أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

دراسات أدبية - أدب الطفل

دراسات فيدب الطفل 3

 

 

لقراءة الدراسات

 

 

 

 

 

 

 

 

الدراسات

التقنيات الرقميَّة وتحقيقها لغايات أدب الأطفال الإسلامي

 أدب الطفل في الخليج والجزيرة العربية

متطلبات أدب الطفل في عصرنا

لماذا يحتاج الطفل إلى أدب خاص به ؟

شعر الأطفال في المجلات العربية

 تقنيات السرد الدرامي في مجلات الأطفال

 أدب الأطفال في التجربة الشعرية الجزائرية

صحافة الأطفال / خصائصها ـ فنونها

الأنشودة ودورها في تقويم سلوك الطفل

 أدب الطفل في التراث الشعبي العربي

 

أدب الطفل في الخليج والجزيرة العربية

"في الدوريات الورقية عموما, والشعر خصوصا"

 

بقلم الكاتب: السيد نجم

 

تؤكد الدراسات الآن، أن الطفل يحمل من الأفكار والمعلومات والآراء ما يماثل مرحلة من مراحل الإنجاز الفكري والعلمي، وربما الفلسفي لرحلة الإنسان على الأرض، أي ربما يحمل من المعلومات ما يفوق معلومات فيلسوف إغريقي قديم..‍‍

لعل فكرة "العلية" أو "السببية" الآن عند الطفل لم تصل إلى تفكير الإنسان إلا في مرحلة متقدمة، بينما أصبحت تلقائية (إلى أن وصفها البعض بالفطرية) عند طفل اليوم، وقد يرجع ذلك إلى كم المعلومات المنتظمة أو المنظمة بمعنى ما, حول شتى الظواهر والمدركات من حوله.  وهو ما يشير إلى الفهم أو العلم الفلسفي لدى طفل اليوم إذا ما كانت الفلسفة هي تلك المعرفة المنظمة.

رؤية تاريخية..

اهتم القدماء والشعراء منهم بالطفل, وقد عرفوا الأدب الموجه للصغار سواء في اللاتينية أو العربية أو غيرها من اللغات. وربما أهم ما تميز به هذا اللون من الأدب هو: الحرص على سرد المواعظ التعليمية, إبراز القيم والتعاليم الأخلاقية والدينية.

ربما من أشهر تلك النماذج: مواعظ لقمان, حكايات أيسوب, وحكايات بتاح حوتب (المصري القديم).. وغيرها. وربما المأخذ الشائع الآن حول تلك الأعمال, فضلا عن المباشرة, هو مخاطبة الطفل وكأنه رجل صغير أو سيدة صغيرة (وان ندر مخاطبة الأنثى الطفل وحدها), ولم يلتفتوا إلى طبيعة تكوينه النفسي والاجتماعي وخصائص مراحله العمرية.

.. ففي الإنتاج الأدبي المصري القديم توجد قصائد عديدة للطفل, ربما أشهرها "نشيد النيل":

"حمدا للنيل / ينزل من السماء

ويسقى البراري البعيدة عن الماء / وينتج الشعير.. وينبت الحنطة

وهو سيد الأسماك.. / وهو الذي يحدد للمعابد أعيادها/ .....

.. أما في حضارة وادي الرافدين (سومرى-بابلي) فقد تميز بالتكرار والوعظ, وهو ما تلاحظ في "ملحمة جلجامش"..فيها الأبيات: "من سلك سبيل العدوان واغتصبت يده ما ليس له.

من نظر نظرة رضا إلى مواطن الشر..

من بدل الوزن الكبير بالوزن الصغير..

من أكل ما ليس له ولم يقل ما حدث..

فسوف يعاقب على جرائمه."

..كما تركت الحضارة اليونانية الكثير من تلك الأشعار التي تتسم بالوعظ والإرشاد, ومن أشهر الشعراء "يوريبيديس" و"موسخوس" و"ثيوكريتوس", و"بيون"الذي قال ذات مرة:

"يا بني لا تلجأ إلى الناس دون مبرر

ولا تعتمد على الغير في إنجاز عملك

حاول أن تصنع مزمارك بنفسك

-كل شئ يتم بمشيئة الآلهة- "

..وقد مدت الإمبراطورية الفارسية الأدب العالمي بالكثير من الأشعار التي عنيت بالوعظ والإرشاد والجانب التعليمي للطفل, وهذا الجزء عن قصيدة تتناول فكرة "الزمان" من كتاب بعنوان "أصل الخليقة":   الزمان من كلا المخلوقين أقوى

الزمان من كل متملك..أملك

الزمان من كل ذي علم..أعلم

زماننا يمضى .. ويتفرق..

لا يمكن للروح أن تتخلى عن الجسد

ولا حين تطير في الأعالي."

 

وقفة مع الشعرية العربية..

الشعرية العربية منذ جاهليتها وحتى الآن تنتج للطفل. ففي معلقة قالها "عمرو بن كلثوم" مفاخرا, ومزدريا أو محتقرا "عمرو بن هند" لأنه أهان أمه:

           "ألا أبلغ بني الطماح عنا        ودعميا.. فكيف وجدتمونا

           إذا ما الملك سام الناس خسفا      أبينا أن نقر الذل فينا

           ملأنا البر حتى ضاق عنا        وماء البحر نملؤه سفينا

           إذا بلغ الفطام لنا صبى           تخر له الجبابر ساجدينا"

كما عرف العرب الشعر الموجه للطفل خلال مراحل عمره, منها التي تتغنى بها الأم لولدها الذكر (ومكانته معروفة عند العرب):

           "يا حبذا روحه وملمسه/ أصلح شئ ظله وأكيسه

           الله  يرعاه لي ويحرسه"

كما غنت الأم للبنت قائلة:

           "كريمة يحبها أبوها/ مليحة العينين عذبا فوها

           لا تحسن السب وان سبوها"

وقد شارك كبار شعراء العربية قديما في الكتابة للطفل, حتى أن "أمريء القيس" كتب عن لعبة "الزحلوقة" أو "الأرجوحة"..يقول:

           "لمن زحلوقة زل / بها العينان تنهل

           ينادى الآخر..الأل / ألا حلوا..ألا حلوا"  

وتتنوع الأغراض والتوجهات نحو الطفل في ذاك التراث الثرى.

 

لقد وجد "الطفل" العربي الموقع المناسب من الاهتمام في فكر وعمل رجال الفكر والعقيدة إبان ذروة ونضج الحضارة العربية الإسلامية. وربما يعود ذلك إلى عدة عوامل..

: الشعور الإنساني للمجتمع والفرد الناضج بالبنوة والأمومة, وهو ما أشار إليهما القرآن والسنة في أكثر من موضع.

:اهتمام الشريعة الإسلامية وبوضوح بشئون الطفل, وفى أحكام محددة, ومازالت مرجعا للعديد من القوانين المدنية حتى الآن.

: لقي الطفل اهتمام المؤسسة الدينية, منذ بداية الدعوة وحتى رسخت وانتشرت.

 

انعكس ذاك الاهتمام في العديد من السلوكيات والظواهر التربوية والاجتماعية, إلا أن الفعل الحضاري انعكس أوضح وبجلاء مع العديد من المنجزات منها.. ما ألفه "ابن الجزار" الذي يعد أول منجز علمي في مجال الثقافة الصحية للطفل "سياسة الصبيان وتدبيرهم", الذي قال فيه:"إن معرفة سياسة الصبيان وتدبير صحتهم باب عظيم الخطر جليل القدر, ولم أر لأحد من الأوائل المتقدمين المتطببين كتابا كاملا فيه".

أما الطبيب الفيلسوف "ابن سينا", فقد أنجز للطفل جزءا هاما في كتابه الشهير في الطب المسمى ب"القانون"..كما كتب "الرازي" رسالة علمية مفصلة في أمراض الأطفال والعناية بهم..ثم كتب "القرطبي" في موضوع "خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين"..أما "الطبري" فقد أفرد في كتابه "كناشة المعالجة البقراطية" مقالا في طب الأطفال..

يكفى أن نشير إلى أن الاهتمام بطب الطفل في أوروبا, واستخدام مصطلح طب الطفل فيها لم يستخدم إلا في القرن التاسع عشر فقط!

 

وفي مجال التربية والرعاية الاجتماعية للطفل في أكثر من كتاب, مثل "فاتحة العلوم", و"أيها الولد", و"إحياء علوم الدين"..

من أقوال الغزالي: "أعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأؤكدها, والصبي أمانة عند والديه, وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية من كل نقش وصورة, وهو قالب لكل ما يملأ به, فان عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة و وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدبو وان عود الشر وأهمل إهمالا البهائم شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له (إحياء علوم الدين: 783).

لقد اعتبر الغزالي الطفل جزء من نفس أبيه, يحفظ ويصان كما اعتبره أمانة ومسئولية أمام الله تعالى. وقرر أن النفس تخلق ناقصة وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم. حيث انه يقرر أن سلوك الخلق قابل للتغيير والتعديل.

 

كما لم يتوقف اهتمام "ابن سينا" بالطفل في مجال الطب (كما أشرنا), بل لقي حفاوة وتحرصا منه في الجانب التربوي. رأى ابن سينا في تثقيف الطفل وتهذيبه يتركز على العقل الذي يعتبر أساس ثقافة الطفل وتربيته, وهو ما وضح في رسالته المسماة "في المعقول", وفيها قسم ابن سينا العقل إلى عقل نظري وعملي (كما جاء عند "كانت" فيما بعد)..ثم انتقل إلى أن ثقافة الطفل و تربيته وتهذيبه لابد أن تأخذ في اعتبارها طابع الطفل وتكوينه وأن الأطفال يختلفون في طباعهم وعقولهم وهذا الاختلاف والتفاضل بينهم هو من عطف الله وفضله.

يقول: "تم من عليهم بفضل رأفته منا بأن جعلهم في عقولهم وآرائهم متفاضلين كما جعلهم في أملاكهم ومنازلهم ورتبهم متفاوتين أما في استواء أحوالهم وتقارب أقدارهم من الفساد الداعية إلى فنائهم".

 ويحدد ابن سينا بعدا آخر لتثقيف الطفل وتربيته وتهذيبه وهو الاستعداد والرغبة. ويتوسع ابن سينا في تحديد بدايات تثقيف وتربية وتهذيب الطفل ويتبعها بحسب مراحل نمو الطفل من الطفولة المبكرة والوسطي والمتأخرة.

وتتعدد الزوايا والرؤى التي تناول ابن سينا فيها جوانب الطفل المختلفة, وهو بذلك قدم للحضارة العربية الإسلامية وللحضارة الإنسانية إضافة حقيقية في هذا المجال.

 

القرن الجديد والطفل..

لاحظ البعض أن اكتشاف آلة الطباعة أعطى دفعا جديدا وجادا في مجال أدب الطفل عموما, وزادت الصيحة بضرورة طباعة الكتاب الخاص بالطفل. ووجدت الدعوة صداها, فكانت كتب الطفل في القرن السابع عشر الميلادي الخاصة بالطفل..والحافلة بقيم الوعظ والإرشاد, كما اعتمدت على الأصول الشعبية.. فحفلت مواضيع الشيطان والجن والسحر.

وفى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي..ظهرت كتابات "جون نيوبرى" حيث كانت كتبه متضمنة بعض الصور الجذابة التي تجعل من الكتاب سلعة مرغوبة للطفل الصغير.. بالإضافة إلى الورق الجيد والإخراج الفني الجيد..والذي ربما يفوق كتب الكبار. ومن المعروف أن أول كتب الأطفال في العصر الحديث طبع في فرنسا عام 1830م, بينما أو مطبوعة عربية عام 1870م(روضة المدارس – مصر).

وشهد القرن التاسع عشر مولد واحد من أهم من كتبوا في أدب الطفل في العالم, وهو الروائي الدينماركى "هانز أندرسون" (أشهر أعماله: البطة القبيحة- عسكري الصفيح الشجاع- عروس البحر الصغير- الحذاء الأحمر...). وربما راج أدب الطفل من بعده وبسببه.

إذا كان يلزم الكتابة للطفل يجب توافر: معرفة الأصول والقواعد التربوية والنفسية للطفل.. فهم أصول فنية ملزمة لمخاطبة الطفل.. والحرص على مواصفات خاصة للكتاب المادي المقدم للطفل, كما أن الشعر في أدب الطفل له نفس الخصائص والأهمية. وقد قسمه البعض إلى "الشعر الملحمي" الذي يحكى قصص الملاحم والبطولات القومية, و"الشعر الغنائي" وهو الغالب على شعرنا العربي, و"الشعر الدرامي" وهو الذي يكتب وفق الأسس الدرامية (مسرح وغيره), ثم "الشعر التعليمي" وهو الذي يصور الحقائق جماليا ولا يقدم تلك الحقائق تقريريا.

..غالبا ما يتصف الطفل بصفات خاصة لكل مرحلة سنية: قبل السادسة.. حتى التاسعة, .. حتى الثانية عشر, .. حتى الثامنة عشرة. ولكل مرحلة خصائصها النفسية والتربوية. وعلى شاعر أو كاتب الطفل مراعاة ذلك, حيث الطفل قبل السادسة يتصف بالأنانية واستخدام كلمة "أنا" مع ضمير المتكلم غالبا..وهكذا لكل مرحلة خصائصها.

..كما يجب أن تتسم لغة الطفل بالبساطة والوضوح, وإيصال الفكرة بأقل عدد من الكلمات, ثم التكرار غير المباشر..ويمكن مراعاة مفردات الطفل الخاصة, التي قد تختلف من طفل في بيئة ما عن آخر. أما عن "الشعر" تحديدا, فقد لاحظ العلماء استعداد الطفل لتقبل الموسيقى والشعر, والشعر له إيقاع موسيقى بالدرجة الأولى. وربما يرجع لهذا السبب كثرة ما كتب شعرا للطفل طوال تاريخ الحضارة الإنساني.. فالإيقاع والموسيقى الخارجية للكلمات لها تأثير ساحر.

 

شهد الوطن العربي منذ أواخر القرن الميلادي السابق(القرن العشرين) طفرة غير مسبوقة في مجال الاهتمام بالطفل على المستوى المؤسسي العام.

كما تعددت وسائل التعامل مع الطفل العربي مؤخرا, وهو ما ارتبط بالتقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال والإعلام, وبالتالي لم تعد الجدة ثم الأم والأب وحدهم مصدر التلقين, ولا حتى المدرسة كمؤسسة تربوية تعليمية. ها هو ذا التليفزيون, الإنترنت وشبكته السحرية, الفيديو, ولن نغفل الدوريات والكتاب والمدرسة.

بداية لا يمكن إلا أن نعترف بالممكن ونخاطب الصغير كانسان قادر على "الاختيار" وليس تابعا لأفكارنا جبرا. فحبس بعض الوسائل الإعلامية الجديدة عن الصغار (كما يتبع بعض الآباء) لا يزيد الطفل إلا عنادا.

لتأتى معاملة الآباء للصغار كخطوة عملية وإيجابية لتحقيق الهدف.. ألا نعامل الصغير على أنه رجل أو آنسة بل على قدر عقولهم, حتى يعيش الطفل طفولته, ولكل مرحلة طفولة خصائصها.. أن تظل معاملة البنت أكثر رقة وأقل خشونة من معاملة الولد, مع بقاء تحميلهما نفس القدر من المسئولية.. مبدأ الثواب والعقاب هو المفتاح السحري للتعامل الإيجابي مع الطفل, وهو ما وافقته الأديان السماوية.. القدوة العملية من الوالدين هي البديل العملي عن التلقين المباشر لمفاهيم القيم العليا التي نرجو غلبتها في السلوك الخاص والعام, وهى وسيلة تنمية الوازع الضميري عند الصغار.. إذا كانت الملكات الخاصة والمواهب هبة سماوية يدعها الخالق في الإنسان, فلا يبقى سوى التنقيب عنها باعتبارها جوهر "التربية" وهدفها..

ومع التفاصيل الجزئية الكثيرة التي يمكن أن نتبادلها فيما يمكن أن يقال للصغير.. فالوصفة السحرية هي أن يقل كلام الأبوين في التلقين, ويكثر الفعل سواء بالسلوك المباشر منها أمام الطفل, أو في التعامل مع الطفل.

 

كما لا يمكن إغفال أدب الطفل (والشعر منه) الذي ينتجه الطفل نفسه.. هو المرآة التي نطل منها نحن الكبار على عالم الصغار, وهو المتنفس الشرعي لكم المشاعر والأفكار بل وخبرات الطفولة التي يجب ألا نستهين بها.

وإذا كانت الصرخة الأولى للطفل هي الإعلام الأول عن الوجود (وجوده) فان الخطاب الإعلامي الموجه للطفل يجب ألا يتجاهل الطفل نفسه..سواء في الإعداد أو الأداء لأي تناول إعلامي حول الطفل.

وإذا كانت القيم العامة مثل: القيم الدينية الإيمانية, القدوة الصالحة, التعاون, الأمانة, الطاعة, الوفاء, الصداقة, التواضع, الجمال, التفكير المنطقي..وغيرها من الأمور الواجب مراعاتها, فهي أكثر أهمية في التناولات الأدبية التي تخاطب الطفل.

 

وقفة مع مصطلح "أدب الطفل"

تساءل الكاتب "بيتر بروك": هل أدب الطفل هو ما نكتبه لهم أم هو ما يقرأونه؟

السؤال طريف وذكى, بل مثيرا للعديد من الأسئلة.. البعض يكتب للطفل وما هو للطفل؟!, الأطفال يقرأون للكبار أحيانا؟؟, أما وقد تعددت وسائل الاتصال ووسائط المعرفة والفن والأدب بحيث تداخلت معا في أوعية جديدة يصعب وصفها أدبا فقط أو معرفة فقط, أو حتى فنا من الفنون المحددة. ونظرا لانتشار وشيوع تلك الوسائط الآن مثل: الاسطوانات الرقمية, وشرائط الفيديو, بل ومواقع الطفل بالشبكة الالكترونية (الانترنت).. كلها وغيرها امتزج مع مفاهيم المعلوماتية في التعليم المستديم والمعرفة المتجددة والمعلومات التي يلزم معها البحث عن طريقة/طرق للحصول عليها واستخلاص المعارف منها وبها, بعيدا عن الأوعية الجاهزة والتلقين المباشر.

الطريف المدهش أنه حتى عام 1975م لم يكن لأدب الطفل تعريفا, بل لم يكن الطفل العربي قد نال الاعتراف بأحقيته في أدب يخصه ويخاطبه, وهو ما اتضح في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في الجزائر في 1975م, وقد أقر بعضهم أن ما يكتب للطفل ليس أكثر من "تعليم" و"تربية". وربما شاع لفترة (السبعينيات من القرن العشرين) استخدام مصطلح "أدب الأجيال الحديثة" وكأن "أدب الطفل" نقيصة أو إقلالا من شأن ما كتب ومن كتب؟

وقد قدم ثلاثة فرسان في الأدب العربي ثلاث محاولات لتعريف أدب الأطفال:

يقول الكاتب أحمد نجيب/مصر:

".. يجب أن تخضع الكتابة للطفل لثلاث مجموعات من الاعتبارات الرئيسية: الاعتبار التربوي, الاعتبار الفني العام الخاص بجنس الوسيط الأدبي, والفني الخاص بفنية المنتج الفني نفسه..شعرا أو قصة.. الخ."

وهى مقولات عامة, فالاعتبار التربوي لم ينتبه إلى بيئة الطفل وثقافة مجتمعه, والاعتبار الفني بدا كنوع من تبسيط الجنس الأدبي المعروف عند الكبار حتى يكتب للصغار, كما اهتم في كتابه بشرح أوزان الشعر وتفضيل البحر "الكامل", بينما من الأجدى تعريف كاتب الطفل بتلك الأوزان من خلال ملائمتها للطفل من حيث الخيال والإيقاع والتركيب, وهى العناصر المؤثرة في الطفل عند سماع الشعر.

يقول الكاتب "هادى نعمان الهيثى/العراق":

".. أن أدب الطفل فرعا من فروع الأدب, وذو خصائص تميزه عن أدب "الكبار". أما موضوعه فهو عرض للحياة من خلال تصوير وتعبير متميزين"

واضح أنه سار على طريق سابقه "أحمد نجيب", ثم اعتبر الجانب التربوي هو جوهر موضوع أدب الأطفال.

أما الكاتب "عبدالرزاق جعفر/سوريا" فقال:

".. الأدب هو تعبير عن الأفكار والأخيلة والعواطف بكلام فصيح وأسلوب متين جميل ويخضع لسنن الذوق السليم"

تعريف معجمي وتعليمي, وربما يصلح لأي أدب, وقد اكتفى بالوصف اللغوي فقط.

وقد ناقش الكاتب "عبدالتواب يوسف/مصر" هذه القضية في أحدى دراساته, إلا أنه طلب من القارئ الرجوع إلى أعمال كتاب كبار في مجال أدب الطفل, ممن حصلوا على جائزة "أندرسون العالمية" (مثلا) للتعرف على قامتهم التي يطالون بها "بلزاك ونجيب محفوظ".

كما نكرر ما رددته الكاتبة الأمريكية "مادلين لنجل" رئيسة اتحاد الكتاب والحاصلة على جائزة "نيوبرى" الخاصة بأدب الطفل (أثناء زيارة لها لمصر منذ حوالي ثلاثة عقود):

"أنا أكتب أدبا فقط, من يريد قراءته أهلا به, ومن لم يرد, فلا مشاكل"!!

 

الآن وبالنظر إلى المحاولات التنظيرية السابقة, ثم بالنظر إلى الوسائط المعلوماتية والتكنولوجية الجديدة, فلا حيلة لنا إلا الاعتراف بأن أدب الأطفال له محاوره وأهدافه (التي يبدو أنه غير مختلف حولها), وكل ما يقدم للطفل فهو في جعبة "ثقافة الطفل", تلك التي تتضمن "العلم والمعرفة- الثوابت العقائدية الدينية- العادات والتقاليد- الفنون الأدبية والتشكيلية والموسيقية والحركية والفنون الشعبية).. أليس "الكتاب الالكتروني" الآن في جملة خصائصه, يحمل مجمل ما يمكن أن يقال ويكتب للطفل على أنه أدبا ويزيد (حيث الكتاب الالكتروني يتضمن بالإضافة إلى المضمون والمحتوى تلك المؤثرات الصوتية والصورة المتحركة والتداخل بينها وفنون التشكيل والإخراج الفني وغيره)؟!

أما بعد: قد يكون مصطلح "ثقافة الطفل" أجدى للحديث ونحن نقصد الحديث عن "أدب الطفل", نظرا لتعدد المعارف والوسائط والاحتياجات الجديدة للطفل بما يتناسب ومرحلته السنية والبيئة الثقافية الجديدة في العالم كله.

   

أما وقد سقطت مؤسسة الأسرة والمدرسة في مواجهة الطفل الجديد, بعد أن فقدت "الجدة أو أم أحد الوالدين" دورها, كما ابتعدت المدرسة عن دورها التقليدي وفقدت مهمة التلقين المباشرة في العملية التعليمية, ثم سيطرة فكرة "توليد واكتساب المعارف, بدلا من فكرة التلقين". فلا حيلة أمامنا إلا البحث عن أدوار تتكامل في اتجاه الطفل الجديد للقرن الجديد الذي نعيشه.

بالتالي, فالوسائط الورقية وغير الورقية, تمارسها المؤسسات التالية: الأسرة – المدرسة- الحياة اليومية في المجتمع- المؤسسات الثقافية والإعلامية.. من خلال الوسائل: أندية ومراكز الثقافة- المتاحف والمعارض- المكتبات العامة والمدرسية- الرحلات والمعسكرات الترفيهية- التليفزيون والفيديو- الإذاعة والشرائط- المجلات والدوريات- الكتب المطبوعة- مسرح العرائس والمسرح البشرى- السينما.

 

ولما كانت تلك الوقفة السريعة غير صالحة لمعالجة كل جوانب أدب الطفل, من حيث الوسيط والمادة المقدمة. ليس أجدى من التوقف أمام "المجلات والدوريات الورقية المطبوعة" من حيث هي نموذجا أو موضوعا للتأمل في جانب الوسائط المستخدمة. كما نتوقف أمام "الشعر" من حيث هو نموذجا للإبداع والمعطى الذهني في جانب المحتوى المعرفي المقدم للطفل (من خلال تلك المجلات).. في الخليج والجزيرة العربية.

 

أدب/ ثقافة الطفل في الخليج والجزيرة العربية:

لاشك أن أدب الطفل في الخليج والجزيرة العربية تأثر بمتغيرات ومعطيات القرن الجديد, من حيث الشكل والمضمون, ومن الضروري الإشارة إلى رواج الفيديو والعابة ومغامرات مضمون أفلامه, والمسرح المدرسي تحديدا, وتوافر أجهزة الكمبيوتر بل وهناك مواقع للطفل ساعية للتجدد وجادة.. مما أضاف إلى "أدب الطفل" زخما جديدا, آخذ في التطور والتكثيف..(مع الوضع في الاعتبار أن أدب الطفل يتضمن فيما يتضمن ثقافة الطفل والمعرفة العامة التي تقدم له, ربما على العكس من الأدب للكبار).

 

والآن كيف تبدو صورة التفاعل التبادلي بين الطفل في الخليج والجزيرة العربية مع معطيات القرن الجديد.. ليكن السؤال حول "أدب الطفل" وبشائر الجديد في القرن الذي بدأ ونعيشه الآن؟؟!

نظرا للتقدم الهائل في وسائل الإعلام والاتصال, وفى تكنولوجيا المعلومات, بل وفى جوهر العملية التعليمية ومصادر المعرفة والثقافة للطفل, بات من الواجب النظر إلى تلك المصادر أولا, ثم البحث عن إجابة لأية أسئلة نطرحها على أنفسنا الآن.

أولا: الوسائط الورقية

وهى تتضمن.. الكتب بمختلف أنواعها وتوجهاتها, الدوريات أو المجلات الأسبوعية والنصف شهرية والشهرية, كراسات التلوين.

ثانيا: الوسائط غير الورقية, وهى التي تتعلق بالطرق المختلفة للاتصال (بشكل مباشر كالتخاطب أو غير مباشر كالأقراص الضوئية أو المدمجة أو       .C D

وهى تتضمن.. النصوص المحفوظة لكل أشكال أدب الكلمة أو النص الكتابي TEXT, والصوت من موسيقى وغناء وكلام, والصورة الفوتوغرافية أو المتحركة من أفلام ورسومات GRAPHICS ورسوم متحركة  ANIMATION .

 

بالتالي, فالوسائط الورقية وغير الورقية, تمارسها المؤسسات التالية: الأسرة – المدرسة- الحياة اليومية في المجتمع- المؤسسات الثقافية والإعلامية.. من خلال الوسائل: أندية ومراكز الثقافة- المتاحف والمعارض- المكتبات العامة والمدرسية- الرحلات والمعسكرات الترفيهية- التليفزيون والفيديو- الإذاعة والشرائط- المجلات والدوريات- الكتب المطبوعة- مسرح العرائس والمسرح البشرى- السينما.

ولما كانت تلك الوقفة السريعة غير صالحة لمعالجة كل جوانب أدب/ثقافة الطفل, من حيث الوسيط والمادة المقدمة. ليس أجدى من التوقف أمام "المجلات والدوريات الورقية المطبوعة" من حيث هي نموذجا أو موضوعا للتأمل في جانب الوسائط المستخدمة. كما نتوقف أمام "الشعر" من حيث هو نموذجا للإبداع والمعطى الذهني في جانب المحتوى المعرفي المقدم للطفل (من خلال تلك المجلات).. في الخليج والجزيرة العربية.

 

لقد رصدت الباحثة "نجلاء علام"عدد المجلات الخاصة بالطفل في الخليج والجزيرة العربية,   في موضوع "تطور مجلات الأطفال في مصر والعالم العربي.. منذ نشأتها حتى عام2000 ميلادية أغلب تلك المجلات.

-مجلة "سعد"- عام الإصدار 1969م – أسبوعية –  من الكويت – عن دار الراى العام. 

-مجلة "حسن"- عام الإصدار 1974م- أسبوعية- من السعودية- عن "مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر".

-مجلة "أطفال اليمامة"- عام الإصدار 1974م- أسبوعية – من السعودية- ملحق مجلة اليمامة الأسبوعية".

-مجلة "البراعم"- عام الإصدار 1974م- نصف شهرية – من سلطنة عمان – ملحق مجلة الأسرة.

-مجلة "براعم الإيمان"- عام الإصدار 1976م – شهرية – من الكويت – ملحق مجلة "الوعي الاسلامى" عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية.

-مجلة "زهرات وزهور"- عام الإصدار -1978م – أسبوعية - من قطر – ملحق مجلة الجوهرة.

-مجلة "ماجد"- عام الإصدار 1979م – أسبوعية – من الإمارات – من الإمارات – مؤسسة الاتحاد.

-مجلة "أفتح يا سمسم"- عام الإصدار 1980م- شهرية – من الكويت – المجموعة المتحدة للإنتاج بالاشتراك مع مؤسسة الإنتاج البرامجى المشترك في الخليج العربي.

-مجلة "الشبل"- عام الإصدار 1982م-  شهرية – من السعودية – عبدالرحمن بن سليمان الروشيد.

-مجلة "العربي الصغير" – عام الإصدار 1986م – شهرية – عن الكويت – وزارة الإعلام بدولة الكويت.

-مجلة "باسم" – عام الإصدار 1987م – أسبوعية – عن السعودية – الشركة السعودية للأبحاث والتسويق المحدودة.

-مجلة "حمد وسحر" – عام الإصدار 1987م – أسبوعية - عن قطر - وزارة التربية والتعليم القطرية.

-مجلة "مشاعل" – عام الإصدار 1987م – شهرية – عن قطر – الشركة القطرية للصحافة والطباعة والنشر.

-كما صدرت مجلة "وضاح" عن دولة "اليمن".. وغير موضح عام الإصدار أو جهة النشر.

 

ملاحظات عامة حول الحصر السابق:

1-هناك عدد من المجلات غير الشائعة وغير المتوفرة خارج حدود بلدان الخليج والجزيرة العربية لم ترصد, مثل مجلة "أنس" التي تصدر في السعودية عن إحدى الجمعيات الخيرية السعودية.

2-عدد من المجلات التي تصدرها مؤسسة "العربية للصحافة والإعلام", وهى "ميكى",       "أجازة مع ميكى", "لونى تونز", "توم وجيري", "سكوبى دو", "مينى",فضلا عن "أطفال اليوم" و"فتيات".. لم ترصد أيضا.

و"ملحق "راشد ونورة" عام 2001م, عن جريدة الراية القطرية (في أربع صفحات).

3-تلاحظ أن أولى المجلات في الخليج العربي هي مجلة "سعد" عن دولة الكويت صدرت عام 1969م, وأخرها (حسب ما أمكن حصره) مجلة "مينى" و"أجازة مع ميكى" في 1998م (في دولة الإمارات), وملحق "راشد ونورة" 2001م (في دولة قطر).

4-باستثناء المجلات المترجمة للطفل, أو تلك التي تكتفي بالنقل عن مجلات غير عربية, تتسم معظم الإصدارات في الخليج والجزيرة العربية..بالانتماء العربي والطموح من أجل الإجادة.

5-استفادت معظم تلك المجلات بتكنولوجيا الطباعة والإخراج الجيد, في الأعداد التي أمكن الحصول عليها خارج منطقة الخليج والجزيرة.

6- تنقسم اهتمامات تلك المجلات إلى قسمي أساسين..إما مجلة طفل شاملة, أو مجلة طفل يغلب عليها الجانب الديني.

7-ليس بين تلك المجلات مجلات متخصصة (وهو الملاحظ في مجلات الطفل في العالم العربي), بينما عرفت المجلات المتخصصة في العلوم والرياضيات (مثلا) التي تخاطب الطفل (في أوروبا).

8-معظم تلك المجلات لم تلتزم بالفترة السنية أو المرحلة العمرية, بل غالبا تسعى لتغطية كل المراحل.. ومنها ما يعلن ذلك صراحة "مجلة الأولاد والبنات لكل الأعمار".

9-مازالت الأسماء الذكورية هي الغالبة على أغلب المجلات بالخليج والجزيرة (وربما في كل العالم العربي).

10-لا توجد مجلة للمرحلة السنية قبل المدرسة, فضلا على ندرة وجود مواد تفيد تلك المرحلة في معظم المجلات, وان ظهرت في السنة الأخيرة بعض المواد المناسبة في صفحة أو أقل.

 

قراءة مقارنة لأوسع المجلات انتشارا:

(العربي الصغير/دولة الكويت- ماجد/ دولة الإمارات العربية- براعم الإيمان/ دولة الكويت- باسم/المملكة العربية السعودية- سعد/الكويت)

أولا: سمات عامة

-لم تحدد المرحلة العمرية للطفل المخاطب.

-بعضها بدون شعار وبعضها الآخر يحمل شعار عام.

-ليس بينها مجلة متخصصة في العلوم أو الرياضيات أو غيره, مجلات ثقافة طفل عامة.

-متفاوتة في عدد الصفحات.. أكبرها مجلة ماجد, وأقلها عددا "براعم الإيمان".

-تبدو أغلب تلك المجلات متقاربة في الحجم ومتماثلة.. هناك مجلات أخرى ذات حجم مختلف (أصغر) وهى "أطفالنا اليوم" الصادرة عن العربية للصحافة والإعلام بدولة الإمارات.

-جيدة الطباعة والجوانب الفنية في إنتاج مجلة طفل متماسكة وجذابة شكلا.. من حيث نوع الورق وفصل الألوان وجاذبية الرسومات, و"ماجد" أسهل الأوراق قابلية للتمزق.

-كلها تصدر مستقلة باسمها, إلا براعم الإيمان ملحق لمجلة (الوعي الاسلامى).

-العربي الصغير وسعد بداخلها "هدية", إلا أن هدية "العربي الصغير" ذات نفع أكبر, وليست "بوستر" أو ما شابه في إطار الجذب التجاري.

-"ماجد" و"سعد" و"براعم الإيمان" تستخدم ورق مصقول, مما يعكس الضوء, ويعتبر غير مناسب للطفل صحيا.

-تتفاوت المجلات في عرض المادة الثقافية للطفل, وان بدت تسعى لتغطية الجوانب الدينية والعلمية والأدبية, والمعرفية.. من حيث الكم, وبكارة الأفكار والمعلومات, وطريقة العرض. إلا أنها تتفاوت في بكارة المعلومات وعرض الحديث منها.

-تغطى المجلات الأشكال الصحفية (في أغلبها).. القصة المصورة (الاستربس)- الأدب النثري والشعري والمكتوب – تعدد توجهات الألعاب والتسالي للطفل- توافر الصورة والرسومات المشاركة للمعلومة أو التي تبرز الموضوع.

 

-لا تتضمن إعلانات تجارية أو تتضمن إعلانات مناسبة للقارئ (الطفل), على العكس من بعض المجلات الأخرى.

-تهتم بالمواهب وتنميتها بدراجات متفاوتة.. تبدو "ماجد" و"العربي الصغير" أنشطها.

-الاهتمام بالهوايات, مسعى مشترك, إلا أن "ماجد" أكثر المجلات اهتماما بتنوع تلك الهوايات وعرضها.

-مشاركة الأطفال في تحرير المجلة وعرض المعلومات وصور الأطفال.. حيث يبدو القارئ/الطفل أكثر ايجابية.. متوافرة, إلا أن "ماجد" أكثرها حثا للقارئ بالمشاركة.

-تعلن عن المسابقات الجاذبة للقارئ الطفل, أكثرها مبالغة في قيمة الجوائز وحجمها مجلة "باسم".. بينما الهدف من تلك المسابقات هو الحث على البحث عن المعلومة, والإحساس بالنجاح مع المنافسة الشريفة.

-المعرفة المعلوماتية أو التكنولوجية الخاصة بالكمبيوتر والثورة الرقمية, غير متواجدة, إلا من "العربي الصغير" و"ماجد" أقل منها.. خصوصا الأعداد في السنة الأخيرة 2005م.(مع ذلك يعد المتاح أقل من المرجو, حيث أن التطبيقات في مجال تكنولوجيا المعلومات متنوعة: تنمية المهارات الأساسية من قراءة وكتابة ورسم وتلوين.. تنمية الأنشطة الترفيهية والتعريف بها.. زيادة المعارف.. المساعدة في تعلم اللغات  وغيرها.. المساعدة في تعلم وسائل الحصول على المعلومات في المجالات المختلفة).. ويمكن معاونة الأطفال في تلك المرحلة على التعرف على المواقع وطريقة الاستفادة منها وكيف.

-عدم توفر الألغاز العلمية (مع اعتبار شكل الألغاز من أهم المواد الشيقة للطفل).. كما لا توجد فكرة استكمال الأعمال الأدبية أو القصص, والتي تعد من أهم المحفزات على التفوق الأدبي خصوصا لمن يملك الموهبة.. وبالعموم لا توجد مسابقات أدبية بسيطة كلون من النشاطات بالمجلة, أو مسابقة عامة أدبية/فنية تنظمها الدورية.

-اللغة المستخدمة تخاطب مرحلة واحدة من العمر, على الرغم من أن تصميم كل تلك المجلات عام للطفل.. ربما يبدو التميز في المراحل السنية في مجال الرسم والتلوين فقط.

 

-توافر ثنائية الكاتب والفنان الرسام غير مشتركة بينهم, إلا أنها متوافرة في العربي الصغير وماجد.. ووفرة تلك الثنائية في مجال أدب الطفل مثمر وايجابي.

-أغلبها يلتزم باللغة العربية البسيطة في السرد النثري وحوارات الشخصيات في القصص المصورة (الحوار).

 

ثانيا: سمات خاصة

يلزم الإشارة هنا إلى خصوصية مجلة "العربي الصغير" و"ماجد" في البحث عن شخصيات غير مكررة ومبتكرة ترتبط بالمجلة, وتربط القارئ/الطفل بها.

كما أن العربي الصغير بهديتها المتميزة (ملحق منفصل في كتيب) المتنوع في موضوعاته بين العلم والقصة والتراث والفنون الشعبية وغيرها, يعد مجلة مصغرة متخصصة في موضوعه, وهى ميزة ايجابية.

لعل مجلة "العربي الصغير" أكثر مجلات الخليج والجزيرة اهتماما بجوانب التراث العربي والانسانى (العلمي والمعرفي).

ثم تميزت مجلة "ماجد" بشكل لافت في قدرتها على مشاركة القارئ/الطفل بفاعلية داخل مواد المجلة.. بالمسابقات المتنوعة, وعرض الهوايات المختلفة, والتعريف بالأطفال المتميزين, فضلا عن تحرير بعض مواد العدد بقلم الطفل ونشر صور الصغار.

وأخيرا, لعل مجلة "براعم الإيمان" وحدها تنشر نص مسرحي للطفل بين كل المجلات في الخليج والجزيرة, وربما في الوطن العربي.. وكذلك مجلة "أطفالنا اليوم" تهتم بالخط العربي وتعليمه أي شرح قواعده وفنونه للصغار داخل المجلة.

 

#الآن جاء دور اختيار واختبار جنس أدبي داخل المجلات, وهو "الشعر".. ضمن رحلة الإبحار في "أدب الأطفال/ثقافة الأطفال" بالمجلات الخاصة بالطفل في الخليج والجزيرة العربية.

بلا افتعال أو تمنى سوف نتخير بعض النماذج الشعرية التي غطت الكثير من الجوانب, ولنتبع معا قدرة تلك النماذج على التعبير, ومدى نجاحها.

 أولا: صورة المنجز الشعري

(سوف نطلع على عينة عشوائية من تلك الدوريات: العربي الصغير, ماجد, أطفالنا اليوم, براعم الإيمان, سعد, زيد, باسم).. وقد تلاحظ الآتي:

أ- من حيث كم الشعر المنشور..

1-مجلات تنشر الشعر المنتج للطفل بصفة منتظمة (براعم الإيمان- سعد- زيد)

2-مجلات تنشر الشعر المنتج للطفل بصفة غير منتظمة (العربي الصغير- أطفالنا اليوم)

3-مجلات تنشر الشعر المنتج للطفل على فترات متباعدة (باسم– ماجد).

ب- من حيث الموضوعات..

1- غلبة الموضوعات الدينية..(براعم الإيمان- سعد -زيد)

2- موضوعات متنوعة..(بقية الدوريات)

ج- من حيث الشعر الذي ينتجه الطفل..

1- يوجد بمعدل مناسب..(ولا دورية)

2- يوجد أحيانا..(العربي الصغير – ماجد – براعم الإيمان –أطفالنا اليوم)

3- يوجد نادرا.. (باسم -زيد)

ثانيا: صورة المنجز الشعري في كتاب

1-اختفاء سلاسل تنشر شعر الطفل, ليس في الخليج والجزيرة وحدها, في العالم العربي مثل (سلسلة الشعر –دائرة ثقافة الأطفال- العراق.. والذي حجبت عن الإصدار منذ سنوات طويلة)

2-غلبة النشر الشعري في مجال أدب الطفل خارج المؤسسات الثقافية الرسمية, وما نشر متها ضئيل العدد وبجهد خاص من الشعراء أنفسهم.

ثالثا: وسائل النشر الأخرى

(الإذاعة والتليفزيون والمسرح والصحف والدوريات المختلفة للكبار وشبكة الانترنت..)

-يعد المسرح التعليمي بالمدارس ببعض بلدان الخليج والجزيرة العربية هو أكثرها توظيفا لشعر الأطفال.

-الكثير من الصحف والدوريات في اغلب بلدان الخليج والجزيرة العربية تخلو من شعر الأطفال.. وان تلاحظ نشر شعر الأطفال بأقلامهم في بعض صحف سلطنة عمان.

-لا توجد برامج ترعى شعر الأطفال (خصوصا) ببرامج التليفزيون عموما.. وان وجد ضمن فقرات البرامج الخاصة بالطفل أحيانا.

-أما شبكة الانترنت فهي أكثر وسائل النشر لشعر الأطفال حاليا, ويؤخذ عليها أنها تنشر بلا مراجعة ولا توجد ضوابط حاكمة للجودة أو حتى للمواصفات الفنية الواجب مراعاتها في الشعر لأدب الطفل.

نماذج شعرية متنوعة وقراءة سريعة:

( النماذج التالية اختيرت من بعض دوريات الطفل والكتب فقط, مع الوضع في الاعتبار أنها تمثل أغلب الاتجاهات الشعرية التي كتبت خلال السنوات الماضية..)

: قصيدة "ماذا قالوا" للشاعر "فاضل الكعبى" ورسوم "فائزة نوار" بمجلة "أطفالنا اليوم"

            قال الدب..

            ماذا قال؟

يا أصحابي.. يا أطفال..

انتبهوا.. قد عاد البرد

منه الالتفوا بالأصواف

           كونوا مثلى

           فروى عندي

           مثل السد..

يحفظ لي حتى الأطراف..

           قال البلبل..

           ماذا قال؟

           كبر السنبل

           يا أطفال

والشاطر يحصد ما يزرع

          فلنحصده

          كي تتجمع

في البيدر حبات الحنطة

          يأتي الطير

يأكل مسرورا بالخير..

الوزة تأكل والبطة

كل يأكل حتى يشبع "

القصيدة دالة وجميلة فنيا, تحمل من المعاني الإنسانية الكثير بلا افتعال, ومن الصور الاجتماعية الواجبة, ما يجعلها قريبة إلى نفس وعقل الطفل. لعل المأخذ الوحيد "أن استخدم الشاعر مثاله من خارج البيئة الخاصة بطفل الخليج,  فالدب حيوان المناطق الباردة, بينما القط له مثل الدب (الفرو) الواقي وقريب من البيئة التي يطالعها الطفل الخليجي يوميا.   

 

: قصيدة "رسول الله" للشاعر "محمد الحسناوى" (مجلة براعم الإيمان)

"رسول الله حياك          اله زان مسعاك

رضينا ما رضيت لنا       وأحببنا سجاياك

                 ......

ألم تجمع قبائلنا         على التوحيد والدين

فأرسينا حضارتنا        من الأوراس للصين

               .......

حفظنا هديك الباني     بتقدير وإتقان

فلم نكذب ولم نسرق   ولم نحنث بأيمان

              ......

حديثك مشرق عذب     بيان ساحر يربو

هتفت فأصغت الدنيا     ولولا الحب ما لبوا

             ........

رسول الله صلينا       وحجينا وزكينا

عسى نلقاك مسرورا   بما صمنا وأدينا

            .......

نحب بحبك الناسا       نصوغ الخير نبراسا

نسالم من يسالمنا      وندفع الشر من خاسا"

الموضوع الديني المباشر الذي تناوله الشاعر, لم يزد فيه عن جملة إيقاعات ثم وقفات للمديح لولا الشطرتين الأخيرتين, لبدت القصيدة ذاتية قاصرة عن جوهر حب الرسول (صلعم).

ومع ذلك فهذا اللون الشعري (وهو اللون الديني) يعانى من قصور واضح, لولا بعض الدوريات المتخصصة, ومنها ملحق مجلة "الوعي الاسلامى" للأطفال, والمسمى مجلة "براعم الإيمان " للصغار.

 

: ثلاث قصائد تحت عنوان "ألوان وقوافي" للشاعر "د.فاروق مواسى" ورسوم "روني سعيد" (مجلة العربي الصغير)

الأولى..قصيدة "دراجتي تجوب قريتي"

"دراجتي في نزهتي        أركبها في فرحة

أحبها لأنني          أجوب فيها قريتي

وقريتي حقولها      كأنها في الجنة

وقريتي جميلة       مرسومة كاللوحة

أطوف يوميا بها     من حارة لحارة

ركبت أبغى حاجتي   وباحثا عن رفقتي

دراجتي أنيقة        وسيرها في خفة

لكنني محاذر         ألا تكون وقعتي

فالخوف كل الخوف من مخاطر السيارة"

 

الثانية.. قصيدة "السائق"

"يا سائقا مهلا فاني

أخشى الحوادث

لطفا بنا

لا تؤذنا!

سق بانتباه

سق بفن"

 

الثالثة..  قصيدة "طاقة زهر"

"اضمامة الزهر

يا رونقا يجرى

ألوانك الحب

يهفو لك القلب

يا نفحة العطر

في روعة الفجر

ببهجة تسرى

شوقا مدى الدهر"

يلاحظ القارئ أن الثلاث قصائد لشاعر واحد, وقد استخدم فيها ضمير المتكلم "الطفل", أي كلها على لسان طفل. أما الموضوع فهو عصري وجمالي, لاستخدام "السيارة" كوسيلة عصرية ومخاطبتها..لتلافى شرورها, ولتوظيفها في كشف الجمال الذي في القرية.

كما يلاحظ المتابع أن الطفل المتحدث لن يزيد عمره عن عشر سنوات, فقد أجاد الشاعر فلي اختيار الموضوع, وفى وسيلة التعبير الفنية, وقد حقق مقولات الدراسات التربوية والنفسية في مخاطبة الطفل..الذي هو ليس طفلا واحدا, ولكل مرحلة سنية خصائصها التي يتخاطب بها الطفل, والتي يجب أن يخاطبه بها الكبار من خلال أعمالهم الفنية.

كما تبدو تلك الباقة الشعرية على قدر متميز على جانب آخر هام في موضوع أدب الطفل عموما, والشعر المنشور بالدوريات خصوصا. فقد حرصت على تسجيل اسم الفنان الذي عبر عن تلك الأشعار بالريشة, فالرسومات من جوهر النشر المناسب للشعر وخصوصا "شعر الأطفال".. كما جاءت الرسومات مناسبة للموضوع وللقارئ الطفل على حد سواء, من حيث الألوان المستخدمة, وبساطة معالجة الموضوع, ودون الإخلال بالمعنى.

وقد أشير أخيرا, إلى أن سبب قلة نشر الأشعار بالعربي الصغير, قد يرجع إلى قلة الجيد المناسب منه للنشر. فشعر الأطفال له خصائصه الفنية, منها البساطة والإحاطة بالخصائص العمرية, ثم التناول الفني بحسب رؤية الشاعر التي قد تختلف من شاعر إلى آخر.

 

ليس كل ما كتبه الشعر العربي للطفل غنائي الملمح, منه الدرامي, وان كان أقل من حيث الكم, لكنه متوافر وعلى مستوى جيد ولافت, حتى يدهش المرء أحيانا ويتساءل: لماذا نقصر في حق أنفسنا, وحق أطفالنا ؟؟

: درامية "المتنبي والأطفال" للشاعر "سليمان العيسى" رسوم "فارس خضر" والإخراج الفني للكتاب "شريف الراس"..(دار ثقافة الأطفال- العراق), لعل أهمية هذا النموذج أنها عن كتاب في سلسلة خصصت لشعر الأطفال.. كما أن أهميتها ترجع إلى تناول غير معتاد في شعر الطفل, وتأكيدا لأهمية توافر سلسلة خاصة بالإنتاج الشعري للطفل (النموذج من العراق).

يقع الشكل الحواري الدرامي في كتاب, ليس على شكل المسرحية أو التمثيلية, لكنه يعتمد على الحوار الشعري ونمو الأحداث التي ترصد رحلة حياة الشاعر العربي الكبير. فكانت جملة أللقطات أو الفصول: "اللقاء الأول بين المتنبي والأطفال", "المتنبي في حديقة الأطفال", "المتنبي يحكى طفولته للأطفال", "المتنبي في بيت رافع", "المتنبي في مسرح الطلائع", "المتنبي يسافر إلى حلب بالطائرة", "رسالة من المتنبي إلى رافع", "المتنبي يعقد مؤتمرا صحفيا", "المتنبي يتلقى رسالة من رافع", "المتنبي في مصر", "المتنبي يعود إلى بغداد"..

يقول الشاعر في فصله الأول: "اللقاء الأول...."

" أبو الطيب المتنبي, على ظهر حصانه الأبيض, في ساحة من ساحات بغداد.. تحيط به جمهرة من الأولاد الصغار...فيترجل عن ظهر جواده, ثم يقترب منهم, وهو ينشد بصوت هادئ وقور":

في عصر الفضاء / آت للغناء / آت يا أطفال / آت فوق حصاني الأبيض.......

الأولاد يحيطون به مبتهجين هاتفين:

يا مرحبا بالفارس النبيل / على الحصان الجميل

جوقة من أصوات فخمة مجهولة تشارك الأولاد الغناء, وكأنها قد عرفت سر الفارس القادم.

