أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتب: نزار ب. الزين-أميركا

       
       
       
       
       

دراسات أدبية

حوار أدبي

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

-من مواليد دمشق في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1931

-بدأت حياتي العملية كمعلم في دمشق وريفها لمدة خمس سنوات

-عملت في الكويت كأخصائي اجتماعي ومثقف عام، لمدة 33 سنة قبل أن أتقاعد عام 1990، إضافة إلى عملي الإضافي في صحف الكويت.

 

-كتبت أول مجموعة قصصية بعنوان (ضحية المجتمع) عندما كنت في الثانوية العامة عام 1949

-كتبت مجموعتي الثانية (ساره روزنسكي) سنة 1979

-وإضافة إلى عشقي للأدب فإنني أهوى الفنون التشكيلية كذلك، وقد أقمت معرضا لإنتاجي الفني في شهر أكتوبر 1999 في مدينة دمشق مركز المزة الثقافي خلال إحدى زياراتي للوطن ضمت 55 لوحة.

 

أعيش في الولايات العربية المتحدة منذ انتهاء خدمتي في الكويت

أي منذ عام 1990 وأدير حاليا مع أبني وسيم مجلة (العربي الحر) الألكترونية - عبر الانترنيت؛

 

-تتجاوز قصصي القصيرة غير المطبوعة المائة وأربعين قصة وأقصوصة

-عشرة أعمال روائية صغيرة ذات طابع وطني تحت مسمى كيمنسانيا (الكيمياء الإنسانية)

-ثمانية أعمال روائية صغيرة تحت عنوان كنز ممتاز بك

-عمل روائي طويل واحد تحت عنوان عيلة الأستاذ

-إحدى عشر حكاية للأطفال

-عدد من الدراسات الأدبية والفكرية نشرت في الصحف الكويتية (الراي العام - القبس - الوطن) والعربية في أمريكا (أنباء العرب - العرب) وبعض المواقع الإلكترونية المهتمة بالأدب.

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

 نهاية عاشقين

 الكابتن

 البويجي

غنائم 

بطيخة الأنشاصي

نزوة أمير

المتشرد

سيدي عمود

مملكة العجائب

 

غنائم

 

 

التهم شطيرة الفلافل مقرونة بعدة رشفات من النبيذ الأحمر الذي يعشقه ، ثم أخرج من جيبه علبة لفائف التبغ ، فأشعل واحدة و أخذ يرتشف دخانها بشغف ، و هو يردد أغنية قديمة : " الدنيا سيغارة و كاس ...للي ظلموه الناس .." ؛

 ثم ....

اندس في فراشه جالسا  ،

ثم ....

التفت نحو كومة  الرسائل التي كان قد نضدها بعناية فوق الدرج المجاور لسريره ،

ثم .....

ابتدأ يفضها واحدة إثر واحدة بعناية خبير متمرس ، مستخدما قطعة إسفنج مبللة ، و مع كل رسالة كان يصدر تعليقا منغما يتناسب مع ما اكتشفه ..

* " عيني  عيني على العاشقين ... حيارى و مظلومين ! " ثم أضاف : " اليوم يبث لها لواعج شوقه و لهفته لوصالها ، و إذ تصبح ملك يديه يذيقها الذل و الهوان ! "

* " اشتدي أزمة تنفرجي ...قد آن أوانك بالبلج ..." جاءك الفرج من تحت الدرج ، إحسب يا أبو البهايج ... ،  إنها خمسون أخضرا امريكيا ، أرسلها ذلك المهاجر الأحمق لوالده ، كم مرة حذرت وسائل الإعلام من إرسال النقود بالبريد العادي ؟!....الحمار يريد أن يوفر أجور الحوالة البنكية !.. أنت أولى بهذه النقود يا أبو البهايج ، من ذلك الحمار أو أبيه ....

* يجس بيده الخبيرة رسالة جديدة ، يصيح جذلا" " : مؤكد  رزق جديد من أحمق آخر " يفتحها ، يجد بين طياتها جسما صلبا ، ملفوفا بعناية بمنديل ورقي : " يظن الأحمق أن أحدا لن يكتشفه ، ياه......إنه خاتم مزين بفص براق .. لا بد أنه خاتم ثمين! " ثم يضيف بصوت أعلى : " اليوم مفتوحة في وجهك يا بهجت يا إبن مدحت ..."

* الله .. الله  .." هنا حط بنا الجمّال "  سافل آخر يستحق الحرق .. إنها مجلة إباحية ، كأسك يا ابا البهايج نخب هذه الهدية الشيطانية ....

كان بهجت أفندي الموظف في قسم الفرز في دائرة البريد المركزية ، كان يتناول كل بضع ثوانٍ رشفة جديدة من نبيذه الأحمر المعتق ، و رشفة أخرى من سيغارته ، و قد هزته غنائمه الجديدة طربا ...

أشعل لفافته السابعة ،

ثم ...

رفع كأسه الخامسة أمام  ناظريه فوجدها لا زالت ممتلئة حتى نصفها ،

ثم ....

حاول ارتشاف ما تبقى دفعة واحدة  ،

ثم .....

غلبه النعاس فغفا ..

ثم ......

سقطت لفافة التبغ من يده مشتعلة فوق فراشه !

أضيفت في01 / 02 / 2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

 

البويجي

 

كان يجلس في  ركن من أرضية  مبنى كبير و أمامه صندوقه المُلبَّس و المزخرف بالنحاس البراق ، مشكلا قطعة فنية تلفت النظر ؛ تقدمت منه فرحب بي ، ثم باشر عمله على الفور .

و بينما كان منهمكاً  في عمله المتقن ، تقدم منه طفل في العاشرة ، فناوله بضعة قروش و هو يقول له مبتهجا :

- ( بابا ) لقد بعت جميع الأكياس ، هل أذهب إلى البيت ؟

يجيبه :

- ويل لك ... لا زال اليوم في أوله ، خذ مجموعة أخرى و اسرح بها  ، و إلا ...

بعد دقائق قليلة ، تقدم منه طفل في الثامنة أو التاسعة من عمره :

- ( بابا ) بعت  خمسة أمشاط و مسبحتين ..

 ناوله القروش التي جمعها ، ثم مضى يكمل  مهمته .

أثناء مباشرته بتلميع ( فردة ) حذائي الأخرى ، قدم طفل ثالث في السابعة من عمره و بيده  حلوى يأكل منها متلذذاً ، فتناول منه القروش التي جمعها بيد و صفعه باليد الأخرى فألقاه أرضا  وقد علا صياحه.

البويجي : ماسح الأحذية

 

 

الكابتن

 

 

في ليلة إشتدت ظلمتها و في طريق العودة إلى مدينتهما من مدينة مجاورة  ، جلس رفيق مع زوجته في المقعد الخلفي لسيارة أجرة عامة ، و كان قد دفع أجرة مقعد إضافي ليضمن الراحة لهما ، في سفر يستغرق حوالي ساعتين أو أكثر قليلا ، و جلس إلى جانب السائق  راكب آخر ، ثم انطلقت بهم السيارة .

بعد أقل من عشر دقائق ، أخرج الراكب المذكور علبة لفائف التبغ ، بكل هدوء سحب منها لفيفة (سيكاره) ، أشعلها ، و أخذ ينفث دخانها ليصفع به وجْهي رفيق و زوجته مع كل زفير .

