غنائم
التهم شطيرة الفلافل مقرونة بعدة رشفات من النبيذ الأحمر
الذي يعشقه ، ثم أخرج من جيبه علبة لفائف التبغ ، فأشعل واحدة و أخذ يرتشف
دخانها بشغف ، و هو يردد أغنية قديمة : " الدنيا سيغارة و كاس ...للي ظلموه
الناس .." ؛
ثم ....
اندس في فراشه جالسا ،
ثم ....
التفت نحو كومة الرسائل التي كان قد نضدها بعناية فوق
الدرج المجاور لسريره ،
ثم .....
ابتدأ يفضها واحدة إثر واحدة بعناية خبير متمرس ،
مستخدما قطعة إسفنج مبللة ، و مع كل رسالة كان يصدر تعليقا منغما يتناسب مع ما
اكتشفه ..
* " عيني عيني على العاشقين ... حيارى و مظلومين ! " ثم
أضاف : " اليوم يبث لها لواعج شوقه و لهفته لوصالها ، و إذ تصبح ملك يديه
يذيقها الذل و الهوان ! "
* " اشتدي أزمة تنفرجي ...قد آن أوانك بالبلج ..." جاءك
الفرج من تحت الدرج ، إحسب يا أبو البهايج ... ، إنها خمسون أخضرا امريكيا ،
أرسلها ذلك المهاجر الأحمق لوالده ، كم مرة حذرت وسائل الإعلام من إرسال النقود
بالبريد العادي ؟!....الحمار يريد أن يوفر أجور الحوالة البنكية !.. أنت أولى
بهذه النقود يا أبو البهايج ، من ذلك الحمار أو أبيه ....
* يجس بيده الخبيرة رسالة جديدة ، يصيح جذلا" " : مؤكد
رزق جديد من أحمق آخر " يفتحها ، يجد بين طياتها جسما صلبا ، ملفوفا بعناية
بمنديل ورقي : " يظن الأحمق أن أحدا لن يكتشفه ، ياه......إنه خاتم مزين بفص
براق .. لا بد أنه خاتم ثمين! " ثم يضيف بصوت أعلى : " اليوم مفتوحة في وجهك يا
بهجت يا إبن مدحت ..."
* الله .. الله .." هنا حط بنا الجمّال " سافل آخر
يستحق الحرق .. إنها مجلة إباحية ، كأسك يا ابا البهايج نخب هذه الهدية
الشيطانية ....
كان بهجت أفندي الموظف في قسم الفرز في دائرة البريد
المركزية ، كان يتناول كل بضع ثوانٍ رشفة جديدة من نبيذه الأحمر المعتق ، و
رشفة أخرى من سيغارته ، و قد هزته غنائمه الجديدة طربا ...
أشعل لفافته السابعة ،
ثم ...
رفع كأسه الخامسة أمام ناظريه فوجدها لا زالت ممتلئة
حتى نصفها ،
ثم ....
حاول ارتشاف ما تبقى دفعة واحدة ،
ثم .....
غلبه النعاس فغفا ..
ثم ......
سقطت لفافة التبغ من يده مشتعلة فوق فراشه !
أضيفت في01 / 02
/ 2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب
البويجي
كان يجلس في ركن من أرضية مبنى كبير و أمامه صندوقه المُلبَّس و
المزخرف بالنحاس البراق ، مشكلا قطعة فنية تلفت النظر ؛ تقدمت منه فرحب بي ، ثم
باشر عمله على الفور .
و بينما كان منهمكاً في عمله المتقن ، تقدم منه طفل في العاشرة ،
فناوله بضعة قروش و هو يقول له مبتهجا :
- ( بابا ) لقد بعت جميع الأكياس ، هل أذهب إلى البيت ؟
يجيبه :
- ويل لك ... لا زال اليوم في أوله ، خذ مجموعة أخرى و اسرح بها ،
و إلا ...
بعد دقائق قليلة ، تقدم منه طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره :
- ( بابا ) بعت خمسة أمشاط و مسبحتين ..
ناوله القروش التي جمعها ، ثم مضى يكمل مهمته .
أثناء مباشرته بتلميع ( فردة ) حذائي الأخرى ، قدم طفل ثالث في
السابعة من عمره و بيده حلوى يأكل منها متلذذاً ، فتناول منه القروش التي
جمعها بيد و صفعه باليد الأخرى فألقاه أرضا وقد علا صياحه.
البويجي : ماسح الأحذية
الكابتن
في ليلة إشتدت ظلمتها و في طريق العودة إلى مدينتهما من مدينة
مجاورة ، جلس رفيق مع زوجته في المقعد الخلفي لسيارة أجرة عامة ، و كان قد دفع
أجرة مقعد إضافي ليضمن الراحة لهما ، في سفر يستغرق حوالي ساعتين أو أكثر قليلا
، و جلس إلى جانب السائق راكب آخر ، ثم انطلقت بهم السيارة .
بعد أقل من عشر دقائق ، أخرج الراكب المذكور علبة لفائف التبغ ، بكل
هدوء سحب منها لفيفة (سيكاره) ، أشعلها ، و أخذ ينفث دخانها ليصفع به وجْهي
رفيق و زوجته مع كل زفير .
" أرجوك يا أخ أن تمتنع عن التدخين ، فإنني مريض بداء الربو و
الدخان يؤذيني " قال رفيق ، فأجابه الراكب ساخرا شامخا بأنفه : " تريدني أن
أنقطع عن التدخين ساعتين ؟ أنا لا أستطيع الإستغناء عنه دقيقتين ! أما مرضك
فهو من شأنك ! "
تتدخل زوجة راشد متوسلة : " الناس للناس يا أخ ، و نحن لا نأمرك بل
نرجوك ، أنت قد إبتليت بالتدخين فلا تسبب الضرر لغيرك ! "
يخرج لفيفة أخرى ، يشعلها بكل عجرفة و تحدٍ ، و يبدأ من جديد ينفث
بدخانها ليتسرب إلى خياشم راشد و رئتيه ، ثم لا تلبث نوبة سعال شديد أن إنتابته
.
تهدأ نوبة السعال ، يوجه حديثه إلى السائق : " يا أخي أنت قائد
السيارة ، و من صلاحيتك أن تمنع الركاب عن التدخين ." يجيبه بغِلظة : " يا سيد
، أنت لم تستأجر السيارة لحسابك الخاص ، هذه سيارة أجرة عامة و ليست خاصة . "
يخرج ( الكابتن ) علبة لفائفه ،
بكل هدوء يخرج منها لفيفة ،
يضعها بطرف فمه ،
يشعلها بكل عجرفة و تحدٍ ،
ويبدأ يتفث دخانها
ليصفع به وجهي رفيق و حرمه ....!