يا مرحبا بالصوت / يجتاز سور الموت / ويترك الزمان / كأنه ما كان / ويأتي إلينا /

بكل حرارة رمل الجزيرة / يأتي إلينا / ويلقى كلاما جميلا علينا.

الأولاد متحمسون:

يا مرحبا بالفارس النبيل! / ماذا يسمى الفارس النبيل؟

المتنبي يهز برأسه مستغربا:

ألم تقرأونى؟ / ألم تحفظوني؟ / ألم تسمعوا في الأعالي رنيني؟

يرتفع صوته قليلا في نبرة زهو وخيلاء, والخيلاء يا أطفال: تعنى الكبرياء والاعتزاز بالنفس. وكان المتنبي معروفا بخيلائه..

أنا ساكب النار في كل قلب / أنا زارع الشمس في كل درب / أنا المتنبي

...........

وهكذا تتابع الحوار في عدة مشاهد بأسلوب شيق وجميل وجذاب أيضا.

أهم ما يتميز به هذا العمل, أنه تجاوز التناول التقليدي, وطرق بابا غير مطروق بكثرة وغير شائع في أدب الأطفال عموما وشعر الأطفال خصوصا, على أهميته وقيمته الجمالية والتربوية.. ألا وهو الشعر الدرامي للطفل في المسرح.  

 

: قصيدة "لو عاد الديناصور.." للشاعر "مصطفى غنيم" من مجلة "سعد"

" كان الديناصور

يمرح في غابات الأرض سعيدا

منذ عصور

يأكل حين يجوع الأشجار

يمتص مياه الأنهار

يرقص في الوديان

ويلعب مع كالأطفال

بأحجار وصخور

كان الديناصور

    ....

أتمنى لو عاد الديناصور

ويكون صغيرا

ووديعا كالقط

كي ألعب معه

بالكرة وبالخيط"

هكذا حلق خيال الشاعر ورافق خيال الطفل, وأضاف فكرة أو معلومة, وشارك الطفل في رحلة إلى التاريخ السحيق وفى البيئة التي لم يره الصغير ولن يرى.

 

: قصيدة "أنا عصفورة جميلة" بقلم الشاعرة الصغيرة "نورا عبدالعزيز" (مجلة براعم الإيمان), لعلها تعبر عن الوجه الآخر من الصورة الشعرية, صورة الشعر المكتوب بقلم الصغار أنفسهم.

"أنا عصفورة جميلة    أحب الحــرية

لي ريـش طـويل     أرفـرف وأطير

أحزن يوم تحبسني     في قفص جميل

ويومـها لن أغنى     والناس ستغضب منى

أنا عصفورة جميلة     أحب الحــرية"

البساطة والتلقائية مع دلالة المعنى وجماله.

 

خاتمة عامة:  

مع بدايات القرن الجديد تداخل الحديث حول التكنولوجيات الجديدة والثقافة, وأصبح القول بصناعة الثقافة, مقولة تقليدية, تعد لها الدول والمؤسسات كل طاقتها. وقد أصبح للطفل مكانته المتميزة, حتى ترادف معنى مصطلح "التربية" بمعنى مصطلح "التنمية".

اتسم الإبداع الفني والخطى (الكتابي) في القرن الجديد بعدد من الملامح, أهمها: الطابع الذهني, حيث إعمال الذهن, ونهاية القارئ السلبي, المطلوب هو القارئ الايجابي المشارك. والطفل من أهم فئات القراء.. والطابع التفاعلي, وهو الذي ينتج عن مشاركة القارئ, حتى انه الآن يتدخل المستمع في تعديل الإيقاع الموسيقى, والمشاهد في تغيير "بليتة" ألوان الفنان التشكيلي.. ثم الطابع المزجى والطابع غير الخطى.. وكلها في حاجة إلى متذوق جديد, وقادر على تلك المتغيرات الجوهرية, وليس هذا المتذوق إلا "الطفل". وهو بالضبط ما تعتمد عليه الكثير من مواقع الطفل على شبكة الانترنت, حيث الطفل مشارك في الألعاب والتصميمات الجمالية, والتلوين, بل وفى تصميم المنازل والمباني!

من أين نبدأ؟

على الشاعر/كاتب الأطفال الغوص في أعماق الخصائص الفسيولوجية والنفسية للطفل, خلال المراحل العمرية المختلفة.. وذلك بفهم القواعد التربوية للطفل.

أما التناول التالي فلا مدخل له سوى "اللغة" التي هي سلاح الشاعر/الكاتب وبما يتلاءم مع الموضوع وعمر الطفل (وخصوصا الحصيلة اللغوية, أو كم المفردات, وتنوعها أو ملامحها).

الهدف النهائي للشاعر/الكاتب: أن يوصل معلومة ما.. إبراز السلوك القويم.. كشف الحقائق التاريخية لزيادة الانتماء.. التعريف بكل الفنون وربما كل العناصر التي يراها الطفل (في مرحلة ما) ولا يدرى قيمتها.. ثم تقديم كل ما سبق في إطار روح دينية متسامحة مع القيم الدينية العليا, كل ذلك في إطار مقبول ومشوق. وفى المقابل يجب البعد عن النصح والإرشاد المباشر, والبعد عن التجهم والقوالب الجافة.

 

ليس أمامنا سوى المزيد من إتاحة الفرصة للتنافس والتسابق نحو "منتج فني جيد للطفل" للكشف عن المزيد من المواهب.. في الطفل وفى كتاب الطفل ومجالات التثقيف الأخرى للطفل. يكفى أن أشير أخيرا أن العينة العشوائية التي اعتمدت عليها في تلك الدراسة من الدوريات السابقة..لم أجد سوى عدد قليل جدا من القصائد التي كتبها الطفل نفسه. أليس الأمر مثيرا للتساؤل, كيف سنكتشف المواهب, ومن قبل كيف نشجعها, مع بدايات القرن الجديد ؟؟! 

المصادر والمراجع:

أولا: الكتب..

-"أغاني وألعاب شعبية للأطفال".. بقلم "صفاء عبد المنعم"/ سلسلة "الدراسات الشعبية" / هيئة قصور الثقافة.

-"الطفل في التراث الشعبي".. بقلم "د.لطفي حسين سليم"/ سلسلة "الدراسات الشعبية" / هيئة قصور الثقافة.

-"شعرنا القديم والنقد الجديد".. بقلم "د.وهب أحمد رومية" /سلسلة "عالم المعرفة" / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.

-"فن الكتابة للطفل".. بقلم "أحمد نجيب" / سلسلة "دراسات في أدب الطفل" / دار الكاتب العربي.

-"من الحداثة إلى العولمة"- جزآن.. بقلم "ج.تيمونز- أيمى هايت", ترجمة "سمير الشيشكلى" /سلسلة عالم المعرفة – الكويت.

-"المتنبى والأطفال".. بقلم "سليمان العيسى" / السلسلة الشعرية /دار ثقافة الأطفال .

-"تطور مجلات الأطفال في مصر والعالم العربي".. بقلم "نجلاء علام" / هيئة الكتاب المصرية.

-مطبوعات "مركز تنمية الكتاب العربي"- الأعداد الخاصة بحلقات البحث ومؤتمرات الطفل- التابع للهيئة المصرية للكتاب.

-"قائمة الكلمات الشائعة في كتب الأطفال".. بقلم "السيد العزاوى" و"هدى برادة" / من مطبوعات "مركز تنمية الكتاب العربي"- هيئة الكتاب المصرية.

-"الاكتشاف وتنمية المواهب".. بقلم "شاكر عبدالحميد" / الهيئة المصرية لقصور الثقافة.

-"طفل القرن الحادي والعشرين.. ذكاء-موهبة- معرفة- جمال".. بقلم "السيد نجم" / دار الوفاء للطباعة والنشر.

 ثانيا: الدوريات المشار إليها, عينة عشوائية من: (العربي الصغير – ماجد – براعم الإيمان – سعد – باسم- أطفالنا اليوم - زيد).

أضيفت في28/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

التقنيات الرقميَّة

وتحقيقها لغايات أدب الأطفال الإسلامي

دراسة وتقويم لعدد من النماذج

 

بقلم الكاتب: أحمد فضل شبلول

 

استطاع أدب الأطفال في الوطن العربي أن يواكب التطور التكنولوجي والإلكتروني الحاصل على مستوى العالم، واهتم عدد من مبدعي أدب الأطفال بتطوير الوسائل التي تُبث من خلالها الأشـكال المختلفة لأدب الطفل، وظهر تبعا لذلك أشكالٌ جديدة في أدب الأطفال بمعناه الواسع، فلم يعد هذا الأدب محصورا في النشـيد والأغنية والقصيدة الغنائية، أو الحكاية والقصة القصيرة المصورة المطبوعة في كتاب أو مجلة، والمسرحية الشعرية أو النثرية المكتوبة خصيصا للأطفال لتمثيلها على خشبة المسرح المدرسي أو مسرح النادي الصيفي، أو في الهواء الطلق، بل ظهرت في السـنوات الأخيرة أشكالٌ جديدة من الممكن أن تُضاف إلى عالم أدب الأطفال وثقافتهم، مثل ألعاب الكـمبيوتر، وما يعرف باسم الأتاري أو الفيديو جِم (ألعاب الفيديو) التي تستغرق الطفل استغراقا تاما عند الجلوس أمامها والإمسـاك بالأذرع الخاصة بها، أو الضـغط على مفاتيحها.

وقد استطاعت بعض الشركات المتخصصة في هذا المجال أن تقدم للأطفال مجموعة من البرامج التعليمية والترفيهية وبرامج الألعاب التي تنمي في أطفالنا مهارات اللعب على أجهزة الكمبيوتر، وتقدم لهم في الوقت نفسه معلومات وثقافات مفيدة ومتعددة يجدها الطفل إما مخزَّنةً في ذاكرة الكمبيوتر، أو على أقراص مرنة أو مليزرة، وما عليه سوى القيام باسـتدعائها من الذاكرة الإلكترونية، أو وضع القرص في مكانه والقيام بتشغيله، والتعامل معه.

 

ولاشك أن الطفل يجد سعادة كبيرة، وهو يتعامل مع تلك الأشكال الجديدة، مثلما كنا نجد سعادة كبيرة ونحن صغار نلعب بأدواتنا البدائية أو مع أقراننا.

يقول باسم الجسر تحت عنوان "ثورة الصوت والصورة": (لقد شاهدت في زيارة أخيرة لأحد كبار مراكز بيع الكمبيوتر ومشتقاته، كيف كان الشبان، بل الأولاد يلعبون على شاشات الكمبيوتر بسهولة، بينما كان آباؤهم، والكبار في السن يتفرجون من بعيد، ويطرحون على البائعين أسئلة تدل على جهلهم لكل هذا العالم الجديد من المعرفة) (1).

إذن لم يعد الأمر مقصـورًا على طريقة صنع الكتاب بشكل يجذب إليه الطفل، فيفرح به ويبدأ في تصفحه، واستيعاب المضمون المطروح بداخله.

ولم يعد الأمر مقصـورًا كذلك على اختيار النص الشعري المناسب للطفل في مراحل عمره المختلفة، حيث يرى الدكتور علي الحديدي أن هناك اتجاهين حول تحديد الشعر المناسب للأطفال، أولهما يرفض الشعر الذي يكتبه من يسمون بشعراء الأطفال إذا توقفت مواهبهم عند هذا الحد، واقتصر نظمهم على شعر الأطفال، ويدعو أصحاب هذا الاتجاه إلى أن يقدم للأطفال ما سهل معناه وخفَّتْ موسيقاه وناسبهم موضوعه وأهدافه من نتاج الشعراء الكبار. والاتجاه الآخر يحدد الشـعر الذي يقدم للأطفال بما يكتبه الشعراء ابتداءً للأطفال، وهو ما يسمى بشـعر الأطفال، كشعر محمد الهراوي ومحمود أبو الوفا وأحمد شوقي في حكاياته الشعرية للأطفال، وغيرهم ممن كتبوا شعرًا للأطفال (2).

 

أيضا لم يعد الأمر مقصورًا على اختيار الحكاية أو القصة المناسبة للطفل سواء المصورة أو غير المصورة، الملوَّنة أو غير الملوَّنة، ولم يعد الأمر مقصورًا كذلك على مناقشة تقديم ما هو غير ناطق من حيوان أو طير بطريقة ناطقة، أفيد أو أنفع للطفل أم الابتعاد عن هذه الطريقة لأنها تتنافى والحقيقة، فمادام الهر لا ينطق والطائر لا يتكلم، فلماذا ننسج لأطفالنا قصصا وهمية يتحدث الهر فيها ويتكلم الطائر (3).

 

لم تعد هذه المسائل الآن من الأمور الحيوية والمهمة في مجال أدب الأطفال وثقافتهم، ذلك أن التطور التكنولوجي والإلكتروني أو الرقمي جلب معه أشكالا وأفكارا جديدة لأطفالنا، وينبغي على صانعي أدب الأطفال استيعابها أولا ثم طرح مضامين جديدة تناسب هذه الأشـكال. بل إن الطفل العربي بدأ في التعامل مع عالم الإنترنت (4)، الذي يجيد التعامل معه مثلما يجيد ألعاب الأتاري والكمبيوتر.

وهنا لابد أن نتوقع حدوث تطور هائل في اهتمامات الطفل وميوله الثقافية والأدبية. علينا أن نتوقع أن طفل الإنترنت سيقوم بالتجوال داخل الشبكة والبحث عن نصوص أدبية وأشكال فنية تلائم اهتماماته وقدراته الجديدة، عبر المواقع المختلفة، وإذا وجد شيئا ما يثير اهتمامه، فإنه يقوم باستدعائه فورًا على شاشة الحاسب الآلي، ويطلع عليه، وقد يكون هذا الشيء لوحة تشكيلية أو قصيدة شعرية أو نشيد أو أغنية، أو قصة مكتوبة ومرسومة وملوَّنة، أو مقطوعة موسيقية، أو فيلم كرتون يُعرض بالصوت المجسم والصورة الثلاثية الأبعاد، أو أي شكل آخر من أشكال الأدب والفن المتعارف عليها في عصرنا هذا، والتي لا نستطيع التوقع بانحراف مسارها مستقبلا عبر أجهزة الحاسبات الآلية الشخصية.

أيضا على الشركات والمؤسسات والأفراد الذين يقومون بتصميم       ألعاب الأطفال الإلكترونية أن يقتحموا عالم الإنترنت، ويبثوا ألعابهم بعد تطويرها بما يتناسب وطبيعة طفلنا العربي المسلم، عبر مواقع معينة في شبكة الإنترنت.

إن المنافسة ستكون شديدة للغاية بين الشركات العربية التي يجب أن تقتحم عالم الإنترنت في أسـرع وقت ممكن، والشركات الأجنبية حول ما يتعلق بصيغة أدب الأطفال الذي سـيقدم من خلال الشبكة، فالكل يرى أن طفل الإنترنت هو الأرضية الجديدة التي يجب حرثها أو اسـتقطابها واحتلال المواقع المخصَّـصة له داخل الشبكة، كما أن المنافسة ستكون شديدة بين أطفال الإنترنت أنفسهم، فمعظم هؤلاء الأطفال سـيكون لديهم القدرة على برمجة أفكارهم وتخيلاتهم وتصوراتهم، وبثها عبر جهاز الحاسب الآلي إلى أصدقائهم.

 

يجلس طفل الإنترنت إلى جهازه، ويستقبل من أقرانه يوميا عشرات الأفكار والمعلومات والألعاب التي يقومون بتصميمها أو ابتكارها، أو تُصمم لهم، ويرسل لهم بدوره ما يشـابه ذلك، ويحدث نوع من تلاقح الأفكار والمعلومات عبر الشبكة، حسب قدراتهم الذهنية والعقلية وأيضا التخييلية.

ومن هنا تأتي خطورة دخول أطفالنا الشبكة، دون أرضية معرفية وثقافية ودينية يقفون عليها، وتحميهم مما قد يصل إليهم من أفكار ومعلومات قد تكون خاطئة أو منافية لأذواقنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا (كما حدث في شبكة إنترنت الكبار، حيث تم إعطاء معلومات خاطئة عن الدين الإسلامي، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم) وقد تكون في معظمها موجهة لخدمة أغراض معينة أو أغراض مشبوهة ومدسوسة على ديننا وتاريخنا وحضارتنا ولغتنا. بهدف التشويش على عقلية الصغار، وتحويل انتمائهم وولائهم لغير الدين والوطن.

إذن يجب وجود حماية كافية لأطفالنا من سـيول المعرفة الإلكترونية التي ربما تغرقهم معنويًّا وحسيًّا. 

هنا يأتي دور الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات، والتربويين ـ بصفة عامة ـ الذين لابد أن يكون لديهم أولا فكرة متكاملة عن التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي الشخصية، ثم مع شـبكة الإنترنت العالمية، حتى يكونوا على استعداد للإجابة عن أي سؤال يوجهه إليهم، طفل الإنترنت، وليس من طبيعة الأشياء أن يعرف الطفل أكثر مما يعرف الأب أو الأم أو المدرس أو المدرِّسة، وبخاصة في مجال المعارف العامة التي يجلبها التطور المسـتمر، إذ إن موضوع الحاسبات الآلية وشبكة الإنترنت أصبح الآن من الموضوعات أو المعارف العامة، وليس المتخصصة.

 

يرى جورج قندلفت أن أفضل رقابة هي الرقابة الذاتية، وخاصة رقابة الأهل لاستخدام الإنترنت من قبل أولادهم. ولهذه الغاية توجد بعض برامج المراقبة التي تقطع الاتصال حال إدخال إحدى الكلمات الممنوعة التي تم تحديدها سلفا. ويمكن للأهل هنا أن يحددوا الكلمات / المفاتيح التي تؤدي إلى المواقع غير المرغوب فيها، ويتكفل عندها البرنامج بمراقبة استخدام الأولاد لشبكة الإنترنت (5).

 

والمتأمل لحال أدب الأطفال بمعناه الواسع سيجد أنه تعددت أشكاله ووسائله ووسائطه، في القرون الثلاثة الأخيرة، وظهر ما يسمى بـ ((الثقافة الإلكترونية، أو الثقافة الرقمية))، التي جلبها دخول تقينات الحاسب الآلي، والأقراص المدمجة والكتاب الإلكتروني وشبكات المعلومات مثل شبكة الإنترنت، في منازلنا ومدارسنا ونوادينا وجمعياتنا ... الخ.

 

هذه المخترعات والاكتشافات، لو استخدمت في الخير ونشر العلم وتثبيت العقيدة الإسلامية وتدعيم القيم الأخلاقية وربط الجيل الحاضر بدينه وأمجاده وتاريخه، كان لها الدور الإيجابي الكبير. أما إذا استعملت لترسيخ ثقافة الفساد والانحراف ونشر الرذيلة والانحلال كان لها الدور السلبي الخطير.

وقد أفرز هذا الشكل منتجات الثقافة الإلكترونية أو الرقمية، ويلاحظ أنها منتجات متغيرة وفي تطور مستمر، كما أنها تعدُّ تقنية متطورة بالغة التعقيد.

ولمجاراة هذا العالم الإلكتروني، والثقافة الرقمية أو الإلكترونية، وتكنولوجيا أدب الأطفال، طورت بعض المؤسسات والشركات إمكاناتها لتؤدي دورها في سوق هذه الثقافة، وذلك الأدب. ودخل بعض الناشرين الميدان مباشرة، دون أن يمروا بطور الثقافة التقليدية، أو الثقافة (الورقية)، وعلى سبيل المثال قامت إحدى الشركات بتقديم برنامج يحمل اسم "إسلاميات حاسوبية"، وقامت شركات أخرى بإنتاج برامج تحمل عناوين مثل: المكتبة الإلكترونية للطفل المسلم (يوم في حياة طفل مسلم) هرم المعلومات (مسابقات ثقافية للأعمار تحت 15 سنة) كان يا ما كان (أربع قصص إلكترونية للأطفال: الثعلب والغراب والجبنة، الثعلب وعنقود العنب، الكلب الطماع، النملة والجندب) ... وغيرها الكثير.

 

ولا شك أن مثل هذه البرامج التي بدأت تنتشر في الأسواق وغيرها، تحمل في طياتها كل سمات الثقافة الإلكترونية أو الثقافة الرقمية، أو تكنولوجيا أدب الأطفال، التي نود إيصالها لأطفالنا كي نحميهم من مخاطر الأسطوانات والبرامج والمواقع الوافدة إلينا من الخارج، ومن بيئات غير بيئاتنا الثقافية، حيث يلاحظ أنه انتشرت في الآونة الأخيرة برامج الأطفال ومواقعهم على شبكة الإنترنت، التي تحمل ألعابهم وأدبهم وكتبهم، الواردة من الخارج، سواء من أمريكا أو أوربا أو شرق آسيا، وكان القليل منها عربيا.

في السنوات الأخيرة، عمل مخرجو برامج الأطفال الإلكترونية، ومصممو المواقع على تحويل المادة الأدبية أو الثقافية المكتوبة للأطفال إلى مادة إلكترونية نابضة بالحياة والجاذبية والحركة عن طـريق توزيع الوحدات المختلفة على الصفحة الإلكترونية الفارغة، وتحويلها إلى لوحات فنية تنبض بالجمال والمعنى بما يتناسب مع قدرات الأطفال على استخدام حواسهم المختلفة وخاصة العين، والأذن، واللمس.

 

أيضا استطاع مخرجو البرامج ومصممو المواقع، استخدام المؤثرات البصرية، والخدع السينمائية، وتوزيع الإضاءة، ومزج الصور، واستخدام الصوت البشري، وأصوات الحيوانات والطيور والمياه ... الخ، مثل زئير الأسد، ونهيق الحمار، ونقيق الضفدع، وعواء الذئب، وخرير المياه، وحفيف الريح، وسقسقة العصفور، الخ.

وعلى هذا فمصطلح "القصة الإلكترونية، أو المحرَّكة" ـ على سبيل المثال ـ يعني تحويل أو إخراج أو إعداد قصة مؤلَّفة من قبل ـ تأليفا بشريا ـ لتعمل على وسيط إلكتروني من خلال إضافة بعض التقنيات الجديدة المتعلقة بالصوت والصورة واللون والرسوم الكرتونية والصور المتحركة ومؤثرات موسيقية أخرى مع الاستفادة من خصائص الفيديو في الإرجاع والتقدم والتثبيت، أو فيما يعرف بالملتيميديا MALTI MEDIA أي الوسائط المتعددة.

 

وقد لجأت بعض دور النشر الإلكتروني ـ على قلتها في الوطن العربي ـ إلى كتب التراث في تقديم مادتها للأطفال، وتحويلها من الصيغة الورقية إلى الصـيغة الإلكترونية على الأقـراص الممغنطة، ولا شك أن عملية التحويل هذه تحتاج إلى إعادة كتابة للنص القصصي مرة أخرى بحيث يتلاءم مع الإمكانات الإلكـترونية أو الرقمية الضخمة، ومع الهيئة الجديدة التي ستخرج بها القصة، وقد يحتاج الأمر إلى نوع من الحركة، أو الرسوم المتحركة والسيناريو والحوار الخفيف والإضاءة والإظلام والديكور والإبهار و...غيرها من العناصر السينمائية، ولعل الأمر يكون أشبه بكيفية تحويل القصص والروايات المكتوبة إلى أعمال درامية نشاهدها في السينما أو الفيديو أو التلفزيون.

وقد لاحظنا أن بعض البرامج تكتب أو تؤلف مباشرة إلى الوسيط الإلكتروني، دون مرورها بمرحلة النشر الورقي، مثلما يكتب بعض الأدباء أو الكتَّاب إلى السينما مباشرة.

وفي جميع الأحوال لابد من مخاطبة الطفل بأسلوب ذكي واضح، وأن تتوافر فيمن يكتب للطفل في هذا المجال القدرة على معايشة قاموس الطفل اللغوي في مراحل عمره المختلفة، والقدرة على هضم المحصول الثقافي للطفل، وتحويله إلى برنامج ممتع ومفيد ومسل، وأن ينظر إلى الطفل على أنه ذو قابلية عالية للتأثر والانفعال بكل ما يسمع وما يرى، وأن عالمه الخاص مملوء بالنشاط والحركة والحيوية، وأنه يحب دائما الاستطلاع والاستكشاف، وأنه في مرحلة من مراحل طفولته البريئة يريد أن يحقق ذاته، وأن يحس أن من يكتب له يتجاوب مع مشاعره في غير افتعال. لذا يجب على من يكتب هذه البرامج أن يكون على دراية بأنواع القلق والصراعات التي تنشب بين أجزاء النفس، ثم بينها وبين العالم الخارجي، سواء كان هذا العالم الخارجي أسرة الطفل، أو جيرانه، أو أصدقاءه، أو زملاءه في المدرسة.

 

* تعريف البرنامج:

البرنامج عبارة عن "سلسلة من التعليمات الخاصة التي تُعطى للحاسب ليؤدي سلسلة من الخطوات المنطقية المتتابعة والتي ينتج عن أدائها نتيجة ما" (6) .

وتنقسم البرامج إلى: برامج أنظمة التشغيل Operating Systems والبرامج التطبيقية Application Programs وسيكون حديثنا هنا منصبًّا على هذا النوع الأخير من البرامج (البرامج التطبيقية) وبخاصة التي أُعدت للأطفال.

وسوف نضرب ـ هنا ـ مثلا عمليا ببرنامجين من خلال أسطوانتين تحملان قصتين هما: الرؤيا، والقرد والغيلم، ونعرِّج على أسطوانة ثالثة هي أسطوانة الطاووس المغرور، ولنلاحظ كيف كان منهج الأدب الإسلامي الموجه للطفل يسري في عروق وأوصال مثل هذه الأسطوانات.

برنامج الرؤيا

من خلال هذه الأسطوانة المحرَّكة C.D   تأتي القصة الإسلامية "الرؤيا" (7) لتشكل إضافة جديدة إلى رصيد القصص الإسلامية المحرَّكة للأطفال، وتتميز بأنها سهلة الاستخدام، ولا تحتاج إلى تحميل أي جزء منها على القرص الصلب (الهارديسك)، ومزودة بالتقنيات الرقمية الحديثة، وتحكي للأطفال قصة النبي يوسف عليه السلام، منذ أن شاهد في منامه أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقال له أبوه لا تقصصْ رؤياك على أحد، ولكن أخوته يعلمون فيحاولون قتله، أو التخلص منه، بإلقائه في الجُب أو البئر، إلى آخر القصة القرآنية المعروفة.

وقد قام المركز الهندسي للأبحاث التطبيقية، بإعداد وتنفيذ هذه القصة، وأنتجتها شركة المنار للتكنولوجيا، ضمن سلسلة أحسن القصص، وأطلقت عليها "الرؤيا".

 

الشاشة الأولى تعرض علينا خمسة خيارات:

1 ـ عرض متواصل وشامل للرواية بالصوت والصور الكرتونية الملونة والرسوم المتحركة للأشخاص والأماكن والمناظر الطبيعية تتخللها الآيات القرآنية، والأناشيد الإسلامية، والألعاب الإلكترونية.

2 ـ عرض الرواية بالصوت والصور دون هذه الأناشيد والألعاب، ويتفرع هذا الاختيار إلى اختيارين: عرض الرواية بكاملها، أو عرض مشهد معين من مشاهدها الأحد عشر (ويتناسب هذا العدد من المشاهد، مع عدد الكواكب التي رآها النبي يوسف في منامه، فقد رأي أحد عشر كوكبا).

3 ـ عرض الأناشيد (صوتا وصورا فقط) دون الرواية.

4 ـ عرض الألعاب الإلكترونية الأربعة.

5 ـ عرض صوتي ـ تصاحبه مناظر طبيعية ـ لبعض الآيات القرآنية المتعلقة بقصة النبي يوسف من خلال وصلة بعنوان "عِبرة".

وعند اختيار أحد هذه الخيارات تتحوَّل الشاشة لعرض هذا الخيار، مع ملاحظة ترجمة القصة والحوار والآيات القرآنية الواردة بالقصة إلى اللغة الإنجليزية، في شريط أسود يظهر أسفل الصورة، ليسهل متابعتها من المشاهدين أو المستخدمين الذين لا يعرفون اللغة العربية، ويعرفون الإنجليزية باعتبارها اللغة الأكثر انتشارا في العالم الآن.

ولا تبدأ القصة المحرَّكة بقصة يوسف عليه السلام مباشرة، ولكن تبدأ من خلال وجود وباء في إحدى القرى، وتتكرر قصص وفاة أهل القرية، إلى أن يصيب الوباء أمَّ أحد الغلمان، فيسأل حكيم القرية عن الحل، فيعرض عليه الحكيم نقوش الرؤيا التي سجلها الجد الأكبر على الجدران حيث يكمن الدواء، ولكن لا أحد يعرف قراءة هذه النقوش، ويتمكن هذا الغلام من فك شفرة لغة النقوش من خلال الكتاب المسحور الذي أعطاه إياه حكيم القرية، ومن خلال الكتاب المسحور يقرأ الغلام ما به من قصص وحكايات، وخاصة قصة يوسف الذي يفسر الرؤى، ومن ثم يدخل الطفل القصة ويعرف أسرارها، ويترك لنا قصة يوسف لتتحدث بنفسها، وبعد انتهاء القصة ورؤية عظماء الرجال، والاتعاظ بما جاء فيها من أحداث ومواقف ومحن، يجد الغلام العلاج، وتشفى الأم، ويتراجع الوباء بالقرية.

وليس من الصعب أن نكتشف أن الوباء الذي ألمَّ بالقرية، هو وباء الجهل الذي تفشَّى فيها، وأودى بحياة عشرات من أهلها، وعندما تصدى الغلام له عن طريق فك رموز اللغة، أي عن طريق العلم والقراءة ومعرفة أحوال البشر وقصصهم والاستفادة منها، يُرفع الوباء أو البلاء عن القرية الجاهلة، وتتماثل أمه للشفاء.

يلاحظ أثناء عرض القصة، وجود الكورس أو الجوقة التي تعلِّق على الأحداث، وهي تقنية من تقنيات المسرح استفاد منها منفذ البرنامج أو القصة، كما يلاحظ حُسن استخدام الألوان وحُسن توزيعها، وأيضا تلوين الصوت حسب الموقف، ولا أبالغ إذا قلت إن هناك ممثلين أو مؤديين محترفين، وليسوا هواة، كانوا وراء هذا الأداء الصوتي المتميز طوال القصة.

في وصلة الأناشيد، توجد خمسة أناشيد هي: الرؤيا، واللقاء، والمؤامرة، والمراودة، والسجن. وكل نشيد يعبر عن الموقف الذي تمر به القصة، أو يمر به النبي يوسف.

في محنة إلقاء يوسف في البئر (المؤامرة)، تنشد الجوقة قائلة:

في ظلام الليل ذاكَ

كان شيطانٌ هناكَ

يوقدُ الأحقادَ والنيرانَ

من هذا لذاكَ

وفي محنته مع زوجة عزيز مصر (المراودة) تنشد الجوقة قائلة:

غلَّقت أبوابَها

جهَّزت أسبابَها

وقالتْ: هيتَ لك

قلتَ: لا أبدًا محال

إنه ربي تعال

ذو الجلال

الذي آوى وأخرج من ضلال

واصطفاني من نبيًّ

فارتضى مني نبيا

وارتفعتُ بإذنه قَدْرًا عليّا

وفي محنة سجنه (السجن) تُعلِّق الجوقة قائلة:

من ظلمةِ سجنِكَ يا يوسف نبعتْ أنوار

بلغْ يا يوسف رفقاء السجن الأخبار

لا يخفي شيء من علم الله القهَّار

وفي نهاية القصة (اللقاء) تعلِّق الجوقة قائلة:

تم اللقاء

وأتى الضياء

وتحقَّق الحلمُ الجميل

زال البلاء

بعد الشقاء

وتكشَّفَ الهمُّ الثقيل

هذا جزاء الصابرين

المؤمنين الثابتين

إلى آخر هذه الأناشيد التي تُضيف بُعدا غنائيا أو فنيا جميلا للقصة، في لغة فصحى سليمة ونطق سليم، وإيقاعات موسيقية هادئة، سواء إيقاعات التفعيلة أو البحور الشعرية المستخدمة مثل: الرجز والرمل والكامل والمتدارك، أو الإيقاعات الصوتية المنغَّمة، حيث لا توجد سوى آلة الدف المصاحبة لهذه الأناشيد والأغنيات.

وفي جميع مشاهد القصة ـ وعددها أحد عشر مشهدا ـ لا تظهر صورة يوسف عليه السلام، ولا صورة أبيه يعقوب عليه السلام، اتباعا للتعاليم الإسلامية في عدم ظهور صور الأنبياء والرسل والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة، رضوان الله عليهم جميعا، في شاشات التلفزيون والسينما وعلى خشبة المسرح، وفي الرسوم المتحركة، والفنون التشكيلية من رسم ونحت وخلافه، وتمتد هذه التعليمات لتشمل الأسطوانات المدمجة، وشبكة الإنترنت أيضا كما نرى.

لذا نجد الراوي في أسطوانة "الرؤيا" يقول: قال يوسف، أو قال يعقوب، ثم ينطق بنص الآيات القرآنية المناسبة للموقف.

 

أما وصلة الألعاب فهي تحتوي على أربعة ألعاب هادفة لا دماء فيها، ولا ألفاظ قتل وانتقام كما نلاحظ على الألعاب غربية الصنع التي تدعو في معظمها إلى القتال والعنف وإسالة الدماء، والإعلاء من قيمة الفردية والأنانية، عن طريق الرعب، والقوة المطلقة التي تمحو في طريقها كل شيء يهدد بقاءها، وهي لا تقل في تأثيرها ـ إن لم تزد ـ عن تأثير مجلات  الأطفال التي انتشرت خلال سـنوات السبعينيات والثمانينيات مثل: سوبرمان، وطرزان، والوطواط، وغيرها.

اللعبة الأولى على سبيل المثال تحتوي على ميكروب مرضي أو فيروس يهاجم القرية، وتظهر هذه الميكروبات والفيروسات في صورة قنابل هابطة على القرية لتدمرها وتفتك بها، والمطلوب أن يساعد اللاعب غلام القرية في تفجير هذه القنابل قبل سقوطها على الأرض، والتفجير يكون عن طريق وضع المؤشر الدائري في أسرع وقت ممكن على القنبلة وهي تهبط، والضغط على الزر الأيسر للفأرة لتفجير القنبلة أو إفسادها في الهواء قبل وصولها إلى الأرض.

وتمنح اللعبة لاعبها أكثر من محاولة، وأكثر من مستوى، وهي تعتمد في الأساس على سرعة استخدام زر الفأرة، وسرعة توقُّع اللاعب للأماكن التي ستهبط منها القنابل، وسرعة ملاحقتها قبل سقوطها.

 

ومن خلال موضوعات الألعاب الأربعة، نلاحظ أنها تنتمي إلى بيئة القصة المحرَّكة، حيث غلام القرية الذي يتمنى شفاء أمه، فلجأ إلى حكيم القرية الذي أطلعه على النقوش والكتاب المسحور، ولعل قنابل الميكروبات أو الفيروسات التي تهاجم القرية وتهبط عليها، هي قنابل الجهل التي كادت تودي بحياة هذه القرية.

وعلى ذلك تجمع أسطوانة الرؤيا بين القصة الدينية، والأناشيد، وتلاوة آيات قصيرة من القرآن الكريم، والألعاب المسلية المفيدة التي تحمل قيم الخير ومحاربة الشر المتمثل في الميكروبات والفيروسات المدمرة.

 

لذا اعتبرها نموذجا جيدا للأسطوانات المنتجة إسلاميا للأطفال، التي تدخل في عِداد تكنولوجيا أدب الأطفال الإسلامي التي تعني تثقيف الطفل المسلم من خلال الوسائط المتعددة التي تناسب عصر التكنولوجيا أو العصر الرقمي الذي نحياه حاليا.

برنامج القرد والغليم

الأسطوانة التي تحمل قصة "القرد والغيلم" (8) الواردة في كتاب "كليلة ودمنة" سوف نرى من خلالها، كيف حوَّلتها إحدى الشركات المتخصصة (9) إلى قصة إلكترونية ضمن مشروعها الثقافي "سلسلة القصص الإلكترونية".

وبداية لابد من وضع قصة "القرد والغيلم" المختارة نموذجا، كما جاءت في كتاب كليلة ودمنة بين يدي القارئ، ثم نتابع معا كيفية تحويلها إلى الصيغة الإلكترونية أو الرقمية، والإضافات الجديدة، والأساليب المبتكرة التي أضافتها الشركة إليها، واعتمادها برنامجاً أدبيًّا ثقافيًّا تعليميًّا ترفيهيًّا متطورًا للأطفال.

باب القرد والغيلم (10)

وهو مثل من يضيّع حاجته إذا ظفر بها

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل، فاضرب لي مثل الرجل الذي يطلب الحاجة، فإذا ظفر بها، أضاعها.

قال الفيلسوف: إن طلب الحاجة أهون من الاحتفاظ بها، ومن ظفر بحاجة ثم لم يحسن القيام بها، أصابه ما أصاب الغيلمَ (1).

قال الملك: وكيف كان ذلك؟

قال بيدبا: زعموا أن قردا يقال له ماهر، كان ملك القردة، وكان قد كبر وهرم، فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة، فتغلب عليه، وأخذ مكانه، فخرج هاربا على وجهه، حتى انتهى إلـى الساحل، فوجد شجرة من التين، فارتقى إليها وجعلها مقامه، فبينما ذات يوم يأكل من ذلك التين، إذ سقطت من يده تينة في الماء، فسمع لها صوتا وإيقاعا، فجعل يأكل ويرمي في الماء، فأطربه ذلك، فأكثر من طرح التين في الماء، وثَمَّ (2) غيلم، كلما وقعت تينة أكلها. فلما كثر ذلك، ظنَّ أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله، فرغب في مصادقته، وأنس إليه، وكلَّمه، وأَلَفَ كل واحد منهما صاحبه.

 

وطالت غيبة الغيلم عن زوجته، فجزعت عليه، وشكت ذلك إلى جارة لها، وقالت: قد خِفْتُ أن يكون قد عرض لها عارض (3) سوءٍ فاغتاله. فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قردا وألفه القـرد، فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك حتى تحتالي لهلاك القرد. قالت: وكيف أصنع ؟ قالت جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.

 

ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله، فوجد زوجته سيئة الحال، مهمومة، فقال لها الغيلم: ما لي أراك هـكذا ؟ فأجابته جارتها، وقالت: إن زوجتك مريضة مسكينة، وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه. قال الغيلم: هذا أمر عسير. من أين لنا قلب قرد، ونحن في الماء ؟ لكن سأحتال لصديقي.

 

ثم انطلق إلى ساحل البحر، حزينا كئيبا مفكرا في نفسه كيف يصنع، فقال له القرد: يا أخي، ما حبسك عني؟ قال له الغيلم: ما حبسني عنك إلا حيائي، فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إليَّ؟ وأريد أن تتم إحسانك إليَّ بزيارتك لي في منزلي، فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكـهة، فاركب ظهري لأسبح بك، فإن أفضل ما يلتمسه المرءُ من أخلائه أن يغشوا (4) منزله، وينالوا من طعامه وشرابه، ويعرفهم أهله وولده وجيرانه. فرغب القرد في ذلك. وقال: حُبًّا وكرامة، ونزل فركب ظهر الغيلم، فسبح به، حتى إذا تجاوز قليلا عرض له قُبحُ ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: ما لي أراك مُهتَّمًا؟ قال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض، وذلك يمنعني من كثير مما أريد أن أبلغه من كرامتك وملاطفتك، قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلف. قال الغيلم: أجل (5).

 

ومضى بالقـرد ساعة، ثم توقف به ثانية، فساء ظن القرد، وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر! ولست آمنا أن يكون قلبه قد تغير لي، وحال (6) عن مودتي، فأراد بي سوءا، فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلبا من القلب. وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما في نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه، عند كل أمر وفي كل لحظة وكلمة، وعند القيام والقعود، وعلى كل حال، فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب. وقد قالت العلماءُ: إذا دخل قلب الصديق من صديقه فليأخذ بالحزم في التحفظ منه، وليتفقَّد ذلك في لحظاته وحالاته، فإن كان ما يظن حقا ظفر بالسـلامة، وإن كان باطلا ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك.

 

ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك؟ وما لي أراك مُهتمًّا، وكأنك تحدث نفسك مرة أخرى؟ قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب، لأن زوجتي مريضة. قال القرد: لا تهتم، فإن الهمَّ لا يغني عنك شـيئا. ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية، فإنه يقال: ليبذُل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة، وفي وقت الحاجة، وعلى البنين، وعلى الأزواج. قال الغيلم: صدقت. وقد قالت الأطباء: إنه لا دواء لها إلا قلب قرد. فقال القرد في نفسه: واأسـفاه! لقد أدركني (7) الحرص والشره على كبر سني، حتى وقعت في شر ورطة! ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مسـتريحا مطمئنا، وذو الحرص والشـره يعيش ما عاش في تعب ونصب (8) وإني قد احتجت الآن إلى عقل في التماس المخرج مما وقعت فيه.

 

ثم قال للغيلم: وما منعك، أصلحك الله، أن تعلمني عند منزلي، حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنةٌ (9) فينا، يا معشر القردة، إذا خرج أحدنا لزيارة صديق، خلَّف قلبه عند أهله، أو في موضعه، لننظر إذا نظرنا إلى حَرَمِ (10) الـمَزور وليس قلوبنا معنا. قال الغيلم: وأين قلبك الآن؟ قال: خلفته في الشجرة، فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة، حتى آتيك به، ففرح الغيلم بذلك. وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به. ثم رجع بالقرد إلى مكانه. فلما قارب الساحل، وثب عن ظهره، فارتقى الشجرة، فلما أبطأ على الغيلم، ناداه: يا خليلي، احمل قلبك وانزل، فقد حبسـتني، فقال القرد: هيهات! أتظن أني كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان؟

قال الغيلم: وكيف كان ذلك؟.

 

قال القرد: زعموا أنه كان أسد في أجمة، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل الطعام، فأصاب الأسد جَرَبٌ، وضعف ضعفا شديدا، وجهد، فلم يستطع الصيد. فقال له ابن آوى: ما بالُك، يا سيد السباع، قد تغيرت أحوالك؟ قال: هذا الجـرب الذي قد أجهـدني، وليس له دواءٌ إلا قلب حمار وأذناه. وقال ابن آوى: ما أيسر هذا! وقد عرفت بمكان كذا حمارا مع قصَّار (11) يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به، ثم دلف (12) إلى الحمار فأتاه وسلَّم عليه فقال له: ما لي أراك مهزولا؟ قال ما يطعمني صاحـبي شيئا. فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا؟ قال: فما لـي حيلة في الهرب منه، لست أتوجه إلى جهة إلا أضرَّ بي إنسان فكدَّني (13) وأجاعني. قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس، لا يمر به إنسان، خصيب المرعى، فيه قطيع من الحُمُر لم تر عين مثلها حسنا وسمنا. قال الحمار: وما يحبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها.

فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى، ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار. فخرج إليه وأراد أن يثب عليه، فلم يستطع لضعفه، وتخلَّص الحمار منه. فأفلت هلعا(14) على وجهه، فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية؟ فقال له: إن جئتني به مرَّةً أخـرى، فلن ينجوَ مني أبدا، فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحمُر رآك غريبا، فخرج يتلقَّاك مرحبا بك، ولو ثبتَّ له لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه، فلما سمع الحمار كلام ابن آوى، ولم يكن رأى أسدا قط، صدَّقه، وأخذ طريقه إلى الأسد، فسبقه ابن آوى إلى الأسد، وأعلمه بمكانه. وقال له: استعدْ له، فقد خدعته لك، فلا يُدرِكنَّك الضعف في هذه النوبة، فإنه إن أفلت فلن يعود معي أبدا. فجاش (15) جأشُ الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار. فلما بصُرَ به عاجله بوثبة افترسه بها. ثم قال: قد ذكرت الأطباءُ أنه لا يؤكل إلا بعد الغُسْل والطهور، فاحتفظ به حتى أعود، فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتا لك.

 

فلما ذهب الأسد ليغتسل، عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطيَّر (16) الأسد منه، فلا يـأكل شيئا.

ثم إن الأسد رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يعقل وأذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من الهلكة.

* * *

وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أني لست كذلك الحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان، ولكنك احتلت عليَّ وخدعتني فخدعتُكَ بمثل خديعتك واسـتدركتُ فارِطَ أمري. وقد قيل: إن الذي يفسده الحلم (17) لا يصلحه إلا العلم.

قال الغيلم: صدقت! إن الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنبا لم يستحِ أن يؤدَّب لصـدقه في قوله وفعله. وإن وقع في ورطةٍ أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله، كالرجل الذي يعثُرُ على الأرض وعليها يعتمد في نهوضه. فهذا مثل الرجل يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها.

ــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الغيلم: ذكر السلحفاة.

2 ـ ثمَّ: هناك.

3 ـ عرض عارض: ظهر أمر غير ثابت.

4 ـ يغشوا: يأتوا.

5 ـ أجل: نعم.

6 ـ حال: تحوَّل.

7 ـ أدركني: نال مني.

8 ـ نصب: تعب.

9 ـ سنَّة: طريقة.

10 ـ حرم: ما يحميه الإنسان ويدافع عنه (نساءه).

11 ـ قصَّار: مبيَّض الثياب.

12 ـ دلف: أقبل مسرعا.

13 ـ كدَّني: أتعبني.

14 ـ هلعا: شديد الجزع.

15 ـ جاش: اضطرب، هاج، غضب.

16 ـ يتطير: يتشاءم.

17 ـ الحِلم: الصبر، التعقُّل.

القرد والغيلم الإلكترونية

تحت شعار سلسلة القصص الإلكترونية من وحي كليلة ودمنة أنتجت شركة صخر للحاسبات الآلية قصة "القرد والغيلم" بالعربية والإنجليزية على أسطوانة CD - ROM، وفي هذه القصة يلتقي الطفل بشخصيات عديدة تتحرك وتمتلئ بالحيوية والنشاط، تتحدث، وترقص، وتغني. تتكون القصة من 13 صفحة إلكترونية، ويمكن للطفل الانتقال إلى أي جزء محبب لديه بسهولة ويسر. وبعد نهاية القصة سيحصل على الحكمة الكامنة من ورائها. ويمكن اختبار قدرة الطفل على استيعاب القصة وفهمها عن طريق الإجابة عن الأسـئلة الخاصة بها، وعليه اقتناء أكبر عدد من النقاط.

وبالإضافة إلى ما سبق يوجد لعبتان طريفتان في القصة، هما: لعبة التكوين، ولعبة التلوين.

بعد تنصيب البرنامج وتشغيله، تظهر صفحة إلكترونية للمنتج بالعربية، ثم بالإنجليزية، يعقبها مباشـرة ظهور شاشة الخيارات، أو الشاشة الرئيسية للبرنامج. تحتوي هذه الشاشة على سـبع أيقونات، بالإضافة إلى أيقونة الخروج التي تظهر أسفل يمين الشاشة.

1 ـ الأيقونة الأولى، عليها حرف "ع" وعند الضغط عليها بزر الفأرة الأيسر يظهر البرنامج باللغة العربية.

2 ـ الأيقونة الثانية، عليها حرف "E" عند الضغط عليها يظهر البرنامج باللغة الإنجليزية.

3 ـ الأيقونة الثالثة، عبارة عن صورة كتاب مفتوح، وعند الضغط عليها، تبدأ القصة، وتظهر الصفحة الإلكترونية الأولى، ويتم قراءة الكلام ذي اللون الأصفر أسفل الصورة الملونة ذات السمات الكرتونية، وتظهر الجُمل المنطوقة باللون الأحمر. ويلاحظ وجود الصوت الأنثوي عند قراءة القصة بالعربية، ووجود الصوت الذكوري عند قراءة القصة بالإنجليزية.

إذا رغب المستخدم إعادة القراءة مرة أخرى يضغط على أيقونة مكبر الصوت الموجودة على يمين الكلام. كما يمكن للمستخدم الضغط على أي رسم داخل اللوحة أو الصورة الكرتونية فتظهر مؤثرات صوتية ورسوم متحركة وأحداث طريفة.

للانتقال إلى الصفحة التالية، يضغط المستخدم على صورة القرد المتجه إلى اليسار الموجود أسفل يسار الشاشة. وإذا كان في الصفحة الثانية وأراد العودة إلى الصفحة السابقة يضغط على القرد المتجه إلى اليمين الموجود أسفل يمين الشاشة.

وللخروج من صفحات القصة والعودة إلى الشاشة الرئيسية أو شاشة الخيارات، يضغط على الشكل الموجود أعلى رقم الصفحة، أو أعلى الشاشة.

4 ـ الأيقونة الرابعة، أيقونة الأسئلة المتنوعة، وعند الضغط عليها تظهر شاشة الأسئلة، حيث يظهر أحد مشاهد القصة، وأسفله يوجد سؤال وأكثر من إجابة وعلى المسـتخدم اختيار الإجابة الصحيحة بالضغط بزر الفأرة على الدائرة الموجودة يمين الإجابة (في حالة اسـتخدام الواجهة العربية) وعلى الدائرة الموجودة يسار الإجابة (في حالة استخدام الواجهة الإنجليزية). وتتوالى الأسئلة والإجابات حتى تظهر رسالة "لا توجد أسئلة أخرى". ويلاحظ أنه يوجد يمين الشاشة (العربية) الوظائف التالية:

ـ شكل مربعين صغيرين متجاورين: ووظيفته إظهار عدد الإجابات الصواب والخطأ.

ـ شكل قرد متجه إلى اليسار: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى المشهد التالي.

ـ شكل قرد متجه إلى اليمين: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى المشهد السابق.

ـ شكل قرد يحمل كاميرا فيديو: عند الضغط عليه يتم لعب المشهد الظاهر أمام المستخدم.

ـ شكل غراب: عند الضغط عليه تظـهر شاشة المساعدة التي تقوم بشرح وظائف الأشكال السابقة.

ـ شكل باب مغلق: عند الضـغط عليه يتم الخروج من قسم الأسئلة إلى شاشة الخيارات الرئيسية.

