تجيء ويغضي القمر
لها وجه قمر...
ولي شعرها المنسدل...
وجمال قامتها...
لها ابتسامة قمر...
ولي دمعة...
أمسكتُ اللوحة
المصفرة بحذر, ووضعتها داخل ملف بلاستيكي شفاف جلبته خصيصاً لها, كانت تلك
اللوحة...كل ما تبقى لي منها، من رائحة أنفاسها...من دفء عينيها, من حزن باذخ
أخفته خلف شال.
عندما أصررت على أن تكون هذه اللوحة غلاف مجموعتي الشعرية الأولى
اعترض مصمم الغلاف, وكاد ينفجر في وجهي إلا أن صاحب دار النشر ضغط عليه،
فمجموعتي هي الفائزة الأولى في المسابقة الشعرية، وأراد لها أن تخرج كما أحب
تماماً، وأردت أنا أن تنعجن بروحها وأن تحمل بقايا أنفاسها ورائحتها، تلك التي
انغرست عميقا في ذاكرة الفقد...أردت أن أهديها لها وحدها، فهي التي فجرت بي حمى
الكلمات الملتهبة، وبين الحرف والنقطة والفاصلة بإمكان أي إنسان أن يلمح وجهها
ودموعي يتعانقون.
كل من قرأ تلك
المجموعة قال أنها باذخة الإحساس والدفء، لكن أحدهم لم ينتبه إلى أني سكبت فيها
مشاعري فالتهبت, ونثرت دموعي على السطور فأصبحت حروفاً، ورصفت وجعي فتدفقت
الكلمات لتدمي وجه البياض, ثمة شعور مفجع بالفقد يعتريني كلما كان يلم بي
صوتها فأهرب إلى الورق, فقد اعتدت أن أكون معجونة بها, جزءاً منها ...جزءاً غير
قابل للانفلات، وحدي كنت أغلق باب غرفتي دونهم، وأشرع نافذتي لأرى وجهها على
صفحة القمر فتياً باسماً، ولأنني لم أجد لها شعراً بعد ذلك، فقد ألصقت لها
خصلات من شعري، لأنها يجب أن تظل هكذا، أسطورة حب، وقصيدة وجع، ووعداً لا يفيني
نفسه، وألماً قصياً في حنايا روحي لا أعرف كيف لي أن أعالجه، ربما لأنني لا
أطيق منه شفاءً؟
أصغر المشتركين في
تلك المسابقة الشعرية كنت - تسابقني الست عشرة شمعة التي لم أعد أشعلها ولا
أطفئها ولا حتى أحصيها بعد رحيلها- في مواجهة من يرفلون في ثياب العشرينيات
والثلاثينيات من العمر، كنت أعلم أنني سأفوز رغم ذلك، هي همست لي ساعة سَحَر،
أخبرتني بأن حروفي تضيء في الليل كالنجوم، وتمطر في النهار كسحابة حبلى
بالأمنيات، فصرت أكتب لها كل يوم، كان يجب أن أفوز وإلا كيف كان لي أن أواجه
وجهها حيث يرتسم فوق صفحة القمر يسترق النظر إلي من خلال نافذتي المشرعة لوجهها
فقط وللقمر.
كلما ارتسمت ملامحها
الحلوة فوق قسماته، أغضى القمر، وخبأ ضوءه وراء تفاصيل ابتسامتها، تاركا لها
فراغا هائلا تنثر نورها الباذخ فوق تفاصيله..من يملك نوراً كهذا؟ تلك التي ما
كانت إلا ملاكاً متخفياً في ملامح مضيئة لألم إنسان، كانت كل يوم تجيء...ويغضي
القمر.
تحدثني كما اعتادت،
تضمني إلى صدرها فتفوح رائحة الياسمين، تخبرني كم تحبني فينحني الشوق إجلالاً،
وأخبرها كم أحبها فتغرد طيور الجنة في صدري، أقول لها بأنني أشتاق إليها كثيراً
حتى لم أعد أحتاج لرؤية أحد غيرها، فتحدجني بنظرة عاتبة وتقول:" وحده الليل
لنا، أما النهار فهو لهم فكوني هناك بينهم"، لكنني لم أفِ بذلك العهد أبداً،
فقد كانت ترافقني في النهار أيضاً دون أن تدري، ولأن أحداً سواي لا يشعر
بوجودها، كان حرياً بي أن أختلق لها فضاءات تحلق بها حيث لا أحد سواها يجرؤ.
أتذكر يوم رسمت تلك
اللوحة.
تلك كانت المرة
الوحيدة التي أغضبتها فيها، كانت قد تهاوت تحت وطأة المرض، سمعتهم يهمهمون بصوت
منخفض كما فحيح " مرض عضال" و"أيام معدودة"، ولأن الزمان كان لغزاً عصياً على
طفولة عقلي، لم أفهم أن أياماً معدودة لديهم تعني ألا تكمل إشعال شمعاتي
التسع، وأن تبقى قربي زمناً يسيراً -لا يكفي لأحفر ابتسامتها في صدري جيداً-
كليلة الكبد، دامية القلب، تنهش الأوجاع أوصال روحها حتى يغلي دمها فيهاجم بعضه
بعضاً، وتقضي ساعات لا تقوى حتى على الكلام تتقاذفها الآلام بين الموت والحياة.
لازمتُ فراش المرض
قرب جناح دفئها الممزق، كنت أحاول أن أقنعها بالعدول عن الرحيل، كنت أريد أن
أقول لها بأنها الشخص الوحيد الذي يهمني فوق الأرض، وما عداها فلتندثر الأرض،
فلا طاقة لي على العيش فوقها.
اقتلعوني من جانبها
فشعرت بجذوري تتمزق، أثكلوني وجودها وهي ما زالت تتنفس فوق سرير المرض، صرخوا
بي "لا تزعجيها"، ومن قال أنني أزعجها؟ كنت أراها تشحب كل يوم ولا اُعْطى إلا
دقائق لا تكفي لأن أبثها روحي، لأعطيها من أنفاسي، لا تكفي لعناق أحتاج أن
أتوحد فيه معها علني ُأعْدِيها بشيءٍ من الحياة..أو ُتعْدِيني بشيءٍ من الموت،
كانوا يحملونها إلى المشفى كل بضعة أيام، لتعود أكثر شحوباً من ذي قبل، صارت
تدثر رأسها بشالٍ لا تكاد تخلعه، خبأتْ شعرها حتى عني، ولم يتبقَ لي من وجهها
إلا ملامح تزداد شحوباً كل يوم، أخفتْ عني خصلات ذلك الشال الحريري التي ما كنت
أرضى أن أنام إلا وهي مجدولة بين أصابعي في محاولة مني لإستبقائها إلى جواري
...جواري أنا فقط، وفي كل مرة كان عليها أن تنتظر غفوتي لتستعيد شعرها من بين
أصابعي.
في ذلك اليوم كانت
أكثر شحوباً من أي يوم مضى، رسمت شبح ابتسامة ما ،لا تشبه تفاصيل ابتسامتها على
شفتيها عندما التقتْ عيوننا، كانت في طريقها إلى المشفى، نظرت إليها وحاولت أن
أبادلها شبح ابتسامة، فإذا بي أنفجر باكية، انهار جسمها وتهاوى مع شهيق بكائي،
ولدى سقوطها سقط الشال من على شعرها فاضحاً سراً كانت تحاول مواراته خلف شال
وابتسامة لا تكتمل، فلم أجده، لم أجد شعرة واحدة فوق رأسها، كان رأسها يلتمع
كما رأس جدي في تلك الصورة المصلوبة على الحائط، هالني ذلك المشهد... شطر قلبي،
فجريت إلى غرفتي وأنا أعتقد أنني قد فهمت سر دموعها وتداعيها، تبكيه إذا...تبكي
شعراً تعلم أنه أرجوحة قلبي، لم أجد سبباً مقنعاً يجعلهم يقصون شعرها الذي
أحبه بهذه الطريقة البشعة.
يومها تولى أخوالي
وأبي حمل أمي إلى هناك، حيث يكون الألم مقننا بدفعات من علاج لم يعد يجدي، لم
اعرف كم من الوقت قضيت وأنا أنتحب في غرفتي، ثم أمسكت القلم ورسمت على صفحة
بيضاء وجهها- وجه قمر، رسمت لها ابتسامة شاحبة ونظرة مضيئة، كتبت بحروف طفولية
دامعة تحت الرسم - موزعة تفاصيل الجمال بيني وبينها في حديث دار بيننا كثيراً
قبل أن أفقد فضاء وجودها إلى جواري- تلك الجمل التي أعدت صياغتها بعد أن شاخت
بي الطفولة، لتكون على الصفحة الأولى من مجموعتي، وقعتها بدمعة باذخة حبستها
دائما في حنايا روح تتنفس الفقد :
لها وجه قمر...
ولي شعرها المنسدل...
وجمال قامتها...
لها ابتسامة قمر...
ولي دمعة...
نظرت بعدها إلى
اللوحة، ثمة شيء مخيف في تفاصيلها جعلني أرتعد، شيء لا أريد أن أراه، لا أريد
أن أعرفه، انتابني شعور سيء وأنا أنظر إلى وجهها القمر دون أن تحيط به هالة من
شال حريري يطوق وجهها، ما كان عليهم أن يقصوا خصلات شعرها الناعم، حملت الكرسي،
ووضعته بجانب الخزانة، تسلقته وفتحت ذلك الدرج الذي منعت دوما من فتحه، أخرجت
المقص، وقربت جديلتي إلى الأمام وقصصتها من أعلى نقطة تصل إليها يدي الصغيرة،
وعدت وقصصت بضع خصلات من جديلتي التي لم تعد جزءاً من رأسي، وألصقتها فوق رسم
وجهها، واحتفظت ببقية الجديلة لألصقها على رأسها، إلا أنهم عندما أتوا بها
ولمحتْ شعري المقصوص غضبت مني ، لم تعرف أنني قصصته من أجلها، فازدادت شحوبا
دون حتى أن تعاتبني، ولم تكلمني ولم تصعد إلى غرفتها منذ ذلك اليوم.
كانت جديلتي
المقصوصة آخر ما رأته أمي قبل أن ترحل، ودموعها وهي تنظر إلى جديلتي آخر ما
لمحته أنا، ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أقص شعري حتى صارت خصلات جديلتي تنثني تحت
عظام ساقي عندما أجلس، وهي تجيء كل يوم ليلاً إلى غرفتي فأشرع نافذتي لوجهها،
تجيء لتطمئن على خصلات جديلتي التي طالت كثيرا، ولوحتها المعلقة إلى جوار
سريري، وكما كل يوم تجيء....ويغضي القمر.
وأزهـر الياسـمين
في كلِّ مرةٍ كنتَ
ترسمُ لي فيها على حافةِ الصمت قلباً ووردةً حمراء, كنتُ أرسمُ لكَ عصفوراً
وزهرةَ ياسمين, وكان عصفوري يخربشُ فوق القلب ويبعثر الوردة, فألمحكَ تتشظى...
تنشطرُ إلى نصفين, أحدهما يتلاشى مع أوراق الورد المبعثرة, والآخر يغرق في صمت
حزين.
لم يكن ما بيننا
يشبه ما يكون عادة بين رجل وامرأة, ولا حتى بين امرأة وأخرى, كان شيئاً
مختلفاً, شيئاً لا يشبه الاشتياق ولا تفوح منه رائحة العشق فقط , كأن بين
روحينا تواطؤ غير معلن للاحتواء, هناك شيء في حضورك يأسرني ويطلقني في آن واحد,
يبعثرني ويلملمني, يشظيني ويعيدُ تكويني من جديد, كنتَ قطعةً باذخة من روحي
المحترقة لا أرغبُ بحشرها في أفق ٍ ضيق ٍ لجسدٍ فان ٍ...كنتَ فرحاً لا يشبه
الفرح.
ذلك الطغيان الذي تملكه بمنتهى اللطف, ذلك الاجتياح الذي لا أملك له
رديفاً , ذلك الألق الذي لم أعرف مثله يوماً, شيء يشبه النقاء, يشبه دموع
الأطفال, يشبه الشمس والياسمين, ولا يشبه وردة حمراء,كأنك كنت في ثنايا الروح
منذ الأزل, كأنك خلقت وترعرت هناك, كأنك لم تغادر أبداً.
لكنك كل مرة كنت تصر
على أن تقدم لي وردتك الحمراء, وكنت أصر على أن أهديك ياسمينة لترى ذلك البياض
الرقيق الذي لا أريده أن يخدش بأي هفوة.
وحدك دون الناس
دخلتَ الى دهاليز الروح وتجولتَ فيها بحرية من يتجول في سكنه في وحدة ليل هادئ,
وحدك عرفتَ الغرف المبللة بالفرح, كما مررتَ بأخرى مسربلة بالحزن, وحدك لامستَ
الروح , وعانقتَ أدق خلجاتها, فلماذا تصّر على أن تلوثَ شيئاً اسطورياً سرمدياً
لا مثيلَ له بشيءٍ يشبه كل الاشياء التي حوله.
عندما جلستَ على
شغافِ القلبِ ذات حزن ٍ بحتُ لك بأنني لا أريد أن أكون محطةً تترجل منها عند
وصولك الى أخرى, أريد أن أظلَّ ذلك الوجع القصي في الروح, اخبرتك بأنك لا تشبه
الاسماء ولا تحمل الملامح ذاتها التي يمتلكها الكل, لذلك كان علي أن احتفظ
بمشاعرك, ولذلك كان علي أن احملك على جناحي حلم حتى لا تطأ الارض فتدفن فيها
ذلك الشعور الدافئ, فلا تتكئ على تفصيلٍ صغيرٍ من شأنه أن يجعلكَ تشبهُ كل من
حولي, ليس بالضرورة لمن يلامس الجسد ان يقتربَ من الروح, وأظنه حتمياً عليك أن
تظل تلك الاسطورة التي تورق في أوردتي, وتزهر على ضفاف وجعي, ستظل زهرة ياسمين
رقيقة تنعتق في روحي, لنتحرر معا من الفناء, من أجسادٍ لا ترتقي لأثير أرواح
تعانق خيوط الشمس الدافئة, ولا تسمو لتكون شفيفة كروحك ولا متلألئة كذلك الدفق
الهائل الذي يخترقني كلما مررت في بالي.
دع الاجساد للأرض
وانعتق نحو السماء, نحو السمو, حيث لا يوجد للخطيئة مكان ولا معنى.
عندما زرعتَ لي
الارض ورداً, زرعتُ لك السماء نجوماً, وخيرتك بين أن ترحل, وبين أن تقتل ورودك
كمداً وتنثر الياسمين.
كنت أخشى بيني وبين
نفسي أن تختار الرحيل, أحتاج اليك, أتوق لوجودك, وأحتاج الى ذلك الشعاع الذي
اشعلته في حنايا نفسي ولا أريد له أن ينطفئ فأنطفئ معه, ولا أريد ان أستفيق
صباحاً لأجد نفسي وحيدةً مرة أخرى.
أكذب إن قلت أن
رحيلك صعب, إنه مستحيل, قاتل, قد يذبحني, أنا التي للمرة الأولى على امتداد
العمر أجد رجلاً يفهمني, يبحر في عمقي, يتمايل مع تناقضات جنوني وفزعي
وارتيابي, يعزف على أوتار ظمئي, يشعلني ويطفئني في لحظة واحدة, كيف كان لي أن
أفقدك وفقدانك قد يمزق شرايين الفرح في قلبي إلى الأبد.
كنت تحاول أن تجرني
من يدي الى تلك الزاوية المحرمة, ومرة تلو الاخرى رحت أشدّك برفق ٍ لتحلق معي
حيث النجوم.
أزهر الياسمين في
قلبي أخيراً, وشممتُ رائحةَ الحرائق تنبعثُ من جدران قلبك, لكن رائحة الياسمين
ما لبثتْ أن تغلبتْ على ذلك الدخان, ولم أع ِ أنك أسلمتني روحك ورحت تبحث لقلبك
عن امرأة أخرى, لم أنتبهِ أنني تربعت أخيراً على عرش الأولياء في قلبك, لكن عرش
الحبيبة صار شاغراً بانتظارأخرى, أسكرتني لحظة الانتصار, وساعات اللقاء النقي,
والأحاديث الملونة حيناً والبيضاء أحياناً أخرى.
وها أنت اليوم تعيدُ
ترتيب وردتك الحمراء لتهديها إليها, في داخلي مأتم لموتِ شيءٍ لا أدرك كنهه
تماماً, قد يكون قلبي, قد تكون روحي, وفي عينيّ تنصلتْ دمعة أغلقتُ عليها جفوني
جيداً لئلا تراك, اقتربتُ منكَ بهدوءٍ لا يشي بالزوابع التي تجتاحُ كياني, ولا
بالفقد الذي راح يحفر سراديب ظلام على حافة الروح, رسمتُ لك على صفحة وجهي
ابتسامةً هادئة, وأعطيتك حزمة ياسمين, أغلقتَ عينيكَ عن دمعةٍ توشكُ أن تفضحَ
عريك, وابتسمتَ بارتباكٍ قائلا ً: ما زالَ ياسمينك الأغلى على قلبي, لكنني لا
أستطيع الحياة دون وردة حمراء.
أضيفت في 26/10/2008 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
رائحة الفطيرة
أراها بوضوح..حمامة بيضاء كالنقاء تطير في سماء صافية كالحلم، تدور
بعينين مدهوشتين كمن يلملم ألوانا لم يسبق أن رآها مرسومة فوق حدقتيه، ترفرف
بجناحيها الأبيضين على وقع دقات قلبي، تبدو لي مألوفة وكأنها تحمل ملامح أعرفها
جيدا، مهلا ...إنها ملامحي..لون عيني..اخترقتها طلقة صياد مخبول فقد الجمال
والحب طريقه إلى عينيه، اسودت السماء وفقدت صفاءها، تلبدت الغيوم، تبعثر دم
الحمامة البيضاء فوق الأرض، وتلون ريشها الأبيض بلون الدم القاني، أختنق هديلها
في حلقها،ثم سقطت فوق البقع التي رسمها الدم على الأرض.
قطرة دافئة من دمها تسقط على جبيني، توقظني من غيبوبة لا أعرف كم
دامت، أشعر بإعياء شديد كما لو أن الطلقة اخترقت جسدي أنا، أحاول أن أفتح عيني،
فلا تتجاوبان مع رغبتي في الرؤية، لكنني بعد إصرار استطيع أن أفتحهما، يستقبلني
وجه أمي، أرى دموعها الدافئة تنفلت من عينيها بغزارة يوم شتوي ممطر، وأشعر
بالقلق الذي يختبئ خلف نظرات منكسرة تحاول الهرب من مواجهة عيني، وأنتبه إلى
أنني لست في المنزل، هذا البياض الذي يلفني أكثر من قدرتي على فهمه، وتلك
الأنابيب الموصولة إلى أوردتي، أين أنا؟ رائحة الكحول تقتحم أنفي مفسرة تفاصيل
هذا المكان الذي يحتضن قلقا احس بنفثاته في أفق الغرفة، جسدي المتهالك فوق سرير
المشفى، قدماي الثقيلتان اللتان لا استطيع لهما حراكا، أشعر وكأن شاحنة مرت
فوقهما للتو فهشمتهما تماما، والألم الذي يثقب أطراف جسدي بأنامله المدببة،
ورأسي الذي أشعر بأنه صار مجوفا تضربه مطرقة في نفس المكان وبتواتر مزعج، وشيء
من الغضب يرتسم على وجه أبي يحاول مواراته خلف قبلة طبعها على جبيني وهو يخفي
دمعة تتنصل من عينه...ما الذي حدث؟!
أين كتبي وأوراقي ودفاتري؟ يا إلهي كم أضعت من الوقت وأنا نائمة
هنا؟ جدولي الدراسي محكم جدا ليس باستطاعتي إضاعة ساعة واحدة وإلا تبعثرت
أحلامي في الهواء...لم أنا في هذا المكان؟ ومتى جئت وكيف؟
تسعفني الذاكرة بشيء من التفاصيل، جوع باغتني دون سابق إنذار وأنا
أذرع أرضية غرفتي جيئة وذهابا حاملة كتاب العلوم أحفظ تضاريس كائن ما...لم أعد
أتذكر ما هو الآن، كتب متراصة أمامي علي أن أذاكرها تباعا بدءا من الغلاف إلى
نظيره، الامتحان الذي أصبح يطرق الباب بإصرار مريع، أبي الذي يريدني
طبيبة...ويترك لي حرية اختيار الاختصاص الذي أرغب طالما أنني في النهاية طبيبة،
وأمي التي لا تمانع ما يراه أبي، وتحلم بالمعطف الأبيض وهو يسور جسدي والسماعات
تتدلى من على صدري فتشعر بنشوة الفرح، ملل شديد يستبد بعقارب الساعة فتتقاعس عن
الدوران، يبدو وكأنها تواطأت مع الضجر الذي يستعمر أدق تفاصيل وجودي، أنظر إلى
الساعة فأرى الوقت متوقفا، تتداخل الكلمات أمام عيني، وتصبح الحروف مجرد طلاسم
عصية على القراءة..فكيف على الفهم إذاً؟!
أفتح باب الثلاجة، لا رغبة بي في تناول أي شيء مما أراه مرتصا على
دروجها، الضجر يتلاعب بأعصابي، والجوع يحفر في معدتي، ولا رغبة لي في تناول
السمك، ولا الرز، أكره الفواكه، أكره الخضار، أكره اللحوم، أكره الفوسفور
والكالسيوم، أكره كل ما في الثلاجة، لا أريد أن أغذي دماغي ولا جسدي، أريد أن
آكل لأشعر برفاهية الطعم الذي أحب، حسنا...رقم المطعم مثبت على الثلاجة، هو
ذا..سأطلب فطيرتي المفضلة ...أريد أن أتناولها ساخنة، ما أطيب تلك الرائحة التي
تفوح فتنفتح في معدتي سراديب الشهية المستعصية منذ اقترب الامتحان، وتكالبت علي
فروض التغذية الصحية المناسبة لوقت عصيب كهذا، وكتب متراصة تتربص بعقلي.
طلبت الفطيرة بالجبن، ربع ساعة وتصل ساخنة، هكذا قال العامل، حسنا
سأنتظر، ما أبشع الانتظار حين تكون جائعا وضجرا، أدخل الحمام، أقذف وجهي بالماء
علني أتخلص من حالة القرف تلك، أتجه إلى كتبي، أنظر إلى كتاب العلوم،
الرياضيات، الفيزياء، اسحب كتاب النصوص أحاول أن أطالع به قليلا، إلا أنني لا
استطيع، أعرف أنني سأحصل على تلك العلامات اللعينة التي تؤهلني لكلية الطب،
فطالما كنت متفوقة وحصلت على أعلى الدرجات، لكن الملل يقتلني، والجوع يمزق
معدتي الفارغة، وأشعر بأن رأسي بحر طفت فوق أمواجه كلمات مفككة سقطت سهوا من
المواد التي درستها .....
تتصل لمياء...يا الله تظهرين في الوقت المناسب يا لمياء، تسألني كيف
حالك، ما أغربه من سؤال! وكيف يكون حال طالبة في الشهادة الثانوية قبيل
الامتحان؟ ضجرة أنا...مختنقة، أكاد أشعر بدبيب الموت في قلبي.
تضحك لمياء قائلة: انظروا من يتكلم!
أرد: هل تعتقدين أنه لمجرد كوني متفوقة ذلك يعني أنني استمتع في
قضاء أيامي سجينة بين تلك الصفحات اللعينة.
يدق الباب...أتجه - وسماعة الهاتف في يدي وأنا أكمل حديثي المتذمر-
نحو الباب، أفتحه، ها هو عامل المطعم بجسده الضخم يحمل في يده علبة كرتونية
تحتوي فطيرتي المفضلة، ورائحتها الرائعة تفوح مستثيرة شهيتي لقضمة ساخنة أنسى
فيها فوائد الفوسفور...وطعمه، أتناولها من يده، أشير له بيدي أن ينتظر في
مكانه، أرد الباب وأدخل لإحضار النقود، وأنا أجيب لمياء:"أبي وأمي في العمل
وأنا وحدي في المنزل، قتلني الملل والجوع، ولم اشعر برغبة في تناول ما طبخته
أمي، فطلبت فطيرة الجبن، ها هي الآن بين يدي ورائحتها تنعش القلب، أغلقي الهاتف
الآن وبعد قليل أعود للاتصال بك.
أضع السماعة من يدي وأجلب النقود، أستدير للعودة باتجاه الباب فإذا
بي أمام جسد رجل اقتحم خلوة منزلي وأحلامي ومستقبلي وفرحي، إنه عامل المطعم
الذي تبعني خلسة، وفي عينيه نظرة وضيعة تشي تماما بنيته بالغدر بي، نظرة جائع
شره أمام وجبة شهية فوجئ بها أمامه، أرمي الفطيرة والنقود من يدي، وأجري من
أمامه محاولة الصراخ، يخونني صوتي، يمسك بي بقوة فأشعر بتمزق أضلاعي، يغلق فمي
بيديه، أرفسه بقدمي وأضربه بيدي، فيضربني بوحشية، ويمزق قميصي، أشبك يدا فوق
صدري في محاولة لإخفاء ما ظهر منه، وأضربه باليد الثانية بأصيص للورد التقطته
من فوق الطاولة، يتفادى الأصيص الذي يرتطم بالأرض معتذرا عن خذله إياي، وتنفلت
شظاياه البلورية في كل مكان، يقترب مني بسرعة، أتراجع محاولة الهرب، كأني به
وقد ضم كفه في لكمة قوية وجهها لي فسقطت قرب الطاولة، شيء ما ارتطم برأسي،
أتذكر الآن...نظرات ذئب جائع يقف على قوائمه الأربع، وقد نبت له فراء أسود غطى
جسده، صوت عواء أنفاسه العفن يضرب عظام السمع في أذني بقوة، أه...كنت أدرس جهاز
السمع قبل أن يداهمني الجوع، آخر ما أذكره...وجه مغطى بفراء أسود، وصوت عواء
أنفاس ذلك الوجه البغيض، ورائحة الفطيرة الساخنة، والفريسة المتهالكة على الأرض
دون حراك.
أضيفت في12/01/2008 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
مجرد بيدق
المساحات تتلاشى على مد نظره, أبيض وأسود ليس إلا,يقول الفلاسفة انه
في الحياة لا يوجد ابيض أو اسود صرف,إنما هي امتزاج كوني بين اللونين, فلا خير
مطلق ولا شر صرف, يبتسم ساخرا من سذاجة الفلاسفة, فالحياة في نظره ليست إلا
ابيضَ أو اسودَ, والأسود هو دائما ذلك الوجه المخالف له, ليس ثقة بان الخير
متجسد في تكوين دمه الملكي, ولكن في النهاية كل إنسان يعتقد أن الشر هو كل ما
ليس هو عليه, فان كنت اسودَ لا بد أن الشر كما يتراءى لك هو نقيضك الأبيض,لكل
فلسفته في الحياة , حتى هو من زاويته الغريبة لا يجد الخير والشر مطلقين,فكل
يعتبر انه الخير...فمن الشر إذا ؟؟
تأزف ساعة الصفر, منعطفات يفرضها القدر على تموجات أطياف الحياة, في
لحظة ما هو الملك والكل طوع بنانه وفداء له, وفي لحظة أخرى...ليس سوى أسير ذليل
أو ملك معزول أو صفحة من صفحات الماضي يعيث فيها الماكرون فسادا, فلا يذكر
التاريخ إلا عثراته, ويتغاضى بفعل فاعل عن مآثره...ابيض أو اسود, يتغنى
المخلصون والمستفيدون بدفء زمانه وسطوع مجده, لكنهم بعد سقوطه قد يغيرون جلدهم
, أو ُيبعدون عن كتب التاريخ- وقد استضعفوا- فلا احد يعرف الحقيقة إلا من زاوية
الأقوى , وقد يكون ذلك الأقوى على حق ... كما قد لا يكون, ويتسابق الخونة
والمتضررون لعرض هناته وعثراته, وقد يتحرون الحقيقة والأغلب أنهم لا يتحرونها,
وهو شخص واحد لا غير لكنه ابيض خالص أو اسود صرف حسب الزاوية التي يقف فيها
هؤلاء أو أولئك , الملك واحد والرؤى كثيرة ... لكنها على كل حال ابيض أو اسود.
يحتدم القتال على الساحة ... يلتحم الجيشان ... إلى أي حد بوسعه
الوثوق بأتباعه وكبار قادته ؟ ليس غبيا لكي يعتمد على جنوده الصغار, فهم ما
عاشوا في خيره لينقذوه من شر أعماله , لكن ماذا عن الكبار ؟! ... أيتركونه
ويمضون على مبدأ اللهم أسألك نفسي وقد نالوا من خيره الكثير؟ أم يتابعون القتال
معه حتى اللحظة الأخيرة ؟ ... يحتدم القتال وهو في مكانه الآمن تحت الحراسة
في الساحة يراقب الأحداث وسط ضجيج السقوط وصمت التأمل واستعار الترقب ...
لطالما اعتقد أن وقوع البلية خير من انتظارها ... كم هو مقيت ذلك الانتظار الذي
يدرك انه سيقرر مصير حقبة في تاريخ امة وشخص بمثل عظمة بطشه ... ينظر حوله
... كل شئ ونقيضه ملتحم معا في هذه اللحظة , حتى هو ونظيره المناقض له الذي
يقف على الطرف الآخر كما يقف هو تماما ... الترقب ذاته .. الانتظارنفسه..
والقلق عينه ... يفرش عباءته هنا وهناك , ويحفه الجنود كما يحف عدوه .
يناور وزير حربه المخلص في محاولة لإنقاذ الملك , إلا انه سرعان ما
يسقط ويسقط وراءه أفراد جيشه تباعا فداء الملك , والملك هو الملك يجب ألا يسقط
... فالملك يعني كل شئ , الأرض ... الوطن ... الأمة ... والنصر, وبســقوطه
يسقـط كل شئ ... ما الذي يجعل فردا واحدا أهـم من امـة ووطن ؟! ما الذي يجعل
دمه أغلى واهم من دمائهم مجتمعة ؟! ابيض ... اسود , والخـير حيث هو.
يقف شامخا مبتور الأمل على حافة جراح امة بأكملها يتأمل قصائد
الدماء المكتوبة بالقهر والهزيمة على ارض المعركة ولا يهتز له رمش ... فالقضية
اكبر بكثير من مجرد معركة وجيش ... ثم كيف يهتز له رمش وهو الملك ... والملك
هو.
يعلن جيش العدو تقدمه باتجاه موقعه الملكي ... الرقعة تضيق عليه
وبه ... ويتساقط أتباعه واحدا تلو الآخر, منهم من يسقط صامدا ومنهم من يستسلم
متخاذلا...لم يعد هناك فرق , فالمهم هو النتيجة ... والنتيجة لم تعد تبشر
بخير, لكنه حتى هذه اللحظة ما زال الملك , هل ينظر في ساعته ليحدد لحظة سقوطه
تماما ؟! وما الفائدة ؟ , سيؤرخها العدو باللحظة التي يريد وبالطريقة التي
يرغب طالما أصبح في الموقع الأقوى
تسقط قلعة الملك وتنهار أحجارها المطلية بدماء الآلاف حجرة وراء
أخرى ... تنسحق الحجارة وتغدو ترابا احمر, هل سيذكر الأحفاد وهم يدوسونه انه
قد صبغ بهذا اللون من دماء أجدادهم !؟.
هو لا يظن ذلك ... فالتاريخ لن يكتب بأيدي الأحفاد وبالتالي سيغفل
حقيقة احمرار التربة , وسيعزوها إلى ظاهرة جيولوجية ما , سيفكرون في أمرها
لاحقا عندما يأتي وقت التسجيل صارخـــا : فليسجل التاريــــــــــخ .
كل شئ انهار دفعة واحدة وبطريقة مربكة تماما ... من يعرف كيف سقطت
القلعة ؟؟... لغز محير لم يفهمه كائن , لكنها سقطت وجيش العدو يتقدم باتجاهه
وهو يتفقد رأسا لا يعرف تماما كم سيطول الأمر بها فوق جسده , لكنه لن يهبهم هذه
اللحظة بالسهولة التي يتوقعونها ... تحين منه نظرة ليرى أشلاء جيشه الممزقة وهي
تفرش الأرض بساطا يكسوها حباً , ويرى بان أتباعه المخلصين قد مسحوا عن وجه
الأرض عن بكرة أبيهم وظل وحده الهدف الوحيد المتبقي , وبسقوطه ينحني تاريخ
جبروته مسلما تاجه إلى جبروت إن لم يكن اكبر من جبروته فليس اقل إطلاقا.
تحين منه نظرة فإذا به وقد بقي في جيشه جندي واحد , مجرد جندي ...
ليته كان حصانا يهرب به أو قلعة يلوذ بها , لكنه مجرد جندي ... أي حظ عاثر ؟!
يـُبـاد جيشه ويُـترك له جندي فقط في معركة طاحنة كهـذه ؟! ... وحـده وجندي
قـزم يقاتلان جيشا كهذا ؟!.
ما من منطق يقول انه قد يفوز, يتقدم خطوة ويتراجع أخرى في محاولة
يائسة لكر وفر لم يعد بإمكانه المبالغة بهما.
يتقدم إذ يجد مكانا يتسع لمحاولة يائسة للفرار, ويتراجع خطوات عندما
يهاجم الخصم ... لعبة الحرب القذرة منذ فجر التاريخ.
استغرقته لعبة الكر والفر طويلا , وبدأ جيش العدو يتناقص واحدا تلو
الآخر من حوله دون أن يفهم سببا لذلك , بقي وحده وجها لوجه أمام الملك الآخر ,
ولشدة دهشته وجد الجندي الأخير المتبقي من جيشه وقد ضرب ملك العدو في مقتل ...
فكر في نفسه : أين ذلك الذي أقنعه انه لا يمكن الانتصار بــبـيــــدق ؟؟؟ .
أضيفت في02/03/2006 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
مجرد امرأة
تهالكت على كرسي جوار جهاز الهاتف, رفعت السماعة وأدارت رقما, كانت تشعر
بالحرج, ففي وقت كهذا لم يعتد الناس أن يستقبلوا اتصالات من أشخاص غالبهم التعب
والحزن, فانبروا يبحثون عن صوت في الظلام يحتوي أوجاع غربتهم, لكنها صديقة
العمر, لا بد أنها ستفهم هذا الظمأ إلى وجود شخص آخر في ظلال الوحدة, على كل
..لن تسمح للهاتف أن يرن كثيرا, ستعلم سهى إن كانت مستيقظة بأنها المتصلة فتعيد
الاتصال, وان كانت نائمة لن توقظها رنة أو رنتين.
هناك لهفة كائن ما على الطرف الآخر التقطت السماعة بمجرد أن أعلنت عن ورود صوت
ما من مكان على الارض, لكنه ليس صوت سهى ولا حتى زوجها, هو صوت غريب باغته ارق
الملل أو الوحدة أو تشظي الروح كما باغتها تماما فجعل يهتف على الطرف الآخر:
الو!!!!
ارتبكت مرام وهي تطلب صديقتها عالمة أنها لن تجدها بسبب خطأ ارتكبه إصبعها وهو
يطلب الرقم, فرد الصوت على الطرف الآخر معتذرا: يبدو انك طلبت رقما خاطئا, لكن
دعيني أسألك سؤالا, هل أنت معتادة على الاتصال بصديقتك في مثل هذا الوقت؟
أجابت : تلك هي المرة الأولى التي اطلبها ليلا.
فقال: أتمنى أن لا يكون هناك طارئا ما!!
أجابت: إن لم نسمي نحيب الروح طارئا... فلا شئ إذا.
-لا أريد أن أكون فضوليا...لكن إن أردت أن تريحي نفسك بالإفضاء لي فلا مانع
عندي خاصة واني أعاني من الأرق والملل ...بل ربما الاختناق.
-هل سبق أن شعرت أن أصابع الوحدة تضغط على عنق أيامك فتجعلك تشعر بغثيان الأمل.
-ياه...يبدو أنني أمام شاعرة!!
-من ...أنا؟؟ أنا لم اجتز الثانوية العامة.
بنبرة تفضح استنكارا ودهشة:
-طالبة ثانوي؟؟!!
-كلا...لم اعبر جيدا, لم أصل إلى الشهادة الثانوية, تزوجت قبلها.
-مممم..وأين هو زوجك الآن؟
-يغط في أحلام لن يراها.
-يتركك وينام؟؟
-وماذا تريد من رجل يشغل وظيفتين, ولا يكاد يدخل إلى منزله الا وقت النوم.
-كما نعود للفندق؟؟
-باستثناء أمر واحد, انك تعود إلى الفندق اثر تجوال سياحي يطرز روحك بألف حافة
للفرح, بينما يعود وهو يجتث بقية أحلامه ليرمي أشلاءه على سرير التعب. أحيانا
استغرب من تلك القدرة التي يمتلكها على العطاء, لا يفكر في نفسه أبدا, لا يشتهي
شيئا له, كل ما يبحث عنه هو متطلباتنا أنا والأولاد, فاسأل نفسي:هل هو حقا لا
يملك أي حلم صغير لاقتناء أي شئ, أم أن قائمة الاولويات التي رتبها لم تصل إلى
اسمه بعد...ومتى ستصل؟؟متى سيطلب هذا الإنسان شيئا؟؟
-ربما أزهده التعب؟؟
-على العكس, فهو راض دائما, يمطرنا في لحظات لقاءه القليلة معنا حبا يتسع للأرض
بكاملها.
-و أنت؟؟؟
-أنا؟؟؟ماذا؟؟؟
-هل أنت راضية؟؟
-هل تصدق إذا قلت لك أني لا اعرف, اشعر أني أعيش حلم فتاة أخرى, أظن أننا نحلم
سرا بصمت فتنطلق أحلامنا إلى سماء الأماني دون ترتيب وتختلط, فيحصل كل واحد على
حلم شخص آخر لا يعرفه...ربما لأننا في الظلام لا نستطيع أن نتعرف على ملامح
حلمنا... فيلتبس علينا , أكيد أن هناك من حلمت أن تعيش حياتي, لا شئ حقا اشتكي
منه, زوج يحبني بجنون, أطفال في غاية الصحة والذكاء والهدوء...ماذا أريد
أكثر؟؟؟لا ادري, لكنني لست راضية, هناك خواء في الروح يكاد يبتلعني... اعتقد
أني قرأت قصص سندريلا حتى اعتقدت أن أميرا ما سيبحث عني من بين كل فتيات الأرض,
لكن ذلك لم يحدث...قد تكون فتاة ما في هذا العالم قد حصلت على حلمي...ومن
يعلم...قد تكون غير راضية أيضا.
-بدأت الآن تتكلمين كفيلسوف... يبدو انك تقرئين كثيرا؟؟
-أنا...ربما..أحيانا..أطالع بعض الصحف التي يجلبها زوجي.
-إذا دعيني أعرفك بنفسي أنا الصحفي وليد الجابي من جريدة الأيام...هل قرأت
زاويتي يوما؟؟
-الحقيقة...لا اذكر...
-لا عليك...اعتقدت انك قد قرأتها بسبب شعبيتها, إنها زاوية يوم في حياة مواطن .
-عرفتها...نعم قرأتها...عدة مرات ...تكتب بأسلوب ساخر عن معاناة
المواطن...صحيح؟؟
-نعم..على فكرة ...لم تقولي لي اسمك حتى الآن!!
-اسمي...ما الذي سيضيفه اسمي...أنا مجرد امرأة.
-الا تعتقدين أن الأسماء لها دلالات تنطبع على صاحبها.
-لا..اعتقد كما غنت فيروز (عينينا هن اسامينا).
-إذا لن أستطيع أن اعرف اسمك حتى أراك.
-ولن تعرف اسمي حتى لو رأيتني...(اسمي خبيتو بنسمة وقلتلا غيبي).
-يا ابنتي قولي اسمك ببساطة وخلصينا.
-لا أريد, لو أنني فكرت لحظة في تعريفك على نفسي لما عريت نفسي أمامك حتى هذا
الحد.
-لم اشعر انك قد عريت نفسك.
-تلك لوازم الحد الأدنى من الحشمة الأديبة, فعوراتنا النفسية لا يمكن أن تظهر
بكل وقاحة أمام الآخرين.
-هل أنت متأكدة انك لم تتجاوزي الشهادة الثانوية, يبدو حديثك أعمق بكثير من أن
تكوني مجردة من الشهادة الجامعية.
-وهل تؤمن أن الثقافة لا تستجلب الا من الكتب؟؟ استفق إذا فالحياة هي مخبر
العلوم والآداب, أنت تخبر الأشياء في الحياة بحواسك كلها كما في درس عملي ثم
تنتقي مفرداتك للتعبير عنها فان كنت متميزا في انتقائها صرت شاعرا, وان رسمتها
بألوان خرافية صرت رساما. وفيلسوفا إن نمقتها بأفكار واستنتاجات وموسيقيا إن
كانت أداة تعبيرك صوتية, وإلا فشخص عادي...لا تشغله الملاحظة؟
-هل افترض إذا انك تقولين الحقيقة طالما انك لن تعرفيني عن نفسك؟
-للحقيقة وجوه كثيرا
-هذا قول يصدر من كاذبة متمرسة.
-لا أبدا...بل يصدر من صادقة تماما..
-لما بررت بوجوهها الكثيرة التواءك عن الحق.
-لا..أنت ذهبت في اتجاه آخر...أنت تسألني عن الحقائق التي قلتها عن نفسي, ما هي
الحقيقة ؟ هل ما أنا عليه فعلا أم ما حلمت به وتقمصني حتى الإغراق.
-الحقيقة هي الحقيقة.
-إن كنت ترغب في أن تصبح رساما لكنك درست الطب لظرف أو لآخر, فمن أنت من
بينهما...هل أنت الرسام أو الطبيب...سيظل الرسام يلح على خباياك ويتسلل من
فجوات ذاتك, وسيبدو اختلافك واضحا إلا إذا وأدته...قتلته تماما...هل
تعرف...الكل من حولي يعتقد أنني أم وزوجة رائعة, لكنني في الحقيقة لست
كذلك...أنا مجرد كذبة...لم احلم يوما أن أصبح أما أو زوجة فكيف أكون أما وزوجة
رائعة...من الأم الرائعة؟؟؟هل تعتقد أن امرأة عقيما كانت تحلم منذ نعومة
أظفارها بالأطفال ليست أما رائعة لمجرد أنها لم ترزق بالأولاد...قد تكون هي من
تستحق هذا اللقب لكنها لم تحصل على تلك الفرصة,الأشياء التي نقوم بها بحكم
الواجب والفرض والعادات والتقاليد لا يمكن أن تكون حقيقتنا...الحقيقة شئ آخر...شئ
تفعله بكامل حريتك دون أي ضغط...لكننا في الحقيقة لا نملك تلك الحرية.
-أنت مدهشة.
-أنا متأملة.
-متأملة مدهشة.
-الدهشة وليدة التأمل.
-كنت أتمنى أن اقترن بمن هي في مثل ذكائك هذا...لنقل مثل تأملك...
-لا تناور...لقد حصلت على ما أردته.
-وما أدراك؟
-هي هكذا...أنت تضع في حسابك صفة ما تتمناها بشدة في شريك حياتك, فتحصل عليها
ممهورة بصفة أخرى تمقتها تماما.
-كيف ذلك؟
-لنقل انك كنت تتمنى زوجة مسؤولة تتحمل معك ترهات الحياة, وكنت تركز تماما على
هذه الصفة..
-اممممممم
-ستحصل عليها لكن في المقابل سيكون هناك صفة أخرى في شريكة حياتك تبغضها
تماما...لم تنتبه قبل الزواج إلى مدى كرهك لهذه الصفة...لنقل..الكسل مثلا...أو
العزلة.
-أنت تعرفيني حتما وتعرفين كل شئ عني.
-لا أبدا!!
-ماذا إذا ...هل تمارسين علي نوعا من أنواع الشعوذة أو قراءة الأفكار؟؟
-دعك من هذه الترهات...أنت اكبر من ذلك؟
-أنت ...غريبة...مدهشة...ذكية.
-شكرا
-سأصوغ لك مقالا غدا من حديثنا.
-بل صغ مني مقالا.
-مجرد تفاصيل ...
-تفصيل صغير يضاف إلى لوحة يفضح مكنونات صاحبها, وبتجريد اللوحة منها تغدو
مزيجا ساحرا من اللون والغموض.
-هل تفهمين في الرسم أيضا؟
-أبدا...أتأمل فقط...اسمع...لقد ظهر الصباح....
-وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
-تقصد غير المباح...المهم علي أن اذهب.
-هل تتصلي بي غدا؟
-سأحاول.
-أرجوك...سأنتظر هاتفك
-حسنا...سأتصل.
-مع السلامة
-مع السلامة.
أغلقت السماعة, وما أن وقعت عيناها على الجهاز حتى أحست بالخيبة لوهلة, ثم
انفجرت ضاحكة,فقد كانت تستعمل الجهاز المجرد من زر إعادة الاتصال.
أضيفت في 06/02/2006 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
غـائـب .. حيـث يجـب
أن أكــون
آلاف (اللاءات) و ال ( لماذات ) تعشوشب في مجاهل ذاتي وتطفو طحالبها
على مستنقع الخيبة , وتبعثرني أسئلة لا أجوبة لها بين غـيابـين وحضور فاحش.
أكاد أغرق في عوالم مزرية يحكمها الرفض الذي يغشي العـيون من حولي ,
لم يعد للخداع مكان, ولا للكذب معنى .. من الواضح أننا جئنا هنا من اجل قضية
ليست موجودة لنقاتل شعبا أمِنّا في أرضه فنحرق بقايا إنسانيته, ونوسعه حزنا
وثكلا وألما.
يقتات الناس من حولي غربة وطن لم يعد لحدوده متسع لفرح ولا لأمل ولا
لأمان , ولم يعد فيه مكان لخيبة إضافية واحدة , فقد نضحت الأرض بما فيها.
ابتلع مع نظرات البشر المتوجسة شرا ألف خنجر و ( لماذا ) تغوص في
حلقي بطعم الحنظل ووخز الشوك.
اشتاق لمنزلي, لأمي, للحي المفعم بالحياة , للحانة , للرصيف ,
ولشقرائي التي لم تعد تنتظرني بعد أن طال غيابي ,ويباغتني ذلك الإحساس باليتم,
فأتساءل بيني وبين نفسي: لماذا لا نحس بقيمة الأشياء إلا عندما تستبعد خرائط
الأمكنة والمسافات ظلال أجسادها عن مدى أنظارنا؟ولماذا يكون عندها للفقد طعم
الفطام الأول؟واقف عند حدود أسئلتي التي لا امتلك أجوبة لها, احتسب أيام الغربة
المغرقة باللاجدوى , فلا أجـد لأبعادها ظلال نهاية انتظرها , ولا شبح أمل
يحدوني للفرح.
من الحمق أن تخوض معركة ليست لك لتحصد انتصارا وهميا تعلقه على
جمجمة تكتشف في النهاية أنها ليست سوى جمجمتك المتعلقة بحبال التساؤلات التي
لا تجد لها إجابات مقنعة أو حتى مواربة تجعلك تغمض عينيك بشبه ارتياح.
ومن الجنون أن تفقد أصدقاءك واحدا تلو الآخر , وتبحث عنهم لتجد
أشلاءهم الممزقة وقد أضحت وقودا لنار لم تدفئ أضلاع خيبتهم يوما.
والغريب في خضم كل هذا الجنون المتدفق كّم المستحيلات التي تعيشها
وأنت تحاول أن تجمع أشلاءك وتلملـم بعثرتك , أن تجد لنفسك مبررا لكي تعود أنت
كما كنت سابقا إنساناً لا يعيش ازدواجية حضارة لم يفهم ما الذي أوقعه في براثن
تناقضاتها , إنساناً يعيش قناعاته ويتصرف من خلالها , لكن ذلك يبدو خارجا عن
المنطق , فأنت تتعاطف مع عدو قتل منذ دقائق فقط احد أصدقائك , ذلك الذي كان
يتمتم قبل موته بقليل ترانيم نشيدك الوطني ذاته , فهل تخذل جـثـته أم تخذل
قناعاتك ؟؟ وهل تقف مع انتمائك وأنت تعرف أن أصحابه ليسوا على حق أم تقف في
جبهة ضد نفسك ؟؟
يداك الملوثتان بالدم , وجسدك الكليم المسجى بالدم والجراح , لأيهما
تنتمي ؟؟ لأيهما تـنتصف ؟؟ أليديك وهي تقتل الأبرياء كل يوم ؟؟ أم لجسدك الذي
اخترقته رصاصات عدوك المزعوم وهو يحارب في معركة ليس من أهم صفاتها التكافؤ أو
العدل ؟؟.
تريد أن تعود إلى أرضك ؟ أن تستيقظ صباحا لتكتشف أن ما عشته لم يكن
إلا كابوس يوم كئيب فتجتث بكل بساطة كل تفاصيله دفعة واحدة ؟ تتقيأها من أحشاء
دماغك وتتظاهر بأنها لم تحدث مطلقا ؟؟.
لكنك بدلا من ذلك تستيقظ على غثيان أسئلتك : لماذا يستيقظ العراقي
صباحا ليجدنا وقد زرعنا أرضه دمارا ودمــا ؟؟
أين تلك الديمقراطية التي زعمنا أننا سنقدمها على طبق من الفضة
للعراقـيين؟؟ وكيف حدث أنهم يقاتلوننا مع ما قيل لنا بان الشعب العراقي
سيستقبلنا بالهتاف والترحيب ؟ وما جدوى تواجدنا هنا ونحن نحصد الأرض دمارا
وتحصدنا عملياتهم الانتحارية موتـا ؟؟ كيف بلـغ الكره بيننا أن يقتلع احدهم
روحه من بين دفـتي صدره ليقتـل ما لا يتجاوز أصابع اليـد الواحـدة منا ؟؟
لا .. لا لم يكن يوما هذا مفهومي للترحيب الذي انتظرته.. هل يساوي
النفط كل هذا الدمار؟؟ الم يكن ارخص لنا أن نشتريه مهما بلغ سعره ؟؟ من هو
الإرهابي ؟؟ أهو حقا صاحب اللحية والعمامة ؟؟ لا بد إذن أن لنا ألف عمامة ولحية
مخفية كما هي أسباب حربنا هـذه.
أسئلة تكاد تشق صدري .. تغتالني في اليوم ألف مرة فابتلعها على مضض
.. احمل سلاحي في وجههم خارج الثكنة , وارثي لهم وقد ضمتني حواف سريري في رحلة
منفردة مع الـذات .. انتمي للجيش الأمريكي صباحا , ويدميني سجن أبو غريب وسجن
الديسكو ليلا .. وما بين تقلبات الليل والنهار يغشاني ألف انقلاب وانقلاب
يتداول أعضاء جسدي ورؤيا حواسي وأفكار رأسي .
لقد خُـدعت ... نعم لقد خُــدعت .. فأنا لست هنا في مهمة نبيلة
لأحمي شعبا وأعمر أرضه بالحرية , بل أنا هنا اغـتال وطنا ليس لي , ولست كما
كان يبدو لي أحارب الإرهاب من جبهة الديمقراطية , إنما أنا أمارس جميع أنواع
الإرهاب التي لم تخطر ببال احد , بين ممارسات أناملي وممارسات بني جلدتي
وحكومتي... مذنبـون مذنبون حتى العظم في دمار مـدقـع أصاب امـة بكاملها .
أين أنت " حمـورابي " لتحاكمنا بشرائع العـدل على اغتيال العدل على
أرضك ؟ أين أنت لتعّـرف لنا الحضارة من جـديد بعد أن التبس أمرها علينا ؟ وأين
حضارتنا من بدائيتك المتحضرة؟
البارحة , وفي جلسة شبه حميمة ضمتني وصديقيّ جون وجورج , اقتحمتنا
فيها جذور الحنين حتى النخاع فارتفع صوتي فاضحا هشاشة أفكاري أمام جبروت
معتقداتهم قائلا : إن ما نمارسه على هذه الأرض هو الإرهاب بأم عينه , فأجابني
جون ساخرا : ومن سيحاكمنا ؟ من يجرؤ ؟ صدمتني تلك الفكرة تماما , تلك هي القضية
إذن , منطق الأقـوى.. فما دمنا نحن الأقوى نستطيع أن نعبث بالكلمات والمفاهيم
بمباركة كل ضعيف في الأرض .. ما دمنا الأقوى نستطيع أن ندعو إرهابنا عدالة ,
وهجومنا دفاعا, واعتداءنا حقـا .. ما دمنا الأقوى فلا بأس من أن نصنع ســلـّما
من جماجم الشعوب لنصعد عليه إلى عرش الاستبـداد .. ما دمنا الأقوى فان إراقـة
الدماء لا تعتبر إلا قربانا للوصول إلى مجلس قرب أقدام كبريائنا . وقد يغدو كل
دم نريقه ماءً آسنا لا ثمن له في ميزان القـوة .
وأنا الذي أتيت مخترقا البر والبحر في قضية خلتها نبيلة , قضية
عادلة تتلخص في ذهني أيام السذاجة الأولى في حق كل إنسان في حريته , كنت اعتقد
أننا ( محكومون بالحرية )* , وان لكل إنسان الحق في أن يرفع عقيرته معترضا
رافعا (لاءه) عرض سماء الكرامة , فإذا بي أنا نفسي صاحب القناعات المقنعة
والشعارات البراقة بالزيف اختنق بـ (لائي) وهي تتضخم في داخلي لتصبح سرطانا
يجتاح كياني .
أتلقف أخبار الوطن : أمريكا بلد الحرية فاسمع خبر الإعصار الذي
سيبـدأ باجتياح ولايتي ولا يعلم غير الله مـدى ما سيدمره ؟ لست ادري أي
إعصار اشد وقعا ؟ إعصارٌ زلزل كيان معتقداتي وحطم عوالمي الداخلية , أم ذلك
الذي سينطلق نحو ولايتي ومنزلي هناك في أمريكا ؟.
اطمئن نفسي .. نحن بلد الحضارة .. لن تهزمنا بدائية الطبيعة ..
لا بد وأنهم الآن يقومون بتلك الإجراءات التي تضمن سلامة مواطنينا , اكلم أمي ,
تبكي , تنتحب , ومن خلال آهاتها الحرى تأتيني كلمة لا تقلق .. كل شئ على ما
يرام , فلا اقلق , لأنهم قالوا لامي أن كل شئ يسير بشكل جيد.
يضرب الإعصار شواطئ الوطن , وتضربني أمواج الحنين بقوة .. تنهار
المباني بقوة الأمواج التي فاقت توقعاتهم .. وتنهار أعصابي بالدمار الذي يحدق
بي من كل صوب خارجا عن حدود كل الاحتمالات الممكنة .. تستحيل كاليفورنيا أطلالا
خربة لا تقل عن العراق دمارا ووحشة .. ويستحيل قلبي مدينة ضربها إعصار الأكاذيب
الكبيرة والشعارات الزائفة .. تمر كاميرا المصور أمام منزلي .. كنبتي الحمراء
التي ما كنت اجلس إلا فوقها صامدة وحدها بين أشلاء كل شئ كان يوما شيئا ,
وحدها كنبتي الحمراء بقيت صامدة في وجه إعصار اكتسح حتى بيوت النمل .. تتصل
خالتي معزية بموت أمي , أمي التي كانت ترجوني أن أعود خوفا من أن تتلقى خبر
موتي هنا على غرار ما حدث مع آلاف الجنود الأمريكيين, فإذا بي أتلقى خبر موتها
على جبهة الإعصار.. يخرج المذيع وعلى وجهه أشلاء آخر خيبة تلقاها في يومه ليعلن
أن الآلاف ماتوا تحت الأنقاض بسبب نقص الكوادر العاملة بالإنقاذ و قلة
المروحيات التي كان يجب أن تتوفر في مثل هذه الكارثة لتنقل البشر خارج حدود
المدينة المنكوبة ..يا الهي ؟ ! .. ها أنا هنا اختنق بين حرائق العراق وفيضانات
أمريكا, حاضرا حيث يجب أن لا أكون وغائبا حيث يجب أن أكون , القي نظرة خارج
حدود الثكنة لأرى عشرات المروحيات تزين الساحة باستكانة صمتها بعد غارة قضت
فيها على من قضت , ويتمت من يتمت , وأثكلت نساءً ليس من بينهن أمي .. يا
الهي.؟! ألـم يكن من الأجدى أن تكون مروحياتنا هناك في الوطن لتنقذ أمي ؟؟ هل
مكاننا حقا هنا ؟؟
أضيفت في 13/11/2005 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
رســالة من خائــنة
صديقتي ... أعلم انك الآن تلعنينني ألف لعنة و تصبين على شبحي ألف
تميمة غدر تصمينني بها ... و الحق معك .
أكره نفسي كلما فكرت بما فعلته بك , لكن هل اطمع في بقية من سعة
صدرك التي اعرفها فتكملي قراءة رسالتي.
كنت اعتقد مثلك أن الدنيا لونان فقط ابيض أو اسود , صواب و خاطئ ,
حلال و حرام , عيب و مسموح , كنت أجالسك و زوجك و أنا لا أرى في زوجك الرجل بل
أرى زوجا لصديقتي لا غير, شـيئاً يشبه غمامة مشاعر أخوية تظلّـل صحراء
الحياة فينهمر دفء المشاعر مطرا لطيفا ربيعيا على قحط حياتي و تنتابني لحظات
ود ليس كمثلها شئ في الدنيا .
ومع الوقت العصيب الذي مررت به خلال مرضك , و جلسات العلاج
الكيميائي و أوجاعك المدمرة , كنا نذوي معك شيئا فشيئا , كان اكثر حزنا مما
تتصورين , دموعه كانت تنهمر بصمت فتذيب قلبي , و بحكم غرفة الانتظار و ساعات
الوقوف بجانب سريرك المتألم , نشأت بيننا حوارات صامتة , حوارات أخبرتني بأن
روحا متألمة تقبع في جانب بعيد قصيّ لرجل يطلب الرحمة , ما فكرت يوما بأن احبه
.. اقسم لك بأني ما فكرت لحظة واحدة بأن احبه , لكن لقاء الأرواح أثمر عن جنين
الحب الذي كبر و نما و أنت في غفلة المرض , أمسكت أحاسيسي .. ربطتها عنفتها ..
قتلت نفسي ألف مرة .. تهربت منه .. أبعدت عيني عن عينيه و رحت اخفف من زياراتي
لك فتلومينني بكلماتك المبطنة قائلة : هل مللت من الجلوس في غرفة الموت و في
حضرته ؟
لم يكن بمقدوري أن اعتبرك كما كنت دوما صديقتي المقربة فابوح لك
بمكنونات قلبي... بأحاسيس ذبحت إخلاصي لك قربانا لعينيه , كيف أقول لك أن
مشاعري خانتك و هي تمطره وابل حب جعلني لا أستطيع أن ارفع عيني في وجهه لئلا
تصافحه مشاعري , ألم أكن أدرك أن مشاعر كهذه ليست من حقي ؟؟ بالطبع كنت أدرك
خصوصا و أنت حبيبة العمر و ربيبته على سرير الموت تصارعينه و يصارعك.
سامحيني لو اعترفت لك بأنني للحظات كنت أتخيل انك ... لا سمح الله ,
فيباغتني شعور بالارتياح لاستفيق منه مثقلة بالشعور بالذنب , كيف اشرح لك أنني
ما تمنيت لك الموت يوما لكنني تخيلته غصبا عني . قفز إلى مخيلتي عنوة فكنت كأم
تتخيل موت طفلها ؟؟ هل تتخيلين أن أما تتمنى موت صغيرها ؟, صدقيني يا غاليتي
أنى ما تمنيت الموت لك بقدر ما تمنيته لنفسي المعجونة بالخطيئة و الخيانة.
هل يكفي أن نحترق بنيران الألم و أن نذبح مشاعرنا في محرقته حتى
نتطهر من خطايانا؟؟ هل صحيح أن الدموع تغسل الخطايا و تكون قربانا للغفران أم
أن ذلك مجرد أسطورة اختلقها الإنسان لكي يتصالح مع نفسه الخاطئة؟؟؟
بعدها بدأت اشعر انك تقلبين نظرك بيني و بينه , أدمتني نظراتك التي
اخترقت خيانتي حتى العظم , ماذا أستطيع أن افعل ؟ كيف أصارحك بالانشطار الذي
أعانيه لتعفيني من زيارتك اليومية ؟ للحظات كان يخيل إلى انك تعرفين كل شئ ..
و اذهب بعيدا في رجائي الخائب لاسرح في فكرة سخيفة مفادها انك تباركين مشاعري
فاستيقظ من خيالي هازئة من نفسي التي بعتها للشيطان .
كانت الطامة الكبرى عندما رن الهاتف و أنت نائمة بعد موجة ألم
اكتسحتك فأغرقتك في بحرمن التأوه فنمت بعدها بصعوبة بالغة و أنفاسك صدى مد و
جزر شرسين .. تسابقت يدانا إلى الإمساك بسماعة الهاتف لإيقاف صراخه المحموم
فامسك يدي التي سبقته إلى السماعة دون قصد , صدقيني كان بإمكاني أن ارى الشرر
يتطاير من بين كفينا و من عيوننا و من سائر جسدينا فافلتـنا السماعة معا في
لحظة واحدة لترتطم بالأرض و توقظك , عندها سللت من عينيك ألف خنجر و طعنتني بها
كلها في لحظة واحدة من خلال نظراتك المغرقة في استفهام مغلف بارتياب واضح ..
بقيت يومها عندك لدقائق أخرى في محاولة لإخماد الحرائق التي اشتعلت في كل مكان
في الغرفة ثم استأذنت في الذهاب .. لم يمنعني أحد منكما و كأن العبء الذي كان
قد جثم فوق قلبي من وجودي بينكما في تلك اللحظة كان يجثم فوق قلبيكما أيضا ..
خرجت من الغرفة و أنا لا ادري أهذا صباح أم مساء؟؟ و من أين و إلى أين أسير؟؟ و
ماذا افعل؟؟ , نيران الحب تستعر بي و زوابع الغدر تمزقني فاتشظى ألما , و
عيناه ... آه من عينيه , وحدها فعلت بي ما يفوق كل ذلك .. مضيت و أنا اشعر بأن
كفه ما فارق كفي منذ امسكنا السماعة , كنت أتفقد موضع كفه كل لحظة و أنا ابتلع
ظمئي في حلق تقرح من كثرة الجفاف , أي ارض تستطيع رفض المطر ؟؟ أي كائن يقف في
وجه الشمس و لا يحترق ؟؟ ماذا أقول صديقتي ؟؟ كيف لي أن اشرح لك ما عانيته لئلا
تندلق مشاعري مني أمامه فاوصم بخيانة اعز صديقة لي؟؟ كيف لي أن أفسر وجع الروح
و أنا لا أستطيع حتى أن أشكو أوجاعي لصديقتي المقربة و اخبرها بما أكتوي به ؟؟
سامحيني صديقتي فلن أقوى على زيارتك بعد اليوم إلا في غيابه .. و لا
تلوميني فذلك صار فوق احتمالي .
طويت الورقة و مضيت باتجاه المشفى , و ألف فكرة تغتصب تفكيري , أمن
الحكمة أن أعطيك رسالة كهذه و أنت على سرير الموت تحتضرين ؟ و إن لم أعطها لك
كيف سأحتمل نظراتك الحبلى بارتياب واضح ؟؟ كيف سأغيب دون أن تلوميني ؟؟ أنا
اعلم انك تقرئين أفكاري بمجرد أن تنظري في عيني ... لم اعد أقوى على النظر إليك
و أخشى انك تعتقدين أن بيننا علاقة ما ...
تعمدت كعادتي أن اذهب إليك أثناء دوامه في العمل علي اخفف احتكاكي
به و احتقان المشاعر في داخلي لمجرد وجوده في نفس الأفق الذي اشغله, و إذ وصلت
كانت غرفتك فارغة و السرير مرتب بانتظار قصة ألم لإنسان آخر يرقد فوق جثمانه
الأبيض , انتزع قلبي من مكانه عندما لمحته في زاوية الممر يتقدم باتجاهي و على
وجهه آثار أخبار سيئة , وددت لو أضع أصابعي في أذني و أهرول خارج المبنى قبل أن
ينطق بكلمة مما يريد أن يفصح عنه , آثار الدمار كانت واضحة على محياه و لم ادر
بنفسي إلا و أنا بين ذراعيه ابكي , و لم ادر اكنت أبكيك أم ابكي خيبتي في نفسي
و أنا عاشقة لزوجك أم أبكي حبا يستعر في فؤادي .. لم يتكلم , كانت دقات قلبه
تتغلغل في أذني بينما كانت دقات قلبي قرع طبول لحرب ضروس ضد قلب لم يستطع أن
يحتمل وجودكما معا في طيات انتمائه , معادلة صعبة : إما أنت أو هو ؟؟
حتى بعد أن انتفلتِ إلى رحمة الله لا يزال المكان لا يتسع لكليكما
إذ أنني أتخيلك تقفين بيني و بينه تنظرين إليّ تلك النظرات الحبلى بلوم مرير
... و كيف لا تفعلين و أنا صديقة عمرك التي أحبت زوجك؟؟
دون أن يتكلم وضع في يدي ظرفا لم يكن عليه إلا كلمة واحدة ... اسمي
... توجست خيفة مما فيه , انه خطك .. شئ مفروغ منه .. ما الذي وضعته داخل
الظرف ؟ أتراها ـ و على غرار ما فعلته اليوم أنا ـ رسالة تلومينني فيها و
تخبريني بأنك كنت تقرئينني كما فعلت ِ دوما بمجرد أن تنظرين في عيني ؟ أتراك
تقولين لي كيف تجرأت و فكرت به و أنا أمامك أتلوى على سرير الموت يعتصرني الألم
و ينتهك حرمة جسدي و أنت تـنتهكين حرمة مشاعري و تنافسينني على مشاعر زوجي ؟
أتراك تخبرينني بمدى خيبتك بعد أن خانتك صحتك و تخلت عنك فاستلقيت على أعتاب
الموت شهورا طوالا تعانين ما تعانينه والقدر قد استكثر عليك صحتك و أنا
استكثرت عليك مشاعر زوجك في أيامك الأخيرة ؟ ماذا عساك كتبت في رسالتك؟؟ ...
أأتجرأ و أفكر في انك كتبت لي انك تسامحينني على ضعف قاومته حتى ماتت روحي ؟
تراك فكرت أو شعرت بذلك ؟
كنت ارتجف و دموعي تهطل من عيني شلال ألم و خوف و ندم حينما نظر
إلي و الألم يرسم خرائطه البشعة على ملامحه قائلا : افتحيه ماذا تنتظرين ؟؟ أم
انك ترغبين ببعض الخصوصية ؟؟
لم اجبه , فكرت في نفسي : صعب أن تعريني الحقيقة أمامه فبعض
الخصوصية اذن... و جريت باتجاه الحمام النسائي , و عندما فتحت الظرف وجدت في
داخله ... خاتم زواجك منه .
أضيفت في 15/10/2005 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
أصابع جدي
كل يوم ادفن نفسي في السرير لاشعر بيديه تضغطان على رقبتي ...و اشعر
بالدموع و قد أصبحت محيطا باردا غرقتُ بين أمواج حزنه العاتية.
منذ بلغت السابعة من عمري و أمي ترسلني كل يوم إلى جدي في البناء
المجاور لنا لآخذ إليه الطعام و آتيها بالأواني الفارغة و لاجيب مطالب جدي التي
لم تعرف يوما حدا لبشاعتها.
قبل أن يحدث ما حدث كنت ادخل إليه بقلب مفعم بالحب , أضمه و أقبله و
أقفز حوله كأرنب صغير و أخطف منه أصابع الحلوى بفرح طفولي غامر ... بعدها صرت
ادخل إليه مفعمة بالهم و الأسى , ذلك الهم الذي كنت صغيرة جدا على إدراكه ,
لكنه ادركني وجعلني كل مرة اخرج من منزله غارقة بالشعور بالذنب و بشعور بشع
بالقذارة بات يتعشق كل خلاياي و يجثم صخرة كبيرة فوق صدري ... و من وقتها
راح يكتنفني شعور بالغثيان جعلني أتمنى أن أتقيأ كل قرفي مرة واحدة ...لكنني
لم اكن أستطيع فاجري إلى أمي لاطلب منها أن تغسّـلني فتردني قائلة انه ليس وقت
الاستحمام .
لم استطع أن اردعه مرة واحدة ... كنت ابتلع قرفي و دموعي و ذلك
الشعور القاتل بذنب لم اقترفه بينما أتحول تدريجيا إلى كائن تتجّمع على جسده
الصغير كل أنواع القذارة , أمي قالت لي أن الكبار دوما على حق و أن علي أن
أطيعهم و لم تخبرني مرة واحدة ماذا افعل إذا شعرت في أعماقي أنهم ليسوا على حق
و أن ما يفعلونه قذر جدا و ليس بصواب , أما أبي فقد قال لي مرات و مرات احذري
الغريب يا صغيرتي , لا تتكلمي مع الغرباء و لا تقتربي منهم و لا تدعيهم يلمسونك
, ووددت لو صرخت مرة واحدة : بل احذر أنت أقرب الناس إليك , احذر أباك , أبعد
أصابعه القذرة عن جسدي . لكنني لم افعل , و كثيرا ما سألت نفسي ِلـمَ لم افعل
؟ ِلمَ لم اخبر أمي أو أبى ؟ ِلمَ لم تسألني أمي مرة واحدة عن السبب الذي
يجعلني اطلب إليها أن تغسلني كلما عدت من منزل جدي ؟؟!! ليتها فعلت , ربما
استطعت أن أبوح لها بالسر الذي زلزل كيان طفولتي و اغتال بريق الفرح من عيني و
حول ليلي إلى عرض متواصل من كوابيس دمرت سكون نومي , لكنها لم تفعل.
أخضعني جدي لطقوسه القذرة حتى بلغت الرابعة عشرة من عمري, ثم توقف عن
ذلك تلقائيا , تراه خاف بعد أن بدت علي معالم الأنوثة أن افهم ما كان يفعله ؟؟
أم أن الكبر هد البقية الباقية من قذارته ؟ لست ادري ... كل ما اعرفه انه توقف
تماما و لم يعد ينظر في عيني أبدا , بل انه كان يتحاشى أن يكلمني و ذلك ما اثلج
صدري و أزاح جزءاً من عبء وجوده الذي اكرهه عن كاهل أعصابي و لو أن نزيف مشاعري
لم يتوقف لحظة واحدة .
بدأت سن المراهقة و لم ابدأ معها لعبة الأسرار , ذلك أني تمرست
بتلك اللعبة تماما بفضل جدي و لم يعد صعبا علي أن اخفي نزيفي و جراحي و خوفي و
حتى قذارتي ... كل ذلك كان سهلاً جدا علي ... لكن الصعب كان دخولي إلى سريري
حيث تبدأ أصابعه كل ليلة بالإطباق على رقبتي فتتحشرج أنفاسي و أصرخ دون صوت و
تغرق مخدتي في دموع الألم و نزيف الأحاسيس.
بعدها تعددت مشاويري برفقة الأصدقاء و بدأت أمارس امتدادات تلك
الطقوس , لم يكن جدي هذه المرة من يجبرني , بل كان شيئا خفيا في داخلي يدفعني
دفعا لاستجيب لأي إشارة من أي شاب أو رجل و امضي برفقته و أمتع نفسي بعدها
بتمزيقي له واللعب بأعصابه , كنت كتمثال من الجليد لا املك إحساسا تجاه أي واحد
منهم ولا حتى قليلاً من التعاطف ... كل ما كان يعنيني هو تحطيمهم وإتعاسهم
وإفلاسهم وتمزيق أسرهم و هدم استقرارهم و رميهم ورائي, بعدها كنت اشعر
بالرضا و الفرح , أشعر أني انتقمت من جدي و قتلته , كنت اعلم تماما أنني اقتله
مع كل دمار اسببه لأحد هؤلاء , و كنت استمتع بقتله و تعذيبه مع كل تدمير اسببه
لواحد من جنسه البغيض ... و أتلذذ بما افعله كما يتلذذ طفل بأكل الحلوى .
أعود بعدها إلى منزلي ليختفي شعوري بالنشوة بمجرد أن تضمني جدرانه
... و أرجع طفلة لم تتجاوز العاشرة واسمع صوت أمي وهي تردني عن الحمام فينفلت
شعوري بالقذارة ليطال كل شئ حتى الطعام , و أعاف كل شئ و امضي إلى سريري , و
بمجرد أن أخبئ جسدي في وحشة ظلامه أعودلأشعر بأصابع جدي تلتف حول رقبتي فأصرخ
دون صوت من جديد بينما نزيف مشاعري يجتاح كل شئ في طريقــه .
أضيفت في 08/06/2005 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
لست بأنثى
منذ نعومة أظفاري و أنا ارتدي ملابس الصبيان , العب ألعابهم, أتشاجر
و اشتبك معهم كما يفعل الصبيان تماما , استمتع باللعب بالبلبل و الكرات
الزجاجية بل و أتفوق بلعبها على اعتى الأولاد , حتى اعتاد الجميع على مناداتي
برامي بدلا من رامية و تندر الأهل و الأقارب على تصرفاتي الصبيانية , و كثيرا
ما سمعتهم يهمسون لامي (بكرة بتكبر و بتوعى و بتصير بنت).
وعندما بدأت أخطو نحو الثالثة عشرة من عمري تجمع سحاب القلق على
سماء أمي و حاصرني ببرقه و رعده و أمطر وابلاً من الاستفسارات والتساؤلات ذلك
أن تضاريسي لم تظهر بالشكل و الحجم الذي يرضي أنوثة أحلامها , فجرت بي إلى
الطبيب الذي طلب منها أن تجري لي تحاليل لها أول و ليس لها آخر , و قام طبيب
التحاليل بسحب عينات من دمي وطلب عينات أخرى من البول لاجل تلك التحاليل
اللعينة التي أصابتني بغثيان الملل و هو يحدجني بنظرات أشبه ما تكون بازدراء
لأنوثة لا املكها و ذكورة لا يعترف بها أحد سواي , نظرات لم ترقني البتة.
وما أن أحضرت أمي نتائج التحاليل و ألقى الطبيب عليها نظراته
المتفحصة حتى قال مستبشرا وعلى فمه ابتسامة نصر ساحق : لا تقلقي ... ليس ثمة
خطب في الفتاة ... إنها مسألة (ولدنة) و ستتلاشى وحدها مع الأيام.
نظرت إلى تقاسيم وجهه بغضب, أردت أن الكمه على انفه المتعالي , هل
تستطيع بضعة تحاليل غبية و شخص لا يعرف عني شيئا أن يقرروا أدق خصوصية في هويتي
الشخصية اكثر مني أنا ؟ و ما أدراه هو ؟ و كيف علم أني فتاة طبيعية على حد قوله
؟
فتاة !!! و أنا لا أشبه الفتيات في شئ , كل مشاعري لا تمــتّ
للإناث بصلة.. كل تصرفاتي لا تشبههن في شئ... و هو يقول : ليس ثمة خطب ...
يبدو أن الخطب في عينيه... بل في عقله ... نعم لن يكون هناك خطب في حال تم
إخضاعي لعملية تستكمل فيها تفاصيل ما أنا عليه من ذكورة
واستطلت اكثر و استدارت بعض تفاصيلي قليلا لكنني بقيت رامياً , كنت
احبس رامية بين جدران منزلي و أعيش طبيعتي خارج جدران المنزل و المدرسة و يحدث
أن اضطر لحل وثاق الفتاة ضمن تلك الجدران قليلا لكن شكلي كان يفضح طبيعتي التي
وددت لو تصبح هويتي المتعارف عليها و لكن كيف؟؟ ذلك هو السؤال الذي كان يلتهم
أعصابي ببطء فاضح.
ذات يوم دخل أبى المنزل كعادته عائدا من العمل فوجدني أمامه ارتدي
بيجاما صبيانية , فما كان منه إلا أن صفعني بقوة صارخا : لن أراك ترتدين شيئا
صبيانيا بعد اليوم فهمت؟؟؟ أنت فتاة فتصرفي على انك كذلك.
راعتني صفعته , رفعت نظري إليه , كان يحدق بي , لم ابك كما تفعل
الفتيات عادة إنما صرخت في وجهه : هل تظن أن ارتداء ثوب نوم نسائي سيحولني إلى
فتاة ؟؟ ... ثم أكملت بدون صوت : لم لا تجربه بنفسك و تخبرني ... هل سيتغير
جنسك إن غيرت ثيابك ؟؟ و بدت لي جملة عقيمة غبية , فهي ستضع الكرة في ملعبه
ليعيد لي الجملة بمنطق مقلوب .
أنا فتى ... كل مشاعري ...كل حركاتي...كل سكناتي ...كل رغباتي تؤكد
هوية الذكر في داخلي .
أصدقائي ماهر و احمد و صالح يعرفون قصتي بحذافيرها , أزورهم خلسة ـ
دون أن يشعر والدي ـ متذرعة بذهابي إلى إحدى صديقاتي في المدرسة, و لا يعرف
أحـد من أهلهم أن القادم شخص غير رامي, اخرج معهم إلى الشوارع لنطارد الفتيات,
لم يسبق أن شعر أحدهم باني أنثى أو تحرج من وجودي أو أبدى أي لفتة تشعرني
بغربتي عنهم , تلك كانت سويعات عمري الذي احتسبه و أعيشه على طبيعتي ...دون
تكلف أو خوف من صفعة أو ملاحظة جارحة تنقض على كياني فتحيل نهاري إلى بؤرة
تعاسة لا متناهية ,و قد اخذ أصدقائي على أنفسهم عهدا بمساعدتي بكل طريقة ممكنة
عندما يحين الأوان لإجراء عملية تعديل تعيد لي حقوقي في هوية شخصية يرفض جميع
من حولي الاعتراف بها .
صعبة هي الحياة و أنا لا أجد من يفهمني أو يسمعني , الكل يكيلون لي
نصائح فضفاضة ليست على مقاسي ... لا تشبهني البتة , و المصيبة أنها تبدأ دوما
بكلمة (يا ابنتي ) فاتمنى من قلبي أن تنزل صاعقة من السماء على تاء التأنيث
فتلغيها و تلغي عذابي معها و لكن من أين تأتي تلك الصاعقة ؟! لست ادري ...
ربما من غلياني عندما تبدأ اسطوانة يا ابنتي بالدوران فيدور رأسي معها متمنيا
موتا لا أجده .
أصبحت في الثامنة عشر... و انسياب الزمن على عمري لا يحول فيّ شيئا
و لا يغير من قناعاتهم و رؤيتهم لي ... ما زلت أنا أنا...شاباً في مقتبل العمر
يظن المقربون انه فتاة متمردة و يعلم حقيقتي الغرباء فقط ... يوقفني رجل في
الطريق يسألني كم الساعة يا أخ فأود أن اخلع له ساعتي عرفانا , تستعطفني امرأة
فقيرة (الله يخليلك شبابك يا ابني) فاود أن أهبها روحي و هي تعترف بهويتي و
أتمنى أن اشكرها لكنني ابتلع شكري في اللحظة الأخيرة ليتحول إلى ومضة فرح تبوح
بها عينـــــاي .
عدت اليوم من المدرسة لأجد منزلنا يغص بورشة تنظيف غير عادية ,
فأسرعت إلى غرفتي هربا من واجبات ليست على مقاس تطلعاتي و ما هي إلا دقائق حتى
وافتني أمي و في عينيها بريق غريب و على شفتيها ابتسامة لم افهمها و قالت :
رامية حبيبتي ...عائلة صيداوي آتية اليوم لزيارتنا.. توقفت أمي و شعرت بأن ثمة
تتمة ما للجملة المبتورة التي قذفتها في وجهي لم تجد طريقها العاثر إلى فمها...
أكملت انهم يخطبون لابنهم و هو مهندس وسيم الشكل طيب السمعة ... ويريدون أن
يروك من اجل ذلك فتجهزي الله يرضى عليك .
للحظات فقدت إدراكي تماما لدى إشارتها إلى أن الزوار قادمين لأجل
الخطبة ...كل ما خطر في بالي أن أختي ربى متزوجة و دانية ما زالت صغيرة ... لم
أفكر أبدا أن أحدا ما قد يرغب بي أنا شخصيا كأنثى .. و لم يدر في خلدي مطلقا
أنى سأواجه موقفا كهذا في يوم ما.
قلت لها : لن اخرج يا أمي ... أنا لست فتاة ...كيف تريدين تزويجي من
شاب و أنا شاب ...حرام عليك... تدافعت الدموع في عينيها و خرجت من الغرفة دون
أن تنبس ببنت شفة .
أردت الخروج من المنزل مستجيرا بأصدقائي لكن أبي منعني و صرخ قائلا
: سترتدين ثيابك و ترينهم ...آن الأوان لتتصرفي كالفتيات و إلا سأقتلك و ارتاح
منك ... يبدو أننا دللناك حتى أفسدناك تماما .
دخلت إلى غرفتي ... دفنت نفسي في سريري , و عزمت أن لا أقوم منه
إلا إلى القبر , لكنني فوجئت بذراعي أبي تزيح الغطاء عني و الشرر يتطاير من
عينيه وهو يهمس بصوت غاضب يبتلع حدة ارتفاع نبرته بالصرّ على أسنانه: الناس في
الخارج ينتظرونك ...ارتدي ثيابك و تأنقي ... أمامك عشرة دقائق لتكوني مزروعة
أمامي في غرفة الضيوف .
لم اعرف ما الذي بوسعي أن افعله , لم يعتد أحدنا في الـــمنزل ـ حتى
أخي الكبير المعترف بهويته رسميا ـ على عصيان أمر لوالدي مهما كان صغيرا ... و
لان أحدا منا لم يفعل ذلك مسبقا , فأنا لا اعلم ما الذي يمكن أن يفعله بي
بالضبط إن أنا تمردت و لم اخرج.
ارتديت ثيابي على عجل و أنا اشعر بنيران الغضب تخرج من كل أنحاء
جسدي ... لم لا يريدون أن يروني كما أنا... لا كما يحبون؟ ... لماذا علي أن
أتطابق و مواصفاتهم لا وطبيعتي و نفسي؟ ... كيف بإمكاني أن افصل هويتي على مقاس
معرفتهم السطحية لي و أن أنكر إدراكي العميق لذاتي؟ ... لم لا يشعرون باني
لست بأنثى... لست بأنثى .
خرجت من غرفتي باتجاه غرفة الضيوف و قد أعماني الغضب و ما أن ولجت
الغرفة حتى تدورت عينا أبي و شهقت أمي و هرولت حواجب الضيوف للأعلى دهشة ...
كانت تلك المرة الأولى التي يراني فيها أهلي و أنا بكامل أناقتي... ارتدي زيا
رسميا و أضع ربطة عـنق .
أضيفت في 01/06/2005 / خاص القصة السورية
/ المصدر: الكاتبة
َبْصَمة
مواطن...
يبتلعه المساء... فيوغل في أحشاء الصمت ... و من ذا الذي يستطيع
فرارا إذا عسعس الألم داخل النفس ... و توغلت الأحزان في حنايا الفؤاد ...يتآكل
قلبه ...تتساقط أشلاؤه... يتمزق صوته على حدود الزمان و لا من مجيب ...تقوم
جاهلية القرن الحادي و العشرين بوأد مشاعره و كرامته...بينما يتجمد القوم
متفرجين على طقوس صلب بقايا إنسانيته.
أبعد هذا الموت موت آخر؟؟
أين الملاذ؟؟يريد أن يفتح جناحيه و يهرب من ظمئه .. و من حدود
مشاعره ..من عري أوجاعه ...يريد أن يحلق حيث لا أحد... لا أحد أبدا.
ووسط كل تلك البعثرة التي تنتابه ... لم يشعر بنفسه إلا و قضيب
من النار الملتهبة يندفع من جوفه ...فإذا به يفتح فاه حد التمزق و يصرخ ملء
صوته متقيئاً بكلمة واحدة : لا ...
وما كاد يغلق فمه و يبتلع الفضاء صوته ...حتى وجد نفسه محاطا
بآلاف المسلحين ..ببدلاتهم العسكرية و ملامحهم الجافة جفاف الصحارى ... ترافقهم
في هذا الحصار الكلاب البوليسية الضخمة ... تمهيدا لاقتياده إلى (هناك).
وضعوا على عينيه منديلا احكموه جيدا لكي لا يرى ... و ُقيد
معصماه... واُلصق شريط عريض فوق فمه ... و مضوا به إلى (هناك).
و(هناك) قام أحدهم بنزع القيود التي كانت على حواسه ... فتح
عينيه ليجد نفسه في مكتب فاخر يشغله ضابط ... تتشاجر الشرائط على كتفه لتجد
مكانا كافيا لها... و هنالك من هو مثله انتزعت قيوده قبل صاحبنا بدقائق فقط ...
قام أحدهم بطلي إبهامه بسائل قاتم لزج ثم نزع يده و الصقها على
ورقة بيضاء و اخذ يضغط عليها و يحركها يمينا و يسارا حتى حصل على صورة كاملة
لبصمته... في هذه الأثناء كان الضابط ذو الشرائط الكثيرة ... يطابق بصمة
المواطن الذي سبق صاحبنا إلى (هناك) مع بصمة كبيرة تحتل وحدها ... صفحة من
الورق المقوى و قد كُبّرت حتى أضحت واضحة تماما بكل تضاريسها... صاح الضابط
بأحد العساكر مشيرا إلى المواطن ... (انه هو... المتمرد ... خذوه) .
ثم التفت إلى صاحبنا ... و سحب رسم بصمته الذي كان قد جف ... و
طابقه مع نفس البصمة المُكبّرة ... و عاد يقول : (انه هو...المتمرد... خذوه)...
و إذا بالعسكري يندفع إليه منقضا ... كما لو أن صاحبنا سبق و صفعه... انتابته
الدهشة و الحيرة في آن واحد معا ... قال للضابط بتأدب مفتعل : عفوا يا سيدي
... ألم تتطابق ذات البصمة مع المواطن الذي سبقني ... أجاب الضابط و هو يرتدي
ابتسامة تجمع بين التعالي و السخرية : نعم ... و ماذا في ذلك ... بالتأكيد
تطابقت مع بصمته ... فهو الآخر متمرد .
بريد عاجل
يسودني مزاج ضبابي للكتابة.
وأراك تخرج من بين الحروف ...علامات تعجب و إشارات استفهام.
أراك تخرج...فتقف بحزم لا املكه, نقطة في آخر السطر تنهي بها
الكثير الكثير ...من حكايتنا الغريبة.
وما زال يسودني ذلك المزاج الضبابي...
ألأنني رضيت بعلاقة شرعيتها ورقة عند شيخ لا غير,لاصبح الزوجة
الثانية لزوج لم يعد لديه وقت كاف ٍ لكلتينا.
ألأنني و بعد انتظار خمسة عشر عاما صادفتك مرة أخرى فأشعلت بي
كل الحرائق التي اعتقدت مخطئة أنني أخمدتها ذات يوم ...فإذا هي جذوة تحت
الرماد...لم يكن ينقصها اكثر من رؤيتك من بعيد..لتنطلق مرة أخرى و تكتسحني روحا
و جسدا.
بعد خمسة عشر عاما التقيك زوجا لأخرى و أبا لأطفال ثلاثة
..وأميراً متوجاً على إمارتك الصغيرة,,وتقنعني بتلك القدرة الهائلة التي حباك
الله بها على الإقناع ...أن تعود ثانية لحياتي...كما أقنعتني يوما بخروجك منها.
كلا أنت لم تقنعني يومها...لقد اختفيت و حسب ..كأنك لم تكن,
كأني نسجتك من أوهامي و عندما فتحت عينيّ لم أجدك.
تركتَ بعدها بصماتك علامات استفهام كثيرة و إشارات تعجب اكثر
...و جرحاً غائراَ كهاوية لا قرار لها على ثنايا الفؤاد.
تناسيتك..لكنني لم أنسك..كنت تمر بخاطري بين الحين و الآخر و
يواجهني السؤال مؤلماً: لماذا...كيف...وأين اختفيت؟؟
وتعود تلك الإشارات إلى دهاليز حياتي لتغتالني للمرة
الألف..لتحرقني..وأنا ما كان ذنبي سوى أنني أحببتك كما لم تحب حواء يوماً.
ثم...كان ذلك اليوم
كنت في طريقي إلى حفلة موسيقية أغسل بها تراب ملل وشح أيامي
بلون مغبر اسود, و ربما إمعانا مني في إغاظة الملل أو تضليله أو ربما تضليل
نفسي ..ارتديت ثوبا ابيض..كما لو كنت عروساً, و تزينت..كما لو أني ذاهبة للقائك
الذي لم احسب له حساباً.
وهناك...وقبيل ابتداء الحفل ...برزت أمامي فجأة ,سقط قلبي من
مكانه ..وارتعشت قدماي..وغشيني إحساس خفي بأنني قد اسقط إن أنا تزحزحت من
مكاني,فاتجهت أنت الي..صافحتني بقوة محتضناً كفي بكلتا يديك , رحبت بي بشوق
أظنك اقتبسته من قلبي ,كأنك كنت تنتظرني..قلت لي يومها..ما زلت جميلة..بل انك
اليوم اجمل ..تبدين كملاك في اللون الأبيض.
كنت أجيبك آلياً..بكلمات حمقى تخرج من فمي بلا ترتيب و لا حتى
تدبير,كلمات تتساقط سهواً من بين شفتي دون تفكير إذ أن عقلي دخل فجأة في متاهات
أخرى لا تتسع إلا لشخص واحد, و ذكريات مذ وقعت عيناي عليك استيقظت من غيبوبة لم
تكن طويلة.
أكملنا ذلك الحفل سويا..وأوصلتني إلى المنزل..تخليت أنا بدوري
عن حرصي وعن قلقي تجاه مجتمع لا يرحم امرأة جل ذنبها إنها وحيدة في الحياة
والمسكن ,وجلست جوارك في سيارتك ..ربما لامنّي نفسي ..إنني لم اجلس إلى جوارك
في حفل زفافك....فلأكتف ِ إذا بمقعد إلى جوارك في السيارة.
بعدها تحادثنا كثيرا ومطولا..و تلاقينا ..وقضينا أو ربما قضيت
أنا اسعد أيام حياتي معك, ثم اقترحتَ زواجا عرفيا يجمعنا...زواجا كنت أنا من
ألد أعدائه ..وكنت أشن حرباً ضروساً كلما ذكر أمامي ,ناعتة عروسه بالغباء و
الذل, فإذا بي أصبح فجأة إحدى بطلاته...أليس للقدر أحياناً مفارقات مضحكة حد
الدموع و الألم.
بل إنني كدت أطير فرحاً ...فقط لأجل الاقتران بك..ولو على
ورقة..ما كان غيرك يعنيني.
وها أنت اليوم ,ولم تمض ِ سنة بعد على زواجنا...تلوح بمسؤولياتك
في وجهي..و كأنك تكتشفتها تواً و لم تكن موجودة من قبل, تهجرني لأسابيع ..و
تزورني بالهاتف بين الحين و الآخر لتعتذر عن موعد لم تكن تنوي أساسا الوفاء به,
متذرعاً يوماً بمرض ابنتك..و آخر بامتحانات الأولاد...و ثالثاً بالسفر مع
العائلة.
و أنا ..ألم أكن عائلتك يوماً و لا حتى مع تلك الورقة؟؟
فجأة اكتشف أنني كلما اعتقدت أنني وطنك..و بوسعك أن تقتحمني
بدون خوف , وأن تنام في داخلي باطمئنان ,فاجأتني بأنك لا ترى في سوى
المنفى!!الغربة و أنني لم اكن احمل إليك إلا الشعور بالخوف..كأنني مجهولك الذي
تخشى وأنا التي كنت أعتقد بأني يقينك..كما كنت دوما يقيني ,بينما كنت أنا وهمك
الذي امتلكته بورقة.
و ماذا بعد؟؟
هل سأنتظر ذلك اليوم الذي تمزق فيه تلك الورقة و تخرجني بنفس
الشرعية التي تملكها أنت الرجل من حياتك و حياتي؟؟
و لم الانتظار..ما دام هذا اليوم آت ٍ لا محالة.
منذ خمسة عشر عاماً....وأنا لا أفعل شيئاً سوى الانتظار, أما آن
لي أن استقيل من منصب الانتظار هذا و اترك ذلك الكرسي شاغراً بانتظار حمقاء
أخري غيري.
أظن أنه قد آن الأوان منذ زمن بعيد..
وهكذا أخرجت تلك الورقة..و بشرعية اغتصبتها من نفسي و من ألمي
ومن وجع صار إدماني و من جرحي الغائر ذاته الذي لم يجد له سبيلا للشفاء بعد
...مزقتها إربا إربا ..ووضعتها في ظرف .. و توجهت إلى مركز البريد لارسلها إليك
في البريد العاجــــــل.
الموت صمتا
هو كان رجل الاختصار ..رجل القضايا المعلقة ..رجل العبور المار
ليلا في قطارات الهروب...رجل النقاط الحازمة التي تنهي السطور بترفع ,تشي هامته
الطويلة بنفس أبية, بينما يشي نحوله و لمعان عينيه بطبع ناري ليس من السهل
إخماد براكينه.
هي كانت امرأة الخوف..لا تكاد تشغل مكان فاصلة تتكئ بحياء على
السطر لتفصل بين جملتين متقاربتين , امرأة الأرض الساكنة ..التي توقفت عن
الثورة و ربما عن الدوران منذ عصور..امرأة الرغبات الأرضية بكل ما فيها من
تهميش و تضليل.
على هامش الحياة التقيا قليلا ..قليلا بما يكفي للقاء عابر دام
دهرا ..بهرها عنفوانه ..شدها كبرياؤه .. ارتعدت إعجابا بتحليقه في سماء
الفتنة...بهرته هو بساطتها و أعجبه انبهارها بكل ما فيه.
قالت له : أهلي لن يرضوا بك ..فأنت تنتمي لديانة أخرى ..
قال لها : إن لم تحلقي للسماء ..لن تنزل السماء إليك ..إن لم
توغلي في أعماق البحر ..لن يفتح هو لك ذراعيه و يتوجك بانكسار أمواجه عند
الغروب حورية بحر... و القرار لك.
هي أرادت أن تكون له ..أرادت أن تكون مثله ..أغرتها فكره
الإيغال في الماء الأزرق ..فغادرتهم ذات شمس بدون حقيبة سفر..فقط تركت ملاحظة
صغيرة:
-اعذروني ..أريد أن أرى علو السماء ..و عمق البحر ..احبكم
جميعا.
طوت مسافات الاختلاف على جناح المحبة... تأبطت كبرياءه .. و
ركبا أول طائرة للفرح تقلع باتجاه أحلامهما ..على صوت انبهارها به يعلن أن على
ركاب طائرة الشوق حزم أمرهم ..و الصعود إليها.
لم يكن ثمة غيرهما ..على متنها..و بضع تفاصيل أخرى مهملة - لم
تكن تستحق التفكير بالنسبة إليه - شغلتها حد الهلوسة ...
ثم هبطت الطائرة على مطار الحياة اليومية ..و على مدرجها الوعر
..بدأت طقوسهما تبدي اختلافاً شرسا و بدأت هي تهوي من علياء السماء ..بسرعة
مخيفة.
هي سألته مراراً ..ماذا تحب أن أطبخ للغذاء ؟ هل تريد أن أجهز
لك الحمام لدى عودتك؟؟هل يحتاج قميصك إلى غسيل؟؟
هو سألها ..أيكفيك هذا العلو ..أم تريدين أن نحلق أكثر؟ هل كانت
السماء زرقاء كما ينبغي لعيون حبيبتي؟؟هل أحببت السير فوق الغمام؟؟
كان ثمة هوة كبيرة متسعة بينهما ..لم يستطع أن يبني لها جسرا
من دقات قلبه..لم تستطع هي القفز فوق تلك الهوة ..كانت تنفلت من بين يديه ..و
هولا يستطيع شيئا لإيقاف ذلك السيل الجارف المار بينهما.
ذات يوم قال لها: دعك من الغذاء ..دعك من قميصي..سأصوم دهرا إن
أنت شاركتني حياتي..شاركيني جنوني ..شاركيني حزني ..عمديني بدموعك و سأغدو نبيا
..ابتريني بحزمك و لتتركي بي عاهة لا أبالي ..لا تقفي متفرجة هكذا أريدك معي في
كل خطوة اخطوها.
هي ...لم تفهمِ شيئا مما قاله وقفت و هي سادرة اللب ..لم تع ِ
ما الذي عليها أن تفعله عدا تجهيز الغذاء و ترتيب أمور المنزل ..فاستفاضت
حيرة .
بعد شهور لم يلتقيا فيها إلا على حافة سرير ..لم يتحدثا إلا بضع
كلمات ..احضر لها الجريدة التي اعتاد أن يكتب بها ..رماها في حضنها دون أن ينبس
ببنت شفة و مضى صامتا نحو سرير الغربة .
فتحت الجريدة ..توجهت إلى زاويته ..كان عنوانها ..الموت صمتا
..تتحدث عن فجيعة الحب غربةً بين حبيبين لا يمتلكان لغة ما .. عن حبيبين
يتحدثان لغتين مختلفتين تماما ..عن انتحار الشوق في لوعة الاختلاف ..عن اغتيال
العشق في حضرة الصمت ..عن جنازة الحب المتواضعة التي لم تكن تليق أبدا بعلاقة
كتلك.
هي ..لمت حقيبة الخيبة ..و عادت أدراجها .. منتعلة حزنها على
طائرة الندم.
لن أ فـعل هــذ ا
لم يكن قد مضى اكثر من شهرين على زواجي العرفي ... ربما اكثر
قليلا .. لكنها بدت لي فترة طويلة جدا من الوحدة .. و عمرا من الانتظار.
عندما دق بابنا و طلب يدي بشروطه الخاصة جدا فرح أهلي ... نعم
فرحوا, إذ أن ذلك الأمير المتواضع الصفات , المنعدم المميزات , عثر أخيرا على
عنوان ابنتهم سندريلا التي قارب قطار الزواج أن يفوتها , أو ربما فاتها قليلا .
منذ نعومة أظفاري علمت بما لا يدع مجالا للشك أنني فتاة اقل من
عادية ... فلم تكن لي ضفائر أختي الحالكة السواد و لا بشرتها المضيئة و لا
عينـاها الحالمتان ولا قامتها الفارعة التي يزينها تناسق قلما حصلت عليه فتاة
من عائلتنا .. و لم تدخر عائلتي جهدا في إفهامي بأنها ذات مقاييس عالمية ,
وربما حازت على شهادة الايزو للمواصفات العالية الجودة , بينما لم امتلك أنا
أي شئ يؤهلني لمرتبة الحلم , لذا لم أفكر يوما بفارس الأحلام , ولا حلمت بأمير
وسيم يمتطي ظهر حصان ابيض و يختطفني و يطير بي إلى سماء السعادة .
كان حلمي بمستوى مواصفاتي .. شاب عادي أو اقل من عادي في مظهره
ينتمي لعائلة متواضعة , ليس لديه من المؤهلات و الشهادات ما يرقى لمستوىً فاخر,
يعمل في مجال ما عملا شريفا ... كل ما طمعت به أن يراني شاب متواضع ولو بكل هذه
الصفات المتواضعة يمتلك عملا شريفا, و أقسمت في نفسي لأجعلنّ حياته جنـة.
لكن ما حصل انه حتى هذا الشاب , والذي صادف أنه كان أحد جيراننا
لم يرني , بل هام بأختي و جن بها , و قوبل طبعا بالرفض بسبب مواصفاته
المتواضعة... يومها قال أبى : لو انه طلب يد أمينة - تلك التي هي أنا -
ماشي الحال .. أما صباح فبعيـدة عن شاربيـه بعـد المشرق عن المغرب .
أزعجتـني تلك الفكرة يومها و طاردتني و قضت مضجعي ... أن يترفع
حتى هذا عن ملاحظتي .. كانت فكرة مؤلمة حد الاحتضار.
ثم تزوج هذا الجار , ودعانا إلى حفل زفافه .. ذهبت مثقلة
بأسئلة لا أجوبة لها , عن ذنب لم اقترفه ,لارى تلك العروس التي لم تكن تفوقني
جمالا مما أثار استغرابي ... لكنها كانت متعلمة و موظفة في إ دارة ما .
وهكذا صفعني جارنا هذا مرتين ....... مرة حين تقدم طالبا يد
أختي , و مرة عندما تزوج هذه الأخرى ... فكففت عن التفكير به , أوحتى التفكير
بأي شخص , إذ بدا لي ذلك لاحقا ضرباً من ضروب الجنون , فقد برهنت لي الحياة بما
لا يدع مجالا للشك , أن صبية مثلي لا تملك رصيدا كافيا من الجمال , ليس لها
الحق حتى في التفكير بشاب ما , وإذا ما فعلت فستكون عرضة لسخرية الآخرين , فقد
أتحفني أخي الكبير بملخص صغير عن وضعي الخاص قائلا ذات مرة : من سيتقدم
للزواج بك ؟ .. أي أعمى؟ .. لا أحد !! ... ستبقـين كـقـفـّة ٍ الهـّم ماكثة
فوق صدورنا... فكيف سأجرؤ بعدها على محاولة التفكير بأي شخص أ يّـاً كان و
ليس من حولي إلا المبصرون جـدا بكل ما تملكه حاسة النظر من قدرات , بل ليس من
حولي أعمى واحد قد يبصرني بعيني قلبه ,عندما تتعذر رؤيتي لجمال لا املكه , أو
نظر لا يملكه هـو .
ثم تزوجت أختي ... وتزوجت بعدها صبايا الحارة تباعا , وأنا
اُدعى إلى زفافهن واحدة تلو الأخرى ... فتجري أمي الي ... تزينني... تمنعني من
ارتداء هذا الثوب لان لونه لا يلائم بشرتي السمراء.. و تقترح علي ارتداء ذاك
... تضع على وجهي طبقات من المساحيق البيضاء في محاولة فاشلة لاخفاء معالمي
القاتمة... تكحل عيني و تلون شفتي ... تجبرني بطريقتها الحانية على ارتداء كعب
ٍ عال ٍ لكي أبدو أطول قامة مما أنا عليه, حتى أخال أنني كنت أخطو بطريقة مضحكة
لفرط طول الكعب , وأنا انفذ كل ما تطلبه دون تذمر و لا حتى قناعة , لكنني
والحق يقال , كانت تتملكني ثقة عمياء أنها ما أرادت لي يوما إلا الخير , حتى
حين تكون محاولاتها لعمل ذلك الخير جارحة حتى الصميم .
بعد ذلك بدا لي انه حتى أمي اقتنعت أخيرا أن الكعب العالي
وكميات المساحيق المبيضة لم و لن تغير من قدري شيئا , فلم تعد ُتـكرهـني على
عمل أي شئ , بينما لزمت أنا طوعا و بملء إرادتي منزلي .. ولم اعد أرافق أمي في
المناسبات والصبحيات والأعراس ... إذ أن تلك النظرة الحبلى بالشفقة التي كانت
نسوة الحي و القريبات يمطرنني بها بمجرد أن تقع أعينهن على هامتي القصيرة ,
كانت تغتال إنسانيتي أو ما تبقى منها على الأصح بشكل متوحش , تنغرس في أعماقي
سكينا مسموما يطال بقية كرامة لم يشعر أحد - أي أحد - أنها قابعة هناك بهدوء
في تجاويف هذا الكائن المستكين صمتاً , و خصوصاً عندما يسألن أمي بصوت خفيض
اقرب منه لفحيح حية تريد الانقضاض على فريستها : ألم تُخطب أمينة بعـد ؟؟ وكأن
أمي لو حدثت هذه المعجزة لن تسارع إلى إعلان الخبر السعيد في اليوم نفسه ضمن
الأخبار الرئيسية على كل القنوات الفضائية المتاحة , و تخبر القاصي و الداني
بالأمـــــر .
ثم أتى هذا الرجل بعد سنوات من حبسي لنفسي في المنزل الذي خلت
نفسي أني أصبحت أحد معالمه و أركانه ... أتى بمواصفاته القياسية في السوء
ليطلبني .. لم يكن ثمة ما يغري بقبوله .. فهو يكبرني بأجيال ... متزوج ... حتى
أن أولاده متزوجون و لديهم من الأطفال ما يتكفل بمـلء حارتنا... دميم الشكل
... ثقيل الظل ... متواضع الإمكانيات بكافة أشكالها... لكنه رجل على أيـة حـال
.
وحتى هذا الثقيل أتانا محملاً بالشروط التي تكفـّـل بقبولها
جمال لا املكه و عمر مفترض للزواج كنت قد تجاوزته ... لذلك كان علينا قبول بنود
الاتفاقية التي سيبرمها لاحقا مع أسرتي ... فزواجي به سيكون عرفيا ...و لن يعلن
هذا الزواج أمام عائلته .. و لن يستطيع الإقامة معي و لا حتى ليومين متواصلين
.. إنما سيأتيني كل بضعة أيام عندما تسمح ظروفه بذلك... و طبعا ... لن يسمح لي
بالإنجاب , و كان هذا الشرط دون غيره طعنه نجلاء غارت في عمق مشاعري دون أن
يبدو على ملامحي أي أثر لآلامهــا , فأنا كأي أنثى في هذا العالم - واستميحكم
عذراً فأنا لا اقصد الشكل طبعاً -كان حلم الأمومة القابع داخلي ناراً تشتعل بي
كلما لمحت طفلاً , حتى أنني أصبحت بمثابة الأم لكل أطفال أخوتي , بل و لكل
الأطفال في حارتنا .. كانوا يحبونني ببراءة و صدق لم احصل عليهما من قبل .. لم
يشكل قصر هامتي و ضآلة ملامحي أي فرق لديهم فاصبحوا عالمي الذي احــب .
أتت أمي مسرعة بوجه مستبشر تـنقل إلي بشراها السارة بان هذا
البغـل تنازل و تواضع و طلب يدي ... و بالطبع لم استطع أن أمانع - إزاء الفرح
الذي سرى فجأة في منزلنا و طال حتى ملامح أبى التي لا تستطيع قراءة ما يعتريها
من مشاعر عـادة - اقـتراني بهذا الغريـب.. و تم زفافي بترتيبات اقل من عادية
تتناسب و العروسين في تواضعها ... ارتديت ثوبا كنت قد اقـتـنيته يوما لاحضر به
عرس ابنة عمتي التي تصغرني بعشرة أعوام و تكبرني بجمال باهر وعينين حالمتين...
ثم سحبني هذا الرجل من يدي كما قد يجر طاولة إلى منزل صغير , أو بالأحرى غرفة
متواضعة استأجرها لي قريباً من منزل أهلي لكي يقوموا بأعباء الزوجية غير الخاصة
في غيبتـه التي قد تطول غالبـا .
استيقظت البارحة وحيـدة بين جدران غرفة الزوجية , أنا اشعر بان
جدران تلك الغرفة ستنقض علي , وغثيان يكاد يمزق أشلائي , ومزاج ضبابي يوشك أن
ينال مني , وأشياء أخرى تعتمل في داخلي لا أدرك كنهها ... أتت أمي ظهرا فأسررت
لها بما يعتمل في جسدي فوجمت ثم سألتني أسئلة خاصة جداً, وما أن أجبتها على
تساؤلاتها وأسئلتها هذه حتى اكفهرت ونظرت الي نظرة من يحمل كارثة بين شفتيه
يوشك أن يطلقها ... وهمست : يا للمصيبـة أنت حامل .
لا ادري لماذا تكون الحياة قاسية علي إلى هذا الحد... حتى
حملي ترفض الدنيا أن تقابله بفرح كما يحدث لأي عروس في حملها الأول , بل يقال
عنه انه مصيبة و كأنني احمل في أحشائي ثمرة خطيئة لم اقترفتها .. اندفعت
الدموع من عيني غصبا عني و أنا الملم أشلاء كرامتي التي بعثرتها إهانة وجهتها
لي أمي دون أن تقصد .. كنت صرعى مشاعر متناقضة تنال مني بين فرح ليس من حقي
الشعور به وفق بنود العقد الذي حُرر لصالح هذا الرجل الذي هو زوجي , و بين قلق
و خوف من إخباره بخبر كهذا بالتأكيد لن يكون من دواعي سروره .
كأنني لا احلم بطفلي..لا أتوق إليه .. لضمه إلى صدري ..لاشتعالي
بحبه.. لإعطائه حناناً لم أعطه لاحد من قبل لأني لم أصادف من أغدق عليه حناني
.. لم أصادف من يستحقه .
أخرجتني أمي من عالم أفكاري إلى الواقع مباغتة إياي بقولها :
لنذهب إلى الطبيبة ... ستجهضك قبل أن يعلم زوجك به حتى لا يغضب و ينهال عليك
ضرباً .
عفوا نسيت أن اذكر في معرض حديثي عن زوجي أن ضربه لي كان هواية
سيادته المفضلة ووسيلته للترفيه عن نفسه, بعدها كان ينقض علي كالبغل .
كانت أمي تنظر الي منتظرة إجابتي أو بالأحرى تجاوبي لما افترضته
حلاً مثالياً لطيبتها و جبنها في مواجهة رجلين , أبي و زوجي , عندما فاجأتها
أنا هذه المرة صارخة و الدموع تتسابق على خــديّ : لا ... لا ... و كانت تلك
هي المرة الأولى في عمري كله التي أقول فيهــــا ( لا ) .. شعرت وأنا أقولها
بنشوة عميقة في داخلي.. نشوة لم اعرفها قبلاً , و كأن كل الصحارى التي كانت
تكسو قلبي فجأة اخضرت و أزهرت و سقاها مطر ربيعي دافئ في انتظار عصفورها
الصغير ليكتمل مشهد الربيع الذي أورق بمجــرد خـبر صغـير كهـذا ... و من قال
انه خبر صغير ؟؟؟ ... انه بحجم عمري و حزني و انتظاري و حرماني .. بحجم أحلام
لم اجرؤ يوماً على أن احلم بها أو حتى أن أبوح لاحد بأنها قد خطرت في بالي
أصلا.
ردت أمي باستكانتها المعهودة : سيضربك يا أمينة , دعينا نذهب
للطبيبة ونتخلص منه.
أدهشني هذا المنطق المقلوب .. أ أتخلص من حلمي ؟؟.. من طفل
انتظر أن أضمه إلى صدري ؟؟.. من جـنين أحببـتـه قبل أن يتكون و يصبح طفلا لأجل
رجل لا أطيقــه ؟؟.. لا , لـن افعل هذا.. لن ُيجهض طفلي إلا على جـثـتي ..
سأحتفظ به مهما جرى و مهما كان الثمـن ,فمن حقي أن أحلم.. ومن حقي أن يتحقق لي
حلم واحد في حياتي .. ومن حقي أن أجـد سببـاً أعيش به وأحـيا من اجلــه .
نظرتُ إلى أمي بعينين ا متلأ تـَا بمزيج متناقض من الدموع
والأسى والفرح والتصميم في آن واحـد و قلت لهـا والحــزم يخيم على صوتي
للمرة الأولى مذ خُـلقـتُ : لـــــن افعـــــل هـــذا مهمـــا جـــــــرى.
|