أضيفت في20 / 02
/ 2009/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب
نهاية عاشقين
راشد و مبارك صديقان حميمان منذ أيام الدراسة ، ثم أصبحا - بعد التخرج
- شريكين في عمل تجاري مربح ، ثم تزوجا في الوقت ذاته تقريبا ، وسكنا في دارتين
متقاربتين ، ثم ما لبثت أن أصبحت زوجتاهما صديقتين حميمتين أيضا ، ثم انتقلت
الصداقة إلى الأبناء ..
فقد أنجب راشد غلاما ذكرا أسماه عبد الله و من بعده إبنتين .
و بعد سنة أو تزيد ، أنجب مبارك بنتا أسماها دلال و من بعدها غلامين .
و منذ أن كان عبد الله في التاسعة و أمه تقول : " دلال لعبد الله و عبد
الله لدلال "
و منذ أن كانت دلال في السابعة و أمها تقول : " دلال لعبد الله و عبد
الله لدلال "
بدأتا العبارة كمزاح ، أو كتندر على عادات بدوية قديمة ...
و لكن ....
ما أن بلغ عبد الله و دلال مرحلة التحولات الجسدية ، حتى تعلق أحدهما
بالآخر !
*****
و في الجامعة التقيا معا في كلية واحدة فازداد ارتباطهما و تعمقت أواصر
حبهما ، كانا يلتقيان في ساعات الفراغ فيتناجيان ، و إذ يعودان إلى منزليهما
يتهاتفان ..
و ذات يوم ، تهاتفه دلال فتسأله - و قد شاب صوتها اضطراب و خوف - عمّا
يعرفه حول خلاف والديهما مؤخرا ؛ فيبسِّط لها الأمر قائلاً : " إنها خلافات
تحدث دوما بين الشركاء ، و لكن لا تنسي أنهما صديقان حميمان منذ سنوات و أن
صداقتهما ستعيد المياه إلى مجاريها وشيكا ! "
و لكن ....المياه لم تعد إلى مجاريها أبدا .
ففي يوم آخر ، تخبره أن الأمر يتفاقم و أن هناك محامين و مؤسسة محاسبية
: " المسألة تتضخم يا عبد الله ! "
و بعد عدة أيام أخرى ، تخبره و هي تبكي بحرقة أن والدتها منعتها و
أخويها من التعامل معه أو أختيه : " إنها القطيعة يا عبد الله !!! "
" أهكذا تنقلب صداقة السنين إلى عداء ؟ " يتساءل متألما ، ثم يكمل بصوت
حزين : "إنني غير مصدق لما يجري لولا أنه يجري ! " ثم يضيف : " إسمعي يا دلال ،
أنا لن أتنازل عنك حتى لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري " فتجيبه على
الفور " و أنا لن أتنازل عنك يا عبد الله حتى لو ذبحوني من الوريد إلى الوريد !
"
ثم ....
تجرأ عبد الله ذات يوم فدعاها إلى سيارته فلم تمانع ، ثم توجه بها إلى
بيته ، خافت قليلا و لكنها لم تمانع ، فعائلته في زيارة الجدَّين ؛ ثم دخل بها
إلى مرآب سيارته ، فلم تمانع !!! ..
*****
و تكررت - من بعد - لقاءاتهما في المرآب ،
و لكن .....
ذات يوم قائظ ، اشتدت فيه وطأة الحر ،
شغَّل عبد الله محرك السيارة ليتمكن من تشغيل مكيِّفها ،
إلا أن المرآب كان مغلقا ،
فإنتشر دخان العادم ،
ثم تسرب الدخان القاتل إلى خلوتهما !!
أضيفت في 03 / 12
/ 2005/ * خاص القصة السورية
بطيخة الأنشاصي*
كان وضّاح قد أنهى لتوه تأديب شقيقه الصغير ، نفث زفرة ارتياح ثم
اتجه إلى غرفته فأغلق بابها و انبطح فوق سريره لاهثا ؛ عندما دوى إنفجار هائل
اقتلع نافذة الغرفة و بابها و قذف به و بسريره عاليا ثم حط به محطما .
شله الرعب لفترة ، و لكنه أدرك أنه لا زال حيا ، فقد تمكن من تحريك
يديه ثم ساقيه ثم رأسه ، فنهض ليرى كل شيء من حوله في حالة فوضى مرعبة .
استبد به الفضول و رغم خوفه الشديد خرج إلى الشرفة ، ألقى نظرة وجلة
على الشارع من تحته ، و يا لهول ما رأى ؛ ثمت سيارة قد تحولت إلى كومة من معدن
أخضر اللون أشبه بعلبة صفيح مهروسة ، بينما لا زال الدخان يتصاعد منها و من
سيارات أخرى كانت في الجوار .
ها هي سيارات النجدة تعوي مندفعة تتبعها سيارات المطافئ و الإسعاف و
الأمن العام و المخابرات و البحث الجنائي ، يقيمون على عجل طوقا أمنيا حول
المنطقة ، ثم يتوافد الصحافيون فيمنعهم ضابط كبير – بغلظة - من الإقتراب ، و
يصادر إحدى الكاميرات التي أفلح صاحبها بالتقاط بضع صور بها .
و خلال عشر دقائق تحول الشارع كله إلى ما يشبه حالة طوارئ في أعقاب
غارة جوية .
أضرار كبيرة لحقت بواجهات المباني ، نوافذ و أبواب محطمة ، زجاجها
يملأ أرض الشارع ، و مع ذلك و رغم خطر إنهيار الشرفات كما حدث في العمارة
المقابلة ، فقد غصت بالكبار و الصغار الذين استبد بهم الرعب و الفضول معاً..
تلفَّت وضاح حوله متفقدا مدى الأضرار التي أحاقت بشرفة بيته ، فلمح
بطيخة كبيرة خضراء لامعة ، يحملها مستغربا و يدخل بها إلى غرفة الجلوس ، ليجد
شقيقه ماجد مختبئا تحت طاولة الوسط و هو يرتعش هلعا ، يحاول جره فيعلو صياحه ،
يحاول تهدئته و لكنه يزداد صراخا ، فيتركه لشأنه لفترة ، ثم يحني رأسه نحوه و
ينذره بأوخم العواقب إن تفوه بكلمة لوالديه !
يشغِّل التلفاز ...
جميع القنوات تتحدث عن الإنفجار المروع !! :
" لقد تم إغتيال محمود بك ، مدير عام وزارة التموين بعبوة تزن
ثلاثين كيلوغراما من المواد المتفجرة ، زرعها مجهولون أسفل سيارته أدت إلى
وفاته في الحال ، و هناك بعض الإصابات المتوسطة و الطفيفة ، و لكن الأضرار
المادية التي لحقت بعدة سيارات و بواجهات عدد من المباني جسيمة . "
*****
يشعر وضاح بالعطش ، يتذكر البطيخة ، يحملها فوق طاولة الطعام ،
يضعها في وعاء كبير، يخرج سكينا من الدرج ، يطعنها تمهيدا لتقطيعها ، و لكن
إحساسا غريبا ينتابه ، ثمت من يحاول جذب السكين ؟!!!