5 ـ الأيقونة الخامسة: لعبة التكوين: عند الضغط عليها تظهر شاشة لعبة التكوين. وفي هذه اللعبة تظهر عدة قطع من مشاهد القصة، وعلى المستخدم تنظيمها وتكوين مشهد من مشاهد القصة، ويتم ذلك عن طريق سحب القطعة بالضغط على زر الفأرة ووضعها في المكان المطلوب، ثم يطلق زر الفأرة. وتتكون هذه اللعبة من ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: يظهر المشهد المطلوب تكوينه باللونين الأبيض والأسود، وعلى المستخدم وضع القطعة الملونة ـ الموجودة خارج المشهد ـ في مكانها المناسب.

المستوى الثاني: يظهر فقط الشكل الخارجي للقطعة بدون الشكل الداخلي، وعلى المستخدم وضع القطعة في المكان المناسب.

المستوى الثالث: تظهر مساحة سوداء، وعلى المستخدم تنظيم القطع الموجودة خارج هذه المساحة، لتكوين المشهد المطلوب.

ويلاحظ أنه يوجد إلى يمين شاشة هذه اللعبة الأشكال التالية:

ـ شكل ساعة رقمية: لإظهار الوقت المتبقي وعدد القطع المطلوب ترتيبها.

ـ شكل قرد متجه إلى اليسار: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى الصورة التالية.

ـ شكل قرد متجه إلى اليمين: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى الصورة السابقة.

ـ ثلاثة مربعات تحدد ثلاثة مستويات للعبة.

ـ شكل أسد: عند الضغط عليه يتم البدء من جديد.

ـ شكل غراب: عند الضغط عليه تظـهر شاشة المساعدة التي تقوم بشرح وظائف الأشكال السابقة.

ـ شكل باب مغلق: عند الضغط عليه يتم الخروج من لعبة التكوين إلى شاشة الخيارات الرئيسية.

ولاشك أن لعبة التكوين تنمي لدى الطفل قدرته على استخدام ذاكرته، كما تنمي قدراته الابتكارية، وقدراته على التصرف.

6 ـ الأيقونة السادسة: لعبة التلوين: عند الضغط على هذه الأيقونة يظهر مشهد أسود وأبيض من مشاهد القصة وعلى المستخدم تلوينه. ويتم التلوين باستخدام الألوان العشرة الموجودة أسفل الشاشة. ويلاحظ أنه يوجد قلم آخر يتم استخدامه لتلوين الصورة كلها عشوائيا. وتتم عملية التلوين بالضغط بزر الفأرة على لونٍ لتحديده ثم الضغط على المنطقة المطلوب تلوينها باللون المحدد، أو الذي اختير من قبل.

ويلاحظ أنه يوجد إلى يمين شاشة هذه اللعبة الأشكال التالية:

ـ شكل قرد متجه إلى اليسار: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى الصورة التالية.

ـ شكل قرد متجه إلى اليمين: عند الضغط عليه يتم الانتقال إلى الصورة السابقة.

ـ شكل فأر يحمل علبة (باليتة) الألوان: عند الضـغط عليه يتم تلوين الصورة بالألوان المثالية.

ـ شكل أسد: عند الضغط عليه تظهر الصورة باللونين الأبيض والأسـود، ويتم بدء التلوين من جديد.

ـ شكل طابعة: عند الضغط عليه يتم طباعة صفحة التلوين على الورق.

ـ شكل غراب: عند الضغط عليه تظهر شاشة المساعدة التي تقوم بشـرح وظائف الأشكال السابقة.

ـ شكل باب مغلق: عند الضغط عليه يتم الخروج من لعبة التلوين إلى شاشة الخيارات الرئيسية.

ولاشك أن لعبة التلوين من الألعاب التي يحبها الأطفال، ويستطيع الطفل في قصة القرد والغيلم، تلوين أي مشهد من مشاهد القصة، ثم طباعته على الورق، ليعلقه في حجرته.

7 ـ الأيقونة السابعة: وتظهر على شكل صفحة كتاب عليها صورة يد. عند الضغط عليها تظهر شاشة يتم من خلالها اختيار المشهد الذي يريد المستخدم استعادته، أو يبدأ به القصة. ويوجد إلى جانبي المشهد شكل قردين. يتم الضغط بزر الفأرة على القرد المتجه إلى اليسار لاختيار المشهد التالي. وعند العودة إلى مشهد سابق يتم الضغط بزر الفأرة على القـرد المتجه إلى اليمين. وعند الانتهاء والعودة إلى شـاشة الخيارات الرئيسية، يتم الضغط على الشكل الموجود أعلى رقم الصفحة بأعلى الشاشة الحالية.

8 ـ الأيقونة الثامنة: وتظهر على شكل باب مغلق، عند الضغط عليه، يتم الخروج من البرنامج والعودة إلى شاشة الكمبيوتر، أو قائمة البرامج.

هذه هي الجوانب الإلكترونية لقصة القرد والغيلم، فماذا عن القصة نفسها سردا وحوارا؟

تناثرت القصة على ثلاث عشرة صفحة إلكترونية، وتبدأ كل صفحة بالسرد المكتوب والمنطوق، يعقبه الحوار على لسان شخصيات القصة الأربع (القرد شعبوط، الغيلم جحجح، إش إش زوجة جحجح، وصديقتها فت فت).

وسـوف نضع القصة، كما صاغتها شركة صخر، بين يدي القارئ الآن طبقا لتسلسـلها في الصفحات الإلكترونية.

ص 1

عندي حكاية لطيفة عن قرد عجوز متوج بتاج على رأسه، وهو ملك لقبيلة من القرود، يسمى الملك شعبوط.

في يوم من الأيام هجم عليه قرد شاب قوي وطرحه أرضا، واستولى على التاج والـمُلك، وطرد القرد العجوز من المملكة واستولى عليها.

* الحوار:

ـ الملك الجديد: أنا الملك الجديد والتاج على رأسي.

ـ مجموعة القرود: يعيش الملك الجديد. يعيش الملك الجديد. يعيش الملك الجديد.

ص 2

القرد شعبوط يعيش فوق شجرة التين وحيدا بعد أن طُرِدَ من مملكته، يبحث عن صديق فلم يجد غير غيلم في الماء على الشـط يسمى جحجح وبعض الغربان والطيور. حاول شعبوط أن يتعود على الحياة الجديدة، ويسعد بها ويحب كل ما فيها.

* الحوار:

ـ شعبوط: ألا من صديق يؤنسني وحدتي.

ص 3

وبينما كان القرد يأكل من تين الشجرة، سقطت منه واحدة في ماء البحيرة فشاهد غيلم الماء جحجح فأراد أن يصادقه، وكانت له رغبة في أن يكون له صديق يتحدث معه ويؤنس وحدته.

* الحوار:

(صوت سقوط التينة في الماء)

ـ جحجح: شكرا.

ـ شعبوط: من أنت ؟

ـ جحجح: أنا الغيلم جحجح.

ص 4

الغيلم جحجح أعجبه جدا طعم التين المسكَّر، وكان أكثر إعجابا بكرم شعبوط فرغب في مصادقته. فرح شـعبوط كثيرا بذلك لأنه وحيد، وكانت هذه رغبته أن يكون له صديق.

* الحوار:

ـ جحجح: صباح الخير.

ـ شعبوط: صباح النور.

ـ جحجح: أرغب في مصادقتك.

ـ شعبوط: بكل سرور.

ص 5

عندما كان القرد يجلس على أحد فروع شجرة التين، وجحجح على شط البحيرة، رغب القرد أن يعرف شيئا عن صديقه، هل هو وحيد مثله أم لا؟

* الحوار:

ـ شعبوط: ألك أقارب؟.

ـ جحجح: زوجتي.

ص 6

زوجة جحجح السلحفاة إش إش حزينة لغياب زوجها، وأعلمتها صديقتها فت فت أنه يعيش فـي صداقة قرد عجوز، ويقضيان وقتا طويلا عند شجرة التين. وكانت هذه الصديقة مشهورة بدهائها.

* الحوار:

ـ إش إش: كيف يرجع زوجي لي؟

ـ فت فت: لندبر له حيلة.

ص 7

هناك في البحيرة بعض الصخور التي مر عليها الزمن، وتحت إحدى هذه الصخور كانت إش إش تحكي لفت فت عن غياب زوجها.

* الحوار:

ـ فت فت: نخبر زوجك أنك مريضة (تضحك).

ـ إش إش: ثم ماذا؟

ـ فت فت: وعلاجك قلب قرد.

ص 8

نامت إش إش على الأرض، وتغطت بأوراق النباتات المائية، وتمارضت حتى وصل زوجها جحجح مذعورا عليها.

* الحوار:

ـ إش إش: آه .. آه.

ـ جحجح: سلامتك يا زوجتي.

إش إش: دوائي قلب قرد عجوز .. آه .. آه.

ص 9

عندما فكر جحجح في قلب شعبوط عاد إليه مسرعا لكي يأتي به إلى زوجته ويعطيها قلبه فتأكله فتشفى. ذهب إلى شعبوط وأخبره بمرض زوجته وعاد به إلى مكان زوجته. وتأثر شعبوط لمرضها.

* الحوار:

ـ شعبوط: أنا في خدمتك.

ـ جحجح: قلبك تأكله زوجتي لتعيش.

ـ شعبوط: واأسفاه لقد تركت قلبي عند شجرة التين خوفا من أن يسرقه أحد.

ص 10

طلب شعبوط من جحجح أن يعود به مسرعا إلى شجرة التين لكي يأتي بقلبه، فقد أدرك شـعبوط الموقف وركب على ظهر جحجح وعاد إلى حيث أتي، ووثب على الشجرة واختفى.

* الحوار:

ـ جحجح: قلبك .. هاتِ قلبك..

ـ شعبوط: أتظن أني كالحمار .. أعطيك قلبي.

ـ جحجح: تطعمني (تين)، وتبخل عليَّ بقلبك.

ص 11

أدرك شعبوط ما يجول بخاطر صديقه جحجح، وهو أنه يقضي عليه لتعيش زوجته، وهذه ليست صداقة، ولابد أن تنتهي العلاقة لأنه طلب منه قلبه لتأكله زوجته حتى تشفى.

* الحوار:

ـ جحجح: قلبك .. تأكله زوجتى لتشفى.

ـ شعبوط: كفاني ما رأيت من صداقتك.

أموت أنا لتعيش زوجتك ..؟

ص 12

وعندما وصل شعبوط إلى أعلى فرع في الشجرة، ومازال جحجح يحاول إقناعه أن يعطيه قلبه لتأكله زوجته، أبى أن تنتهي حياته مقابل صداقة. فلابد أن يختار الأصدقاء بدقة شديدة.

* الحوار:

ـ جحجح: سوف تخسرني.

ـ شعبوط: أهون عليَّ أن أخسر صديقا، ولا أخسر حياتي.

ـ جحجح: أرجوك .. أرجوك.

ـ شعبوط: عُد إلى زوجتك. وكفاني ما رأيت من صداقتك.

ص 13

أصدقائي وهكذا نتعلم أن ندقق في اختيار الأصدقاء.

***

من المؤثرات الصوتية والرسوم المتحركة والأحداث الطريفة في هذه الصفحات، أنه:

عند الضغط بزر الفأرة الأيسر على أحد مكونات الصورة الكرتونية بإحدى الصفحات تتحرك أشياء كانت مختفية، فمثلا عند الضغط على بطن الشجرة يخرج ثعبان تصاحبه موسيقى لثوان ثم يختفي الثعبان. وعند الضغط على صورة أحد الحيوانات التي نظن أنه نائم، يستيقظ ويصدر صوتا مميزا ثم يعود إلى نومه. وعند الضغط على باب الغابة يظهر فأر يصدر صوتا ثم يختفي. وعند الضغط على أحد القـردة الموجودة في الصورة، تتردد الهتافات للملك الجديد: يعيش، يعيش، يعيش.

وفي صفحة أخرى عند الضغط على صورة بطة ثابتة في البحيرة، تتحرك البطة ذهابا وإيابا، ثم تعود لتستقر مكانها. وعند الضغط على بعض الأعشاب نسمع نقيق الضفادع، وأصواتا أخرى من وحـي الغابة. كما يوجد بالصورة عازف كمان، عند الضغط عليه يتحرك ليعزف على كمانه لحن "آه يا زين العابدين". وعند الضغط على إحدى الفراشات الملونة تطير الفراشة لمسافة معينة ثم تعود لتستقر مكانها. وعند الضغط على فرع الشجرة المعلق عليها القرد شعبوط، يتحرك القرد عدة حركات بهلوانية.

في قسم الأسئلة المتنوعة يمكن اختبار قدرات الطفل على استيعاب القصة وفهمها إذا استطاع الإجابة عن أسئلة القصة، مثل:

ـ الملك شعبوط هو:

ملك القبيلة.

ملك الغابة.

ـ اختر العبارة الصحيحة:

وجد شعبوط أصدقاء جدد.

لم يجد شعبوط أصدقاء.

ـ اختر العبارة الصحيحة:

لا تهم الدقة في اختيار الأصدقاء.

لابد من اختيار الأصدقاء بدقة.

ـ في النهاية نتعلم من القصة:

أن ندقق في اختيار الأصدقاء.

  التضحية من أجل الغير.

وهكذا تدور الأسئلة حول القصة، وحول المغزى أو المعنى الذي أُلِّفَتْ من أجله، وهو الدقة في اختيار الأصدقاء والنجاة في الصبر والتفكر.

ثمة اختلافات بين القصتين الورقية والإلكترونية، نذكر منها على سبيل المثال:

1 ـ  ركزت القصة الورقية على المثل الذي سمعه الملك دبشليم، وأراد أن يسمع عنه حكاية أو يراه مجسَّدا في حكاية، يرويها له الفيلسوف بيدبا، وهو "من يضيع حاجته إذا ظفر بها". وبالفعل استطاع بيدبا أن يجسد هذا المثل في شخصية الغيلم الذي كان بين يديه الحاجة وهي القرد وقلبه، ولكنه ضيع هذه الحاجة عندما أفشى أمر حاجة زوجته لقلب قرد كي تشفى، إلى القرد نفسه الذي تحايل على الغيلم حتى نجا منه.

في حين ركَّزت القصة الإلكترونية على مفهوم أو موضوع الصداقة، وأن خسارة صديق أهون من خسارة الحياة، وأنه لابد من التدقيق في اختيار الأصدقاء، فلا يصح أن يطلب الصديق من صديقه دفع حياته ثمنا لإنقاذ حياة زوجته، فهذه ليست صـداقة، وتنتهي القصة الإلكترونية بعبارة "وهكذا نتعلم أن ندقق في اختيار الأصدقاء".

وأعتقد أن التركيز على مفهوم الصداقة بهذا المعنى يناسب سن الأطفال الموجهة لهم القصة. في حين أن كتاب كليلة ودمنة لم يكن موجها أساسا إلى الأطفال، وإن كان المعنى أو المغزى الذي يخرج به المرء عند قـراءة القصة الورقية يصلح أيضا للصغار. ولكن صخر اختارت التركيز على موضـوع واحد فقط هو موضوع  الصداقة، حتى لا تربك الصغار بتعدد المفاهيم والموضوعات في القصة الواحدة.

2 ـ لاحظنا أن اسم القرد في القصة الورقية هو "ماهر"، في حين كان اسمه "شعبوط" في قصة صخر. وأن الغيلم وزوجته وصديقتها لا أسـماء لهم في الورقية، في حين منحتهم صخر أسماء: جحجح، وإش إش، وفت فت على التوالي. ويعد إطلاق المسميات على الحيوانات أقرب إلى عالم الصغار. فالصغير يأنس في طفولته إلى إطلاق المسميات على الأشياء ويناديها بها، خاصة إذا كانت هذه الأسماء من النوعية سهلة النطق، جميلة الوقع، مثيرة للبسمة.

3 ـ لاحظنا أن عدد شخـصيات الورقية 7 هم: القرد ماهر، والغيلم، وزوجته، وصديقتها، والأسـد، وابن آوى، والحمار. في حين بلغ عدد شخصيات الكرتوينة 4 هم: القرد شعبوط، والغيلم جحجح، وزوجته إش إش، وصديقتها فت فت. وجاءت الشخصيات الثلاث الزائدة في الورقية بسبب القصـة التي نسجت من داخل القصة، عندما قال القرد: أتظـن أني كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان؟ فقال الغيلم: وكيف كان ذلك؟ فبدأ القرد يحكي حكاية الأسد وابن آوى والحمار.

وعلى الرغم من وورد العبارة نفسها على لسان شعبوط (ص 10) أتظن أني كالحمار. إلا أن صخر اكتفت بهذا ولم تنسج قصة من داخل القصـة، حتى لا تربك الصغير في استقبال قصتين في عمل واحد، فيصبح مشتت الذهن بين أكثر من عمل.

ولعل الطفل الذكي سيسأل: وماذا فعل الحمار؟ بعد أن قال شعبوط للغيلم: أتظن أني كالحمار؟ وهنا كان لابد لصخر أن تحذف تلك العبارة من الحوار، أو تعدِّل صيغة الحوار بما لا يترك أي تساؤل يثير الحيرة والإرباك للصـغير وهو بداخل العمل.

وأعتقد أن الطفل الذي سيسأل أبويه أو مدرسه عن: ماذا فعل الحمار؟ لن يجد إجابة شافية إذا لم يكن الأبوان أو المدرس قد قرأوا كتاب كليلة ودمنة من قبل. وقد يكون السؤال فرصة كـبيرة للرجوع أو العودة إلى كتاب كليلة ودمنة وقراءته لمعرفة ماذا فعل الحمار في هذا المقام من القصة.

4 ـ في قصة صخر لا توجد مقدمة للقصة مثل التي وردت في كتاب كليلة ودمنة "قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف ... الخ". وإنما بدأت مقدمة صخر بـ "عندي حكاية لطيفة عن قرد عجوز …". وربما إذا لم تنوه صخر على علبة الأسطوانة المدمجة، وإذا لم تكتب على الأسطوانة نفسها عبارة "من وحي كليلة ودمنة" لما عرف الكثيرون ـ صغارا وكبارا ـ أن هذه القصة الإلكترونية مستوحاة من هذا الكتاب الشهير.

5 ـ الحوار المباشر غير موجود في القصة الورقية اعتمادا على وجود الراوي (الفيلسوف بيدبا) الذي يروي الأحداث مباشرة من خلال الفعل الماضي "قال" [قال القرد، قال الغيلم، قالت ...] في حين اعتمدت صخر على الحوار المباشـر بعد فقرة السرد المكتوبة والمنطوقة أسفل الصورة أو اللوحة الكرتونية. والحوار الصوتي المباشر يعد الأنسب لتقنية البرنامج.

6 ـ اعتمدت القصة الإلكترونية على النقلات الزمنية في السرد، وهو ما يتناسب مع تقسيم القصـة إلى صفحات إلكترونية، كل صفحة تبدأ بحدث جديد، ولكن يعد في الوقت نفسه امتدادا للحدث الرئيسي في القصة. ولم نجد هذا في القصة الورقية، اللهم إلا النقلة التي حدثت عند سرد حكاية الأسد وابن آوى والحمار.

7 ـ يلاحظ في قصـة صخر أن القرد شعبوط ذهب إلى منزل الغيلم جحجح وتأثر لمرض زوجته، ثم تحايل للعودة سالما عند عـرف أن شفاءها في أكل قلب قرد. في حين أن القرد ماهر لم يذهب إلى منزل الغيلم في القصة الورقية، ولكنه عاد من وسط الطريق على ظهر الغيلم بعد أن أخبره الغيلم أن زوجته مريضة، ولن يشفيها إلا قلب قرد. وربما غيَّرت صخر في القصة الأصلية لتحث الطفل على عيادة المرضى.

8 ـ يلاحظ من خلال القصتين (الورقية والإلكترونية) أن زوجة الغيلم لا تعرف كثيرا عن غياب زوجها، وأن صديقتها تعرف عن سر غياب زوجها أكثر منها. فهي التي أخبرتها بأن زوجها يعيش في ضيافة قرد عجوز على ساحل البحـيرة. وإذا كان الغيلم عاد بعد مدة إلى منزله فوجد زوجته مريضة، (ويوحي هذا القول بأن الغيلم عاد مصادفة إلى منزله) فإننا في قصة صخر نتساءل من الذي أخبر جحجح عن مرض زوجته فعاد خائفا عليها؟ تقول صـخر (وصل زوجها جحجح مذعورا عليها).

9 ـ اعتمدت قصة صخر على تصوير حياة المخلوقات التي تتحدث عنها وتقريبها إلى ذهن الطفل عن طريق الوصف والسرد، مثل قولها: "نامت إش إش على الأرض وتغطت بأوراق النباتات المائية"، و"هناك في البحيرة بعض الصخور التي مر عليها الزمن، وتحت إحدى هذه الصخور كانت إش إش تحكي لفت فت ... ". ومثل هذا الوصف أو السرد لم نجده في القصة الورقية.

10 ـ اعتمدت صخر على محاولة تلوين الأداء الصوتي (البشري) في بعض المواقف، وخاصة في الحوار، لكنها لم تنجح في ذلك كثيرا، في حين أنها نجحت في استغلال المؤثرات الصـوتية، وبخاصة أصوات الحيوانات في الغابة في كثير من الحالات.

11 ـ اعتمدت القصة الورقية على كثير من الأقوال المأثورة مثل (يعيش القانع الراضي مستريحا مطمئنا، وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب) والحكمة مثل (لاشيء أخف وأسرع تقلبا من القلب، وأن الهم لا يغني عنك شيئا) والعظة والاعتبار، في حين لم تعتمد قصة صخر شيئا من هذا، وهو الأنسب إلى تحويل القصة إلى مجال الطفولة، حيث التركيز على هدف واحد، أو عِبرة واحدة فقط، وهو ما يخص اختيار الأصدقاء.

12 ـ في القصة الورقية احتال الغيلم أكثر من مرة، وأخذ يتفنن في الطريقة التي يستدرج بها القـرد ليأخذ قلبه، في حين أنه كان صريحا ومباشرا في حديثه مع القرد حول هذه المسألة في قصة صخر.

وبعامة نستطيع أن نخرج بنتيجة واحدة من خلال القصتين، وهي أن القرد كان أكثر ذكاء وحيلة من الغيلم الساذج الذي تصور أن صديقه من الممكن أن يعطيه قلبه لمجرد أن زوجته مريضة، وأن صديقة الزوجة كانت أكثر دهاءً وخبثا من الزوجة. والشيء الأهم هو أن القصة تعلّم الطفل أن يفكر ويحتكم إلى عقله عندما يقع في ورطة أو أزمة مثل التي وقع فيها القرد.

13 ـ لأن كتاب كليلة ودمنة لم يكتب أساسا للصـغار، بالإضافة إلى وجود بعض الكلمات الصعبة، فقد لجأ محقق النسخة التي بين يدينا إلى شروح بعض الكلمات الصعبة التي وصل عددها إلى سبع عشرة كلمة، في هذه الحكاية القصـيرة. ولأن شرح الألفاظ للأطفال عمل لا يشجع عليه البعض، اعتمادا على ضرورة وجود اللفظة السهلة والمعبرة في المتن نفسه، فإن صخر لم تلجأ إلى أسلوب الشـرح، وفضلت اختيار القاموس أو الألفاظ السهلة الميسرة المفهومة للأطفال بطريقة مباشرة.

14 ـ كان يجب على صخر وهي تستخدم تقنية عالية الجودة والتشغيل، وهي الأسطوانة المدمجة، أن تلحق بقصتها ـ تحت أيقونة جديدة تضاف إلى الأيقونات الموجودة بالشاشة الرئيسية أو شاشة الاختيارات ـ بعض المعلومات العلمية المبسطة للأطفال عن المخلوقات التي تحدثت عنها القصـة، وبخاصة المخلوقات أو الشخصيات الرئيسية (القرد، والغيلم) وذلك على غرار موسوعة الحيوانات التي قدمتها من قبل شركة المعالم للحاسب الآلي بجدة.

***

الطاووس المغرور

سوف نتوقف عند برنامج آخر من خلال أسطوانة تحمل اسم "الطاووس المغرور" (11)، والتي يتضح من عنوانها تعالي الطاووس وغروره ومباهته بريشه جميل المنظر، وظنه أنه أفضل حيوانات الغابة وطيورها.

ونظرا لضيق المساحة، فسوف نتعرض لمزاياها وعيوبها فقط دون التوقف عند تفاصيل القصة نفسها، كما حدث مع الأسطوانتين السابقتين، حيث نلاحظ ما يلي:

1 ـ كثرة الأخطاء اللغوية. ومثال ذلك، قول الطاووس للديك: كيف يصادق جميل مثلي (بشع) مثلك. ومثل قول الأم: بعد أن علمت الحمامة الطيبة (وأصدقائها). وقول الهدهد للطاووس: عندما ينبت لك (ريشا جديدا) وغيرها من الأخطاء الكثيرة.

2 ـ كثرة أخطاء النطق، وعدم سلامة العبارة من الناحية الصوتية على لسان كثير من الطيور والحيوانات، وبطبيعة الحال فإن من ينطق بلسانها هو أحد الأطفال غير المدربين على النطق السليم، أو على مخارج الحروف بطريقة صحيحة.

3 ـ كثيرا ما نسمع إشارات مخرج البرنامج الصوتية أثناء الحوار. ومن ذلك على سبيل المثال، يكحُّ المخرج ليبدأ أحد الأطفال بالكلام، فيسمع المستخدم مثل هذه (الكحة) التي هي عبارة عن إشارة بدء، أو إشارة انتهاء من قول ما، أو تعليق ما. وكان المفروض أن يستعين المخرج بإشارة من يديه أو من عينيه أو عن طـريق الإيماء للأطفال المؤدين هذا العمل، وفي هذه الحالة لن يظهر صوت التعليمات أو الإرشادات. حتى في حالة استخدام الإشارات الصـوتية، كان ينبغي تدارك الأمر بمسحها من على البرنامج قبل عرضه للبيع في الأسواق.

4 ـ توسَّلَ البرنامج بالنشيد والأغنية في مقدمته وخاتمته، وأثناء اللعب.

نحن الزهور نحن الزهور     منا تفوح أحلى العطور

ألواننا أجمل ألوان     ولا نصاب بالغرور

 

ومنها أغنية الفئران:

نحن الفئران نحن الفئران     نحيا في الغابة بكل أمان

نحب الماء ، نحب (....)      نحب أكل الأشجار

 

وقد أصيبت هذه الأناشيد والأغاني بكسور في الوزن، وصعوبة رد كل منها إلى بحر شعري معين، وقد نتج ذلك من اللجوء إلى تسكين الكلمات أثناء حشو البيت، وهو ما لا يجوز من الناحية العروضية. ويبدو أن مَنْ قام بصياغة هذه الأبيات ليس شاعرا، ولا يعرف طبيعة الكتابة الشعرية، أو النظم الشعري. وكان من الأوفق الاستعانة بشاعر متخصـص في كتابة الشعر للأطفال. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، واستكمالا للحديث عن أخطاء النطق، وعدم تبيان مخارج الألفاظ أو الحروف، فقد عجزتُ  تماما عن تفسير الكلمة الأخيرة في الشطر الأول بالبيت الثاني من أغنية الفئران: نحب الماء ، نحب (....) ولعل هذا يرجع ـ كما سبقت الإشارة ـ إلى عدم سلامة العبارة من الناحية الصوتية.

ولعل من أهم مزايا هذا البرنامج:

1 ـ سهولة التحميل والتشغيل والاستخدام.

2 ـ توسله بالموضوعات الإسلامية والمفردات القرآنية في كثير من المواقف والأحداث. وبخاصة في الحوار واللعب.

3 ـ اعتماده على أكثر من وسيلة فنية وأدبية: مثل السـرد والحوار والأغنية، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية المختلفة.

ويلاحظ أن الحوار في "الطاووس المغرور" غلبَ على السرد الذي جاء على لسان الأم. وهو عكس ما رأيناه في قصة "القرد والغيلم" حيث كان السرد على لسان الفيلسوف بيدبا هو الغالب.

4 ـ اعتمد البرنامج على الألوان القوية التي تجذب بصر الأطفال، ويفرحون بها، ويتفاعلون معها.

5 ـ على الرغم من تركيز البرنامج أو القصة على نبذ فكرة الغرور، فإنه حمل بعض القيم الإيجابية الأخرى بطريقة غير مباشرة، مثل قيم التعاون والصداقة والمحبة والتسامح بين مجموعة الطيور والحيوانات، وهي قيم يحض عليها منهج الأدب الإسلامي في أدب الأطفال.

***

ولعلنا في نهاية البحث نستطيع أن  نطرح سؤالا مهما يقول: هل تستطيع تقنيات الكمبيوتر والأقراص المدمجة والإنترنت والكتاب الإلكتروني أن تسهم أو تشارك في إعداد الطفل المسلم المثقف القارئ المستمع الفنان الذي سيصبح في الغد عالما أو قائدا أو مفكرا أو أديبا أو مهندسا أو طبيبا أو فنانا ... الخ ؟

أعتقد أنه بمزيد من التعاون بين الأدباء الملتزمين بمنهج الأدب الإسلامي في أدب الأطفال، والمتفهمين لروح العصر وحاجة الطفل المسلم لمواكبة التطور التكنولوجي، ومهندسي التقنيات الحديثة، فإنه من الممكن إنتاج المزيد والمزيد من الأسطوانات المدمجة، وبناء مواقع الإنترنت التي يجد فيها هذا الطفل بغيته، فلا يلتفت إلى المواقع غير المرغوبة، وبهذا تسهم تلك الوسائل والتقنيات الجديدة في تحقيق غايات أدب الأطفال الإسلامي. 

الإشارات والحواشي:

1 ـ  انظر جريدة الشرق الأوسط، لندن 10/11/1996.

2 ـ في أدب الأطفال. علي الحديدي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية،  1976، ط2، ص 200.

3 ـ ناقش هذا الأمر محمد علي حمد الله في كتابه "الأسلوب التعليمي في كليلة ودمنة"، ط2 ، دمشق: دار الفكر، 1970).

4 ـ  شبكة الإنترنت (internet): أو شبكة المعلومات الدولية هي تجميع لآلاف شبكات الكمبيوتر في الشركات والجامعات والمنظمات المختلفة في العالم من خلال خطوط التلفون. وتسمح برامج الشبكة العنكبوتية "ويب" world wide web) )  على الإنترنت للمستخدمين بإمكانية التنقل على الشبكة من قاعدة بيانات إلى أخرى بمجرد النقر على زر الفأرة أو الماوس، بما يسمح بالإطلاع على كافة المعلومات والصور ومقتطفات الصوت والفيديو وغيره.

5 ـ انظر جريدة الحياة، لندن 21/11/1996.

6 ـ  الحاسب والتعليم. د. عبد الله بن عثمان المغيرة. الرياض: النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، 1418هـ /1997م، ص 37.

7 ـ أسطوانة الرؤيا: إنتاج MTI  (منار تكنولوجي إنك) 1998، إعداد وتنفيذ: المركز الهندسي للأبحاث التطبيقية.

 8 ـ الغيلم: ذكر السلحفاة.

 9 ـ الشركة هي: شركة صخر للحاسبات الآلية التي اشتهرت بإنتاج هذا اللون من الشرائط الممغنطة لأطفالنا في الوطن العربي.

10 ـ كليلة ودمنة. عبد الله بن المقفع. حققه وقدم له د. محمد أمين فرشوخ. بيروت: دار الفكر العربي، 1990، ص ص 169 ـ 173.

11 ـ إنتاج شركة العريس للكمبيوتر ببيروت، وأنظمة الحواسيب بالرياض.

أضيفت في10/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

متطلبات أدب الطفل في عصرنا

بقلم الكاتب: د. وليد مشوِّح

 

السؤال يتردد دائماً في مخيلة المعنيّ به أولاً، ويرتسم في أذهان المثقفين وأرباب الأسر، ويتحول إلى مطلب مُلِحّ في أحايين كثيرة: هل هو بخير؟، وهل هو في المستوى المطلوب ليرتقي إلى غاياته في تنمية العقل؟، وهل يجاري أدب الأطفال في بلدنا متطلبات العصر الذي نعيش فيه لصناعة الوعي عند الطفل؟ وما الذي يتطلبه الواقع من مبدعي الأدب الطفلي لوضع منتجهم الخلاّق في خدمة العصر المعيش؟ وإلى أين نسير بأدب الأطفال؟.‏

هي ذي أسئلة فرعية تشعبت من سؤال رئيسي يقول: ما هي آفاق أدب الأطفال بكل أشكالها ومذاهبها وفنونها، وهل هي في قلب المعطى الحضاري الآني؟.‏

 

إن الحديث عن أدب الطفل في سورية ما زال حديثاً ذا شجون، لأننا لو جزأنا مشكلاته لوجدناها كثيرة، وكل واحدة تحتاج إلى إعمال العقل، وتسخير الجهد، وبذل المال والوقت لتلافي النقص الذي نعانيه.‏

وأول هذه المشكلات تدور حول الخلط بين أدب يتوجه للطفل أصلاً، وأدب يدور حول الطفل وثقافته.‏

أما ثانية تلك المشكلات فتكمن في تراتبية الأدب الموجه إلى الطفل، فهو ثابت في محيط عقد الخمسينيات إن في أساليب سرده، أو شخوصه، أو توجهاته الغائية، أو أجوائه (مكاناً وزماناً)، وعندما أقول في (جموده)، فإنني لا أعمم، ولكنني أتناول الأكثر الغالب مع اعترافي بوجود استثناءات من تعميمي هذا.‏

فالشعر الذي ينشر للطفل؛ شعرٌ (على غالبيته) منظومٌ، مموسق، سطحيٌ، ساذج، فيه رخاوة تدل على عدم معايشة التجربة والوصول إلى كمالها، بل لقد استسهل الكثيرون ممن (تنطعوا) لموضوعة شعر الطفل هذا الجنس للحصول على استكتاب أو جائزة، أو ضوء إعلامي.‏

 

والقصة ليست بأفضل حال من الشعر، حيث بقيت في أجواء (أرنوب وثعلوب والشجرة الباكية، والطير الجريح)، وقد حاول كتّابها أن يوصلوا هذه الشخصيات المكرورة إلى الطفل عبر حوار ساذج مع ظلال شاحبة من خيال جد بسيط، وهكذا ظلت قصة الطفل (على الغالبية أيضاً) بعيدة عن الخيال العلمي، وتنمية القيم الذاتية، وتدعيم النفسية، وفتح العقل الطفل على آفاق المغامرة العلمية، والتعلق بمعطيات الحضارة وتقانتها التي تعني للعقل رياضة، وللمستقبل أفقاً مفتوحاً على معطيات وتقانات لم توجد بعد.‏

 

أما المسرحية الطفلية فهي مجرد تهريج لإضحاك الطفل، وغاياتها مباشرة يحملها حوار ساذج مكرور، وتؤديها شخصية مسرحية تنزل إلى مستوى الطفل لفظاً وتصرفاً، بينما الواجب المفترض يقتضي أن يلتقي الممثل (حامل الغاية) مع الطفل (عقله) وهو (الغاية) عند نقطة (بينيّة) لا تتعب العقل الطفلي في قفزته ولا تحول المؤدي إلى آلية فنية فحسب.‏

إذن؛ فبعد المادة الخام المهيأة لصياغة الإبداع الذي سيتوجه إلى الطفل عن التراث العربي الإسلامي، ورسم الموقف السامي النبيل، وتقديم الشخصية البطولية العربية كما صورها التاريخ للكبار مع رفدها بخلفية غائية، تريد تنمية القيم في الذات الطفلة ودفعها إلى عالم الإبداع الخلاّق من خلال تشريح تقانات الآلة، وفاعلياتها، والكشف عن أسرارها ومغاليقها ومن ثم ترويض العقل على تسخير فوائدها لخدمة الإنسان والطبيعة لا إلى تدمير الكون.. أي على المبدع في مجال صناعة الوعي الطفلي، أن يزور الأطفال على سحابة من حلم، ومجسم من واقع، وإيضاح للبعد الزماني المعيش، واستشراف جريء للمستقبل عبر قناعة بمقدرة العقل الإنساني على خلق الأداة المطلقة في إعمار الكون من أجل الإنسان أولاً وأخيراً.‏

 

تلك إطلالة سريعة أو متسرعة على واقع الإبداع الموجه للطفل، ومن الممكن ـ إذا تفاءلنا قليلاً ـ أن نضع أدب الأطفال أمام بوابة الحاضر بعد فتحها، وتثبيت شاخصات تقود إلى المستقبل، وذلك مع قليل من التشدد في التقويم والنقد، وغربلة البيدر (الذي كثر زؤانه)، وخلق المعيار الدقيق لإجازة المبدع وبالتالي الاحتفاء بإبداعه معنوياً ومادياً.‏

إن المستلزمات الخاصة التي يحتاج إليها أدب الطفل قبل أديبه، ضئيلة وشحيحة وبدائية في الوقت نفسه، والبحث في خلق هذه المستلزمات يحتاج إلى ورشات عمل جادة، ومنهج عمل، وتفعيل وتطوير وتحديث الموجود منها، بل وتعميمه لترتقي إلى المستوى الموازي لخلق عالم متكامل يخص الطفل أدبياً ومعنوياً وذاتياً.‏

وهنا لا بد لي من المرور سريعاً أو الإشارة إلى المستلزمات دون التوقف عند الموجود؛ حيث لم يكن ذات زمن مضى حاملاً للموضوعة إياها.‏

 

الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة تحتاج إلى ثورة حقيقية عبر ربطها بآخر معطيات الحضارة مع تأطيرها بمحركات لازمة؛ كالإكثار من التخصصات الفنية، والعلمية، والتقنية، بدءاً من علم السلوك وعلم النفس وعلم الاجتماع، مروراً بفن السيناريو، وفن الرسم، وتقنيات الفن القصصي، ومشروطيات الشعر الطفلي، انتهاءً بتأهيل الكوادر المديرة لفاعليات هذه الثورة من معدين ومقدمين، ومستشارين، ومترجمين، ورسامين، ومهندسي صوت، ومخرجين، وخطّاطين، ولغويين، ومرشدين... الخ.‏

وستكون جناية البعض كبيرة إن ازوّروا أو تأففوا، أو قالوا بضخامة الطموح، أو استحالته.‏

 

الطفل هو ثروتنا، وهو طليعتنا أو طالعتنا إلى المستقبل، هو سر تجددنا وديمومتنا، والحفاظ على وجودنا، لأنه باختصار شديد يعني المستقبل، ويستحيل على المرء ـ والحالة هذه ـ كما يستحيل على أمة أن تلج بوابات المستقبل ما لم تُعْنَ بطفولتها، كمثل ذلك الفلاّح الذي سوف لن يضمن غلالاً ما لم يحسن اختيار البذار وتنقيته وإعداده، وبذره، ورعايته في كل مرحلة من مراحل نموه... وإلا... فالحديث عن المستقبل سيظل حلماً فابياً ما لم نعرف أو نمتلك مفتاح بواباته على الأقل.‏

أضيفت في28/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

لماذا يحتاج الطفل إلى أدب خاص به ؟

 

 

بقلم الكاتب: د. عبد الرؤوف أبو السعد

 

1 ـ الطفل بفطرته منجذب إلى الموسيقا والإيقاع، ويميل إلى الأدب الذي يشبع فيه رغبته الملحة إلى الفن بعامة، والأدب الغنائي بخاصة، كما أن للأساليب الأدبية قيمها الجميلة وجمالها المعهود الذي يستشعره كل طفل، حتى دون أن يفهم سبباً لذلك، لأن الطفل حساس بفطرته لكل ما يساعد على الإثارة والانفعال الجميلين .. فلكل من القصيدة الجيدة، والقصة ذات الحبكة الفنية الممتازة، والمسرحية، القطع الأدبية، وما يجرى بها من إيقاع موسيقي، ونغم متدفق ـ الأثر المحمود في ترقية وجدان الطفل، واستعادة الثقة في نفسه وفيمن حوله، مما يزيد في إعجابه بالحياة، وحبه لها، ويدفعه من ثم إلى التعلق بها والعمل من أجل إنهاضها، وإسعاد غيره. فالأدب لكل هذا معرض فني، وموطن لجمال الكون والطبيعة وصور الحياة، ومجال للأذواق وترقيتها، وعنصر فعال في بناء الشخصية وتنمية قدراتها وتنويرها. لهذا كله كان الأدب أحد المجالات التي تعمل على ازدهار الطفولة، وتربية الناشئة، وسبيلاً من سبل العلاج والترقية والتهذيب.

 

2 ـ صورة الأدب وحقائقه وأساليبه ومعارضه الفنية هي التي تمتزج فيها الموسيقى بالعواطف، واللغة والمضامين بالخيال، واندماج الطفل في هذا الجو الأدبي الغامر، يعمل على إثارة العواطف، والانفعال بالأشياء، مما يكون له أبعد الأثر في تحسين طباع الطفل، وتنقية سلوكه من الشوائب وترقية ذوقه، وتعديل مسار حياته نحو الأفضل، لأن الصور الفنية والأدبية بخاصة، تترك آثاراً طيبة في النفس، وتساعد الذهن على الصفاء، والإدراك الحر الجميل، كما أن الأساليب الأدبية، تعرض علينا نماذج طيبة من التراكيب اللغوية الجيدة، والكلام المتضمن أرقى المعاني، كما تعرض تلك الأساليب نماذج جميلة وطيبة، يهتدي بها الطفل في سلوكه وحياته العامة .. وإذا كانت التربية السليمة في مجال الأخلاقيات تقوم على المحاكاة والتقليد، وترى في الفعل الممتاز بتوجهاته وبما يتضمنه من معان كريمة نموذجاً يحتذى، كما ترفض هذه التربية في كثير من النواحي الاعتماد ـ قط ـ على النصح والإرشاد، وهي لذلك لا تعتمد كثيراً على المباشرة والتوجيه المقصود، ولا على الأدب، في بث الأخلاقيات الكريمة، لأنه في أفقه الأوسع، وبكل ما يحمل من عناصر الوعظ والإرشاد والتوجيه، ينبغي أن يعالج بشكل لا يجعل من الأدباء وعاظاً ومرشدين .. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الأدب بما يحمل من انفعال بالعواطف، والمثل الكريمة، والأعمال العظيمة، يكون له أعظم الأثر في ترقية السلوك، وبث الأخلاق الفاضلة، وتقويم المعوج من السلوكيات المنحرفة، لأنه ـ حينئذ ـ قوة قادرة ـ بما تملك من الفن ـ على السيطرة والنفاذ، وغمر الأطفال بفيض من المشاعر الطيبة، والأحاسيس النبيلة، والعواطف الصادقة، والضوء الغامر لكل ما يصدر عن الطفل من أفعال، حتى يكون في متناول التقويم والتطوير.

 

3 ـ والأطفال بحاجة إلى أدب خاص بهم، لأنهم أحوج في مراحلهم الباركة إلى ترسيخ تقاليد صحيحة للغة، واستعمالاتها. وبعرض الصور الأدبية، ونماذج الأدب الرفيع، وأجناسه المختلفة من شعر (قصائد وأناشيد ومقطوعات غنائية) وقصص وروايات ومسرح، وحكايات شعبية ذات أساليب موحية ورمزية على الأطفال لقراءتها وحفظها أو سماعها، أو المشاركة في تمثيلها وإلقائها، بعرض ذلك تتسع مجالات التعبير لدى الطفل وتتكاثر ثروته اللغوية، وتتعدد استعمالاتها، ويكتسب قدرة على تفهم المواقف، وحل ما يعرض له من مشكلات اجتماعية تساعد اللغة في اكتساب الكثير من طرق حل تلك المشكلات كما تساعد ـ أيضاً ـ على تمثيل المواقف الأدبية، وما تستلزمه من وسائل وأساليب متباينة وفنون مختلفة التعبير. وقد يكتسب الطفل بسبب هذا أصالة لغوية، وخصوصية أسلوبية، تساعده ـ فيما بعد ـ على أن يكون أدبياً ناثراً، أو شاعراً متذوقاً، أو فناناً مبدعاً للأشكال الفنية. وكثيرة تلك الآثار التي للأدب وفنونه .. فالأدب بفنونه المختلفة التي تعرض على الأطفال في فنون قولية راقية، وعلى رأس هذا جميعاً القرآن الكريم، والأدب النبوي الشريف، والشعر والنثر، يعمل ـ سواء كان موجهاً للطفل، أو قائماً على أفكار متصلة بعالم الصغار ـ على تكوين عادات لغوية وأسلوبية سليمة، ويكون رصيداً فكرياً إيجابياً .. ولهذا كله ينبغي ألا نقدم للطفل من الأدب ونماذجه، إلا ما امتاز بالألفاظ الصحيحة في معناها، ومبناها، واستعمالها وما احتوى على الأسلوب السليم الموجه للنموذج الأدبي المراد عرضه على الصغار، والذي يستهدف تكوينهم الأدبي واللغوي والأسلوبي، ويتضمن المعنى الإيجابي ..

 

4 ـ والطفل وهو في حالة تلق للأدب، يعيش ألواناً من الأخيلة الموجبة لاتساع الأفق، وتعميق الأحاسيس ومدركات الحواس، فهو مع الأدب في حالة وجد ونزوع وخيال رشيد. ولهذا كان الأدب الذي يقدم للأطفال بقوة روحية، يعمل على بناء شخصية الطفل، وتغذيته بقوة روحية، تسري في مقومات تلك الشخصية، وهو مع هذه الخصوصيات الخيالية والعاطفية والفنية، ينبوع يفيض بكل ما ينمي قوى الإبداع والابتكار وأصالة الشخصية، وتربيتها تحت ظلال الأمن والانتماء.

 

5 ـ كما يحقق الأدب المقدم للأطفال قيمة نفسية، تعمل على توازن الشخصية وقدرة على مواصلة البناء، وإقبال مرح على الحياة وهذا راجع إلى أن الأدب، يرى بالعواطف والمشاعر والخيال المتقد وهذا يمثل أهم عناصر الطاقة الحيوية، ويشجع على العمل المنتج فما أكثر هؤلاء الأطفال الذين حفزتهم قصيدة شعرية أو نشيد متغني به، أو شدت انتباههم حكاية شعبية أو حثهم على تمثيل القيم الاجتماعية والإنسانية قصة محكمة البناء .. وكم من هؤلاء الأطفال الذين رقت مشاعرهم، وصفت نفوسهم، ودقت مشاعرهم وسمت عواطفهم وامتزجت آمالهم بآمال مجتمعهم، وأحلامهم بأحلام الإنسانية .. حيث الأدب وحدائقه المختلفة ينابيع يستقي منها هؤلاء الأطفال تلك الآمال الممتزجة والأحلام الإنسانية الممتدة والرغبة المشتركة في مواصلة الحياة.

 

6 ـ الأدب بعامة صورة للحياة، وتعبير عن نشاطها وحركتها وأدب الأطفال ـ فوق هذا ـ يتضمن خبرة حياتية، ويعكس في نماذجه التجارب الإنسانية، وآراء أصحابه التي استقوها من مشاهداتهم ومطالعاتهم وتأملاتهم .. ومن ثم فينقل إلى الأطفال حين يقرءون أو يسمعون، أو يشاهدون .. فأدب الطفل بهذا مصدر للمعرفة، والخبرة والتجارب التي ينبغي أن يتسلح بها الطفل، وهو يضع رجليه على أول الطريق، نحو موقع المسئولية التي يتحملها مع مستقبله الواعد .. لكن الأدب، هو صورة للحياة وينبوع للخبرات، والتجارب التي تثري عقل ووجدان الطفل والتي ينبغي أن تكون مقبض القائمين على تدريس أدب الطفل، لأن هذا الأدب ينبغي أن يكون بعيداً عن المباشرة، والوعظية، والخطابية، وأن يكون مسلحاً بالخبرة والتجربة، والمعرفة الدقيقة بالمجتمع والنفس البشرية. وهذه مهام يستطيع الأدب أن يتحمل مسئوليتها، فمثلاً يستطيع الشعراء أن يقدموا للطفل في أشعارهم خبرات وتجارب فكرية وعاطفية واجتماعية، وذلك في إطار من الأساليب الجميلة الرائعة المموسقة .. كما أن كتاب القصة والرواية والحكاية الشعبية، والمسرحية، يستطيعون ذكر التفاصيل والحقائق، والمعارف والتطورات المتصلة بالمجتمع، وتطوره، وبث أخفى المشاعر وأدق الاختلاجات والعواطف، والنزوع والدوافع، وذلك برغم تعقدها وتشابكها، فيكتسب منها الطفل معرفة وتجربة، حيث الطفل ـ حينئذ ـ يطلع بواسطتها على كثير مما كان يجهله وتتسع معرفته بذلك، وبالنفس والمجتمع والحياة.

 

7 ـ إن جميع المواقف التي يعيشها الطفل أو التلميذ ويعبر من خلالها عن موقفه من كل ما يحيط به تشكل كلاً لا يتجزأ، ونشاطاً مترابطاً لا ينفصم .. وإن التفاوت في درجات تطور هذه المواقف داخل إطار الطفولة والتلمذة يؤدي إلى ظهور أكثر من مفهوم حول العلاقات التي تنشأ بين الطفل ومجتمعه، ورغم ذلك هناك ظاهرة مشتركة بين كل هذه المواقف والعلاقات، وهي ظاهرة شيوع العاطفة، التي يمكن للأدب بكل أشكاله التعبيرية أن ينميها لصال توجيه هذه المواقف، بما يجعلها متنوعة حسب طبيعة كل موقف .. ومن ثم يقل التعميم، وتضيق مساحة العموميات لدى الطفل، أي أن الأدب يساعد الطفل على تفهم مواقفه، وتوجيهها الطيب لصالح المفهوم الحقيقي والواقعي.

أضيفت في18/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

شعر الأطفال في المجلات العربية

بقلم الكاتب: موفق نادر

 

مدخل

 

إنّ الحديث على أدب الطفل عندنا لا يزال حديثاً ذا شجون، لما يتصف به من تسرّع وارتجال –غالباً- فنحن ما نزال نخلط بين أدب يُكتب للأطفال، وأدب يكتب عنهم مع أن الفرق شاسع وكبير.. ونحن ما نزال نتناسى أهميّة هذا النوع من الإبداع، ونعتبره أدباً من الدرجة الدنيا، رغم معرفتنا بالطريقة التي درج عليها العالم المتطوّر، وكم تُبذل من جهود في سبيل خلق فئة من الكتّاب المتخصصين البارعين في هذا المجال، انطلاقاً من حقيقة أنّ ليس كلّ كاتب يمكنه أن ينجح في الكتابة الطفليّة، حتى أحصوا في الغرب عدداً من الصفات لا مناص عنها لمن نوى أن يسير في هذا الطريق الشائك، القائم على حافة الهاوية تماماً..!

