كيف أصبح للأرنب أذنان طويلتان ؟!
* للأطفال *
في الأزمنة البعيدة ، كانت كل الأرانب تعيش بذيل طويل ، و
بأذنين قصيرتين ، و كأنها القطط الصغيرة ، و كانت القطط ـ التي تعيش في الجوارـ
تشم رائحتها ، و تهاجمها ، و تفتك بصغارها ..
احتارت الأرانب فيما تفعل في حياتها ، و في مستقبلها ؟!
و في يوم ما سمعت عن السلحفاة ، و صبرها ، و حكمتها !
توجه وفد من الأرانب لمقابلة السلحفاة و السلام عليها ، و عرض
المشكلة ، و أخذ الرأي !
وصل الوفد و سلم عليها ، و حكى القصة ، و طلب المساعدة ؛ شكرتهن
السلحفاة ، و قالت إنها سعيدة لحضورهن ، و هي على استعداد تام لتقديم المساعدة
لمن يطلبها ، فهذا مبدؤها في الحياة .. و ستقوم بمساعدتهن ، ولكنها تطلب في
البداية أن تكف بعض الأرانب الصغيرة عن وصفها بالبطيئة ، فهي حقاً بطيئة إذا
قورنت بالأرانب ، لكن الأرانب بطيئة إذا قورنت بالقطط أو الثعالب ، و هذه بطيئة
إذا قورنت بالذئاب .. وهكذا فلكل كائن صفاته التي ينفرد بها عن غيره ..
قطعت الأرانب لها وعداً بذلك .. و أنصتن لما تقول . السلحفاة
قالت : إن لديها طريقتها الخاصة ، و التي اكتسبتها من الملاحظة و التفكير و
النظر في أمور الحياة ، و باستطاعتها ـ بما أوتيت من علم و حكمة و صبر ـ أن
تعالج مشكلة الجيل الجديد ؛ إلا أن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى الصبر و التضحية
!!
قالت الأرانب : كيف ؟
قالت السلحفاة : سأنتقي أحد الأرانب الكبيرة ، و أجري لها عملية
داخل صدفتي ، و سيخرج من هذا الأرنب نوع جديد من الأرانب سريع الحركة ، يتمتع
بحاسة سمع قوية !!
اجتمع زعماء الأرانب : و اختاروا الأصح و الأجمل والأقوى و
الأطول ذيلاً ، و بعثوابها إلى السلحفاة .. انتقت السلحفاة أطول الأرانب ذيلاً
، و صرفت الباقين .
في صدفتها ، قامت السلحفاة بأخذ الجزء الأكبر من ذيل الأرنب ، و
قسمته إلى قطعتين ، و أوصلت كل قطعة بأذن من أذني الأرنب : فأصبح للأرنب أذنان
طويلتان !!
28/1/2000
الدمام
ألحان النسمة الصغيرة الباردة !!
للأطفال
في الحارات الصغيرة ، تمتد الشوارع الكثيرة مسافة ، ثم تنتهي .
الهواء الذي يملأ تلك الشوارع القصيرة..
يحرك الهواء الغبار و بقايا الأوراق .. و الروائح الطائرة من
الأكوام المتروكة ..
هذا الهواء يخرج من شارع صغير ، إلى شارع ، إلى شارع ..
يدور في الشارع ، ماشيا على مهل ، ملتفا ، و ملتويا .. حتى
يصرفه جدار ما ، فيتكوم قليلا .. و تسقط الأوراق منه ، و تتكوم مخشخة ..
كانت النسمة الصغيرة الباردة من ضمن الحزم الطائرة مع هذا
الهواء .
دارت النسمة الصغيرة الباردة معه .. حملت أوراقا .. مبتعدة عن
الروائح ..
أسرعت .. الروائح تلحقها ..
و عندما تكوم الهواء وسط الحارة مرة أخرى ، أمام جدار ، تحت تلك
الشجرة ..
لم تستطع النسمة الصغيرة الباردة أن تستقر .. دارت و دارت ، ثم
طارت بسرعة ، و هي تقول :
- لأخرج من هذا الجو الخانق !!
فرت ، لكن الجدار الكبير الواقف صدمها ، تلوت متألمة ، وانحدرت
حتى استقرت في الظل ..
كانت أوراق الشجرة الكبيرة تحدق بها و هي واقفة منتظرة ..
هبت النسمة الصغيرة الباردة إلى الأغصان ، و هفهفت بين ثنايا
الأوراق الخضراء فرحة ..