يظن نفسه –في البداية - متوهما ، يحاول إخراج السكين فلا يتمكن ، و
السكين لا تزال تتحرك نحو داخل البطيخة و لكن ببطء !
يشعر ببعض الخوف ، يجرب شدها ثانية و ثالثة ، ثم يستخدم كلتا يديه و
كل قوته ، و لكن السكين لا تزال تنجذب نحو باطن البطيخة !!!.
يتحول خوفه إلى رعب ، يقرر ترك البطيخة و السكين ، و لكنه لم يتمكن
من إفلات مقبض السكين من يده ، فالمقبض التصق بيده و كأنه جزء منها .
يتحول رعبه إلى هلع ، يصرخ مستنجدا ، و لكن من ينجده ؟ والداه لا
زالا في عمليهما ، و الصغير ماجد لا زال تحت الطاولة مستمرا في نحيبه ...
يا للمصيبة ...
بدأت يده تنجذب إلى داخل البطيخة ...
ترتعد فرائصه ،
ينتفض محاولا الخلاص ،
يصرخ بصوت أعلى ،
صوته أصبح أعلى و أقوى من سيارة النجدة التي وصلت اللحظة حاملة أحد
كبار المسؤولين ،
يضيع صراخه مع ضجيج الشارع الذي تحول إلى ساحة طوارئ ،
ثم تختفي يده داخل البطيخة ...
ثم يختفي كتفه...
ثم يختفي رأسه ...
ثم ....
تبتلع البطيخة وضاح بكل لحمه و عظمه و شحمه !!!
*****
يجد وضاح نفسه في قاعة فسيحة تشبه قاعات المؤتمرات ، و قد غُصت بعدد
كبير من الأحياء بدت وجوههم غير محددة المعالم و قد توزعوا في فئات ، كل فئة
منها ترتدي ضربا من الثياب الموحدة مختلفا عن الأخريات ، و أمام كل مجموعة
نُصبت لافتة تحدد انتماءها : ( حزب الكلوكوز – حزب الفيتامين آ - حزب الفيتامين
ج – حزب الكالسيوم – حزب الفوسفور – حزب المغانيسيوم – حزب الألياف – حزب
البذور ) ، و يتصدر القاعة ثلاثة أحياء يبدو أنهم رئيس المجلس و مساعداه .
أما هو فكان ضمن ما يشبه قفص المتهمين في محاكم البشر .
يبتدئ رئيس المجلس السيد ( أكسيجين ) بشرح الموقف فيقول مخاطبا
الجمع : << اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق إنجاز علمي رائع ، فقد استطاعوا للمرة
الأولى التحكم بعناصر فضائنا الخارجي مما مكننا من تنفيذ القرار رقم 14 الذي
اتخذه مجلسكم الموقر في الأسبوع الماضي ! >>
يقوم مساعد الرئيس السيد ( هيروجين1 ) بتلاوة القرار : << بما أن
الإنسان لا زال مستمرا في سلوكياته العدوانية وفق شريعة الغاب ، إبتداء من
إيقاع الأذى الجسدي أو النفسي ، من قبل فرد على فرد أو مجموعة على فرد أو فرد
على مجموعة أو مجموعة على مجموعة ، و ما يرافق ذلك من تخريب للأنساق
الفيسيولوجية و السايكولوجية التي خُلقوا عليها في أحسن تقويم ، إضافة إلى
تدميرهم المتعمد للمنشآت و الممتلكات و عناصر البيئة ، فقد قرر المجلس إيقاع
العقوبات الإقتصادية على البشر على مراحل تبتدئ بحرمانهم من أكل البطيخ ، أما
إذا استمروا في غيِّهم خلال سنة من تاريخه ، فالعقوبة التالية ستكون حرمانهم من
الإستفادة من كل القرعيات ! و يستثنى من هذا القرار النساء الحوامل و المرضعات
و الأطفال اليتامى و مجهولو الوالدين و كذلك يستثنى المعوقون و دعاة السلام و
محاربو الفساد أيا كان إنتماؤهم ، و ستقوم كل سنة لجنة مختصة بمراجعة أحكام
المقاطعة و تطويرها وفق ما يقتضيه الصالح العام ! >>
يقوم المساعد الثاني للرئيس ( السيد هيدروجين2 ) بتشغيل شاشة تلفزة
عملاقة بدأت لتوها بعرض نقل حي من فضاء البطيخة البشري لمؤتمر صحافي يترأسه
مسؤول كبير : " يا أخوان كل الموضوع وما فيه أنَّ البطيخة فُقدت , ولا يعُرف
مكان وجودها , أو حتى من سرقها . وما الغاية من وراء سرقتها "
و يعلق الرئيس قائلا : << إنهم – كالعادة - يتجاهلون المغدور الذي
نجح في إصلاح إدارته من الفساد و الذي إغتيل لهذا السبب ، و يركزون على بطيخة !
>>
ثم يستأنف خطابه قائلا : << و اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق أول
إنجاز تقني في تاريخ البطيخ ، فقد تمكنوا باستخدام تقنية فائقة ، من تحقيق
البند الأول من قراركم التاريخي ، إخواني ...لقد تم اليوم جذب هذا العدواني
الشاب مع سكينه كأول تنفيذ لأحكام العقوبات الإقتصادية التي فرضتموها على
البشر! >> ثم يكمل الرئيس خطابه مشيرا بإصبعه نحو وضاح : << هذا الغلام ذو
السادسة عشر ربيعا ، اعتدى بالضرب المبرح على شقيقه الصغير ذي السابعة لأسباب
تافهة ، تلك هي تهمته الأولى ، أما تهمته الثانية فهي استيلاؤه على البطيخة
التي تمكن علماؤنا من إنقاذها من التلف خلال الإنفجار الهائل الذي شاهدتم آثاره
المرعبة قبل قليل ، ثم محاولته تقطيعها تمهيدا لأكلها ، مخالفة للبند الأول من
قرار العقوبات الإقتصادية الذي وافقتم عليه بالإجماع ! >> .
ثم يضيف قائلا : << هؤلاء البشر الذين مضى على وجودهم فوق الكرة
الأرضية آلاف السنين ، تمكنوا من تطوير أساليبهم الحياتية و أدواتهم الحضارية
إلى الأفضل و لكنهم أبدا لم يتمكنوا من تطوير عواطفهم و عقائدهم أو التخلص من
غرورهم و عدوانيتهم ، إعتباراً من أصغر عنصر كهذا الذي يقف بين أيديكم و انتهاء
بأقوى مجموعة كالتي غزت مؤخرا دولتين مستقلتين بحجة مكافحة الإرهاب ؛ و لا
زالوا حتى اللحظة يقتتلون في كل مكان ، مستخدمين أبشع أدوات الفتك و الدمار !
>>.