وأول هذه الصفات وأشملها:

الروح المرحة والقدرة على اللعب بشكل عفوي وتلقائي باعتبار هذه المزيّة هي بطاقة الدخول إلى عالم الطفولة، وكلمة سرّ القدرة على التواصل الناجح مع هذا العالم الغريب الجميل!

إضافة إلى اللغة الباهرة، والتي دونها يخرج النصّ من سياق الطفولة، وينزلق نحو الوعظيّة الجافة، والتلقينيّة الجرداء اللتين ينفر الطفل منهما، وتمجّهما نفسه..

وقبل الولوج في مجال القصيدة الطفليّة المنشورة في المجلاَّت العربيّة لا بدّ من بعض المقدّمات التي تلقي ضوءاً ساطعاً على كثير من المفاهيم والمواقف التي تنبني هذه الدراسة عليها:

أولاً: إنّ ما يُكتب من شعر للأطفال كثير قياساً على صعوبة هذا الجنس الأدبي التي لا يختلف فيها العقلاء، مما يدلّ على أنّ ثمّة استسهالاً لدى المبدعين حين أغراهم أن يدلوا بدلائهم في هذه البئر السحيقة الغور، سواء خرجوا بماء ضحل أو بالعكر والشوائب ليس إلاَّ..!!

ثانياً: إنّ الشعر الطفليّ –أكثر من القصّة الطفليّة- عانى من الإسفاف الناتج عن جهل المبدع بما يجب أن يحمله من مزايا فنيّة وأسلوبيّة عالية، بل بما يجب أن يتحلّى به من ينبري للإبداع في هذا الجنس الأدبي، فمن الثابت الآن أن كتاب الأطفال بعامّة، والشعراء منهم بخاصّة يجب أن يمتلكوا –إضافة إلى ما سبق ذكره- معرفة أكيدة في مجال نفس الأطفال والناشئة، وأن يكونوا قادرين –أكثر من الآخرين جميعاً- على تمثل هذه المعرفة حتى تصبح خطاباً يوميّاً معيشاً، يخرجها من سياجها النظريّ الأصمّ، ويحوّلها إلى أدب يلوي إليه أعناق الصغار.. والكبار.

ثالثاً: ليس في تقليد كثير من مجلاّت الأطفال العربية أن تنشر الشعر على صفحاتها، لأسباب كثيرة منها ضعف استقطاب القصيدة للقارئ الطفل قياساً إلى القصّة التي تمتلك القدرة على التجسيد والتشخيص عبر تنامي الأحداث، وبمساحات أوسع مما تمتلك القصيدة..

وبعض المجلاّت اعتاد أن ينشر الشعر بصفحات غير ثابتة، وعبر المصادفة المحضة أو العوامل غير المقنعة التي تحكم آليات النشر في العالم العربي، والتي تبعد أحياناً –كتَّاباً حقيقيين عن دائرة الضوء من دون ذنب اقترفوه سوى أنهم لا تربطهم بالقائمين على المنابر الثقافيّة علاقات "أخوانية" أو مصالح متبادلة..!!

وتكاد تنفرد مجلّة "أسامة" في سورية و"مجلتي" و"المزمار" في العراق بين مجلاّت الأطفال العربية التي تخصص للشعر بين صفحاتها مساحات كبيرة، وشبه ثابتة.

رابعاً: يعتبر الشعراء الذين يكتبون للأطفال النشر في المجلاّت المتخصصة بأدب الطفل مرحلة مهمّة لانتشار قصائدهم –مثل أيّ جنس أدبيّ يبدعون- وهذه المزيّة يمكن التوقف عندها برويّة تهدف إلى جعلنا نعيد النظر في تعاملنا مع مجلّة الطفل، سواء كهيئات رسميّة أو كأفراد يعنيهم الأمر، فالمجلّة تتفوّق على الكتاب في مناحٍ عديدة منها:

اتساع مدى انتشارها حيث توزّع في أقطار قد لا يصل الكتاب إليها، ومنها التفوّق الفنّي من حيث الإخراج والرسوم التي تزيّن النصوص، وتجعلها أكثر جاذبيّة للقرّاء من الأطفال، كما أنّ رخص أثمانها يلعب دوراً مهمّاً في هذا الاتجاه..

ويكاد مثال مجلّة "أسامة" أن يكون كافياً هنا، فكم عرفنا من شعراء يكتبون للأطفال على صفحات هذه المجلّة قبل أن يصدر لهم كتاب مطبوع، وعبر صفحاتها ذاعت قصائد لشعراء مثل شوقي بغدادي ومعشوق حمزة وجمال عبد الجبار علّوش وطلال حسن وآخرين..

 

وأنا أذكر أن مجموعتي الأولى الصادرة عن وزارة الثقافة بعنوان "الغيمة تمرح" يفصلها عامان عن تاريخ أول قصيدة نُشرت لي في المجلّة، وأذكر كذلك أنّ أطفالاً كثيرين التقيتهم في المدارس تباهوا أمامي بأنهم حفظوا قصائد نشرتها المجلّة بعد صدور المجموعة التي لم "يصادفها" أكثرهم..!!

خامساً: تعاني مجلات الأطفال العربيّة من مشكلات كثيرة يجعلها شبه غائبة عن ساحة الثقافة الطفليّة العربيّة، رغم المسؤوليات الجسيمة المنوطة بها، وبخاصّة في هذا الزمن "الرقمي" حيث وصلت أجهزة التلفزة وألعابها وأحياناً أجهزة الحاسب حتى أقصى الأرياف، وصار الجلوس أمامها، والسقوط في سحرها تحدياً كبيراً للكلمة المقروءة، حتى ولو كانت مجلّة مصوّرة باهرة الإخراج.

ومن المآخذ التي يمكن أن نُذكر في هذا الصدد: قلّة المجلات الطفليّة بشكل مريع حتى تكاد تكفينا أصابع يد واحدة لإحصاء المهمّ منها، وهنا ينبثق أمامنا سؤال جارح إذا وضعنا في حسابنا عدد الأطفال الكبير بين سكان الوطن العربي، ثم قلّة النسخ المطبوعة من هذه المجلاّت، وعدم انتظام صدورها، وتردّي مستواها الفتي –شكلاً ومضموناً- إضافة إلى اختلاف توجهها الأدبي والتربوي بين قطر عربيّ وآخر، ولا أدلّ على هذا الحال من أنّه يكاد يكون أمراً عسيراً على الباحث المتخصص الحصول على مجلّة للأطفال تصدر في إحدى دول المغرب العربي..!!

 

قصيدة الطفل الإشكاليّة:

لا بدّ قبل إيراد بعض النماذج الشعرية المنشورة في المجلاّت المعنيّة بثقافة الطفل من التنويه بأنّ المشكلات التي تعاني منها القصيدة الطفلية –كما تناولها الدارسون- تشمل المنشور في المجلات وفي المجموعات الشعرية بالطبع، لأنّ هذه المجموعات سبق نشر قصائدها في المجلاّت غالباً قبل أن يتم جمعها –كما أسلفنا- وأنّه رغم تكرار تسمية هذه العلامات المميزة للنصوص الطفلية المترديّة والتحذير منها، فإنه لا يتمّ التراجع عنها، بل تزداد استفحالاً وسطوعاً، رغم ما يترتّب على ناشئة الوطن المستهلكة لهذه النصوص الغثّة من نتائج وخيمة..!

 

رغم التجارب المهمّة التي أثبتت حضورها الواثق في عالم قصيدة الطفل، وهي حالات تتصف بالندرة، مما يشي بصعوبة هذا الفنّ بشكل ساطع، تبقى الصفة الغالبة على ما يُنشر للأطفال من شعر هي الرخاوة وعدم اكتمال التجربة، بل وفي أحيان كثيرة الفجاجة الناتجة عن استسهال هذا الجنس الأدبي الصعب، والذي نزداد كلّ يوم يقيناً أن جزءاً كبيراً منه ينتمي إلى الموهبة الخاصّة وإلى استعدادات لا يمتلكها إلا قلّة من المبدعين، فكم أريق من حبر، وسوّدت من صفحات ولم يكن الحاصل أكثر من لغو ممجوج يظلّ يراوح في حيّز النظم البارد العاجز أو يثير الطفل، أو أن يجذبه ليحصل التواصل الروحي الذي من دونه لا ينمو فكر ولا يُرهف ذوق أو إحساس..!

وكنت أتمنى أن تكون هناك سلطة تمنع أولئك المتبطّلين الذين لم يجدوا تسلية يلهون بها سوى أن يكتبوا شعراً للأطفال، وأن تُمنع المجلاّت المختصّة من الترويج لما يهدرون به من كلام أجوف.

وتبقى المعادلة الختاميّة كما يلي:

إذا كان الشعراء أصحاب المواهب والتجارب الكبرى نجحوا بغير قليل من المشقة في ترسيخ خطاهم في عالم الإبداع للأطفال –كما عند أحمد شوقي وعبد الكريم الكرمي وآخرين.. فكيف ستكون الحال مع أصحاب أنصاف المواهب؟!

وفيما يلي استعراض سريع لنماذج اختيرت عشوائيّاً من شعر الأطفال المنشور في عدد من مجلاّت الأطفال هي:

"أسامة" و"الطليعي" في سورية.

"مجلتي" و"المزمار" في العراق.

"سامر" و"أحمد" في لبنان.

"العربي الصغير" في الكويت، وهي تنشر الشعر بشكل غير منتظم.

"ماجد" في الإمارات العربية المتحدة، وهي تنشر الشعر نادراً.

ويمكن أن نعدد المثالب التالية التي تحني هام القصائد الطفلية وتزجها تحت حالات لا تشبه الأدب، لا من قريب أو بعيد، بل –على العكس- تعزز ذلك الشعور الهدّام القائم على النظرة الدونيّة إلى أدب الأطفال:

أول هذه المشكلات ذلك القدر الكبير من التوهّم الذي يقع فيه من يكتب للأطفال شعراً أو قصّة، حين يظن أن تناوله عالم الطفولة ليجعل منه موضوعاً لنصّه يكفي ليجعله نصّاً يمكن تصنيفه في أدب الأطفال، مع أنّه لا جدل في أنّ الكتابة عن الأطفال مختلفة تماماً عن الكتابة لهم..

وبمراعاة هذه الناحية نشطب –وبجرّة قلم- عشرات القصائد والنصوص لأسماء مهمّة ممن يكتبون للأطفال، كتبوا قصائد لطيفة تتحدّث عن الطفولة وعالمها البهي، ولكنّها لا تنتمي إلى أدب الأطفال أبداً بل هي جزء من أدب الكبار..!

لنلاحظ هذه القصيدة التي تبوح بالحبّ الغامر للشاعر –الجدّ لحفيدتيه، والمنشورة في مجلة "أسامة":

قد جاءتاني توأمين وما

 أغلى على قلبي قدومهما!

تتشابهان وأين شبههما

 هيهات تلقى العين شبههما

العيش بينهما يجددني

 ما أقصر الساعات بينهما!

لله ما أحلاهما وهماً

 تتدافعان لحضن جدّهما!

وبمثل هذه اللغة الأصمعيّة تستوي القصيدة عشرين بيتاً ختامها هذا البيت:

مهما أتاني منهما رهقٌ

 حسبي بأنّي صرتُ جدّهما(1)

المشكلة الثانية تبدو في طغيان النزعة التلقينية الوعظية التي يحاول أصحابها تسويغها تحت شعار تعليم الأطفال، وإغناء عقولهم بالمعارف والخبرات، رغم معرفتنا جميعاً بنفور الصغار من هذا الطراز من التعليم، ورغم التجاوز الكبير الذي حدث على مستوى التربية ونظرياتها من جهة أخرى، حيث سادت مفاهيم جديدة متطوّرة، تسخر من آليّات التعليم التقليديّة، وتبتكر أساليب جديدة تضع المتعلّم في مناخات إبداعيّة ابتكاريّة، تقوم على ما يُسمّى بـ"القدح الذهني" و"التعليم الإلماعي" بعيداً عن التلقين الذي غربت شمسه من المجتمعات المتحضرّة منذ أكثر من قرن، فتظلّ الفكرة الجاهزة التي يريد شاعرنا حقن ذهن الطفل بها أكبر سبب لوقوعه في الغموض و"التعويص" اللغوي وانفلات الصورة من يده، حتى لا يمكنه رسمها بالشكل الذي يبدو مألوفاً مستساغاً للطفل..!

 

وكأنّ الحالة الكفاحية التي فرضتها علينا ظروف الحياة عبر قرون كاملة جعل القيم الوطنية والقومية تطفو على سطح الموضوعات المقدّمة للطفل، ولجديّة هذه الموضوعات فإنّ عنصري الطرافة واللعب يغيبان عن القصيدة، وتخسر لذلك إحدى أهمّ أوراقها الرابحة للنفاذ إلى قلب الطفل وعقله، وفي المثال الذي سأعرضه الآن –وهو من أحد أعداد مجلة أسامة- نتساءل ما الفرق بين شعر الأطفال وشعر الكبار يا ترى حينما يكون "الشهيد" موضوعاً للنص؟!.. هاهي القصيدة كاملة:

آخر.. مرّه

ناداني، حيّاني، أوصاني:

الدّارَ.. الدّارْ

وجراحُ الأمةِ،

يعلوها.. الغارْ؟!

***

آخر مرّه

قبّلني، صافحني،

أعطاني البارودةَ،

قلّدني العهدَ ورفرف حرّاً

صوب الأفقِ

وطارْ؟!(2)

وهذه قصيدة سمّاها صاحبها أنشودة للأطفال، وتربّعت على الصفحة الثالثة من مجلّة أسامة عدد شهر آب عام 1992م، وعنوان "الأنشودة" موغل في المجاز، يستعصي فكّ طلاسمه على الكبار، فما بالك بالصغار؟! حيث سُميّت: الحجر الأخضر..! تقول الأنشودة:

حجرٌ بين أصابع زهرة

يعلن أنّ بلادي حرّة

مهما طال جدار الظلمة

لا بدّ سينبعث الفجرْ..!!

***

حجرٌ مرتفع في القمّة

يصرخ يا أبطال الأمّة

بالعزم ستنزاح الغمّة

وترفرف رايات النصرْ..!!

***

حجرٌ.. حجرٌ ملء بلادي

يرسم لون الفجر الآتي

يأتي.. يأتي يا أولادي

أخضر أخضَر بيد الطفل..!!

وإذا حاولنا أن نستعرض الصفات التي أسبغها الشاعر على أشباه قصيدته سنجد ما يلي:

للزهرة أصابع تمسك بها الحجر، إذاً الطفل الفلسطيني هو الزهرة.. فالصورة استعارة بصريّة ممجوجة.. والحجر يجهر بحريّة البلاد.. والصورة استعارة سمعية غير مقنعة.. وهكذا فالظلمة جدار يطول، وهي ظلمة مجازيّة، ثم الحجر مرتفع (في القمّة) وهذه الإضافة تحصيل حاصل ما دام الحجر مرتفعاً أصلاً..! والحجر يصرخ، وكلّ هذا أقلّ غرابة من قوله إنّ الحجر ملء البلاد، وهذا غامض، وأنه يرسم لون الفجر الآتي، ويأتي حتماً أخضر ما دامت يد الطفل المقاوم تمسك به، وإسناد صفة الخضرة للحجر المقاوم لا يعيها الأطفال بيسر..

 

إنّ هذا النصّ يعطي انطباعاً عن كثير ممّا يُكتب وينشر للأطفال تحت يافطة الشعر، فالطفولة هنا تكاد تكون غائبة تماماً، والمتلقي لا يسمع سوى حذلقات الكبار موزونة بهذا الإيقاع الخفيف الراقص..!!

 

وأحياناً انطلت الحيلة على شعراء مرموقين، فظنّوا أن إيراد أسماء الحيوانات والطيور وحده يمكن أن يكون مسوّغاً كافياً لجعل القصيدة من شعر الأطفال، فنسمع مثل هذا الهدير من الشاعر الفلسطيني في أحد أعداد العام 1980م من مجلة "المزمار":

تلك يا صاح قبّرةٌ

 في الحدودْ

خرقتْ ألف حرمة

 للعهودْ

فهي تغدو طليقة

 وتروحْ

وأنا مثخن هنا

 بالجروحْ

والمقطع التالي من أحد أعداد "العربي الصغير" يدلّ على مقدار الإثم الذي نقترفه بحقّ شعر الأطفال؛ حينما نزجي الأفكار والمواعظ بكلّ "غلظتها" النثريّة، وكأنما صاحب النصّ يظنّ أنّه إذا جعل الكلام على لسان الطفل وهو يخاطب السائق، فإنّما يسوّغ بذلك جعله قصيدة للأطفال فراح يهتف، بكلّ وقار ورصانة، ولكن بإيقاع مكسور، رغم "الدال" الكبيرة التي تتربّع قبل اسمه:

يا سائقاً مهلاً فإنّي

أخشى الحوادث

لطفاً بنا

لا تؤذنا

سق بانتباه

سق بفن(3)

وحتى حينما ينجو الشاعر من الوقوع في مطبّ النثرية والوعظ المباشر، والبعد عن العفوية والتلقائية الساحرة واللتين تشكلاّن نسغ القصيدة الطفليّة بل أساس كلّ نصّ مكتوب للأطفال؛ فإنّ معظم الشعراء وجدوا أنفسهم أمام مأزق آخر لا يقلّ ترديّاً عن سابقه؛ ألا وهو سقوط القصيدة في شرط "التوصيف" الظاهري، ورسم الأشياء التي تؤسس موضوعها رسماً خارجيّاً، مما يصبغ عالم القصيدة بالافتعال والبرودة، ويبعدها عن تلك اللحظة الحميمة المتدفقة بالإبداع الحقّ، والتي تجعل خيال الطفل خلاّباً، وقلبه مرتعشاً بكلّ ما هو جميل وخيّر وإنساني..

 

هاهي شجرة الزيتون المباركة كما يرسمها أحد الشعراء الذين نجحوا –غالباً- في كتابة شعر الأطفال فتبدو كأية شجرة زيتون لا اختلاف فيها، ولا طرافة أو مفارقة، تسوّغ للمبدع أن يتناولها في شعره أو أن يجعلها سيّدةً للكلام الذي سيقول:

في دارنا زيتونة

 كريمة وخيّره

مبارك زيتونها

 وزيتها.. ما أطهره

تنظر صوب أخوتي

 حالمة ومبصره

ما أجمل الأشجار في

 ظلالها المعطرّه

خير لنا لأرضنا

 عارية ومزهره

سنزرع الزيتون في

 بلادنا المنتشره

وينشد الناس لـه

 أغنية منتصره(4)

ولا أدري ما الذي أضافه الشاعر في قصيدته للرياح، حينما صاغها بمثل هذا الكلام المنشور في العدد التاسع من مجلة "مجلتي" والصادر في شباط عام 1980م:

صعدتْ أعلى الأسوارْ

دارت حول الأشجارْ

نثرت عطر الأزهار

مرّتْ فوق الأنهار

هزّت كلّ الأوتارْ

وتكاد حالات الخلل التي تطال الصورة في قصيدة الطفل المنشورة في المجلات أن تكون الأكثر وضوحاً واستشراء، وباعتبار أنّ التخييل أهمّ عنصر في اللعبة الفنيّة الإبداعية، فإنّ الذين أتقنوا القبض على هذه الأداة المهمّة من الشعراء يظلّون قلّة بين أصحاب النصوص التي بين أيدينا..

فالغموض في الصورة سمة بارزة نجدها أينما يممنا وجوهنا في القصائد المنشورة إلاّ في حالات قليلة تصل إلى حدود الندرة، وينتج هذا الغموض غالباً عن التراسل غير المعقول بين الحواس حيث يصبح المرئي مسموعاً أو بالعكس، أو تشكيل الصورة من عناصر يصعب على الطفل إدراكها، ممّا ينتج تشوّشاً في التلقي، وممّا يضاعف هذه المشكلة في إبداعاتنا للأطفال أننا –غالباً- لا نحدد المرحلة العمريّة التي نتوجّه بالنص إليها..

لنلق نظرة على هذه المقاطع من قصائد مختلفة، ولنتأمّل الصور فيها، وكيف أنّها بدلاً من النهوض بالفكرة تصير عنصر إعاقة فيها:

صباح الخير يا أمّي

 صباح النور والحلمِ

جبينكِ طائر أخضر

 يداك حلاوة السكّر(5)

أو:

الرقة السمراء يا أمي جميلةْ

استقبلتنا مثل أزرار الورود

قبّلتنا، مدّت الكفّ النحيلةْ(6)

أو هذا المقطع الغريب الأحوال تحت عنوان "سؤال":

سأل ابني عمرو

عن نهر غمر الأرض..

دفئاً وحنانْ

وأشعل قنديل الروح

على الشطآنْ

وفي الأجفانْ

وكنّس أثقال الهمّ،

إذ مزّق خارطة الأحزانْ(7)

فمن النهر الذي يغمر الأرض بالدفء والحنان يبدأ الانتقال المريع بين المحسوس والمجرّد، قبل الوقوع في الطامّة الكبرى عندما يصبح النهر قادراً أن "يشعل" قنديل الروح..!! وأين قنديل الروح هذا؟! إنه على الشطآن..!! وفي الأجفان معاً..

والقصيدة ثلاثة مقاطع من هذا النسق الذي يجلد عقل الطفل وقلبه فلا تقوم لهما قائمة بعد..!

ومن "المكابرة" التي قد تورّط الشاعر في استعمال الصورة الباهتة إلحاحه على إنطاق الأشياء و"أنسنتها" بطريقة تبدو قسريّة مثلما في هذه الأغنية التي تتحفنا بها الآلات الموسيقية:

أنا اسمي الطبل المشهور

 وصديقي الناي المسحور

نبحث عن ناس سعداء

 لنغنّي صبحاً ومساء

أنا اسمي قيثارة سومر

 عشت الأزمان ولم أكسر

غنّيت لشعبي من قلبي

 ألحان البهجة والحبّ(8)

وحتى لا تبدو الصورة أمامنا معتمة تماماً فإننا نجد على صفحات مجلات الأطفال قصائد جميلة بل بارعة تنمّ على قدرة أصحابها، ونصاعة مواهبهم، فلا إطالة ولا فوضى، بل نجد تكثيفاً يسير إلى الفكرة على أكتاف الصورة اللينة المستساغة..

والنصوص الجيدة تستفيد ما وسعها الأمر من تقنيات تعتبر مهمّة في الإبداع للأطفال؛ مثل تضمين الحوار البارع، والاستفادة من القصّ والتنامي الدرامي في بثّ الفكر، حتى ليبدو الطفل القارئ شريكاً للمبدع، يصعدان معاً لقطف ثمرات القصيدة الطيّبة، وليس متلقياً سلبيّاً ينتظر أن تُلقى الأشياء بين يديه دون أن يكلّف نفسه أيّ عناء.

يقول أحد الشعراء في قصيدة سمّاها "ثلاث وردات":

ثلاث وردات على كتفي

 هذي هديّاتي

ثلاث وردات فهل تكفي؟!

***

الوردة الأولى

 للناجح الأوّلْ

والوردة الأخرى

 منّي لمن يعملْ

ثالثة الوردات

إنّي سأبقيها

يا صحب قولوا لي

لمن سأهديها؟

فالطيّبون كثارْ..!

صعبٌ.. فمن أختارْ؟!(9)

فهنا نرى أنّ اللغة البسيطة، والإيقاع المنساب، والبعد عن إغراق النصّ بالصور الفجّة.. كلّ ذلك نهض بالقصيدة نصّاً متماسكاً وجميلاً، يمكن للطفل أو يحفظه ويردده وأن يتعلّم منه بأقلّ قدر من الجهد، وهذه غاية تربويّة أصيلة.

وانتبه بعض الشعراء إلى أهميّة توظيف القصة والحكاية في قصيدة الطفل، لما تحملان من خيوط دراميّة تشدّ انتباه القارئ الصغير، وتجعله أكثر اندماجاً بأجواء النص، وبخاصة إذا اصطبغت الحركة داخله باللعب والنشاط اللذين يمتعان الطفل جدّاً، ولكاتب هذه السطور قصيدة منشورة في أحد أعداد مجلة "أسامة" يمكن أن يكون شاهداً على ما سبق، واسم القصيدة "لوحة ريمة":

رسمت ريمة فوق الشارع

 شجراً محروقاً ومدافعْ

عادت رسمت بالطبشورة

 ناراً وبيوتاً مهجورةْ

قالت: هذي اللوحة حربْ

بعد قليل رسمت ريمة

نهراً يجري وسط الغابة

وطيوراً خضراً وسحابة

كتبتْ: هذي لوحة ريمة

مرّت في الشارع دبابةْ

وحشاً منفلتاً من غابةْ

فمحت حالاً

 لوحة ريمة

فبكت ريمة

قالت همساً:

حسناً، حسناً

 بعد قليل أرسم شمساً..!!

أمّا في مجلة "العربي الصغير" فإنّ القائمين عليها لهم موقف من الشعر، فإذا استثنينا ما ينشره الشاعر حسن عبد الله مرّة أو قلْ كلّ عامين لا يبقى أمامنا سوى نصوص قليلة مبعثرة، احتال رسامو المجلّة لإخراجها بشكل لافت، ولن يجد الأطفال صعوبة في "إخراجها" من رؤوسهم! ويمكن أن يكون النص التالي الذي وسم بالشعر مثالاً واضحاً ونهائيّاً على ما ندّعي:

"حلم العصفور الأبيض"(10)

عصفور يقرأ:

ألف باء

يكتب: ألف باء

ألف: أرنب.. ألف: إبريق.. ألف: أم.. باء: بيت.. باء: بنيان.

عصفور يرسم: أشجاراً.. وطيوراً.. وزهوراً.. داخل حرف الحاء حاء: حبٌّ.. حاء: حريّة

ينقضّ الصقر على حرف الحاء

فيحجب في اللوحة عين الشمس

تلمحه تحت سماء آليّة حمامة:

تسلم عصفور.. أفديك بعيني.. تحمله، تأخذه لينابيع الحاء

كان العصفور الواقف في الصفّ.. يكمل معنى الدرس.. ويواصل رسم اللوحة تحت الشمس أجنحة ويمام.. وحمام.. حاء: حب.. حاء: حريّة.. ويضيف السين على هيئة قوس سينٌ: سلِم.. وسلام.

والملحوظة التي يمكن الوقوف عندها مليّاً هي قضيّة اللغة في القصائد الموجّهة للأطفال في المجلاّت العربية الآنفة الذكر، وانطلاقاً من أنّ اللغة هي أساس كلّ عملية إبداعيّة، وأنّه لا يمكن التفريط بها بأيّ حال، وبخاصّة حينما يكون هذا الإبداع موجهاً لمخلوق يتلقى بثقة أنّ الكبار يقدّمون له ما هو صحيح دائماً، فإذا نحن نرسّخ في ذهنه غلطاً يعسر عليه التحرر منه في المستقبل..

ويحاذي الغلط اللغوي والنحوي والإملائي أغلاط عروضيّة يمكن أن تساهم في تشويه قدرة الطفل على التقاط نغمات الإيقاع بشكل عفوي، وبالتالي في تعطيل تذوّقه الموسيقي..!!

ومهما يكن السبب في إجازة نشر مثل هذه النصوص، فإنّه يمكن الإشارة إلى أنّ المجلات الصادرة في العراق، ثم المجلاّت اللبنانية، ثم السوريّة هي الأكثر عناية باللغة فيما يُنشر فيها من شعر، أمّا المجلات التي تصدر في دول الخليج فإنّها –على قلة نشرها للشعر- لا تدقق نصوصها كما ينبغي..!!

 

وختاماً.. فإنّ نظرة متأنيّة في قصيدة الطفل التي تقدّمها لنا المجلّة المكتنفة بالرسوم والمؤثرات البصرية تكشف سريعاً أنّه لا يزال ينقصنا كثير ممّا يجب أن نفعله، لكي تصل الرسالة إلى ناشئتنا خالية من العيوب، وهي مهمّة مركّبة ومشتركة، تبدأ بالشاعر الذي يبدع القصيدة، ولا تنتهي بشكل وحجم الحرف اللذين نوصل القصيدة بهما للقارئ الصغير النهم، الذي يوشك أن يلتهم كلّ ما يُقدّم لـه بكلّ حواسه وجوارحه، فيصبح سهلاً أن يبتلع السمّ القاتل في قليل من الدسم، وأنّ النظرة ذاتها تجعلنا نعيد حساباتنا من جديد، ووضع الخطط لإصدار مجلاّت طفليّة بتقانات عالية، تضع نصب الأعين أنّ المجلة تكاد أن تكون في طليعة المنابر التي تنهض بثقافة الطفل العربي، في زمن تحدق فيه الأخطار بالأمّة أكثر من أيّ وقت مضى، ويصبح فيه الرهان على الأطفال هدفاً استراتيجيّاً لا يمكن التفريط به أبداً..!!

الهوامش:

(1)-مجلة "أسامة" العدد 553 أيلول 1997م.

(2)-مجلة "أسامة" العدد 486 شباط 1992م.

(3)-مجلة "العربي الصغير" العدد 130 تموز 2003م.

(4)-مجلة "العربي الصغير" العدد 395-396 تموز 1985م.

(5)-مجلة "العربي الصغير" العدد 487 آذار 1992م.

(6)-مجلة "الطليعي" العدد 3.

(7)-مجلة "أسامة" العدد 3.

(8)-مجلة "أسامة" العدد 3.

(9)-مجلة "أسامة" العدد 3.

(10)-مجلة "العربي الصغير" العدد 69 حزيران 1998م.

 

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

تقنيات السرد الدرامي في مجلات الأطفال

 المسلسلات الطويلة نموذجاً

بقلم الكاتب: محمد برِّي العواني

 

المقدمة: توصيف وتصنيف‏

تفصح مجلات الأطفال بعامة عن توجهها نحو إمتاع الطفل وإفادته بحكايات متنوعة الموضوعات، وكثيرٍ من اللوحات المرسومة بأناقة. وقد دأبت مجلات الأطفال العربية على تحقيق هذه المعادلة الصعبة استناداً إلى خبراتها الخاصة بعالم الطفولة العربية واحتياجات الأطفال العرب الضرورية للنماء السليم، مع لحظ الاعتبارات التربوية ما أمكن.‏

ولقد كثرت هذه المجلات الطفلية حتى باتت معروضة لكل الأطفال، يختارون منها ما يناسب أعمارهم، ويلبي نهمهم للمعرفة والمتعة. فكانت مجلات (ماجد- علاء الدين- أحمد- أسامة- سمير- ميكي- الطليعي- العربي الصغير- المزمار- سامر...) وغيرها الكثير. بل حتى لقد ظهرت مجلة (توتة) للأطفال الذين هم دون سن المدرسة الابتدائية لتلبي حاجاتهم المعرفية والنمائية.‏

وبرصد ما تحويه هذه المجلات في صفحاتها من قصص وحكايات متنوعة يمكن الإشارة إلى تقارب واضح وأكيد في المضامين والاتجاهات، فهي جميعاً تضم:‏

1-حكاياتٍ أو قصصاً طويلة نوعاً ما، على هيئة مسلسل من الصور، عبر أزمنة وأمكنة متعددة ومختلفة.‏

2-حكايات أو قصصاً قصيرة لا تتجاوز الصفحتين إلا قليلاً، في مكان وزمان محددين، أو في أزمنة وأمكنة متعددة ومختلفة.‏

كما يمكن ملاحظة أن جميع المجلات ما عدا (الطليعي) تقوم على ما يلي:‏

1-تقديم حكايات أو قصص كوميدية طويلة بعض الشيء، وفي حلقات مستقلة، تشكل كل حكاية أو قصة موضوعاً مستقلاً.‏

2-تقديم شخصيات إنسانية، أو حيوانية، ذات أشكال كاريكاتورية.‏

3-عدم استخدام الشعر كوسيط أدبي إلا ما ندر.‏

أما مجلة الطليعي وأسامة فتنفردان بتقديم مادة شعرية وفيرة، خاصة الطليعي التي تقل فيها كثيراً القصص والحكايات المصورة والمتسلسلة، وتكتفي بحكايات أو قصص مزينة بإطار عام للصفحة أو الصفحتين.‏

غير أن مجلة أسامة تنفرد عن أخواتها بأنها تضم بين صفحاتها الكثيرة:‏

1-مسلسلاتٍ طويلة، وعلى حلقات، تغطي في أحايين كثيرة ثمانية أعداد من المجلة.‏

2-حكايات أو قصصاً طويلة في حلقة واحدة، تتجاوز أربع صفحات.‏

3-تنفرد بالتركيز على التنويع في مصادر موادها، فمن استلهام التراث والتاريخ العربيين والإنسانيين، إلى الفولكلور إلى الأساطير والخرافات.‏

4-تنفرد بالتركيز على الموضوعات والمضامين القومية والوطنية العربية، إلى جانب الإنسانية، سعياً منها إلى ربط الأطفال بتاريخ وحاضر أمتهم العربية، وبالعالم.‏

5-على الرغم من غلبة الموضوعات الجادة، فإن صفحاتها تضم كثيراً من القصص والحكايات القصيرة المصوَّرة الكوميدية، ضمن اتجاه تعليمي.‏

6-تُؤْثِر- وعلى الدوام- اللغة العربية الفصحى أداة للتواصل أياً كان شكل وشأن المادة، أدبية أو علمية، أو فنية!!‏

 

على أن مجلات (ماجد- علاء الدين- سمير- ميكي.. وغيرها) تميل بوضوح إلى تقديم حكايات أو قصص مصورة كاملة في حلقة واحدة، مع ميل صريح إلى الكوميديا، لاقتناعها- كما يبدو- بأن ذلك أكثر إمتاعاً للأطفال. وإذا كانت مجلة (ماجد) حريصة على استخدام اللغة العربية الفصحى، فإن مجلتي (سمير- علاء الدين) المصريتين تُصرّان على استخدام العامية المصرية، وخلطها أحياناً بالفصحى دون مراعاة مخاطر هذا المزج الذي يعزز في ذاكرة الأطفال لغة هجينة وهشة ورثّة وقطرية، وهذا هو الأكثر خطورة!!‏

بيد أن مجلة (سمير) تبدو حريصة على الامتثال للموضوع البوليسي، باعتباره موضوع مغامرات، شأنها في ذلك شأن مجلة (ماجد) في مسلسلها المتصل- المنفصل (فريق البحث الجنائي)، ومسلسلاتها الكوميدية الأخرى.‏

وبتدقيق النظر في اتجاهات هذه المسلسلات في الأعم الأغلب من المجلات سنرى أنها تدور في أزمنة وأمكنة غير محددة، ولا متعينة، مما يسمح بتعويم وتهويش خصوصية البيئة بما هي مرجعية اجتماعية تاريخية.‏

على أن مجلة أسامة تجهد كثيراً لإبراز الواقع الاجتماعي في مسلسلاتها باعتباره المرجعية الأولى والحامل الرئيس للموضوعات والمضامين والأحداث، مما يعزز ارتباط الأطفال العرب بالبيئة الاجتماعية بما هي ناتج تطور تاريخي محدد، مرتبط بـ/هنا- الآن/، وذلك عن طريق السرد والوصف والحدث والصورة.‏

 

ولعل الانطلاق من الفكر القومي العربي هو الذي جعل مجلة أسامة تنحو هذا المنحى، مما رشحها لتكون مجلة كل طفل عربي. بل لقد وصفت نفسها بذلك بصراحة هكذا (أسامة مجلة الطفل العربي) على الصفحة الداخلية للغلاف، خاصة أعداد السنة الثانية لعام 1970. ولهذا كثرت مصادر مسلسلاتها وقصصها وحكاياتها، كما قدمنا سالفاً، مضافاً إليها ما كان مستنداً إلى الواقع العربي الحاضر، خاصة مسلسلات وقصص المقاومة العربية في فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني الاستيطاني، أو ما كان ضد الاحتلال الفرنسي لسورية مثلاً!!‏

 

غير أن أبرز ما يمكن ملاحظته في الأعم الغالب في هذه المجلات هو حرصها على توفير قصة أو حكاية مكتملة في صفحتين أو أكثر بقليل، وبما يغطي تفصيلات طيبة لأحداث القصة أو الحكاية، الأمر الذي يستبعد المسلسلات الطويلة ذوات الحلقات. ومن المؤكد أن هذا الإجراء يسمح بتوافر عدد من القصص والحكايات القصيرة المصوّرة ينوف على أربع أو خمس قصص.‏

ففي مجلة ماجد (العدد 829- عام 1995) نجد سبع قصص مصورة، ومثل ذلك في العدد (952) من العام نفسه. أما مجلة سمير (العدد 2020- عام 1994) فنقرأ فيها خمس قصص مصورة. كما نقرأ في علاء الدين (العدد 453- عام 2001- السنة التاسعة) أربع قصص مصورة. وفي العربي الصغير، بل وفي أي عدد منها، سنجد خمسة قصص مماثلة.‏

 

وإذا كانت مجلة أسامة قد أفردت مساحات واسعة لمسلسلاتها الطويلة بتنوع موضوعاتها ومضامينها، فإنها لم تهمل القصص القصيرة، بل قدمت منها الكثير وفي إطار فكاهي تعليمي، بحيث لا يخلو عدد من توافر ثلاث أو أربع قصص من هذا النوع.‏

تتنوع مستويات الكتابة في هذه المجلات بتنوع مصادر واتجاهات كتابها الأدبية والفكرية والسياسية والاجتماعية.. الخ، والذين يمكن تصنيفهم على النحو التالي:‏

1-كتاب- وأدباء- محترفون، متفرغون، مختصون بكتابة النص الأدبي، وفق سيناريو قائم على السرد والوصف والحوار، وعبر حبكة درامية، أو روائية. وهؤلاء الكتاب- عادة- لا علاقة لهم برسم صور النص الأدبي.‏

2-كتاب رسامون، يقومون باختراع، أو إعداد، قصصهم وحكاياتهم بأنفسهم ويرسمون صورها. غير أن هؤلاء يميلون عادة إلى تقديم حكايات بسيطة في الشكل والمضمون بهدف تحقيق دعاوة اجتماعية أو سلوكية، مما يجعل نصوصهم ذات طابع تعليمي تقريري مباشر. ولكي يخفّفوا من هذا الطابع نراهم يلجؤون إلى استخدام المفارقة الكوميدية. على أن ما هو هام في هذا الاتجاه، هو أن هذه الحكايات البسيطة- التعليمية- تمكّن أطفال ما قبل المدرسة، والأطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة من عمرهم، من قراءة النص الأدبي وتعزيزه بلغة الصورة. ولهذا يبدو أن ميل الأطفال إلى اتجاه قصصي كهذا، موصوفٍ بخفة الظل، قد عزَّز لدى الكثير من المجلات إلغاء المسلسلات الطويلة كما قدمنا.‏

 

ومع ما ذكرنا من مجلات عربية، نستطيع بالقياس والمقارنة أن نخرج بآراء كثيرة حول فاعلية وأثر الموضوعات والمضامين سواء فيما بينها، أم مع غيرها من مجلات أجنبية مترجمة إلى اللغة العربية سعياً منها لتحقيق أهداف محددة. لذا كان مفيداً الحديث عن مجلة (ستارز) الأمريكية، الصادرة في بيروت دون تاريخ، ومجلة (الدلفين الصغير) الصادرة في إيطاليا، خاصة مجلد عام 1982. ومثل هذا الإجراء سوف يسمح لنا بكشف فاعلية أهداف المجلة عن طريق مضامين موضوعاتها، وأثر ذلك في نفوس القراء الأطفال من جهة، وتجليات هذه المضامين عبر التقنيات الفنية الباهرة!!.‏

من النص- إلى الصُّورة‏

تشكل الصورة في مجلات الأطفال بعامة ركناً رئيساً في تعزيز علاقة القراء الأطفال بالنص الأدبي، سواء أكان قصة أم حكاية من التراث.‏

كما يشكل تقطيع النص إلى صور منظومة بصرية ذات دلالة يتم تكريسها بحسب مقتضيات النص وأهدافه من جهة، وبحسب أهداف المجلة من جهة أخرى. ولهذا تتمايز "سيناريوهات" المجلات من حيث فنيتها عن بعضها بعضاً استناداً إلى الأهداف المرجوة، معلنة أم مضمرة!!.‏

وعلى هذا فإن "السيناريو" هو فن تحويل النص الأدبي إلى صور متنوعة، ومتعددة، سواء على التعاقب والتتابع الزمني التقليدي، أم على تقطيع الزمن بالتقديم والتأخير والارتداد إلى الخلف والاستشراف وغير ذلك من التقنيات.‏

 

إن سيناريو ما، مرسوماً، يُعمّق مضامين النص الأدبي، ويكشف خلال التلقي عن قدرات في السرد الفني البصري والتشويق والإثارة، يرغم القارئ على المتابعة بحواسه جميعاً، حتى ليخيل إليه أنه يشاهد "فيلماً" متحركاً!!.‏

لقد تمكنت مجلات كثيرة من تحقيق هذه العملية المعقدة، حين تمَّ النظر إلى الشخصيات الفاعلة ضمن سياق حبكة محكَمَة الصنع، تقوم في جوهرها على المغامرة، وإظهار قوة وذكاء وحيلة الأبطال أمام الأعداء الشرسين، في أمكنة وأزمنة متعددة، وعبر صور كل خط فيها يهم أن يتحرك بسرعة وحيوية ورشاقة!!.‏

غير أن كثيراً من المجلات ينحو منحىً آخر، حيث تعاني صورها مِنْ سكونية حركية، مما يجعلها تبدو خاملة، غير فاعلة، وبالتالي سيكون أثرها ضئيل القيمة، الأمر الذي ينفِّر الأطفال منها، فيتجاوزون القصة إلى أخرى، والمجلة إلى أفضل منها!!.‏

ينبغي التأكيد مرة أخرى أن أهداف المجلة الموجَّهة إلى الأطفال القراء هي التي تجعل من "سيناريوهاتها" مشوّقة أو منفّرة. ولكننا في المقابل لا نستطيع أن نتغافل عن أن موضوعات ومضامين القصص وطبيعة ووظيفة أبطالها، وشكل حبكتها، واتجاهات الصراع فيها، هي التي تسهم بشكل أكيد وفعال في إنجاز شكل سرد درامي تتوافر فيه أنواع كثيرة من الإثارة، والتشويق، من خلال تقنيات متنوعة ومختلفة.‏

 

إن قصصاً من هذا النوع، ينحو بطبيعته نحو تكريس موضوعات بوليسية، تشكّل الألغاز والمواقف الغامضة عناصر هامة في بنيانها الفني، الأمر الذي يرغم الرسام على تعزيز كل ذلك وتعميقه من خلال منظوره الفني، خاصة منظوره لشكل الشخصية الرئيسة- البطل- والشخصية المضادة- المجرم- من حيث الجسد والوجه والحركة، مما يضفي على الشخصية نفسها جاذبية القبول أو الرفض. وهذا أمر خطير جداً لأنه يكشف عن قدرة عظيمة في إقناع القارئ بما يتم تقديمه سلباً وإيجاباً، أي في ما يتعلق بالبطل ونقيضه.‏

لقد نجح كثير من الرسامين في دفعنا إلى تبني شخصيات الأبطال، ليس بسبب ما يقوله النص الأدبي فحسب، بل بسبب ما تفعله كافة الشخصيات- وهذه أهم قضية فنية في الأدب والفن بعامة- استناداً إلى قوة وجمال أجسادهم وأشكالهم وملامح وجوههم التي تضج وتشع بالذكاء والدهاء وسعة الحيلة. والعكس صحيح بالنسبة للشخصيات المضادة المرسومة بمواصفات القوة الجسدية والعقلية والمكر والدهاء، ولكن بأساليب تنفّر القارئ- الطفل أو الكبير- من تبنيها واحتضانها، رغم أنها تمتلك كل وسائل الهجوم والدفاع والسيطرة على أكثر مراحل الحبكة والسرد الدراميين.‏

لذلك كله فإن الحديث عن فاعلية "سيناريو" ما، يقتضي بالضرورة ربطُه بالأمور التالية:‏

 

1-موضوع القصة، أو الحكاية.‏

2-المضمون.‏

3-طبيعة الشخصيات ووظائفها، أبطالاً وأعداءً.‏

4-طبيعة الحبكة ووظيفتها.‏

5-طبيعة الصراع ووظيفته.‏

6-الزمان والمكان بما هما بيئة اجتماعية تاريخية.‏

وعلى هذا سوف نضطر إلى تحديد ما هو عام من حيث الموضوعات التي تمت ملاحظتها، لنرى فاعلية النص وأثره في دفع الرسامين إلى إنجاز ما يرسمون على أسلوبية محددة، ومقصودة. لذا فإن تحديد الموضوعات يفيد- أيضاً- في تبيان المضامين والأهداف، كما يفيد ذلك كله في دراسة تقنيات التتابع الصُّوَري للمسلسلة، أو القصة الكاملة.‏

 

بتأمل بعضٍ من مجلات الأطفال العربية التي تستخدم اللغة العربية الفصحى، أو التي تخلط الفصحى بالعامية كمجلتي (علاء الدين وسمير) يمكن لنا أن نقف على الموضوعات التالية:‏

1-الموضوع البوليسي.‏

2-الموضوع التاريخي.‏

3-الموضوع الاجتماعي.‏

4-الموضوع القومي العربي- والوطني المحلي.‏

5-الموضوع التراثي بأشكاله المتنوعة.‏

6-الموضوع البيئي.‏

7-موضوع المغامرات والخيال العلمي بكل تجلياته.‏

ولسوف نرى دائماً أبطالاً يفعلون، ويخوضون صراعات لإنجاز أهداف محددة تمثل قوة الخير والحق والعدل، أو قوة الظلم والقهر والإجرام. وإذا كانت لغة السيناريو السينمائي- أو التلفزيوني- تقوم على تتابع الصور المتحركة والناطقة، وعلى عدد من اللقطات متعددة الأبعاد والزوايا وفق مونتاج دقيق يُظْهِر بإتقان إيقاع القصة وتطور حبكتها وصراعها والشخصيات.. وغير ذلك، فإن هذا المونتاج يُظْهِر لنا الحبكة في أسلوب سَرْد متعدد المستويات، لأن "الكاميرا" تملك قدرة فائقة ومدهشة على تقديم أعماق النفس الإنسانية ولأنماط التفكير الخاصة بكل شخصية، كقدرتها المطلقة على تقديم الأزمنة والأمكنة الواقعية والافتراضية.‏

بيد أن "سيناريو" قصة- أو حكاية- خاصاً بمجلة أطفال مرهون بالصورة اللقطة- الواحدة- سواء على التتابع أم على التزامن. لكن هذه اللقطة الثابتة مرهون أثرها وإقناعها بما تتضمنه من تعبير يظهر على:‏

1-عدد الشخصيات في الصورة.‏

2-وضْعيات الشخصيات في الصورة في لحظة الفعل/ الحدث.‏

3-حركة الوجوه والأجساد في محيط- بيئة- وزمان محددين.‏

4-منظور- زاوية- اللقطة ودلالة ذلك.‏

5-نوع الصورة- اللقطة- من حيث بعدها، كبرها، قربها وعلاقة ذلك بالشخصية التي تحتل مقدمة الصورة، أو عمقها في لحظة الفعل/ الحدث.‏

6-تكامل عناصر الصورة- اللقطة- مع النص اللغوي الأدبي باعتباره جزءاً من "السيناريو". وعلى هذا فإن للألوان والخطوط والنور والظل وحجم اللقطة وحجم الشخصيات في الفراغ... الخ.. دوراً هاماً في التتابع الصُّوَري، ودلالات بعيدة الأثر.‏

وعلى ضوء ذلك سوف نرى أن "سيناريو" قصة ما- أو حكاية- في مجلة الأطفال لا يحتمل زيادة في المنطوق اللغوي، كي لا تصبح هذه اللغة معيقاً أو فائضاً عن الحاجة، فينصرف النظر إلى النص عن الصورة. ومن المؤكد أن صورة مرسومة بعناية فائقة تستطيع أن تحفز القارئ الطفل على إنجاز- واختراع- نص لغوي بالاستناد إلى مكونات الصورة- اللقطة وما تحويه من علامات وإشارات، مما يدل على قوتها التعبيرية. وهذا صنيع باهر، لأن الصورة تتضمن منطوقها اللغوي بالاستناد إلى تكامل وتضافر عناصرها المكونة لها من خطوط وألوان وزوايا وحركة ومكان وزمان محددين، سواء أكانا واضحيْن أم غامضيْن، وبحسب طبيعة ووظيفة الصورة. وهذا ما تحققه بجدارة "سيناريوهات" القصص البوليسية، التي سوف نتوقف عند واحد منها كنموذج فني جمالي.‏

 

سيناريو الموضوع البوليسي:‏

يمكن تصنيف الموضوع البوليسي بأنه موضوع وطني، أو قومي انطلاقاً من وجهة نظر مؤلفه ورسامه، أو الجهة المنتجة. وعلى ضوء ذلك يكون الموضوع البوليسي وطنياً، أو قومياً بالنظر إلى فعل مقاومة ومطاردة الأشرار والمجرمين الذين يهددون أمن الوطن، أو الأمة.‏