" أرجوك يا أخ أن تمتنع عن التدخين ، فإنني  مريض بداء الربو و الدخان يؤذيني " قال رفيق ، فأجابه الراكب ساخرا شامخا بأنفه : " تريدني أن أنقطع عن التدخين ساعتين  ؟  أنا لا أستطيع الإستغناء عنه دقيقتين !  أما مرضك فهو من شأنك ! "

تتدخل زوجة راشد متوسلة : " الناس للناس يا أخ ، و نحن لا نأمرك بل نرجوك ، أنت قد إبتليت بالتدخين فلا تسبب الضرر لغيرك  ! "

يخرج لفيفة أخرى ، يشعلها بكل عجرفة و تحدٍ ، و يبدأ من جديد ينفث بدخانها ليتسرب إلى خياشم راشد و رئتيه ، ثم لا تلبث نوبة سعال شديد أن إنتابته  .

تهدأ نوبة السعال ، يوجه حديثه إلى السائق : " يا أخي أنت  قائد السيارة ،  و من صلاحيتك أن تمنع الركاب عن التدخين ." يجيبه بغِلظة : " يا سيد ، أنت لم تستأجر السيارة لحسابك الخاص ، هذه سيارة أجرة عامة و ليست خاصة . "

يخرج ( الكابتن ) علبة لفائفه ،

بكل هدوء يخرج منها لفيفة ،

يضعها بطرف فمه ،

يشعلها  بكل عجرفة  و تحدٍ ،

ويبدأ  يتفث دخانها

ليصفع به وجهي رفيق و حرمه ....!

أضيفت في20 / 02 / 2009/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

 

نهاية عاشقين

 

 

راشد و مبارك صديقان حميمان منذ أيام الدراسة ، ثم أصبحا - بعد التخرج - شريكين في عمل تجاري مربح ، ثم تزوجا في الوقت ذاته تقريبا ، وسكنا في دارتين متقاربتين ، ثم ما لبثت أن أصبحت زوجتاهما صديقتين حميمتين أيضا ، ثم انتقلت الصداقة إلى الأبناء ..

فقد أنجب راشد غلاما ذكرا أسماه عبد الله و من بعده إبنتين .

و بعد سنة أو تزيد ، أنجب مبارك بنتا أسماها دلال و من بعدها غلامين .

و منذ أن كان عبد الله في التاسعة و أمه تقول : " دلال لعبد الله و عبد الله لدلال "

و منذ أن كانت دلال في السابعة و أمها تقول : " دلال لعبد الله و عبد الله لدلال "

بدأتا العبارة كمزاح ، أو كتندر على عادات بدوية قديمة ...

و لكن ....

ما أن بلغ عبد الله و دلال مرحلة التحولات الجسدية ، حتى تعلق أحدهما بالآخر !

 

*****

و في الجامعة التقيا معا في كلية واحدة فازداد ارتباطهما و تعمقت أواصر حبهما ، كانا يلتقيان في ساعات الفراغ فيتناجيان ، و إذ يعودان إلى منزليهما يتهاتفان ..

و ذات يوم ، تهاتفه دلال فتسأله - و قد شاب صوتها اضطراب و خوف - عمّا يعرفه حول خلاف والديهما مؤخرا ؛ فيبسِّط لها الأمر قائلاً : " إنها خلافات تحدث دوما بين الشركاء ، و لكن لا تنسي أنهما صديقان حميمان منذ سنوات و أن صداقتهما ستعيد المياه إلى مجاريها وشيكا ! "

و لكن ....المياه لم تعد إلى مجاريها أبدا .

ففي يوم آخر ، تخبره أن الأمر يتفاقم و أن هناك محامين و مؤسسة محاسبية : " المسألة تتضخم يا عبد الله ! "

و بعد عدة أيام أخرى ، تخبره و هي تبكي بحرقة أن والدتها منعتها و أخويها من التعامل معه أو أختيه : " إنها القطيعة يا عبد الله !!! "

" أهكذا تنقلب صداقة السنين إلى عداء ؟ " يتساءل متألما ، ثم يكمل بصوت حزين : "إنني غير مصدق لما يجري لولا أنه يجري ! " ثم يضيف : " إسمعي يا دلال ، أنا لن أتنازل عنك حتى لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري " فتجيبه على الفور " و أنا لن أتنازل عنك يا عبد الله حتى لو ذبحوني من الوريد إلى الوريد ! "

ثم ....

تجرأ عبد الله ذات يوم فدعاها إلى سيارته فلم تمانع ، ثم توجه بها إلى بيته ، خافت قليلا و لكنها لم تمانع ، فعائلته في زيارة الجدَّين ؛ ثم دخل بها إلى مرآب سيارته ، فلم تمانع !!! ..

 

*****

و تكررت - من بعد - لقاءاتهما في المرآب ،

و لكن .....

ذات يوم قائظ ، اشتدت فيه وطأة الحر ،

شغَّل عبد الله محرك السيارة ليتمكن من تشغيل مكيِّفها ،

إلا أن المرآب كان مغلقا ،

فإنتشر دخان العادم ،

ثم تسرب الدخان القاتل إلى خلوتهما !!

أضيفت في 03 / 12 / 2005/ * خاص القصة السورية

 

 

 

 

بطيخة الأنشاصي*

 

  

كان وضّاح قد أنهى لتوه تأديب شقيقه الصغير ، نفث زفرة ارتياح ثم اتجه إلى غرفته فأغلق بابها و انبطح فوق  سريره  لاهثا ؛ عندما دوى إنفجار هائل اقتلع نافذة الغرفة و بابها و قذف به و بسريره عاليا ثم حط به محطما .

شله الرعب لفترة ، و لكنه أدرك أنه لا زال حيا ، فقد تمكن من تحريك يديه ثم ساقيه ثم رأسه ، فنهض ليرى كل شيء من حوله في حالة فوضى مرعبة .

استبد به الفضول و رغم خوفه الشديد خرج إلى الشرفة ، ألقى نظرة وجلة على الشارع من تحته ، و يا لهول ما رأى ؛ ثمت سيارة قد تحولت إلى كومة من معدن أخضر اللون أشبه بعلبة صفيح مهروسة ، بينما لا زال الدخان يتصاعد منها و من سيارات أخرى كانت في الجوار .

ها هي سيارات النجدة تعوي مندفعة تتبعها سيارات المطافئ و الإسعاف و الأمن العام و المخابرات و البحث الجنائي ، يقيمون على عجل طوقا أمنيا حول المنطقة ، ثم يتوافد الصحافيون فيمنعهم ضابط كبير – بغلظة - من الإقتراب ، و يصادر إحدى الكاميرات التي أفلح صاحبها بالتقاط بضع صور بها .

و خلال عشر دقائق تحول الشارع كله إلى ما يشبه حالة طوارئ في أعقاب غارة جوية .

أضرار كبيرة لحقت بواجهات المباني ، نوافذ و أبواب محطمة ، زجاجها يملأ أرض الشارع ، و مع ذلك و رغم خطر إنهيار الشرفات كما حدث في العمارة المقابلة ، فقد غصت بالكبار و الصغار الذين استبد بهم الرعب و الفضول معاً..