*****
يدخل الوالدان إلى الدار و قد استبد بهما القلق و الرعب ، إثرعلمهما
بوقوع الإنفجار جوار دارهم ، فيجدان ماجد نائما تحت طاولة الوسط في غرفة الجلوس
، أما وضاح فقد وضع رأسه فوق طاولة الطعام معانقا بطيخة الأنشاصي مستغرقا في
ثبات عميق .
------------------------
*
الأنشاصي : الكاتب الأستاذ عبد الله خليل الأنشاصي ، كاتب قصة ( البطيخة ) التي
بنيت عليها قصة ( بطيخة الأنشاصي )
مقاطع من قصة ( البطيخة ) ،
*
(( عقبِ تعينيه مديرا لتلك الدائرة أخذ عهداً على نفسه بإصلاح
الأمور, حتى تعود نظيفة من كل ما هو سلبي , رغم نصائح بعض المخلصين له بالتأني
في الإصلاح , إلا أنه مضى فيه بكل جدية وإخلاص , ولم تمضِِ عدة شهور حتى دبت
الحياة في الإدارة , وأشاد كثير من الناس بفعالية الإدارة , وعودة الحياة
الطبيعية إليها, وأكدوا أن الفضل يعود لمديرها الجديد وما يبذله من جهود مخلصة
في هذا السبيل . ))
*
(( و في صباح أحد الأيام , وقع انفجار كبير في سيارة المدير , أدى
إلى مقتله , بشكل بشع , ووصلت التحقيقات *إلى طريق *مسدود , فلم *يُعرف المسئول
أو المسئولين *الذين يقفون *وراء الحادث .))
*
(( غبي ! كيف لا أشغل بالي بها , ونصف جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان
في العالم تستفسر عنها , بل وصل الأمر إلى أنّ تستفسر بعض وزارات خارجية دول
لها وزنها في العالم , وكثير من وكالات الإنباء والسفارات والصحف من عدة دول في
العالم .))
*
(( عُقد المؤتمر الصحفي وكان مجمل الاستفسارات التي وردت في المؤتمر
, تدور حول شكل ولون ووزن وحجم ومذاق البطيخة , إلا أنّ أحد الصحفيين سأل عن
مصدر البطيخة , وهل هي من إنتاج محلي أم مستوردة ؟ ومن وضعها في سيارة المجني
عليه ؟ ولماذا لم *تنفجر رغم شدة الانفجار؟ الذي أودى بحياة المدير وحطّمَ
سيارته تماماً , ولماذا مُنع نشر صور للبطيخة ؟ , بل وأين البطيخة نفسها ؟ ومن
أخذها ؟ ومن له مصلحة في اختفاءها ؟ ))
أضيفت في 05 / 11
/ 2005/ * خاص القصة السورية
مملكة العجائب
برج عالٍ يلفت نظري ...
أقترب منه ،
أقترب أكثر؛
أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ...
الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ،
أتجرأ فأدخل بخطىً حذرة .
ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ...
أنفاق و دهاليز و شوارع عريضة أو ضيقة ، يتجه بعضها نحو الطبقات
الدنيا في الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا .
يزداد فضولي ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد
ينتبه إلى وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ، و لكنني أتماسك و أبدأ
بتركيز إنتباهي !..
*****
أتوجه بداية نحو الطبقات العليا
طبقة لثكنات الجند ،
تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع لتربية الفطر و أخرى لتربية
الحشرات الداجنة ، حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو
تغذي بعضها فما لفم ، و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة
ثالثة باستحلابها في إصطبلات تقع على الأطراف !
أعلى طابق بان لي – بداية - فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن تنبهت إلى
وجود فتحات صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن
هو إلا رئة البرج ؛ فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة
تحيط ببناء المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و
خروج الكربون المؤكسد ! ...
*****
عدت أدراجي باتجاه الأسفل...
ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة
الرئيسية ، و ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ،
تتوجه كل مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك .
وفي الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس بجوار أحد
المداخل ؛ أتسلل إلى داخل الحجرة ...
يا لعجيب ما أرى !
إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن
بطنها منتفخ كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار
حدث ما ..
فجأة تدب الحركة بينهن ...
فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات
أن تعاونتا على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ...
تبعتهما ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت
أن اكتشفت فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات
بَدَوْنَ منهمكات بتقليبها أو تنظيفها .
هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها مخصصة لتنشئة الصغار و
العناية بهم .
*****
وعلى حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق أبواب
الحجرات كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى
أعلى ..
<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري ، ثم
تبعت خطاهن .....
و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ...
الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم ..
ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة ..
*****
خرجت أستطلع الأمر ...
يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف الثمانية
..
بدا هائل الحجم كجبل متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند
، يشلهم السم ، ثم يمتد لسانه فيلتهمهم ...
يهاجمه ألوف الجند بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين
لمئات الإصابات ، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح
البعض بتسلق أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ
الجميع بلثغه في كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم
هي و لكنها فعالة...!
قاذفات من طراز دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الخفاش الشبح ، و
حوامات من طراز النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل
الأوزان ، يصاب الكثيرون من جند المملكة بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و
يستمرون بالقتال ...أف=
أضيفت في 15 / 10
/ 2005/ خاص القصة السورية
نزوة أمير
كانت تبكي بحرقة بينما كانت تخاطب ( أم نائل ) بصوتٍ متقطعٍ
كسيرٍ حزين :
- لم أفعل ما يسيئه ...
لقد أحببته بكل جوارحي ....
و لم يكتم عني حبه ....
أيامي معه – حتى الأمس – كانت كلها عسل ...
أمس بالذات : كان يناديني ( يا حلوتي )
فكيف تريدنني أن أصدقك يا أم نائل ؟
لعلك تمازحينني يا أم نائل ؟!
*****
بدأت القصة قبل شهر تقريبا ..
دخلت أم نائل حياتهما فجأة ...
كانتا قد ودعتا الأب و الزوج الراحل ..
و استمترا تجتران أحزانهما إلى أن قرعت أم نائل الباب ، فحولت
أحزانهما إلى أفراح..
" سمع الأمير بجمال ابنتك " قالت للوالدة بهدوء المتمرس !
و لكن المفاجأة صعقتهما .
- "الأمير يطلب يد ابنتي ، أنا ؟!!! "
سألتها مشدوهة ، ثم أضافت و هي في أقصى حالات الإنفعال :
" و من نحن حتى يناسبنا الأمير ؟ "
" أخشى أنك قرعت الباب الخطأ يا سيدة ! "
و لكن أم نائل تؤكد لهما ، أن الأمر حقيقة و ليس وهما و لا
حلماً..
و تبدأ على الفور في بحث ترتيبات الزواج ، قبل أن تتلقى
إجابتهما ...
و تنجرُّ الأم في حديث الترتيبات و كأنها مُنَوَّمة !
و يرقص قلب الفتاة فرحا !
فلطالما فتنتها قصة ساندريلا ..
و هاهي تصبح ساندريلا حقيقية ، بلا مؤامرات أو دسائس أو ساحرات
!
*****
و في ضاحية بعيدة
و في دارة ( فيلا ) أحاط بها رجال الأمن ...
يستقبلهن ضابط كبير ، و ينحني لهن احتراما ، عندما يتأكد من
هويتهن ...
كن ثلاثا ، العروس و أمها و السيدة أم نائل !
يدخلن الدارة ..
يبهرهما - العروس و أمها - زخارفها و أثاثها ...
يستقبلهما طباخ و خادمتان شرقيو الملامح ...
يدخل بعد دقائق مُلاّ ( رجل دين ) مهيب الطلعة ..
يتبعه بعد دقائق أخرى ، رجلان يحملان طرفي عباءتيهما المطرزتين
بخيوط الذهب ..
يحييان الشيخ الوقور بحك الأنوف .
*****
تشعران بحركة غير عادية خارج الدارة..
ثم حركة غير عادية داخلها ..
ثم يقف الجميع إجلالاَ !
إنه الأمير !!!!
*****
ينادي المُلا والدة العروس :
- أنت وكيلة العروس ؟
و دون إنتظار إجابتها استمر يقول :
- في بعض الظروف يمكن للوالدة أن تكون وكيلة ابنتها ، رددي معي
( يا حرمة ) .....
ثم أخذت تردد ما يقوله المُلا كالببغاء ..
و قام الآخران بالتوقيع كشاهدين و كأنهما رجلان آليّان ..
" مبروك .. مبروك .. "
ثم انصرف المُلا ...
و انصرف الشاهدان ...
ثم انصرفت أم نائل و هي تجرُّ أم العروس ، جرّاً .
*****
أضافت أم نائل بعد أن هدأ نحيب الفتاة ...
" لا تحزني يا بنية ، فأميرنا لن يغبنك حقوقك ، إنه أمير عادل و
من عشاق العدالة المطلقة "..
ثم أكملت و كأنها تسرد من كتاب حفظت فصوله جيدا :
" قبل كل شيء عليك أن تلتزمي بالعدة "
" إن تبين أثناءها أنك حامل ، فستكون لطفلك نفقة حتى آخر العمر
، كأي من أفراد العائلة الأميرية "
" و إن لم يتبين ذلك ، فلك الحق بالبقاء في هذه الدارة مدة
العدة كلها (!) "
" ثم سيمنحك الأمير مبلغا من المال يكفيك للعيش الكريم مدى
الحياة ."
"و انتبهي جيدا للتالي : إذا أنجبت له ، لا يحق لك الزواج ثانية
على الإطلاق ؛ أما إذا لم تنجبي فلك الحق بالزواج و لكن بعد سنتين .."
و لكن الفتاة أجابتها و هي تشرق بدموعها :
- " و لكنني لم أفعل ما يكدره "
" لقد أحببته بكل جوارحي "
" و لم يكتم عني حبه "
" و حتى الأمس كان يناديني ( يا حلوتي ) "
" لم أفكر قط بالمال "
" لم افكر إلا بحبه و كيف أرضيه !!! "
" فكيف أهون عليه ؟ .. "
- يا بنية ، أنتِ لم تستوعبي الأمر بعد !
أجابتها أم نائل بلطف متناهٍ ؛ ثم أكملت و هي تربت على كتفها
مهدئة :
- " تلك هي مستلزمات الإمارة يا بنية "
" المسؤوليات الهائلة الملقاة على كاهل الأمير تجعله بحاجة
دائمة للترفيه "
" فكل أسبوع له زواج جديد "
" و كل يوم يتلقى من وجهاء البلد و شيوخ العشائر – الذين يدركون
جيدا إحتياجاته – يتلقى منهم عرائض يرجونه فيها أن يشرفهم بقبول بناتهم زوجات
له ! "
" إنها طبيعة الأمراء في كل زمان و مكان "
" ألم تسمعي بحريم و جواري هارون الرشيد و غيره من الخلفاء ؟ "
" ألم تقرئي روايات ألف ليلة و ليلة قط ؟ "
" أجساد الأمراء - يا بنيّة - بحاجة لحب متجدد تقدمه العذارى "
أضيفت في 02 / 01
/ 2005/ * خاص القصة السورية
المتشرد
صحا أبو محمود في ساعة متأخرة من الصباح ، شعر بألم يعم جميع مفاصله ، و خاصة
ألم الظهر ،
وطأة ألم الظهر تتفاقم يوما بعد يوم و خاصة منذ أن حل الشتاء ،
تمطى
تثاءب
تثاءب أيضا
ثم توجه إلى دورة المياه ، فقضى حاجته ثم توضأ
المياه الباردة تلسعه ، و لكنه يستمر
عاد الآن قرب المحراب فصلّى صلاة الضحا
ثم جرجر نفسه نحو مدخل المسجد
فجلس هناك ، و هو يبسمل و يحوقل
ضبط وضع عباءته التي قدمها له أبو تحسين
ثم أخذ يتابع الرائحين و الغادين
و يرد السلام على كل منهم
" و عليكم السلام أخي أبو تيسير و رحمة الله و بركاته "
" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي أبو سليمان "
تتقدم منه ، فتاة صغيرة ، فتقدم له سرة :
-صباح الخير عمو أبو محمود ، والدتي تسلم عليك و تقول لك : " مأكول الهنا "
يجيبها بعين دامعة :
-( الله يرضا عليك يا بنتي ) أنت إبنة أبو شفيق أليس كذلك ؟
-نعم عمّو أنا روحية بنت أبو شفيق ، و والدتي تقول لك ، إذا كنت بحاجة لأي شيء
آخر أأمر .
-لا يأمر عليكم عدو( يا بنتي ) ، و يعطيكم ربي على قدر نيتكم ..
*****
قبل حوالي شهرين
لاحظ إمام المسجد أن( أبو محمود ) يقيم فيه ...
لم يسأله بداية ، و لكن الفضول استبد به ذات يوم فتقدم منه سائلا و ناصحاً :
-هل عزمت على التنسك يا ( ابو محمود ) ، أنا أشجعك على إقامة صلواتك في المسجد
، الفروض منها و السنن و الأنفال ، و لكن أن تبيع بيتك و تسكن في الجامع فهذا
ما لم أفهمه و لا أقرّك عليه ، فالمسجد بيت الله المخصص للعبادة و ليس للسكن
، التنسك و الدروشة سلوكيات ممجوجة و غير مقبولة يا ( أبو محمود ) ، و كما تعلم
فلا رهبانية في الإسلام !!
يجيبه أبو محمود و قد انبثقت دموعه رغما عنه :
-" إني مضطر يا شيخي ،"
" لا ترغمني على البوح أرجوك ، "
" الأمر بالغ الخصوصية ؛ "
" أما إذا كنت تجد في وجودي أي حرج أخبرني بدون أي تأخير فسأسعى لمكان آخر."
فتركه الشيخ أبو اليسر و مضى و هو يهز رأسه تعجباً !