يقوم "السيناريو" البوليسي على قصة يشكل اللغز فيها ركناً رئيساً، لأنه مفتاح الحكاية وعقدتها ومنتهاها. وعلى ذلك فإن مجمل الأحداث تدور حول معرفة سر اللغز، سواء أكان صاروخاً نووياً، أم سلاحاً كيميائياً، أم عملية تقوم بها عصابة ما، مجرمة... وغير ذلك كثير. ومن المؤكد أن سيرورة حبكة اللغز ستقوم على إثارة عملية التوقع بما هي عملية- أو فعَّاليَّة- نفسية فكرية لدى القراء من خلال مجموعة (عقد) ثانوية تدعِّم سيرورة وصيرورة العقدة الرئيسة، بحيث يقوم ذلك كله بتشكيل وتعميق وتوتير حبكة "السيناريو" الكلية. ولهذا سوف يقوم الرسام بإبراز الكثير والضروري من العناصر المكونة لأشكال وجه البطل بما هو فرد متميز في مواقف متباينة ومتعددة، ليمايزه عن وجوه أصدقائه الذين هم في الأعم الغالب من قوى الأمن. وفي المقابل سوف يؤكد الرسام على تعتيم وجوه المجرمين بإشاعة كثير من الظلال حولها، خاصة حين يتم وضع هذه الشخصيات في أماكن لا تدخلها الشمس إلا قليلاً، والإضاءة فيها خافتة، أو شبه معدومة، كأن تكون هذه الأمكنة أشبه بمستودعات أو خرائب وما شابهها. وسوف نلاحظ- من خلال الصور- أن الرسام يقدم لنا هذه الشخصيات المجرمة بملابس مختلفة عن ثياب البطل، بل ومفارقة للعرف الاجتماعي السائد كدعمٍ شكليٍّ للسلوك الشاذ، بحيث تُشْعِرُنا هذه الملابس أن أصحابها ليسوا من عالمنا، بل من عوالم مختلفة تبعاً لأشكالها الغريبة، خاصة حين يكون المجرمون من الفضاء الخارجي، بغض النظر- الآن على الأقل- عن أنواع الأسلحة المستخدمة من قبل الطرفين، والتي هي غالباً غير متناظرة، ولا متكافئة، لأن المجرمين يملكون الكثير والمتطور من أسلحة دمار شامل، منجزة وفق أحدث الابتكارات العلمية. وهذا يعني أن المجرمين يمتلكون أدمغة رفيعة المستوى، وبعبقرية وإمكانيات عظيمة مدهشة، تجعل منهم مالكي المصائر البشرية، ومحرِّكي العالم حسب ما يريدون. إن ما تمَّ توصيفه مشغول بإتقان باهر لصالح فاعلية البطل "السوبرمان" الذي يمتلك قوة جسدية ومهارات عالية وذكاء خارقاً وأسلحة أقلَّ كمية ونوعاً، لكنه ينتصر في النهاية، لأن مجمل الإثارات المقدَّمة للقراء تقوم بمهام تعزيز التعاطف مع البطل القومي، باعتبارهم- كمواطنين أبرياء- مستهدَفين في العمليات الإجرامية. لهذا كله يمكن التأكيد بثقة أن مثل هذه المسلسلات "والسيناريوهات" تقوم في بنيتها الرئيسة على خيال جامح مصنوع بمنطق فني درامي متماسك أخّاذ، وعلى حركة مباغتة مفاجئة صاعقة تبدو خارقة وفق تقنية (الأكشن).‏

مجلة ستارز- الرجل الالكتروني(1)‏

تعلن هذه المجلة في كلمتها الافتتاحية عن أهدافها، ومجيبة في الآن نفسه عن سؤال بعنوان (لماذا الرجل الالكتروني؟!) أنها (أسلوب حديث، مشوّق للنشء، الطالع، ابتكره واقع الحال من نسج الخيال، رغبة في الإقناع بدون تردد أو التباس... ص 3)، إيماناً من المجلة نفسها (بأنْ لا بد للحق إلا أن ينتصر على الباطل، وللرحمة إلا أن تتفوق على الظلم، وللإيمان على الكفر... ص 3). ولا تخفي المجلة اعترافاً صريحاً يتعلق بمرجعية قصصها المصورة فتقول: (إن هذه القصص المصوَّرة كُتبتْ أصلاً كحلقات تلفزيونية قام بإعدادها كبار المربين والمتخصصين في دراسة علم نفس النشء الطالع، بحيث تُبرِز الخصال الحميدة لأبطال هذه القصص مثل الإقدام والشجاعة والتضحية وحفظ النظام والتقيد بالقانون... ص 3).‏

 

يُلاحظ هنا أن المجلة تؤكد على الخيال كمرجعية للقصة، لكن ذلك- وكما سنرى لاحقاً- يشكل تبريراً إيهامياً بمجريات الأحداث المفترضة، والمطروحة باعتبارها واقعاً. وهذا بطبيعة الحال سيبرر طبيعة (الرجل الالكتروني) رجل الأمن الذي يمتلك صفات آلية بسبب تدخل العلم إلى جانب صفاته الإنسانية، مما يجعله منتمياً إلى نوع خارق من الرجال ووفياً بإطلاق لأمن بلاده. ولأن وظيفة البطل الالكتروني على هذا النحو بالتحديد، فإن المجلة تفصح عن أهدافها بانتصار الحق والرحمة والإيمان مقابل الظلم والباطل والكفر، بل وتضيف المجلة أن مربين ومختصين بعلم نفس النشء أشرفوا على هذا الإنتاج التلفزيوني لكسب أكبر قدر من المصداقية التربوية، ومن ثم تحويل الفيلم المتحرك إلى "سيناريو" في مجلة للنشء لإبراز خصال الأبطال الالكترونيين الأمريكيين كنموذج للدفاع عن الحق والعدل والإيمان من وجهة نظر أمريكية تشعر على الدوام بأنها مهددة بالغزو الفضائي والأرضي والبحري، وبالإرهاب، وبالتآمر عليها من قبل أعداء حقيقيين ووهميين مفترضين، صحيح أن المجلة لا تفصح عن جنسية بطلها الخارق، ولكننا- وببساطة- نستدل على هذه الجنسية من أفعاله الخارقة كنمط فظ للبطولة، والادعاءات المهووسة بحفظ النظام والتقيد بالقانون، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة في العالم كله التي تسعى إلى ذلك الحق والعدل والخير والسلام!!.‏

 

إن هذه الأهداف ؟؟ هي من حيث مدلولاتها المباشرة مرغوبة ومطلوبة من قبل كل شعب وأمة، خاصة ما يتعلق بتربية النشء. ولكنْ بمجرد أن يصبح الأمر متعلقاً- وبالتحديد- بالنظام والقانون والأمن، فإن المدلول العميق لذلك هو أن الولايات المتحدة مهددة على الدوام كما قدمنا، أياً كان شكل هذا التهديد ومصدره. ولهذا سوف نطالع الآلاف من "السيناريوهات" البوليسية التي تنطلق من (واقع الحال)- بحسب قول المجلة- المعرض للتهديد الدائم، والتي تجبر قراءها على الاستنفار الدائم- عن طريق استفزازهم ضد الآخر- خوفاً من هجوم مفاجئ أو من ضربات غير متوقعة، سريعة وقاضية، خاصة حين يتم النظر إلى المجرمين باعتبارهم (كفاراً)، تماماً كما جرى في التحريض على الحرب ضد الإسلام والمسلمين واتهامهم بالإرهاب، وهذا تدعيم ديني عالي الوتيرة، وبالغ الحساسية، ينضاف إلى همجية الأعداء وعدم إنسانيتهم كونهم يمارسون كل مظاهر العنف ضد حضارة حديثة وحريات مفتوحة وديمقراطية باهرة!!، بل تفصح المجلة عن اعتقادها بأن ما يجري من عنف هو لمجرد العنف، أي لا يسعى إلى تحقيق أهداف إنسانية، ليبقى سلوك وأفعال أبطالها الالكترونيين النموذج الأمثل للإنسانية والعنف المبرَّر!!.‏

 

إن تأملاً بسيطاً لذلك الكلام سوف يكشف أن هذه "السيناريوهات" تدفع القراء الصغار إلى ممارسة العنف المضاد، دفاعاً عن الحق والنظام والقانون والأمن، وبذلك يتم تبرير العنف المضاد مهما كان شكله، انطلاقاً من إيمانهم المطلق بـ(إنهم يكرهوننا) دون سؤال (لماذا يكرهوننا؟!) كما هو حاصل في السنوات الأخيرة من القرن العشرين.‏

إن تلك الأهداف التي تفصح عنها مجلة (ستارز- الرجل الالكتروني) تكشف بجلاء قوة التأثير الذي تخلّفه في عقول ونفوس الناشئة، بحيث يصبح لديهم كل رجل غريب في ملبسه وشكله مجرماً، وهو محل شك ومراقبة وإخضاع واحتقار على الدوام، وبالتالي يتوجب قتله دفاعاً عن النظام والأمن والقانون!!.‏

 

في قصة (ستيف أوستن في المهمة المستحيلة)(2)- ولنلاحظ هنا دلالة العنوان ووصف المهمة بالاستحالة- يتم تحديد زمن الفعل الدرامي الإجرامي بعشر دقائق لإبطال انفجار قنبلة موقوتة (يمكن أن تقتل آلاف الناس.. ص 4). ومهمة الرجل الالكتروني هي اكتشاف مكان القنبلة ضمن حدود هذا الزمن القصير جداً. إن ما هو هام هنا، هو أن القارئ يوضع مباشرة في عمق لحظة التأزم الدرامي، دون أن يملك خياراً واحداً في التفكير أو التأمل. بحقيقة ما يجري، ليحلل ويركِّب ويستنتج!!. بل إن القاص يقفز فجأة إلى انفجار القنبلة في موعدها دون أن يصاب أحد من المواطنين بأذى، لأن المجرم كان قد أخبر الشرطة منذ دقائق بالجريمة. وبالسرعة القصوى أخلى رجال الأمن المكان من الناس. لكن هؤلاء الرجال الخارقين يستنتجون أن هذا المجرم الذي يلقب نفسه باسم عربي/ فرعوني هو (أوزيريس) ربّ الأموات في مصر الفرعونية لن ينذرهم في مرة قادمة، وستكون المهمة أكثر صعوبة وغموضاً. أما بالنسبة للقارئ فستكون أكثر إثارة وتشويقاً واستفزازاً وتعطشاً نحو قتله أو إلقاء القبض عليه.‏

إن استنتاجاً كهذا يشدُّ من أعصاب الطفل القارئ ويحدد مجرى تفكيره بمجرى الحقد والكراهية ليطارد المجرم وقد تماهى في البطل الالكتروني، متقمصاً مشاعره وأحاسيسه التي بدأت منذ هذه اللحظة الدرامية تصنّع بدقة ومهارة فائقتين!!.‏

جدير بالإشارة هنا إلى أن الرسام يقدم لنا صورتين للانفجار المهول، وقد وضَع بين الحطام رجلين غير واضحي المعالم. ثم يقدم لنا صورة ثالثة- في صفحة واحدة- تُظْهِر رجلين بوجهين جامدين قاسيين، لكنهما وجهان جميلان، هما وجها البطل الالكتروني ورئيسه في الشرطة.‏

 

إن استخدام الأبيض والأسود كلونين يسمحان بنشر كثير من الظلال من جهة، والغموض والتعميات للمشاهد العامة من جهة ثانية. لكنْ حين تكون الصورة- اللقطة- خاصة فإن الوجوه ستظهر بخطوط حادة، وعيون متأملة تفكر بما سيأتي، أو سيجري. وهي دائماً وجوه أمامية واضحة قلقة، على العكس من وجه المجرم (أزوريس) الذي لا يكاد يبين في البداية. بل يقدمه الرسام لنا من ظهره فقط، ثم يقدمه ثانية في لقطة (كلوز)... بعيدة للوجه، ثم بلقطة أكبر قليلاً، ثم بلقطة متوسطة، ولكن بحركة عنيفة متوترة، خاصة حين يغلق (أزوريس) الهاتف!!.‏

يجب الاعتراف بأن قصة (ستيف أوستن الرجل الالكتروني) مشوقة ومثيرة، رغم أنها تقوم على التتابع الزمني التعاقبي. غير أن المؤلف يجتهد في تقطيع الزمن، وفي الاختزال اللغوي والتكثيف الزمني، ويوفر لقصته مزيداً من الحذف والتلخيص، وقليلاً من السرد اللغوي، ودرامية طيبة في الأحداث، مما يوفر تسارعاً في الإيقاع الدرامي، ويحقق لهاثاً مستمراً وراء مجريات الحدث خاصة حين تظهر الحبكة الثانوية الثانية، وهي زرع قنبلة موقوتة أخرى بعد حادث انفجار القنبلة الأولى.‏

 

إذاً ما هو جدير بالاهتمام هنا هو أن الحبكة الرئيسة للقصة تقوم على (فعل مطاردة مجرم قاتل). لكن الحبكات الثانوية هي التي تفعل فعلها، وتحقق آثارها لدى القراء الأطفال لأنها أفعال تحمل في نتائجها الموت لهم!!! ولآبائهم وأمهاتهم وإخوتهم!!.‏

إن توالي الحبكات الثانوية الموصوفة يعزز ويكرس توتر الصراع عن طريق إثارة التوقعات الدائمة لما سوف يجري من أحداث، ويتم ذلك عبر مستويين؛ الأول هو مستوى الصراع الخارجي بين المجرم ورجل الأمن، ويتمثل هذا المستوى بالمطاردة، ومعرفة مكان المجرم ومكان الجريمة.‏

أما المستوى الثاني فهو مستوى الصراع الداخلي- النفسي- الذي يعاني منه رجال الأمن الذين يجهلون مكان المجرم ومكان وقوع الجريمة والنتائج المترتبة على ذلك. ويزيد من هذا الصراع قصور معرفتهم بالأساليب التي يتوجب اتباعها مع مجرم حاد الذكاء، خبير بالجريمة المنظمة. لكن ذلك سوف يتم حلُّه حين يتم اكتشاف خطأ ما، يخلّفه المجرم وراءه للتأكيد على أنه لا وجود لجريمة كاملة، وهذه هي النقطة التي يتباهى بها رجال القانون ورجال الأمن الأمريكيون!!.‏

يمكن التأكيد- هنا وببساطة- على أن طبيعة الصورة المرسومة تُثبِّتُ في عيون الأطفال القراء ضروباً من العنف؛ ليس بسبب قساوة الوجوه، بل بسبب حدة الخطوط وحيوية الحركات. أي إن الصورة- اللقطة- مرسومة في لحظة الحركة: (هجوم- دفاع- قتال- هروب- قفز- سقوط- إطلاق رصاص... الخ).‏

 

لكن ما هو مؤكد بالرغم من كل ذلك أن هذا النوع من "السيناريوهات" يمتلك كل مقومات النجاح لأنه يمتلك كل عناصر التشويق والإثارة، بدءاً من النص المكثف، وانتهاء بمكونات الصورة- اللقطة- المعبأة حتى الانتفاخ بالأفعال الدامية الحركية (الأكشن)، والتي تسمح للأطفال بتمثُّلها. وهذا لا شك مطلوب ومرغوب من قبل المجلة نفسها، لأن هذا هو بالتحديد هدفها الأعلى. وإذن يمكن لنا- الآن- أن نشير إلى أهم تقنيات المسلسل البوليسي كما تم استنتاجها من أعداد مجلة (ستارز) الأرقام (11-14-19).‏

1-البدء بأزمة- عقدة- سمَتُها الرئيسة هي الغموض. وهذا البدء قائم على جهل رجال الأمن، وجهلنا، بكل ظروف العقدة.‏

2-الحبكة الرئيسة الواحدة، المكوَّنة من حبكات ثانوية صغيرة، تقوم على عدة عقد متعالقة، ومتواشجة، ومرتبطة بمهمة البطل الالكتروني وعلاقة ذلك كله بالمجرم. وهي حبكة لها بداية وذروة ونهاية.‏

3-التوقع القائم على التشويق والحدس والغموض بهدف تمتين علاقة الطفل "بالسيناريو"، لأن التوقع يسمح للطفل بالانغمار في مجريات الأحداث والصراع، وتمثّل سلوكيات البطل ومعانياته.‏

4-الحذف والتخليص والتكثيف ضروريات فنية لأنها تقدم (السيناريو) على هيئة لغَم قابل للانفجار في كل لحظة، مما يسمح برفع مستوى التوتر النفسي والعصبي والفكري على الدوام بهدف تحقيق فعل التشارك في الأحداث، بل وتبنّيها.‏

5-الغموض الذي يخلق الأجواء العامة والخاصة لسير وتطور الحبكة والصراع حتى ينحلَّ اللغز وينتصر البطل على المجرمين.‏

سيناريو الموضوع الوطني- التاريخي‏

يقوم هذا الموضوع على استحضار أو استلهام حادثة أو شخصية تاريخية متعلقة بالنضال الوطني ضد قوة احتلال غاشمة، من أجل التحرر والاستقلال. وباعتبار أن هذه الحادثة قد وقعت في الزمن الماضي فإن الموضوع يندرج في الإطار التاريخي.‏

 

لقد عنيت مجلة (أسامة) السورية بهذه الموضوعات عناية خاصة، كون المجلة تنطلق في توجهها من إيديولوجيا قومية عربية، لذلك تنوعت مصادر ومرجعيات قصصها وحكاياتها، فكان منها الأسطوري والخرافي والمعرفي والاجتماعي والعجائبي وغير ذلك، الأمر الذي يعطي غنىً معرفياً وثقافياً للأطفال القراء.‏

تقدم القاصة "دلال حاتم" عبر الأعداد من (350-358) لعام 1983 والأعداد من (359-367) لعام 1984 من مجلة أسامة مسلسلها الممتع (زنوبيا ملكة الشرق) برسوم فواز أرناؤوط.‏

على مستوى النص الأدبي تقدم دلال حاتم قصتها بسرد تاريخي تعاقبي، بدأ من تسلّم زنوبيا حكم تدمر، وتفكيرها ببناء دولة عربية قوية، وتوحيد الشرق العربي بغربه، لتقوم دولة عظيمة أمام دولتي الفرس والرومان. لكن هذا المشروع يصطدم بعقبات خارجية تتمثل بمطامع الرومان والفرس بخيرات سورية ومصر، وبالمكان الاستراتيجي الهام لهما. أما العقبات الداخلية فتتعلق ببعض الخونة التدمريين، وتآمر اليهود على العرب وحلمِهم بالمشروع القومي!!.‏

غير أن دلال حاتم تعي ببراعة أن السرد التاريخي المتسلسل للأحداث لن يعيقها عن إنجاز سرد فني يختزل كثيراً من المنطوق اللغوي غير المعبر، أو غير المفيد، مما سيسمح لها- وللرسام- باستخدام تقنيات القطع والحذف والوصف وغير ذلك بما يفيد فنية القصة.‏

 

إن نص وسيناريو (زنوبيا ملكة الشرق) يتحركان بحيوية في الأمكنة والأزمنة بمنطقية فنية جيدة. وقد استطاع الفنان الرسام فواز أرناؤوط وعْي ذلك فقدم لقطات صوَريَّة من زوايا متعددة وكأنه يستخدم كاميرا، بحيث بدَتْ كل صورة ذات منظور خاص، بهدف إظهار الشخصية في لحظة الكلام، أو في لحظة الفعل. ولهذا قدم لنا فواز أرناؤوط- ومن وجهة نظره- لقطات صوَريَّة متوسطة وقريبة بطريقة الكلوزات، وهو يرسم الوجوه بإضاءة كاملة ليكشف عن قسماتها المعبرة في لحظات المعاناة. صحيح أنه يبالغ بخطوط هذه الوجوه، ويجعل سماتها العامة دائرية، غير أن هذه الخطوط بسيطة وقوية ومعبِّرة بسبب انسجامها وتماسكها ورشاقتها.‏

على أن ما هو هام، هو أن الرسام أرناؤوط يمايز بين الوجوه العربية التي تُفْصِح عن نبل وشهامة، والوجوه الرومانية والعربية الخائنة كوجه (الضحضاح)، ليُظْهِرها مليئة بالحقد والكراهية والجشع، كما هما وجها اليهوديين الجاسوسين المقيمان في تدمر!!.‏

تستخدم دلال حاتم تقنية القطع ببراعة لتحقق لسردها الدرامي نقلات مكانية وزمانية متماسكة متعددة، ولتُزامِن بعض الأحداث المتوترة في لحظة واحدة. ولهذا لجأت إلى الحذف والتلخيص والتكثيف كتقنية لعِب على الزمن، مما وفَّر للرسام أرناؤوط ابتكار وضعيات متعددة للشخصيات، ولطبيعة اللقطات الصوَريَّة، خاصة ما كان منها نفسياً تعبيرياً.‏

 

لكننا سنلاحظ في الأعم الغالب من السيناريو أن كلمات النص الأدبي تحتل مساحات كبيرة من مساحة الصور، مما يؤثر على التلقي البصري، لأن مساحة النص ستلغي بالضرورة جزءاً من مساحة الصورة ودلالاتها. وإذا كان الهدف من ذلك توفير وضعية بصرية مريحة للقراءة، فإن قراءة الصورة والاستمتاع بها لا يقلان أهمية عن متابعة النص الأدبي، كما بينا في صنيع مجلة (ستارز) المتفوقة في هذا الجانب الفني.‏

 

وبالاستناد إلى ملاحظاتنا السابقة يمكن لنا أن نسنتنتج بعد التدقيق في اللقطات الصوَريَّة أن هذه الصور تكاد أن تكون ذوات بُعْد واحد، لأنها تظْهَر لنا بوجوهها وصدورها، أي هي صور أمامية. مما يدل على أن الرسام قد فضَّل المنظور الجبهي الأمامي، ولا يكاد يغير- أو يعدل- موضع (كاميرته) أو منظور رؤيته البصرية، إلا نادراً، مما يقلل من فاعلية هذه اللقطات الصورية، بل إنه يتغافل عن أهمية الصور الجانبية، أو التي تُظهر الشخصيات بظهورها لزيادة فاعلية التشويق والتوقع لدى القراء عما يمكن أن تكون عليه الحالة النفسية للشخصية الآن، أو لما سوف تقوم به من فعل. فإذا ما أضفنا غياب الظلال وعلاقتها بالإضاءة- النور- الدائمة لوجدنا أن الأجواء البوليسية- بما هي أجواء تآمرية وتشويق وإثارة- غائبة، مما يفقد المسلسل فاعلية التأثير الحار، ليبقى النص الأدبي وحده الخيار الوحيد لمتابعة ذلك. على أننا لا نستطيع إنكار جماليات الرسوم وتعبيراتها وملاءمتها كثيراً لمضمون الحبكة وسيرورتها وتحولاتها.‏

 

إن القطع المتنوع الذي تقدمه دلال حاتم يحتمِل أن يكون موافقاً لأحداث متعاقبة أو متزامنة مثل (وصول رسول الرومان إلى تدمر للقاء أحد الخونة التدمريين)، ثم يحدث قطع، ونقلة إلى بلاط زنوبيا في لقاء مع لونجين مستشارها وهو يخبرها بعمليات سلب ونهب في آسيا الصغرى. وكثيراً ما تفعل ذلك دلال حاتم.‏

 

تَظْهَر قدرة دلال حاتم الفنية الدرامية في استخدام تقنيات الحذف والتلخيص كما قدمنا، حين لا تسترسل في متابعة كل الكلام المتعلق بموضوع أو قضية ما. إن زنوبيا حين تطلب من (زبَدا) قائد جيوشها حلاً لما يجري في آسيا الصغرى، تقوم دلال حاتم بنقلنا بسرعة إلى بلاط أورليان الروماني الذي فاجأه احتلال الجيش التدمري لآسيا الصغرى، تماماً كما استخدمت دلال حاتم في حلقة سابقة تقنية الصمت- أو السكوت- عن فعل أضمرته حين أعلنت عن ذهاب جيشها إلى فارس، فإذا هو يذهب إلى مصر ويحررها من الرومان، وإذا زنوبيا بين أهلها المصريين. لكن المؤلفة والرسام يتجاوزان كل هذه الأحداث ليقدما زنوبيا في لحظة رحيلها عن مصر ووداع الناس لها فرحين، وهذا استخدام رائع لتقنية حذف مسير الجيش التدمري إلى مصر والمعارك مع الرومان، واستقبال الشعب لزنوبيا، واجتماعها مع زعماء الشعب. إن دلال حاتم تحذف ذلك كله وتلخصه بإشارات سريعة عبَّرت عنه بالتحرير والوداع. ولو تابعت المؤلفة والرسام سرداً متعاقباً عبر النص والصورة لأوقعا نفسيهما وفنَّهما في مشكلات تقديم جزئيات لا يحتملها ورق المجلة، وليست من صلب طبيعة ووظيفة الحبكة الدرامية التي تقوم في بنيتها على حلم توحيد الشرق العربي بغربه، ودحر الرومان والفرس. وهذا الإجراء الفني يوتّر الحبكة ويخلق صراعاً نامياً بين إرادات متناحرة!!.‏

 

إن دلال حاتم تفصح بذلك عن ثقتها بأن الأطفال القراء قادرون على متابعة قصتها- موضوعاً ومضموناً وفناً- برغم ما تتعرض له هذه القصة الطويلة من حذف وتلخيص وتكثيف في الأزمنة والأمكنة بوساطة القطع والنقل السريع. وهي تؤمن- شأنها شأن الرسام- بأهمية ذلك لتحقيق الإثارة والتشويق والتوقع بهدف الانغمار في الأحداث، مما يسمح بفجوة لغوية أدبية وبصرية صوَريَّة سوف يملؤها الطفل بالاستناد إلى المجرى العام لحركة الحبكة والصراع، أياً كان مستوى النص اللغوي، الأمر الذي يحقق تشاركاً في إنتاج أجزاء تمَّ السكوت عنها لضرورات فنية، وهذا ما يقدح ذهن وخيال الأطفال القراء ويزجّهم في تقديم اقتراحات شخصية خاصة بهم وبما ينسجم مع- ويعبّر عن- معارفهم وثقافتهم وميولهم.‏

 

ما هو جدير بالإشارة هنا أن الرسام الفنان فواز أرناؤوط يقدم لنا رسوماً- صوراً- تبدو ساكنة، لا حركة فيها إلا قليلاً، خاصة الحركة الجسدية، عدا بعض الوجوه التي تعبّر عن دهشة أو عن استنكار. وربما يعود هذا الأمر إلى أن دلال حاتم تعير اهتمامها للحالات العامة "كالحرية وبناء الدولة العربية التدمرية القوية ومحاربة الأعداء". وهي تفعل ذلك من خلال حوار زنوبيا مع مستشاريها. ومثل ذلك مع أورليان وقادته. صحيح أنها أفسحت المجال في الحلقة الأخيرة- العدد 367 عام 1984- لنشوب معارك تتوافر فيها حركة المقاتلين والخيول، ووضعيات حريبة متنوعة، لكن ذلك كان لسرد المعركة عبر الصور بدل السرد اللغوي الوصفي، وتلخيصاً لمجريات المعارك، وتسريعاً لسقوط حمص وتدمر في أيدي الرومان، فوفرت بذلك- دلال حاتم- للرسام نقلات سريعة وهامة في الزمان والمكان وتطور الحبكة.‏

إن طبيعة موضوع زنوبيا والشخصيات الملكية الرسمية سيؤثر أيضاً على حرية الرسام وتنويع الحركة الخارجية، بل سيحدُّ ذلك من أوضاعها. لكن هذا لا يمنع- كما نرى- من تصوير متحرك لإكساب الصورة- اللقطة حيوية وحركية بصرية ذات دلالات معبرة، برغم الهالة الملكية لزنوبيا، أو لأورليان!!.‏

لا توفر دلال حاتم تقنيتي السرد والوصف، بل تستخدمهما ببراعة حين جعلت زنوبيا تعلم بمسير أورليان نحو تدمر. ولهذا لخَّصتْ لنا المؤلفة ما قامت به زنوبيا من اتصالات مع قادتها، ومع شيوخ القبائل العربية، ومراسلاتها للملك الفارسي لنجدتها. ثم انعطفت دلال حاتم إلى تقليد زنوبيا سيفاً تدمرياً كناية عن فروسيتها وعن استعدادها وجاهزيتها للحرب.‏

لكن السيناريو يضعنا مباشرة في إنطاكية أرض المعركة. إن التشويق- ها هنا- لا يأتي من النص الأدبي بإطلاق، بل من البراعة في استخدام القطع الناجح على أزمات متوترة، وتوفير أجواء متعددة للأحداث. ولهذا تبدو حبكة السيناريو متماسكة، ويبدو سرد دلال حاتم منسجماً ومعبراً وموصلاً إلى الأهداف المرجوَّة، على الرغم من أن نص المسلسل في عمومه يقوم على حبكة رئيسة واحدة، موزعة على أمكنة وأزمنة محددة، على النقيض تماماً مما فعلته مسلسلات مجلة (ستارز) التي بنت مسلسلاتها على توافر حبكة- أو حبكات- ثانوية موازية أحياناً، ومتقاطعة أحياناً أخرى مع الحبكة الرئيسة، وعلى توفير عقد صغيرة داعمة للعقدة المركزية. وبالتالي فإن (القطعات) الفنية لدى مجلة (ستارز) لا تلتزم فقط بنقلات في الأمكنة والأزمنة، بل وبأحداث العقد والحبكات الثانوية المتعلقة بكثير من الحالات النفسية الخاصة بالشخصيات، بهدف خلق التوتر والتشويق، وهذا ما خسرته دلال حاتم بعض الشيء. على أننا نستطيع التأكيد بأن المؤلفة قد اعتمدت في بناء نصها على ذاكرة القارئ من جهة، وعلى استثمار بنية الحكاية التاريخية من جهة ثانية بما هي بنية تعاقبية، معروف معظم حبكتها، مما سمح لها- للمؤلفة- بتعزيز وتعميق فاعلية تقنياتها.‏

 

من جهة أخرى يمكن الادعاء أن السرد لدى دلال حاتم لا يقل أهمية عن السرد الجيد لمجلة (ستارز)، حيث يسيطر منذ البداية (راوٍ متعال) عليم بكل شيء، قادر على تقديم تفصيلات دقيقة ومعلومات غزيرة موثقة، الأمر الذي يدل على أنه مكانياً فوق كل الأحداث وهو يراها كرقعة الشطرنج، غير أنه لا يتدخل فيها، بل يدعها تسير كما تشاء الدراما عبر حبكتها وصراع شخصياتها. وهذا ما يجعل الراوي المتعالي موضوعياً إلى درجة تجعلنا أكثر تدخلاً في التعاطف مع مجريات الأحداث وحركة الأبطال الذين ننتصر لهم من وجهة نظرنا الإيديولوجية. نشير إلى ذلك ونحن نؤكد أن صوت الراوي الموصوف لا يتطابق مع صوت المؤلف الذي نجده في كثير من المسلسلات الأخرى، مما يشكل التباساً لدى القراء عموماً والأطفال بخاصة. وهذا بدوره يشير إلى التصنيع المسبَّق للحبكة والأحداث والصراع والشخصيات، كما سندلل على ذلك في ما سيأتي.‏

الموضوع والقسر الفكري الدرامي:‏

لا يتوانى عادل أبو شنب- برغم خبرته الطويلة في كتابة القصص والمسلسلات الخاصة بمجلات الأطفال- عن تقديم الكثير من المسلسلات الوطنية المستندة إلى التاريخ العربي البطولي، وها هو يقدم لنا قصته (جميلة بنت الحداد) عبر أعداد مجلة أسامة (25-26-27-28-29 لعام 1970).‏

تقوم هذه القصة على حادثة انضمام (جميلة) الفتاة العربية إلى الجيش العربي الإسلامي المدافع عن الأندلس ضد جيوش (ألفونسو) الإسباني. غير أن (جميلة) تقع في الأسر. ولما رفضت التعاون مع الأعداء ضد بني قومها ودينها، يقرر الملك الإسباني الزواج منها لاستمالتها إليه لتنفيذ خططه. بيد أن (جميلة) تقرر قتله- وهي تعلن قبولها المراوغ بالزواج- فتفشل ويحكم عليها بالموت حرقاً. لكن (جميلة) أخرى تقرر الانتقام لصديقتها فتتنكر في زي فلاحة إسبانية وتدخل على الملك ألفونسو وتقتله، ليُلقى القبضُ عليها وتلاقي مصيرها بالموت.‏

من المؤكد أن قصة كهذه تبدو مفيدة وممتعة بالنسبة للأطفال، حيث يطَّلِعون على سيرة فتاة عربية جريئة. ولكن المشكلة هي أنه لا توجد في القصة أفعال بطولية تقوم بها البطلة، وتمتلك مصداقيتها الواقعية الفنية. بل إن ما تقوم به (جميلة بنت الحداد) لا يعدو أن يكون مجرد مغامرة وتهوّرٍ وتسرع ناجم عن قلة خبرة وضعف معرفة ودراية ومهارة حين تهم بقتل (ألفونسو) الإسباني رغم أنهما وحدهما، بينما تنجح (جميلة) الأخرى، رغم أننا لا نعرف عنها أنها فارسة مقاتلة.‏

 

ما يمكن استنتاجه ببساطة من هذه الحبكة أن القسر الفكري الذي انطلق من الإيمان المسبَّق ببطولة المرأة العربية هو الذي يسود على السرد القصصي لدى (عادل أبو شنب)، لأنه يفترض منذ البداية بطولة مطلقة لفتاة لم تثبت فاعليتها، ولم تتوثق مصداقيتها على أرض الواقع سوى عبر السرد الذي يسيطر عليه المؤلف نفسه، وليس السارد الموضوعي، إضافة إلى بضع صور نشاهد فيها (جميلة) لحظة نشوب المعركة بين العرب والإسبان!!. ولأن عادل أبو شنب قد انطلق منذ البداية من الإمساك بحادثة عادية فقد ظهرت شخصية (جميلة بنت الحداد) مفتقدة إلى دراميتها بما هي مبرر لعلاقاتها الضدية بالعدو، ولهذا فإن هذه الشخصية لا تعدو أن تكون أكثر من صورة هشة موجودة على الورق، ولا تتجاوز إلى عقل وقلب الطفل القارئ فتسكن فيهما. أعني أن تلك الشخصية لا تملك مصداقية وجودها الفني، وإن امتلكت مصداقية وجودها الواقعي، بسبب عدم تملكها لمصداقيتها الاجتماعية، أعني الشروط والظروف التاريخية والشخصية التي دفعتها إلى الالتحاق بالجيش العربي الإسلامي، خارج إطار الرغبة في القتال. وهذا كله هو الذي سمح لنا بالقول: إن القسر الفكري والتصنيع المسبق للشخصية، هو الذي توهَّم وجود فعل البطولة في (جميلة). وفعل التوهم هذا كان قد أغلق على (عادل أبو شنب) إمكانية تطوير شخصيته الرئيسة مستقلة، أو عبر شخصية (جميلة) الأخرى لإقامة توافق بين عقليتين ونفسيتين نابعتين من بيئة وثقافة واحدة. لأن الهدف قد أصبح معكوساً. فبدل إظهار بطولة (جميلة) الأولى، تأكدت لدى الأطفال بطولة (جميلة) الأخرى، وبدل إظهار البطولة بشكل عام للمرأتين أظهر المسلسل قسوة الإسبان وأحكامهم الجائرة بالإعدام.‏

 

لقد جهد (عادل أبو شنب) كي يجعل من قصته مشوّقة، لكنه فشل في إقناعنا بذلك، لأن الأعم الأغلب من (قطْعاته) الفنية جاء باهتاً، لا يقوم على حدث هام، أو عقدة مؤجل حلها. ولهذا- ولأمور أخرى- جهد الرسام (لجينة الأصيل) لتقديم صور- لقطات- ذوات دلالة. لكن هذه الصور تبدو للناظر وصْفيَّة أكثر منها تعبيرية، وسردية أكثر منها درامية. وسبب ذلك في رأينا أن مباشرة الخطاب الإيديولوجي أنتج معه خطاباً سردياً وخطابية مباشرة سيطرت على مجمل النص وطبيعة ووظيفة شخصية (جميلة بنت الحداد) ومصيرها. أضف إلى ذلك تقريرية اللغة التي أرغمت (لجينة الأصيل) على إنجاز صور وصفية سردية كما قدّمنا، لم تنفع معها كل (القطعات) والنقلات المكانية والزمانية التي لم تنبع من صلب الدراما بسبب غياب الدراما نفسها، وبالتالي غياب الصراع، سواء على مستوى الأشخاص؛ (جميلة بنت الحداد + ألفونسو) أم على مستوى الدولتين العربية والإسبانية. وهنا بالضبط تتجلى هشاشة الكتابة الدرامية، حيث لا توجد صراعات إرادات ومصائر، لأن المؤلف (عادل أبو شنب) قد صنَّع شخصية بطلته تصنيعاً تعسفياً، ومبالغاً فيه، وموصوفاً بالبطولة اللفظية فحسب، فكان أنْ فقد المسلسل فاعليته، وضعُف أثره في التلقي، لافتقاده إلى التشويق القائم على حدث متوتر تتوافر فيه- وله- كل مبرراته!!.‏

الخاتمة:‏

إن ثلاثة النماذج المدروسة للمسلسل الطويل تفصح عن مقدرة كتابها ورساميها، أو عدم قدرتهم، على تقديم فن يمتثل لاعتبارات السرد الروائي من جهة والسرد السينمائي من جهة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الوسيط الذي هو المجلة الموجهة إلى الأطفال. ولقد تبين لنا أن موافاة اعتبارات الدراما قد حقَّق لدى كتاب ورسامين نجاحاً باهراً تبدى في تناسق وانسجام وفاعلية مجمل عناصر الدراما سواء من حيث النص، أم من حيث الصور، وفي المقابل تبدت هشاشة مسلسل آخر حين افتقد إلى فاعليته وأثره لعدم الامتثال للاعتبارات الدرامية. على أننا سنتابع دراسة القصص والحكايات المكتملة، أي التي هي في حلقة واحدة لنرى كيف تتجلى فيها الدراما من جهة وطبيعة ووظيفة موضوعاتها ومضامينها وأشكالها.‏

(1)-مجلة للأطفال- العدد 11- نصف شهرية- بيروت- بدون تاريخ.‏

(2)-ستارز- ع 11- ص 4. وهي سيناريو طويل.‏

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

أدب الأطفال في التجربة الشعرية الجزائرية

 

بقلم الكاتب: السعيد بو سقطة

 

توطئة:

إن أدب الطفل ليس بالموضوع السهل، سواء أكان عملية إبداعية أم مجرد بحث ودراسة، وتأتي مداخلتنا المتواضعة هذه كأرضية تمهد الطريق لرسم الخطوط العريضة لهذا الموضوع الذي لا يزال في نظرنا بكراً يحتاج إلى من ينفض الغبار عنه، ولنتمكن من الاقتراب منه والكشف عن بعض من جوانبه، كان من الضروري التمهيد له بالحديث عن مصطلحه ـ أدب الطفل ـ تطوره في التراث وفي الأدبين العربي والغربي، لتتجلى لنا الرؤية العلمية المتكاملة، وليست هذه المداخلة سوى إشارات سريعة حول الموضوع، وقد حاولت أن تتلمس جوانب الظاهرة في التجربة الشعرية الجزائرية المعاصرة من خلال التركيز على مصدرين:

 

أولاً ـ شموع: مجموعة أناشيد وقصائد موجهة للأطفال، وهي للشعراء: محمد الأخضر السائحي، ومحمد مصطفى الغماري، وسليمان جوادي.

ثانياً ـ ديوان محمد العيد آل خليفة.

تعد هذه المحاولة بمثابة لبنة على الطريق لعلها تسهم في إلقاء الضوء على النتاج الشعري الموجه للأطفال وإبراز دوره في تجديد سلوكاتهم وطبيعة المجتمع المنشود، وذلك أن الطفل إذا كان بحاجة إلى الطعام والشراب والرعاية التامة، فإنه بحاجة ماسة إلى تنمية الفكر وإسعاد الروح والوجدان، فإذا لم توفر له تلك الأشياء (مادية ومعنوية) فسيكون لا محالة عرضة للمعاناة والاضطراب.

بداية نتساءل مع غيرنا هل في الوطن العربي مايمكن أن نسميه أدب طفل؟ وإن وجد فهل هو ذلك الأدب الذي كتبه الأطفال أنفسهم أم الذي يكتبه الكبار للصغار؟ وهل هو الأدب الذي يقرأه الأطفال أم الذي يتناول عالم الطفولة ولم يقرأوه؟ هل هو ذلك الأدب الذي يصور الطفل أو يوجهه؟ وما هي أسباب عدم الاهتمام بهذا النوع من الأدب؟ وهل استطاع أدبنا العربي المعاصر أن يتفطن إلى هذه القضية ويسعى إلى تجاوز ذلك النقص؟ وكيف كان ينظر إلى الطفل في المجتمعات القديمة؟ وماهو نصيبه في تراثنا العربي، وماهي شروط الكتابة للطفل وخصوصية النص الموجه له؟

تلكم بعض التساؤلات التي تحاول الدراسة توخيها. فمن الملاحظ أن المجتمعات القديمة كانت تتصور أن ما ينطبق على الراشد ينطبق على الطفل، ففي مجتمعنا العربي مثلاً كان ينظر إليه على أنه رجل صغير، وبالتالي يعمل المجتمع على تأهيله لتحمل المسؤولية مستقبلاً، ومن ثمة لم تفرد تلك المجتمعات الأطفال بأدب خاص بهم، ولذا وجد الطفل كمادة للعمل الأدبي وكنموذج له وجوده وأبعاده ودلائله مثل ماهو الحال في الكثير من أشعار الغربيين أمثال ديكنز، أندرسون، وليام بليك، أدوار لير وغيرهم..، وكبعض النماذج المعروفة في أدبنا العربي القديم والحديث وهي كثيرة منها مرثية ابن الرومي لابنه وقصائد محورها اليتم وهي كثيرة منها قصيدة يتيم لعمر أبي ريشة، وقصيدة اليتيم للدكتور سليم حيدر، وعموماً فإن أدبنا العربي قد اقتصر على نقطتين بارزتين  عند الحديث عن الطفل هما: الرثاء والعطف على اليتيم.

 

إن هذه الأعمال الأدبية التي جعلت الطفل محورها الفني لم يدخلها النقاد(2) في إطار أدب الأطفال، لأن الذي تعنيه هو ذلك الأدب الذي شكل من الطفل مادة فنية موجهة له ومبدعة  خصيصاً له تتلاءم مع قدراته وإمكاناته المختلفة، فمعجم الآداب(3) الذي أشرف عليه بول فان تيغم يرى أن أدب الأطفال لا يشمل سوى ما كتبه الكتاب خصيصاً للأطفال، وقد برز في السنوات الأخيرة تيار جديد يزعم أن الأدب الذي يكتبه الراشدون للأطفال ليس أدب أطفال، لأن أدب الأطفال الفعلي هو الذي يكتبه الأطفال أنفسهم ويكون أبطاله منهم.

 

الطفل في التراث العربي:

إن عدم الاهتمام بأدب الطفل أو الغفلة عنه في مجتمعنا العربي ليس مصادفة أو حادثاً وقتياً بل هو نتيجة طبيعية لعدم اهتمام لغتنا العربية في تاريخها الطويل بهذا النوع من الأدب، فالطفل العربي مع سوء حظه ظل محروماً من هذا طيلة قرون طويلة، لأن أدب الكبار قد استأثر على نتاجنا التراثي كله بجهود المدونين الذين لم يلتفتوا إلى أدب الأطفال، والملاحظ أن القائمين على عملية تدوين التراث (العصر الأموي والعباسي) وجهوا اهتمامهم إلى أدب الكبار ولم يسترع اهتمامهم من أدب الأطفال إلا الأغنيات التي يرقصون بها الصغار، وإن كانت في الغالب فوق مستوى الأطفال، فهذا الفرع من الأدب (الأغاني) كما ذهب إليه الدكتور عبد العزيز المقالح، ماهو إلا أدب تنغيمي قد يهمّ الموسيقيين ودارسي الألحان الفلكلورية أكثر مما يهم الدارسين من الأدباء، منها مثلاً قول المرأة التي هجرها زوجها بسبب إنجابها البنات(4):

ما لأبي حمزة لا يأتينا

 يظل في البيت الذي يلينا

غضبان أن لا نلد البنينا

 تالله ما ذلك في يدينا

وإنما سنأخذ ما أعطينا

 ونحن كالأرض لزارعينا

إن كتب التراث قد تضمَّنت الكثير من النصوص المتصلة بالطفولة وإن لم تكن مقصودة مثل كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، حيث استغلت هذه الكتب وعدّت مصدراً للكثير من الحكايات والخرافات التي تقصها الأم أو الجدة على الأطفال، إن هذا التراث القصصي نعتبره موجهاً للكبار، سواء ترجم أو كتب، فمثلاً كتاب "كليلة ودمنة" برموزه المختلفة و المصنفات المؤلفة على شاكلته "كألف ليلة وليلة"، فالقصص الواردة في هذه الأخيرة والتي حكتها شهرزاد، رمز المرأة والمجتمع، لشهريار رمز الرجولة والمسؤولية، قد استثمرت الموهبة القصصية كلها لمؤانسة الرجل وتسلية الكبار، ولم تلتفت شهرزاد إلى الأطفال تقص عليهم شيئاً يناسبهم من روائع موهبتها، ذلك أن اهتمامها، وهو يمثل اهتمام المجتمع، محوره الرجل، غير أن هناك من يرى(5) أن ما ورد في "كليلة ودمنة" لم يكن مقتصراً على الكبار وحدهم لأن هناك من بسط القصص وأعاد صياغتها دون تعقيد أو غموض، وقدم للأطفال ما يسد النقص في أدبهم وثقافتهم، وقد فعل ذلك الغربيون بعد قرون حينما ترجم الكتاب، نذكر منهم "لافنتان La Fontaine" والشرقيين أمثال أحمد شوقي، كامل كيلاني، زكريا تامر، سعيد العريان وغيرهم.

 

وهذه الكتب التراثية المذكورة آ نفاً وغيرها من الكتب، مثلاً: الأغاني، البخلاء، المقامات، لم تكن أصلاً موجهة للأطفال، إلا أن الكثير من قصصها يصلح للصغار، لاحتوائها على الأخبار الطريفة والشعر والملاحم، فهي تعد مصدراً غنياً لشتى ألوان القصص، كما نلمس فيها الكثير من الوصايا والمواعظ والمراثي الخاصة بالأطفال، فقد حفلت تلك النصوص بعاطفة جياشة نحو الأبناء، من ذلك قول حطان بن المعلى يتحدث عن فلذات أكباده:

وإنما أولادنا بيننا

 أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم

 لامتنعت عيني عن الغمض(6)

سيرورة أدب الأطفال وتطوره:

أولاً ـ أدب الأطفال الغربي:  

لقد كان الأدب الفرنسي رائداً للآداب العالمية لاهتمامه بأدب الطفل، فأمثال الشاعر المعروف بيرون لبرانس دي يومون، وجان جاك روسو الذي يعد أول من اكتشف الطفل ونادى بمعرفة قدراته وحاجاته معرفة خاصة في كتابه "إيميل" سنة 1762. فمقولته "إننا لا نعرف الطفولة"(7) تعد فجراً جديداً بالنسبة للأطفال، وقد اعتبرت سنة 1667 سنة ميلاد أدب الأطفال، وهي السنة التي نشر فيها الكاتب الفرنسي شارل بيرو (1628 ـ 1703) أول مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "حكايات أمي الأوزة".

وما حدث في فرنسا بالنسبة لأدب الطفل حدث في إنجلترا في وقت متقارب، وقد سرت تعاليم روسو وغيره من المفكرين إلى مختلف الدول الأوروبية وغيرها ليصبح الاهتمام بالطفل فيما بعد يحتل الصدارة.

 

ثانياً: أدب الأطفال العربي:

إن أدب الطفولة فن مستحدث في أوروبا، لم يطرق عالم أطفالنا إلا في العشرينيات من هذا القرن على يد الشاعرأحمد شوقي(8) والكاتبين كامل كيلاني ومحمد الهراوي بعد أن هيئت أرضية الترجمة ونقل ذلك الأدب في عهد محمد علي، على يد المسؤول الأول عن التعليم بمصر آنذاك رفاعة الطهطاوي، ولكن رغم هذه المحاولات فإن أدب الطفولة ما يزال يشكو نقصاً كبيراً، وأن الجهود التي قام بها بعض رواد هذا الفن أ مثال: سعيد العريان، وعثمان جلال، ومحمد عطية الأبراشي، وزكريا تامر وغيرهم، لم تخفف من ذلك النقص، فما السر وراء هذا النقص الملحوظ في أدب الطفل؟ لقد عبر عن هذه القضية الدكتور زكي مبارك منذ أكثر من أربعين سنة(9) إذ أشار أنه لا يهتم بالكتابة للصغار سوى الذين لا يجدون ما يلقونه على الكبار، ولهذا قل الاتجاه إلى هذا النوع من الأدب لأنه يعد أدباً لا قيمة له ولا خطر منه حسب د.زكي مبارك، فالذي يمارس الكتابة فيه هو كمن قصرت موهبته عن معالجة الأدب التقليدي، إضافة إلى ذلك فإن الكتابة ليست بالأمر السهل كما يتوقع البعض، فهناك فارق السن والتجربة والنمو العقلي وغيرها، لذا فإن الكتابة للطفل مهمة صعبة تتطلب بالإضافة لكونها تحمل قضية محدودة الأهداف واضحة المعالم، فهي تتطلب رؤيا فنية غنية ذلك لأن عملية الإيصال معقدة. فإذا كانت عملية الكتابة للكبار لا  يعنيها إطلاقاً المستوى العقلي للمتلقي لأنها تتوجه بالأساس إلى معدل ذكاء ثابت نسبياً لدى الجميع، فإن الكتابة للأطفال يجب عليها مراعاة مستويات الذكاء المختلفة تبعاً لمراحل نمو الشخصية الكلية للطفل(10)، وقد حذر بعضهم من الخوض في هذا النوع من الكتابة، لأن الذين يندفعون إلى الكتابة للطفل، دون أي إدراك لعظم المسؤولية، مثلهم كمثل الذي يقتحم حقل ألغام ولا يعرف الممرات الآمنة التي يستطيع اجتيازها بسلام، ولا أظن أن العقلاء يرتكبون هذه الحماقة القاتلة(11)...، وعليه فإذا لم نراع قدرات وميول الطفل، وإذا لم نضعه أمامنا ونحن نتهيأ لمخاطبته ذهنياً وعاطفياً وموضوعياً فإننا لن نستطيع الوصول إلى الهدف المرسوم، ومن ثمة فإن عملية الإبداع للطفل لا تتم بصورة موضوعية إلا بالدخول إلى عالمه والتقرب منه بأدوات سليمة، فمثلاً: رجل التربية يكتب للطفل بمقاييس بيداغوجية مقننة تبعده  عن الصياغة الأدبية الفنية، أما الشاعر أو الكاتب فيقوم بالكتابة من وجهة نظره، فقد لا يتقيد بلغة الطفل كما لا يراعي الحالة النفسية والبيداغوجية وقد يفعل ذلك، فهناك الكثير من الكتاب يحاولون تجربة الكتابة للأطفال إما عن إيمان حقيقي بالطفولة أو لإظهار تعاطفهم معها وإبراز مقدرتهم على الكتابة للطفولة، وهناك من تطاول على هذا النوع من الكتابة منطلقاً من غياب أو تغييب النقد العلمي من الساحة الأدبية، غير أن أدب الأطفال الذي نريده هو ذلك الأدب الذي يستمد أصوله من معرفة الطفل معرفة عميقة، ومعرفة البيئة التي يعيش فيها، ومعرفة تصوره لمستقبل الأمة وقضاياها المختلفة... ومن ثمة فإن هذا النوع من الأدب هو الذي سيعمل على تنمية الأذواق وإثراء المدارك والمساهمة في تأكيد القيم التي يجب أن يتحلى بها جيل المستقبل، فأين أدب الطفل العربي من هذا؟

إن المتتبع للكتابة الطفلية في أدبنا العربي يجدها في الغالب تفتقد إلى النضج  ومقومات العمل الناجح، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى نقص التجربة وإلى قضايا موضوعية كالوجهة التي ينظر منها الكاتب أو الشاعر إلى القضية.