تلفَّت وضاح حوله متفقدا مدى الأضرار التي أحاقت بشرفة بيته ، فلمح بطيخة كبيرة خضراء لامعة ، يحملها مستغربا و يدخل بها إلى غرفة الجلوس ، ليجد شقيقه ماجد مختبئا تحت طاولة الوسط و هو يرتعش هلعا ، يحاول جره فيعلو صياحه ، يحاول تهدئته و لكنه يزداد صراخا ، فيتركه لشأنه لفترة ، ثم يحني رأسه نحوه و ينذره بأوخم العواقب إن تفوه بكلمة لوالديه !

يشغِّل التلفاز ...

جميع القنوات تتحدث عن الإنفجار المروع !! :

" لقد تم إغتيال محمود بك ، مدير عام وزارة التموين بعبوة تزن ثلاثين كيلوغراما من المواد المتفجرة ، زرعها مجهولون أسفل سيارته أدت إلى وفاته في الحال ، و هناك بعض الإصابات المتوسطة و الطفيفة ، و لكن الأضرار المادية التي لحقت بعدة سيارات و بواجهات عدد من المباني جسيمة . "

 

*****

يشعر وضاح بالعطش ، يتذكر البطيخة ، يحملها فوق طاولة الطعام ، يضعها في وعاء كبير، يخرج سكينا من الدرج ، يطعنها تمهيدا لتقطيعها ، و لكن إحساسا غريبا ينتابه ، ثمت من يحاول جذب السكين ؟!!!

يظن نفسه –في البداية - متوهما ، يحاول إخراج السكين فلا يتمكن ، و السكين لا تزال تتحرك نحو داخل البطيخة و لكن ببطء !

يشعر ببعض الخوف ، يجرب شدها ثانية و ثالثة ، ثم يستخدم كلتا يديه و كل قوته ، و لكن السكين لا تزال تنجذب نحو باطن البطيخة !!!.

يتحول خوفه إلى رعب ، يقرر ترك البطيخة و السكين ، و لكنه لم يتمكن من إفلات مقبض السكين من يده ، فالمقبض التصق بيده و كأنه جزء منها .

يتحول رعبه إلى هلع ، يصرخ مستنجدا ، و لكن من ينجده ؟ والداه لا زالا في عمليهما ، و الصغير ماجد لا زال تحت الطاولة مستمرا في نحيبه ...

يا للمصيبة ...

بدأت يده تنجذب إلى داخل البطيخة ...

ترتعد فرائصه ،

ينتفض محاولا الخلاص ،

يصرخ بصوت أعلى ،

صوته أصبح أعلى و أقوى من سيارة النجدة التي وصلت اللحظة حاملة أحد كبار المسؤولين ،

يضيع صراخه مع ضجيج الشارع الذي تحول إلى ساحة طوارئ ،

ثم تختفي يده داخل البطيخة ...

ثم يختفي كتفه...

ثم يختفي رأسه ...

ثم ....

تبتلع البطيخة وضاح بكل لحمه و عظمه و شحمه !!!

 

*****

يجد وضاح نفسه في قاعة فسيحة تشبه قاعات المؤتمرات ، و قد غُصت بعدد كبير من الأحياء بدت وجوههم غير محددة المعالم و قد توزعوا في فئات ، كل فئة منها ترتدي ضربا من الثياب الموحدة مختلفا عن الأخريات ، و أمام كل مجموعة نُصبت لافتة تحدد انتماءها : ( حزب الكلوكوز – حزب الفيتامين آ - حزب الفيتامين ج – حزب الكالسيوم – حزب الفوسفور – حزب المغانيسيوم – حزب الألياف – حزب البذور ) ، و يتصدر القاعة ثلاثة أحياء يبدو أنهم رئيس المجلس و مساعداه .

أما هو فكان ضمن ما يشبه قفص المتهمين في محاكم البشر .

يبتدئ رئيس المجلس السيد ( أكسيجين ) بشرح الموقف فيقول مخاطبا الجمع : << اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق إنجاز علمي رائع ، فقد استطاعوا للمرة الأولى التحكم بعناصر فضائنا الخارجي مما مكننا من تنفيذ القرار رقم 14 الذي اتخذه مجلسكم الموقر في الأسبوع الماضي ! >>

يقوم مساعد الرئيس السيد ( هيروجين1 ) بتلاوة القرار : << بما أن الإنسان لا زال مستمرا في سلوكياته العدوانية وفق شريعة الغاب ، إبتداء من إيقاع الأذى الجسدي أو النفسي ، من قبل فرد على فرد أو مجموعة على فرد أو فرد على مجموعة أو مجموعة على مجموعة ، و ما يرافق ذلك من تخريب للأنساق الفيسيولوجية و السايكولوجية التي خُلقوا عليها في أحسن تقويم ، إضافة إلى تدميرهم المتعمد للمنشآت و الممتلكات و عناصر البيئة ، فقد قرر المجلس إيقاع العقوبات الإقتصادية على البشر على مراحل تبتدئ بحرمانهم من أكل البطيخ ، أما إذا استمروا في غيِّهم خلال سنة من تاريخه ، فالعقوبة التالية ستكون حرمانهم من الإستفادة من كل القرعيات ! و يستثنى من هذا القرار النساء الحوامل و المرضعات و الأطفال اليتامى و مجهولو الوالدين و كذلك يستثنى المعوقون و دعاة السلام و محاربو الفساد أيا كان إنتماؤهم ، و ستقوم كل سنة لجنة مختصة بمراجعة أحكام المقاطعة و تطويرها وفق ما يقتضيه الصالح العام ! >>

يقوم المساعد الثاني للرئيس ( السيد هيدروجين2 ) بتشغيل شاشة تلفزة عملاقة بدأت لتوها بعرض نقل حي من فضاء البطيخة البشري لمؤتمر صحافي يترأسه مسؤول كبير : " يا أخوان كل الموضوع وما فيه أنَّ البطيخة فُقدت , ولا يعُرف مكان وجودها , أو حتى من سرقها . وما الغاية من وراء سرقتها "

و يعلق الرئيس قائلا : << إنهم – كالعادة - يتجاهلون المغدور الذي نجح في إصلاح إدارته من الفساد و الذي إغتيل لهذا السبب ، و يركزون على بطيخة ! >>

ثم يستأنف خطابه قائلا : << و اليوم تمكن علماؤنا من تحقيق أول إنجاز تقني في تاريخ البطيخ ، فقد تمكنوا باستخدام تقنية فائقة ، من تحقيق البند الأول من قراركم التاريخي ، إخواني ...لقد تم اليوم جذب هذا العدواني الشاب مع سكينه كأول تنفيذ لأحكام العقوبات الإقتصادية التي فرضتموها على البشر! >> ثم يكمل الرئيس خطابه مشيرا بإصبعه نحو وضاح : << هذا الغلام ذو السادسة عشر ربيعا ، اعتدى بالضرب المبرح على شقيقه الصغير ذي السابعة لأسباب تافهة ، تلك هي تهمته الأولى ، أما تهمته الثانية فهي استيلاؤه على البطيخة التي تمكن علماؤنا من إنقاذها من التلف خلال الإنفجار الهائل الذي شاهدتم آثاره المرعبة قبل قليل ، ثم محاولته تقطيعها تمهيدا لأكلها ، مخالفة للبند الأول من قرار العقوبات الإقتصادية الذي وافقتم عليه بالإجماع ! >> .