*****
إلا أن الشيخ لم يسكت
بعد صلاة عشاء أحد الأيام ، طلب الشيخ من ( أبو شفيق ) أ ن يتريث قليلا بعد
الصلاة .
سأله أبو شفيق بفضول شديد :
-خيرا إنشاء الله , شيخي ؟!
-فقط أردت أن تنورني ، هل تعلم لِمَ باعك أبو محمود بيته ؟
سأله الشيخ ، فيجيبه أبو شفيق على الفور :
-أبو محمود لم يبعني البيت شيخي ، البيت كان ملكا لإبنه ، و ابنه من باعني
البيت ، ثم مضى إلى حيث يقطن في أمريكا !
*****
كان ذلك قبل سنتين
توفيت أم محمود
حزن أبو محمود في أعماق الأعماق
كانت أم محمود رفيقة دربه في السراء و الضراء
و خلال أيام حزنه وحيداً ، و في إحدى خلواته مع نفسه ، اتخذ قراره ..
لك البيت يا بنيَّ
و لكِ المال يا بنيَّتي
نصف قيمة البيت أو يزيد
و تركت لنفسي ما يكفيني حتى يوافيني الأجل ، فلا تقلقا عليَّ ...
*****
و سافر محمود إلى الولايات المتحدة إلى حيث أسرته ..
و سافرت نائلة إلى إحدى دول الخليج إلى حيث أسرتها ..
و بقي أبو محمود يجتر أحزانه ..
إلى أن قرع أحدهم بابه ذات يوم
و بذهول كاد يفقده صوابه ، قال له أبو شفيق :
- " صحبت عيالي لمشاهدة البيت ، هل تسمح لنا بالدخول ؟ "
" متى يمكنك يا عم ، تسليمنا البيت ؟ "
" وعَدَنا ولدك أن نستلمه خلال شهرين ، أرجو ألا تتأخر عن ذلك ياعم "
كلمات مهذبة و لكنها وقعت على أم رأسه وقع الصواعق ...
" تحضر إلى البلد دون أن تراني يا محمود "
" تبيع البيت ، دون أن تخبرني يا محمو د ؟ "
" تريد أن تشرد أباك يا محمود ؟!!! "
يكتب إلى ابنته نائلة مستنجدا !
يأتيه الجواب سالبا :
" شتمني أخي محمود عندما جابهته بحقيقته "
" رجوت زوجي أن نستقبلك ، و لكنه رفض ، و لا أدري لذلك سببا معقولا "
" ناقشته ، تشاجرت معه ، و لكنه هددني بالطلاق "
" أنت لا تريد لإبنتك خراب البيت ، يا أبي ، أليس كذلك ؟! "
*****
تجمعت خيوط قصة أبو محمود لدي الشيخ أبو اليسر ، من هنا و هناك
طلب وجهاء الحي لاجتماع هام
تقرر أن يقدم كل منهم ما يمكنه من مساعدة
*****
يتقدم طفل من ( أبو محمود ) فيحييه
لا يجيبه أبو محمود
يلحف بالنداء :
-عمو أبو محمود ، أنا ابن أبو سعيد ، أحضرت لك طعام الغذاء
لا يجيبه أبو محمود
-يتقدم منه أكثر ،
يظنه نائما ،
يهزه ،
فيميل على جنبه ...
يصيبه الهلع ، فيصرخ
يتجمع المارة
ينطقون بالشهادتين
ثم يطلبون من الطفل أن يعود إلى داره بما حمل.
سيدي عمود
في حارة تم تبليطها بالحجارة حديثا من حي سيدي عمود(*) الواقع
بين الدرويشية و البزورية غربا و شرقا و سوقي مدحت باشا و الحميدية
جنوبا و شمالا في أول هذه الحارة يقع بيت أبو سعيد الطرابيشي الذي
أقفل بابه عن خمسة قلوب مفعمة بالشوق و القلق على بكر الأسرة الغائب.
كان أبو سعيد قد صلّى صلآة العشاء لتوه قبل أن يلج سريره النحاسي مرتلا الدعاء
إثر الدعاء راجيا من الله حماية ابنه سعيد و رفاقه من كل سوء و متوسلآ أن يلتئم
شمل العائلة من جديد ؛ كان على و شك الإغفاء عندما قرع الباب ! حجظت العيون و
شحبت الوجوه و لهجت أم سعيد "ياساتر" و لكن عندما استمر الطرق ملحاحا ، التفت
أبو سعيد الى زوجته قائلا بصوت مرتعش: "حضري لي البقجة" و مضى نحو الباب . و
لكنه أحس بالراحة تغمره عندما أدرك أن الطارق ليس ضابطا ( من الجندرما ) بل كان
شابا بملآبس ريفية و كوفية بيضاء تغطي معظم رأسه ووجهه.
- أنا من طرف سعيد ! قال الشاب.
- سعيد ابني. 00 ما به ؟ ، سأل بصوت مرتعش 0
- هو بخير إطمئن 0 سأخبرك بكل شئ اذا أذنت لي بالدخول.
- أنت من رائحة ولدي تفضل يابني تفضل فالدار دارك0
و على نور الفانوس الشاحب المعلق في منتصف الدهليز برز وجه
الزائر بعد أن كشف كوفيته و اذا به سعيد ابنه ... بلحمه و شحمه ، فضمه طويلآ
قبل أن ينادي و لده الثاني خالد ذي الثلآثة عشر ربيعا. صاح هذا مأخوذا
بالمفاجأة : " أخي سعيد ؟! " و اندفع يحتضنه ، قال له والده اذهب و أخبر الحريم
و لكن برفق فقد تذهب المفاجأة بعقل أمك أو قلبها.
و بين دموع الفرح و زغاريد البهجة المكتومة قضت العائلة أحلى
ساعتين من سويعات العمر قبل أن يعلن سعيد أنه مضطر الى الذهاب.
- يابني. 00بنادقكم و خناجركم لن تخترق مدرعاتهم أو تقاوم
مدافعهم ، قال أبو سعيد يائسا.
- أبتاه لا تحاولنّ تثبيط عزيمتي ، نحن أصحاب حق ؛ نحن نقاوم
مغتصب. أجابه سعيد متحمسا .
- أنتم قلة و هم كثر.
- وكم من فئة قليلية غلبت فئة كبيرة !
قالت أمه و هي تبكي :
- لقد اعتقلوا والدك و أهانوه و لم يراعوا شيخوخته
- اتهم يعتقلون شعبنا بأسره فاعتقال أبي كان في سجن صغير ضمن
السجن الكبير . رد عليه سعيد ، ثم إنزلق خارج المنزل و ما لبث أن اختفى
***********************
في نقطة التقاء سوق البزورية بسوقي الحرير و الصاغة ،يقع قصر
العظم الذي بناه أحد ولاة العثمانيين على أنقاض قصر معاوية بن أبي سفيان كما
يزعم البعض ، كان هذا القصر قد جدد حديثا بعد أن تقرر أن يكون مقرا لاحتفال
الافرنسيين بذكرى الثورة الافرنسية في الرابع عشر من تموز0 فازدانت مداخل
القصر و ردهاته بالأعلآم الأفرنسية و لافتات تمجد فرانسا و ثورتها ، التي نذرت
على نفسها أن تنشر العدالة و المساواة و الحرية على الأرض في مشارقها و مغاربها
(!)
هذا و قد بنيت سدة خاصة لكبار المدعويين فرشت بالسجاد العجمي
المستعار - غصبا - من سوق الأروام ، و سلطت عليها الأضواء الكهربائية التي كانت
حكرا على دوائر الحكومة و أثرياء المدينة ، أما باقي المدعويين فقد نضدت
مقاعدهم حول البحرة الكبيرة المتوسطة لصحن القصر الرئيسي .
أما في الخارج فقد غصت الساحة المجاورة للقصر بخليط من الجنود
الأفارقة ، و هم مرتزقة من المستعمرات الإفرنسية كالسنغال و مالي و تشاد و
الغابون ، إضافة الى مصفحتين و إلى فرقة موسيقا عسكرية بملآبس أفرادها
الزاهية ، وقفت الى جوار الباب مباشرة تصدح بالمارشات العسكرية الافرنسية
المشهورة بسرعة ايقاعاتها ، حيث أخذ الصبية المنجذبين اليها و الى الأنوار
الكهربائية المبهرة ، و هم من الأحياء المجاورة ، أخذوا يصفقون و يرقصون على
أنغامها جذلا ، و كلما كان الجنود الأفارقة يحاولون إبعادهم يعاودون الاقتراب
بعناد و دون الالتفات الى لسعات الخيزرانات التي كانت تبدو شديدة الوطء أحيانا
. و ثمت فرقة موسيقية أخرى كانت بجوار سذة كبار المدعووين ، كانت تشنف آذانهم
بضرب آخر من الألحان الخفيفة كاوبرا كارمن ، أو الراقصة بين قالس و فوكستروت .
كانت المقاعد فد امتلأت عن آخرها ، العسكريون بملآبسهم المزينة
بالنجوم الذهبية مزروعة على الأكتاف و أوسمة متناثرة على الصدور و خيوط ذهبية
تزين عمراتهم المكعبة و الى جانبهم نساؤهم مرتديات فساتين الشارلستن ، و كان من
بين الحاصرين عدد من المتعاونين مع سلطة الإنتداب الفرنسي من أبناء المدينة و
منهم على سبيل المثال لا الحصر ، نور الدين بك شمسي باشا و زيور بك الباشكاتب
و مطانيس بك التنبكجي و جرجي بك مرقدة و ميشيل أفندي كرشه و مهيب بك العابد (
و كلها ألقاب من أيام العثمانيين لا زال أصحابها متشبثين بها ) إضافة الى لفيف
من المديرين وكبار الموظفين.
و ما أن سمع الحضور نشيد المارسلييز يصدح من بعد حتى هبوا حميعا
واقفين و عيونهم شاخصة نحو مدخل القصر ، و اذ أطل سعادته بوجهه الصارم و جبينه
العابس و الى جانبه زوجته المترهلة تختال كالطاووس و من خلفه و حوله حاشيته و
حراسه ، حتى التهبت الأكف بالتصفيق و الحناجر بالهتاف ( فيف لا فرانس
Vive
la France
) أي تحيى فرانسا ثم عزفت الاركسترا في الداخل ( المارسلييز ) ثانية ثم
ابتدأ الندلة بملآبسهم الفولكلورية ، الشروال و الصدّار و الطربوش الأحمر ،
يوزعون الشمبانيا و النبيذ النورمندي الفاخر و افتتح سعادة المندوب السامي
الحفل بفالس ( السين المغامر ) متكرما إفتتاح الرقص ثم ابتدأ الآخرون يحذون
حذوه زوجا بعد زوج .
و أمضى المحتفون بذكرى ثورة الحرية و العدالة و المساواة
الهزيع الأول بين رقص و غناء و تبادل الأنخاب و المسامرة ثم أعلن عريف الحفل عن
تفضل سعادته بالقاء كلمة بهذه المناسبة الغرّاء !
قال سعادته :" نحن أتينا هنا للأخذ بيد هذا الشعب الذي امتص
العثمانيون دماء أبنائه و تركوه معدما يعصف به المرض و الجهل و الفقر ".
علق سعيد هامسا لصديقه رمزي من مخبئهما فوق أحد أسطح القصر : "
عندما دخل الجنرال غورو دمشق- منذ أربع سنوات - أنذر السكان بضروروة تسليم ما
يملكون من ذهب ، لقد جاؤوا من أجل هذا يا صاحبي !" ثم أتم سعادته : " لقد
فوجئنا بأن مدينة دمشق لا تملك غير مدرسة ثانوية واحدة و كليتين جامعيتين فقط
احداهما عسكرية ! "
علق سعيد :" مكتب عنبر مغلق منذ بداية الثورة ، كلية الحقوق
ملؤوها بالجواسيس و اعتقل معظم طلآبها ، المدرسة الحربية حولوها الى معسكر ، و
لم يبق في الميدان غير مدرسة الفرير و العازارية و اللاييك و كلها تدرس أبناءنا
بالفرنسية ! "
" لقد فوجئنا أيضا بأن دمشق لا تملك غير مصرف واحد ضعيف
فأنشأنا بنك سورية و لبنان مدعوما بالفرنك الفرتسي لخدمة تجارة البلدين
و تنميتهما إقتصاديا و إجتماعيا ." أضاف سعادنه ؛ فعلق سعيد : "لقد جعلوا قيمة
الليرة الذهبية خمس ليرات سورية ورقية من اجل ابتزاز المزيد من الأصفر الرنان
لصالح خزينتهم في باريز "
و أضاف سعادته أيضا : " و لقد فوجئنا أيضا بعدم و جود نظام
متحضر للبلديات فقمنا بتطوير بلديتكم و دعمناها بالأموال اللآزمة و الموظفين
الأكفاء ."علق سعيد : " لقد وحدّوا ميزانيتي بيروت و دمشق و جعلوا نسبة 85%
لصالح بلدية بيروت أما الموظفون الأكفاء فمعظمهم إفرنسيون !"
واستمر سعادته يتثر الدرر فأضاف قائلآ : " و على الرغم من كل ما
تقدمه فرنسا من أجل تقدم سوريه و إدخالها الى نادي المعاصرة و التحضر فهناك
من يتمرد هنا أو هناك ، الا أن الجيش الإفرنسي ، المنتصر دائما و أبدا ، يتصدى
لهم جميعا بحيث تجري ابادتهم أو تقديمهم الى العدالة ." و هنا تغير تعليق سعيد
فتحول إلى رصاصة أطلقها باتجاه سعادنه فأخطأته للأسف و أصابت مرافقه ثم انهال
الرصاص على الحضور من كل صوب .
دب الفزع و الفوضى في أركان القصر إلا أن كبار الضباط أحاطوا
بسعادته و استطاعوا إخراجه من القصر إلى احدى المصفحات التي ذهبت به الى مقر
القيادة في بوابة الصالحية مباشرة ، بينما أصيب الكثيرون من المحتفين بذكرى
الثورة الافرنسية ، ثم إستطاع الثوار إحتلآل القصر و المناطق المجاورة ، قبل
أن يتمكن الكثيرون من المحتفلين من اجلآء نسائهم الا أن الثوار أبوا أن
يحتفظوا بهن كرهائن فتم ترحيلهن .
و اذ طاب النصر لسعيد و رفاقه الثوار فإنه لم يطب لسعادة
المندوب السامي الذي قرر أن يقود حملة الانتقام بنفسه ، فقد أنزل المصفحات
السريعة و الدبابات و ما يملك من جنود و ترسانة ، جنود من مختلف الأقوام
المنضوية تحت جناح فرنسا الإستعماري ،فاضافة الى الأفارقة كان هناك مراكشيون و
جزائريون و بربر ؛ و كان هناك أيضا بدوا قرر شيخ عشيرتهم التعاون مع الفاتحين
منذ ميسلون ، و كان شباب عشيرته نواة فرقة الهجانة ، و ابتدؤوا جميعا منذ خيوط
الفجر الاولى بمحاصرة حي سيدي عمود و البزورية و مأذنة الشحم و أحاطوا بها
جميعا من جميع الجوانب أما الفتحات المطلة على الدرويشية و أسواق الحميدية و
مدحت باشا و البزورية و سوق الحرير فقد سدت جميعها بأكياس الرمل و الأسلآك
الشائكة ،و اتخذ الجنود مواقعهم القتالية و راء الإستحكامات و المصفحات،
استعدادا لإشارة الهجوم ؛ أما المدافع بعيدة المدى المنصوبة على قبة السيار و
جبل الدف المقابل و تلآل المزة فقد جهزت للإطلاق ، أما الأخرى متوسطة المدى و
الهاونات المنتشرة قي البرامكة و شارع النصر فقد جهزت بدورها أيضا .
و في تمام الساعة السادسة صباحا سقطت أول قذيفة فهدمت منزل آل
العيطة، و قتلت من فيه بمن فيهم رضيعة حديثة الولادة ، و أخذت النار تشتعل و
تنتشر سريعا فبيوت دمشق القديمة بنيت كلها من الخشب الملبس بالطين .
ثم ما لبثت القذائف أن توالت فهب الناس من مراقدهم مذعورين و
أخذت النسوة يتصايحن و يخرجن إلى الحارات حاسرات الرؤوس حافيات الأقدام و
اتجهوا جميعا صغارا و كبارا يطلبون النجاة على غير هدى ، نحو مخارج الحي
ليجابههم جنود ( الحرية و العدالة و المساواة ) بالرصاص و القذائف، فيعودون
لتفتك بهم القنابل و حصار النار ، كانت القذائف تتساقط بمعدل أربع قذائف كل
دقيقة كان جحيما حقيقيا و مذبحة جماعية قل أن يشاهد التاريخ مثيلآ لها ؛ و
من لم يسقط برصاص الجنود أو شظايا القذائف التهمته النار أو حاصره الحطام أو
داسته الأقدام .
رفض أبو سعيد مغادرة المنزل بداية و لكن النار التي ابتدأت
تلتهم جدار البيت المجاور اضطرته لأن يغادر مع أفراد عائلته ، توجهت العائلة
أولا نحو الدرويشية ، و لما بلغوا الفتحة المقابلة لحمام الملكة انهار عليهم
الرصاص فعادوا القهقرى ، فتوجهوا نحو حارة البيمارستان ،و إذ اقتربوا من
العصرونية انهال عليهم الرصاص مجددا ، فأصيبت عائشة ، فاندفعت أم سعيد نحو
استحكامات الجنود صائحة : "حرام عليكم ألستم مثلنا مسلمون ؟؟" كانت االإجابة
واضحة و مقتضبة ، تسع رصاصات أردتها للحال مضرجة بدمائها ، حاول خالد الاقتراب
من أمه فمنعته صلية رشاش ، فعاد مصعوقا ،فحمل عائشة و عاد مع شقيقته الثانية
و أبيه المكلوم في اتجاه منزلهم ؛ و لكن قذيفة سقطت الى جوارهم جعلت أنقاض
بيوت مجاورة محترقة تتساقط عليهم .
كانت الحرائق تشتعل في كل مكان و القذائف تصفر ثم تفرقع مختلطة
بعويل النساء و الأطفال و إستغاثات الجرحى .
أما سعادة المندوب السامي فقد عاد قبل قليل الى دار الانتداب في
حي العفيف ، فوقف على الشرفة المطلة على المدينة عن بعد ؛ و أخذ يتشفى بمشاهدة
حريق حي سيدي عمود بأهله و لعله كان في تلك اللحظة يتصور نفسه نيرون و لكن بلآ
قيثارة ؟!
ثم بدأت إفرازات الكيمانسانيا ، و فود نعقبها و فود ، مختارو
الأحياء ، رجال الدين مسلمين و مسيحيين ، و جهاء المدينة ، الأصدقاء
المتعاونون ؛ جاؤوا جميعا مهنئين سعادته بنجاته من محاولة الإغتيال ،طالبين
الصفح و الغفران و وقف المجزرة ، و تعهدوا بأنهم لن يقدموا للثوار أي دعم و
لن يسمحوا لهم بالعودة إلى المدينة ثانية .
و ابتدأ القصف يخف بالتدريج و ما لبث أن انقطع مع غياب الشمس ،
الا ألسنة النار ظلت تداعب سحب الدخان الفاحمة ، و فرقة الإطفاء البتيمة و
المحدودة الطاقة عدا و عدة ، إضافة إلى عشرات المتطوعين ؛ عجزوا جميعا عن
إخماد الحرائق التي استمرت بضعة أيام أخر .
بعد ستة أشهر و نيف إستطاع سعيد أن يتسلل بين أنقاض الحي و أن
يقف حزينا أمام قوس الليوان المتبقي من بيته ، تساقطت بضع دمعات حارة رغما عنه
، لم تكن حزنا على رسم من بانوا ، بل لوعة على من بانوا ، فقد علم أن جميع
أفراد عائلته مع ما يزيد عن سبعة آلاف آخرين من جميع المقاسات الإنسانية قد
ذهبوا جميعا ضحية مذبحة حي سيدي عمود .
*ثار
السوريون على الحكم الافرنسي منذ لحظة هزيمتهم في ميسلون و قد استطاع الثوار
احتلآل أجزاء من مدينة دشق فكان رد فعل الافرنسيين قصف المدينة و محاصرة
الأحياء التي اشتبهوا بوجود الثوار فيها فكانت مذبحة جميع ضحايا ها مدنيون
|