فرحت الأوراق و تحركت بطرب ، و أصدرت ألحانا صغيرة و جميلة
كالغناء ..
توافدت العصافير : من الجدران القصيرة ، من الشقوق ، من فوق سعف
النخيل اليابسة ، من السطوح حيث تخبئ أعشاشها ، من كل مكان ..
جاءت العصافير ، و حطت على الأغصان ..
توقف رجل محني الظهر ، و رفع عينيه الصغيرتين إلى أوراق الشجرة
التي تعزف ألحانها .. شاهد العصافير الفرحة
و من نافذة قريبة أطلت فتاة صغيرة بضفيرتين طويلتين ، و عينين
ذكيتين ، كانت تبتسم ، و هي تشرع النافذة للهواء ..
نور الشمس الناعم أخذ يتماوج من بين الأغصان مطاردا قطع الظل
المرحة ..
ازداد فرح النسمة الصغيرة الباردة ، و تمدد جسمها و اتسع ..
تراقصت الأشجار الأخرى القريبة و اهتزت ..
طربت النسمة ، و لوحت بمناديلها البراقة ، و انطلقت من فوق
الجدران ..
ماجت في الشوارع ..
و انطلقت إلى الحقول ..
كانت أسراب العصافير تتبع النسمة الباردة و هي تكسو الأشياء ..
و هاهم الأطفال اللاعبون يجرون خلفها ..
و أوراق الأشجار تلتفت ..
حتى المياه .. مياه البرك النائمة اختضت و تماوجت فرحة ..
الرجل العجوز يهمس باسما : يا لهذه النسمة الصغيرة الباردة !!
البحرين 23/6/2001
الفتى
الذي عشق
في البداية :
حوم الفتى بسيارته الصغيرة الحمراء : أمامه الشوارع الواسعة ، و
تلال الوقت الطويلة؛ قال لنفسه :
-الرياض كبيرة .. أين أذهب ؟ .. إلى مجمع العقارية ..
صرت العجلات .. السوق مزدحم .. لها مع شباب قابلهم في السوق ..
لمح من بعيد طرف عباءتها السوداء تلوح له كيد ؛ مشى يتبعها عن بعد ، اقترب و
ازدادت دقات قلبه .. أخذت الدقائق تتقد ، وآلمته أصابعه .. جبهته ساخنة ، قال :
-لابد أن تأخذ الرقم !
ضغط الورقة الصغيرة في كفه ، و كأنه يضغط يدها ؛ فتح الورقة
للمرة الرابعة ، برق الخط بلونه الأحمر في عينيه .. تأكد من صحة رقم هاتفه ، و
تصور فرحتها ، واحمرار خديها وهي تقرأه .. تبعها .. و أخيراً رآها تخرج من
السوق برفقة عائلتها ، قال : ربما هذه والدتها ، و هذه أختها الصغيرة . أما هذا
فهو أخوها بكل تأكيد .. أحس بالتحدي نحوه ( سأصفعه لو قال شيئاً ، و سأثبت لها
… ) .. طالت المعركة ، فأحس ببعض الخجل .. ركض إلى سيارته ليلحق بسيارتهم ..
أمام الإشارة الحمراء كانت النار تشتعل في داخله .. فرح للون الأخضر ، وحرص أن
يتبع السيارة من مسافة مناسبة .. لا أريد أن يراني هذا الأخ !
توقفت السيارة أمام مطعم الفصول فأحس بفرح ، وكأنه يعرف بيتهم ،
بل كأنه يعرفها من ألف سنة !
انتظر حتى مل ، ثم دفع الباب و دخل .. تصدى له عامل و قال :
-أين تذهب ..هذا المكان للعوائل ؟!
-العائلة في الداخل !
و مرق بسرعة وسط الإضاءة الخافتة كحلم ، تخطى ارتباكه ، وكان
العامل قد ذهب صارخاً أثر طلب ما ..أين يتجه الآن ؟ بل أين تجلس هي ؟ سمع ضحكة
ناعمة فتباغت .. دار حتى وجد كرسياً وطاولة فجلس ، وأخذ يدخن ..تفاجأ بعامل
رقيق يقف فوق رأسه ، ويطلب منه إطفاء سيجارته .. أطفأها وهو يسأل لماذا ؟ فقال
له العامل : هنا ممنوع التدخين .. إنه مكان العوائل .. هز رأسه ، وظل العامل
واقفاً ..فقال له :
-سيأتي الأهل !!
أحضر له العامل كأس ماء ، وتركه ..
استمرت عيون الندل تمسحه ، وهم يروحون و يغدون ، تشاغل والعامل
الرقيق يقبل نحوه .. ابتسم له وقال :
-لقد تأخروا !
-هل تريد أن تأكل ؟
قاده إلى طاولة صغيرة بكرسيين .. كانت قريباً من قسم العوائل ،
وتطل على الباب الخارجي .. استقبل الزجاج ، وجلس :
( رآها تقبل نحوه ، وبحيائها تجلس أمامه .. قال غاصاً بفرحه :
أهلاً . فسمع رنيناً خافتاً يشبه الغناء .. طارت عصافير كثيرة ضاحكة حول قلبه
.. وسمع هديل حمام .. و أزهار صغيرة أخذت تورق بين أصابعه .. ضغط أصابعه حتى
تشابكت الأغصان و تألمت يداه .. ) انتبه إلى صوت النادل الرقيق يقول له :
-سنغلق المحل .. لو سمحت !
ترنحت أشجار فرحه .. نهض خارجاً ، فتح يده على الورقة الصغيرة
.. رأى الرقم الأحمر فدعكه بانفعال ، و رمى بالورقة ؛ ثم سار و كأنه يسقط في
بئر .
في اليوم التالي :
دار في العقارية حتى كل ؛ مشى و توقف بسيارته أمام مطعم الفصول
، دفع الباب و دخل قائلاً للعامل :
-العائلة في الداخل !
و مرق بسرعة ، الإضاءة خافتة . جلس على الطاولة الصغيرة ذات
الكرسيين ، متسائلاً : أين تجلس هي ؟ جاءه العامل الرقيق فقال له :
-سيأتي الأهل !!
أحضر له العامل كأس ماء ، وتركه ..
انتظر أن يسمع ضحكة ناعمة .. أخرج من جيبه علبة الهدية الحمراء
الصغيرة ، و وضعها بالقرب منه ، قال ستفرح بالسلسلة الذهبية ، والقلب الصغير
الذي يحمل الحرف الأول من اسمه .. انتظر ، و انتظر ، و انتظر .. حتى امتلأ
فؤاده بأحجار ثقيلة ؛ قام ليغادر .. لكن كأنه سمع من يقول له : انتظر .. جلس و
هو يلتفت باحثاً عن محدثه ، لم يكن غير الطاولة الصغيرة و الكرسيين .. و أناس
بعيدين يثرثرون حول صحون طعامهم .. نظر إلى الكرسي المقابل له ( تراءى له طيف
ابتسامتها ، كانت كما لو جلست أمامه ، وقد تدلت خصلات شعرها الأسود فوق جبينها
المشرق .. خفق قلبه ، و هو يبتسم ، قال أهلاً فردت عليه بحياء .. مد يده
بالعلبة الصغيرة الحمراء ، و لمس أصابعها الناعمة ، فتعالى غناء لا حدود له في
وديانه .. أخذ يحدثها عن أول مرة شاهدها في أسواق العقارية ، و كيف كتب الرقم ،
و أخذ يسأل عن المرافقين .. و صف لها بيتهم ، و عدد أفراد أسرته واحداً واحداً
، و طلب منها أن تصف له بيتها ، و كان متلهفاً على معرفة موقعه .. ) بوغت بصوت
النادل الرقيق و هو يسأله :
-هل تريد أن تأكل ؟
ارتبك و هو يومئ برأسه ؛ و أمسك قائمة الطعام .. عاد النادل
إليه ، فطلب عشاء لشخصين .. و قال للنادل سيحضرون الآن ..( رآها تبتسم بحياء و
هي تخفض عينيها .. واصل الحديث عن أصدقائه و دراسته في الثانوية ، و عزمه أن
يكون .. و .. و ..… ) انتبه إلى صوت النادل الرقيق يقول له :
-سنغلق المحل .. لو سمحت !
في الأيام المتتالية :
يتوقف بسيارته أمام مطعم الفصول مساء ، يدفع الباب و يدخل
قائلاً للعامل :
-العائلة في الداخل !
يمرق بسرعة وسط الإضاءة الخافتة ، يجلس على طاولته الصغيرة
مقابلاً الكرسي الآخر ، يأتي العامل الرقيق فيقول له :
-سيأتي الأهل !!
يخرج من جيبه علبة الهدية الحمراء الصغيرة ، و يضعها قرب الكرسي
المقابل ، يطلب عشاء لاثنين ؛ و يأخذ يحدثها حتى يخرجه صوت النادل قائلاً :
-سنغلق المحل !
04/08/99 ــ 22/04/20 ــ الدمام
|