ثم يضيف قائلا : << هؤلاء البشر الذين مضى على وجودهم فوق الكرة الأرضية آلاف السنين ، تمكنوا من تطوير أساليبهم الحياتية و أدواتهم الحضارية إلى الأفضل و لكنهم أبدا لم يتمكنوا من تطوير عواطفهم و عقائدهم أو التخلص من غرورهم و عدوانيتهم ، إعتباراً من أصغر عنصر كهذا الذي يقف بين أيديكم و انتهاء بأقوى مجموعة كالتي غزت مؤخرا دولتين مستقلتين بحجة مكافحة الإرهاب ؛ و لا زالوا حتى اللحظة يقتتلون في كل مكان ، مستخدمين أبشع أدوات الفتك و الدمار ! >>.

*****

يدخل الوالدان إلى الدار و قد استبد بهما القلق و الرعب ، إثرعلمهما بوقوع الإنفجار جوار دارهم ، فيجدان ماجد نائما تحت طاولة الوسط في غرفة الجلوس ، أما وضاح فقد وضع رأسه فوق طاولة الطعام معانقا بطيخة الأنشاصي مستغرقا في ثبات عميق .

------------------------

* الأنشاصي : الكاتب الأستاذ عبد الله خليل الأنشاصي ، كاتب قصة ( البطيخة ) التي بنيت عليها قصة ( بطيخة الأنشاصي )

 

مقاطع من قصة ( البطيخة ) ،

*

(( عقبِ تعينيه مديرا لتلك الدائرة أخذ عهداً على نفسه بإصلاح الأمور, حتى تعود نظيفة من كل ما هو سلبي , رغم نصائح بعض المخلصين له بالتأني في الإصلاح , إلا أنه مضى فيه بكل جدية وإخلاص , ولم تمضِِ عدة شهور حتى دبت الحياة في الإدارة , وأشاد كثير من الناس بفعالية الإدارة , وعودة الحياة الطبيعية إليها, وأكدوا أن الفضل يعود لمديرها الجديد وما يبذله من جهود مخلصة في هذا السبيل . ))

*

(( و في صباح أحد الأيام , وقع انفجار كبير في سيارة المدير , أدى إلى مقتله , بشكل بشع , ووصلت التحقيقات *إلى طريق *مسدود , فلم *يُعرف المسئول أو المسئولين *الذين يقفون *وراء الحادث .))

*

(( غبي ! كيف لا أشغل بالي بها , ونصف جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان في العالم تستفسر عنها , بل وصل الأمر إلى أنّ تستفسر بعض وزارات خارجية دول لها وزنها في العالم , وكثير من وكالات الإنباء والسفارات والصحف من عدة دول في العالم .))

*

(( عُقد المؤتمر الصحفي وكان مجمل الاستفسارات التي وردت في المؤتمر , تدور حول شكل ولون ووزن وحجم ومذاق البطيخة , إلا أنّ أحد الصحفيين سأل عن مصدر البطيخة , وهل هي من إنتاج محلي أم مستوردة ؟ ومن وضعها في سيارة المجني عليه ؟ ولماذا لم *تنفجر رغم شدة الانفجار؟ الذي أودى بحياة المدير وحطّمَ سيارته تماماً , ولماذا مُنع نشر صور للبطيخة ؟ , بل وأين البطيخة نفسها ؟ ومن أخذها ؟ ومن له مصلحة في اختفاءها ؟ ))

أضيفت في 05 / 11 / 2005/ * خاص القصة السورية

 

 

 

 

مملكة العجائب

 

برج عالٍ يلفت نظري ...

أقترب منه ،

أقترب أكثر؛

أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ...

الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ،

أتجرأ فأدخل بخطىً حذرة .

ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ...

أنفاق و دهاليز و شوارع عريضة أو ضيقة ، يتجه بعضها نحو الطبقات الدنيا في الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا .

يزداد فضولي ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد ينتبه إلى وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ، و لكنني أتماسك و أبدأ بتركيز إنتباهي !..

 

*****

أتوجه بداية نحو الطبقات العليا

طبقة لثكنات الجند ،

تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع لتربية الفطر و أخرى لتربية الحشرات الداجنة ، حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو تغذي بعضها فما لفم ، و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة ثالثة باستحلابها في إصطبلات تقع على الأطراف !

أعلى طابق بان لي – بداية - فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن تنبهت إلى وجود فتحات صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن هو إلا رئة البرج ؛ فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة تحيط ببناء المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و خروج الكربون المؤكسد ! ...

 

*****

عدت أدراجي باتجاه الأسفل...

ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة الرئيسية ، و ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ، تتوجه كل مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك .

وفي الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس بجوار أحد المداخل ؛ أتسلل إلى داخل الحجرة ...

يا لعجيب ما أرى !

إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن بطنها منتفخ كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار حدث ما ..

فجأة تدب الحركة بينهن ...

فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات أن تعاونتا على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ...

تبعتهما ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت أن اكتشفت فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات بَدَوْنَ منهمكات بتقليبها أو تنظيفها .

هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها مخصصة لتنشئة الصغار و العناية بهم .

 

*****

وعلى حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق أبواب الحجرات كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى أعلى ..

<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري ، ثم تبعت خطاهن .....

و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ...

الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم ..

ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة ..

 

*****

خرجت أستطلع الأمر ...

يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف الثمانية ..

بدا هائل الحجم كجبل متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند ، يشلهم السم ، ثم يمتد لسانه فيلتهمهم ...

يهاجمه ألوف الجند بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين لمئات الإصابات ، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح البعض بتسلق أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ الجميع بلثغه في كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم هي و لكنها فعالة...!

قاذفات من طراز دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الخفاش الشبح ، و حوامات من طراز النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل الأوزان ، يصاب الكثيرون من جند المملكة بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و يستمرون بالقتال ...أف=

أضيفت في 15 / 10 / 2005/  خاص القصة السورية

 

 

 

 

نزوة أمير

 

 

كانت تبكي بحرقة بينما كانت تخاطب ( أم نائل ) بصوتٍ متقطعٍ كسيرٍ حزين :

- لم أفعل ما يسيئه ...

لقد أحببته بكل جوارحي ....

و لم يكتم عني حبه ....

أيامي معه – حتى الأمس – كانت كلها عسل ...

أمس بالذات : كان يناديني ( يا حلوتي )

فكيف تريدنني أن أصدقك يا أم نائل ؟

لعلك تمازحينني يا أم نائل ؟!

 

*****

بدأت القصة قبل شهر تقريبا ..

دخلت أم نائل حياتهما فجأة ...

كانتا قد ودعتا الأب و الزوج الراحل ..

و استمترا تجتران أحزانهما إلى أن قرعت أم نائل الباب ، فحولت أحزانهما إلى أفراح..

" سمع الأمير بجمال ابنتك " قالت للوالدة بهدوء المتمرس !