 

لقد آمن الكثير بأهمية الطفولة، فهي الرجاء الأخير للوطن، وفي مقدمتهم الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى، الذي اتجه بقصيدته إلى الطفل العربي، ذلك البائس المحروم من العناية والاهتمام، ففي مقدمة مجموعته الشعرية الكاملة "غنّوا يا أطفال" تتضح رؤيته للطفل وأسباب اهتمامه بهذا النوع من الكتابة، فلما سئل لماذا تكتب للصغار؟ أجاب: "لأنهم فرح الحياة ومجدها الحقيقي، لأنهم المستقبل، لأنهم الشباب الذي سيملأ الساحة غداً أو بعد غد، لأنهم امتدادي وامتدادك في هذه الأرض، لأنهم النبات الذي تبحث عنه أرضنا العربية لتعود إليها دورتها الدموية التي تعطلت ألف عام، وعروبتها التي جفت ألف عام..."، ثم يوضح الهدف الأساسي من عملية الكتابة لهؤلاء البراعم بقوله: "إنني أكتب للصغار لأسليهم، ربّما كانت أية لعبة أو كرة أجْدى وأنفع في هذا المجال، إنني أنقل إليهم تجربتي القومية... تجربتي الإنسانية.. تجربتي النفسية... أنقل إليهم همومي وأحلامي...".(12).

 ومن هذا المنطلق فإن أدب الأطفال ليس أدباً ترفيهياً  بل له أبعاد أخرى، فهو "أقوى أساس يقوم عليه التكوين العقلي والعاطفي للشباب، وخير سبيل، ينمي مدركات الخيال ويرهف الإحساس بالجمال عند الأطفال، وأجدى أسلوب تتأصل به القيم الاجتماعية والسياسية، وتتأكد به العواطف الدينية والقومية عند الناشئة، كما أنه أقوى طريق تتحدد به المثل العليا والسلوك الإنساني المحمود للأطفال اليوم

وشباب الغد وصانعي الأمة في المستقبل القريب..."(13).

وهناك جملة من الأسباب قد أدت إلى غياب أدب الطفل في تراثنا وفي معظم ما أنتجنا على حساب تعبير الدكتور عبد العزيز المقالح وهي:

1 ـ أن الأدب في البداية نشأ سماعياً، ويستدعي تقبله أو الانفعال به إدراكاً معيناً، وكذلك مستوى معيناً من الثقافة.

2 ـ حين أصبح الأدب العربي مكتوباً، كانت القراءة محدودة الانتشار ومتاحة فقط للقادرين والمحظوظين من الكبار، ولم يكن الأطفال بين القادرين ولا المحظوظين.

 تلك هي أسباب غياب أدب الطفل ماضياً، وهي أسباب تعود إلى الأدب نفسه وإلى ظروف الشعراء الحضارية والاجتماعية. أما في العصر الحديث فتعود إلى الشعراء أنفسهم، فقد كان الأدب العربي إما (غيرياً) يعبر عن الآخرين وإما أدبياً (ذاتياً) يعبر عن نفسه، وفي الحالتين لم يكن الطفل مهماً "لا يشكل الغير الفعال أو المنفعل، كما لم يكن ضمن العالم الداخلي للأدب"(14).

مما تقدم يتضح لنا أن الكتابة للطفل تعد أصعب أنواع الكتابة لما تقتضيه من معرفة دقيقة لعملية التبليغ، فرغم الاختلاف البين لما يقدم للطفل من غذاء ذهني وثقافي إلا أن المتفق عليه هو أن يكون ذلك الغذاء ملائماً لنمو مداركه، فأين تقف التجربة الشعرية الجزائرية المعاصرة من هذا؟ وبالأحرى ماهي القيم التي حاول شعراؤنا إبرازها في نتاجهم وعملوا على بثها في الناشئة؟..

 لقد حاولوا توظيف الكلمة في خلق مناخات وأخلاقيات تبني الطفل الجزائري بناء يتماشى مع انتمائنا العربي الإسلامي ولرصد الظاهر ـ أدب الطفل ـ اعتمدنا على سلسلة شموع وهي عبارة عن أناشيد وقصائد موجهة للشباب، وهي للشعراء: السائحي الكبير، محمد مصطفى الغماري، وسليمان جوادي، بالإضافة إلى ديوان محمد العيد آل خليفة.

 

أولاً ـ السلسلة:

 تحتوي على 43 نشيداً وقصيدة موزعة على النحو التالي: السائحي 18، الغماري 18، وجوادي 17. فما هي القيم التي نادى بها هؤلاء الشعراء؟ وهل هي ملائمة للأطفال وهل نجحوا في تبسيطها وقدموها شعراً حقيقياً للأطفال؟ وهل وفقوا في عرضها من الناحية التربوية؟

من خلال دراسة وتحليل مضمونها اتضح لنا أن القيم التي راح يبثها هؤلاء الشعراء في الناشئة متنوعة يمكن ترتيبها حسب شيوعها وأهميتها كالتالي:

 أ ـ القيم الوطنية والقومية وما يتصل بها من مفاهيم كحب الوطن والتغني به والدفاع عنه، والتمسك باللغة العربية، والدعوة إلى النضال والثورة، والتمسك بالخط العربي الذي رسمته الثورة، فأغلب قصائد وأناشيد السلسلة تدور في هذا المجال.

 فالوطن مثلاً هو بمثابة التضحية، المجد والكبرياء، منبع الثائرين، بلاد الجبابرة...فهذا الغماري يفتخر بانتمائه العربي الإسلامي:

 عربية كالشمس نحمّي

  عزها ووفاءها

 لعروبة الإسلام ننتسـ

  ـب لا عروبة من كفر

 من يعبدون اللات لا

  نسب يضيء ولا ظفر

 من يبعثون الجاهلية

  من غيابات الحفر

 إن تسألوا عن أصلنا

  فأصلنا دين أغر(15).

 ونفس الصيحة نجدها عند السائحي:

 نحن شعب عربيّ منذ كانا

  ليس يرضى سوى الضاد لسانا(16)

 كما حرص هؤلاء الشعراء على غرس لغة الضاد في نفوس الأطفال كقول الغماري:

 أهواك يا خير اللغا

  ت وأعشق الضاد المبين

 أهواك لا التغريب يمنعني

 ولا الحرف الهجين

 ويبقى الوطن عندهم رمزاً للتضحية والفداء ذلك ما تصوره أبيات السائحي(17):

 يا بلادي يا بلادي

بدمي أفدي ثراها

  من حروف الحادثات

أنا لا أعني سواها

  حين أدعو يا حياتي

 يا بلادي

أما سليمان جوادي فيغني ويعزف في حبه للوطن، فهو أعلى مرتبة من الجنة في نظره:

 منت بحبك يا وطني

  آمنت بحبك آمنت

لو خان الناس جميعهم

  قسماً بالثورة ما خنت

 أو قيل أترضى لـه بدلا

  بالجنة ثرت وأعرضت(18)

ب ـ القيم المتصلة بحياة الطفل، وهي لم تأخذ حيزاً كبيراً كما هو الشأن مع القيم السابقة منها قول جوادي يعتز بالعلم مبرزاً الدور الخطير الذي يلعبه المعلم في المجتمع:

 أنا ذخر البسيطة دون فخر

 أنا تاج الأمانة والأماني

أنا ثدي العلوم فكم صغير

غدت ذكراه كالسبع المثاني

 أنا شهم رفعت السيف ضد

التخلف والجهالة والهوان(19)

 كما تعد الطبيعة من أهم الأشياء التي يجد فيها الطفل الحرية والانطلاق ويتعلم منها الدروس، فكثيراً ما يلجأ الشعراء إلى تصوير جمالها كقول السائحي:

السهول الخضر في حضن الدوالي

والشطوط البيض أو شم الجبال

والصحاري بين أمواج الرحال

أي حس فاتن يا وطني(20)

ج ـ القيم الاجتماعية:

حاول شعراء هذه السلسلة رسم المجتمع الجزائري الذي حددته مختلف المواثيق مركزين على المحاور التي تجسد النظام الاشتراكي، فأغلب النماذج راحت تقدس العمل وتحبذ فكرة العدالة الاجتماعية، فهذا جوادي يتكلم باسم ذلك العامل الجزائري المجد الذي راح يوجه كلامه لرفيقه في العمل:

تكلمي بلغة المحراث والجرار

تكلمي بلغة الإسمنت والحجار

فربما يا رفيقي يطيب لي الحوار(21)

فالوطن بحاجة إلى العمل، فالشاعر يدعو الصغار إلى الاقتداء بما يقوم به الكبار:

انظر الأرض ملأناها زروعا

وكسوناها غصوناً وفروعا

أبداً فلاح أرض لن يجوعا

لن يذوق الذلّ طول الزمن

وطني يا وطني يا وطني(22)

من خلال ما تقدم لاحظنا أن الشعراء حاولوا  بث الكثير من القيم في نفوس الناشئة، لكن المشكلة ليست في نوعية تلك القيم (سياسية، اجتماعية) كثرتها أو قلتها، بل المشكلة تكمن في طريقة عرضها وأسلوب تناولها وتقديمها للصغار.

إن هذه القيم التي يسعى الشعراء لإيصالها للمتلقي تكون أحياناً بصور غير مباشرة كالاختفاء وراء وسيط كأحد الأطفال، أو الطبيعة مثلاً لنقل ما يريد الشاعر الحديث عنه، وهذه  العملية تساعد على الفهم والتقبل، وأحياناً يتم التعبير عن  تلك القيم بطريقة مباشرة مع الضرب على الجانب العاطفي، وذلك بتوظيف ألفاظ وتعبيرات من شأنها أن تسهم في إثارة الأطفال وشدهم إلى القيم المطلوبة.

من خلال التمعن في هذه السلسلة المختارة كعينة للظاهرة، اتضح لنا أن جملة من القيم لم تكن ضمن ثنايا تلك الأناشيد والقصائد، حيث لم نجد أثراً للقيم الخلقية كالصدق والأمانة والوفاء كما غابت القيم المتعلقة بالتنظيمات خاصة التنظيم الكشفي لما له من دور مهم في توجيه الناشئة.

 

لقد حاول الشعراء الوصول إلى ذهن الطفل ووجدانه، والملاحظ أن معظم الأشعار قد ارتبطت بمفاهيم وطنية وقومية، وقد حاولت جعل الطفل يعايش مختلف التجارب والأحداث ويتفاعل معها، فإلى أي مدى نجح الشاعر في إيصال فكرته؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، سنحاول إيراد الشروط الضرورية والواجب توفرها في القصيدة أو النشيد الموجه للطفل. فالشاعر الكبير سليمان العيسى وضع شروطاً معينة لتحقيق الهدف(23):

1 ـ اللفظة الرشيقة الموحية الخفيفة الظل، البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً وتترك أثراً في النفس.

2 ـ الصورة الشعرية التي تبقى مع الطفل، مرة يلتقطها من واقع الأطفال وحياتهم ومرة يستمدها من أحلامهم وأمانيهم البعيدة.

3 ـ الفكرة النبيلة الخيرة التي يحملها الصغير زاداً في طريقه وكنزاً يشع ويضيء.

4 ـ الوزن الموسيقي الخفيف الرشيق الذي يتجاوز ثلاث كلمات أو أربعاً في كل بيت من أبيات النشيد.

وانطلاقاً من هذه الشروط فعلى الشاعر أو الأديب أن يتخذ أسلوباً معيناً لتقديم أدبه للطفل، ذلك لأن المعجم اللغوي للطفل ينظر إلى مراحل نموه وتعليمه ودرجة إدراكه ومحيط تخيله ودائرة معرفته، كما يراعي جملة من القواعد كمخاطبته بلغة بسيطة واضحة مستوحاة من عالمه، مستخدماً أسلوباً قصصياً يشيع في النص حركية ويوفر عنصر التشويق، غير أن هناك بعض النماذج مستواها أعلى من مستوى الطفل، وبالتالي فهي تشكل عائقاً أمام الفهم والتلقي، إضافة إلى ذلك هناك اختلاف بين لغة الخطاب التي يتلقاها الطفل، لذا فهو أمام تمزق لغوي أو بعبارة أخرى فإن المجتمع العربي يعيش نوعاً من الانشطار اللغوي، فهناك لغة البيت، لغة الشارع، لغة المدرسة، وما تحمله من تناقضات، فهناك لغة فصحى في الكتابة ولغة وسطى في الصحافة، ولغة ليس لها ملامح في الوسائل المسموعة والمرئية، ولغة سوقية في الشارع... ومن هنا يعد ـ في نظرنا ـ الكاتب للطفل العربي أكثر توقفاً من غيره أمام لغة أدب الأطفال بسبب ذلك الانشطار الذي يعانيه المجتمع  العربي في مختلف أقطاره بين العامية والفصحى.

لاحظنا من خلال النماذج أن الجزء الأكبر منها كاد أن يستوفي الشروط التي نادى بها الشاعر سليمان العيسى، غير أنها تبقى بحاجة إلى عملية صقل وتطوير لتبلغ الهدف المنشود.

 

ثانياً : ديوان محمد العيد آل خليفة:

إن المتصفح لديوان محمد العيد يلحظ أن هناك الكثير من القصائد (مايزيد عن 20 قصيدة) تتمحور حول الشباب والطفولة، وهذه الالتفاتة  من الشاعر تعد لافتة للنظر، وهي ذات دلالة بالغة الأهمية في شعره وفي شخصيته، فانطلاقاً من كون الشاعر ذا نزعة دينية فقد غلب على روحه النهج الإصلاحي بحكم ظروف معينة معروفة، فكان بحق صاحب رسالة إصلاحية وتربوية حيث سَعَى وصحبه (أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 1831 ـ 1940) إلى إعداد جيل وطني متحمس لدينه ولعروبته جاعلاً العربية أمامه، فقد جعل من الشباب القوة والركيزة الأساسية في عملية التغيير وتفجير الثورة، وقد تأثر في هذا بالإمام المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في قوله(24):

يا نشء  أنت رجاؤنا

 وبك الصباح قد اقترب

إن أدب الأطفال في فترة شاعرنا يعد الخوض فيه أمراً لافتاً للنظر، فهو لا يتكئ على رؤية ناضجة، لا تعرف عالم الطفولة وما تخفيه، وبالتالي فمخاطبة الشاعر للطفل لم تقترب من روحه وعليه فإنها لم تفد الطفل لأنها ظلت مجرد عملية  تلقينية مباشرة، ففي الغالب يكون التعامل مع الطفل تعاملاً مادياً فكأنه آلة، ورغم ذلك فإن محمد العيد في هذا المجال يعد من البوادر الأولى التي تستحق التقدير وتدل على أصالة الأدب الجزائري، غير أن ذلك النوع من الشعر لا يعد شعراً إبداعياً لكونه يخاطب الطفل من الخارج، دون مراعاة مكبوتاته، فهو لا يحركه، لأنه مجرد عملية تلقينية، يحفظ أشياء وعند الضرورة يقوم بسردها، وهذه العملية تَضُرُّهُ أكثر مما تفيده، تجعله كالجهاز، تقتل فيه الموهبة، ولتوضيح ما ذهبنا إليه نتوقف قليلاً أمام قصيدة أنشودة الوليد  (45 بيتاً) ونأخذ منها المقطع الأول كعينة:

يقول الشاعر:

بمحمد أتعلق

 وبخلقه أتخلق

وعلى البنين جميعهم

 في حبّه أتفوق

نفسي الفتية دائماً

 من حبّه تتحرق

وجوانحي مهتاجة

 ومدامعي تتحرق

مالي واللّعب التي

 تختار لي وتنسق

إنَّ التعلق بالرسول

 ودينه بي أليق

إن هذه القصيدة (5 مقاطع) تدور على لسان طفل وسيط عالجت موضوع المولد النبوي الشريف، وتدرجت في طرح جملة من الأفكار من تمجيد للإسلام، والإشادة بذكرى المولد، ووجوب طاعة الرسول (r)، وتمجيد العلم، وقضية الوطن...

والملاحظ أن ما تضمنته المقاطع مجرد عملية توجيهية إصلاحية، فرغم عملية السبق إلى ميدان الطفولة إلا أن الشاعر لم يفلح كثيراً في غرس ماكان يرجوه، لأنه خاطب الطفل من الخارج، ولم يتعمق في معرفة عالمه الرحب، ولم يعرف نفسيته ومداركه، مما جعل جهوده مجرد إنشاء وإلقاء يتردد كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فأغلب النماذج قد اعتمدت على المعاني المجردة التي لا تتناسب والطفل... السن... العقل، فعلى سبيل المثال لم يهتم باللعب كوسيلة تربوية تساعد الطفل على التحصيل، بل وضع الطفل في موقف صعب عندما خيره بين اللعب والتعلق بالرسول (r) كأننا بالشاعر قد اعتبر الطفل شيخاً وقوراً ذلك ما جسدته الأبيات التالية:

مالي واللّعب التي

 تختار لي وتنسق

إنَّ التعلق بالرسول

 ودينه بي أليق

وعموماً، فإن ما كتبه محمد العيد آل خليفة  من أناشيد موجهة للأطفال تركز على البعد الديني كما تولي موضوع الهوية اهتماماً كبيراً، لأن الكتابة الموجهة للطفل قد نشأت في أحضان مدارس الحركة الإصلاحية إذ جاءت حاملة لأفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورغم تنوع تلك الكتابة (شعر، قصة، مسرحية)، فقد حملت جملة من القيم الوطنية، كما يمكننا أن نستنتج من خلال المدونة محل الدراسة.

الهوامش:

(1) ـ أدب الأطفال في التجربة الشعرية الجزائرية المعاصرة*

 (2) ـ أسئلة الكتابة النقدية (قراءات في الأدب الجزائري الحديث)، إبراهيم رماني، المؤسسة الوطنية للكتاب، المجاهد الأسبوعي، الجزائر 1992، ص 34.

(3) ـ المرجع نفسه، ص 37.

(4) ـ الوجه الضائع، دراسات عن أدب الطفل العربي، د.عبد العزيز المقالح، دار المسيرة، بيروت، ط1، 1985، ص 09.

(5) ـ أدب الأطفال في ضوء الإسلام، د.نجيب الكيلاني، مؤسسة الإسراء للنشر والتوزيع، قسنطينة، الجزائر، ط2، 1981، ص : 66 ـ 67.

(6) ـ مجلة الثقافة، الجزائر، العدد 27 جوان ـ جويلية 1985، ص 93.

(7) ـ أسئلة الكتابة النقدية، مرجع سابق، ص 37.

(8) ـ مجلة العربي (الكويت)، عدد خاص ـ الطفل العربي والمستقبل، أفريل 1989، ص 175.

(9) ـ مجلة الثقافة، الجزائر، العدد 27 جوان، مرجع سابق، ص 95.

(10) ـ مجلة الحياة الثقافية، تونس، مارس ـ جوان 1983، ص : 88.

(11) ـ  أدب الأطفال في ضوء الإسلام، مرجع سابق، ص: 50.

(12) ـ مع سليمان العيسى، مجموعة من الكتاب، دار طلاس، دمشق، ط1، 1984، ص 184 ـ 185.

(13) ـ مجلة العربي، مرجع سابق، ص 128.

(14) ـ الوجه الضائع، مرجع سابق، ص 128.

(15) ـ سلسلة شموع، الفرحة الخضراء، الغماري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983، ص46.

(16) ـ سلسلة شموع، أناشيد النصر، السائحي الكبير، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983، ص34.

(17) ـ المرجع نفسه، ص 66.

(18) ـ سلسلة شموع، ويأتي الربيع، سليمان جوادي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983، ص04.

(19) ـ المصدر نفسه، ص 49 ـ 50.

(20) ـ المصدر نفسه، ص 37.

(21) ـ ويأتي الربيع، مصدر سابق، ص 38 ـ 39.

(22) ـ السائحي، مصدر سابق، ص 25.

(23) ـ مع سليمان العيسى، مرجع سابق، ص 188 ـ 189.

(24) ـ انظر: دراسة الطاهر يحياوي، الأطفال في شعر محمد العيد آل خليفة، مجلة آمال، الجزائر، عدد خاص (60)، ص : 36.

المراجع:

(1) ـ أسئلة الكتابة النقدية (قراءات في الأدب الجزائري الحديث)، إبراهيم رماني، المؤسسة الوطنية للكتاب، المجاهد الأسبوعي، الجزائر 1992.

(2) ـ الوجه الضائع، دراسات عن أدب الطفل العربي، د.عبد العزيز المقالح، دار المسيرة، بيروت، ط1، 1985.

(3) ـ أدب الأطفال في ضوء الإسلام، د.نجيب الكيلاني، مؤسسة الإسراء للنشر والتوزيع، قسنطينة، الجزائر، ط2، 1981.

(4) ـ مجلة الثقافة، الجزائر، العدد 27 جوان ـ جويلية 1985.

(5) ـ مجلة العربي (الكويت)، عدد خاص ـ الطفل العربي والمستقبل، أفريل 1989.

(6) ـ مجلة الحياة الثقافية، تونس، مارس ـ جوان 1983.

(7) ـ مع سليمان العيسى، مجموعة من الكتاب، دار طلاس، دمشق، ط1، 1984.

(8) ـ سلسلة شموع، الفرحة الخضراء، الغماري، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983.

(9) ـ سلسلة شموع، أناشيد النصر، السائحي الكبير، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1983.

(10) ـ سلسلة شموع، ويأتي الربيع، سليمان جوادي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1983.

(11) ـ الطاهر يحياوي، الأطفال في شعر محمد العيد آل خليفة، مجلة آمال، الجزائر، عدد خاص (60).

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

صحافة الأطفال (خصائصها ـ فنونها)

بقلم الكاتب: د.عيسى الشّماس

 

1ـ صحافة الأطفال (مقدّمة)‏

تعرّف صحافة الأطفال: بأنّها الصحافة المكتوبة (المحرّرة) خصيصاً للأطفال، وفق مراحلهم العمرية المختلفة. يكتب موضوعاتها الكبار ويحرّرونها، وقد يشترك الأطفال في كتابة بعض الزوايا والموضوعات الصغيرة.. ومع ذلك، تظلّ صحيفة الأطفال ـ بوجه عام ـ من إنتاج الكبار، أي أنّها موجّهة من الكبار إلى الصغار، بقصد تحقيق أهداف تربوية خاصة.‏

ويقال إنّ أول صحيفة عامة للأطفال، ظهرت في فرنسا ما بين عامي (1747 و1791) باسم "صديق الأطفال" وأنشأها أديب لم يفصح عن اسمه. وقد تميّزت كتاباته بالسهولة والرشاقة، نقل من خلالها إلى الأطفال الفرنسيين، قصص الأطفال في البلدان الأخرى. وبذلك استطاعت هذه الصحيفة أن تسدّ فراغاً كبيراً في ميول الأطفال، وأن تشبع رغبتهم في القراءة المسلية والممتعة، حيث يمارسونها بحريتهم، وبعيداً عن المواعظ المدرسية والنصائح الأخلاقية التعليمية، وكانت بالتالي بعثاً لحركة الكتابة للأطفال.‏

لكنّ أكثر الذين يتحدّثون عن نشأة صحافة الأطفال، يقولون: إنّ أول صحيفة للأطفال في العالم، ظهرت في فرنسا عام 1830. وبعد فترة تزيد عن نصف قرن، أصدر (بوليتزر) في الولايات المتحدة الأمريكية، ملحقاً لجريدته (العالم) خاصاً بالأطفال، وذلك في نيويورك، وفي شباط من عام 1896. وضمّ الملحق رسوماً لمغامرات طفل في شوارع نيويورك. واعتبر صدور هذا الملحق آنذاك، نوعاً جديداً من الصحافة.‏

وفي عام 1915، أصدرت السيدة (بري) أول مجلّة للأطفال في إنكلترا باسم "روضة المدرسة" وكانت أول مجلّة يقرؤها الأطفال ليجدوا فيها إمتاعاً غير موجود في التلقين المدرسي. ومع تغيّر النظرة إلى الطفل والطفولة، أصبحت صحافة الأطفال أداة من أدوات تثقيف الطفولة وتكوينها، علمياً ومعرفياً وسلوكياً، أي تنشئتها تربوياً.‏

أمّا في العالم العربي، فيقال: إنّ أول صحيفة صدرت للأطفال باللغة العربية، كانت في القاهرة عام 1870، وكانت من إنتاج الأطفال (التلاميذ) الأدبي، الشعري والقصصي. وفي عام 1893، أصدر الزعيم الوطني المصري صحيفة للأطفال باسم "المدرسة" تقدّم الموضوعات الأدبية والعلمية والوطنية. وبعد ثلاثة عقود من ذلك، وفي العام 1923 على وجه التحديد، أصدرت (دار اللطائف) في القاهرة، مجلّة "الأولاد" المصوّرة، حاولت أن تتميّز بها بالطابع العربي المصري، الشرقي.‏

ومع بداية القرن العشرين، انتشرت مجلاّت الأطفال على نطاق واسع في العالم، وفي بعض الدول العربية كمصر ولبنان، بينما لم تصدر مجلاّت للأطفال في كثير من الدول العربية الأخرى، إلاّ بعد الستينات من القرن العشرين، ومنها سورية التي صدرت فيها مجلّة "أسامة" عن وزارة الثقافة في عام 1969، وبعدها مجلّة "الطلائع" في عام 1983. إضافة إلى تخصيص صفحة للطفولة في كلّ من صحيفتي (الثورة وتشرين).‏

 

2ـ خصائص صحافة الأطفال:‏

تتميّز صحافة الأطفال بخصائص عدّة، تميزها من غيرها من أنواع الصحافة الأخرى، التي توجّه إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة، وذلك بالنظر إلى طبيعة الجمهور الذي توجّه إليه صحافة الأطفال، وطبيعة هذه الصحافة وأهدافها. وفيما يلي عرضاً موجزاً لأبرز هذه الخصائص.‏

 

2/1ـ تثقيف الأطفال وتعليمهم: تعدّ صحافة الأطفال من المؤثّرات الثقافية التي تؤدّي دوراً مهمّاً في تثقيف الأطفال، وتشكيل شخصياتهم، لأنها تسهم في توجيههم وإعلامهم وتعليمهم وإقناعهم، وتنمية أذواقهم، وتكوين مجموعة من القيم والعادات لديهم، وبالتالي إشباع حاجاتهم وتنمية ميولهم نحو القراءة، وإثراء لغتهم.‏

 

2/2ـ الاعتماد على الفنّ البصري: تعتمد صحافة الأطفال على الكلمة المطبوعة والصورة واللون، في تعبيرها عن الأفكار والحقائق، أي أنّها تجمع بين اللغة اللفظية المكتوبة وبينما يسمّى باللغة غير اللفظية (اللغة البصرية). وتكمن أهميّة ذلك في أن الطفل ذاته (بصري أولاً) أي أنّه يفكّر بواسطة الصورة البصرية قبل كل شيء.‏

 

2/3ـ الثراء والتنوّع: إنّ جاذبية صحافة الأطفال وتنوّع موضوعاتها، يجعلها تشبع رغبات فئات الأطفال كلّها، وميولهم وأذواقهم، لما تحتويه من معلومات وقصص (عادية ومسلسلة وترفيهية) وموضوعات علمية وثقافية، وأبواب للهوايات، وغيرها من مصادر التنوّع التي تثري ثقافة الطفل وتشبع حاجاته المعرفية المختلفة.‏

 

2/4ـ التشويق والجاذبية: وذلك نتيجة اختيار الموضوعات التي تجذب الأطفال، والحكايات التي تشدّ انتباههم، وتتواصل مع الطفل وتحقق رغباته، بما تحويه من صور ورسوم، وغلاف ملوّن. ويدخل في ذلك، تعدّد الألوان الصاخبة، ولا سيّما إبراز اللونين: (الأحمر والأصفر)، مع الألوان الأخرى، إلى جانب الكلمات القليلة، ممّا يجعلها زاهية ومشوّقة.‏

 

2/5ـ التواصل مع القارئ (الطفل): إنّ قارئ صحافة الأطفال، لا تجذبه المعرفة فحسب، بل هو كائن ينمو ويتطوّر ويسعى للتواصل مع صحيفته أو مجلّته لأنّها توفّر له ما يساعد هذا النمو (التطوّر).‏

ولذلك، تسعى صحافة الأطفال لإقامة علاقات التواصل مع الأطفال، ومدّ خطوط الاتصال الدائمة والمستمرّة مع قرائها، سواء عن طريق الهدايا أو المسابقات، أو فتح أبواب الكتابة لذوي المواهب منهم (الأطفال يكتبون).‏

 

2/6ـ الشخصيات المحبّبة للأطفال: تتميّز صحافة الأطفال بوجود شخصيات يرتبط بها الطفل، ويتعامل معها كأصدقاء له وكمثل أعلى (قدوة). ولذلك تأخذ مجلاّت الأطفال أسماء محبّبة للأطفال، مثل: (سندباد، ماجد، سامر، سمير، سوبرمان، ميكي.. وغيرها).‏

 

3ـ فنون صحافة الأطفال:‏

إنّ صحافة الأطفال ذات خصوصية ثقافية وتربوية، تنطلق من طبيعة الجمهور الذي تتوجّه إليه وتخاطبه، جمهور الأطفال الذين يختلفون في ميزاتهم وحاجاتهم، من مرحلة نمائية (عمرية) إلى مرحلة أخرى. ولذلك، ثمّة ظروف خاصة ومعطيات تفرض على صحافة الأطفال، أسلوباً في مخاطبة الأطفال.‏

ومن أبرز أنواع صحافة الأطفال (المجلات والجرائد). ولكن ثمّة صحف أخرى كثيرة، منها ما يختص بمرحلة من مراحل الطفولة، ومنها ذات طابع فني تعنى بشؤون الأفلام والمسرح والسينما وغيرها من الفنون التي تهمّ الأطفال.. ومجلاّت ذات طابع علمي.. كما توجد مجلاّت خاصة للمعوقين (العميان أو الصم أو البكم).‏

يعتقد الكثيرون أن صحافة الأطفال تعتمد بشكل أساسي على موضوعات التسلية والألغاز والأقوال الضاحكة والمسابقات، وهذا اعتقاد خاطئ لأنّه لا يستند إلى أسس صحيحة. فصحافة الأطفال تستوعب ألواناً وصفية/ علمية وأدبية، كما أنّ للطفولة ميزاتها وخصائصها التي لا يمكن للموضوعات المسلية والمضحكة فحسب أن تلبيها.‏

إنّ مسؤولية صحافة الأطفال، إضافة إلى كونها وسيلة اتصال جماهيري، هي توسيع دائرة معارف الطفل فيما يتعلّق بنواحي الحياة وألوانها المختلفة. فكلّ طفل يحمل في أعماله روحاً شاعرية مرهفة، يستطيع من خلالها أن يرسم صوراً لكلّ شيء حوله، سواء كان هذا الشيء كائناً جماداً/ ساكناً، أو كائناً حيّاً متحرّكاً. ومن واجب صحافة الأطفال مساعدة الطفل في الحصول على الانطباعات الجيّدة والمؤثّرة، في شخصيّته الحالية والمستقبلية، وذلك من خلال الموضوعات المختلفة، ولا سيّما تلك التي تأتي بقوالب قصصية أو إخبارية أو مقالية أو تحقيقات صحفية.‏

 

3/1ـ القصّة: إنّ الارتباط بين قراءة الأدب بشكل عام، وقراءة القصة بشكل خاص، وبين نواحي النمو والحياة، يجعل القراءة تحتلّ مركزاً هاماً في تفكير الكثيرين من المهتمين بتربية الطفل. فقد أظهرت نتائج بحثية في هذا المجال، أنّ الأطفال الذين يقرأون قراءة ذاتية ـ في مستواهم الخاص ـ بقطع النظر عن الصف الذي يدرسون فيه، يحقّقون قدراً من النمو أكبر ممّا هو عند أقرانهم، الذين لا يقرأون كثيراً، أو الذين يقرأون ضمن مجموعات لا تراعى فيها الفروق الفردية.‏

فعن طريق القراءة الذاتية/ الذكية، يستطيع الطفل أن يحقّق الاستقلال التدريجي عن الكبار، ويعزّز ثقته بنفسه وبقدرته القرائية، حيث يتّخذها وسيلة لتكوين ميول جديدة للحصول على معرفة جديدة. ومن هذا المنطلق، يدعو القائمين على صحافة الأطفال، تقديم مجلّة للطفل يجد فيها متعة القراءة، وفائدة ما يقرأ. أي أن يضع الكتّاب ما يريدون تقديمه في صحافة الأطفال في الوعاء المناسب. ولعل الوعاء المناسب، أو الأنسب، الذي يصل إلى الطفل بصورة محبّبة، ويثير اهتمامه هو القصّة.‏

ويمكن أن تقسم القصص التي تقدّم في صحافة الأطفال إلى: قصص المغامرات والقصص البوليسية، وقصص الخيال العلمي والرجل الخارق، والقصص التاريخية والحكايات التراثية/ الشعبية، وقصص الأحلام التي تدور حول التفوّق والمستقبل الأفضل. وقد تقدّم القصة كاملة في عدد واحد من المجلّة أو في أعداد متتالية، وعلى شكل مسلسل، يحتوي كلّ عدد على جزء أو فصل (مشهد) من القصّة.‏

 

ومن هنا تستطيع القصّة المبسّطة التي تنشر في صحافة الأطفال، أن تؤدّي دوراً هاماً في إيقاظ الوعي الثقافي والرغبة في زيادة الممارسات القرائية. ولذلك عمدت بعض الصحف (المجلاّت) الخاصة بالأطفال، إلى تقديم الموضوعات بأسلوب قصصي، عن الأبطال في سن الطفولة، والذين يقومون ببعض المغامرات البطولية والتفوّق، سواء على الصعيد الاجتماعي أو على الصعيد الدراسي أو على الصعيد الوطني.‏

 

3/2ـ التحقيق الصحفي: ثمّة تساؤلات كثيرة يطرحها الأطفال حول كثير من الأمور الحياتية، الخاصة والعامة، لأنّهم لا يستطيعون الوصول إليها وسبر أبعادها. ويأتي التحقيق الصحفي هنا، ليكون عاملاً هامّاً في الإجابة عن العديد من هذه التساؤلات. وهنا تكمن صعوبة التحقيق الصحفي المقدّم للأطفال، ووظيفته.‏

والصعوبة في التحقيق الصحفي للأطفال، تكمن في كيفيّة تقديم الجواب (الأجوبة) للأطفال بلغة مشوّقة وبأسلوب سهل، وبطريقة مقبولة ومقنعة، عن الأسرار والحقائق والمفهومات والقضايا الاجتماعية والأخلاقية.. وغيرها بحيث يستطيعون من خلالها استجلاء الكثير ممّا يدور في آذانهم، ويزدادون إحاطة بالبيئة والعالم. وهذا ما يتطلّب أن يكون التحقيق الصحفي الموجّه إلى الأطفال، لوحة فنيّة/ بانورامية، تفسّر الوقائع والأحداث، بأسبابها وأبعادها والمشاركين في صنعها.‏

ومن ميزات التحقيق الصحفي الجيّد، في صحافة الأطفال، قدرته على أن يقدّم التفسيرات المناسبة لقدرات الأطفال، النفسية والعقلية والعاطفية والاجتماعية، ولا سيّما أنّ هذا التحقيق، يتعامل عادة، مع المشكلات والوقائع الحيّة (الواقعية). وقد يستعين التحقيق ببعض الصور التوضيحية، لكي تكون المشاهد والحقائق المرافقة لها، والمحمولة بين طيّات التحقيق، أكثر جاذبية وواقعية وإقناعاً.‏

ولئن تعدّدت أنواع التحقيق الصحفي المقدّم في صحافة الأطفال، لتشمل التحقيقات التفسيرية والإرشادية والتعليمية والترفيهية، فإن القالب (الوعاء) الأكثر ملاءمة لوضعها على صفحات المجلّة أو الجريدة، هو القصّة، وتقديمه بالأسلوب القصصي.‏

 

3/3ـ الحديث الصحفي: إنّ الأحاديث الصحفية مع الشخصيّات المحبّبة للأطفال، حول القضايا والأمور التي تتعلق بهم أو التي تهمّ الأطفال، تستطيع أن تقدّم مادة ممتعة للأطفال، وتدفعهم إلى التمثّل بهذه الشخصيات، وتجعلها قدوة لها. ولذلك تحرص صحف الأطفال على إجراء الأحاديث الصحفية مع الشخصيات الناجحة اجتماعياً ودراسياً ومهنياً، لكي تكون عوامل تحفيز للأطفال، وتعزيزاً للمواقف والسلوكات الحياتية المرغوبة.‏

والحديث الصحفي، ليس مجرّد أسئلة وأجوبة فحسب، وإنّما هو عملية حوار درامي تفاعلي، تنكشف من خلاله الأفكار والانطباعات، ويكون بطلاه اثنان: المحرّر الذي يجري الحوار، والشخصيّة التي يجري الحوار معها. وكلّما كان التواصل بنّاء كان الحوار ناجحاً، واستطاع أن يقدّم للطفل القارئ صورة صادقة عن موضوع الحديث بشكله ومضمونه.‏

ولذلك، يمتاز الحديث الصحفي الجيّد والجاذب، بحيويته وواقعيته، ويتمثّل ذلك في عرض أفكار معيّنة وتوليد أفكار جديدة، وغربلة الحديث عن النصائح والإرشادات المباشرة والمنفّرة، والتي تتنافى مع طبيعة الطفولة المرهفة، وبالتالي تصوير الشخصيّة المُقابلَة تصويراً إيجابياً معبّراً، بحيث يشعر الطفل وهو يقرأ الحديث في المجلّة أو الجريدة، وكأنّه مع هذه الشخصيّة وجهاً لوجه. وهذا من صفات الحديث الصحفي القادر على التأثير في جماهير الأطفال، وتحقيق الأهداف المتوخاة منه.‏

 

3/4ـ المقالة الصحفيّة: إنّ المقال الصحفي المقدّم للأطفال، لا يرتبط بقالب تعبيري محدّد، ولا يلتزم شكلاً أدبياً معيّناً.. وأبرز ما يميّز هذا المقال، أنّه يخاطب الطفل مخاطبة الصديق للصديق، حيث ينقل له الفكرة أو الرأي أو المعلومة بسرعة رشيقة وهدوء لطيف، وكأنّ ثمّة علاقة حميمية تربط بين الكاتب والطفل، مهّدت للكاتب أن يتحدّث إلى الطفل حديثاً ودّياً مباشراً.‏

 

وللمقال الصحفي الموجّه للأطفال أنواع متعدّدة، منها مقالات الاعتراف التي تتضمّن خواطر أو طرائف أو حوادث تهمّ الأطفال، أو مقالات نقدية (كاريكاتيرية) تجسّد آراء أو مفهومات معيّنة، وتتمتّع بقوة الجاذبية وبالسرعة والسخرية. وهذا ما يجعلها مقبولة لدى الأطفال، كمادة إعلامية/ ترفيهية وتثقيفية. وهناك المقال العلمي الذي يستمد مادته من العلوم العامة المختلفة، ويجد الأطفال فيه الأفكار والحقائق والبراهين، التي تزيد من معارفهم وخبراتهم.‏

وثمّة مقالات أدبية تعالج الأنواع المختلفة من أدب الأطفال، وتسهم في تنمية خيال الطفل وقوّة الإبداع لديه. كما تعوّده طرائق التفكير العقلاني، وتغرس في نفسه مشاعر الخير والنبل، وتعزّز القيم الاجتماعية والأخلاقية الأصيلة، إضافة إلى إغناء ثروته اللغوية، وإثارة روح التذوّق الأدبي، ولا سيّما في توظيف القصة والشعر.‏

 

3/5ـ الصور والرسوم: ليست الصور والرسوم من العناصر الإخراجية فحسب، في صحافة الأطفال، وإنّما هي مادة صحفية أساسية حيّة وذات قيمة كبيرة /إعلامية وثقافية وجمالية/. وقد تتفوّق في تأثيراتها على المادة المكتوبة، في بعض الأحيان، ولذلك لم يقتصر استخدامها على الناحية الجمالية فحسب، بل يتعدّاها إلى النواحي التعبيرية والتوضيحية والتشويقية.‏

إنّ الرسوم الجميلة الملوّنة التي ترافق موضوعات صحافة الأطفال، وتزيّن صفحاتها، تربّي الذوق الفني عند الطفل وتلفت نظره إلى مواطن الجمال فيها.‏

كما تعين خياله على الانطلاق الرحب، وتشكّل لديه صوراً ذهنية عن المواقف والأفكار والقيم المعالجة في المواد الصحفية.‏

وتعتمد الرسوم والصور في صحافة الأطفال، على عناصر التشويق والإثارة البصرية من جهة، وعلى قدرة الطفل العقلية من جهة أخرى، إضافة إلى المستوى الثقافي للطفل، لأنّ فهم معاني الرسم ودلالاته (الفنيّة والفكرية) يرتبط إلى حدّ بعيد، بثقافة الطفل الذي يتعامل مع هذه اللغة الفنيّة، شأنه في ذلك شأن اللغة اللفظية، من حيث الفهم والاستيعاب والتوظيف الجيّد.‏

وتأسيساً على ما سبق عرضه، يمكن القول: إنّ أية قضية تهمّ الأطفال، أو موضوع يثير اهتماماتهم، يصلح لأن يكون مادة في صحافة الأطفال، وبالشكل الذي يناسب تقديمه. والمخرج الصحفي /الفنان/ هو الذي يحوّل المادة الأولية، إلى مادة مطبوعة نابضة بالحيوية والجاذبية، من خلال توزيعها في وحدات متناسقة على الصفحات البيضاء، ليجعل منها في نهاية المطاف، لوحة فنيّة متكاملة بعناصرها الإعلامية والثقافية والتربوية، تتناسب مع قدرات الطفل في استخدام بصره وبصيرته، فتيسّر له متعة القراءة وتنمّي قابليته على التذوّق الجمالي والأدبي.‏

 

المصادر والمراجع‏

ـ أبو معال، عبد الفتاح (1991) أثر وسائل الإعلام على الطفل، عمّان.‏

ـ جابر، سامية (1982) الاتصال الجماهيري في المجتمع الحديث، الإسكندرية.‏

ـ عبد الكافي، إسماعيل (1412هـ) صحافة الأطفال والتنشئة المتكاملة للطفل، جامعة الملك سعود، الرياض.‏

ـ المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1994) الثقافة ووسائل نشرها في الوطن العربي، تونس.‏

- Agee, W, and others (1983) Introduction to Mass Communications, New York.‏

- Dominick, Joseoh, (1983) The Dynamics of Mass Communication Reading. Addison- Wisley.‏

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

الأنشودة ودورها في تقويم سلوك الطفل

 في الخطاب الشعري.. والخطاب المسموع

بقلم الكاتب: عائشة رماش

 

يعتبر أدب الأطفال بما يحويه من قصص وأشعار وحكايات ميداناً هاماً لتنمية قدرة الطفل على الإبداع، وتنمية القدرات الابتكارية لديه، كما يعتبر وسيطاً مناسباً في الجانب التربوي للتعليم وتنمية القدرات الذهنية واستقرار الجوانب النفسية لدى الطفل، يمكن القول إنه يتيح للطفل الشعور بالرضا والثقة بالنفس وحب الحياة والطموح للمستقبل، ويؤهله لكي يكون إنساناً إيجابياً في المجتمع، ولا يمكن أن نحصل على هذه النتيجة الطيبة إلا بالمضامين الجيدة الهادفة. لكن السؤال المطروح، هو: كيف يتلقى الطفل هذه المضامين الجيدة، التي تساهم في إحداث هذا الأثر، وما هي الوسيلة الناجعة لذلك؟ و"هذا أمر جوهري إذا لم يلق الكاتب إليه بالاً، فقد نفاجأ بأن ما كتبه لا يمكن أن يصل إلى الأطفال بالوسيط المتاح، لأن كل وسيط لا يكون موصولاً جيداً إلا للون فني معين... والذي يكتب قصته ولا يجد غير المسرح كوسيط يعرف أن المسرح لن يصلح لإيصالها إلى الأطفال؛ إلا إذا أعدت إعداداً درامياً أو مسرحياً من نوع خاص"(1).

 

لهذا يجب على كاتب الأطفال أن يكون على دراية واسعة بخصائص الوسيط الذي يمكن أن ينقل كتاباته للأطفال، والتعمق في أسراره وإمكانياته حتى لا يؤدي الجهل ببعض الظروف الفنية للوسيط على تشويه العمل الفني وبالتالي وصوله للأطفال مشوهاً.

أشكال التلقي وأنواع الوسطاء: الأطفال يتلقون أدبهم عبر أشكال، ووسطاء متعددة، لكل منها خصائصه التي تميزه عن غيره "والوسيط الجيد يصبغ العمل الأدبي بصبغة خاصة تتفق مع طبيعته التي تميزه عن غيره من الوسطاء، وهو في هذا يضفي على العمل الأدبي ألواناً من التشويق تجعله أكثر اقتراباً من نفوس الأطفال وتجعلهم أكثر حرصاً عليه، وسعياً وراءه، كما تجعل تأثيره في نفوسهم أعمق وأبقى"(2).

ونستطيع أن نميز بين ثلاث مجموعات من الوسطاء:

أ ـ وسائط مقروءة: مثل : الكتاب، المجلة، الصحيفة، المطبوعات الدورية، الحوليات السنوية... من خصائصها:

ـ يحتاج إلى قدرة معينة على القراءة.

ـ رخيص الثمن.

ـ يذهب مع صاحبه أنى شاء، ويعود إليه متى شاء.

ـ يقدم ويجسد للطفل العالم بأسره، بجميع مظاهره وظواهره.

ـ سهل الحمل والتداول.

ب ـ الوسائط السمعية: كالإذاعة والأسطوانة، والأقراص المضغوطة... وهذه الوسائط تعمل من خلال حاسة السمع فقط وتمتاز بما يلي:

ـ أنها تركز على الصوت فقط.

ـ اعتمادها على المؤثرات الصوتية والموسيقية والغنائية.

ـ استغلال طاقات الخيال غير المحدودة لدى الطفل والعمل على تنشيطها.

ـ الإكساب اللغوي.

ـ الكتابة للأطفال بما يمكن أن يفهموه إذا سمعوه.

ج ـ الوسائط المرئية: كالتلفزة، والسينما والمسرح والفيديو وغيرها من الوسائط التي تعمل من خلال حاستي السمع والبصر، وتمتاز بما يلي:

ـ تحويل الخيالات إلى حقائق مرئية.

ـ رؤية العالم بكل متناقضاته ومظاهره بالعين المجردة.

ـ المؤثرات الصوتية والغنائية والموسيقية.

ـ الحرص على إيضاح المناظر والحركات المصاحبة للكلام.

ـ استخدام الصوت مع مؤثرات الصورة والحركة.

هذه هي أهم المميزات التي اتصف بها كل نوع من هذه الأنواع، وسنركز هنا على الوسيط السمعي مركزين فيه على وسيط واحد هو الشريط الإنشادي، المقدم إلى الطفل في قالب معروف هو الشعر (الأنشودة).

 

فللشريط السمعي دور كبير في مجال الوساطة بين الأطفال وأدبهم، فعن طريقه يمكن تقديم أغاني وقصص وتمثيليات بطريقة إخراج إذاعية، تستغل المؤثرات الصوتية والموسيقية والغنائية المختلفة.

 

ومن مميزات الشريط أنه يعبر بالصوت فلا يحتاج من الطفل إلى أي قدر من العلم بالقراءة أو الكتابة، وعلى هذا فهو يمكن أن يخدم شريحة كبيرة من الأطفال فيما قبل سن التمدرس، وبصفة خاصة فيما بين 3 ـ 7 سنوات، التي يتميز فيها الطفل بقوة خياله، كما أن من مميزاته إمكان سماعه وإعادته عدة مرات وقت ما يشاء الطفل، وفي الإعادة تكرار والتكرار من عوامل التذكر وتثبيت المعرفة فإذا أعد النص جيداً شائقاً، واحتوى على قدر مناسب من المعلومات التي تتفق مع مستوى الطفل في هذا السن، سواء من الناحية اللغوية أو المعلومات العامة وما إلى ذلك، فإن استماع الطفل للشريط سيكسبه قدراً من المعرفة وتكرار الاستماع سيساعد على تثبيتها.

 

والأشرطة تتوجه إلى الأطفال بنوع جديد يخاطب الأسماع تحت مؤثرات صوتية وموسيقية وغنائية محببة، تستثير الخيال وتجذب الطفل لها وتؤثر فيه نفسياً ووجدانياً ومعرفياً... خاصة إذا كان الطفل يتمتع بأذن موسيقية مرهفة؛ لهذا سنتناول في بحثنا هذا جملة من العناوين تتمحور كلها حول شريط الإنشاد وأثره في سلوكات الطفل وقدراته المعرفية، مركزين على نموذج تطبيقي هو أناشيد فرقة "سنا".

 

إن خلو السوق العربية من الأعمال الفنية الهادفة والجادة المخصصة للأطفال، جعلت أطفالنا عرضة للفن الهابط الذي يبث يومياً عبر الإذاعة والتلفزة والأشرطة المسموعة يحفظون أغانيها، ويرددونها بصحبة رقصات مائعة تخدش الحياء، على مرأى من أوليائهم الذين يصفقون لهم طرباً وينظرون بفخر وبإعجاب لطفلتهم وهي تمارس طقوساً رقصية تفوق سنها وتغني "أخصمك آه، وأحبك لا" أو "حبيبي مين..." إلى غير ذلك من أغاني الكبار التي مسحت البراءة من وجوه أطفالنا واقتلعت من عقولهم الإبداع وفن التفكير السليم والذوق الرفيع.

 

كنا نراقب هذا الوضع ونتألم لضياع هذه الطفولة وسط هذا الزخم الهائل من الأغنيات الهابطة التي يكون فيها الطفل منقاداً عن غير وعي لسماعها وحفظها ثم تقليدها وتمثل الأجواء التي قدمت فيها، يجذبه إليها أزيزها وصخب موسيقاها، وما لهذه الموسيقى من وقع على السمع، خاصة عند غياب الموجه الواعي من الأولياء. كنا نتطلع إلى بديل ينقذ هذه الطفولة ويبعدها عن سفه الأغنيات، بديلاً يوقظ حس الطفل الفطري، ويهذب النفوس، ويقوّم السلوك، ويصقل الأذواق، ويقود إلى تحسس الجمال، ويتسلل إلى شغاف القلب، ويسهم في رد الاعتبار إلى الموسيقى بعد أن تحولت إلى فوضى صاخبة يمجها السمع وتنفر منها النفس الذواقة، وتهبط بالذوق السليم وتمسح البراءة من أعين صغارنا، بديلاً يربط الطفل بثقافته وأصالته ولغته وقيمه عبر صوت حسن، وموسيقى راقية ترهف السمع وأناشيد هادفة تصقل الذوق.

 

وفي ظل هذا الترقب، أطل علينا قمر أضاء دنيا الأطفال، وهداهم إلى الطريق السوي في دنيا الغناء والطرب، بأناشيد عذبة ندية وموسيقى تشبع حاجاتهم النفسية والوجدانية في قالب تربوي وترفيهي رائع، أروت به ظمأ النفوس الغضة العطشى، هذا البديل متمثل في إصدارات سنا الصوتية لأناشيد الأطفال؛ الذي يتسم بالذوق الرفيع والجمال الفني البديع في الكلمات والألحان والإخراج، سدت فراغاً كبيراً في حياة أطفالنا الصغار في خضم هذا السيل الجارف من الأغاني المائعة التي تحاصرهم من كل حدب وصوب، بديل يخاطب وجدان الطفل المسلم، الذي يتعرض يومياً لحملات التشويه والمسخ والغسيل الفكري المنظم، للذوبان والانحلال في الآخر عبر مختلف الجبهات وبشتى الطرق. لقد قدمت هذه المؤسسة ما يمكن أن يكون بديلاً ترفيهياً وتربوياً منافساً وهادفاً وراقياً في الوقت نفسه، فهو يجمع المتعة والفائدة. وقد نجحت في ذلك إلى أبعد الحدود.

 

هذا البديل هو فرقة "سنا لأناشيد الأطفال"، هذه الفرقة التي اتخذت من الأنشودة ومن الأشرطة الصوتية وسيلة تربوية وترفيهية أثبت علماء النفس نجاعتها في تربية الطفل وتقويم سلوكه أخلاقياً ومعرفياً.

فالأنشودة محركة للقلوب، وهذا سر الله في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى إنها لتؤثر في الطفل تأثيراً عجيباً، فمن الأصوات ما يفرح، ومنها ما يحزن، ومنها ما ينوّم، ومنها ما يضحك ويطرب، ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس، ولا ينبغي أن نظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل هذا جار في الأوتار حتى قيل أنه: "من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج"(1).

وتأثير هذا مشاهد في الصبي في مهده، فإنه يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه، والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثراً يستخف معه الأحمال الثقيلة.

إن سماع الصوت الحسن امتنان من الله تعالى على عباده، وفي الحديث: [ما بعث الله نبياً إلا حسن الصوت]. والصوت نوعان اعتبار الوزن لأنه وراء الحسن والتطريب:

ـ صوت موزون مستطاب.

ـ وصوت غير موزون.

فكم من صوت حسن خارج عن الوزن، وكم من صوت موزون يعتبر نشازاً. والأصوات الموزونة باعتبار مخارجها ثلاثة:

ـ صوت جماد كصوت الأوتار والمزامير والطبل والدف.... إلخ.

ـ صوت يخرج من حنجرة حيوان وخاصة الطيور: كالعندليب، والبلبل، والكناري... إلخ فهي من طيبها متناسبة المطالع والمقاطع يستلذ سماعها.

ـ صوت إنسان.

والحق إن القلوب تخشع بالصوت الحسن وتشغف به وما أبيات بشار بن برد إلا دليل على ذلك حيث يقول:

يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة

 والأذن تعشق قبل العين أحيانا

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم

 الأذن كالعين تؤتي القلب ما كانا

هل من دواء لمشغوف بجارية

 يلقى بلقيانها روحا وريحانا(2)

ويعتبر المحتوى واللحن الحسن والصوت الجميل أساس نجاح الأنشودة السمعية، ففي الأنشودة سحر يسحر النفوس الغضة، أي سحر هو، وكيف يؤثر على النفوس من خلال حاسة عظيمة أودعها الله في خلقه هي حاسة السمع؟ لا يدري أحد على وجه التحديد، أهو انبعاث الخيال يتابع الصور المختلفة في الأنشودة والانفعالية ويتعقبها من صورة إلى صورة، ومن موقف إلى موقف؟ أهو المشاركة النفسية والوجدانية والانفعالية بمقاطع ونغمات وألحان وصوت المنشد وما يثيره في النفس من مشاعر تتفجر وتفيض عذوبة؟ أهو انفعال النفس بالمضامين المبثوثة، والأوصاف، وطريقة التعبير عنها حين يتخيل الإنسان نفسه داخل الحوادث ومع ذلك فهو ناج منها متفرج من بعيد، خاصة في الأنشودة القصصية؟

أياً كان الأمر فسحر الأغاني والأناشيد قديم قدم البشرية وسيظل معها حياتها كلها على الأرض لا يزول، ولهذا يجب أن نختار لأطفالنا منها ما يهذب الطبع ويصقل النفوس ويقوّم الذوق. ولما كان النشيد والغناء من السماع الذي هو التطريب بالصوت ورفعه وموالاته؛ لزم أن يشتمل على عناصر ثلاثة هي:

1. الأداء: الذي يتمثل في الصوت الحسن والتطريب.

وهو ثلاثة أنواع:

ـ أداء فردي: يؤديه فرد واحد.

ـ أداء جماعي: يؤديه مجموعة من الأطفال.

ـ أداء فردي جماعي: يكون فيه الفرد مقام المنشد الأساسي والجماعة مقام الفرقة.

2. الكلمات: ونقصد بها القالب الفني الذي يحوي الأنشودة.

3. الألحان: ونعني بها الوزن زائد الموسيقى.

إن اللحن الحسن والصوت الجميل هما أساس نجاح الأنشودة ووصولها إلى قلوب الأطفال وتأثيرها فيهم؛ ذلك أن السماع يثمر "حالة في القلب تسمى الوجد، ويثمر الوجد تحريك الأطراف، إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب، وإما موزونة فتسمى التصفيق والرقص"(3).

ومن هذا المنطلق نفهم أثر الأنشودة على الطفل ولماذا اختارها المربون كوسيلة ناجعة لتربية وتقويم السلوك وتزويده بمعارف شتى، هذا الأثر الذي يكمن سره في الصوت الموزون المصحوب بمؤثرات موسيقية وأنغام عذبة، وللسبب نفسه اختارتها مؤسسة "سنا" كبديل تربوي وترفيهي للأطفال يستثمر في ترسيخ معاني الإيمان والقيم الفاضلة في نفوس الأطفال والفتيان، هذا لأن حسن تنشئة الأجيال الجديدة شرط أساس للخروج من حالة التقزم والتخلف المزمن في أكثر بلاد العرب والإسلام، ولكن من هي هذه المؤسسة وكيف استطاعت أن تستقطب إليها أطفال العرب وتحرز هذا النجاح الباهر الذي بلغ آفاق الوطن العربي وتعداه.

مؤسسة سنا للإنتاج والنشر والتوزيع: تأسست عام 1416هـ، 1995م في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، هدفها هو المساهمة في تقديم ألوان من الثقافة الأصيلة والترفيه المباح، وقدمت أعمالاً للكبار والصغار بعضها ذو طابع علمي وبعضها ذو طابع فني. وقد استخدمت لذلك: الكاسيت، الفيديو وال CD. وقد ناهز عدد إصداراتها بأشكالها المختلفة الخمسين، كما نالت العديد من الجوائز الدولية على إنتاجها المتميز، وما تزال تطمح إلى المزيد(4).

 

فرقة سنا لأناشيد الأطفال: السنا هو ضوء القمر، هذا هو الاسم الذي ارتضته هذه المؤسسة اسماً لفرقتها، وهي فرقة استطاعت بإخلاصها واجتهادها ـ في البحث دائماً عن الأفضل تقديمه للأطفال ـ، أن تنال إعجاب جميع أطفال العالم العربي، فذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم وتغنى بأناشيدها العديد من الأطفال والفتيان عبر وسائط عدة سمعية وبصرية، ولجودتها بثتها الكثير من القنوات الفضائية مثل: اقرأ، المجد، Space toon. هذه المؤسسة التي أنتجت ثمانية أشرطة غنائية للأطفال منذ بدء تأسيسها والتي حولتها فيما بعد إلى أشرطة فيديو تم تصويرها في عدد من البلدان العربية، لاقت نجاحاً منقطع النظير بين أطفال العرب؛ مما شجع الشركة على إنتاج المزيد من الأعمال الفنية، لما لمسته من تأثير أناشيدها في حياة الأطفال، تسعدهم وتدخل البهجة في قلوبهم وتعرفهم على محيطهم وتوطد علاقاتهم بأسرهم وأوطانهم وتغرس في نفوسهم قيماً أخلاقية ودينية واجتماعية ووطنية لن يحيدوا عنها أبداً، كما تزودهم بمعارف علمية وأدبية ولغوية تساعدهم في مجالس الدراسي والحياتي.

فقد أدرك طاقم هذه الفرقة الخطر المحدق بهذه البراءة فسعى إلى البحث عن البديل الذي يشغل أطفالنا عن الرداءة، كما أدرك أهمية الأنشودة في حياة الطفل، فحرص على اختيار النص المناسب واللحن الجيد والصوت الحسن، وباجتماع وتأثير هذا الثالوث كوّن فرقة من البراعم حرص على تدريبهم على الأداء الجيد بالصوت والحركة.

وشاعر هذه الفرقة هو سليم عبد القادر شاعر الطفل والبحر من مواليد 1953 في مدينة حلب بسوريا، بها تلقى تعليمه الجامعي بقسم الهندسة المدنية، وهو الآن مقيم بالسعودية، بدأ نظم الشعر للأطفال بعدما رزق أطفالاً قربوه من عالمهم فعرف كنهه، وسعد بهذا العالم البريء الجميل، فقرر أن يعطيه شيئاً تسعد به روحه، ويفرح لـه قلبه، فكانت هذه الأناشيد العذبة التي حققت الإمتاع والفائدة في آن واحد.

وسئل الشاعر عن سر نجاح أعماله فقال: "الحرص على الجودة والإتقان، وبذل الجهد الحقيقي في النظم واللحن والأداء والإخراج، ويرى الشاعر أن الأنشودة الجميلة يسمعها ويطرب لها أطفال دون سن المدرسة وأطفال المدرسة، وربما الكبار أيضاً، ويصرح في الأخير أنه يكتب لطلاب المرحلة الابتدائية، ولكن الذين يسمعون إلى إنتاجنا لا يقتصرون على هذه الشريحة"(5).

ولقد تحصل الشاعر والمؤسسة على عدة جوائز، منها الجائزة البرونزية على شريط طائر النورس في مهرجان الخليج السابع في البحرين، والجائزة الذهبية على شريط عودة ليلى

في مهرجان القاهرة.

أما أعضاء الفرقة فهم براعم صغيرة تتراوح أعمالهم بين 6 ـ 12 سنة يتميزون بأصوات جميلة وقدرات صوتية وطاقات تعبيرية جبارة، وأداء رائع صقل بالمران والدربة المستمرة. وهكذا استطاعت مؤسسة سنا وهي تدرب هذه الفرقة على أداء الأناشيد أن تفرق عن وعي بين إمكانيات الفهم وإمكانيات الأداء، لأن الخلط بينهما كثيراً ما يؤثر على نجاح العمل الفني، أي يجب التفريق بين ما يسهل فهمه ويسهل أداؤه، وبين ما يسهل فهمه ولكن يصعب أداؤه، وهذا يقتضي من الكاتب أن يكون على علم بنوع الفرقة وأعمارها ومستوى كفايتهم ومقدرتهم الفنية، فهناك نص جيد يسهل على الأطفال فهمه ولكن يصعب عليهم أداؤه إذا طلب منهم ذلك، لأنه يحتاج إلى إمكانيات مغنين كبار ومحترفين.

والفرقة متكونة من ذكور وإناث، أداؤها فردي جماعي، تتقدمهم رئيسة الفرقة المنشدة الأولى "إلهام أحمد" التي قدمت تقريباً جميع أناشيد فرقة سنا(6) بصوتها الرائع وأدائها المتميز الذي اجتذب إليه العديد من الأطفال.

 

أما إصدارتها الصوتية فكثيرة، نركز في دراستنا هاته على إصدار واحد منها، لاقى رواجاً كبيراً واستحساناً من قبل الأطفال والكبار هو "دوحة النشيد" الذي يضم 12 شريطاً كل شريط يحمل 8 أناشيد هي على التوالي: (الطفل والبحر، نشيد المستقبل، نبع الحب، طائر النورس، أغلى هدية، سر الحياة، عودة ليلى، عصفورة الغابة، أيام حلوة، أعظم إنسان، أرضنا الطيبة، رحلة صياد).

وسنقف في هذه الدراسة عند الدور الذي يلعبه هذا الإصدار الصوتي في تقويم سلوكات الطفل وتنمية قدراته المعرفية والعلمية، إضافة إلى التسلية والترفيه.

 

دور أناشيد سنا في غرس القيم وتقويم السلوك وتنمية القدرات:

تعتبر أناشيد سنا وخاصة منها سلسلة "دوحة النشيد" خليط قيمي ومعرفي وسلوكي ينتقل عبرها الأطفال من قيمة إلى قيمة ومن معرفة إلى معرفة ومن سلوك إلى سلوك، فهي بالفعل دوحة تتسم بالتنوع، تعطي الأطفال معلومات قيمة عن الطبيعة والظواهر الطبيعية، وكل الأشياء المحيطة بهم وتربط كل ذلك بقدرة الله عز وجل وعظمته التي صنعت هذا الكون، وهذه المخلوقات، وصورتها أحسن تصوير، وهي تدعو الطفل إلى التأمل والتعرف على ذلك الإبداع الرباني الذي ينفرد خالق الكون به، يقدم كل ذلك بلغة سليمة تنطق من مخارجها بشكل صحيح، فترتقي بلغة الطفل وتنمي مفرداته، فهذه الدوحة فعلاً مثلما عبرت عنها الفرقة نفسها عندما قالت:

في بهجة كبرى

 في فرحة خضراء

نشدو مع الدنيا

 أحلى الأناشيد

ونطير من غصن

 عال إلى غصن

كالطير منطلقا

 عذب الأغاريد

نجني المنى جنيا

 ونقول للدنيا

هذا قطاف سنا

 حلو العناقيد

وهي فعلاً ثمرة رائعة أحلى من العسل، ثمرة جناها أطفالنا واستلذوا بمذاقها فطلبوا المزيد، وراحت سنا تلبي هذه الرغبة، ولكنهم ظلوا يطلبون المزيد ويترقبون الجديد حتى اكتملت سلسلة "دوحة النشيد" وتحقيقاً لرغبة الأطفال الذين ظلوا يقبلون على هذه الأشرطة بشغف ونهم كبيرين، ويرددون أغنياتها بإتقان في استمتاع، بدا العمل في إنجاز إصدار ثان هو "أناشيد ملونة"(7) التي ما زالت إصداراتها تتوالى حتى الآن.

فلقد تنوعت المضامين وتلونت بحسب الأهداف في هذه الأناشيد وكان لها دور مميز في غرس الفضائل والأخلاق الحميدة في نفوس الأطفال وتوجيههم إلى آداب السلوك وإذكاء روح المحبة والتضحية والخير في نفوسهم، كما استهدفت القيم الروحية والإنسانية والاجتماعية والمعرفية والوطنية وغيرها من القيم التي تعتبر أساس الأدب الموجه إلى الطفل. وسنتتبع هذه المضامين وهذه الأهداف التي سعت من خلالها الأناشيد إلى إثراء مدارك الأطفال وتوسيع آفاقهم المعرفية والفكرية عبر إصدارات "دوحة النشيد" ومن خلال أشرطتها المتنوعة.

 

الهدف الأول: مغزى روحي:

يمثله شريط "سر الحياة" الذي يتخذ من تقنية السؤال والجواب أسلوباً شيقاً وسهلاً لتقديم المعلومة وفي الوقت نفسه تجيب عن أسئلة أطفالنا الفطرية، حول سر الحياة، من خلقنا؟ من خلق الحياة، والأرض والسماء والشمس والقمر؟ وكيف؟ ولماذا؟ فتقدم بذلك معارف شتى لأطفالنا وتعمق معاني الأيمان في قلوبهم، وتؤكد مبدأ الوحدانية لديهم وتقرب فكرة الألوهية إلى أذهانهم وعقولهم الصغيرة بصورة سهلة مبسطة، وهي محاولة للإجابة عن أسئلتهم الملحة عن وجود الله وصفاته وقدراته، وتحاول هذه الأناشيد أن تقرب هذه المعاني إلى إفهام أطفالنا بأسلوب بسيط معتمدة على المعاني القرآنية، وتضع أياديهم على مواطن الخير والجمال في أسرار الخلق وفي أركان الإيمان والإسلام، كقولهم:

لقد عرفت الله من غير أن أراه

 ولم أزال أحبه وأبتغي رضاه

رأيت صنع الله في كل ما ألقاه

 فقلت في يقين لقد عرفت الله

وسأل صبي أباه من خلق الشمس والقمر فقال:

الله قال كن فكانت الحياة الأرض

 والسماء والهواء والنبات

بكلمة سبحانه قد أبدع الوجود

 سر الحياة عنده فإنه المعبود

الله قال كن فكنت يا إنسان من

 طينة ونفخة من روحه الرحمن

الهدف الثاني:

بعد ربط الطفل بخالقه يحاول شريط "أغلى هدية" أن يربط الطفل بأغلى هدية تلقاها الإنسان من ربه وهو القرآن الكريم، فتربط أناشيد هذا الشاعر مشاعر الناشئة بكتاب الله ربط محبة وإعجاب وإيمان وتدعو الطفل إلى قراءته وتدبر آياته والعمل بها في حياته اليومية باعتباره كتاباً أحكمت آياته فهو أغلى هدية يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان.

اقرأ كتاب الله ورتل الآيات

 ما دام في هداه سعادة الحياة

رتله في الصباح رتله في المساء

 كالبلبل الصداح في غابة خضراء

 

الهدف الثالث: إبراز القدوة الحسنة وتمثل صفاتها وسلوكاتها:

وذلك من خلال شريط "أعظم إنسان" المتمثل في شخص الرسول عليه الصلاة والسلام فأناشيد هذا الشريط تحمل في طياتها الشكر والامتنان والاعتراف بالفضل لخاتم المرسلين علينا، وإبراز بعض صفاته وأخلاقه التي ميزته عن سائر البشر وهي دعوة صريحة للأطفال لتمثل هذه المناقب والأخلاق.

سأل طفل أباه من هو أعظم إنسان جاء إلى هذه الحياة؟ فقال: اسمع حديث النجمة:

النجمة سألت باسمة في الليل

 القمر

 ما دمت من الأرض قريباً تسمعها وترى

من جاء إلى الدنيا يوماً فهدى

 البشر

 من أعظم إنسان كان وأسمى أثر

وأجاب بصوت مبتهج وأعاد وأنشد

 إني يا أختاه لأشهد والعالم يشهد

أعظم إنسان في الدنيا قد كان محمد

 قالت أنا أعلم يا قمري لكن أتأكد

الهدف الرابع: ربط الطفل بالطبيعة ودعوته للتأمل فيها:

هذا الهدف مثله ثلاثة أشرطة هي "الطفل والبحر"، "طائر النورس"، "عصفورة الغابة" فشريط "الطفل والبحر" تناول عبر أناشيده المختلفة مظاهر الكون الكبرى: كالبحر، النهر، الشمس، القمر، المطر، مخلوقات الله الجميلة النافعة: كالنحلة، العصفور، الشجرة، فالطفل في هذا الشريط يناجي البحر وأمواجه المتلاطمة ثم تأتي موجة باردة فتصيبه برذاذها، والشجرة ذات الظل المديد، والعصفور الذي يطير إلى أعالي السماء ويعود ليبني عشه ويسكن فيه ويرتاح من عناء التحليق.

كل هذه المعاني الرائعة والصور الخلابة التي تداعب عواطف الطفل وتهذب روحه وتنمي في قلبه حب الطبيعة، وحب خالقها العظيم سبحانه من خلال وقفات مع كتاب الله المفتوح والمبثوث في الكون... كل هذا نسمعه في إخراج جميل وأسلوب بديع، وحداء رائق صاف، يساهم في إنشاء صداقة بيئية، وتعميق أثر الإيمان الفطري في نفوس الناشئة(8).

فهذه الأناشيد هي ثقافة عالية للطفل في حديث شيق مع الطبيعة، يوجه عيون صغارنا وقلوبهم إلى مخلوقات الكون وحب الطبيعة التي خلقها الله وسخرها للإنسان، حيث يرسخ حالة الصداقة والبيئية بكلمات سهلة رقراقة، كما يربط الموضوعات بخالقها بأسلوب محبب. أما "طائر النورس" فهو أيضاً دعوة لأطفالنا إلى حب الطبيعة وتأملها "تأخذ بأيدي صغارنا في رحلة جميلة عبر غابة الحياة وتجعلهم يتلمسون أسرار المخلوقات ومواطن الجمال في الوجود"(9). فيها لوحات طبيعية خلابة رسمتها أنامل فنان ورافقتها أغنيات بأصوات شجية، فطائر النورس يحلق بجوار الأطفال وبلبل يشدو لهم، وفراشة ترفرف حولهم وغزالة وصقر يشاركانهم الغناء واللهو، فهو شريط يحمل قيماً ترويحية ومعرفية في الآن نفسه. وكذا الأمر بالنسبة للشريط الثالث: "عصفورة الغابة"؛ الذي قدّم في قالب قصصي شيّق، تولّت تقديمه عصفورة عبر حكايات متنوعة عن أصدقائها في الغابة، منها: قصة الوردة والنحلة، فراشة الحقول، أرنب وثعلب، نسر، الفصول الأربعة، باب الكهف، والهدهد.

 

هذه الأناشيد عبر الأشرطة الثلاثة خاطبت منطق الطفل حول البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيشها ضمن حوار طفولي بريء وحاولت أن تمزج بين الكلمة السهلة واللحن المتميز المرح والأداء الفني المؤثر لتقدم صوراً قريبة عن هذه الطبيعة الرحيبة وتلفت أذهان الصغار لتلمس الجمال وتذوقه، والإحساس والشعور بالصداقة مع العالم من حولهم وغرس كثير من القيم الإنسانية، وتنمية الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل بأسلوب فني بعيد عن المباشرة والأمر، فضلاً عن إكساب ثقافة لغوية سليمة نافعة. ويصف الأطفال الطبيعة بقولهم:

قد أشرق النهار وغنت الأطيار

 وهبت الأزهار في الغابة الصغيرة

جمالها خلاب وماؤها منساب

 رياحها أطيب أسرارها كثيرة

الهدف الخامس: التركيز على البعد الإنساني وربط الطفل بالأسرة وتعزيز العلامات الإنسانية لديه:

ويتجلى ذلك في شريط "نبع الحب" هذا الشريط الذي يحمل عنواناً أمومياً يدغدغ الجانب العاطفي في الطفل ويدعم أواصر المحبة بين أفراد الأسرة لتتعدى إلى العلاقات الإنسانية المختلفة، فهي أناشيد طفولية ترسم شكل علاقاتهم بالوسط الاجتماعي المحيط بهم، يغنون للأم والأب والإخوة والجدة والجيران والأصدقاء والمدرسة ويختمون بحب الوطن، ونخلص من هذا الشريط بمعادلة قائمة على ثلاثة أعمدة رئيسية هي: الأسرة، المدرسة، الوطن، فالتربية الحقة تنبع من الأسرة التي تغرس السلوك الحميد في الطفل، والمدرسة تعزز وتثبت هذا السلوك لتكون جيلاً قادراً على حمل المشعل لمواصلة الدرب خدمة للوطن.

فالشريط محاولة جادة لتنمية العلاقات الإنسانية، يهدف في مضمونه لما يجب أن يقوم به الطفل تجاه أسرته وجيرانه وأصدقائه ومدرسته ووطنه وغرس المحبة في قلب الطفل لكل من حوله بعرض كل ما يقدمه هؤلاء من أجله، وهذه ناحية تربوية هامة ليست مقتصرة على المعلم وحده. وقد نجح الشريط في إيجاد صناعة ترفيهية واقعية تساعد في تنشئة الطفل العربي وتغذيته ثقافياً في ظل قيم العائلة والأخلاق الفاضلة، بعيداً عن تأثيرات العنف و الجنس الذي يخدش الحياء، وهو يدعو لتنمية الحس الفطري مع مظاهر الحياة المختلفة وإقامة علاقات إنسانية تنسجم مع الميولات النفسية والعاطفية لأحباب الله(10).

 

الهدف السادس: غرس الأمل والفرح في نفس الطفل:

وهي من القيم الترويحية التي يمثلها "شريط أيام حلوة" فهذه الأناشيد تعمق في ذاكرة الطفل ذكرى أيام مميزة لا تنسى في حياته البريئة الحلوة التي عبر عنها المرح والسعادة واللعب: كيوم العيد، ويوم النجاح وأيام الطفولة... إلخ.

فاللعب والترفيه من القيم التي اهتمت بها أناشيد "سنا" نظراً لحاجة الطفل لها ومساهمتها الفعالة في تكوين شخصيته، فاللعب والترويح صنفان ضروريان للحياة يكملان مظاهرها ومقوماتها، فباللعب الجماعي يتنازل الطفل عن أنانيته ويتربى في ظل التعاون الجماعي الذي يعده مستقبلاً للحياة والعلاقات الاجتماعية في المجتمع، مثل قولهم:

قد جاء العيد سعيداً يمشي ما أحلى العيدا

 يغمر أرجاء الدنيا فرحاً حلواً ونشيدا

وقولهم:

أحلى يوم في الأيام أقبل كالفجر البسام

 فيه نجحنا فيه فرحنا وجنينا أغلى الأحلام

بالأفراح اشتغل الكل فهنا فرح وهنا حفل

 وهدايا رائعة تحلو في أجمل أيام العام

الهدف السابع: ترسيخ روح الإبداع والابتكار وإعداد رجل المستقبل:

وذلك بتلقينه القيم التي تساعد على ذلك كحب العمل وتقديسه وحب العلم... فتنمي شخصية سوية قادرة على حمل المشعل وبناء المستقبل تظهر هذه المعاني جلية في شريطي "نشيد المستقبل" و"رحلة صياد"، فالأطفال هم أمل المستقبل حملة المشعل إلى حياة أفضل وبهم يصير المستقبل حقيقة وفي هذا يقول سليمان العيسى: "... أنا أعتقد أن الشجرة العظيمة بنت الغرسة العظيمة، وأن الصغير الذي يحمل في طفولته فكرة كبيرة هو الذي يخلق الوطن الكبير والحياة الخصبة المبدعة"(11).

إن كل طفل أمل، ونشيد لمستقبل زاهر، أمل لوالديه، وأمل لقريته أو لمدينته، وأمل لشعبه، وقد يكون أملاً للإنسانية جمعاء، إن أمل البشرية يتوقف على طفل يولد أو ولد منذ سنوات.

إن الشريطين يبشران بالغد المشرق الذي لا يتحقق إلا عبر قيم يجب غرسها في أطفالنا وهي (طلب العلم، وحب العمل وإتقانه) وهي تحث الصغار على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية الذي يؤدي بدوره إلى تطور الوطن؛ هذا التطور الذي لا يتحقق إلا بتضافر الجهود، كل من ميدانه، وبحسب اختصاصه، من المعلم إلى البحار إلى الطيار إلى الفلاح وهذا ما يركز عليه شريط "رحلة بحار؛ فالعمل هو أساس الحياة والتعاون، لأن التعاون قوة ولا يتأتى هذا إلا بالمحبة والصدق، والعلم والقراءة وفق مفهوم ثقافي وحضاري، وهذا ما أكد عليه شريط "نشيد المستقبل".

 

الهدف الثامن: تحسيس الطفل بالواقع التراجيدي الذي يعيشه العرب عامة والمسلمون خاصة:

وقد ركز شريط "أرضنا الطيبة" على القضية الفلسطينية، هذه الأرض المسلوبة التي عبر الأطفال بأناشيدهم الطيبة عن واقعها المرير يستنهضون الضمائر والهمم علّ هذه الصرخات تحرك قلوباً تجلدات وتبلدت، فقالوا:

الأرض أرضنا

 حقول لنا

إنا نحبها

 كما تحبنا

عن حسنها الخلاب

 من أبعد الأحباب

ليسلب الأغراب

 أطايب الجنى

الأهل مبعدون

 في الأرض متعبون

متى سيرجعون

 ليرجع الهنا

إنني أعتقد أن كل المهام الوطنية التي فشل في تحقيقها الكبار ظلت عالقة، ومهاماً مؤجلة سوف يبت فيها الأطفال حين يكبرون، في مقدمة هذه المهام، قضية فلسطين وطفولتها المشردة والمحرومة وفعلاً فقد بت الأطفال في هذه القضية قبل أن يكبروا، هذا لأن الطفل واحد من رجال الأمة، إلا أنه مستتر بثياب الصبا، فلو كشف لنا عنه وهو كامن تحتها، لرأيناه واقفاً في مصاف الرجال القوامين، لكن جرت سنة الله ألا يتفق زوال تلك الأستار إلا بالتربية شيئاً فشيئاً، ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه من التدرج. فالطفل في "سنا" قد أبدى رأيه وصرخ وناشد وعبر عما يختلج بداخله حول هذه القضية من خلال شريطين هما "أرضنا الطيبة" و"عودة ليلى" وهي ملحمة شعرية وعمل غنائي تمثيلي في ثمانية أناشيد مترابطة تمثل ملحمة صغيرة كل مقطوعة فيها تحمل موضوعاً متوائماً مع الآخر، وهو رهان مباح لرصد واقع مؤلم بعيون بريئة، تستنهض بهديلها الضمائر النائمة وتمضي مع تقلبات الحياة لتطرق أبواب المستقبل في كلمات سهلة جزلة تتخذ من الفصحى فارساً للعبور إلى معظم الأذواق.

 

فالشريط يحكي قصة ليلى الفتاة الفلسطينية التي طردت من وطنها وشردتها يد الظلم والعدوان وبطشت بأهلها وذويها فتركوا منازلهم وهاجروا وسكنوا المخيمات ومن ثم خارج فلسطين، فتبدأ معاناتهم بالحنين، ويقف الأطفال إلى جانب أختهم يخففون من مصابها ويزرعون الأمل فيها بالعودة إلى فلسطين، وهكذا ينتهي الشريط مبشراً بالعودة ولكن بعد أن أصبحت قضية ليلى في قلوب أطفال العرب والمسلمين جميعاً وتعاهدوا على مساعدتها كي تعود إلى وطنها.

 

ويرسم شريط "أرضنا الطيبة" لوحة تراجيدية عن واقع فلسطين والفلسطينيين وخاصة منهم الأطفال، تحت وطأة الغاصب المحتل واقع لم يسلم منه حتى الطفل، هذا المخلوق البريء الذي يتعرض للموت كل يوم، وهذا من أكثر الظواهر الحياتية إيلاماً، حيث يبلغ الألم ذروته عندما يقترب من الطفل، هذا الفجر الذي لا يغرب قبل الشروق، ويغمض عينيه الصغيرتين قبل أن يفتحهما على الآخر فيقتل وهو ذاهب إلى مدرسته وتنتظر الأم عودته لكن الطفل لا يعود، يقتل برصاص غادر وهو مختبئ خلف أبيه يريد الحياة لكن هيهات، تسأل الأخت أمها حنيناً، أم الشهيد أين رحل الأخ الذي كان يشاركها لعبها؟ فتجيبها: لقد صار في الجناة طيراً. طيور ساهمت في صنع الحدث وانتقلت إلى بارئها بشرف تاركة وراءها بطولات وذكريات طيبة رددها وحكى عنها الجميع ورددها الأطفال بقولهم:

يحكي الشمس ويحكي القمر

 تحكي الريح ويحكي المطر

قصة أطفال أبطال

 أبداً لن ينساها البشر

ولهم صور ليست تمحى

 يبكي منها حتى الحجر

ومن بين هؤلاء الأطفال طفل بريء طاهر كالنسمة ذهب يوماً إلى المدرسة لكنه لم يعد إلى البيت ولن يعود أبداً عبر عنه الأطفال فقالوا:

حمل الأطفال حقائبهم

 وأتوا في الصبح مدارسهم

يمشون إليها في عجل

 ونسيم الفجر يداعبهم

في يوم قد رجع الكل

 للبيت ولم يرجع طفل

وبكت أم وبكى الأهل

 فالطفل سريعاً غادرهم

رحل الطفل وخلى الـ

 كتب وحقيبته لما ذهب

والبيت الدافئ واللعب

 وصغاراً كان يرافقهم

ويقال الطفل قد استشهد

 ويقال اسم الطفل محمد

ويقال الطفل على موعد

 يدري الشهداء منازلهم

وتفتقد الأخت أخاها فهي ما زالت تنتظر عودته، فتسأل أمها أين ذهب أخي؟ تسأل سؤال المدرك لكل ما يحدث حوله سؤال الرجل الذي يستتر بثياب الصبا فتقول:

تقول لأمها أسماء

 وتسألها صباح مساء

لماذا لا يعود أخي

 وأين يسافر الشهداء

أجيبي الآن ليس غداً

 لست صغيرة أبداً

ثم تذرف الأم دموعاً حارة فتستقبلها ألحاناً شجية تقول:

أنشدوا أحلى نشيد

 واغمروها بالورود

حقها أن تكرموها

 إنها أم الشهيد

تارة تخفي الدموع

 تارة لن تستطيع

تارة تبدو ربيعا

 باسماً في يوم عيد

ثم يعمد الشريط إلى صورة بثتها القنوات التلفزيونية عن طفل وهو يقتل برصاص العدو صورة شاهدها الكبار وتأثروا لها أما الصغار فظلوا دائماً بعيدين عن هذه المشاهد، فجاء هذا الشريط ليبصر أطفالنا ويفتح أعينهم الصغيرة على الواقع المرير الذي يعيشه الأطفال في فلسطين، واقع أريد لـه أن يرسخ في ذهن الطفل عبر أنشودة رسمت المشهد للطفل بطريقة تصويرية رائعة تأثر لها الكبير والصغير، حتى لا ينسى ولا ننسى:

من يقدر أن ينسى مرة

 وجه الطفل محمد درة

ورصاص الغدر يحاصره

 مخترقاً في حقد صدره

من يقدر أن ينسى المشهد

 من يقدر يا روح محمد

عصفوراً حلواً مذعوراً

 كيف أصيب وكيف استشهد

من ينساه خلف أبيه

 مختبئاً والأب يحميه

من ينسى أماً تبكيه

 فتخلي العالم يبكيه

من يقدر أن ينسى الصورة

 ودماء الطفل المهدورة

والصورة تكبر وستبقى

 في كل ضمير محفورة

وهكذا فإن هذين الشريطين يبصران أطفالنا من خلال الترفيه بما يحدث على أرض فلسطين الحبيبة ويدمج صغارنا في هذا الواقع التراجيدي ليتابعوه بعيون بريئة، تستفيق بشدوها الضمائر وتحرك القلوب القاسية، وتمضي مع مرارة الوضع وقساوة الحياة لتطرق أبواب المستقبل القريب وتزرع الأمل في النفوس بأنه لا بد من يوم تشرق فيه الشمس ويحل فيه السلام.

فنهديك من الحب الأحلى

 نهديك من الشوق الأغلى

نشدو بأغاريد الحب

 ونظل نقول من القلب

والله نحبك يا قدس

يوجعنا أنك في الأسر

  ما بين الحسرة والقهر

تشتاقين إلى الحرية

 تأتيك مع الفجر ندية

وتعود البهجة والأنس

إنا يا قدس لنهواك

 نرجو يوماً أن نلقاك

ونزورك ضاحكة حرة

 وعليك سلام ومسرة

ويعود جمالك يا قدس

وأخيراً نلاحظ أن اللغة التي كتبت بها هذه الأناشيد لغة أدبية راقية تعمل على إثراء القاموس اللغوي للطفل كما تساعده على التفكير الجيد؛ ذلك أن هناك صلة وثيقة بين اللغة والفكر، فيتوقف التفكير إلى حد كبير على الصور اللفظية السمعية والبصرية، ولهذا فإن اللغة تمثل عوناً كبيراً على التفكير وتنظيمه وتيسيره وتوضيحه.

وكذلك نجد أن اللغة هي وسيلة تمثيل الأفكار ونقلها بين الأفراد وكلما زاد الثراء اللغوي، وتوفرت الكلمات المعبرة عن مختلف الأشياء والمفاهيم، زادت قدرة الفرد على التفكير والتعبير ونقل الأفكار، وأصبحت أكثر فعالية ودقة، ومن ثم فإن تقدم الفكر مرتبط أشد الارتباط بثراء اللغة، كما أن ضحالة اللغة وتخلفها والفقر في الألفاظ هي من العقبات الرئيسي في طريق التفكير ونموه ورقيه وتطوره.

 

واستيعاب هذا الارتباط الوثيق بين اللغة والتفكير، يوضح عمق أثر أدب الأطفال وتأثيره على كل من اللغة التي تقوم بدور أساسي في غناها وثرائها، والتفكير الذي يمكن أن يقوم أدب الطفل أيضاً بدور هام في تنميته وتطويره ودعم أسلوبه الصحيح بين الأطفال.

وهكذا يمكن أن نلخص الدور الذي تلعبه أناشيد سنا في تنمية قدرات الطفل المعرفية والسلوكية وغرس القيم والأخلاق بعد أن فصلنا في نقاط هي:

ـ تلبي جانباً من حاجات الطفل النفسية والجسمية والعاطفية والمعرفية، من حيث روائية الحدث وتفعيل الفكر فقد خاطبت منطقه حول البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيشها ضمن حوار طفولي بريء.

ـ تساهم في نموه العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي وتعمل على تغذيته ثقافياً في ظل قيم العائلة والأخلاق الفاضلة.

ـ تزيل العيوب النطقية التي يتصف بها بعض الأطفال في مرحلة من مراحلهم العمرية.

ـ تساعد الطفل على الاندماج والتخلص من الخجل والانطواء.

ـ تعمل على غرس الروح الجماعية وحب التعاون، ويربى الطفل على العمل الجماعي والأدوار المحددة، كما أنها محاولة لتنمية العلاقات الإنسانية والتركيز على البعد الإنساني.

ـ تشغيل طاقات الخيال غير المحدودة الموجودة لدى الطفل، وتنمية ملكات أطفالنا.

ـ تكسب الطفل رهافة الحس وحب الجمال وتنمي ذوقه.

ـ وسيلة لإمتاع النفس وإبهاجها.

ـ وسيلة لتنمية الثروة اللغوية، والنطق السليم بها.

ـ وسيلة لتهذيب الطبع، وتعديل السلوك، والتبصر بالسلوك المرغوب وتنمية الجوانب الإيجابية في شخصية أطفالنا.

ـ وسيلة لدمج الطفل في المجتمع وتنمية الروح الوطنية، وتحسيسه بقضايا الوطن العربي كالقضية الفلسطينية، وإيقاظ العواطف النبيلة كحب الوطن والأسرة والوالدين... إلخ.

ـ ربط الموضوعات بخالقها والإشادة بعظمته وقدرته بأسلوب محبب شفاف يهدف إلى إيقاظ الحس الفطري للطفل.

ـ ربط الطفل بثقافته وأصالته وترسيخ معاني الإيمان والقيم الفاضلة في نفوسهم.

ـ تعزيز إمكانية تحقيق الأمنيات ولو بصيص من الأمل.

ـ رد الاعتبار للموسيقى بعد أن تحولت إلى فوضى صاخبة.

ـ اعتمادها الأدب العربي الخالص (القصيدة الموزونة).

وأخيراً نستطيع أن نقول بأن هذا الإصدار الصوتي الذي تبعه إصدار مصور عبر مشاهد رائعة استطاعت أن تستقطب إليها أعداداً كبيرة من البراعم، قد نجح في أن يكون بديلاً ترفيهياً واقعياً يساعد في تربية الطفل العربي وتكوينه لغوياً وثقافياً وسلوكياً في ظل قيم العائلة والأخلاق الحميدة، وتزويده بنوع من التذوق الأدبي لأساليب الكتابة المصحوبة بأجمل المعاني الخلقية والاجتماعية، التي تؤدي بالطفل إلى اكتساب بعض الفضائل الإنسانية ومساعدته على الخلق والإبداع حيثما يريد، وحب الجمال والفن بتمرسه على الصور الأدبية الرفيعة، وقراءته للتعابير الرائعة وتربية شخصيات الأطفال بما يكسبونه من معان سامية وبطولات تثير حماستهم وتوقظ شعورهم وأحاسيسهم نحو الجمال والخير.

إن هذا الإصدار بكل ما حققه من بديل جاد ومعان أصيلة، مع ندرة الأعمال الفنية المحترفة المخصصة للطفل في الوطن العربي لا يستحق منا إلا الإشادة والشكر والامتنان لمن أعده وأروى به ظمأ أطفالنا بتلبية حاجاتهم المختلفة وبث القيم والآداب المهذبة وربط هذا الطفل بالحكايات والمفاهيم والعلوم المفيدة.

فما أجمل أن يستثمر النشيد في ترسيخ معاني الإيمان والقيم الفاضلة في نفوس الأطفال والناشئة.

 

الهوامش

 (1) ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، المجلد الثاني، الأجزاء 4، 6 دار الكتاب اللبناني ص 137.

(2) ـ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تحقيق، سمير جابر، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1989 ج 3 ص 235.

(3) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ص 137 ـ 138.

(4) ـ من الإنترنت.

(5) ـ مجلة باسم، العدد 839 السنة الرابعة عشرة 1 شوال 1424، الشركة السعودية للأبحاث والنشر ص 46.

(6) ـ عدا شريط "عودة ليلى" الذي أدته "هالة الصباغ".

(7) ـ تتميز سلسلة "أناشيد ملونة" عن "دوحة النشيد" بموضوعات الأناشيد وطولها وألحانها وأدائها وإخراجها وشكلها، فلكل عمل مذاقه الخاص وإن كانت بعض الأعمال نالت حظوةِ عند الجمهور زيادة عن غيرها، كالطفل والبحر ونبع الحب وطائر النورس.

(8) ـ من الإنترنت.

(9) ـ المرجع نفسه.

(10) ـ المرجع نفسه.

(11) ـ عبد العزيز المقالح: الوجه الضائع (دراسات عن الأدب والطفل العربي) دار المسيرة، بيروت ط 1، 1985 ص 94.

 

المراجع والمصادر

(1) ـ أحمد نجيب أدب الأطفال، علم وفن، دار الفكر العربي، ط 2، 1994 القاهرة، ص 157.

(2) ـ المرجع نفسه ص 156.

(1) ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، المجلد الثاني، الأجزاء 4، 6 دار الكتاب اللبناني ص 137.

(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تحقيق، سمير جابر، دار الفكر، بيروت، ج 3، ط 2، 1989 ص 235.

(3) ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ص 137 ـ 138.

(4) ـ من الإنترنت.

(5) مجلة باسم، العدد 839 السنة الرابعة عشرة 1 شوال 1424، الشركة السعودية للأبحاث والنشر ص 46.

(6) ـ عدا شريط "عودة ليلى" الذي أدته "هالة الصباغ".

(7) ـ تتميز سلسلة "أناشيد ملونة" عن "دوحة النشيد" بموضوعات الأناشيد وطولها وألحانها وأدائها وإخراجها وشكلها، فلكل عمل مذاقه الخاص وإن كانت بعض الأعمال نالت حظوة عند الجمهور زيادة عن غيرها، كالطفل والبحر ونبع الحب وطائر النورس.

(8) ـ من الإنترنت.

(9) ـ المرجع نفسه.

(10) ـ المرجع نفسه.

(11) ـ عبد العزيز المقالح: الوجه الضائع (دراسات عن الأدب والطفل العربي) دار المسيرة، بيروت ط1، 1985 ص 94.

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

أدب الطفل في التراث الشعبي العربي

 المفهوم والخصوصيات التعبيرية

بقلم الكاتب: د. علي حداد

 

*مقدمة:‏

أعطى الأدب الشعبي لكل فئة اجتماعية في بيئته حصتها منه، موفياً حقها في التعبير عما تشعر به، وتنفعل لـه، وتعايشه، في حدود وعيها بالوجود الاجتماعي ومؤثرات الفاعلية البيئية وطبيعة المقومات الإنسانية المعبرة عن ذلك الوجود.‏

ولم يكن الطفل في بيئته الشعبية –بمنأى عن هذا النزوع (الديمقراطي) الذي يتسم به صدر الأدب الشعبي برحابة تقبل لا حدود لها. إذ نال نصيبه الطيّب وحضوره الجميل في مختلف التشكيلات التعبيرية التي تتنفس ذلك الوجود الشعبي وقيمه، واختص نسغه الإنساني الطري بمكانة مهمة اتسعت لنوازعه وأحاسيسه، وتواصله مع محيطه الاجتماعي والوجود الطبيعي من حوله، فردد أغانيه وترانيمه وتفاعل مع الآخرين من خلالها، وصنع ألعابه، وقال فيها ما يناسبها حركياً وإيقاعياً، وما يتمثل مدركاته وقدراته الانفعالية والعقلية في مراحل طفولته المختلفة، حتى استوى له أدبه الخاص، بمواصفاته وأنماطه، والقيم التعبيرية والجمالية التي يخبر عنها.‏

ولكي نلج إلى أدب الطفل الشعبي وما يتوافر عليه من قيم ودلالات فلعله من الضروري هنا التوافر على أفكار محددة عن مفهوم الطفولة، ومثلها التراث الشعبي، كي تستوفي الدراسة مقوماتها الموضوعية، وتتأسس على وضوح رؤية مفهومية وإجرائية تتمسك بها، لتحقق مسعاها.‏

 

*الطفولة... المفهوم وحدوده:‏

(1)‏

لا يكاد يفصح المفهوم العام للطفولة من أنها (المرحلة الأولى من عمر الإنسان) عن طبيعة تشخيصية كاملة التشكل. وربما لم يبتعد عنه كثيراً ما عرفت به عند بعض الدارسين التربويين من أنها: "المرحلة التي تشمل أولئك الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة من أعمارهم"(1)، وسيقاربها القول بأنها المرحلة الممتدة من الولادة إلى ما قبل مرحلة المراهقة.(2).‏

وتتجلى الإشكالية التي تندس في هذه التعريفات ذات التوصيف العام في التجاهل لما يمكن أن يمثله التحديد الزمني الدقيق لابتداء هذه المرحلة، وما ستقف عنده في ختامها، من أهمية في المسعى إلى تأطيرها على نحو موضوعي.‏

 

قد لا نجد مَنْ يعارض القول بأن الطفولة هي المرحلة الأولى من العمر الإنساني –والحيواني كذلك- غير أن المنتهى الزمني الذي ينبغي لها أن تستقر عنده هو ما يشرع باباً للتأمل متعدد الرؤى.‏

لقد أُخضعت هذه المعاينة الزمنية لأكثر من تأطير، ومن منطلقات معالجة مختلفة، فربما نظر إليها من خلال البعد الجغرافي وتأثير عوامل البيئة والمناخ، وانعكاسات ذلك في التمثل السلوكي والبنيان الجسدي والعقلي والنفسي، لتتسع مرحلة الطفولة في بيئة، وتضيق في أخرى، فهي تمتد في البلدان الباردة –كالدول الاسكندنافية- منذ الولادة وحتى سن السادسة عشرة، في حين يتم اختصارها في البلدان الحارة (دول أفريقيا مثلاً) إلى سن العاشرة أو فوق ذلك بقليل.(3).‏

 

وربما بقي الأمر عرضة للتفاوت حتى في البيئة الواحدة، لعوامل أخرى تدس مؤثراتها في رسم صورة لطفولة متباينة، حيث يستجيب التشخيص المخبر عن قيمها لطبيعة المستويين الاقتصادي والاجتماعي للعائلة، ونوع العمل الذي يمارسه أفرادها، إذ المفهوم العمري الذي تتأطر الطفولة فيه وسماتها في المجتمع الغني غيره في المجتمع الفقير, وهو في البيئة الريفية غيره في المدينة. بل يخضع حتى لترتيب تسلسل الطفل بين أخوته في العائلة الواحدة، ولعددهم وجنسهم.‏

وأخيراً فإن النتيجة التي نصل إليها من خلال ما مر ذكره يمكن تلخيصها في الآتي:‏

 

إن تفحص ما تقوم عليه الطفولة من مقومات مرحلية تترك بصماتها في التحديد السلوكي وأبعاد تشكيل الشخصية ومايمكن لها أن تنشغل به: "يضعنا في اليقين بأننا نتحدث عن مجتمع غير متجانس في خصوصيات ما يتأسس عليه من حضور وتفاعل و استجابة، فالأطفال مختلفون باختلاف أطوار نموهم ومتباينون في تفصيلات الصورة التي يمثلها وجودهم من خلال مؤثرات داخلية وخارجية كثيرة"(4) وفي ضوء ذلك كله، ربما أمكننا التواضع على التعريف الذي ينظر إلى الطفولة بأنها: "المرحلة العمرية الأولى التي يمر بها الإنسان في بواكير وجوده الذاتي والاجتماعي، والتي تحدد سماتها في أنماط من السلوك والميول وأوجه النشاط المؤسسة على خصوصية في البناء الجسدي والعقلي والتمثيل اللغوي وأساليب اللعب والحركة ووسائل التعبير عن المشاعر والأحاسيس والحاجات وسبل إشباعها".(5).‏

 

(2)‏

إذا كانت مسألة التقنين الزمني الذي تشغله مرحلة الطفولة قد بدت مؤثرة في تأطيرها مفهومياً، فإنها ستأخذ بعداً أكبر أهمية حين نخرج من ذلك إلى المعاينة الإجرائية التي تبرز في طياتها الخبرات الذاتية –في الحدود النفسية والسلوكية والقيم المشكلة لملامح الشخصية –وكذلك الاجتماعية التي تضع الطفل في التكوين الإنساني المتسع الذي هو بعض مكوناته.‏

 

إن حدوداً مرحلية متعددة ستكتنفها الطفولة، بما لا يمكن فيه الحديث عنها بعمومية وإطلاق. ومن هذا المنطلق الذي يذهب بموضوعية إلى معاينة الطفولة فقد صار من اللازم تجزئتها إلى مرحلة داخلية، لكل منها حدّها الزمني –المكتنف لعدد من السنوات- الذي تتجلى فيه قيم وممارسات وانشغالات لها أفق مباينتها مع السابق لها والآتي بعدها، وهو ما تمثلته المدارس التربوية والنفسية المهتمة بالطفولة، ونظّرت إليه، وهي تحدد لها ما يناسبها من الاحتياجات التعبيرية في الأدب والفن، واضعة لمقوماتها –في اللغة والإيقاع وحدود الخيال ومساحة اللعب المتاحة فيها-أطراً مستجيبة لتلك الحدود المرحلية.‏

 

ومع أن تفكيك الطفولة إلى مراحل عمرية متعددة: "ليست كما تبدو مهمة سهلة، لأنها تتداخل وعلى نحو معقد"(6)، فإن ذلك أمر لا بد منه، تتأسس عليه ممارسة لها مساراتها الموضوعية وما يتحقق لها من اليقين المستجيب لحركية الطفولة التي لا تقبل التأطير في حدود مغلقة، تتمثلها على مساحة امتدادها الزمني-كالذي يمكن للمراحل العمرية اللاحقة من حياة الإنسان أن نسمها بها غالباً –بسبب عوامل المجتمع والبيئة مارة الذكر، وكذلك من خلال‏

"ما يجري من تحولات في أعماق الطفل، نتيجة تدرجه في السن، الذي يعكس الجانب الانقلابي في قابلياته"(7)‏

إن بناء شخصية الطفل لا يحتكم في حركيته إلى منطلق ثابت بل يأخذ سمة من التدرج والنمو المتلاحق ضمن مراحل عمرية، ترتبط الشخصية في كل مرحلة منها بأنماط من السلوك والتجارب والميول التي تخضع إلى تراتبية لابد من مراعاتها، وهو ما دعا كثيراً من الدارسين إلى إضفاء نوع من التقسيم الزمني للطفولة ووضعها في مراحل عمرية، كان أكثرها تردداً عندهم القول في أنها مراحل أربع هي: (8)‏

 

*مرحلة الرضاعة:‏

وهي المرحلة الأولى الممتدة من الولادة إلى بداية السنة الثالثة والتي لا تنضوي عند معظم المهتمين بالطفولة تحت سلطة البناء الذهني للطفل إلا في حدود بسيطة. إذ ينصب الاهتمام فيها على البناء الجسدي والصحي له، ومتابعة احتياجاته الغريزية والإنسانية الأساس، كالطعام والنظافة والنوم والسلامة الجسدية.‏

 

ويُناط أمر هذه الاحتياجات بالأم غالباً، فضلاً عن الدعم العاطفي ومقومات بناء الشخصية الأولى ومسعى الانتماء إلى الآخر والتواصل معه، والتكوين الصوتي وقيمه الذي يشرع سمعه له، لتبدأ مرحلة (المناغاة) التي تتجسد فيها أنماط من التعبير العاطفي المتبادل بين الأم وطفلها، و الذي يغلب عليه أنه يندرج في سياقات حركية وإيقاعية، ربما عبرت فيها الأم عن همومها، وطرحت فيها شحنات من عواطفها وانفعالاتها. أما الطفل فهو لا يدرك الجانب الدلالي الذي تنشغل به، ولكنه ينشد إلى إيقاعات صوتها والحركات التي ترقصه فيها أو تهز معها مهده.(9).‏

 

*مرحلة الطفولة المبكرة:‏

وتمتد على مساحة السنوات الثلاث اللاحقة –أي من الثالثة وحتى السادسة وتعد من أهم مراحل الطفولة وأخصبها، وهي التأسيس الأول لبناء الشخصية، حتى ليرى أحد التربويين أننا في هذه المرحلة قادرون على أن ننمي شخصية الطفل أو نحطمها(10).‏

ومصدر أهمية هذه المرحلة متأت من تكون ما يقارب النصف من القوى الذهنية والبدنية خلا لها (11)، لتبرز مجموعة من السمات الشخصية والسلوكية، لعل أبرزها الميل إلى الحركة واللعب وحب الاستطلاع، ومحاولة اكتشاف البيئة المحيطة.‏

كما تشهد النمو السريع في القاموس اللغوي للطفل، والتلمس المحدود بإدراكه لبعض القيم الاجتماعية، وتمييز الخطأ من الصواب.‏

 

وتعتمد التربية السلوكية والعقلية على البدء مع الطفل بالمحسوسات قبل المخاطبة الذهنية والمعنوية، والاستفادة من الحيوية الحركية لديه لتوظيفها في مسار بناء شخصيته عبر تقديم الأغاني والألعاب التي تعتمد الإيقاع والتفاعل الحركي الذي يشاركه الآخرون فيه، بما يستوعب طاقته ويعمق الشعور الإنساني الذي يربطه بما حوله.‏

 

*مرحلة الطفولة الوسطى:‏

ما أن يبلغ الطفل السادسة من سني عمره حتى "تصبح لديه مجموعة من الخبرات والمعارف التي أسهم البيت في القسط الأكبر منها، وثلة الأصدقاء والمعارف في القسط المتبقي"(12).‏

 

إن آفاقاً معرفية وتربوية وتجارب أكثر تأثيراً في شخصيته سيتاح له أن يواجهها. فمع اتساع مجال الفاعلية الحركية لديه فإن ذلك سيكون متساوقاً عنده مع الاشتراطات الاجتماعية التي يبدأ وعيه بإدراكها، حيث: "يأخذ التفكير مساحته المؤثرة فيتم نقله في بعض جوانبه المعرفية والسلوكية من المنطق المحسوس إلى المنطق الذهني"(13). وستأخذ مقدرة التعامل مع الموجودات من حوله مساحة أكثر اتساعاً، فيتاح له تسمية الأشياء وتوصيفها، ووضعها في مجموعات متماثلة، وهو الأمر الذي يمنح المربي فرصة أن يقدم للطفل كماً مهماً من الحقائق والمعلومات، ولاسيما ماكان منها متعلقاً بالقيم والمفاهيم السلوكية: الخير والصدق، التعاون مع الآخرين، الاحترام، وسواها، وبما يحرك فيه النزوع إلى قيمها في تعاملاته مع أهله وأخوته، وكذلك مع الآخرين خارج بيته: "وإذ يتأثر الطفل بالمحيط الاجتماعي والثقافي من حوله فإن نوعاً من الإدراك لعلاقته بذلك المحيط يبدأ بالاتضاح عنده، حين يتأكد له أنه غير قادر على إشباع رغباته جميعاً، وأن الآخرين من خارج عائلته، لا يعاملونه كما يفعل أبوه وأمه. ومن هنا تتجه بعض أفكاره وتجاربه إلى(عالم المكبوتات) الذي تكوّن لديه ونشأ من بعض خبراته ومشاعره ورغباته غير المسموح له أن يعلن عنها كلها لمن هم حوله، بما يجعله يدفع بها إلى العقل الباطن".(14)‏

 

وعلى الصعيد الثقافي يصبح الطفل مستعداً –في هذه المرحلة فعادة ما سمعه من الأناشيد والترانيم والحكايات بشيء من الدقة، وبالصيغة الأساس التي وردت عليها، وهي سمة يمكن الاتكاء عليها لنقدم له كثيراً من المعارف والقيم عن الانتماء الاجتماعي والمعتقدات التي يحتكم إليها:"وربما بدا الطفل في أحيان كثيرة غير مستجيب للإرشادات والنصائح حين تأخذ طابعاً وعظياً، ولذا يمكن استغلال حبه للأغاني والألعاب والقصص لتكون الوعاء الذي يُقدّم له فيه التوجيه السلوكي والقيمي"(15).‏

 

*مرحلة الطفولة المتأخرة:‏

تهيئ هذه المرحلة –وبحسب السمات الاجتماعية والبيئية- الطفل للخروج إلى آفاق شخصية أكثر اتساعاً، بما يعدّه للاندماج الاجتماعي وبمواصفات شخصية مختلفة.‏

 

وتعزز سنوات هذه المرحلة الاستقلال الذاتي في سلوكه، مثلما تعمق طاقة الخيال والطموح إلى البروز بين أقرانه، ومخاطبة ذاته ومَنْ هم حوله بسلوكيات فيها شيء من المغامرة والادعاء، وتبدأ مواهبه بالإفصاح عن نفسها، مثلما يتأكد التمايز والخصوصية بين الجنسين.‏

 

وتحقق الإمكانات المعرفية والتعبيرية حضورها، حين تخبر عن الفروقات في مستويات الأطفال الإدراكية والمهارات السلوكية واللغوية: "وتعمق مساحة الخيال المتسعة عند الطفل بروز قدرة الابتكار والخصوصية في الهوايات والميول"(16). التي قد يصاحبها نزوع نحو تأكيد الشخصية والرغبة في التخلص من وصفه بالطفل، من خلال أفعال وممارسة تجعله عرضة للخطأ والتوزع، إن لم يحط برعاية وتوجيه كافيين.‏

 

*التراث الشعبي... المفهوم ودلالاته:‏

رأت بعض الدراسات أن(الفولكلور) يتسع لكل ما أنجزته الفاعلية الشعبية وبقي حياً في ذاكرتها، فهو "يشمل كل المعلومات والمهارات والمفاهيم التي يكتسبها الفرد بشكل حتمي، ونتيجة لتأثير البيئة التي نشأ فيها، وهو لا يسعى وراء اكتساب هذه الأشياء سعياً مقصوداً –كالسعي إلى التعليم مثلاً- ولكنه يتشبع بها. وهو لا يخترعها عن عمد، ولكنها تنشأ بشكل طبيعي، ودونما تكلف أو افتعال".(17)، وعلى وفق هذه الرؤية فإن (الفولكلور) مستوعب لكل جوانب الإبداع الشعبي المتمثلة في الأدب بمختلف فنونه وفي المعتقدات والممارسات والحِرَف وأنماط السلوك الشعبي وطرائق تعبير الإنسان في بيئته.‏

 

وفي المقابل فإن هناك اتجاهاً آخر –نسعى إلى تمثيل رؤيته- يذهب إلى تكريس مفهوم الفولكلور لما هو في حدود المنجز الشفاهي وحده. أي في ذلك العطاء الشعبي الذي يستخدم الكلمة أداة لتعبيريته. وهو ما تبنّته الاتجاهات الأنثروبولوجية، ومَنْ يستجيب لأفكارها(18)، من القائلين بفكرة أن (الفولكلور) هو:‏

"دراسة المادة القولية بمختلف أشكالها(19) أو أنه "ذلك الشكل الفني الذي يضم أنماطاً مختلفة من الحكايات والأمثال والأقوال والأغاني والراقصات وغيرها مما يستخدم اللغة المنطوقة أداة له"(20).‏

 

وستقود هذه القناعة كثيراً من المتمسكين بها إلى ترديد بعض العبارات التي تحتمل في طياتها تحديداً للفوكلور من مثل: (الأدب الشفاهي) و(الفن القولي) و(الأدب غير المدون). لينتهوا عند القول بأن (الفولكلور) ماهو إلا (الأدب الشعبي) وليس سواه، ومن منطلق أن هذا الأفق من المعرفة كان في مراحل تطوره" يقوم أولاً وأخيراً على دراسة الأدب الشعبي وحده، وأن العادات والمعتقدات(سمات) وآثار ثقافية كانت مرة، ولكنها لم تعد كذلك إحدى مجالات اهتمامه".(21) وعلى ذلك حدد بعضهم مجالات الأدب الشعبي التي يقصدها بـ"المرقصات التي تغني للأطفال، سواء لملاعبتهم أو تعليمهم. وهو الحكايات والأمثال والرقصات والألعاب الشعبية والأغاني التي تغنى في مناسبات معينة، وهو أيضاً الأساليب المأثورة (الحكم والأمثال) التي تنقل بها معرفة الأجداد والآباء وخبرتهم إلى الأبناء والأحفاد، من دون الاعتماد على الكلمة المكتوبة أو الكتاب المطبوع".(22).‏

 

وعلى وفق هذه الرؤية فإن مهمة الباحث الفولكلوري الأولى ستكون دراسة الأدب الشفاهي الخاص بالجماعات الإنسانية من دون بقية المواد التي تبدعها تلك الجماعات.‏

ولعل محض الأدب الشعبي هذه القيمة وعده أس ما يتشكل منه (الفولكلور) إنما يقع في القيم التعبيرية والجمالية التي يعلن عنها، وتفيض من إناء تشكلاته المتعددة بعفوية وصدق. كما تتجلى في تلك المقدرة الفاتنة على البقاء متجدد الفاعلية والتأثير في بيئته، على الرغم من الوسيلة الشفاهية التي يتم تداولها بها، والإصرار على عدم تدوينه أو محدودية ذلك. يضاف إليه اكتنافه الكثير من مجالات تشكل الوعي الشعبي وفنونه بما يمكن عده فيه وعاء تعبيراً لمجملها.‏

كما حصل مع الفولكلور فإن تحديد مفهوم (الأدب الشعبي) وما ينهض عليه كان عرضة لتباين في المواقف، بين من يراه أدب عاميتها المتوارث –بما يسقط عنه أدب العامية الحديث- والاتجاه الثاني الذي يرى في الوسيلة الفنية (اللغوية) التي ينتج هذا الأدب بها سمته الأساس، الأمر الذي يجعل كل ما يأتي باللهجة العامية –طبقاً لهذا الرأي منضوياً تحت مساحة الأدب الشعبي وفنونه، سواء كان شفاهياً أم مكتوباً، وبغض النظر عن السمات المركزية التي تمحض ذلك الأدب هويته الشعبية، والتي سنتطرق إليها لاحقاً، ويبقى هناك اتجاه ثالث يتجاوز في مفهومه للأدب الشعبي السمات الفنية، ومنها اللغة، فيراه شعبياً حين يفصح محتواه لا شكله عن ذلك.(23).‏

وإذا أردنا مناقشة تلك الاتجاهات الثلاثة واتخاذ موقف منها فلعلنا سنكون مع اتجاه رابع ينبني على تأمل أفكارها مارة الذكر وتناول بعض قيمها وطرح بعضها الآخر.‏

فالقول بأن الأدب الشعبي هو أدب عاميتها التقليدي ربما لا يتوقف بموضوعية، فيحدد مساحة ذلك الأدب في عاميته ومدى الأهمية التي يمكن أن يتمتع بها ليثير متلقيه المعاصر أو دارسه، إذ ليس تداوله من قبل بيئته وحده هو ما يمنحه سمة الأهمية: فتلك البيئة تتداول كل شيء من خلال ذلك النزوع الشعبي.‏

 

وربما كان في الرأي الذي مثل اتجاهاً ثانياً بعض الوجاهة، فقد يتحول الأدب المقال أو المكتوب من قبل شخص ما يعرفه أهل مرحلته إلى مستوى الأدب الشعبي مع مرور الزمن، لما يتصف به من قيم جمالية وتعبيرية، ستكون سبباً في بقائه وتناسي منتجه الأول وعوامل إنتاجه. وعبر منظار الأهمية والقيمة الذي نضعه منطلقاً لاحترام الذائقة الشعبية وما تنتجه وتنشغل به، وعلى مساحة اليقين التي ترى الإبداع –سواء كان شعبياً أم سواه- لا يتحقق وصفه كذلك إلا من خلال التماثل الخلاق بين موضوعته ومنافذ تشكله الجمالي، فإن الاتجاه الذي يفصل بينهما –وهو الاتجاه الثالث- لا نعتد به كثيراً. وبذا يكون الأدب الشعبي عندنا: وهو ذلك الجزء من تراث أمتنا القومي الممتد على مساحة وجود إنسان هذه الأرض ومنجزه القولي فيها، المستجيب لانشغالاته الواقعية والشعورية، والذي تتواشج فيه خصوصية التعبير باللهجة المتداولة في البيئة مع المقومات الأساس التي تجعله أدباً، والإعلان المخبر عن ذلك كله بمستوى فني وجالب لرغبة القراءة والتأمل، عبر تمسكه بهوية وجوده في الزمان والمكان وأساليب تعبيره عنها. إنه أدب الفئات الأوسع من الشعب تلك التي وجدت فيه تحسساً لهمومها ومكابداتها، والمعتقد الذي تعايشه وتحيله –في أحايين كثيرة-إلى ممارسة يومية، لتتبناه وتعلنه هويتها، وحصتها من قيم تراث أمتها الأكبر، فصبت فيه مجمل الفعاليات الإنسانية التي تمارسها، بعيداً عن الثقافة الرسمية وقوانينها واشتراطاتها، ليأتي مستوعباً لكل ما ينشغل به الوعي الشعبي ويعايشه سلوكاً وذائقة وأداءً في البيئة وسماتها، وما ينتج من آداب وفنون وأساليب عمل وعادات وتقاليد.‏

ومن منطلق التوشيح بين الفكرة وجمالياتها التي تتجلى مثيرة من خلالها: لغة وعاطفة وتشكلاً من تفاعل الواقع والخيال سنذهب بعيداً، لنرى في الشعر الشعبي الفاعلية المثلى التي تتجلى فيها النزعة الشعبية وتترسم عوالمها الفاتنة. فالشعر –طبقاً لرأي أحد الباحثين، مكررين ذلك بعده-:"لعب دوراً كبيراً في نقل هذه الموروثات الشفوية، لسهولة حفظه وتداوله في الألسن ولسهولة ترديده بألحان وأهازيج مختلفة بخلاف النثر الذي تمثل في راوية الأساطير والحكايات الشعبية والخرافات والخوارق فقط. وما عدا ذلك من مواضيع التراث الشعبي، فقد صيغت كلها بالشعر حتى الرقص الشعبي منها، والألعاب الشعبية والنصائح. وفي استعمالات الطب الشعبي التي أدرجت بالشعر في أشكاله المختلفة".(24).‏

 

إننا ننظر إلى الشعر الشعبي –بمختلف صياغاته التعبيرية، فنعده الصورة المتميزة والمثيرة للأدب الموصوف بالشعبية، من حيث حيويته، وغناه التعبيري والجمالي، والاكتمال المعبر عن عاطفة الإنسان في بيئته وقيمها ومستلزمات الانشداد إليها، وهو من أكثر فنون الأدب الشعبي مواجهة لعاديات الزمن التي يمكن لها أن تنال من الذاكرة فتمحو ما تكتنزه، أو تعرضه –في أهون الظروف- إلى التبدل والتحوير والانتحال.(25). هذا كله إلى جانب اندساسه المثير في مختلف أنواع الأدب الشعبي التي تأتي في النثر، فمعظم –إن لم نقل كل- الحكايات والخرافات والأمثال والمواعظ لا تكاد ترد من دون أن يكون للشعر حصته فيها.‏

 

*أدب الطفل الشعبي... المفهوم والخصوصيات التعبيرية:‏

(1)‏

لا يقصد في هذا المجال من دراسة الأدب حضور الطفل مطلقاً فيه إذ أن مثل هذا التصور "يغادره الصواب كثيراً"، فاعتماد النص الأدبي على رسم صورة للطفل، أو وجود ذلك الطفل ضمن نسيج شخصياته ليس إلا تشكيلاً لحالة عامة، لابد أن يحتكم النص الإبداعي إليها في توجهاته الاجتماعية التي تحدد حضوره الواقعي من خلال عنصر الشخصية أو الشخصيات التي يتحرك النص بوجودها"(26).‏

إن جملة من المقومات التي يجب توافرها في النص المتجه إلى الطفل –أي نص أدبي ومنه النص الشعبي- هي التي تمنحه هوية الانتماء إلى عوالم الطفولة وأحاسيسها. وهو ما سبق لنا إجماله في الآتي:(27).‏

-أن يهتم به الطفل وينشغل بترديده والتواصل معه.‏

-أن يعبر عن خصائص شخصية الطفل السلوكية واحتياجاته الإنسانية.‏

-أن يتمثل السمات العمرية للطفل.‏

-أن يستوعب مشاعر الطفل ومنطلقاته الذهنية، ببساطتها وحدود رؤيته للأشياء والموجودات.‏

-أن يتوافر على قاموس الطفل بحدوده وصياغاته وأساليبه.‏

-أن يتمسك بالقيم الشكلية والصوتية والحركية التي تقوم عليها شخصية الطفل، وتستجيب لتأثيراتها.‏

وكنا متمسكين بهذه المقومات أعلاه، حين قمنا بتأمل مساحة الإبداع الأدبي عامة –تلك التي حققت تماسها مع الطفولة وقيمها-لنضعها في ثلاثة مستويات.(28).‏

 

المستوى الأول: أدب يكتبه الطفل أو يقوله بطاقة تعبيرية وجمالية فوق مستوى الوعي السائد عند الأطفال، وبعيداً عن السمات القيمية مارة الذكر، لأنه يتوجه في مسارات تعبيره إلى الكبار، وهو ما يكون نتاج موهبة إبداعية نادرة توافر عليها طفل معين.‏

وهذا المستوى –وإن كان منتجه طفلاً- فإنه لا يمت إلى عالم الطفولة بصلة. كونه يضع مبدعه في مستوى الكبار ومقدرتهم الأدبية.‏

 

المستوى الثاني: أدب يستعين بالطفولة وسيلة لغايات رمزية أو دلالات اجتماعية تتعلق بعالم الكبار وانشغالاته، يوظف الطفل فيها لأنواع من الإشارات وصيغ التجسيد، بما يجعل (الطفولة) قيمة دلالية متسعة لعوالم من البراءة والاحتياج الإنساني واستدراج المشاعر التي تكون تلك الطفولة مرتكزها التعبيري.(29).‏

وسيكون هذا المستوى –كسابقه-بمنأى عن اهتمام الطفل وانشداده "بحكم مستوى التعبير وصيغته ولغته. ومن هنا لن تتحقق أية استجابات واضحة من قبله لهذا المستوى، لاسيما حين يأتي النص بلسان المتكلم كبير السن وخصائصه الفكرية وصياغاته الأسلوبية. ولا يجد الطفل لصوته حضوراً فيه، حيث تم الاكتفاء بتشكيل صورته في ذهن المتلقي قيمة دلالية تنهض أبعادها بمجرد ذكر الطفولة".(30).‏

 

المستوى الثالث: هو الذي تدخل تلك المقومات –التي سبق لنا ذكرها- قيماً أساساً في تكوينه، بما يجعله جديراً بالتعبير عن عالم الطفولة واهتماماته "حيث يحمل مشاعر الطفل، ويتكلم بلسانه، ويعبر عن أفكاره، بصيغته اللغوية وبحدود معجمه اللفظي، وبمقدار طاقته على الحركة والتخيل والتعبير عن عواطفه وأحاسيسه المشتجرة في نفسه"، يستوي فيه –على صعيد الأدب المكتوب باللغة الفصيحة- أن يكون منتجه إنساناً ناضجاً تقمص روح الطفولة ومشاعرها، أو كان طفلاً –أو مجموعة أطفال- تمثل الطفولة، ونطق بصوتها إبداعياً: "وسيكون بإزاء المتحدث الطفل متلق طفل هو أيضاً، يلتقيان في مستوى الوعي والتجربة، وفي صيغ التشكيل اللغوي ومنافذ التعبير الأخرى، ليصبح الطفل في هذا المستوى الوسيلة والغاية معاً".(31).‏

 

(2)‏

تلتقي حصة الطفل في الأدب الشعبي مع سواها من المنجز المنتسب إلى أفق الطفولة في حضور تلك المستويات الثلاثة مارة الذكر.غير أن مساحة من الخصوصية في مستوى التعبير-ومن يعبر عنه- تبدو جديرة بالالتفات إليها وتشخيص فاعليتها.‏

فإذا كان (المستوى الأول) مما تؤشره (الموهبة) وهي تعلن عن جهدها في شخصية طفل فرد متميز، فلن نعدم مثل ذلك في البيئة الشعبية، ولكنه مما لا يمكن التوثق منه وتشخيصه تماماً، بحكم ما للأدب الشعبي من سمات تغيّب الوجود الفردي في المجموع، وترهن صوته لتعبيرية عامة، فضلاً عن الشفاهية التي ستذهب بالتداول إلى حيث يغيب المنتج الأول. وفي هذه الحالة، لن نجد ما يمكن أن يؤشر فاعلية موهبة مفردة –سواء لكبير أم لصغير- كما يكون الأمر عليه في الأدب المكتوب –أو أدب اللغة الفصيحة- المثبت في وقائع خاصة. ليبقى أمر ذلك في الأدب الشعبي مرهوناً بحالة من الافتراض الممكن.‏

تتحقق للمستوى الثاني (الطفل فاعلية رمزية) مساحة ضيقة في الأدب الشعبي، لأن عالم الكبار في تلك البيئة لا يكاد يأبه كثيراً للطفولة، ويعدها مرحلة قابلة للتخطي والتجاوز السريع، بل ويبحث عن مستلزمات ذلك ويدعو إليها. يضاف إليه أن توظيف الطفولة لغايات استدراج العطف والدعم الإنساني هي ممارسة فردية، أعلنت عن نفسها في أمثلة تنطق بها ذات تعايش ظرفها الخاص. وهو ما لا ينشغل به الحس الشعبي كثيراً، بحكم النزوع الجمعي الذي يحتكم إليه، غير أن تلك الانثيالات الشعورية ربما برزت عند (الأم) أكثر من أية حالة أخرى في المجتمع الشعبي، من خلال تلك الترانيم والأغاني التي تقدمها إلى طفلها –لتنيمه أو تداعبه أو تحركه- محملة إياها كثيراً من مكابداتها وهمومها، جاعلة من طفلها المبرر لتلك الممارسة وبجهد شعوري مفعم بالرمزية.‏

يمثل المستوى الثالث الأدائية الحقة المستوعبة لقيم الطفولة والمتجهة إليها –سواء أكان ذلك في الأدب الشعبي أم في سواه غير أن الفاعلية المنتجة لأنواع هذا المستوى الشعبي تحقق تبايناً مهماً عن سواها من ذلك الأدب. فحين تكون الأنواع النثرية –ولاسيما الحكاية الشعبية- مما يقدمه الكبار غالباً إلى صغارهم، حين يجمعونهم في الأماسي أو أوقات الفراغ، فإن ما يميز (الشعر الشعبي) أنه من إنتاج الأطفال أنفسهم لا يكاد يشاركهم في ذلك أحد، متمثلاً لحدود وعيهم واعتباراتهم العمرية والسلوكية، حتى ليصبح القول –طبقاً لرأي أحد الباحثين المهتمين بالطفولة وأدبها- "إن أول ناظم لأغنية الطفل هو الطفل نفسه. وقد يكون مربون ومؤدبون قد تعمدوا بثها بين الأطفال".(32). وسنستعيد هنا ما سبق لنا تشخيصه بهذا الصدد:‏

"فإذا كان الطفل في المستوى الأول (منتجاً) لمتلقين كبار يخاطب وعيهم واهتماماتهم، وكان المستوى الثاني (إنتاجاً عن الطفل) أي أن الطفل وسيلة لغاية تعبيرية أكبر فإن المستوى الثالث هذا هو (إنتاج الطفل)... الطفل العادي البسيط الذي تتمثل فيه الطفولة بصورتها المتسعة".(33).‏

(3)‏

تحيلنا معاينة أدب الطفل في منجزه العربي –وبحدود الموازنة بين ما تحقق له في الأدب الشعبي، وماكان عليه في الأدب المكتوب باللغة الفصحى –إلى تأمل المرتكزات المعرفية والتربوية والقيم الاجتماعية المعيشة التي أنتجت مواقف مختلفة، تركت بصماتها في مساحة كلا الأدبين وهما يذهبان إلى الطفولة ويخاطبانها.‏

 

لقد نال الطفل –في حدود معاينة وجوده واحتياجاته- اهتماماً كبيراً في الجوانب المعرفية وأسس البناء الإنساني التي أخبرت عنها شواهد كثيرة في تراثنا العربي ومن منطلقات دينية واجتماعية عكستها قيم الحياة العربية ومآلات الفعل الإنساني فيها، التي أشارت إلى عناية العربي الفائقة بالطفولة واحتياجاتها، وكل ما يدعم بناءها على أسس سليمة سلوكياً وقيماً وجسدياً.‏

لقد كانت ولادة الطفل محل احتفاء أهله به، وإحاطته بالعناية وسبل التنشئة القويم. وقد استوعبت اللغة العربية كثيراً مما يؤشر خصوصية التعامل مع الطفولة، فمحضتها مسميات ومصطلحات تعكس طبيعتها، وما تمثله(34) كما شغلت الطفولة قدراً طيباً من اهتمام علماء العربية ومفكريها، فوضعوا لها حيزاً طيباً في انشغالاتهم المعرفية. ولنا هنا أن نضرب مثالاً بـ(الجاحظ) الذي كان من المنادين بضرورة الوقوف عند مدركات الطفل اللغوية والعقلية.‏

حتى إنه دعا إلى تقمص شخصية الطفل عند مخاطبته لأن: "الصبي عند الصبي أفهم له، وهو لـه ألف وإليه أنزع".(35).‏

بإزاء هذا الوعي الاجتماعي وقيمه المستوعبة لما تقوم عليه مرحلة الطفولة، وما ينبغي توفيره من احتياجاتها، تواجه الباحث حالة من القطيعة الغريبة يعاني منها الأدب العربي القديم في تعامله مع الطفولة، إذ لم يتمثل ذلك الأفكار ولم يتوقف عندها طويلاً، بما جعله خالياً من العطاء الإبداعي الذي يمكن للطفل العربي أن يقف عنده ويستذكره ويعايش حضوره فيه.(36).‏

 

لقد أبدع أسلافنا تراثاً سردياً هائلاً –من الحكايات والقصص والسير والأمثال والمواعظ كان بالإمكان مناقلتها من حدود خطابها الموجه للكبار، وجعلها في مستوى وعي الأطفال ومدركاتهم، واستثمارها في صنع أدب عربي خاص بهم، غير أن ذلك لم يحصل تماماً، وبقي أمر ذلك التراث حكراً على الكبار. أما الأطفال فعليهم بذل الجهد الشاق –في الإمكانات الذهبية ومقدرة الاستيعاب- للحاق بأولئك وفهمه.‏

ويبدو الأمر أكثر وضوحاً في الشعر إذ لا نكاد نجد أية أدلة مستمدة من النصوص الشعرية القديمة تكفي للقول بوجود شعر خاص بالطفل. وما وصلنا من نماذج كانت متداولة فيما أطلق عليه (أغاني ترقيص الأطفال) "وهي في حقيقتها ليست مما قام بنظمه أي من شعرائنا القدامى "بل تعبر عن مشاعر آباء وأمهات أحبوا أطفالهم وتعلقوا بهم. وعلى هذا فهي نوع من الأدب الشعبي الذي غلب عليه أنه مجهول المؤلف، فضلاً عن أن تلك الأغاني والترانيم إنما تعبر عن مشاعر الكبار نحو أطفالهم، أي أنها تندرج فيما أسميناه الأدب المكتوب عن الطفل وليس له".(37).‏

 

تقدم لنا معاينة الواقع الشعبي –من خلال ثنائية الموقف الاجتماعي-التربوي والمنجز الأدبي المساوق لهما –حالة على النقيض مما مر ذكره، إذ لا تكاد الفاعلية الاجتماعية السائدة في البيئة الشعبية لتقف طويلاً عند خصوصية الطفولة سلوكياً ونفسياً، فتمنحها ما يناسب وعيها واحتياجاتها الإنسانية. فالنزوع الشعبي متجه –في الغالب على مواقفه- إلى تجاوز تلك المرحلة والسعي بمن يعيشها –الطفل –نحو الممارسة- القولية والفعلية- التي تدعوه إلى تخطيها والانتماء إلى عالم الكبار. وهو أمر ربما خلق نوعاً قاسياً من التوزع في شخصية الطفل، فهو حين يسعى إلى مشاركة الكبار فيما يهتمون به ويتداولونه في مجالسهم كثيراً ما يواجه بالزجر والادعاء بأنه ما يزال طفلاً، وعندما ينكفئ إلى عوالم طفولته وانشغالاتها –التي تبدو للكبار ساذجة- يواجه بالتأنيب والنظر الشزر الذي يستهجن ذلك منه.‏

إن مصادرة مرحلة الطفولة وخصوصياتها هي أبرز ما يواجه المتأمل للواقع الشعبي -ولاسيما في بيئات العمل- حيث حاجة العائلة لجهود أبنائها كلهم. وحيث الحديث الدائم عن (الرجولة) وعدها قيمة اعتبارية كبرى، هذا فضلاً عن أحلام العائلة المستقبلية عن طفلها –ذكراً كان أم أنثى- وقد أصبح ذا شأن وحقق الطماح المندسة في مساحات الأمل بالغد الأفضل.‏

من هذه المنطلقات وغيرها فلا نكاد نلمس في الوعي الشعبي وممارساته السلوكية واهتماماته من خصوصية للطفولة –ولاسيما بعد تجاوز السنوات العشر الأولى من عمر الطفل –إذ تشملها –غالباً- مواضعات الحياة الاجتماعية العامة، لتضعها في إطار قيمي يمتثل له الجميع.‏

 (4)

تأتي الممارسة الأدبية عند الطفل في بيئته الشعبية على النقيض من ذلك إذ يتسع صدر الأدب الشعبي يمنحه مساحة خصبة تمثله في مراحل عمره المختلفة، وابتداء من مرحلة الرضاعة حيث تترنم أمه له بأجمل الترانيم فرحة به وهو بين ذراعيها، سواءً كان ذكراً، سيكون محط مباهاتها على سواها من النساء، فتردد الأم العراقية:

يوم كالولي غلام

شدحيل أمه وكام(38).

في حين تردد الأم اللبنانية:

لما قالوا جا ولد

 انشد ظهري وانسند

وجابولي بيض مقشر

 وقلت عايم بالزبد(39).

وتفعل الأم اليمنية مثل ذلك:

شاحمده رب القدره

جاني طويل الإزره

يرمي عدن من جبله (40).

أما حين يكون المولود بنتاً فستردد الأم العراقية:

عندي بنيه من بنات الباشا

العين سوده والحواجب ماشه(41).

ومثلها تقول الأم الأردنية:

هنا ها يا هناها

والباشا يتمناها

ياباشا ربط خيلك

لما تخمر حناها (42)

في حين تترنم الأم اليمنية:

شاحمد ربي وأزيد

جالي  قمر ليلة عيد

أناسب بها كمن جيد

يربط حصانه بالكدمه

ويدخل يصيح يا عمه(43).

وتمارس الأم العربية أعمالاً منزلية تأخذ معظم وقتها، مما لا يتيح أمامها وقتاً كافياً للانشغال بطفلها وحده، ومن هنا كانت قضية تنويم الطفل مما يشغل بالها كثيراً، وهو ما عكسه المقدار الكبير من النصوص التي تترنم بها لطفلها لينام، كمثل هذا النص الذي ترده الأم اليمنية، وبما نجد مثيله عند سواها من الأمهات العربية:

نام... نام

للعيال والنوم

وللبنات الحمام

نام... نام

وأبوك سيد الرجال

وأنت حبيبي من غير العيال

نام... نام

يحرسك الرحمن

من أنسي وجان(44).

وهي تدرك بحسها الإنساني وعاطفتها أن الطفل كي ينام فلابد من أن يكون شبعاً، ولذلك فهي تمنيه بأنه سينال حصة متميزة من الطعام:

نام..... نام

أذبحلك جوزين حمام

جوز جوز للفطار

وجوز جوز للغدا(45).

وحين يبدأ الطفل أول خطواته تردد الأم اليمنية:

داده وأربع

ابن السنة يجزع

الله معه لا يمرع(46).

ومثل هذه الترنيمة تردد الأم العراقية:

تاتي تواتي

حد المشيه تواتي

بعد عمي وخالاتي(47).

وكذلك تفعل الم الشامية:

دادي شطا بطا

دادي دعست قطا

دادي يقرين الفول

دادي يسلم هالطول(48).

ويتمسك الطفل بنزعة غريزية للتعبير عن خصوصيات وجوده الإنساني، وإشباع احتياجاته الصوتية والحركية، وتحديد علاقته مع المحيط الخارجي بطبيعته ومخلوقاته، وما يشد حواسه ووعيه المتطلع إلى النمو والاستزادة، ليأتي ذلك عنده بهيأة نصوص شعرية مثيرة.

 

وربما ارتبط هذا الإلحاح على الخصوصية التعبيرية عند الطفل بالموقف الاجتماعي الذي يواجه به في بيئته الشعبية، إذ إن انشغال الكبار بما في حياتهم اليومية من مكابدات، وقلة اكتراثهم بالأطفال واحتياجاتهم السلوكية والنفسية، قادهم –أي الأطفال- غريزياً، وبفعل الاستجابة لخصائص وجودهم الإنساني –إلى تقديم صور طفولتهم منعكسة في تجارب أدبية تشير إليهم، وإلى الرغبة التي تجتاح كل منهم في استيعاب محيطه الإنساني، بفاعلية حركية وصوتية، تتمثل قدراتهم وسمات حضورهم المتفتح لاحتواء ما حوله، والاقتراب الصادق من الحس الشعبي ومثله فيما يتأسس  عليه من شفاهية هي السائدة على تعبيرية الأطفال، وحيث روح الجماعة والتفاني الخلاق في محيطها مجسدة كلياً، وهو ما تكتنفه حصة فاتنة من شعر الأطفال في مختلف البيئات الشعبية العربية، تلك الحصة التي تمثلت مختلف انشغالات الطفل في بيئته، سواء وهو يتأمل الطبيعة ومظاهرها، فيغني للشمس مبتهجاً، بمثل هذا النص الذي يردده الطفل اليمني:

ياشمس فذي فذي

قطع الله راس الهندي

والهندي سارح مكه

وعياله ملان دكه(49).

وبما يقترب منه عند الطفل العراقي:

طلعت الشميسه

على قبر عيشه

عيشة بنت الباشا

تلعب بالخرخاشه(50).

كما يغني للمطر، غاسلاً صوته بقطراته:

يامطره رخي رخي

على قرعه بنت أختي

بنت أختي قرعه قرعه

خدها الديب وطلع يرعه

قرقشها تحت الترعه(51).

أو وهو يصنع ألعابه الجماعية، متقمصاً صوت بعض المخلوقات وحركتها، سواء أكان من المخلوقات التي يستأنس بها:

آني طير أخضر

أمشي واتمخطر

أمي ذبحتني

أبويه أكلني

أختي العزيزه

لمت إعظامي

بكيس الحرامي (52).

أم من المخلوقات المتوحشة التي سيؤدي به ذكرها إلى اصطناع أشكال من الدفاعات التي تدرأ خطرها عنه، فهي لا ترد عنده غالباً إلا في نص تتشكل على أدائيته لعبة جماعية، يكون وجود أكبر عدد من الأطفال خلالها حالة من التضامن فيما بينهم. كما يكون حضور الأم عاملاً مضافاً لمساحة تلك الحماية:

الذئب: أنا الذيب واكلهم

الأم: أنا الأم واحميهم

الذئب: أنطوني عروسي

الأم: ما أنطيكياها

الذئب: حكي فلوسي

الأم: ما أنطيكياها(53).

وحين يحل شهر رمضان فسنجده يردد ترانيمه الخاصة فيه، فيردد الأطفال في معظم مدن العراق، وهم يطوفون على البيوت ترانيم طويلة تبدأ بقولهم:

ماجينه يا ماجينه

حلي الكيس وانطينه

تنطونه لو ننطيكم

بيت مكه نوديكم(54).

أما في البصرة –ويبدو أنها قد انتقلت منها إلى بعض دول الخليج –فيرددون:

كركيعان كركيعان

كل السنة ولّيعان

انطونا الله ينطيكم

بيت مكه يوديكم

يا مكه يا معموره

يا أم الذهب والنوره

وحين يأتي العيد تغمر الأطفال السعادة بقدومه فيرددون في العراق:

باجر عيد ونعيّد

ونخرب بيت أبو سعيّد

وسعيّد كرابتنه

نذبحله دجاجتنه(55).

أما ترنيمة الأطفال الأردنيين في العيد فهي:

بكره العيد ونعيّد

ونذبح بقرة سعيّد

وسعيد ما عنده بقره

ندبح بنته هالشقره

(5)

تطرح إحدى الباحثات المهتمات بدراسة الطفولة السؤال الآتي: متى يصبح الأطفال قادرين على صنع أشعارهم بأنفسهم؟...(56).

وتبادر الإجابة: "عندما تنمو قدراتهم اللغوية وتصبح ممكنة النطق والمحاكاة، وترديد الكلمات والغناء بها".(57).

وفي قناعتنا فإن ذلك  لا يتم عند الأطفال إلا في الفترة التي ستشهد تخطّيهم المرحلة الثانية (مرحلة الطفولة المبكرة)، ودخولهم الثالثة (مرحلة الطفولة المتوسطة) وما بعدها، حيث يكون الطفل قد أتقن –تقريباً- خصائص لهجته المحلية. ونهضت المدركات العقلية بفاعليتها، فاتسع قاموسه اللفظي، وازدادت إمكاناته في استخدام أساليب الكلام المختلفة، والتمايز بخصائص أداء لغوي وصوتي عن سواه من الأطفال. وقد تظهر في هذه المرحلة الفروق في القدرات اللغوية بين الذكور والإناث، كما تأخذ المعجمية وصيغ الأداء تمايزها بين البيئات المختلفة –بين المدينة والقرية غالباً- ويصبح الطفل متمكناً على نحو واضح من خصائص النطق المتميزة بلهجته وأساليبها.

وتعكس هذه المرحلة أبرز قيمها في المنجز الأدبي –الشعري خاصة-حيث أن معظم ما ينتجه الأطفال من نماذج شعرية جديرة بالاهتمام هو المتحقق لهم في هذه المرحلة العمرية. ليؤكد (النزوع الإيقاعي) حضوره الفاعل في بناء شخصية الطفل وتأكيد المقومات التعبيرية والسلوكية التي تنهض بها. ويصنع الخيال فاعليته، بوصفه عنصراً مهماً في التأسيس الإنساني لشخصية الطفل، ومايتم لها التوافر عليه في الوعي والسلوك، وما يتعاورها من حدود تماسها مع الوجود الطبيعي ومحسوساته التي تعايشها في البيئة.

 

الهوامش:

(1)-د.أحمد سويلم، أطفالنا في عيون الشعراء، القاهرة 1987م، ص26.

(2)-د.علي حداد، اليد والبرعم، دراسات في أدب الطفل، صنعاء 2000، ص 19.

(3)- المصدر نفسه،ص 18.

(4)-المصدر نفسه،ص 19.

(5)-المصدر نفسه،ص 18.

(6)-فاروق يوسف، (50 قصيدة للأطفال) مقدمة ونماذج، بغداد 1986م، ص11.

(7)-المصدر نفسه،ص 10.

(8)-ينظر:محمد محمود الخوالدة وآخرون، خصائص ثقافة الطفل، صنعاء 1995م، ص169، وما بعدها، وعبد الواحد علواني، ثقافة الطفل، دمشق 1995م، ص 144 وما بعدها.

(9)-ينظر: د.عبد العزيز المقالح، الوجه الضائع، دراسات عن الأدب والطفل العربي، صنعاء 1985، ص 126.

(10)-د.مصطفى عبد السلام الهيتي، عالم الشخصية، بغداد 1985م، ص16.

(11)-حداد، ص25.

(12)-الهيتي، ص17.

(13)-حداد، ص26.

(14)-المصدر نفسه.

(15)-المصدر نفسه.

(16)-المصدر نفسه،ص 28.

(17)- د.أحمد علي مرسي، مقدمة في علم الفولكلور، القاهرة 1981، ص61.

(18)- المصدر نفسه.

(19)- المصدر نفسه.

(20)-المصدر نفسه.

(21)-المصدر نفسه.

(22)-المصدر نفسه،ص 114.

(23)-د.أحمد رشدي صالح، الأدب الشعبي، القاهرة 1971م، ص19.

(24)-حسين سالم باصديق، في التراث الشعبي اليمني، صنعاء 1993م، ص15.

(25)-كان الجاحظ معبراً عن هذه الفكرة حين قال، معطياً للشعر أفضليته على النثر عند العرب: "لأن الحفظ إليه أسرع والأذان إلى سماعه أنشط، وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلت. وما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره". (البيان والتبيين)، 1: 287.

(26)-حداد، ص 31.

(27)-ينظر: المصدر نفسه.

(28)- المصدر نفسه.

(29)-ينظر: المقالح، الوجه الضائع، ص7.

(30)-حداد،ص35.

(31)-المصدر نفسه،ص 36.

(32)-أديب قاسم، تجربة كتابة التاريخ الأدبي، مجلة الحكمة يمانية، العدد (212-213).ديسمبر 1998م، ص129.

(33)-حداد،ص35.

(34)-ينظر: أحمد أبو سعد، أغاني ترقيص الأطفال عند العرب، ص 47، حيث يذكر بعضها من مثل: التنزيه، والبأبأة، والهدهدة، والتزفين، والاستصباء، هذا فضلاً عما ورد في معاجم اللغة من مسميات مراحل الطفولة المتعددة، الحدث، الصبي، الغلام، الناشئ، وسواها مما له تعلق بالطفولة.

(35)-الجاحظ، كتاب الحيوان، بيروت 1986، 1: 36.

(36)-يقول الدكتور عبد العزيز المقالح، الوجه الضائع، ص9: "في هذا المجال لا يبدو الأدب العربي القديم بدعاً بين الآداب العالمية، لخلوه من أدب الأطفال، فكل الآداب بلا استثناء، لم تعرف شيئاً من ذلك الأدب إلا في حدود القرنين أو الثلاثة القرون الماضية التي أعقبت عصر النهضة والتنوير في أوروبا الحديثة". وتؤيد ذلك إحدى الباحثات في الأدب الغربي فتقول: "لم يكن الطفل من الموضوعات المهمة في الأدب الإنكليزي، ولم يشغل حيزاً في النتاجات الأدبية بشكل ملحوظ قبل منتصف القرن الثاني عشر سواء أكان النتاج شعراً أم مسرحية أم رواية أم مقالة أدبية، عدا بعض الإشارات العابرة (سهيلة أسعد نيازي، صورة الطفل في الأدب الإنكليزي، بغداد 1989، ص9).

(37)-حداد،ص101.

(38)-حسين قدوري، لعب وأغاني الأطفال في الجمهورية العراقية، بغداد 1981، 1: 224، كالولي: قالوا لي.حيل: الحول، القوة. كام: قام.

(39)-جا: جاء. جابولي: أتوني. عايم: يطفو.

(40)-شا احمد: سأحمد، جاني: جاءني. الإرزة: الثوب. عدن وجبله: مدن يمنيه.

(41)-قدوري: 1: 27. بنيه: تصغير بنت. ماشه: الدبوس الذي يغرز في شعر الرأس.

(42)-أبو أ سعد. ص40.

(43)-جيد: رجل كريم الخصال، الكدمه: الغصن أو الحجر الذي يربط به حصانه.

(44)-الحمام:الموت.

(45)-جوزين: زوجين، الفطار: الفطور، الغدا: الغداء.

والطريف أن هذا النص يتردد  على شفاه معظم الأمهات العربيات مع بعض التغييرات الطفيفة عليه، ينظر: أبو سعد، ص29.

(46)-يجزع: يمشي، يمرع: يصاب بالحسد.

(47)-قدوري، ص 30، تاتي تواتي: تقليد لمشية الطفل البطيئة، بعد أمي: فداء له أمي.

(48)-أبو سعد، ص44، دادا: تقليد لمشية الطفل. دعست: داست.

(49)-فذي: أشرقي. سارح: ذاهب. عياله: أطفاله، ملآن: مليء.

(50)-الشميسه: تصغير الشمس. الخرخاشه: لعبة للأطفال مكونة من علبة في داخلها قليل من الحصى يقومون بهزها، فتصدر أصواتاً.

(51)-ينظر:د.أحمد رشدي صالح، ص335، يا نطره: يا مطره، رخي: اهطلي. قرقشها: أكلها. ويردد الطفل اليمني النص على النحو الآتي:

يا مطره رخي رخي

فوق بيت بنت أختي

بنت أختي جابت ولد

سمته عبد الصمد

طرحته في المشايه

كلت رأسه الحدايه

(52)-يرد النص عند الطفل اليمني على النحو الآتي:

الله أكبر

السيف الأخضر

أبي ذبحني... أمي كلتني

أختي العزيزه... لمت عظامي

تحت الكراسي

آه يا راسي.

(53)-يردد الأطفال اليمنيون في ألعابهم النص على النحو الآتي:

الذئب: أنا الذيب باكلهم

الأم: أنا الأم باحميهم.

الذئب: أعطوني المدلل.

الأم: خلي المدلل لأمه.

(54)-ينظر: قدوري، 1: 144. وتنظر مصادره.

(55)-باجر: غداً، كرابتنا: قريب لنا.

(56)-أميمة منير جادو، فنون الطفل الغنائية وانعكاساتها التربوية، مجلة خطوة، العدد 16، القاهرة 2002، ص 25.

(57)-المصدر نفسه.

(58)-

أضيفت في05/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: اتحاد الكتاب العرب  (للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية