية، فالمزج بين فكرة الحياة
والموت أشبه بالتطابق، وفي الخامسة يعلم أن الميت لا يتحرك لكنه لا يحزن
على اعتقاد بإمكانية عودة الروح (تلك الفكرة الفلسفية التي هي في الأديان
بشكل ما).
عموما طفل الثالثة لا يفهم كلمة الموت، بينما ابن الرابعة فقليل
الفهم للكلمة، ويهتم أكثر بقضية "أصل الحياة" وكيف خلقنا ؟ "ومن أين أتى
الطفل" ؟ ثم تظهر عليه بوادر الاهتمام بالتوالد في عالم الحيوان.
وابن الثامنة متفتح في هذا المجال حيث يرى أن فترة النمو في رحم
الأم من المراحل المهمة. بينما يفكر ابن العاشرة في القوة الخارجية وراء كل
ما يراه .. بينما يرى ابن السابعة أن الموت يمس شخصه وأنه هو نفسه سيموت.
-مجال
الكون والله .. يقول "ثورو":
"يصح أن نقول إن الرضيع ينفصل عن الطبيعة أو الفطرة وينأى عنها كما
يرتحل الرجل الكبير عنها ويغادرها، وعلى هذا يكون الطفل أثناء صغره وقصوره
مطابقا للطبيعة أو الفطرة مندمجا فيها كأنما هو جزء منها".
إن رحلة الطفل (الإنسان) طويلة حتى يستطيع تأمل الكون الذي منحه له
مولده .. ليقهر الزمن والفضاء. فتكون الأسئلة: ما هذا ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ..
فتكون الفتوحات من خلال العلوم والديانات.
غالبا ما يكون الفضاء هو أشياؤه التي ينام عليها ويأكل فيها وغيره،
وربما شجرة يراها على الأفق. يزداد الفضاء اتساعا مع بداية الحركة بعد أن
يحبو ثم يسير ويجري .. فيتعرف على المزيد والمزيد.
لذا قد ينجز في الخامسة ما يعبر عن اتصال العالم به، بتخطيط مكان
معين من حوله، حتى إذا بلغ السادسة والسابعة تصير مهماته أبعد من شخصه ..
ويتلمس الكتب المصورة، كما أنه يتساءل عن السماوات الفلكية والجنة والنار
.. ومكان الله، ثم الطقس ودلالة ما يراه من حوله في الشتاء والصيف.
كما تصبح الأسئلة: من أين أتيت ؟ أين عثرت عليَّ يا أمي ؟ أين كنت
أيام كنت أنت في المدرسة يا أمي ؟ (وهل يصنع السوبر مان رجالا من صنفه ؟
وهو سؤال خاص بالطفل الأوروبي أو الأمريكي حيث ثقافة أخرى). أما الأسئلة
(من خلق الله ؟ وهل ولد الله ؟ فهي من الأسئلة التي راودت هذه المرحلة
السنية في بقاع العالم.
لذا يجب على الوالدين:
-عدم
السخرية من الطفل.
-التساؤل
بالتشكك والتعبير عن الحيرة من الأمور الإيجابية في نضج الطفل العقلي.
-إن
الثقافة الشائعة في بيت الطفل تلعب دوراً هاما في تشكيله خلال تلك المرحلة
المبكرة.
والآن هل من المبالغة القول بأن الطفل مخلوق مفكر ؟، وهذه الإطلالة
ربما تشي بالتاريخ الفكري للإنسان منذ الأزل، ليبقى السؤال وماذا بعد أن
نضج الطفل .. ماذا نقول ونكتب له إضافة لفكره ؟؟
الذكاء العام والقدرات العقلية
إذا كان "الذكاء" هو "السمة" التي نالت اهتمام علماء النفس وإن
اختلفوا حول قضية الفروق الفردية في الذكاء .. لذا للذكاء عدة تعريفات
بتعدد الاتجاه التعريفي كالتالي:
-الاتجاه
اللغوي
"ذكاء" كلمة مشتقة من الفعل الثلاثي "ذكا"، وبالمعجم الوسيط: ذكت
النار ذكوا وذكا وذكاء أي اشتد لهيبها واشتعلت.
-الاتجاه
الفلسفي
قال أرسطو بالوجود أو النشاط الواقعي (الوجود بالفعل) وبين النشاط
المحتمل (الوجود بالقوة)، والنشاط العقلي (الذكاء) هو وجود بالقوة أي
الوجود المحتمل وجوده بالجسم. كما قدم "ابن رشد" دراسات في الفروق الفردية
في النواحي العقلية في كتابه "الدعاوى القلبية"، كما تناول فكرة "وحدة
العقل" .. وهو في ذلك غير متناقض مع فهمه كما ادعى مفكرو القرون الوسطى
الأوروبية، لأنه ببساطة فرق في الدرجة وليس في النوع (الذي هو النشاط
العقلي).
ثم تتابعت المذاهب الفلسفية لتفسير الفروق الفردية في النشاط
العقلي، ويمكن إجمالها في نظريتين هما: نظرية الملكات ونظرية فراسة الدماغ
وذلك حتى أوائل القرن التاسع عشر حيث كانت بدايات علم النفس وتبني العلم
الجديد للفكرة.
-الاتجاه
البيولوجي
عرف "هربرت سبنسر" الحياة بأنها "تكيف" مستمر متصل من جانب العلاقات
الداخلية للعلاقات الخارجية، ويعتقد أن هذا التكيف يمكن الوصول إليه عن
طريق الذكاء عند الإنسان وطريق الغريزة عند الحيوانات .. ويعرف الذكاء
"بأنه القدرة على الربط بين انطباعات عديدة منفصلة".
-الاتجاه
الفسيولوجي
أكدت الدراسات والبحوث التجريبية والميكروسكوبية للمخ على صحة نظرية
سبنسر في وجود نظام هرمي للوظائف العقلية .. فالمخ يعمل ككل ولا يوجد جزء
يعمل منفصلا، وهذا يؤكد المفهوم العامل العام أو الذكاء العام.
عموما تعددت محاولات الاقتراب بالتعريف للذكاء، والمتابع يلاحظ أن
مشكلة التعريف الاصطلاحي هي المشكلة (المنهجية) الحقيقية في تعريف الذكاء
حيث لم يقدم أحدهم تعريفاً اصطلاحياً للذكاء، بما يجعل البعض يفهم بعدم
وجود اتفاق على تعريف محدد للذكاء.
لذلك فان تعريف "بورنج" عام 1923م هو الأكثر شيوعا وفي ذلك يقول: إن
الذكاء كإمكانية قابلة للقياس يجب تعريفه منذ البداية بأنه إمكانية الأداء
الجيد في اختبار الذكاء"، وقد اختصرت هذه العبارة في المقولة المشهورة: "إن
الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء".
أما والقدرات العقلية في جوهرها أنماط معرفية وتشمل ما يسمى بـ
"العمليات المعرفية"، والمعلومات بالمعنى العام هي ما يستطيع الكائن العضوي
تمييزه، ويمكن تمييز المعلومات على أساس نوعها ومقدارها ومستواها.
ففي مجال نوع المعلومات .. هناك معلومات حسية، معلومات حركية
(أساسها الأفعال المنعكسة التي تبنى عليها الحركات الأساسية ومن أشكالها
(الانتقال المكاني / القدرات الجسمية / المهارات الحركية الدقيقة / الاتصال
الحركي)، المعلومات الإدراكية ومنها (البصرية / والسمعية / أو لمسية)والفرق
بينها والمعلومات الحسية أن الأخيرة هي محض إحساس.
ثم هناك المعلومات الرمزية مثل الحروف الأبجدية والأرقام والفونات
أو الأصوات الكلامية، والمعلومات السيمانتية وهي التي تتمثل في الأفكار
والمعاني والتي تتشكل في صور لغوية وقد تكون غير لغوية (الصور ذات المعنى)،
كذلك المعلومات الشخصية والاجتماعية. وعن مجال مستوى المعلومات .. وهو يشمل
التدرج من المستوى البسيط إلى المستوى المركب داخل النوع الواحد من الأنواع
وهي متدرجة كالتالي:
-الوحدات
أو الوحدات السيكولوجية للمعلومات.
-الفئات
وهي مجموعات من الوحدات تجمعها خصائص مشتركة.
-العلاقات
وهي مجموعات الربط بين الوحدات، فالعلاقات بين المدركات الحسية تشمل الحجم
والموضع والمسافة والقلب والتدوير والعكس وغيرها.
-المنظومات
أو الأنساق أو التراكيب أو الأبنية، فهي عبارة عن مركبات تجمع أجزاء
متفاعلة أو بينها علاقات متداخلة.
وأخيراً مجال مقدرا المعلومات .. ويحتل هذا النوع من المتغيرات
المستقلة منزلة خاصة لما يحيط به من مشكلات خاصة بقياسه، ولقياس المعلومات
(مقدارها) أرتكن علم النفس على أربعة عوامل أساسية هي:
عامل التركيب التقاربي أو التفكير الحدسي .. أي الحلول التقاربية
للمشكلات باستخدام التركيب.
-عامل
التركيب التباعدي أو الطلاقة والتخمين .. وهو يتطلب القدرة على الوصول إلى
تباعدية باستخدام معلومات قليلة مع أكبر قدر من الحرية (وهو أقرب للتداعي
الحر).
-عامل التحليل التباعدي أو المرونة .. وتشمل الأصالة أو الاستبصار،
وهذا العامل يتطلب القدرة على الوصول إلى حلول تباعدية للمشكلات باستخدام
التحليل.
والعاملان الأخيران يعتمدان على "التداعي" إلا أن أولهما يعتمد على
التداعي الحر وثانيهما يعتمد على التداعي المقيد .. ويختلفان في أن
"الطلاقة" تتحدد في حدود كمية أي بعدد الاستجابات أو سرعة صدورها أو هما
معا .. أما "المرونة" فإنها تعتمد على الخصائص الكيفية للاستجابات وتقاس
بمقدار تنوع هذه الاستجابات.
-عامل
التحليل التقاربي أو الاستدلالي .. وهو يسعى للوصول إلى حلول المشاكل
باستخدام التحليل أو مقادير كبيرة من المعلومات.
نماذج معرفية هامة
لعل أهمية المقولات السابقة ترجع إلى توصيل دلالة معرفية هامة تتمثل
في ثلاثة نماذج للمعرفة الهامة في مجال الاقتراب من عالم الطفل، ألا وهي
"التعلم / التذكر / التفكير".
تتشابه النماذج الثلاثة في أسس تصنيف القدرات العقلية المتضمنة في
كل منها، أما وجه الاختلاف بينها فيتمثل في طبيعة المعلومات من ناحية وفي
طريقة عرضها من ناحية أخرى.
فالتعلم يتضمن أن تكون المعلومات على درجة كافية من الجدة يتم عرضها
مرة واحدة أو عدة مرات .. أي أن التعلم يتم بالاكتساب.
أما التذكر فيشمل تخزين المعلومات واسترجاعها، ولا يتم هذا إلا بعد
مرحلة التعليم الأساسي، والمعلومات هنا ليست جديدة.
وعندما تكون المعلومات جديدة نسبيا، فإن هذه المعلومات الجديدة
تحتاج إلى النشاط التفكيري، وبذلك يصبح التفكير عملية تجهيز للمعلومات، ولا
يحتاج إلى عروض متتابعة للمعلومات الجديدة كما هو الحال في التعلم.
أنواع وأشكال الذاكرة .. (ذاكرة وحدات الأشكال ـ ذاكرة وحدات الرموز
ـ ذاكرة وحدات المعاني ـ ذاكرة فئات الأشكال ـ ذاكرة فئات الرموز ـ ذاكرة
فئات المعاني ـ ذاكرة العلاقات بين الأشكال ـ ذاكرة العلاقات بين الرموز ـ
ذاكرة العلاقات بين المعاني ـ ذاكرة منظومة الأشكال البصرية ـ ذاكرة منظومة
الأشكال السمعية ـ ذاكرة منظومة الرموز ـ ذاكرة منظومات المعاني ـ ذاكرة
تحويلات الأشكال ـ ذاكرة تحويلات الرموز ـ ذاكرة تحويلات المعاني ـ ذاكرة
تضمينات الأشكال ـ ذاكرة تضمينات الرموز ـ ذاكرة تضمينات المعاني).
وتمر الذاكرة بمراحل ثلاث:
التشفير: ويقصد بها عرض المعلومات الحسية في المخ (بصريا ـ سمعيا
وغيرهما) فتقوم أعضاء الاستقبال بتحويل هذه الطاقة الفيزيائية وتسجيلها
داخليا بالمخ.
التخزين: وهي فترة تواجد أثر التسجيل في عنصر التشفير السابقة.
الاسترجاع: ويقصد بهذا المكون استخدام المعلومات المختزنة وقت
الاختبار، سواء نتيجة مثير خارجي أو داخلي.
أنواع التفكير .. وهي عديدة:
أولاً: التفكير التقاربي .. وهو يتضمن التفكير المعرفي والتفكير الإنتاجي التقاربي، والفرق
بينهما أن الأول (المعرفي) يعتمد على الحلول الانتقائية، والثاني
(الإنتاجي) يعتمد على الحلول الإنتاجية.
والتفكير المعرفي له الكثير من العوامل منها: (معرفة وحدات الأشكال
البصرية ـ معرفة وحدات الأشكال السمعية ـ معرفة وحدات الرموز البصرية ـ
معرفة وحدات الرموز السمعية ـ معرفة وحدات المعاني ـ معرفة وحدات المواقف
السلوكية ـ معرفة فئات الأشكال ـ معرفة فئات الرموز ـ معرفة فئات المعاني ـ
معرفة العلاقات بين المواقف السلوكية ـ معرفة تحويلات الأشكال .. الخ).
أما عوامل التفكير الإنتاجي التقاربي منها: (الإنتاج التقاربي
لوحدات المعاني ـ الإنتاج التقاربي لفئات الأشكال ـ الإنتاج التقاربي لفئات
الرموز .. الخ).
ثانياً: التفكير التباعدي .. ويتحدد بعدد كبير من العوامل، نذكر منها "الإنتاج التباعدي
لوحدات الأشكال" أو "طلاقة الأشكال" وقد وضع العالم "جيلفورد" اختبارا لهذا
العامل مثل أن يقدم للشخص رسماً لعدد من الدوائر ويطلب منه بأقل عدد من
الدوائر التي يضيفها ينتج أكثر من شكل.
ثالثاً: التفكير الاستدلالي .. وهو ذلك النمط من التفكير الذي يتطلب استخدام أكبر مقدار من
المعلومات بهدف الوصول إلى حلول تقاربية.
رابعاً: التفكير الحدسي .. قديما كانت المفاهيم "الاستبصار وتكوين المفاهيم دون تلفظ،
والإدراك الأدنى" هو الفهم الشائع للتفكير الحدثي، ومن التعريفات الحديثة
ما قال
به د. فؤاد أبو حطب في كتابه "القدرات العقلية": "التفكير الحدسي هو
العملية العقلية المعرفية المستنتجة من تفاعل مقدار قليل من المعلومات مع
الوجهة التقاربية لحلول المشكلات".
خامساً: التفكير الارتباطي المقيد (الطلاقة المقيدة) .. هو ذلك النمط من التفكير الذي يتطلب توافر
مقدار كبير من المعلومات، كما يستخدم في الوجهة التباعدية للاستجابة في ضوء
تعليمات الاختبارات (باعتبارها المصدر الوحيد في تحديد طبيعة المعلومات
التي تستخدم ـ حتى الآن على الأقل) .. وهو نوع من أنواع التداعي.
سادساً: التفكير الارتباطي الحر (الطلاقة الحرة) .. وهو أقرب لتعبير التداعي الحر، والفرق بينه
وبين التفكير الارتباطي المقيد هو درجة الحرية في التداعي.
ثم أن هناك نمطين من التفكير لهما أهمية خاصة في مجال الحديث عن طفل
القرن الواحد والعشرين، ألا وهما:
-التفكير
الناقد .. وقد اعتبره البعض عملية تقويمية، يتمثل فيها الجانب الحاسم
والختامي في عملية التفكير. إذن فالتفكير الناقد كعملية تقويمية تحدده
خاصية أنه عملية معيارية.
لقد قال علماء النفس بإمكانية تقييم التفكير الناقد في ضوء ملاءمة
الحكم مع مدى التطابق بين وحدات المعلومات، وكذلك إلى مدى الاتساق الداخلي
بين المقدمات والنتائج أو بين البيانات والاستنتاجات. وهناك التقويم في ضوء
الخبرة وهو المتمثل في مدى اتساق البيانات مع مطالب الجماعة.
-التفكير
الابتكاري .. لعل هذا النمط من التفكير من أهم الأنماط من أجل البحث عن فئة
هامة وضرورية في المجتمع من الكتاب والعلماء والمخترعين وعلماء الرياضيات
والفنانين عموما وكذلك المؤلفين والقادة.
فإذا كانت الأنماط السابقة من التفكير تعتمد على الاستدلال والحكم
.. فإن تحديد الاستعداد للتفكير الابتكاري ما زال عملية صعبة على الرغم من
كل ما أنجز في مجالها. وقد شاع الربط بين التفكير الابتكاري والتفكير
التباعدي المتمثل في الطلاقة والمرونة والأصالة، ودائما السؤال هو مدى
إسهام استعدادات التفكير التباعدي (السابقة) في التفكير الابتكاري ؟ لذا
وضع العلماء عدد من المحكات الهامة حتى يتصف التفكير بالابتكاري وهي:
-النبوغ
.. وقد استخدمه العلماء في دراساتهم للعبقرية، ويتمثل هذا المحك في أن يحرز
المرء النابغ مكانا ومكانة بارزين في أحد ميادين المعرفة أو الحياة. وأفضل
مكونات النبوغ المؤشرات الموضوعية التي تتمثل في مقدار اهتمام وسائل
الإعلام والاتصال بالشخصية النابغة (كمقابل عملي للعبقرية). وقد وجدوا أن
النوابغ ينالون أكبر قدر من الطلاقة والمرونة والأصالة بالمقارنة بينهم
وبين الممارسين العاديين (في نفس المجال الفني أو الأدبي).
-متطلبات
حاسمة .. يقتصر النبوغ على قلة من الأفراد من ذوي القدرات الابتكارية
العالية (العباقرة والمبدعين). ولما كانت الحياة العملية في حاجة إلى قدر
من التفكير الابتكاري في مجال الهندسة والطب والتجارة وغيرها .. لذا كان
الاتجاه هو البحث عن فرد أكثر ابتكارية عن غيره، فكانت بعض الأفكار هي
الاختبار مثل صياغة المشكلات، تحمل المسئولية، حسن الأداء .. الخ.
- محك اختباري .. وفيه يطالب الفرد بكتابة قصة أو رسم لوحة أو كتابة
نوتة موسيقية وغير ذلك من العناصر العملية التي يمكن التعامل الفعلي معها
لإصدار حكم ما على الفرد نفسه من حيث إمكانياته الابتكارية من عدمه.
وأخيراً فلن نتورط في دهاليز البحوث العلمية الأكاديمية في شأن
العلاقات الرياضية والمعاملات بين الابتكارية والعمليات العقلية كالذكاء أو
الاستدلال وغيرهما .. فإنه من الهام الأخذ برأي المحيطين بالطفل (في مجال
دراسة الطفل النابغ، فمن أهم المحكات الأخذ بأسلوب "التقديرات" أي آراء
المدرسات وغيرهم في الحكم على الطفل من كونه مبتكراً أم لا "على اعتبار أن
المبتكر شخصية لافتة دوما").
أضيفت في28/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
الكتابة للطفل في عالم لا يقدر الطفل
بقلم الكاتب:
الطاهر شرقاوى
ترى من منا ينسى عندما كنا صغارا ، وتلك اللهفة التي كانت تتملكنا
ونحن نترقب يوم صدور مجلتنا المفضلة ، ونظل ننتظر وصولها عند بائع الصحف
لساعات وساعات ، هذا الشغف الهائل باكتشاف المجهول والتوق إلى المعرفة ،
وارتباطنا الحميم بشخصياتنا الكرتونية المفضلة ، والتي كانت تزورنا كثيرا
في الأحلام ، وقتها كنا نتمنى بشده لو تزيد عدد مجلات الأطفال التي تصدر
أكثر وأكثر ، لتصدر كل يوم خمس أو حتى عشر مجلات ، وفى رأيي أن العالم
العربي يعانى من نقص ـ غير مبرر ـ في عدد مجلات الأطفال التي تصدر ، وهو
شيء يدعو إلى الأسى لو قارنا أنفسنا بدول أخرى ، وبحسبة بسيطة تعالوا نمسك
قلما وورقة ونحصى عدد مجلات الأطفال ، التي صدرت خلال العشرين عاما الفائتة
. كم مجلة تصدر ؟ وكم واحدة استمرت وحافظت على صدورها ؟ وكم واحدة توقفت
ولم تكمل المسيرة ؟. بالتأكيد الأرقام الناتجة هي محصلة دقيقة لحالنا ..
ليس هذا فقط فلو نظرنا إلى المجلات التي تصدر فعلا ، سوف يدعونا ذلك الى
طرح سؤال مهم وهو : ما هى الفلسفة العامة التي تصدر على أساسها هذه المجلات
؟ وما الذي تقدمه لأطفالنا في هذا العصر ؟ وهل هى ملائمة لهم ولثقافتنا ؟.
هذه الأسئلة ليست على مستوى الكتابة فقط ، بل على مستوى الطباعة والإخراج
الفني والرسومات والتي أرى أنها مازلت ـ في معظمها ـ أسيرة للنمط الغربي في
الرسم ، بمعنى أنها تدور في فلك رسومات المجلات الأجنبية ، مبتعدين عن
ثقافتنا الثرية والتي من الممكن أن تمدنا بالعديد من الشخصيات الكرتونية ،
النابعة منها وتحمل سماتنا الثقافية ، ولا ننكر أن هناك مجلات تقوم على
تنفيذ ذلك مثل ماجد والعربي الصغير وقطر الندى . كما أن النشر سواء في
المجلات أو دور النشر الخاصة بالأطفال يحتاج إلى طرح العديد من الأسئلة ،
فمن أول وهلة سنلاحظ أن أي مجلة منغلقة تقريبا حول نفسها ، وحول مجموعة من
الكتاب والرسامين ، دائرة من الصعب اختراقها إلا بمعجزة ، مكتفيه بذلك دون
أي محاولة منها لاكتشاف أسماء جديدة أو أفكار مختلفة ، أو حتى تقديم
مسابقات لاكتشاف مواهب جديدة . أما كتب الأطفال فنجد الكثير منها مكرر
ومعاد ، فهناك حالة من " تناسخ الكتابة " بشكل رديء ، معتمدين على إعادة
طرح التراث العربي عشرات بل مئات المرات ، ولا داعي لان أحصى لك عدد الكتب
التي تصدر كل سنة ، وهى تعيد تقديم حكايات جحا وأشعب أو القصص الديني ،
وتقديمها فى صياغات ضعيفة من ناحية اللغة أو الأسلوب ،، ربما لا يعبر هذا
عن نضوب المواهب فى العالم العربي ، بقدر ما يعبر عن استسهال المؤلفين ودور
النشر ، باعتبار أن الكتابة للأطفال هى من اسهل ما يمكن ، ويجب ألا نبدد
فيها مواهبنا ومجهودنا، لأنها ببساطة مؤلمة " كتابة أطفال " . وربما هى
نفس النظرة التي تتلاقى فيها مع نظرة الواقع الأدبي إلى كتاب الطفل ،
باعتبارهم أدباء من الدرجة الثانية ، وكأن الأدب ينحصر في كتابة القصة
والرواية فقط . فليس غريبا إذن بعد كل ذلك ، أن نجد كثافة في مجلات الأطفال
المترجمة إلى اللغة العربية ، تحقيقا لشعار " لماذا نتعب أنفسنا في إنشاء
مجلة أطفال إذا كان من السهل ترجمتها " .
أضيفت في28/02/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
علاقة النص بالرسم في مجلاّت الأطفال العربيّة
بقلم الكاتبة:
حنان درويش
إنّ التربية الثقافيّة والفنيّة للطفل لن تكون مجدية إلاّ إذا نظمت تنظيماً
واعياً، وفق منهاج محدّد، أو طرائق تربويّة معيّنة تبدأ في وقت مبكّر جداً،
إذ يمكن أن يتمّ ذلك عن طريق حاسة البصر التي تأخذ تدريجياً في النموّ
تبعاً لتطوّر الطفل ونموّه، حتى تصبح الحاسة الأولى التي يعتمد عليها في
اكتسابه للمعرفة، وللخبرة الجمالية والثقافيّة. فالعين هي نافذة على الحياة
الخارجيّة، وهي نافذة هذا الخارج إلى بصيرة الطفل وعالمه الداخلي، وبالتالي
نافذته إلى عواطفه وأحاسيسه. هذا وأنّ للصورة أهميّة كبرى في تنمية خياله،
وتوسيع فكره، ونموّ أحاسيسه الجماليّة. وعندما يتعلّم الطفل القراءة، فإنّه
ينتقل إلى مرحلة تالية، هي معرفة اكتساب المعارف الجمالية بمفرده، أو
بالاستعانة بغيره من أترابه، أو من الراشدين. في هذه المرحلة تأخذ الكتب
والصحف، ورسوم الكتب، وصور المجلاّت، في تكوين الطفل الثقافي والجمالي
والحضاري. وحسب مقولات عدّة: يجب أن تحتل الصحيفة مكاناً بارزاً في
انطباعات الأطفال، وعلى ملأ منهم، بما تحمله من أخبار ومعارف. وفي مراحل
أخرى متقدّمة، يمكن أن يكون للمطبوعات المصوّرة دور هام في حياة الأطفال..
وعلينا أن ندفعهم إلى الاهتمام بها، واقتناء ما يناسبهم منها، وتصنيفها.
فمحتوياتها من الصور والرسوم والأفكار، تسهم في رفع الحساسية الجمالية
والمعرفيّة لديهم بشكل تدريجي غير مباشر، لكنّه فعّال.
تمتلك صحافة الأطفال في الوطن العربي خصائص وإمكانات لتصوير المعاني
وتجسيدها من خلال الكلمة المطبوعة، والصورة، واللون. وهي في طبيعتها كفن
تصويري، قريبة من الأطفال، كون الطفل يفكّر تفكيراً صوريّاً قبل كلّ شيء
ولهذه الصحافة خصائص تجعلها ذات تأثير، حيث تيسر لهم التحكّم في الوقت، إذ
يتاح لهم قراءتها في وقت وأي ظرف يشاؤون، ويتهيّأ لهم أن ينتقوا ويختاروا
ما يريدون التمعّن فيه، أو ما يريدون المرور عليه مروراً سريعاً. فهي على
قلّتها، تمتلك خصوصيّة وجاذبيّة وجماليةّ. سهلة الأسلوب، غنيّة الأفكار،
فيها الكلمة الموحية المرافقة للصورة المعبّرة التي تشد الطفل، وتغني
خياله، وتغري بصره، دون تعب أو إرهاق. وتستعين هذه المجلات بمختلف الفنون
الأدبية والتشكيلية لتبدو أمامه مشوّقة، مغرية، سهلة، لها دورها البالغ في
تنمية الطفولة عقليّاً وعاطفيّاً واجتماعيّاً، لأنّها أداة توجيه وإعلام
وإمتاع، وتنمية للذوق الفنّي، وتكوين عادات، ونقل قيم ومعلومات وأفكار،
وإجابة عن كثير من الأسئلة الأطفال، وإشباع لخيالاتهم، وتنمية لميولهم
القرائيّة. هذا وتؤلّف مجلاّت الأطفال بشكل عام واحدة من أبرز أدوات تشكيل
ثقافة الطفل، في وقت أصبحت فيه الثقافة أبرز الخصائص التي تميّز هذا الفرد
عن ذاك، وهذا الشعب عن ذاك. ومن المفترض أن تكون صحف الأطفال مصنّعة حسب
المراحل الطفوليّة العمرية، كأن يكون لمرحلة الطفولة المبكّرة مجلات خاصّة
بها، وللمرحلة المتوسطية مجلات أخرى، وكذلك بالنسبة لمرحلة الطفولة
المتأخّرة. لكنّ مجلاتنا العربيّة الطفليّة، هي على الغالب مجلات جامعة
تعنى عادة بنشر القصص والمسلسلات المصوّرة التي يتّضح فيها تحويل المادّة
المكتوبة إلى مادة مطبوعة نابضة بالحياة والجاذبيّة عن طريق دعمها بالصور
المناسبة، فتتحوّل القصّة إلى لوحات فنيّة ذات جمال ومعنى يناسب قدرات
الأطفال على استخدام أعينهم، وييسّر لهم القراءة، وينمي قابليتهم على
التذوّق الفني، ويساعدهم علي تكوين صورة ذهنية إيجابية. وفي هذه القصّة
المصوّرة نرى وحدة فنيّة متكاملة، متوازنة تيسّر للطفل الجمع بين الكلمات
والمساحات اللونيّة والصور والعناوين دون تعثّر أو ملل، وتوصل إليه المضمون
المطروح متناغماً، متجانساً.
إنّ اعتماد الرسم في القصص والمسلسلات المصوّرة أمر أساسي لا يؤلّف عنصراً
إخراجيّاً فحسب، بل هو مادة صحفيّة لها قيمة جماليّة وثقافية. فقد يؤثر
الرسم سلباً على النص، وقد يحقق الغرض المرجو منه، وكذلك بالنسبة لاستخدام
اللون، فقد يوفّق الفنّان في إطلاقه للون، وقد يخفق، وذلك تبعاً لخبرته.
وبشكل عام يُعتمد اللون كعنصر جيد، يراد به تحقيق التمييز بين المكوّنات،
وإبراز العناصر، وجذب الانتباه والتشويق، لذا لا يستعان باللون لمجرّد
النواحي الجماليّة، فقد يتم تلوين كثير من الرسوم بغير ألوانها الاعتيادية،
وذلك تبعاً لمفهوم الضوء. أو تعبيراً عن حالات وظروف نفسيّة معيّنة. وبوجه
عام يعد اللون عنصراً مهمّاً من عناصر التجسيد في صحافة الأطفال. ولو
قلّبنا مجّلاتنا الطفليّة المتوافرة لدينا: ماجد ـ أسامة ـ الطليعي ـ بلبل
ـ سامر ـ علاء الدين ـ العربي الصغير ، كرتون..الخ. لوجدنا خطوطاً عريضة
تجمع بينها، مع بعض الفروق في الإخراج، والتوزيع، وأسلوبيّة الرسم. أمّا من
حيث العلاقة بين الكتابة والرسم، فإنّها واحدة، حيث يجسّد التصوير والرسم،
ما يقوله النص، والنصّ بدوره يشرح الصورة ويكمّلها.
وقد قدّمت المجلاّت التي ذكرت نماذج قصصيّة متعدّدة، تتنوّع أفكارها
وموضوعاتها المطروحة، إذ يصعب الاعتماد على معيار واحد في تقسيم قصص
الأطفال، فنراها مقسّمة حسب الموضوع، أو حسب الشخصيّات، أو حسب علاقتها
بالواقع أو الخيال، لكن التفسير الأكثر شيوعاً هو الذي يصنّفها إلى حكايات،
وخرافات، وقصص حيوان، وقصص مغامرات، وخيال علمي، وفكاهة، وخيال تاريخي...
وما شبه ذلك. وإذا ما أخذنا أمثلة متفرّقة من المجلات السالفة الذكر، وجدنا
ما أوردناه من معلومات حاضراً بين طيّات الأوراق. وقد قدّمت مجلّة أسامة
قصصاً ومسلسلات مصوّرة أورد على سبيل المثال قصّة للأديبة دلال حاتم، رسوم
الفنّان الياس حموي، بعنوان "حدث في يوم ربيعي"، وتدور أحداثها في مدينة
تدمر، حيث تستمتع أسرة سليم ـ وهو شخصية رئيسية ـ برؤية الآثار، وقضاء
أيّام جميلة معها. فنستنشق عبق التاريخ، ونسمع صوت الغابر من الأيّام،
ونشاهد معالم أجدادنا العريقة. أمّا /سعداي/، فهو طفل تدمري قادم من
البعيد. وبين عظمة التاريخ وروح الحاضر تجري أحداث، وأمور غريبة صورتها
الأديبة بتقنيّة وقصصيّة عالية، وجسّدها الفنان رسوماً واقعيّة مبسّطة،
تناسب الطفل المقدّمة إليه. فقد تمّت دراسة كلّ شخصية على حدة، وأسقط عليها
الرسم المناسب، واللون المناسب... مثل: الشخصيات الرئيسية، ملامح الكهنة
وثيابهم. الخلفيّات المشهدية للمعابد.. كل هذه الأمور أُخذت بمصداقية خاصة
فأتت الرسوم بألوانها الزاهية مطابقة تماماً لخيال الطفل.
قصة "حكاية زهرة النرجس" أيضاً من إعداد الأديبة دلال حاتم، أمّا الرسوم
فهي للفنّان غسّان السباعي الذي يقدّم روحاً مميّزة لشخصية الأميرة بطلة
القصة، مهتماً بالنزوع إلى الواقعيّة دون اللجوء إلى المبالغة في التعبير،
فيبقى التعبير لديه داخلياً، ومن خلال الشكل الواقعي ذاته، فهو يملك لغة
تشكيلية تبدو فيها لغة اللون المائي، والتحديد بالحبر لإبراز الظل والنور.
يبدو لي أن استجابة الطفل لهذا النوع من الرسوم تكون بطيئة، ولكن ذلك لا
يلغي الرصانة التي يتعامل بها السباعي.
النموذجان القصصيان اللذان ذكرت هما من مجلة أسامة.. أمّا عن مجلّة علاء
الدين المصرية، فنقول، إنّها مجلّة غنيّة بالقصص المصورة المتعدّدة
المواضيع، وهي ترفيهية، توجيهية، تحقق للطفل جزءاً من حضور خياله، مطبّها
الوحيد أنّها تطرح أغلب قصصها باللهجة العاميّة، قصة "كنز القرصان" من
القصص العالمية، سيناريو علي ماهر عبده رسوم عبد الرحمن بكر، تدور أحداثها
حول شاب صغير يدعى جاك، يحاول البحث عن كنز جدّه الرابع الذي ضاع أثناء غرق
سفينة، لكنّ خريطة الكنز تُسرق منه، فيعمد للبحث عنها.
جو القصة جو مغامرات، لكنّ الألوان لم تضف شيئاً من الإثارة للطفل. ورغم
أنّ الرسّام وفّق باختيار نماذج لأبطال القصة من حيث المظهر الخارجي، إلا
أنّه لم يوفق بتعبيريتها، فجاءت جامدة، وغير موحية.. أيضاً اللون لم يأت
موظّفاً كما ينبغي.. ولم يكن داعماً للشكل.. فقد لُوّن شعر "جاك" باللون
الأخضر الفاقع مترافقاً مع خلفيّة من اللون ذاته، علماً أنّ الفنّان حاول
قدر المستطاع، أن يحدث تباينات لونيّة وفّق في بعضها، فبدت التكوينات
مناسبة أحياناً للحدث، مثل تكوين المهندس الشرّير الذي سرق الخريطة، فقد
ظهرت ملامحه مقنعة للطفل، وكذلك شخصية الجدّ الذي كان مقنعاً وطيّباً
ورزيناً وهادئاً.
وللمقارنة بين طريقة رسّامي المجلّة، نجد هناك تبايناً واضحاً بين القصة
السابقة "كنز القرصان" وبين القصّة التي سنتحدث عنها، وهي "علاء الدين
ومرجان" سيناريو ورسوم "وليد نايف".. ومّما هو لافت للانتباه أن القصّة كما
أوردت مكتوبة باللهجة العاميّة المصريّة.. والفراغات التي دوّنت عليها
الحوارات لم تكن بيضاء، ممّا أحدث بعض التشويش والثقل اللوني الذي لا يهدف
إلى شيء. على الرغم من أن الشخصيات كانت مشغولة كاريكاتيريّاً بشكل جيد،
وأدّت وظيفتها التعبيريّة في الحركة الخطية للشكل، إلاّ أن ما يتوقّف عنده
هو اللون الذي يؤثّر على ما هو هام في الرسم. هناك حشو لوني في الخلفيّة
أثّر على المشهد، وأرهق القارئ الصغير. أمّا رسوم طاهر رشدي في قصّة "شمس
ونور" للكاتب محمد صالح فرح، فقد أنقذت السيناريو من مطبّ العاميّة الذي
أوردت.. ففي رسومه تمايز واضح، سواء في اختيار الشخصيّة، أو في الانفلات من
الإطار الذي يغلّف الحدث، أو في حركيّة عناصره، حيث يتمّ الإيحاء بها من
خلال الخطّ واللون.
أمّا في مجلّة الطليعي، وهي من المجلات المحليّة الموجّهة، فإننا نرى
نصوصاً تهتم على الغالب بالقضايا الوطنيّة والقومية، أسلوبها جميل،
رسوماتها لطيفة، ألوانها معبّرة. تشدّ الطفل بشكل لافت. وهي مجلة تخصصيّة،
نذكر من قصصها المسلسلة قصّة "فتى عربي شجاع"، تأليف عادل أبو شنب، رسوم
ممتاز البحرة.. وتدور فكرتها حول إنسان فلسطيني ملاحق، لجأ إلى بيت أحد
الأشخاص وجدّته في القدس المحتلة، وتمكن بالتعاون معهما من التغلّب على
دوريّة صهيونية، لكنّه اضطّر للاختباء في بئر، وذلك عندما جاءت دورية أخرى
تفتش عن الأولى.
ويبدو ممتاز البحرة في رسومه وكأنه يعرف أحاسيس الطفل، فينقل إليه خبرته
الفنيّة بكل مصداقية، لوناً، وخطّاً، وحركة، وتكوينات موحيّة، فنرى في قصة
/فتى عربي شجاع/ التعبيريّة المرتبطة بكل جملة على حدة، بغية منح رسومه
إحساساً سينمائياً، يشعرك من خلاله، وكأنّك تنتقل من مشهد إلى آخر بشكل
سينمائي. المبالغات التي تجريها ريشته منطقيّة وذات دلالة، يوظف فيها
المنظور للتعبير عن المعنى. فمثلاً: عندما يقول الجندي الإسرائيلي في
القصة: ـ فتّشوا البيت، نرى لهجة الأمر والعدوانية بادية على ملامحه، وحركة
كفّيه الكبيرين. في مجلة ماجد الخليجيّة نقرأ مجموعة من القصص المطروحة
التي يحبّها الصغار، ويقبلون على قراءتها، تشدّهم الرسوم الجميلة، والطباعة
الجيّدة. من تلك القصص المصوّرة نذكر قصّة "شمسة ودانة" للكاتبة سميرة
شفيق، والرسام إيهاب شاكر، وتدور فكرتها حول طفلين يتحاوران حول الطريقة
التي يستطيعان بها فعل الخير، وتقديم البهجة للآخرين، وفي الحوار يكتشفان
أن الضحك هو مصدر التفاؤل، ومصدر إسعاد الناس.
أمّا قصّة /مغامرات المهرّج زوبعة/ سيناريو ورسوم أحمد الخطيب. فإنها من
القصص الترفيهيّة، غنيّة بالألوان، فيها تنويع بالسيناريو. الرسم فيها أكثر
إقناعاً من الحواريّة، والسبب حسب قناعتي يكمن في اعتماد الرسّام الجمع بين
الكتابة والرسم. وهي إشكالية بالنسبة لمن يكتب ويرسم في آن واحد.
ويشترك الفنّان أحمد الخطيب مع الفنّان فوّاز في الأمر ذاته، فقد كتب هذا
الأخير قصّة "صيد جائر" ورسم رسومها، لكنه أضاف شيئاً آخر هو ابتكار في
عالم السيناريوهات، حيث عمل على إنزال الصور الفوتوغرافيّة ضمن العمل.. وهو
أسلوب اعتمدته مجلّة العربي الصغير، عن طريق عدّة قصص. ولا أدري مدى تقبّل
الطفل لهذه التوليفة التي اعتمدها الفنان، ما بين الرسم اليدوي، والتصوير
الفوتوغرافي والعبارة، حيث تمت المعالجة عن طريق الكمبيوتر. القصّة
مغربيّة، مكتوبة باللغة العربية الفصحى.. وقد وصلنا انتماء القصة للقطر
المغربي، من شكل المئذنة، وشكل الثياب، وطبيعة الأبنية، وهي إيجابية مشهود
بها للفنّان.
أخيراً، وفي ختام موضوعنا نستطيع القول إن صحيفة الأطفال سواء كانت جريدة
أو مجلّة تزوّد القارئ الصغير بالمعلومات، تفسّر وتشرح له الكثير من
الحقائق الغامضة والأحداث.. توجّهه وترفّه عنه.
وكلّما اعتمدت الصحف المخصصة للأطفال من إخراجها على الأسس السيكولوجية،
كلّما كانت وسيطاً ناجحاً من وسائط مخاطبة الطفولة، وأكثر قرباً من نفوس
الأطفال.. والرسم لصحف ومجلات الأطفال لـه ميزة إعلامية خاصّة كونه يستطيع
مخاطبة جميع الشرائح العمرية. ومن هنا يأتي اهتمام الأجهزة التربويّة
بتقديم نماذج من الكتب والمجلاّت الخاصّة بالبراعم تعتمد على الرسوم والصور
فقط دون الكتابة. وتحتل الصورة والرسم معاً مكاناً كبيراً جدّاً في العملية
الإعلامية لما لهما من القدرات على تطوير خيال الطفل، ونقله إلى عوالم
بعيدة ومتنوعة.
ولو أردنا أن نشير إلى بعض المثالب التي تحيط بالمجلاّت الطفليّة الموجودة،
لرأينا أنّها كثيرة، نشير إلى بعضها فنقول: إنّ بعض هذه المجّلات يعتمد
اللهجة العاميّة، خصوصاً المجلات المصرية. وإنّ بعض المجّلات يعتمد القصص
المترجمة، ويعتمد الإعداد. إضافة إلى أنّ بعض الرسامين يكتب السيناريو
ويرسمه، فلا يوفّق في أغلب الأحيان، لأنه بالأصل ليس كاتباً.
على هذا الأساس نحن بحاجة إلى كتّاب جيّدين، ما دمنا نملك الرسّامين
الجيدين، نطرح همومنا الخاصة، وتجاربنا، بعيداً عن الاستيراد الأجنبي. فقد
لا تؤدي المجلّة الغرض المرجو منها إذا ابتعدت عن الإحاطة بما يخصّ واقعنا
وحياتنا ومبادئنا.
أضيفت في06/03/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
أمهات قرب أبنائهن
بقلم الكاتبة:
نورة بنت محمد السعيد
الإهداء
إلى من يتطلع إلى جيل مسلم...إلى كل مرب و مربية...إلى كل أب وأم...أهدي
هذه التجارب
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التربية الحسنة وصلاح الذرية أمنية كل أب وأم، وقد اعتنى بها
الإسلام عناية خاصة وأصل لها أصولاً راسخة في المصدرين الأولين الكتاب
والسنة، وكتب في نظرياتها الكتاب على اختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم، وهذه
الصفحات عبارة عن تجارب تربوية ناجحة بإذن الله تعالى، مارسها بعض المربين
وأحببت تسجيلها لعل فيها ضياء- يستنير به المتطلعون إلى صلاح الأبناء
والبنات، أملا في أن يكونوا أعضاء نافعين لأنفسهم ودينهم وأمتهم الإسلامية.
ولقد حرصت في عرضها على بساطة الأسلوب والعرض القصصي الواقعي، فإن
وفقت فمن الله تعالى وبتسديد منه وإن كان غير ذلك فمن نفسي ولا تتعدى أن
تكون اجتهادا شخصيا أرجو ثوابها عند الله تعالى- وأسأل الله أن ينفع بها
وأن يجعلها في ميزان حسنات كل من ساهم في إخراجها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
التربية، مصدرها، ومتى تبدأ؟
كنوز القرآن والسنة أصول تربوية كبيرة الفائدة عظيمة الأثر، وحين
يكون الحديث عن الطفولة فإن هذه المرحلة كالبذرة الصغيرة والنبتة الضعيفة
إذا أردنا لها النمو والقوة والاشتداد فعلينا بمنبع الإسلام الصافي، لنربي
أبناءنا على منهج كتاب الله ووفق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنحرص على
هذه التربية منذ نعومة أظفارهم، حيث مرحلة التنشئة، فالأطفال كالنبتة
الصغيرة تحتاج إلى رعاية تامة من ماء وهواء وشمس حتى تكبر وتشتد والأطفال
بحاجة إلى متابعة وتوجيه ما داموا في هذه المرحلة من العمر حتى إذا اشتد
عودهم وصاروا كبارا كانوا على خير بإذن الله تعالى أما إذا نشأوا مهملين
فيصعب عند الكبر توجيههم وإصلاحهم.
نجد في وقتنا الحاضر كثيرا من الأمهات يشتكين من أبنائهن بعدم أداء
صلاة الفجر في جماعة بسبب عدم تعودهم عليها منذ الصغر، تحكي إحدى الأخوات
أن طفلها منذ أن كان في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي كان لا يترك
الصلاة مع الجماعة في كل وقت حتى صلاة الفجر فكان في ليالي الشتاء الباردة
يلبس الملابس الثقيلة ويخرج مع أبيه إلى المسجد وفي إحدى الليالي قال أحد
جماعة المسجد لوالده لا تخرج به في مثل هذا الوقت لبرودة الجو وعدم تحمل
الطفل له، لكن الأب استمر على الذهاب بابنه إلى المسجد في كل الأوقات لأنه
ليس هناك فرق بين ذهابه إلى المسجد وموعد المدرسة- أي بين صلاة الفجر وموعد
الدراسة سوى ساعة واحدة تقريبا- فلماذا نهتم بأمر الدنيا أكثر من الاهتمام
بأمر الله والدار الآخرة، واستمر هذا الابن على المحافظة على الصلاة في
المسجد في كل وقت وقد بلغ قرابة العشرين من عمره وهو مثال في المحافظة على
الصلاة جماعة في الفجر وغيره لأن من شب على شيء شاب عليه.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- يذكر عنه أنه يقول كنا نعيش
في بغداد وكان والدي قد توفي وكنت أعيش مع أمي فإذا كان قبل الفجر أيقظتني
وسخنت لي الماء ثم توضأت. وكان عمره آنذاك عشر سنين- يقول وجلسنا نصلي حتى
يؤذن الفجر- هو وأمه رحمهما الله- وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد
وتنتظره حتى تنتهي الصلاة لأن الأسواق حينئذ مظلمة وقد تكون فيها السباع
والهوام ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلته أمه لطلب
العلم ويقول أحد العلماء: إن لأم الإمام أحمد من الأجر مثل ما لابنها لأنها
هي التي دلته على الخير.
نعمة الذرية
إن نعمة الذرية نعمة جليلة لا يقدر قيمتها إلا من فقدها، والنعمة
تستحق الشكر للمنعم، ومن أجل مظاهر شكرها حسن تربيتها ورعايتها الرعاية
الشرعية الصحيحة، فكيف تكون هذه التربية وتلك الرعاية؟
هذا التساؤل هو ما سنحاول الإجابة عليه قدر المستطاع في هذه الكلمات
بإذن الله، إن هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا وزين بها بيوتنا ثم
أوكل إلينا حق رعايتها وإصلاحها والعناية بها جديرة بالدراسة والتخطيط
والمتابعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن
رعيته إلى أن قال والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها
وولده" الحديث متفق عليه. فما هي تلك الرعاية؟
تبدأ الرعاية في الإسلام قبل عقد الزوجية حيث أوصى الإسلام باختيار
الزوجة الصالحة لما لها من أثر في صلاح الذرية فحكمة الإسلام البدء بصلاح
الأم وحسن اختيارها وهذا هو صريح وصية الرسول عليه الصلاة والسلام "فاظفر
بذات الدين تربت يداك ". فالأم الصالحة مثل الأرض الصالحة للزراعة، ثم
يأتي- بعد الزواج- التوجيه النبوي الكريم إلى ما يكون سببا في صلاح الأبناء
قبل تكوينهم في أرحام أمهاتهم حيث ورد قوله صلى الله عليه وسلم:" لو أن
أحدكم إذ أتى أهله قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما
رزقنا، فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا". والحديث متفق عليه. تسمية
ودعاء، وهذا دليل على بركة التسمية وأهميتها وأهمية الدعاء، وفي ذلك اعتصام
بذكر الله وتبرك باسمه واستشعار بأن الله تعالى هو الميسر والمعين، وفيه
إشارة إلى أن ذكر الله سبحانه وتعالى يطرد الشياطين.
وأمر آخر مما يدل على عناية الإسلام بالرعاية الطيبة للأبناء هو
الدعاء لهم فدعاء الله سبحانه وتعالى هو نهج الأنبياء والصالحين في كل حال
من أحوالهم، فهذا زكريا عليه السلام يدعو الله سبحانه وتعالى قبل أن يرزق
الذرية قال تعالى: {هُنَالِكَ
دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً
طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]. فلننظر إلى قوله ذرية طيبة لأنه لا يريد أية ذرية
ويحدثنا القرآن الكريم أيضا عن امرأة عمران- أم مريم عليها السلام .
ودعائها ربها حين الحمل وبعد الولادة يقول تعالى: {ذُرِّيَّةً
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ
عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا
وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا
مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ} [آل عمران:34- 36]
الله أكبر تدعو لابنتها ولذريتها، فهل لفت انتباهنا- نحن المربون-
هذا الدعاء ودعونا به.
كانت إحدى الأخوات حاملاً وعند آلام الوضع تذكرت دعاء أم مريم
لابنتها مريم عليها السلام بعد ولادتها لها وتقول لقد ألهمني الله أن أدعوا
الله بهذا الدعاء بعد ولادتي طفلتي: "اللهم إني أعيذها بك وذريتها من
الشيطان الرجيم ".
تقول هذه الأخت لقد رأيت على هذه البنت صفة الهدوء والراحة في
تربيتها ما لم أجده فيمن قبلها من أخوتها ولله الحمد ونسأل الله أن يديم
عليها ويجعلها قرة عين لوالديها وذخرا للإسلام والمسلمين.
عناية السلف بالتربية
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله- كيف تكون التربية؟ فسأله
العالم كم عمر ابنك الآن؟ قال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية!
لأن التربية يبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ
مع ولادة الطفل أو بعد مضي سنوات عمره الأولى، بل نلاحظ هنا أن التربية
تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة لأنها هي
المدرسة الأولى للطفل في حمله وبعد ولادته والأم هي الفاعل الأساس في
العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب وذلك لالتصاقها بالطفل- ولأن
الطفل قطعة منها ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة
البيت المسلم لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهمية، وهي مرحلة ما
قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة أساسية في حياته وكلما دعمت
بالرعاية والإشراف والتوجيه كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية
التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه، وكلما أخذت التربية منا جهدا أكبر
أثمرت أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس ليكون ذلك أقوى له وأشد
صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تنبغي العناية بتأسيس
الأبناء.
وهناك أشارة إلى أن التربية الإسلامية التي عليها الأساس القوي هي
تربية الروح فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير وربط صلته بالله تعالى
بالذكر والدعاء في كل حين وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في
خلقه ومأكله ومشربه ولبسه مطلب أهم من العناية بالأكل والشرب واللباس مجردة
من استشعار فضل الله فيها فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها
ومتابعتها وتحققيها للطفل، إذن فالمهم من الذي هيأها وأنعم بها علينا.
لنقرأ قول الله تعالى في سورة لقمان: {وَلَقَدْ
آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ
لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ
تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ *
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ
الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
المتأمل في هذه الآيات يدرك كثيرا من الركائز التربوية القرآنية
التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى لنا ولأبنائنا ومن أهم تلك الركائز:
1- القدوة في المربي الأب ومثله الأم.
2- أسلوب الحكمة في الموعظة واللين والرفق في التربية.
3- الركن الأول في التربية والتعليم، وهو ترسيخ العقيدة "يا بني لا
تشرك بالله ".
4- إحياء عاطفة الأبوة وبيان واجب الولد نحو والديه وتنمية جانب
المحبة والتقدير بين الآباء والأمهات والأبناء.
5- ربط السلوك بالعقيدة "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن
في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير".
ليدرك الطفل هذه الحبة الصغيرة وأنها لا تخفى عن علم الله في ملكوته
الواسع بل يأت بها الله لأنه عليم بصير لطيف لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا
في السماء.
وهكذا عناية المربي كما يصورها القرآن الكريم على لسان لقمان لتكون
دستورا ومنهاجا لكل المربين عبر العصور.
وسجل التاريخ حافل بالعبر في مجال عناية السلف بالتربية وسيرة
الأمهات الصالحات تعطر صفحاته بمداد من ذهب والمتصفح لذلك السجل يتبين له
ما كان عليه نساء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرون الإسلام
المفضلة من حرص تام على تنشئة جيل رباني متمسك بعقيدته عامل عالم بشريعة
الله مطبق لأحكامها في مسلكه في هذه الحياة.
وفي الأسطر التالية إضاءة سريعة على بعض تلك الملامح لعلها تكون
نبراسا للسير على ذلك المنهج في حياتنا المعاصرة.
* أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أم عبد الله ابن الزبير ذلك
الصحابي الجليل الذي لم يكن يخرج عن رأي أمه، ولم يكن يستشعر الاستغناء
عنها، وطلب مشورتها، ونهج سبيلها مهما تطاول به العمر وأخصبت رأيه التجارب،
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه شبابنا اليوم فالقرب منهم وبذل المشورة لهم
مطلب هام، لكن لابد من تهيئتهم لذلك، فقد دخل عبد الله بن الزبير على أمه
يستشيرها في أمر صراعه مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان ابن
الزبير رجلاً مسنا لكنه تربى بقرب أمه ونهل من معينها- وهذا هو الشاهد من
هذه الحادثة- فأشارت عليه بما رأته مناسبا لحاله: "الله الله يا بني إن كنت
تعلم أنك على حق تدعو إليه فأمض عليه.... وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد
أنت أهلكت نفسك ومن معك ".
* أم سليم بنت ملحان آمنت بالله، وبايعت على مرضاته، ورأت أن أول
واجباتها تبليغ هذا الدين إلى أقرب الناس إليها فعرضت الإسلام على زوجها
مالك بن النضر والد أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى ثم تدرك
هذه الصحابية الجليلة دورها ومسؤوليتها تجاه ابنها أنس لإعداده إعدادا
سليما فأخذت تلقنه الشهادة وتقول له: قل أشهد أن لا إله إلا الله. قل أشهد
أن محمدا رسول الله، وفعل الطفل ذلك.
وسمع زوجها فقال لها: لا تفسدي علي ابني، فأجابته: إني لا أفسده.
وهي بذلك رسمت واحدة من مسؤوليات الأم في البيت وهي أن تعلم طفلها
وتؤدبه وتربيه، كما يلاحظ أن أمر تلقين العقيدة من أوليات الأمور التي
ينبغي أن تهتم بها الأم عند تربية ولدها الصغير.
ومن الملاحظ أن الطفل يفهم من أمه ويقبل منها ما لا يفهمه ولا يقبله
من غيرها، وهذا يحتم على الأم أن تعي دورها ولنتأمل قول أم أنس حين قتل
زوجها: قالت: "لا جرم لا أفطم أنسا حتى يدع الثدي حيا ولا أتزوج حتى يأمرني
أنس ".
هذه صورة من صور الرعاية الحانية الواعية من هذه الأم لولدها.
من ثمار التربية الحسنة
يذكر أن طفلة في السنة الخامسة الابتدائية كانت تؤدي سنة الضحى قبل
ذهابها إلى المدرسة، وفي اليوم الذي يضيق فيه الوقت ولا تتمكن من أداء
السنة في البيت قبل الخروج تقول أشعر بضيق ينتابني في المدرسة في ذلك اليوم
عندما أتذكر أني خرجت قبل أداء هذه السنة.
إن المرحلة الأولى من حياة الطفل- السنوات الست الأولى- من أخطر
المراحل وهي من أهمها حيث أن لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته فكلما يطبع في
ذهن الطفل في هذه المرحلة تظهر آثاره بوضوح على شخصيته عندما يصبح راشدا.
إن الطفل في هذه السن كالورقة البيضاء مستعد لأن يكتب فيه أي شيء من
خير أو شر لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرا بالتربية في هذه المرحلة،
وينبغي الاهتمام أكثر من جانب الأمهات فعليهن منح الطفل ما يحتاجه من حب
وحنان، وهذا ضروري لتعليم الطفل محبة الآخرين، والمحبة غريزة طبيعية في كل
طفل، ولذا ينبغي صرفها في البداية إلى محبة الله سبحانه وتعالى ثم إلى محبة
رسوله عليه الصلاة والسلام- فمثلاً إذا أهدى أحد إلى الطفل قطعة من الحلوى
أو لعبة أو غيرها، فسنجد أن هذا الطفل يحب ذلك المهدي فما بالكم إذا ذكر
الطفل بنعم الله عليه من المآكل والمشارب والملابس والصحة والعافية- بين
فترة وأخرى- ولفت انتباهه إلى أن هذا من رزق الله فبإذن الله تعالى ستنغرس
في قلب هذا الطفل محبة الله سبحانه وتعالى.
دخل الأب يوما إلى المنزل وقد أحضر معه أنواعا من الفاكهة فجلست
الطفلة ذات الأربع سنوات تنظر إلى هذه النعم بينما الأم والأب منشغلان في
حديث ما، فإذا بالطفلة تقطع حديثهما قائلة: أنا أحب ربي وعندما سئلت لماذا؟
قالت: انظروا ماذا أعطانا، تشير إلى الفاكهة، فقد يغفل الوالدان، والطفل
يذكرهم بنعم الله.
بعض الأولياء أو الوالدين قد يستعجل ثمرة التربية أو يرى انحرافا
بسيطا في سلوك الابن أو البنت وهم في سن الثانية عشرة إلى السابعة عشرة،
فيصاب بشيء من الإحباط أو تحطم الآمال، ويظن أو يتيقن فشله في التربية.
ولكني أقول ليطمئن الوالدان فهذا لا يدل على الفشل، فليستمروا في
المتابعة والتوجيه باللطف واللين والتشجيع على الخير والدعاء مع الإخلاص
وسوف يرون الثمرة الطيبة بإذن الله ولو بعد حين، لأنهم بذروا بذرة طيبة
وغذيت وسقيت بالطيب من كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والله
تعالى يعلم صدقة نية العبد وحرصه على أبنائه ولن يخيب له أملاً.
تذكر إحدى الأمهات حرصها على ابنتها منذ الصغر ومتابعتها لها حتى
كبرت وتقول هذه الأم أن ابنتها كانت أحيانا تسخر منها ومع هذا استمرت وصبرت
وصابرت في تربيتها، وأملها كبير بالله تعالى تقول هذه الأم إن ابنتها عرفت
لوالدتها فضلها واعترفت لوالدتها بذلك فكانت تقول لم أكن أبالي بما تقولين
لي من توجيهات وعندما يحصل لي موقف من المواقف أتذكر كلامك ويبدأ صداه يرن
في أذني، وهي الآن من حفظة كتاب الله ومِن مَن يساهم في مجال الدعوة إلى
الله قدر استطاعتها.
وفتاة أخرى كانت تردد أمها عليها وعلى أخواتها أن يسألوا الله
الرفقة الصالحة، وفي أحد الأيام حصل لهذه الفتاة موقف في مدرستها عرفت بعده
أهمية الرفقة الصالحة، وأدركت ما تعنيه أمها بذلك التوجيه، حيث وقعت مخالفة
من عدد من الطالبات في المدرسة ولم يتبين المخطئة من المصيبة فوجهت المديرة
جميع الطالبات وحذرتهم من هذه المخالفات وكان هذا الموقف على مرأى من هذه
الفتاة وبعد عودتها من المدرسة قالت لأمها ما حدث وأنها أدركت فضل الرفيق
الصالح، وأهمية البعد عن مواطن الريبة والخطأ، كما نستفيد من هذا أهمية
رعاية وتوجيه النشأ، وغرس البذرة الطيبة بالقول الطيب وعدم استعجال الثمرة.
يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون} [إبراهيم: 24-
25].
* ومن أهم ما ينبغي التنبيه إليه العناية بالابن الأول أو البنت
الأولى، لأنهما سيكونان القدوة لمن يأتي بعدهم من الأولاد، ويكونان عونا
لأبويهما في مجال التربية وسيخف العبء على الوالدين خاصة عند كبرهما، وكثرة
مشاغلهما وارتباطاتهما.
التربية الإيمانية للطفل:
ينبغي لطفل الثالثة من العمر أن يرى أمه وأبيه وهما يصليان، وينبغي
أن يسمعهما يتلوان القرآن، فإن استماع الطفل للقرآن الكريم، والأذكار
اليومية من والديه وإخوانه، وتكرار هذا السماع، يغذي روحه ويحي قلبه كما
يحيي المطر الأرض المجدبة، لأن لسماع الطفل والديه وهما يذكران الله تعالى،
ومشاهدته لهما في عبادتهما لذلك أثر في أفعاله وأقواله.
ومن الأمثلة على ذلك قصة هذه الطفلة:
انتهت الأم من الوضوء وإذا بطفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات
تغسل وجهها ويديها مقتدية بأمها، وترفع إصبعها السبابة قائلة: لا إله إلا
الله، فهذا يدل على أن الطفلة لاحظت من والديها أن هناك ذكر مخصص يقال بعد
الوضوء.
وقصة أخرى: أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء- في أحد الأيام- وقامت
لإكمال عملها في المنزل، وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس
في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها
النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك
قبل أن تقولي: استغفر الله. هذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال
لوالديهم.
الإنسان معرض للأسقام والأمراض وقد يمرض أحد الأبناء، ولذا ينبغي أن
يكون مرضه فرصة لتقوية صلته بالله تعالى، وذلك بتذكيره بفضل الصحة
والعافية، وأنها من نعم الله تعالى، وأنه يجب شكره عليها، وأن الإنسان ضعيف
لا حول له ولا قوة إلا بربه، وعند أخذ الدواء أو الذهاب به إلى المستشفى،
نوحي إليه أن الشفاء من الله لكن هذه أسباب أمرنا الله بها، ثم لنربطهم
بالرقى الشرعية والعمل بها، ولنضرب له الأمثلة بالأنبياء وأخذهم بالأسباب
واتكالهم على الله تعالى، كقصة أيوب عليه السلام ومرضه وقصة يعقوب عليه
السلام حين أمر أبناءه بالدخول من أبواب متفرقة وأنه لا يغني ذلك عنهم من
الله شيئا وتفويضه الأمر إلى الله تعالى. قال سبحانه على لسان يعقوب: {لا
تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ
وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 67].
ومن أهم الأمور تذكير الأبناء باحتساب الأجر، والصبر على المرض،
وعلى الدواء، فهذه طفلة تذكر والدتها أن الله سبحانه وتعالى أراد لها أن
تصاب بمرض كما يسمونه طبيا- بمرض مزمن- وذلك حسب تقدير الطب البشري ولكن
الشفاء بيد الله تعالى- تذكر الأم أن هذه الطفلة اضطرت لأخذ الدواء مرتين
يوميا، وكانت أمها تذكرها دائما بالأجر. فما كان من هذه الطفلة إلا أن قالت
لأمها يوما من الأيام: "أنا أحصل على الأجر لأنني آخذ هذا الدواء".
تقول ذلك وكأنها تفخر وتتميز بهذا الأجر والثواب على أهلها وأخوتها.
من وسائل التربية والتسلية البريئة
الأناشيد والأشرطة والقصص المفيدة:
لا ننس أن الطفل بحاجة إلى المداعبة والأناشيد ولتكن الأناشيد
لتنمية العقيدة أولاً وبأسلوب يلائم الطفل كقول الشاعر مثلاً:
أنا أحب إلهي ودينه وكتابه
كذا أحب رسولي محمدا وأصحابه
ولقد أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية اللعب. والتسلية
للفتيان والفتيات، وقصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين مكنها رسول
الله صلى الله عليه وسلم من رؤية أهل الحبشة وهم يلعبون شاهد على ذلك وتؤكد
عائشة رضي الله عنها ذلك بقولها: "أقدروا وللجارية قدرها ".
كما أن الطفل يحتاج إلى تجديد الأشرطة والقصص المفيدة النافعة بين
فترة وأخرى ولبيان أهمية الأشرطة والكتب النافعة إليكم هذه القصة:
كان أحد الآباء حريصا على شراء ما استجد من القصص والكتب المفيدة
لأولاده، وفي ضحى يوم من أيام رمضان دخلت أم الطفل ذي التسع سنوات لإيقاظه،
فعندما استيقظ قال لأمه- قبل أن ينهض من فراشه-: لقد خططت برنامجا يوميا لي
بدأت به منذ صباح اليوم وقال: لقد صليت الفجر، وجلست أذكر الله حتى أشرقت
الشمس، ثم أديت ركعتين ونمت، وسأكمل برنامجي اليومي، سألته أمه كيف ستنظم
وقتك قال: لقد أخذت تنظيم يومي من هذا الكتاب!
فانظر أيها المربي أثر الكتب النافعة على النشأ المسلم.
الأذكار والطفل المسلم
يلقن الطفل في الثالثة والرابعة أذكار الصباح والمساء والنوم
والطعام والشراب، وسماع الطفل الأذكار، وحفظه لها وممارستها، ربط وثيق
لروحه بالله عز وجل، فتنمو روحه وتسلم فطرته من الانحراف.
ذهبت إحدى الأسر للتنزه في البر، وعندما نزلت الأسرة ذهب الطفل
مسرعا يجري في البر فرحا مسرورا وإذا به يعود مسرعا سائلاً والدته: ما هو
الذكر الذي يقال في هذا المكان؟
وكما هو معلوم فإن الذكر المقصود ما ورد عن الرسول صلى الله عليه
وسلم: قالت خولة بنت حكيم رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق
لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك". رواه مسلم.
إن هذا الطفل أحس أن المسلم له أذكار معينة بعضها خاص بالزمان
وبعضها خاص بالمكان وهكذا، وقد أدرك هذا الطفل حقيقة العلاقة بربه وأنها
دائمة مستمرة مما تعوده من والديه، وإذا تربى الطفل على ذلك كان صالحا بإذن
الله، وكان له أثر على أقرانه ومن لهم به صلة.
ومن القصص حول نشأة الطفل على الذكر والصلة بالله: أنه في أحد
الأيام جاء الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات إلى أمه بلباس جديد قد
ألبسته إياه أخته البالغة من العمر ثلاث عشرة سنة فقالت له أمه دعني أقول
لك دعاء لبس الجديد فقال الطفل لقد قلته، فتعجبت الأم لأنها تعلم أن- الطفل
لا يحفظ هذا الدعاء. قال الطفل لأمه قالت أختي الدعاء ورددته معها، فلننظر
إلى أن صلاح هذه الفتاة كان له أثر حتى على إخوتها الصغار.
التعريف بالخالق بشكل مبسط
يعرف الطفل بالله عز وجل بطريقة مناسبة، مع إدراكه ومستواه، فيعلم
بأن الله واحد لا شريك له ويعلم بأنه الخالق لكل شيء فهو خالق الأرض
والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها، ويمكن أن يستغل
المربي بعض المواقف فيسأل الطفل في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق
الماء والأنهار وما حوله من مظاهر الطبيعة ليلفت نظره إلى عظمة الخالق
سبحانه وتعالى فقد يكون الأب أو الأم أو المربي بصفة عامة مع طفل أو مجموعة
من الأطفال في سيارة في سفر أو رحلة وقت غروب الشمس، وهي تتوارى عن الأنظار
تدريجيا فما على المربى حينئذ إلا أن يلفت نظر من معه إلى قدرة الله عز وجل
في ذلك.
كما يوجه الطفل لإدراك فضل الله عليه وما أسبغه عليه من نعمة الصحة
والعافية فيقال له مثلاً من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك
القوة والقدرة على الحركة، وهكذا ويحث أيضا على محبة الله وشكره على هذه
النعم وهذا الفضل، إن تحبيب الطفل إلى الله وما يحبه الله أمر جيد، وله
مردوده التربوي عاجلاً وآجلا بإذنه تعالى.
فتحت الأم الشباك من غرفة منزلهم في الدور الثاني للتهوية وإذا
بطفلها يأتي مسرعا ويقفل الشباك، وعندما سألته أمه لماذا تصرفت هذا التصرف
قال: إني رأيت الدش في أحد سطوح المنازل المجاورة لنا، وأردف قائلاً. إني
لا أريد أن أنظر إلى شيء لا يحبه ربي....
قد يسأل الطفل عن ربه، هل يأكل هل ينام؟ وعند ذلك لابد من إجابته
بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، وإن
الله ليس مثلنا بحاجة إلى النوم والطعام والشراب.
إن تبسيط هذه المعاني للطفل وتوضيحها له بشكل مناسب لسنه وتعظيم
الله في قلبه مما يساعد على مراقبته لربه في السر والعلانية.
القصة وأثرها في التربية
للقصة دور وأثر فعال في تربية الطفل، وتحبيبه لله ورسوله صلى الله
عليه وسلم فقصة نبع ماء زمزم عند قدمي إسماعيل عليه السلام تملأ قلب الطفل
محبة لله تعالى، وكذا من القصص المحببة للطفل قصة موسى عليه السلام وعصاه،
وغرق فرعون وجنوده، وقصة اختفاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الغار،
وتحبيب الأنبياء عليهم والصلاة والسلام إلى الأطفال الناشئة عامل مساعد على
الإقتداء بهم والتأسي بمسلكهم وسنتهم، ومن ما يحسن روايته الأحاديث
المناسبة لأعمارهم وتحفيظهم إياها.
وقد يقول قائل كيف يحبون الرسل والأنبياء وهم لم يروهم فالجواب أن
من أسدى لك معروفا أو ذكر لك بخير فإنك تميل إليه وتحبه وأنت لم تره،
فالرسل أولى بالمحبة من غيرهم، وفضلهم بعد الله على أممهم لا يقدر بثمن.
إن مما ينمي في الأطفال محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر طائفة
من الأحاديث، والمواقف النبوية المناسبة كحديث: "يا أبا عمير ماذا فعل
النغير؟ "، وقصة الغلام الذي كان في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم ويده
تطيش في الصحفة، وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتعامله معه، وأحاديث الحث
على زيارة المريض والعناية باليتيم، وبر الوالدين، وعدم التناجي بين
الاثنين دون الثالث، كل هذه مما يقربه عليه الصلاة والسلام إلى قلوب
الناشئة وينمي شعورهم بمحبته، ومعرفة فضله علينا صلى الله عليه وسلم.
مواقف ونظرات في التربية
إن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وذكره للأطفال دائما، وتشجيع من
يقتدي به منهم حث عملي على ارتباطهم بسنته، كما أن تحبيب شرائع الإسلام لهم
حسب المناسبات كقصر الصلاة في السفر مثلاً، لفت لأنظار الأطفال والناشئة
إلى أن هذا من يسر الدين وسهولته.
* أما القرآن الكريم فيحسن تلقين الطفل في الثالثة أو الرابعة من
عمرة سورة الفاتحة وقصار السور، ثم في سن السادسة يمكن إرسالهم إلى حلقة
لتعليم القرآن الكريم في المساجد ودور القرآن، وربط الطفل ببيت الله
وبكلامه عز وجل صلة بين روحه وخالقها، كلما أن مشاهدة الطفل لمعلم الحلقة،
وقد اهتم بتطبيق السنة في لباسه ومظهره، ومحافظته على الصلاة، وإعفائه
للحيته، وحسن تعامله وأخلاقه، كل ذلك باعث على الإقتداء به في المستقبل
بإذن الله تعالى.
* ومن طرائف الأطفال أنه أتى طفل في يوم من الأيام من الروضة وسأل
والدته: ماذا سأكون إذا كبرت وكان اسم الطفل محمدا فقالت له والدته هل تريد
أن تكون إماما لمسجد وتعلم الناس الخير؟ فأخذ الطفل يفكر قليلاً ثم سأل
والدته: هل سيكون في بلدنا- وكان من أهل القصيم- شيخان اسمهما محمد، قالت
له: ومن هما؟ قال الشيخ محمد بن عثيمين وأنا!
فلننظر أيها المربون إلى هذا الطفل، وتطلعه، وإلى ما بدر في تفكيره،
حيث تبادر إلى ذهنه هذا العالم الجليل، والطفل يتأثر بمن حوله وما يحيط به.
* إن من مهمات المربي تهيئة الأبناء، ومن الوسائل المعينة على ذلك
إلحاق أبنائه في المراكز الخيرية، ودور القرآن الكريم، تلك الدور والمراكز
التي تفتح أبوابها طوال العام، وتركز جهودها في فترة الصيف لاستثمار أوقات
الشباب والفتيات، ولا شك أن الالتحاق بها ربط النشء بأهل الخير، وهذا من
أهم عوامل الصلاح بإذن الله.
* ولا تنس غرس المراقبة الإيمانية الذاتية لدى الطفل، بأن نبذر في
نفسه محبة الله، وأن الله تعالى مراقب لأفعاله، ومطلع على سره وعلنه، ومن
الشواهد الواقعية القصة التالية:
* ذهب أحب الأطفال إلى اجتماع عائلي وجلس يشاهد التلفزيون بينما كان
هذا الجهاز غير موجود في منزلهم- فمرت بالقرب منه والدته، ولكنها لم تحب
الحديث معه حتى يعود إلى المنزل، وعندما عادوا إلى منزلهم سألته قائلة له:
ألم أقل لك أنه لا تنبغي مشاهدة التلفزيون في كل وقت، لأنه يعرض فيه بعض
المشاهد والأصوات التي لا ترضي الله تعالى فقال لها: أنا جلست عنده أنظر
إلى صلاة الحرم وعندما ظهرت المرأة- اللي ما تستحي- أغمضت عيني!! فمن يشاهد
هذا الطفل يا ترى، ومن يراقبه إذا لم يغمض عينيه؟ إلا أنه غرست في قلبه
مراقبة الله له، وشعر أن المرأة التي تبدو سافرة امرأة لا تستحي ولا تخاف
الله.
* قصة أخرى في الإحساس بالمراقبة وتورع الشباب إذا نشأوا على الخير،
تقول إحدى الأمهات: وجدت يوما بعض الريالات في أحد رفوف المنزل، فسألت أهل
البيت جميعا لمن هذه الريالات فالكل قال إنها ليست لي، وكان يوضع عند هذه
الأسرة بعض الأمانات، فخشيت الأم أن تكون هذه الريالات لأحد غيرهم، وقد
نسيتها فأعطتها أحد الأبناء والبالغ من العمر سبعة عشر عاما، وطلبت منه
شراء بعض الساندوتشات، وأمرته أن يذهب بها لأسرة فقيرة، وفعلاً ذهب ذلك
الابن الشاب، واشترى الطعام المطلوب من أحد المطاعم، وسلمه للأسرة الفقيرة،
وبعدما عاد إلى منزلهم، سأل والدته: من أين هذه الصدقة التي ذهبت بها هل هي
منك أم من غيرك؟ وعندما سألته والدته عن سبب استفساره هذا قال: وجدت في
السيارة قطعة من الطماطم فأكلتها، وخشيت أن تكون من مال صدقة قد وكلت بها
أما إن كانت من مالك فالأمر لا إشكال فيه.
هذا الموقف من هذا الشاب على ماذا يدل؟ من يراقب هذا الشاب إلا الله
عز وجل، وإلا فبإمكانه أن يأخذ ساندوتشا كاملاً ولا يعلم عنه أحد. لكن قوة
المراقبة لله جعلته يمتنع عن ذلك.
* ومما يساعد على ارتباط الأبناء بخالقهم تعليمهم التوكل على الله،
واللجوء إليه سبحانه وتعالى، وأن والديه ليس لهم حول ولا قوة إلا به، ولقد
عرفنا من القصص ما يغذي هذا الجانب التربوي، من ذلك قصة إبراهيم عليه
السلام عندما ألقي في النار، وتوكله على ربه عندما أتاه جبريل عليه السلام
ليسأله أله حاجة؟ قال أما لك فلا وأما لله فحسبنا الله ونعم الوكيل، إن مثل
هذه القصة لهي من أقوى الدوافع لتوكل الأنبياء على ربهم وتربيتهم على ذلك.
* ومن قصص الأطفال في هذا المجال ذلك الطفل الذي ذهب إلى إحدى المدن
الترفيهية، وقد أراد أن يلعب في لعبة لم يلعبها من قبل، وكانت كبيرة وترتفع
أثناء اللعب بها ارتفاعا شديدا بالنسبة للأطفال، وعند تحركها حين ركبها
الطفل، وكان بجواره طفل آخر وقد بدا عليهما الخوف فقال له: دعنا نقرأ آية
الكرسي، هذا الموقف يدل على إدراك الطفل لحفظ الله تعالى لهما، ونزول
الطمأنينة عليهما بقراءة كتاب الله أو شيء منه.
* وطفل آخر أحس بالملل في ذهابه للروضة، وطلب من والدته أن تسمح له
بعدم الذهاب، لكن الأم استمرت تشجعه يوميا على الذهاب إليها والطفل لا يرغب
ذلك، وفي يوم من الأيام دخلت الأم على طفلها في الغرفة فوجدته رافعا يديه
ويدعو قائلاً: يا سامع الصوت أخرجنا من الروضة!! فهنا نلحظ أثر التربية
الإيمانية فقد لجأ هذا الطفل إلى الله في موقف هو محتاج إلى من ينقذه من
هذه المشكلة بالنسبة له، وبعدها لم ترسله أمه إلى الروضة حتى التحق بعدئذ
في المدرسة.
* إن لجلسة العائلة أو الأم مع أولادها، وتذكيرهم بالله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم بين فترة وأخرى أثر كبير عليهم، وعلى اهتمامهم
بدينهم وإن كانوا صغارا، ونحن نهمل هذه الجلسات النافعة بحجة عدم التفرغ،
واعتقادنا عدم إدراكهم لصغرهم، وهذا غلط كبير، فمثلاً في قصة الرسول صلى
الله عليه وسلم مع الغلام الذي كانت يده تطيش في الصحفة، إذا بسطت للأطفال
الصغار، فإن فيها آدابا عظيمة يصعب تعليم الأبناء عليها إذا كبروا، وعلى
هذا نقيس من ذكر الأحاديث المناسبة لهم كل حسب سنه، ويؤكد نفع هذه الجلسات
ما ترويه إحدى الأخوات عن طفلها الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي حيث
تقول: عاد ابني من المدرسة، وقال لي لقد حضر اليوم إلى مدرستنا فضيلة الشيخ
محمد ابن عثيمين ورغبت أن أطرح عليه سؤالاً، لكني لم أتمكن من ذلك لأنه خرج
من المدرسة قبل أن أصل إليه، فماذا تتوقعون أن يكون سؤال هذا الطفل؟ سألته
أمه ما الذي تريد أن تسأل عنه الشيخ؟ قال لها: كنت سأسأله هل تحسب للمرأة
خطاها من مكان وضوئها الذي تتوضأ فيه إلى مصلاها برفع درجة ومحو سيئة مثل
الرجال أم لا؟ فتذكرت الأم أنه كان لها حديث حول هذا الموضوع مع هذا الطفل
قبل ما يقارب من شهرين من هذه الحادثة لكنها لازالت عالقة في ذهن الطفل.
" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ": أقبلت طفلة على
أمها، وهي جالسة في استراحة قصيرة من عناء عمل البيت وتذكر الله بينها وبين
نفسها، فسألت الطفلة أمها لماذا أنت جالسة هكذا وماذا تعملين؟- وقد تعودت
هذه الطفلة من أمها أنها لا تضيع الوقت بدون فائدة (عمل أو قراءة أو كتابة
ونحوها)- فأجابت الأم: إني أذكر الله وشرحت لطفلتها معنى الآية السابقة،
فجلست البنت تفعل مثل أمها تذكر الله، وتقول في نفسها هذه رفعت إلى الله،
وإذا انصرفت لكلمة من أمور الدنيا قالت هذه لم ترفع، وهكذا أحست الطفلة
بأهمية العمل الصالح، وطبقت مباشرة ما علمت مقتدية بأمها.
* مما يساعد على غرس الإيمان في قلوب الأطفال إشعارهم بأهمية
الإخلاص لله تعالى، وشرحه لهم، وإخبارهم أن العمل كله لله من صيام وصلاة
وصدقة كلها نتقرب بها إلى الله، بل أعمالهم الدنيوية المباحة والمندوبة
تجعلهم يستشعرون فيها النية الصالحة، وأنهم يؤجرون عليها ويستشعرون مراقبة
الله لهم وقربه منهم فمثلا نذكر الطفل بأن من سقى مسلما على ظمأ سقاه الله
من الرحيق المختوم، ونستغل المواقف فنذكره بمثل هذا الفضل حينما نطلب منه
إحضار الماء لنا أو لأخيه الصغير ونروي له الحديث: "من سقا مسلما على ظمأ
سقاه الله من الرحيق المختوم". فسنجد الطفل يسارع بإحضار الماء متقربا بذلك
إلى الله تعالى.
* أعدت الأم لطفلتها البالغة من العمر قرابة السنة طعاما، وأرادت
أخت الطفلة الكبرى إعطاءها هذا الطعام، وإذ بالأخت الثالثة البالغة من
العمر حوالي الخمس سنوات تريد أن تطعم أختها الصغرى بنفسها قائلة لأختها
الكبرى: أنا التي سأطعمها أتريدين الأجر لك وحدك فقط! فلننظر إلى احتساب
هذه الطفلة للأجر لأن والدتها كانت دائما تحثهم على إطعام الطعام، ونية
العمل لوجه الله تعالى.
* ذهب طفل مع والده إلى المسجد لأداء الصلاة ثم الصلاة على أحد
الأموات من الرجال وبعد عودة الأب وابنه إلى المنزل سأل الطفل والده
قائلاً: لقد أدينا الصلاة على رجل وامرأة ولم أكن أعلم بوجود جنازة المرأة
ولم أنو الصلاة عليها لعدم علمي بها فماذا علي؟ فهذا السؤال يوحي بحرص
الطفل على النية قبل العمل، فهل نحن الكبار احتسبنا الأجر من الله والنية
لله مثل هؤلاء الصغار.
بعض التنبيهات:
ينبغي تنبيه الطفل على بعض الأعمال منذ صغره ومنها:
1- تعويده الأخذ والعطاء باليد اليمنى وكذا الأكل والشرب بها منذ
شهوره الأولى.
2- تعويده التيامن في ملبسه والبدء بالشمال عند خلع ملابسه ويعلم
أنها سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن تجنب البنت اللباس القصير.
4- التسمية عند الطعام والحمد عند الانتهاء منه.
5- أن يعود على ذكر الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم، وخاصة عندما يسمع ذكره.
6- أن يعود الحمد بعد العطاس وتشميت العاطس.
7- أن يعود الشكر على المعروف مهما كان يسيرا.
8- أن يعود السلام عند الدخول والخروج.
9- أن يجنب الصور في الملابس.
* وإليكم هذه الحادثة حول هذه الفقرة:
اشترى أحد الآباء لأبنائه بعض "البالونات "، وكانوا في سفر فلما
وصلوا إلى مكان إقامتهم في البلد الذي سافروا إليه وجد أحد الأطفال على أحد
البالونات رسما لبعض الحيوانات فقال الطفل: الحمد لله أن هذا البيت ليس
بيتنا، ومن ثم لا تدخل الملائكة إليه، فهذا الموقف من هذا الطفل لم يحدث من
فراغ فقد كان وراءه تربية سليمة.
يجب علينا أن ننمي جانب الثقة في نفس الابن والبنت ونعودهم تحمل
المسؤولية كل بما يستطيع وحسب سنه، فلماذا مثلاً لا يطلب الأب من ابنه شراء
بعض احتياجات المنزل من صاحب البقالة؟ وهو يراقبه ويراقب تعامله وينبهه إلى
الأسلوب الصحيح في التعامل، ولماذا لا تثق الأم بابنتها وبدخولها المطبخ
وتعلمها أنواع الطبخ تدريجيا، وتشجيعها على ذلك، فإن في ذلك نفعا لها في
الحاضر والمستقبل واستغلالاً لأوقات فراغها.
القدوة والتربية في حفظ اللسان
الوصية الغالية للمربين والمربيات بحفظ اللسان عن الكلام البذيء،
وترك السب والشتم واللعن عند أتفه الأسباب، فبدلاً من أن تدعو الأم على
ولدها بالموت كما تفعل بعض الأمهات الجاهلات أو تدعو عليه بالمرض والشقاء،
لماذا لا تدعو له بالصلاح والهداية ويتم لا تقدر الأم بأنه لو أصيب ابنها
أو ابنتها بالمرض الذي دعت عليه به كالعمى مثلاً أنه لن يحزن عليه أحد مثل
حزنها هي.
وإليك أيها المربي قصة هذه المرأة حيث تتحدث عن قصتها مع ولدها
والدموع تذرف من عينيها وفيها من الحزن ما لا يعلمه إلا الله تقول:
عزمنا على السفر إلى مدينة الرياض وعند ركوب السيارة جرى خلاف بينها
وبين أحد أبنائها حول لبس الشماغ حيث طلبت منه إحضاره فرفض فكانت المشادة
بينهما وانتهت بدعائها عليه بقوله: "اذهب لا ردك الله " تقول هذه الأم
الحزينة وسافرنا إلى الرياض وكانت المصيبة في أحد الشوارع في الرياض حيث
كنت أسير معه فإذا بسيارة تتجه نحوه وتصدمه، فيسقط يصارع الموت ولم يلبث
سوى ساعات ثم يموت، وأعود إلى بلدي بعد هذا السفر بدونه، هكذا كانت النهاية
الأليمة أجاب الله دعاءها وذهب ابنها.
وصورة أخرى للدعاء في هذه القصة تذكر إحدى الأمهات أنه في أحد
الأيام، وقبل أذان المغرب بقليل أراد أحد أبنائها السفر فحاولت أن يؤجله
إلى الغد ليكون سفره نهارا، ولكن الولد أصر على السفر، وبالفعل سافر، وتقول
والدته: لقد قلقت عليه أشد القلق، فما كان مني إلا أن فزعت إلى الصلاة وذلك
في الساعة الثامنة مساءا، وتضرعت إلى الله وسألته أن يحفظ ابني، وقدمت
مبلغا يسيرا صدقة لوجه الله، وما هي إلا ساعات، ويتصل ابني بالهاتف يطمئنني
على وصوله سالما، وقال لي: هل دعوت الله لي؟ فسألته: لماذا تسأل؟
قال في الساعة الثامنة تقريبا، وبينما أنا أسير بسيارتي مسرعا، وإذا
بي أرى زجاج السيارة الأمامي، وقد أصبح عليه ظل أسود جعلني لا أرى أمامي
فأصابني الخوف فحاولت إيقاف السيارة وإذا بها واقفة فوضعت رأسي على مقود
السيارة لحظات، ولما رفعت رأسي إذا بالذي كان أمامي قد ذهب، ويبدو لي والله
أعلم أنه كان جملاً وبعد هذا الموقف سارت السيارة، ولم أصب بأذى ولله
الحمد، وما كان ذلك إلا بفضل الله ثم بفضل وبركة دعاء والدته.
ولنقارن بين هاتين الحادثتين والفرق بين الدعاء بالخير والدعاء
بالشر.
الحذر من سماع الأغاني والأطفال
ولا يخفى ما للنشأة الطيبة والتربية الإيمانية من أثر مباشرة وقوي،
ليس على سلوك الطفل فحسب بل يتعدى هذا الأثر إلى أقرانه وهذه القصة تبين
هذا القول.
تذكر إحدى الأمهات أنها كانت ممن ابتلوا بسماع الغناء المحرم، وكانت
لها طفلة في الروضة، وحدث أن هذه الطفلة أخذت تردد أبياتا من إحدى
الأغنيات، وكان لهذه الطفلة صديقة في الروضة سمعتها وهي تغني فقالت لها:
الغناء حرام فأثر هذا القول! في هذه الطفلة، ولما عادت إلى بيتها قالت
لأمها: يا أمي الغناء حرام. فتقول هذه الأم: لقد نصحت عدة مرات عن ترك
السماع ولم امتثل واستجب لنصح الناصحين، لكني في هذه المرة وبعد مقالة
ابنتي خجلت من نفسي وتركت سماع الغناء ولله الحمد بسبب تلك الطفلة الصالحة
التي نصحت ابنتي.
استغلال المواقف في التربية
إن استغلال المواقف التي تمر بالأبناء في مسيرة حياتهم لربطهم بطرق
الخير ووسائله وتحذيرهم من مسالك الشر وحبائل الشيطان أمر هام وفن لابد من
التدرب عليه، كما أن ربط العمل الصالح بثوابه المترتب عليه والعمل السيئ
بعقابه أمر له شأنه العظيم في تصحيح مسار حياة الأبناء ذكورهم وإناثهم
أطفالاً أو شبابا. والمواقف التي تمر بالأبناء لا تتعدى أمرين إما خيرا
فيشجعون عليه أو شرا فينفرون منه، ومن الشر في الظاهر ما يحتاج إلى صبر
كالبلاء أو توبة كالمعصية، وهكذا فدور المربي هنا اتخاذ الموقف الملائم
تجاه هذه الصور التي تتكرر في حياة الأبناء والبنات.
وهذه قصة شاب كانت أمه صالحة تذكره بسبل الخير وتحثه على الصدقة
وتقول له إن الصدقة بركة تبارك في مالك قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
[البقرة:261]
وكان هذا الشاب يقول لأمه: كيف تقنعينني بأن المال يزيد بالصدقة
وأنا أرى أني إذا أنفقت منه نقص. فكانت تذكره بأن الله يبارك لك فيما بقي
ويخلف عليك في الدنيا والآخرة، فحدث له في أحد الأيام الموقف التالي.
- احتاجت إحدى النساء الفقيرات مبلغا من المال فوقفت معها أم هذا
الشاب وجمعت لها المبلغ المطلوب، وحثت ابنها على مساعدتها، وقد فعل وقضى
للمرأة حاجتها برحابة صدر، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخرج هذا الشاب
بسيارته في نفس اليوم الذي ساعد فيه المرأة الفقيرة، فحدث له حادث في
سيارته ولم يصب هو بأذى وعندما عاد إلى البيت قال لأمه: لقد قلت لك أكثر من
مرة كيف يكون الإنفاق زيادة في المال وقد ذكرت لي أن الصدقة يبارك لي فيها،
وتكون سببا في دفع المكاره، وها أنذا اليوم بعدما تصدقت حصل لي هذا الحادث،
فألهم الله الأم الجواب السديد حيث قالت لأبنها: يا بني احمد الله ربما-
والله أعلم- أنك لو لم تدفع الصدقة لكان الأمر أشد والحمد لله أن الحادث
كان بهذه الصورة ولم يكن أعظم، فتذكر الأم أنه منذ أن قالت له ذلك لاحظت
عليه الرغبة في الصدقة والاقتناع بأهميتها وأثرها المبارك.
تشجيع الأبناء وأثره
إن التشجيع للأبناء ماديا أو معنويا دفع سريع لعجلة الصلاح، وحفزهم
بما هو مناسب في الوقت المناسب له آثاره الطيبة المستمرة.
كان أحد الأبناء يحفظ من القرآن أجزاء متعددة، وكان إمام الحي الذي
يصلي في مسجده يتغيب أحيانا، فيبحث جماعة المسجد عن من يصلي بهم، وتحاول أم
هذا الابن بابنها أن يصلي بالناس حال غياب الإمام، إلا أنه يعتذر بصعوبة
الإمامة فقالت له أمه: إن صليت بهم إذا تخلف الإمام فلك جائزة نقدية، فكان
أن غاب الإمام عن صلاة الفجر فتقدم هذا الابن وصلى بالناس، وبعد الصلاة عاد
مسرورا إلى أمه قائلاً: أين الجائزة فقد صليت إماما وقدماي ترتجف.
كانت هذه البداية بسبب تشجيع أمه له وبعدها صار يؤم الناس كلما سنحت
له فرصة في ذلك.
إن البداية بأي عمل تحتاج إلى جهد، ومصابرة، ومتابعة، وتشجيع مستمر،
فقد نلاحظ على أحد الأبناء أو البنات فتورا عن عمل من الأعمال التعبدية أو
كسلاً في أدائها، فهنا نجد أن من أنجح الحلول ومن أنفع عوامل التنشيط على
ذلك العمل أو تلك العبادة، لربط بين ذلك العمل، والأمر الإلهي، فما أجمل أن
نربطهم بأن هذه العبادة أو تلك الطاعة أمر من الله المنعم المتفضل، فعندما
أرى تكاسلاً عن الصلاة مثلاً من الطفل ذي التسع أو العشر سنوات، استغل
الفرصة لبيان أن هذه العبادة استجابة لقول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة}
وأربطه بالآية القرآنية، وأبين له عظم شأن هذه العبادة وأين فرضت ويحسن أن
يشرح للطفل أحداث الإسراء والمعراج، وصلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء،
وحواره مع موسى عليهم السلام حين فرض الله عليه الصلاة من فوق سبع سماوات
وعددها خمسون صلاة ومراجعته لربه إلى أن خففها إلى خمس فصارت خمسا في العدد
وخمسين في الأجر بفضل الله ومنته.
وكذلك في قضية الحجاب، وكيف تألفه الفتاة وتعتاده، ويصبح عبادة
ملازمة ترجو ثوابها عند الله تعالى، لأنه من الطبيعي أن تميل البنت إلى لبس
الحجاب أول الأمر وتفرح به، ثم تبدأ في التكاسل والتضجر، أو الميل إلى
التوسع فيه أو تزيينه مجاراة لقريبة أو زميلة، وهنا يبرز دور الوالدين،
والأم بوجه خاص في بيان فضل الحجاب ورحمة الله لنا به، وصيانة المرأة،
وتكريم الله للمرأة بفرضه، ويكون ذلك بالأسلوب الملائم وحسب سن البنت
ومحاولة بيان حكمة الله تعالى في ذلك يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا
يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]
وتبسط للبنت الآيات الدالة على ذلك كبيان ما في هذه الآية من أمر
الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته وبناته بالحجاب ثم يضيف
الله تعالى إليهن نساء المؤمنين ويبين للبنت هذا الشرف العظيم الذي خص الله
النساء به وهو مساواتهن بالأمر مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب،
ويوضح للبنت حكمة الله تعالى في هذا الأمر حيث أن ذلك صيانة لها لأن التي
لا تحتجب ربما يظن أنها غير عفيفة فيتعرض لها من في قلبه مرض وربما استهين
بها فالاحتجاب مانع لمطامع الطامعين بها.
المتابعة ومراعاة الميول:
في متابعة الأبناء وملاحظة تصرفاتهم وتفكيرهم، ينكشف لولي الأمر
مداخل كثيرة للتوجيه والإرشاد واستغلال المواهب التي قد تكون كامنة، لا
يلحظها إلا المتابع والمدقق من الأولياء، فإذا عرفت في الابن أو البنت
ميلاً للقراءة أو الكتابة، فما عليك إلا أن تهيئ الجو المناسب والكتاب
النافع وأن تجدد له الكتاب والقصة بين فترة وأخرى، ولا تهمل هذا الجانب،
أعني جانب المتابعة فأتركه يقرأ الغث والسمين أو النافع والضار دون توجيه،
فقد يأخذ ويميل إلى الضار، ولا ينتفع بالمفيد لأن النفس أمارة بالسوء،
وتميل إلى الشهوة والكسل.
* قامت أحدى الأسر بزيارة إلى أسرة قريبة، لها وفي المساء عادت إلى
بيتها، وكان من أفراد الأسرة ابنة في المرحلة الابتدائية وقد أحضرت معها
عند عودتها مجموعة من القصص وأدخلتهن غرفتها، وربما أنها سهرت على قراءة ما
فيها.
وكانت عن الحب والسحر، وما شاكل ذلك من موضوعات جاءت بها من قريبتها
في تلك الأسرة.
ولأن لهذه البنت أم موفقة ومربية صالحة، كانت تتابع أبناءها
وبناتها، فلما دخلت غرفة ابنتها رأت هذه القصص الفاسدة التي أحضرتها
ابنتها، وإذا فيها ما يفسد الدين ويخل بالعقيدة، ويربك تفكير الطفل الذي
يقرأها.
وقد لاحظت هذه الأم أن ابنتها جلست تحاول صياغة قصة مماثلة لهذه
القصص، وتجمع معلوماتها منها، فما كان من هذه الأم إلا أن أخذت بتوجيه
ابنتها التوجيه السليم، وبينت لها حقيقة هذه القصص، وشرحت لها المقصود
بالسحر والكهانة، وحكم الشرع فيها. ووضحت لابنتها ما المقصود بالعلاقة بين
الرجل والمرأة في هذه القصص، وما المقصود بذلك في ديننا الإسلامي الحنيف
فكانت النتيجة أن قامت البنت بجمع هذه القصص، وأعادتها إلى صاحبتها، ودعتها
أيضا لترك هذه النوعية من المنشورات.
هذه نتيجة المتابعة والملاحظة المطلوبة في التربية فلو قدر الله أن
هذه الأم كانت مهملة فماذا ستكون النتيجة، فنلاحظ أنه من جلسة واحدة في
ليلة واحدة كان تأثر هذه البنت وانسياقها وراء هذه الروايات والقصص المضللة
فكيف سيكون الحال مع من ترك لها الحبل على الغارب وأهملت الأيام والليالي
مع وسائل الفساد المقروءة أو المسموعة أو المرئية.
والسؤال هل وفرنا لأبنائنا ما يغنيهم عن البحث عن وسائل الترفيه
بطرق خاطئة وهل هيأنا لهم الجو المناسب للاستفادة من ما لديهم من مواهب
وإبداعات وقدرات.
الجواب أتركه لكل مرب ومربية يجب أن يكونوا بقرب أبنائهم وبناتهم
ومن تحت أيديهم وفي نطاق مسؤولياتهم أمام الله تعالى.
الناشئة والنوافل
من شب على شيء شاب عليه- عبارة مألوفة ومسلم في حقيقتها- لذلك فعلي
أن أعلم كمربي أو مربية بأني إذا عودت أبنائي على نافلة معينة منذ الصغر،
فسوف يعتادون عليها وتكون سهلة ميسورة عليهم إذا كبروا.
وفي الأسطر التالية أسوق أمثلة من الواقع حول هذا الجانب: أولاً:
كان هناك أخوين اعتادا الذهاب مع أبيهما لأداء صلاة التراويح في شهر رمضان،
وكذلك صلاة التهجد آخر الليل وكانت أعمارهم ما بين التاسعة والحادية عشرة
تقريبا، وكان يقابل عملهما هذا بالتشجيع والثناء من أبيهما وأمهما، وما أن
انتهى رمضان حتى يأتي أحد هذين الولدين مقترحا على أخيه بقوله: "لقد كنا في
رمضان نؤدي الوتر مع الإمام وبعد انتهاء رمضان دعنا نصلي الوتر قبل النوم".
ثانيا: امرأة تقول عن نفسها: " لقد عودنا أهلونا ونحن صغار على أداء النوافل فكنا نؤديها ولا
ندرك فضلها، بعد ذلك أدركنا أثر والدينا وأصبحنا نؤديها عبادة لله سبحانه
وتعالى.
ثالثا: كانت إحدى الأمهات تشجع طفلتها على صيام أيام البيض فكانت هذه الطفلة تصومها مع ما تحس به من الجوع وقد
يبدو عليها التضايق أحيانا، ولكن هذه الأم إدراكا منها بأهمية غرس الفضيلة
في نفس هذه الطفلة منذ الصغر كانت تشجع ابنتها وتذكر لها فضل مثل هذا
الصيام ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى
الله عليه وسلم بثلاث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر
قبل أن أنام " [متفق عليه]. ثم تأخذ ابنتها معها إلى المطبخ وتعد معها طعام
الإفطار وتختار الأصناف التي ترغبها البنت وتحب تناولها وبالتدريج صار
الصيام دأبها حين كبرت بفضل الله.
وفي مجال التشجيع على النافلة، والحرص عليها قد تجد الأم أو المربي
ميلاً عند الابن أو البنت إلى عمل من الأعمال الصالحة دون غيره، كالميل إلى
الصيام، والاستعداد له أو إلى الصدقة والحرص عليها، وهكذا فما دور المربي
في مثل هذه الحال؟، إن الدور هنا يكون بتشجيع كل ابن أو بنت على العمل الذي
ينساق إليه، وتطمع بفتح الله عليه في الأعمال الأخرى، وفضل الله واسع.
ومن الخطأ إذا رأى المربي ميل أحد الأبناء إلى عمل من الأعمال
وتكاسل الآخرين عن ذلك العمل أن يفتر عن إعانة ذلك المقبل على العمل بسبب
عدم اجتماع الأبناء عليه، بل من الواجب استغلال إقبال هذا الابن أو البنت،
وقد يكون ذلك مدعاة لتشجع الباقين ولو بعد حين.
الناشئة وتنميه الميول
تذكر والدة إحدى الفتيات رغبة ابنتها أن تكون داعية إلى الله منذ أن
كانت في المرحلة المتوسطة، وكانت تطلب من أهلها مساعدتها في تصوير بعض
الأوراق العلمية والموضوعات التوجيهية لتقوم بتوزيعها، وكانت والدتها
تشجعها وتعينها على ذلك، فنشأت هذه الفتاة داعية إلى الخير، فكانت مشعل نور
وهداية وتوجيه في اجتماعات أسرتها وأقاربها حتى صار في اجتماعاتهم ثلاثة
حلق لتحفيظ القرآن ومراجعته موزعة حسب الأعمار مع تخلل هذه الاجتماعات بعدد
من الدروس والمسابقات، فما كانت هذه الثمار لتنمو إلا بفضل الله تعالى ثم
بدعم وتوجيه من والدتها.
ومن هنا فإنه لابد منه العناية بجانب التشجيع وتنمية الميول
والمواهب، فإذا لاحظنا في أحد الأبناء أو البنات نبوغا وقدرة على الحفظ فهي
فرصة لتوجيهه لحلق العلم على يد المشائخ الفضلاء الموثوقين بعلمهم
ومعتقدهم، مع التوجه إلى الله تعالى بالدعاء له بأن يوفقه الله إلى أن يكون
عالما ربانيا ينفع الله به ويرفع بسببه راية الإسلام.
الناشئة ومجالس الذكر
تعتبر المحاضرات والدروس العلمية التي تلقى في مساجد البلد الذي
تسكن فيه أيها المربي زادا إيمانيا وجرعات منشطة لك ولأبنائك.
ومع هذا فقد يخطئ كثير من الآباء والأمهات في الإعراض عن مثل هذه
المجالس المباركة فتجده لا يعتني بالحضور إليها، وخاصة إذا كان الأب أو
الأم عنده شيء من العلم قليلاً أو كثيرا، فتجده يقول: نعرف ماذا سيقال
فيها. وينسى أو يتناسى أولاده ومن يعول، وأنهم بحاجة لمثل هذه الدروس التي
تناقش موضوعات هم بأمس الحاجة إليها في دينهم ودنياهم كموضوعات الصلاة،
وحقوق الجار، وعلامات الساعة، وما إلى ذلك مما يبصر الأبناء ويزيدهم إيمانا
وصلاحا بإذن الله، ثم لا ننس ما لهذه المجالس من أثر في ربط الأبناء
بالأخيار، والتعرف عليهم عن قرب، ولذلك فحري بالأب والأم المسارعة إلى حضور
مثل هذه المجالس بصحبة من يفقه من أبنائهم، فكما أنهما يحرصان على تغذيتهم
بالطعام والشراب ورعايتهم صحيا، فلا ينبغي أن يغفلا أيضا هذا الجانب الروحي
الهام.
الفوضوية في حياة الأبناء
حين تكون الأم قريبة من أبنائها في المنزل ينبغي أن يكون المنزل
منضبطا ومنظفا- ليس التنظيم الشكلي فقط وهذا يعتني به كثير من الأمهات- لكن
التنظيم المقصود عكس الفوضوية في الحياة، فتجد بعض البيوت أشبه بالفنادق،
من أراد من أفراده النوم نام، ومن أراد الأكل أكل، ومن أراد الخروج خرج،
دون مراعاة للوقت المناسب لكل تصرف وما ذاك إلا لعدم ارتباط الأسرة ببعضهما،
وعدم تعويد أفرادها على الاجتماع والتآلف والمحبة، والحرص على الانضمام في
مجموعة أسرية واحدة تضفي على حياة الأسرة طعما مميزا ونكهة خاصة تفقدها
كثير من الأسر.
ففي بعض الأسر لا تجد ضابطا للعب الأطفال، ولا لمشاهدة الفيديو
النافع، ولا لألعاب الكمبيوتر المفيدة وبرامجه النافعة وغير الضارة،
فالفوضى تسود ربوع البيت ليل نهار فلا وقت للجد والحياة المثمرة، ولا وقت
لحفظ القرآن أو استماع شريط نافع أو قراءة كتاب مفيد.
والقصة الواقعية التالية تبين أثر الجدية التي غرسها الوالدان في
حياة هذه الطفلة والتي تدل على أن الأطفال يدركون أهمية الوقت إذا عودوا
على ذلك.
دار نقاش أسري حول موعد خروج تلك الطفلة التي تدرس في الصف الأول
الابتدائي من المدرسة في أيام الدراسة الأولى ومتى سيحضر والدها إليها فما
كان من تلك الطفلة إلا أن عرضت اقتراحها على أبيها وفيه حل لمشكلة ضياع
وقته إذا حضر لأخذها من المدرسة حيث قالت: "إذا أردت أن تأتي لتأخذني من
المدرسة فأحضر معك كتابا واجلس في السيارة للقراءة فيه حتى أخرج إليك "
وللأب أو الأم حرية التعليق على هذا الموقف من هذه الطفلة.
الزيارات بين الأبناء وأقرانهم
الرغبة في الاختلاط بالأقران أمر فطري عند الإنسان، ولاسيما الصغار
أو الشباب والفتيات بوجه خاص، ومن هنا تعظم المسؤولية تجاه هذا الأمر،
فحينما يتعرف الأبناء على أصدقاء وأقران في مدارسهم يميلون إلى الخلطة بهم
خارج المدرسة، ويبدأون بطلب الإذن بزيارتهم في بيوتهم، ومن هنا ينبغي الحذر
وأخذ الحيطة التامة، فإننا لا نعرف ما يجري خلف أسوار البيوت، ولا أحوال
تلك الأسر، وما هي عليه من الصلاح والفساد، فقد يكون ابنك مستقيما منظما ثم
يزور صديقا له ترك له الحبل على الغارب، وعنده أو عند أسرته من المخالفات
الشرعية ما يجعل ابنك يتساءل ويقارن وقد يتمرد لا قدر الله على وضعه الذي
يعيشه، فما بنيته في سنة يهدم في زيارة ساعة أو نصف ساعة لأنه سيعتقد لصغر
سنه أو لعدم نضجه وتجربته أنه مضيق عليه، وأنه لا حرية له ولا رأي له هكذا
يتصور، في حين أنك حينما ربيته وحرصت عليه أردت له سعادة الدارين.
وفي صورة أخرى لو كانت أسرة صديق ابنك أو صديقة ابنتك على مستوى طيب
من الصلاح والاستقامة فلتكن الزيارة إذا طلبت بحدود منظمة، وفي مناسبات
مشروعة كتهنئة في مناسبة سعيدة أو عيد أو زيارة لمريض. لأنه لو فتح باب
الزيارة على مصرعيه فسيصعب إغلاقه أو تحديده حين يرى الأب أو ترى الأم أن
ذلك من مصلحة الأبناء.
الأبناء والزواج
حين يكبر الولد يبدأ بالتفكير بالزواج وتبدأ البنت بهواجس بيت
الزوجية ويتقدم الخاطبون لها ربما منذ سن السابعة عشرة وفي هذا الخصوص قد
يستغرب بعض الوالدين الأمر ويعدون ابنتهم مازالت صغيرة، ولكن الواجب أن لا
يغفل مثل هؤلاء أننا في زمان فق، وأن المصلحة للأبناء هو الزواج المبكر،
وحسبنا قدوة زواج رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها حيث عقد عليها وهي بنت ست سنين ودخل عليها وهي بنت تسع. فإذا بلغ
الأبناء والبنات هذا السن وهيأ الله لهم سبل الزواج فلنبادر ولنحرص على
مراعاة أمور هامة من أبرزها:
1- حمد الله والثناء عليه الذي بلغهم هذا السن.
2- تنبيه الأبناء إلى احتساب الأجر في هذا الزواج وأنهم إنما تزوجوا
طلبا للعفة، وتكوين بيت مسلم، وإنجاب ذرية صالحة، وينتج عنها جيل صالح يكون
بإذن الله سببا في عز الإسلام والمسلمين.
وهذه حادثة من واقع الحياة تمثل نموذجا للتنشئة الصالحة، فهذه إحدى
الفتيات تزوجت في سن مبكرة وبعد مضي عدة شهور من زواجها ولم يقدر لها الله
الحمل حينها تصارح أمها بأن لها رغبة في الإنجاب ولكن لماذا؟ تقول إنها
تتمنى ذلك، وتتمنى أن يكون هذا الولد مجددا لهذا الدين مثل الشيخ محمد بن
عبد الوهاب لأنه على رأس كل قرن يبعث الله من يجدد هذا الدين وينصره.
فلنقارن نحن المربين بين هم هذه الفتاة، وهم من لا تريد تحمل المسؤولية،
ولا تريد الحمل من أجل أن تكون في كامل حريتها ذهابا وإيابا.
فما أعلاها من همه وفرق بين الثرى والثريا، أقر الله عينيها وحقق
لها ما تتمنى هي وصالح المؤمنين. آمين.
الشجار في حياة الأطفال
الشجار بين الأطفال وخاصة الأقران أمر طبيعي ومتوقع ولكن ما هو
الموقف السليم والأسلوب التربوي الموفق بإذن الله لعلاج مثل هذه الحالة أو
الحد منها وآثارها.
من أهم ما ينبغي ملاحظته ما يلي:
1- تذكير الأم القريبة من أطفالها بأن هذا الشجار والخصام إنما هو
من الشيطان وتحذر أطفالها منه.
2- تذكرهم بحب الله تعالى للعفو: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله ".
3- بيان أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
4- إذا أخطأ أحد الأبناء فيجب أن يكون العقاب بحجم الخطأ لا إفراط
ولا تفريط.
5- إذا كان الخطأ لأولى مرة فيجب حينئذ التوجيه وبيان الأسلوب
السليم دون عقاب.
6- تعويد الأطفال على الستر فإذا أخطأ الطفل لأول مرة يبين له بأن
خطأه لن يعلن في البيت وذلك عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من ستر
على مسلم ستر الله عليه ".
ليحس الطفل بالطمأنينة من ناحية ويستشعر محبة الرسول صلى الله عليه
وسلم لتوجيهه لنا هذا التوجيه.
الصلة مع الأبناء وحسن الخلق
إن حسن الخلق سلعة غالية، واتصاف الوالدين بذلك، والتأدب في
المعاملة، والكلام الطيب بينهما يكسب الأبناء هذه الصفة بالوراثة، وتنطبع
في سلوك الأبناء كل صفة طيبة تكون في الوالدين، ومثل ذلك يقال على الخلق
السيئ والمعاملة البذيئة. ولتكن الأم بالذات صديقة لابنتها، وخاصة في مرحلة
قبيل البلوغ، وأثناءه وبعده، ولتقترب من مستواها وأفكارها، تشجعها على
الطيب، وتكره لها السيئ من القول والعمل، ولتكن الأم أذنا صاغية لما تقوله
ابنتها، ولتصبر على ذلك ولتحتسب الأجر، لأنها إن هي أهملتها ولم تبال بها
أو سخرت منها وبأفكارها فإنها ستخسر ابنتها، لأن البنت في هذه الحال ستبحث
عن بديل تبث له ما يكن في صدرها، ثم ماذا ومن سيكون هذا البديل؟ إما صديقة
لها لم تمارس الحياة، أو من لا يحسن التوجيه من قريبة أو معرفة.
التعليم الشرعي
في القصة التالية ما يغني عن التعليق حول هذا العنوان حيث عادت
طالبة المرحلة المتوسطة إلى بيتها وفي حديثها مع والدتها تقول لقد أخبرتنا
المعلمة عن معلومات لم تخربينا عنها من قبل. ترى ما هذه المعلومات؟ أنها عن
الغسل وما يتعلق به عند المرأة والرجل ثم تستطرد هذه الفتاة قائلة لوالدتها
أخبري أخي- وقد كان على وشك سن البلوغ- عن هذه المعلومات.
إذن أيتها الأم لابد من إدراك أهمية ما ينبغي تعليمه للأبناء من
ضرورات الدين، ومما يجب العلم به لما يترتب عليه من عبادات تبطل بدونه
كالغسل من الحدث الأكبر، وأمور الحيض ونحوها، ولا يكتفى بما يتعلمه الأبناء
في المدارس مع وجود مناهج دراسية جيدة ومعلمين أكفاء على العموم، ولكن لابد
من أن نقوم بواجبنا في هذا المجال تبرئة للذمة وأداء الواجب الملقى علينا
كمربين وأولياء.
إشارات مهمة في التربية
يجب على الوالدين تشجيع الأبناء على اختيار الرفقة الصالحة، وليكن
للوالدين اتصال دائم بالمعلمين الصالحين لأبنائهم، فيوصي الأب المعلم
الصالح على ابنه، وتوصي الأم المعلمة الصالحة على ابنتها، فكثير من الأبناء
والبنات من حفظة القرآن الكريم حفظوه بفضل الله ثم بفضل معلم أو معلمة
هيأهما الله للتشجيع والمتابعة.
* يجب علينا الاهتمام بتوجيه الأبناء للنوافل منذ الصغر، وذكر بعض
الأحاديث التي تحث على ذلك، ومما يبرهن على ذلك هذا المثل الواقعي:
دخل الابن على أمه قبيل مغرب يوم من أيام رمضان وقال لها: أعطني
جزءا من مصروفي الخاص أريد أن أتصدق به أو تصدقي به عني، كما أريدكم أن
تذهبوا بي لزيارة أحد المرضى، وكان مهتما لهذا الطلب اهتماما شديدا فسألته
أمه عن الذي يدعوه إلى هذا الطلب، وهذه العجلة فقال: أنا اليوم صائم والحمد
لله وقد صلينا العصر على جنازة، وأريد أن أتصدق، وأزور مريضا لكي أحصل على
الأجر الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه
عندما سأل عليه الصلاة والسلام: "من أصبح منكم اليوم صائما، من أطعم منكم
اليوم مسكينا"- الحديث ثم قال:" ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".
هذا التصرف ما هو إلا نتيجة تشجيعهم على مثل هذه النوافل وحثهم
عليها وغرسها فيهم منذ نعومة أظفارهم.
* الحرص التام على عزل الأبناء عن الشارع، والأسر المهملة لأبنائها،
حتى لا يتأثروا بشيء من أخلاقهم.
* ينبغي العناية بصحبة الأبناء إلى مجالس الذكر، وتعليمهم فضلها.
* تعليم الغسل الشرعي من الحدث الأكبر، فمن المؤسف أن تطهر البنت
مثلاً من الحيض بعد أذان الفجر، ولكن لأن الجو بارد لا تنبه الأم ابنتها
لضرورة الاغتسال في وقته وتتركه حتى العودة من المدرسة.
* الحذرْ الحذر من الكذب على الأبناء والحرص التام على التقوى فقد
تخرج الأم مثلاً لزيارة إحدى صديقاتها وتقول لأطفالها إنني أريد الذهاب إلى
الطبيب، وليس عليها أثر للذهاب إلى الطبيب فهي بكامل زينتها، وعند عودتها
لم تعد معها بدواء أو ما يدل على ذهابها إلى الطبيب فيدرك الطفل عندها أن
أمه كذبت عليه، فما المتوقع؟ ما أثر هذا التعامل على الطفل أو الابن.
* ينبغي الانتباه إلى أن صلاح الوالدين سبب لصلاح الأبناء بإذن الله
تعالى يقول الله سبحانه وتعالى: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في
المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما
ويستخرجا كنزها رحمة من ربك} وقد فسر العلماء الآية أن حفظ كنز اليتيمين
كان بسبب صلاح أبيهما وقد ذكر أحد العلماء أن الذي كان صالحا هو الجد
السابع لهذين اليتيمين فحفظ الله كنزهما بسببه والله أعلم.
فليبشر المربون الصالحون بأن التوفيق والسداد لهم إذا هم اجتهدوا في
تربية أولادهم، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله وملائكته وأهل
السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم
الناس الخير، وتعليم الأبناء وحسن تربيتهم على أمور دينهم من أعظم الخير،
ومن العلم الذي ينتفع به... يقول أحد العلماء إذا علمت ابنك الوضوء فوالله
ما يصيب الماء عضوا من أعضائه إلا أجرت مثل أجره. فكم لكم من الأولاد وكم
سيكون لهم من الذرية بإذن الله، وكم سيكون لكم من الأجر مع صلاح النية.
وأخيرا لنكثر من الدعاء لهم، ونجتهد في ذلك، وإليكم هذا الدعاء الذي
هو من صفات عباد الرحمن.
قال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة
أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية
وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما}.
فلنكثر من قوله ولنتحر ساعة الإجابة أقر الله عيوننا بصلاح أبناء
المسلمين وبناتهم ووفقهم لخدمة دينهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له إلى
يوم الدين.
خاتمة وشكر
وبعد:
هذه تجارب من الواقع اخترتها راجية من الله تعالى أن يكون لها الأثر
الطيب وأن تكون نافعة في موضوعها التربوي الهام.
كما لا يفوتني في ختامها أن أشكر الله تعالى على تيسير عرضها ثم
أشكر كل من ساهم في إعانتي على إخراجها أو زودني بشيء من تجاربه في هذا
المجال، وأدعو للجميع بالتوفيق والسداد والإخلاص لوجهه الكريم في القول
والعمل.
أضيفت في06/03/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر الكاتب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
|