و لكن المفاجأة صعقتهما .

- "الأمير يطلب يد ابنتي ، أنا ؟!!! "

سألتها مشدوهة ، ثم أضافت و هي في أقصى حالات الإنفعال :

" و من نحن حتى يناسبنا الأمير ؟ "

" أخشى أنك قرعت الباب الخطأ يا سيدة ! "

و لكن أم نائل تؤكد لهما ، أن الأمر حقيقة و ليس وهما و لا حلماً..

و تبدأ على الفور في بحث ترتيبات الزواج ، قبل أن تتلقى إجابتهما ...

و تنجرُّ الأم في حديث الترتيبات و كأنها مُنَوَّمة !

و يرقص قلب الفتاة فرحا !

فلطالما فتنتها قصة ساندريلا ..

و هاهي تصبح ساندريلا حقيقية ، بلا مؤامرات أو دسائس أو ساحرات !

 

*****

 

و في ضاحية بعيدة

و في دارة ( فيلا ) أحاط بها رجال الأمن ...

يستقبلهن ضابط كبير ، و ينحني لهن احتراما ، عندما يتأكد من هويتهن ...

كن ثلاثا ، العروس و أمها و السيدة أم نائل !

يدخلن الدارة ..

يبهرهما - العروس و أمها - زخارفها و أثاثها ...

يستقبلهما طباخ و خادمتان شرقيو الملامح ...

يدخل بعد دقائق مُلاّ ( رجل دين ) مهيب الطلعة ..

يتبعه بعد دقائق أخرى ، رجلان يحملان طرفي عباءتيهما المطرزتين بخيوط الذهب ..

يحييان الشيخ الوقور بحك الأنوف .

 

 

*****

 

تشعران بحركة غير عادية خارج الدارة..

ثم حركة غير عادية داخلها ..

ثم يقف الجميع إجلالاَ !

إنه الأمير !!!!

 

*****

 

ينادي المُلا والدة العروس :

- أنت وكيلة العروس ؟

و دون إنتظار إجابتها استمر يقول :

- في بعض الظروف يمكن للوالدة أن تكون وكيلة ابنتها ، رددي معي ( يا حرمة ) .....

ثم أخذت تردد ما يقوله المُلا كالببغاء ..

و قام الآخران بالتوقيع كشاهدين و كأنهما رجلان آليّان ..

" مبروك .. مبروك .. "

ثم انصرف المُلا ...

و انصرف الشاهدان ...

ثم انصرفت أم نائل و هي تجرُّ أم العروس ، جرّاً .

 

 

*****

 

أضافت أم نائل بعد أن هدأ نحيب الفتاة ...

" لا تحزني يا بنية ، فأميرنا لن يغبنك حقوقك ، إنه أمير عادل و من عشاق العدالة المطلقة "..

ثم أكملت و كأنها تسرد من كتاب حفظت فصوله جيدا :

" قبل كل شيء عليك أن تلتزمي بالعدة "

" إن تبين أثناءها أنك حامل ، فستكون لطفلك نفقة حتى آخر العمر ، كأي من أفراد العائلة الأميرية "

" و إن لم يتبين ذلك ، فلك الحق بالبقاء في هذه الدارة مدة العدة كلها (!) "

" ثم سيمنحك الأمير مبلغا من المال يكفيك للعيش الكريم مدى الحياة ."

"و انتبهي جيدا للتالي : إذا أنجبت له ، لا يحق لك الزواج ثانية على الإطلاق ؛ أما إذا لم تنجبي فلك الحق بالزواج و لكن بعد سنتين .."

و لكن الفتاة أجابتها و هي تشرق بدموعها :

- " و لكنني لم أفعل ما يكدره "

" لقد أحببته بكل جوارحي "

" و لم يكتم عني حبه "

" و حتى الأمس كان يناديني ( يا حلوتي ) "

" لم أفكر قط بالمال "

" لم افكر إلا بحبه و كيف أرضيه !!! "

" فكيف أهون عليه ؟ .. "

- يا بنية ، أنتِ لم تستوعبي الأمر بعد !

أجابتها أم نائل بلطف متناهٍ ؛ ثم أكملت و هي تربت على كتفها مهدئة :

- " تلك هي مستلزمات الإمارة يا بنية "

" المسؤوليات الهائلة الملقاة على كاهل الأمير تجعله بحاجة دائمة للترفيه "

" فكل أسبوع له زواج جديد "

" و كل يوم يتلقى من وجهاء البلد و شيوخ العشائر – الذين يدركون جيدا إحتياجاته – يتلقى منهم عرائض يرجونه فيها أن يشرفهم بقبول بناتهم زوجات له ! "

" إنها طبيعة الأمراء في كل زمان و مكان "

" ألم تسمعي بحريم و جواري هارون الرشيد و غيره من الخلفاء ؟ "

" ألم تقرئي روايات ألف ليلة و ليلة قط ؟ "

" أجساد الأمراء - يا بنيّة - بحاجة لحب متجدد تقدمه العذارى "

أضيفت في 02 / 01 / 2005/ * خاص القصة السورية

 

 

 

المتشرد

 

صحا أبو محمود في ساعة متأخرة من الصباح ، شعر بألم يعم جميع مفاصله  ، و خاصة ألم الظهر ،

 وطأة ألم الظهر تتفاقم يوما بعد يوم و خاصة منذ أن حل الشتاء ،

 تمطى

 تثاءب

تثاءب أيضا

 ثم توجه إلى  دورة المياه ، فقضى حاجته ثم توضأ

المياه الباردة تلسعه ، و لكنه يستمر

عاد الآن قرب المحراب فصلّى صلاة الضحا

ثم جرجر نفسه  نحو مدخل المسجد

فجلس هناك ، و هو يبسمل و يحوقل

ضبط وضع عباءته التي قدمها له أبو تحسين

ثم أخذ يتابع الرائحين و الغادين

و يرد السلام على كل منهم

" و عليكم السلام أخي أبو تيسير و رحمة الله و بركاته "

" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي أبو سليمان "

تتقدم منه ، فتاة صغيرة ، فتقدم له سرة :

-صباح الخير عمو أبو محمود ، والدتي تسلم عليك و تقول لك : " مأكول الهنا "

يجيبها بعين دامعة :

-( الله يرضا عليك يا بنتي ) أنت إبنة أبو شفيق أليس كذلك  ؟

-نعم عمّو أنا  روحية بنت أبو شفيق ، و والدتي تقول لك ، إذا كنت بحاجة لأي شيء آخر أأمر .

-لا يأمر عليكم عدو(  يا بنتي ) ، و يعطيكم ربي على قدر نيتكم ..

 

*****

 قبل حوالي شهرين

لاحظ إمام المسجد أن( أبو محمود ) يقيم فيه ...

 لم يسأله بداية ، و لكن الفضول استبد به ذات يوم فتقدم منه سائلا و ناصحاً :

-هل عزمت على التنسك يا ( ابو محمود )  ، أنا أشجعك على إقامة صلواتك في المسجد ، الفروض منها و السنن و الأنفال ، و لكن أن تبيع بيتك و تسكن في الجامع فهذا ما لم أفهمه و لا أقرّك عليه ،  فالمسجد بيت الله  المخصص للعبادة و ليس للسكن ، التنسك و الدروشة سلوكيات ممجوجة و غير مقبولة يا ( أبو محمود ) ، و كما تعلم فلا رهبانية في الإسلام !!

يجيبه أبو محمود و قد انبثقت دموعه رغما عنه :

-" إني مضطر يا شيخي ،"

" لا ترغمني على  البوح  أرجوك ، "

" الأمر بالغ الخصوصية ؛ "

" أما  إذا كنت تجد في وجودي أي حرج أخبرني بدون أي تأخير فسأسعى لمكان آخر."

  فتركه الشيخ أبو اليسر و مضى و هو يهز رأسه تعجباً !

 

*****

إلا أن الشيخ لم يسكت

 بعد صلاة عشاء أحد الأيام ، طلب الشيخ  من ( أبو شفيق ) أ ن يتريث قليلا بعد الصلاة .

سأله أبو شفيق بفضول شديد :

-خيرا إنشاء الله , شيخي  ؟!

-فقط أردت أن تنورني ، هل تعلم  لِمَ باعك أبو محمود بيته ؟

سأله الشيخ ، فيجيبه أبو شفيق على الفور :

-أبو محمود لم يبعني البيت شيخي ، البيت كان ملكا لإبنه ، و ابنه من باعني البيت ، ثم مضى إلى حيث يقطن في أمريكا !

 

*****

كان ذلك قبل سنتين

توفيت أم محمود

حزن أبو محمود في أعماق الأعماق

كانت أم محمود رفيقة دربه في السراء و الضراء

 و خلال أيام حزنه وحيداً ، و في إحدى خلواته مع نفسه ، اتخذ قراره ..

لك البيت يا بنيَّ

و لكِ المال يا بنيَّتي

نصف قيمة البيت أو يزيد

و تركت لنفسي ما يكفيني حتى يوافيني الأجل ، فلا تقلقا عليَّ ...

 

*****

و سافر محمود إلى الولايات المتحدة إلى حيث أسرته ..

و سافرت نائلة إلى إحدى دول الخليج إلى حيث أسرتها ..

و بقي أبو محمود يجتر أحزانه ..

إلى أن قرع أحدهم بابه ذات يوم

و بذهول  كاد يفقده صوابه ، قال له أبو شفيق :

- " صحبت عيالي لمشاهدة  البيت ، هل تسمح لنا بالدخول ؟ "

  " متى يمكنك يا عم ، تسليمنا البيت ؟ "

  " وعَدَنا ولدك أن نستلمه خلال شهرين ، أرجو ألا تتأخر عن ذلك ياعم "

كلمات مهذبة و لكنها وقعت على أم رأسه وقع الصواعق ...

" تحضر إلى البلد دون أن تراني يا محمود "

" تبيع البيت ، دون أن تخبرني يا محمو د ؟ "

" تريد أن تشرد أباك يا محمود ؟!!! "

يكتب إلى ابنته نائلة  مستنجدا !

يأتيه الجواب سالبا :

 " شتمني أخي محمود عندما جابهته بحقيقته "

" رجوت زوجي أن نستقبلك ، و لكنه رفض ، و لا أدري لذلك سببا معقولا "

" ناقشته ، تشاجرت معه ، و لكنه هددني بالطلاق "

" أنت لا تريد لإبنتك خراب البيت ، يا أبي ، أليس كذلك ؟! "

 

*****

 

تجمعت خيوط  قصة أبو محمود لدي الشيخ أبو اليسر ، من هنا و هناك

طلب وجهاء الحي لاجتماع هام

تقرر أن يقدم كل منهم ما يمكنه من مساعدة

 

*****

 

يتقدم طفل من ( أبو محمود ) فيحييه

لا يجيبه أبو محمود

يلحف بالنداء :

-عمو أبو محمود ، أنا ابن أبو  سعيد ، أحضرت لك طعام الغذاء

لا يجيبه أبو محمود

-يتقدم منه أكثر ،

 يظنه نائما ،

يهزه ،

 فيميل على جنبه ...

يصيبه الهلع ، فيصرخ

يتجمع المارة

ينطقون بالشهادتين

ثم يطلبون من الطفل أن يعود إلى داره بما حمل.

 

 

سيدي عمود

 

في حارة تم تبليطها بالحجارة حديثا من حي سيدي عمود(*) الواقع بين الدرويشية و البزورية  غربا و  شرقا  و  سوقي  مدحت  باشا  و  الحميدية  جنوبا  و شمالا  في  أول  هذه   الحارة  يقع  بيت أبو  سعيد   الطرابيشي الذي  أقفل  بابه  عن  خمسة  قلوب مفعمة بالشوق و القلق  على بكر الأسرة  الغائب.  كان أبو سعيد قد صلّى صلآة العشاء لتوه قبل أن يلج سريره النحاسي مرتلا الدعاء إثر الدعاء راجيا من الله حماية ابنه سعيد و رفاقه من كل سوء و متوسلآ أن يلتئم شمل العائلة من جديد ؛ كان على و شك الإغفاء عندما قرع الباب ! حجظت العيون  و شحبت الوجوه و لهجت  أم سعيد "ياساتر" و لكن عندما استمر الطرق ملحاحا ، التفت أبو سعيد الى زوجته قائلا بصوت مرتعش: "حضري لي  البقجة" و مضى نحو الباب . و لكنه أحس بالراحة تغمره عندما أدرك أن الطارق ليس ضابطا ( من الجندرما ) بل كان شابا  بملآبس ريفية و كوفية بيضاء تغطي معظم رأسه ووجهه.

- أنا من طرف سعيد ! قال الشاب.

- سعيد ابني. 00 ما به ؟ ، سأل بصوت مرتعش  0

- هو بخير إطمئن 0 سأخبرك بكل شئ اذا أذنت لي بالدخول.

- أنت من رائحة ولدي تفضل يابني تفضل فالدار دارك0

و على نور الفانوس الشاحب المعلق في منتصف الدهليز برز وجه الزائر بعد أن كشف كوفيته و اذا به سعيد ابنه  ... بلحمه و شحمه ،  فضمه طويلآ قبل أن  ينادي و لده الثاني خالد ذي الثلآثة عشر ربيعا.  صاح هذا مأخوذا بالمفاجأة : " أخي سعيد ؟! " و اندفع يحتضنه ، قال له والده اذهب و أخبر الحريم و لكن برفق فقد تذهب المفاجأة بعقل أمك أو قلبها.

و بين دموع الفرح و زغاريد البهجة  المكتومة قضت العائلة أحلى ساعتين من سويعات العمر  قبل أن يعلن سعيد أنه مضطر الى الذهاب.

- يابني. 00بنادقكم و خناجركم لن تخترق مدرعاتهم أو تقاوم مدافعهم ، قال أبو سعيد يائسا.

- أبتاه  لا تحاولنّ  تثبيط عزيمتي ، نحن أصحاب حق ؛  نحن نقاوم مغتصب.  أجابه سعيد متحمسا .

- أنتم قلة و هم كثر.

- وكم من فئة قليلية غلبت فئة كبيرة !

قالت أمه و هي تبكي  :

- لقد اعتقلوا والدك و أهانوه و لم يراعوا شيخوخته

- اتهم يعتقلون شعبنا بأسره فاعتقال أبي كان  في سجن صغير ضمن السجن الكبير .  رد عليه سعيد ، ثم إنزلق خارج المنزل و ما لبث أن اختفى

 

***********************

 

في نقطة التقاء  سوق البزورية بسوقي الحرير و الصاغة ،يقع قصر العظم الذي بناه أحد ولاة العثمانيين على أنقاض قصر معاوية بن أبي سفيان كما يزعم البعض ، كان هذا القصر قد جدد حديثا بعد أن تقرر أن يكون مقرا لاحتفال الافرنسيين  بذكرى الثورة الافرنسية في الرابع عشر من تموز0   فازدانت مداخل القصر و ردهاته بالأعلآم الأفرنسية و لافتات تمجد فرانسا و ثورتها ، التي نذرت على نفسها أن تنشر العدالة و المساواة و الحرية على الأرض في مشارقها و مغاربها (!)

هذا  و  قد بنيت سدة خاصة لكبار المدعويين فرشت بالسجاد العجمي المستعار - غصبا - من سوق الأروام ، و سلطت عليها الأضواء الكهربائية التي كانت حكرا على دوائر الحكومة و أثرياء المدينة ، أما باقي المدعويين فقد نضدت مقاعدهم  حول البحرة الكبيرة المتوسطة لصحن القصر الرئيسي .

أما في الخارج فقد غصت الساحة المجاورة للقصر بخليط من الجنود الأفارقة  ، و هم مرتزقة من المستعمرات الإفرنسية كالسنغال و مالي و تشاد و الغابون ، إضافة الى مصفحتين  و إلى  فرقة موسيقا عسكرية بملآبس أفرادها الزاهية ،  وقفت  الى جوار الباب مباشرة تصدح بالمارشات العسكرية الافرنسية المشهورة  بسرعة ايقاعاتها ، حيث أخذ الصبية المنجذبين اليها و الى الأنوار الكهربائية المبهرة ، و هم  من الأحياء المجاورة ، أخذوا  يصفقون و يرقصون  على أنغامها جذلا  ، و كلما كان الجنود الأفارقة يحاولون إبعادهم يعاودون الاقتراب بعناد و دون الالتفات الى لسعات الخيزرانات التي كانت تبدو شديدة الوطء أحيانا . و ثمت فرقة موسيقية أخرى كانت بجوار سذة كبار المدعووين ، كانت تشنف  آذانهم بضرب آخر من الألحان الخفيفة كاوبرا كارمن ، أو الراقصة بين قالس و فوكستروت .

كانت المقاعد فد امتلأت عن آخرها  ، العسكريون بملآبسهم المزينة بالنجوم الذهبية مزروعة على الأكتاف و أوسمة متناثرة على الصدور و خيوط ذهبية تزين عمراتهم المكعبة و الى جانبهم نساؤهم مرتديات فساتين الشارلستن ، و كان من بين الحاصرين عدد من المتعاونين مع سلطة الإنتداب الفرنسي من أبناء المدينة و منهم على سبيل المثال لا الحصر ، نور الدين بك شمسي باشا و زيور بك الباشكاتب   و مطانيس بك التنبكجي و جرجي بك مرقدة و ميشيل أفندي كرشه  و مهيب بك العابد  ( و كلها ألقاب من أيام العثمانيين لا زال أصحابها  متشبثين بها ) إضافة الى لفيف من المديرين وكبار الموظفين.

و ما أن سمع الحضور نشيد المارسلييز يصدح من بعد حتى هبوا حميعا  واقفين و عيونهم شاخصة نحو مدخل القصر ، و اذ أطل سعادته بوجهه الصارم و جبينه العابس و الى جانبه زوجته المترهلة تختال كالطاووس و من خلفه و حوله حاشيته و حراسه ، حتى التهبت الأكف بالتصفيق و الحناجر بالهتاف ( فيف لا فرانس Vive la France  ) أي  تحيى فرانسا ثم عزفت الاركسترا في الداخل ( المارسلييز ) ثانية  ثم  ابتدأ الندلة  بملآبسهم الفولكلورية ، الشروال و الصدّار و الطربوش الأحمر ، يوزعون  الشمبانيا و النبيذ النورمندي الفاخر و افتتح سعادة المندوب السامي الحفل بفالس ( السين المغامر ) متكرما إفتتاح الرقص ثم ابتدأ الآخرون يحذون حذوه زوجا بعد زوج .

و أمضى المحتفون بذكرى ثورة الحرية و  العدالة و المساواة الهزيع الأول بين رقص و غناء و تبادل الأنخاب و المسامرة ثم أعلن عريف الحفل عن تفضل سعادته بالقاء كلمة  بهذه المناسبة الغرّاء !

قال سعادته :" نحن أتينا هنا للأخذ بيد هذا الشعب الذي امتص العثمانيون دماء أبنائه و تركوه معدما يعصف به المرض و الجهل و الفقر ".

علق سعيد هامسا لصديقه رمزي من مخبئهما فوق أحد أسطح القصر : " عندما دخل الجنرال غورو دمشق- منذ أربع سنوات -  أنذر السكان بضروروة تسليم ما يملكون من ذهب ، لقد جاؤوا من أجل هذا يا صاحبي !" ثم أتم سعادته : " لقد فوجئنا بأن مدينة دمشق لا تملك غير مدرسة ثانوية واحدة و كليتين جامعيتين فقط احداهما عسكرية ! "

علق سعيد :" مكتب عنبر مغلق منذ بداية الثورة ، كلية الحقوق ملؤوها بالجواسيس و اعتقل معظم طلآبها ، المدرسة الحربية حولوها الى معسكر ، و لم يبق في الميدان غير مدرسة الفرير و العازارية و اللاييك و كلها تدرس أبناءنا بالفرنسية  ! "

 " لقد فوجئنا أيضا بأن دمشق لا تملك غير مصرف واحد ضعيف فأنشأنا بنك سورية و  لبنان  مدعوما  بالفرنك  الفرتسي  لخدمة  تجارة  البلدين  و تنميتهما إقتصاديا و إجتماعيا ." أضاف سعادنه ؛ فعلق سعيد : "لقد جعلوا قيمة الليرة الذهبية خمس ليرات سورية ورقية من اجل ابتزاز المزيد من الأصفر الرنان لصالح خزينتهم في باريز "

و أضاف سعادته أيضا : " و لقد فوجئنا أيضا بعدم و جود نظام متحضر للبلديات فقمنا بتطوير بلديتكم  و دعمناها بالأموال اللآزمة و الموظفين الأكفاء ."علق سعيد : " لقد وحدّوا  ميزانيتي بيروت و دمشق و جعلوا نسبة 85% لصالح بلدية بيروت أما الموظفون الأكفاء فمعظمهم إفرنسيون  !"

واستمر سعادته يتثر الدرر فأضاف قائلآ : " و على الرغم من كل ما تقدمه فرنسا  من أجل تقدم سوريه  و إدخالها الى نادي المعاصرة و التحضر فهناك من يتمرد هنا أو هناك ، الا أن الجيش الإفرنسي ، المنتصر دائما و أبدا ، يتصدى لهم جميعا بحيث تجري ابادتهم أو تقديمهم الى العدالة ." و هنا تغير تعليق سعيد فتحول إلى رصاصة أطلقها باتجاه سعادنه فأخطأته للأسف و أصابت مرافقه  ثم انهال الرصاص على الحضور من كل صوب .

دب الفزع و الفوضى في أركان القصر إلا  أن كبار الضباط أحاطوا بسعادته و استطاعوا إخراجه من القصر إلى احدى المصفحات التي ذهبت به الى مقر القيادة في بوابة الصالحية مباشرة ، بينما  أصيب الكثيرون من المحتفين بذكرى الثورة الافرنسية ،  ثم إستطاع الثوار  إحتلآل القصر و المناطق المجاورة ، قبل أن يتمكن  الكثيرون  من المحتفلين  من اجلآء نسائهم الا أن الثوار أبوا أن يحتفظوا بهن كرهائن فتم   ترحيلهن .

و اذ طاب النصر لسعيد و رفاقه الثوار  فإنه  لم يطب لسعادة المندوب السامي الذي قرر أن يقود حملة الانتقام بنفسه ، فقد أنزل المصفحات السريعة و الدبابات و ما يملك من جنود و ترسانة ، جنود من مختلف الأقوام المنضوية تحت جناح فرنسا الإستعماري  ،فاضافة الى الأفارقة كان هناك مراكشيون و جزائريون و بربر ؛ و كان هناك أيضا بدوا  قرر شيخ عشيرتهم التعاون مع الفاتحين منذ ميسلون ، و كان شباب عشيرته نواة فرقة الهجانة ، و ابتدؤوا جميعا منذ خيوط الفجر الاولى بمحاصرة حي سيدي عمود  و البزورية و مأذنة  الشحم و أحاطوا بها جميعا من جميع الجوانب  أما الفتحات المطلة على الدرويشية و أسواق الحميدية و مدحت باشا و البزورية و سوق الحرير فقد سدت جميعها بأكياس الرمل و الأسلآك الشائكة ،و اتخذ الجنود مواقعهم القتالية و راء الإستحكامات  و المصفحات، استعدادا  لإشارة الهجوم ؛ أما المدافع بعيدة المدى المنصوبة على قبة السيار و جبل الدف المقابل و تلآل المزة فقد جهزت  للإطلاق ، أما الأخرى متوسطة المدى و الهاونات  المنتشرة قي البرامكة و شارع النصر فقد جهزت بدورها أيضا .

و في تمام الساعة السادسة صباحا سقطت أول قذيفة فهدمت منزل آل العيطة، و قتلت من فيه بمن فيهم رضيعة حديثة الولادة ، و أخذت النار تشتعل و تنتشر سريعا فبيوت دمشق القديمة بنيت كلها من الخشب الملبس بالطين .

 ثم ما لبثت القذائف أن توالت فهب الناس من مراقدهم مذعورين و أخذت النسوة  يتصايحن  و يخرجن إلى الحارات حاسرات الرؤوس حافيات الأقدام  و اتجهوا جميعا صغارا و كبارا يطلبون النجاة على غير هدى ، نحو  مخارج الحي ليجابههم جنود ( الحرية و العدالة و المساواة ) بالرصاص و القذائف، فيعودون لتفتك بهم القنابل و حصار النار  ، كانت القذائف تتساقط بمعدل أربع قذائف كل دقيقة  كان  جحيما  حقيقيا  و  مذبحة جماعية قل أن يشاهد التاريخ مثيلآ لها ؛ و من لم يسقط برصاص الجنود أو شظايا القذائف التهمته النار أو حاصره الحطام أو داسته الأقدام .

رفض أبو سعيد مغادرة المنزل بداية و لكن النار التي ابتدأت تلتهم جدار البيت المجاور  اضطرته لأن يغادر مع أفراد عائلته ، توجهت العائلة أولا نحو الدرويشية ، و لما بلغوا الفتحة المقابلة لحمام الملكة انهار عليهم الرصاص  فعادوا القهقرى ، فتوجهوا نحو حارة البيمارستان  ،و إذ اقتربوا من العصرونية انهال عليهم الرصاص مجددا  ، فأصيبت عائشة ، فاندفعت أم سعيد نحو استحكامات الجنود صائحة : "حرام عليكم ألستم مثلنا مسلمون ؟؟" كانت االإجابة واضحة و مقتضبة ، تسع رصاصات أردتها للحال مضرجة بدمائها ، حاول خالد الاقتراب من أمه فمنعته صلية رشاش ، فعاد  مصعوقا  ،فحمل عائشة و عاد مع شقيقته الثانية و أبيه المكلوم  في اتجاه منزلهم ؛ و لكن قذيفة سقطت الى جوارهم جعلت أنقاض بيوت  مجاورة محترقة  تتساقط عليهم .

كانت الحرائق تشتعل في كل  مكان و القذائف تصفر ثم تفرقع مختلطة بعويل النساء و الأطفال و  إستغاثات الجرحى .

أما سعادة المندوب السامي فقد عاد قبل قليل الى دار الانتداب في حي العفيف ، فوقف على الشرفة المطلة على المدينة  عن بعد ؛ و أخذ يتشفى بمشاهدة حريق حي سيدي عمود بأهله و لعله  كان في تلك اللحظة يتصور نفسه نيرون و لكن بلآ قيثارة ؟!

ثم  بدأت إفرازات الكيمانسانيا ، و فود  نعقبها و فود ، مختارو الأحياء ، رجال الدين مسلمين و مسيحيين ، و جهاء المدينة ، الأصدقاء  المتعاونون ؛ جاؤوا جميعا مهنئين سعادته بنجاته من محاولة الإغتيال ،طالبين الصفح و الغفران  و  وقف المجزرة ، و تعهدوا بأنهم لن يقدموا للثوار أي دعم و لن يسمحوا لهم بالعودة إلى المدينة ثانية .

و ابتدأ القصف يخف بالتدريج و ما لبث أن انقطع مع غياب الشمس ، الا ألسنة النار ظلت تداعب سحب الدخان الفاحمة  ، و  فرقة الإطفاء البتيمة و  المحدودة الطاقة عدا و عدة ، إضافة إلى عشرات المتطوعين  ؛  عجزوا جميعا عن إخماد الحرائق التي استمرت بضعة أيام أخر . 

بعد ستة أشهر و نيف  إستطاع سعيد أن يتسلل  بين أنقاض الحي و أن يقف حزينا أمام قوس الليوان المتبقي من بيته ، تساقطت بضع دمعات حارة رغما عنه ، لم تكن حزنا على رسم من بانوا  ، بل لوعة على من بانوا ، فقد علم أن جميع أفراد عائلته مع ما يزيد عن سبعة آلاف آخرين من جميع المقاسات الإنسانية قد ذهبوا جميعا ضحية مذبحة حي سيدي عمود  .

*ثار السوريون على الحكم الافرنسي منذ لحظة هزيمتهم في ميسلون و قد استطاع الثوار احتلآل أجزاء من مدينة دشق  فكان رد فعل  الافرنسيين قصف المدينة و محاصرة الأحياء التي اشتبهوا بوجود الثوار فيها فكانت مذبحة جميع ضحايا ها  مدنيون

 

أضيفت في 20/12/2004/ خاص القصة السورية/ المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية