أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتب: د. أسد محمد / 1963-2006

       
       
       
       
       

حوار أدبي

حب أخضر-رواية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

 سوريا ـ دمشق ـ مواليد 1963م مهتم بكتابة الرواية والمسرح .

عضو اتحاد صحفيين - سوريا .مدير تحرير مجلة النافذة الفكرية- الثقافية المنوعة .

أعد برنامجا إذاعيا – علمي – ثقافي لإذاعة دمشق لمدة ثلاث سنوات ، وعمل في التلفزيون السوري - القناة الثانية..

كتب الرواية : له خمس أعمال روائية، وثلاث مجموعات قصصية، وست أعمال مسرحية، ومجموعتان قصصيتان للأطفال، وثلاثة كتب في مجال الدراسات، وأكثر من مئة مقال علمي وطبي منشور في مختلف الصحف العربية

 

صدر له:

في مجال الشعر:

-لغة الألم

-أمريكا

-الحب

-النار

 

خواطر:

-نزهة البراعم

 

المسرح:

-العالم الثالث

-الشركة رقم- 5-

-كل ألفية والعالم بخير

 

قصص الأطفال:

-ريم والصياد

 

انتقل إلى رحمة الله تعالى إثر حادث سير فاجع في المملكة العربية السعودية، يوم الاثنين الموافق 4/9/2006م

نماذج من أعمال الكاتب

حماقة

نظيران في موسم القتل

صورة الزعيم

 حصار

رسالة غرام

للورد هدية

 

حصار

 

قرر مجلس أمناء البلد بأغلبية عضو واحد بأنهم سيعاقبون زعيما لا يضحك كما يضحكون ولا يتنفس كما يتنفسون ، علما أن أحد الأعضاء قدم لهم تقريرا مفصلا عن هذا الزعيم ، وجاء فيه " إنه من أقرب الناس إلينا ، وهو مستعد لتلبية مطالبنا بالكامل " لكن عضوا آخرا رد عليه بغضب :

- إذا لم نحاصره فمن نحاصر ؟

 

وكان الجواب " فلنحاصره إذا كان لابد لنا من عدو "

قرروا منع السجائر والزبدة والمواد الأولية دون استثناء حتى يجوع ويستمع إلى الأغاني ذاتها التي يستمعون إليها ، وقرروا التجسس على مكالماته الهاتفية وتفاصيل حياته اليومية وخصصوا لذلك جهاز أمن كامل مرتبط مع قمر صناعي ، وكي يحكموا عليه الحصار سدوا المنافذ الكبيرة والصغيرة عن بلاده ، وأظهروا ذكاء في بث بعض الأخبار المضادة له ، وتم تذييل هذا الشكل من الحصار تحت شعار " إنه شخص خطير على أمن الوطن " وتحولت هذه إلى فلسفة ، جاءت عناوينها بالخط العريض في كبريات الصحف العالمية " تطويع الأنظمة المارقة"..

ردا على هذه القرارات ، داعب الزعيم شاربه أمام أعضاء مجلس حكمه، وقال ساخرا :

- لن يتمكنوا من حصاري .

فسأله شخص كان رتب معه هذا السؤال من قبل بدقة :

- يا سيدي ، كيف سيكون ردك ؟

مباشرة طلب من خادمه الخاص أن يوزع سجائر من ذلك البلد للحاضرين ، ثم طلب من مصوره التلفزيوني أن يصورهم ، وأمامهم علب سجائر من بلد العدو ، رفع أحد الأعضاء إصبعه طالبا الكلام ، تجاهله الزعيم ، بينما سمح لآخر بإطلاق نكتة، انتهت بجملة" أنا لا أدخن يا سيدي، لكن كرمال عيونك مستعد للتدخين " ضحك الزعيم ، فضحكوا دون أن يعرفوا السبب ، هز برأسه فهزوا برؤوسهم ، وخرجوا ..

تفرقوا ، وكل واحد يردد:

- يا لها من هزة رأس جبارة !

أظهرت الصحافة المحلية في اليوم التالي أعضاء القيادة وهم يدخنون سجائر " بلد العدو " دون أي تعليق ، انزعج المواطنون من هذا المنظر ، خاصة من نائب الزعيم الذي يعرفون عنه أنه منضبط ولا يدخن ، وهذا أدى إلى شائعات مختلفة ، انتهت " إن في الأمر حكمة " ، وأحدثت رؤى متباينة لدى الناس حول معنى تدخين النائب في مثل هذه الظروف ..

ارتبك الناس ، وفي اليوم التالي أرسل جهاز المخابرات الخاص تقريره إلى الزعيم ، بأن الناس ، فهموا من صور الصحف إنها مقدمة " لاسترضاء العدو "

وجاءه تقرير آخر من عاصمة العدو " إنه لايوجد أي رد من العدو على الصور في صحافتنا المحلية "

ظل أعضاء القيادة خائفين ولم يتجرأ أي منهم على الاتصال مع الآخر أو طرح أي سؤال حتى على نفسه بانتظار الأمر السامي بكيفية التصرف ، وبقيت هزة رأس الزعيم هي اللغز الذي أشغلهم ..

بعد أيام دعا الزعيم نائبه ، فدخل عليه ، وجده يتكلم في الهاتف ويضحك ، قال النائب في نفسه :

- لابد وأن الأزمة مع العدو قد انتهت ..

أنهى كلامه ، بجملة :

- لا تقلقي يا سيدتي من الحصار ، فكل ما تحتاجينه سيؤمنه لك رجالي ..

انتظر النائب أن يكلمه عن آخر المستجدات ، لكن الزعيم ، كلمه عن مغامراته وفتوته طويلا ، اعتقد النائب أنه يخفي سرا بشأن الحصار ، طلب منه الانصراف وهو يبتسم، ثم قال في نفسه :

- لقد فهم من سخريتي بأنني لست مبال لهذا العدو.

كان نائبا نائب الرئيس في انتظاره ، دخلا عليه ، فحدثهما عن آخر رحلاته للخارج ، وابتسم ابتسامة عريضة عندما ذكر لهما قصة الفتاة الجميلة التي راقصته .. وبعد نهاية هذا اللقاء .. طلب منهما الخروج ، فخرجا ، وقال في نفسه :

- لقد فهما الرسالة ، بأننا لسنا معنيين بقرارات العدو ، لكن لست فاهما بماذا يفكر الزعيم ؟!

نقلا نائبا النائب الفكرة نفسها إلى معاونيهما ، وهكذا بالتسلسل حتى وصلت الفكرة إلى القاعدة " الوطن في أمن وآمان ولا خوف من الحصار"

جاء التقرير الأمني التالي لسيادته " الناس يثقون بكم وبالروح والدم يفدونكم وهم يبتسمون كما تبتسمون و يضحكون ، لكنهم يريدون سجائر من أجل التدخين قدوة بسيادتكم " ..

بينما جاء تقرير من عاصمة العدو " العدو لا يبالي بنا"

فقال الرئيس :

- بدأت تكبر كلمة " عدو" إنها إكسير الحياة بالنسبة لي ..

ازداد التساؤل بين الناس حول البدائل الممكنة للموارد الضرورية للبلاد وكيفية تعويضها، ظل أعضاء القيادة يتكتمون حول سؤالهم الأساسي " لماذا هز الزعيم رأسه؟"

مضى أسبوع آخر ، كان الزعيم قد بدأ ينسى الحصار ، وبدأ ينسى معه بقية أعضاء القيادة معنى هزة رأس زعيمهم ..

لكن عضو سابق في استخبارات العدو كان قد علق في إحدى المحطات التلفزيونية ، وذكر كلمة ( هزّ ) في رد على سؤال حول أزمة مضى عليها ثلاثين عاما بين بلاده ودولة أخرى ، نقل النائب هذا الخبر بسرعة إلى الزعيم ،فقال له :

- ماذا يقصد" بهز" أيها النائب ؟

- يا سيدي ، أنتم من هز رأسه .

صمت الزعيم ، وابتسم ..

- فعلا ، فعلا ..

انتظر النائب أن يضيف شيئا ، لكن الزعيم طلب من مصوره الخاص أن يصورهما معا ، وينشر الصورة في الصحف كافة ..

خرج النائب دون أن يفهم شيئا ، وفي اليوم التالي سأله نائباه عن مغذى الصورة المنشورة في رأس صحافة اليوم ، لم يجبهما ، وبقي الأمر غامضا ..

وقال النائب :

- أنا لا أعرف ماذا يخطط الزعيم ، ولم يقل لي معنى هزة رأسه .

بعد أيام طلب الزعيم من النائب أن يدخن ، فالتزم بالأمر دون أن يعرف السبب ، وفسر بعض أعضاء القيادة أنه تحد للعدو وللبرهان أن المنافذ لم تغلق ..

بعد شهرين جاء تقرير للزعيم من جهازه الأمني يقول " أن معمل الأسمدة توقف بسبب فقدان المخزون من المواد الأولية "

ابتسم وقال في نفسه :

- إن خطتي تتحقق ، و تترسخ العداوة والكراهية في قلوب الناس ضد ذلك العدو ، ولن يجدوا بديلا عن إخلاصهم لي ، وتعلقهم بي كمخلّص..

طلب من نائبه أن يتدبر أمر المعامل التي تعتمد على مصادر العدو ، فقال له :

- يا سيدي ، إن مصدر المواد الأولية الوحيد في العالم هو العدو .

صرخ الزعيم ، وقال :

- اغلقوا المعمل .

وقال النائب :

- سيغلق من تلقاء نفسه ..

اطمأن الزعيم أكثر للكراهية التي تزداد ضد العدو ..

بعد ستة أشهر تم إغلاق نصف معامل البلاد ، وفي كل مرة ، يقول الزعيم :

- تخلصوا من كل ما هو معاد ..

جاءه تقرير أمني " ليس لدى الناس جبن"

سخر ، وقال :

- لكن لدي كثير من الجبن ..

اتصل مع عشيقته وسألها :

- ألا يوجد في السوق جبن ؟

- لا أعرف .

- يوجد لديك جبن .

- طبعا ، هل نسيت ، يؤمن لي رجالك كل ما أحتاجه ..

أقفل الخط وقال :

- بما أنه لديها جبن ، يعني أن خططهم فاشلة..

كان في هذا الأثناء يقف طابور طويل أمام مؤسسة تموينية خلقها الحصار بانتظار شراء بعض المواد المقننة ، دخل رجل مفتول العضلات يحمل مسدسا على جنبه ، تجاهل هذا الحشد الكبير من الناس وكأنهم أعداؤه ، اقترب من البائع ، همس في أذنه ، ثم عزل له عشرة صناديق أمام مرأى الناس ، خرج رجل من الصف الرابع ، اقترب من البائع وسأله :

- لماذا عزلت هذه الصناديق ؟

سكت البائع ، كرر الرجل سؤاله أكثر من مرة ، فأشار له بطرف عينه إلى المسدس، وأجاب الرجل :

- إنها لي..

وهز مسدسه بحركة مقصودة ..

فقال الرجل بثقة :

- لا، لن نسمح لك .

- لم أطلب منك السماح .

- هذه المواد التموينية من حقنا..

- من أنتم ؟

- نحن أهل البلد .

- (طز) فيكم ..

انطلقت أصوات تحد من رجل ثان ، ثم ثالث ورابع و.. وقالوا بصوت واحد :

- حتى ولو كنت الزعيم نفسه، فهذه المواد من حقنا جميعا ولن نسمح لك بأخذها ..

رفع عنصر الأمن مسدسه باتجاه الرجل الذي انقض عليه وأرداه أرضا ، أطلق رصاصات عشوائية ، أصابت بعض الحاضرين ، حدثت فوضى ، ضرب الناس المسلح الذي صاح :

- أنا عنصر أمن وستنالون عقابكم أيها الخونة ا..

أخذوا منه مسدسه ، وأسعفوا الجرحى ، وكان البائع أحد المصابين ، اضطروا لتشكيل لجنة منهم ، ثم وزعوا المواد التموينية بالتساوي بين بعضهم البعض..

قال أحدهم :

- إننا نموت من الجوع بينما يجلس الزعيم على عرشه دون أن يحرك ساكنا..

وقال آخر :

- يجب أن نعتمد على أنفسنا .

وقال ثالث :

- ذلك البلد ليس بعدونا ، وأنا لم أعتد عليه أبدا ، فلماذا يعاقبني ؟

وقال رابع :

- ليس الشعب هو من يعاقبنا و إنما قلة من أعضاء حكومته يكرهون الزعيم ، فأصدروا حكما جماعيا بمعاقبتنا ..

امتزج النقاش مع آلام الجوع واستمر أكثر عنفا في الأيام التالية حتى بدأ يتحول إلى حقد ليس على العدو فقط و إنما على العالم أجمع الذي ترك هؤلاء الناس بين الجوع و الحصار ، قال أحدهم :

- نُعاقب لأننا خُلقنا هنا ؟

بينما كانت أسئلة الأطفال والتلاميذ أكثر حرجا لآبائهم ومدرسيهم حول أدوات التعليم والدراسة والمستقبل .. كان المجتمع برمته يدخل في عفونة الكراهية التي بدأت تسحق الأرواح والقيم ..

اتصلت صديقة الزعيم به ، وقالت :

- إن ضابط الأمن الخاص لم يجلب لي حاجاتي لهذه اليوم ..

سأل الزعيم عنه ، فأخبروه أنه في المشفى ، وأنه لن يتمكن لا هو ولا غيره من تأمين حاجات صديقته لأن ما تحتاجه لم يعد موجودا في الأسواق ، فأرسل لها الزعيم حاجتها من مخزنه الخاص ، اتصل به ضابط الأمن ، وقال له : لقد سافرت إلى بلد العدو ، فقال الزعيم :

- العاهرة ، ألم تتحمل ساعات قليلة دون رفاه ؟

اشتكى الضابط المصاب من قلة الأدوية وعدم وفرة لوازم الجراحة الموجودة فقط في بلد العدو ، فأرسله الزعيم إلى بلد العدو للعلاج هناك ، بينما بترت ساق مواطن و أصيب آخر بتشوه في العمود الفقري بسبب عدم وجود لوازم الجراحة ، وعندما عاد المشلول إلى بيته على كرسي متحرك :

بكى أطفاله ، وقالوا بصوت واحد " إننا نكره العدو المجرم والجبان الذي منع الأدوية والعلاج عن والدنا "

- بينما قالت زوجته :

- فليحاصروا الزعيم الذين يؤمنون له حتى السجائر ، بينما نحن نموت من الجوع ، فما ذنبنا إن كانوا يكرهونه ، لماذا يقتلوننا باسمه ..

بينما كانت صورة الزعيم تعتلي صفحة الجريدة وهو يدخن ..

وكان اجتماعا في القيادة برئاسة النائب الذي أنهى اجتماعه بجملة " كلنا نحب الزعيم "

هذا هو شعار المرحلة القادمة ، ويجب أن نلتف حول قيادته الحكيمة..

بينما ردد بقية أعضاء القيادة في أنفسهم :

لا نعرف ماذا يجري ، إنه يتصل مع العدو لتلبية احتياجاته ، بينما منع العدو عنا كل شيء ..

وقال آخر في نفسه :

- إنها مؤامرة كي يلتف الناس حول الزعيم ضد عدو ما، وينسوا ما يفعله الزعيم بهم من سوء..

اجتاحت الكراهية القلوب ، واعتقد الزعيم أنه يوجهها وهو يتلمس أعواد كرسي عرشه ، ويردد:

- إنه العدو ، العدو الذي خسر الكثير وربحت ..

وفي لقاء سري له مع أحد أعضاء مجلس أمناء العدو ، طلب منه أن يستمع إلى أغاني بلاده ، فأجابه :

- أنا لم أتوقف عن الاستماع إليها ..

- نريدك أن تسوقها لدى شعبك ..

أجابه الزعيم :

- أوكل هذه المهمة لكم..

قالها ولديه قناعة أن الكراهية لن تسمح لهم بترويج منتجاتهم من جديد ..

توسط لديه كثيرا ، شعر الزعيم بانتصار ما ، وقال :

- لقد لجؤوا إلي من جديد كي أطوع شعبي، يجب أن يتعلموا أنني أفضل وسيلة من أجل تحقيق مآربهم ..

 

 

 

صورة الزعيم

 

قصة قصيرة

 

للتو تباهت أمام والده بأسئلته البريئة ، طبع الأب قبلة على جبينه وخرج لعمله ، تقافز في بهو البيت كهر صغير ، اغتنمت أمه فرصة لعبه وانشغلت عنه في ترتيب أشيائها ، لحق بها ، وطرح عليها سؤالا ، كان الخامس أو ربما السادس كما خمنت لهذا اليوم ،  سحبت سبابتها على وجنته حتى انتهت عند هلال جبينه ، وأجابت بهدوء : نمتُ مساءً متأخرةً ، وضعتُ تحت وسادتي حبةَ سكر نبات ، وعندما استيقظتُ صباحا تحولتْ قطعة السكرِ ، وأصبحتْ أنت .

 فأجاب مبتسما :

- الآن فهمت كيف أصبحتُ ابنك .

مسحت شعره الناعم كشعر أرنب صغير بيديها الطريتين، ونام في حضنها متأثراً بالحكاية  الجميلة التي أكملتها له حول الطيور التي استقبلته ودخلت إلى غرفته من النافذة ، وكيف راح يلعب معها ، وعن الشمس التي تشبه قنديل جدته التي أنارت وجهه الجميل وجعلتها تراه مثل وردة  ، والمرآة الكبيرة التي أرسلها له خاله كهدية كي يمشط شعره ويتأمل صورته .

في اليوم التالي سألها ، كيف جاءتْ أخته الصغيرة ، فحكت له حكاية مماثلة عن قطعة سكر النبات ، ففرح ، وحكى الحكاية لأخته الصغيرة التي لم تفهم منها شيئا ، لكنها ابتسمت وراحت تلعب وتشد طرف شرشف سريرها بشغب .

***

كان يقلب وريقات كتاب حضانته ، عندما  اقتربت منه أمه ، جثت على ركبتيها بجانبه ، وراحت تهجّي له الحروف بدافع إثارة انتباهه وتعليمه ، شرد وهو ينظر إلى لوحة غلاف الكتاب الداخلية ، ثم عبثت يداه بالدفتر الوحيد الذي سحبه من حقيبته  ، طلبت منه أن يردد وراءها ، فتثاءب ،  ثم كرر بعض الحروف بصوت خافت غير آبه لجهد أمه ، وفجأة سألها :

 - ماما ، ماما ، لماذا هذه الصورة هنا ، ومكررة هنا بالقرب من الشمس ؟

أشار إلى صورة الغلاف ، وقارنها بالصورة التي ترافق الحروف التوضيحية في الصفحة التي تحاول شرح حروفها له  .

لم تجبه ، وطلبت منه أن يردد ما تلفظه بدقة ، فكرر السؤال نفسه ، عندئذ اضطرت للجواب بصوت خافت    "  هذه صورة الزعيم " ، فسألها :-لماذا وضعوها بالقرب من الشمس الحارة مثل النار  ؟

 تلعثمت الأم ، همهمت ، ثم أرغمته على تكرار كلمة "ضابط" كمثال على حرف الضاد في الصفحة التالية التي قلبت إليها هاربة من الصفحة السابقة محاولة إخفاء الصورة  ،  وجد صعوبة في نطق كلمة " ضابط"  ، وقال بأن المعلمة لم تعطه هذا الدرس ،  حاولت الضغط عليه ، وكررت الكلمة عدة مرات طالبة منه أن يقلدها ، انتبهت أنها تفعل ذلك لأول مرة معه، وتضغط عليه ، أحست ببعض الضيق ، رمشت صغيرها الذي راح  يلعب بقلم الرصاص غير مكترث  لما تردد من حروف لم يستسغها ، سحبت القلم  من يده ،  وتوعدته بألا تعطيه مصروفه ليوم غدٍ ، فصاح قائلا، والدهشة تعلو وجهه  :

-أريده  ، أريده .

-لن أعطيك المصروف إذا لم تلفظ الحروف جيدا .

-أنا بحاجته ، يا ماما ، كي أشتري به قطعة سكر نبات .

-سكر نبات ؟!

-نعم ، اشتريت البارحة ، قطعة سكر نبات ، ووضعتها تحت وسادتي،  ولم يأتِني ولد جميل ، وغداً  سأشتري قطعة ثانية وأضعها تحت مخدة أختي ، يمكن أن تأتيها بنت حلوة .

نظرت الأم إلى صورة الزعيم بالقرب من صورة الشمس ، ثم رمقت وجه ابنها البريء مرتبكة ، ولديها خشية من سؤال أكيد قد يطرحه أمام المعلمة حول الصورة ، ومِنْ ..

أضيفت في 05/05/2005/ خاص القصة السورية/ الكاتب

 

 

 

نظيران في موسم القتل

 

 

في اجتماع تناصف فيه الضجيج مع الهدوء ، وانزوت أضواء المنبر تحت ألسنة المنادين ، قرر مجلس الأمناء بأغلبية عضو واحد بأنهم سيعاقبونه شر عقاب ، لملموا أوراقهم المختلفة وسجلاتهم ، وأهملوا عن عمد ما قدمه أحدهم في اقتراح مضاد " إنه الأنسب لنا ، ويخدمنا بشكل غير مباشر.."  

وقبل تلاوة البيان الختامي ، تساءل عضو متربع على إليتيه الدهينتين المنفوختين ، وهو يلعب بكرشه المندلق أمامه" إذا لم نحاصره ، فمن نحاصر ..؟ "  ثم امتص شفتيه ، وعبر عن سخرية لاتخلو من زحلقة لأفكار كان قد طواها الجدل الضبابي منذ بداية الجلسة ، كأكأ جاره من وراء ضحكة تبعتها كلمات خالية من الإيحاء واللباقة ومؤيدا لوجهة نظره .. 

كما جاراه  ثالث جاحظ العينين ، بارزتين من وراء نظارة شفيفة ، لديه شراهة في طرح الأفكار وقلة التركيز " نحاصره ، فنربي به جيرانه.." 

وكان الجواب من عضو مكارثي ، معروف بمذهبيته السلفية : " نعم ، فلنحاصره إذا كان لابد لنا من عدو.. "

وجاء الاجتهاد العبثي الخالص من رفقاء في الظل ، اجتهاد مطّعم بعدمية يقصي الحكمة بعيدا، ويفسر كيفية استخدام الممنوعات الأخلاقية ، وأدوات الحصار والخنق والتجويع ، وذكروا متشدقين ضرورة منع حتى السجائر والزبدة والأدوية وإحكام الحصار البري والجوي والبحري .. وبعد هرج ومرج ، جال مفعوس الشعر وهو يلعب بخفيه بين قسوة نارية وتريث ممغنط  وانتهى بفكرة صبيانية طرحها مستسهلا " وحتى الهواء .. اقطعوا عنه لهواء .." وبلفتة تنم عن خلاف في رأي ما بعد ديمقرطي ، وبجعل الكلمات تناطح الكلمات ويسيل المعنى من جروحها قيئاً ، أجابه شخص يواجهه الجلوس " عفوا ، نحاصره هو ، وليس شعبه ..هو زعيم مارق ، لكن ما ذنب شعبه المسكين " .. استأثرت هذه الجملة وغيرها بعناوين الصحف ، ووصلت الآراء إلى الناس كالحقيقة الدامغة ، كما سمع الداني القاصي بأخبار حزمة العقوبات : تجويع ، ترهيب ، ترويع ، تجسس ، تطويع .. حتى يأتي زاحفا على بطنه ..

ولول بعض الزعماء من هنا وهناك ، وهفهف بعضهم الآخر دعما للقرار الحكيم خشية أية تهمة استباقية بالتعاون معه ..

 

* * *

 

أمام عدسات الكاميرات ، مسدّ الزعيم العجوز والمتهم شاربه  ، وكشف عن وجه عنيد، وردّ بشفتين ممطوطين وبلهجة غامضة " فشروا ، فأنا لها .." كان حوله أعضاء مجلس حكمه التاريخيين الذين عفَّنوا الزمن بخميرة التقزز والقرف ، يصغون إليه السمع ، تبجح وترفع ودندن ولطم فجوة صمت متأتية من خوف مزمن لبطانته برأيه ما قبل الديمقراطي ، وفي لقطة درامية أمام العدسات طلب من الحراس أن يوزعوا سجائر من صناعة العدو على أعضاء مجلس حكمه.. وقبل نهاية الاجتماع ، نطق نائب الزعيم قائلا باعتزاز : " أنا لا أدخن يا سيدي، لكن كرمال عيونك مستعد للموت " ، فض الاجتماع الفاصل بهزة رأس من الزعيم ، فهزَّ تابعوه برؤوسهم ، قهقه فقهقوا  ..

ثم تفرقوا ، وهم يرددون في أنفسهم  :

-يا لها من هزة رأس جبارة !

انطلقت الشائعات بين صفوف الشعب ، خاصة حول تصرف نائب الرئيس الذي ظهر وهو يدخن على غير العادة .. وأحدثت وسائل إعلامه وفق أوامر عليا ضجة حول السجائر المعادية وتدخين النائب ..

 

* * *

بعد حين تلقى الزعيم تقرير استخباراته، وجاء فيه : " ما يحدث هو مقدمة لضربة عسكرية من العدو " قرأ التقرير وحسب ، وطلب من وسائل الأعلام أن تشن هجوما مضادا .. بينما انشغل طاقم حكمه بلغزي : علب السجائر وهزة الرأس .. دون أن يتفوه أي منهم ببنة شفة بانتظار التوجيهات السامية ..

في لقاء عابر مع النائب ، تكلم الزعيم بالهاتف مطولا ، وخرج النائب دون أن يفهم أي شيء ، سوى أن الزعيم تكلم بلهجة رقيقة وغزلية مع أنثى، ووعدها بتوفير كل شيء لها رغم الحصار الجائر..

 

* * *

 

بعد أن قرأ تقرير استخباراته الأخير، أقام حفلا بمناسبة عيد ميلاده في جو من الألق المثير، والاستعراض المؤدلج ، والبهجة المفرطة .. خاصة وأن الصحف  قد انتهت من ترسيخ عدوانية مضادة  : <<  عدو متغطرس وغاشم ، ضحايا الحصار في تزايد :  بطالة ، جوعى ، موتى ، فقراء ، وطوابير أمام مؤسسات الحكومة التموينية .. و..  >> هزَّ عنقه ، رفع كتفه إلى سوية شحمة الأذن ،  لكن هذه المرة لم يره أحد .. تلمس فروة رأسه ، ثم وضع قبعته البطريركية ووقف أمام المرآة ..  تلفت حوله بريبة ، ونطق .."  أنا .. أنااااااااا .."

مضى وقت من نار ، وقت محصور بين فكي موت وجنائز واستغاثات جوعى ومرضى ، وكان الزعيم قد تناسى الحصار الذي حصد الأخضر واليابس كالجراد في طول البلاد وعرضها ، وبدأ ينسى معه بقية أعضاء قيادته المرتاحين في ظله معنى هزة رأسه ، وهم على يقين بأن خطته قد أتت أوكلها رغم كل المعاناة والكراهية الشديدة للعدو ..

 

* * *

جاء في كبرى صحف العدو مقالا بعنوان :  " جون يكره أبو عبد الفوال، وأبو عبد يكره جون " ، وتم تحليل الخبر بذكاء ضمني مع لمسة من ايحاءات مبهمة، واقترحت الصحيفة أن يلتقيا ويتحاورا ليكتشفا كم هما مواطنان بسيطان وطيبان .. وعرضت بقية الصحف مدى الوضع السيئ والمتدهور الذي وصل إليه شعب البلد المحاصر ..

 

 

* * *

كان موعد اللقاء السري قد نضج بعد سلسلة من النجاحات المتفق عليها ،  وعلى سطح يخت بالقرب من جزيرةالأحلام ، التقيا  :

-نحن حميناك من شعبك ، وثروتك من النفط لا تكفينا وحدها ..

-اتركوا لي بعض الموارد .

-ما تطلبه غير متفق عليه .

-كيف أدبر أمر شعبي ؟

-هو يدبر نفسه .

-وكيف أدبر مساعديّ ؟

-هم يدبرون أنفسهم من الشعب .

-وكيف أتدبر أمري ؟

-أعطيك راتبا مجزيا ..

-أرفض الحصول على راتبي منكم .

-أنت حر ، وأنا جاهز لكشف كل الأسرار ، إذا لم ..

أطرق الزعيم رأسه مليا ، فكر ، ثم قال فجأة :

-حسنا ، اكشف الأسرار .

-سأكشفها وتروح في ستين داهية .

-لا تنس ، يا حضرة القائد ، إنك أنت أيضا ستروح في ستين داهية .

-كيف ؟

-شعبك لن يسكت على الفضيحة ، وما ألحقه بشعبي من أذى ودمار وخراب و ..

-كان ذلك لحمايتك ، هكذا اتفقنا ..

-وأنا أيضا حميتك ..

-ما هذه السخافة ؟

- نعم ، لقد انشغل شعبكم بكراهيتنا بدل أن يطالبكم بتنفيذ برنامجكم الانتخابي الذي لم تنفذوا منه أي شيء حتى الآن ، سوى التطبيل والتزمير و إلهاؤه  بمحاصرة شعبي ، لقد تحمَّل شعبي الموتَ والعذابَ والحصارَ من قبل شعبكم وجنودكم الذين كانوا من المفترض أن يطالبوكم بحقوقهم المختلفة والكثيرة ، وها نحن الآن نجلس وجهاً لوجه ، أنت ساعدتني بجعل شعبي يكرهكم ، أي بتحويل كراهيته عني إليكم ، وأنا كذلك جعلت شعبكم يكرهني ويلتف حولكم ، ساعدتني وساعدتكم..  لقد تلوث شعبكم بإثم كبير لن يرضاه لو عرف الحقيقة بأنه ضحية تأمري معك ، ما فعلناه هو حماية لي ولك ..

كان القائد يغور في نفسه ، يذوب كالزئبق في دمه ، تبتلعه بلاغة هذا المارق وتجربته الطويلة ، ويكتشف كم كانت لعبته خسيسة وضرورية في آن معا ، بينما استرخى الزعيم وراء طاولته وهو يحتسي كأس الوسكي ، ويحث شريكه أن يحتسي جرعة فوزهما ، وهو يرفع الكأس ليضربها بكعب كأس نظيره ..

أضيفت في 23/03/2005/ خاص القصة السورية

 

 

 

حماقة

 

أخذه العمل حتى أذنيه ، وكاد يعلن ضجره في وجه ساعة الحائط التي حملق إليها بعينين مفتوحتين حتى عظم الصدغ ،بعد تثاؤب تحدى فيه أضلعه المنكمشة جراء انحنائه المستمر فوق مكتبه منذ ساعتين تقريبا، تناول شايه المبلول ببرودة مفرطة ، وعاد إلى دراسة التقرير الذي كلفه به المدير ليلة أمس ، ما إن أمسك القلم واستعد لجدولة الأرقام حتى دخل عليه مراجع ، قرأ في اندفاعه عجلة لم يستطع تبريرها ، بعد تحية متقطعة الكلمات وضع الرجل ملفه على المكتب، وقال :

- أتمنى ألا تؤخرني كما أخرني زملاؤك.

كان الموظف قد رفع رأسه بتمهلٍ ، وأثار انتباهه انحناءة غريبة في كتفه و كأنها نصف كرة منفوخة ، و لحية طويلة تغطي وجها لونه يشبه قشر بطيخ يابس ، لم ينتبه إلى التفاصيل الأخرى ، و أجاب :

- إن شاء الله سأخدمك بسرعة .

سحب الملف قليلا باتجاهه ، تفاجأ بخروج عنكبوت من الأوراق المتراكمة على المكتب، انتفض الموظف بعفوية، وتبعثرت الأوراق مع حركته السريعة ، استغرب المراجع ردة فعل الموظف ، وقال:

- لا تتحرك ، اهدأ ، اهدأ ..

خوف الموظف و ارتباكه دفعاه للحركة أكثر ، فوقعت العنكبوت على فخذه ، رفع ثوبه عن جلده وابتعد عن كرسيه قليلا ، و هو يردد بحذر:

- إنها سامة وقد تلدغني ..

لم يكمل جملته حتى ركض المراجع، ومسكه من يديه قائلا:

- هه .. توقف ، لا تتحرك و إلا ..

اعتقد الموظف أنه يريد مساعدته وإبعادها عنه ، لكنه أحكم الإمساك به و ضبط حركة أطرافه ، ثم طلب منه أن يحرك جسمه كي تبتعد عنه بسلام، فقال الموظف :

- دعني أبعدها عن ثوبي بسرعة ، فقد تتسلل إلى جلدي و تلدغني .

- انحن قليلا ، انحنِ كي تسقط .

- لا أستطيع لقد حددتَ من حركتي .

- لن أدعك تقتلها .

- ابتعد عني من فضلك .

- أخشى أن تقتلها .

- إذن، تخشى عليها ولا تخشى عليّ؟!

كانت العنكبوت تتحرك باتجاه الأسفل ، فخاف الموظف أكثر و انفعل ، فأدت ردة فعله المفاجئة إلى سقوط العنكبوت على قدمه ، ازداد خوفه ، وأحس بعداوة الرجل المتحكم به تتغلغل إلى داخله ، ومن دون أن يقصد صرخ بصوت عالٍ:

- إنها على قدمي ، دعني أبعدها .

- حتى ولو لدغتك لن أدعك تقتلها .

- لن أقتلها ، بس اتركني .

- لن أدعك ..

شعر الموظف بإمكانية استخدام ساقيه الحرتين و ضربه ضربة موجعة بين فخذيه تطيح به ، لكنه لم يشأْ نقل المواجهة من العنكبوت إلى الشخص الآخر ، اضطر إلى تحريك قدمه فسقطت تحت القدم الأخرى ودهسها عن غير قصد ، فتركه الرجل صارخا:

- هكذا أنتم أيها الكفرة .. تقتلون ما يحبه الله و رسوله.

تظاهر الموظف بعدم فهمه، مسح عرقا عن جبينه، وقال له :

- أنت هنا لقضاء حاجة وليس للوعظ و..

- لا تكمل ، مَنْ يقتل حشرة حمت رسول الله و صاحبه في الغار يمكن لعنه،لأنه مستعد لفعل أكثر من ذلك ، و..

- إذن ، اذهب و احمِ عناكب الأرض من الموت.

- تسخر مني ..؟!

تمنى الاستماع إليه حتى النهاية ، لكنه ردد كلاما سيئاً أزعجه حتى النخاع ، و نفذ صبره، فقاطعه وأوقف تأهبه لإطلاق جملٍ أشد قسوة ، و قال:

- أولا أعرف عن العنكبوت ما تعرفه و ربما أكثر منك ، و ثانيا أنت الذي قتلتها ، و أنت مستعد لقتلي ، رجاء انتهى الكلام ، وهات ملفك كي أنجزه لك ..

لوح الرجل بملفه ، وقال مستهجناً:

- لا يشرفني أن ينجز كافر عملي .

اندفع للخارج و هو يتمتم كلاما غير مفهوم ، استغفر الموظف ربه ، و ردد في نفسه :

- لا حول و لا قوة إلا بالله ، يحسب البعض من أمثاله أنهم وحدهم يعرفون الله و رسوله، و البقية تلاميذ في حضاناتهم ..

هزّ رأسه و عاد لمتابعة عمله ..

جاءت ذبابة و راحت تطن عند أذنه ، أزعجته كثيراً ، ما إن مسك مسطرة لضربها حتى سمع صراخا في الفسحة أمام المكتب ، فخرج مسرعاً ليجد المراجع نفسه و قد اشتبك مع رجل، و ملفه على الأرض تحت أقدامهما ، فتدخل لفض اشتباكهما ، التفت إليه المراجع لاهثا:

- ابتعد أيها الكافر عنا.

فقال الرجل الثاني:

- اخرس أيها اللص، لن أتركك حتى تعيد لي فلوسي التي سرقتها، لا تتهرب من الموضوع..

- اتركني ، اتركني ، سأعيدها لك .

- منذ فترة طويلة وأنت تتهرب مني ، وفي كل مرة تكذب، وتكذب علي ، وهذه المرة لن تفلت مني أبداً.

نظر الموظف إلى المراجع نظرة ازدراء وعاد إلى مكتبه ، جلس على كرسيه مستغربا أمر هذا الشخص ، أراد البحث عن شيء ما و كأنه فقده ، فتذكر الذبابة ، نظر حوله ، لم يجدها ، فقال ساخراً:

- لقد أنقذ ذبابة ، وقتل عنكبوتاً.

 

 

رسالة غرام

 

بحث كثيرا عن بطاقته الشخصية ،ارتبك وكاد يشتم حظه ، جلس على الكرسي ، وضع يديه خلف رأسه وتنهد بعمق، ثم قال في نفسه:

- تفه اللعنة على الشيطان ، لقد أضعتها بسبب إهمالي.

اتصل به صديقه رابع مرة ، واستعجله للذهاب معا إلى المدينة ، اعتذر عن تأخره، وقال إنه لم يجد بطاقته الضرورية في إنجاز معاملة هامة لدى مؤسسة التموين ، طلب منه أن يحاول ووعده أنه سينتظره بعض الوقت ريثما يجدها، تحمس أكثر، وبحث في كل زاوية من زوايا البيت .. دخل إلى غرفة أولاده الذين ذهبوا للمدرسة، فتش بين دفاترهم وكتبهم.. خالجه شعور غريب و هو يبحث ، ثم همس :

- من غير المعقول أن تكون هنا!

قلّب بين الدفاتر قليلا ، وقع نظره على ظرف رسالة داخل أحدها ، حاول تجاهل الأمر ، لكن الظرف استفزه ، ونقر نقرات خفيفة على بوابة ذاكرته :

- لا يزال أطفالي صغارا على كتابة الرسائل.

برزت وردة مجففة من طرف الظرف ، فمد يده و فتحه، أخذ ورقة مزخرفة، وقرأ:

" حبيبتي ، لقد جعلتني أكثر نشاطاً في المثابرة ومتابعة دراستي ، وانطلق من داخلي عصفور مرح يشبه عينيك ، لقد تجاوزت أبجدية الحب .. وأخط الآن جملا أركبها من لقاءاتنا التي تشبه لعبة القط و الفأر ، فأنا الآن عاشق مختلف عما كنت عليه بسببك …"

قرأ لأب الرسالة حتى النهاية ، سبقته إلى داخله عاصفة عجز عن ضبطها ، سلم أبوته للضبابية التي تعتري الجو في لحظة العواصف ، تراخى ، فسقطت الرسالة على الطاولة، أجلس مفاجأته على عرقه المتصبب من خزان جبهته ،دارت به أرض الغرفة، فأغمض عينيه ، وقال :

أنا أب مهمل ..-

خرج ، وغسل وجهه بالماء البارد، تحدته أسئلة ولدت من ذاكرته كأطفال ، فشل في قمعها بعصا المربي القاسي ، راح يبعدها عنه كمن يبعد الذباب عن أنفه المزكوم،التف سؤال واحد حول حنجرته كقيد :

- هل كبرت بسرعة هكذا يا سليمان ؟

احتج على السؤال ، وأجاب :

- لن أغير موقفي أبدا ، ولن أسمح لأحد أبدا أن يناديني بأبي وليد، لا أزال سليمان شيخ الشباب ، ولا يزال وليد طفلي الصغير ..

شدّته ذاكرته إلى ماضٍ انتفض ضد وقته المتمرد عليه و الذي تمكن من نشر بعض الشيب في ساليفيه..

اتصل بصديقه و اعتذر بأنه لن يرافقه إلى المدينة ، و قال في نفسه ، حتى لو وجدت البطاقة، فلن أذهب ..

عاد إلى الغرفة ، أخذ الرسالة و قرأها ثانية ، أعجبته الجمل المشحونة بعواطف جياشة، كرر عشر مرات الجملة التالية " كما علمني أبي الصدق ، يعلمني حبك أن أكون نقيا كالسماء في ليلة صيف جميل.."

تذكر أنه قال كلاما مشابها لزوجته أولى أيام عشقه لها ، تسلقه شبابه كدمية ، و داعبه قلبه الذي أخذه فجأة إلى تلك الأمسيات الجميلة التي بدأت بقصة حب مثيرة و انتهت بزواج مثالي، بكت عليه الكلمات التي انطلقت من تحت معطف رسالة ابنه ، وعاتبته بلسان زوجته:

- أنت تفتخر بشابك ، و نسيت الجمل الغرامية التي تحتاجها رفيقة عمرك .

أجاب بوضوح لا يخلو من قسوة :

- إنها الدنيا و مشاغلها..

- اعترفْ أنك كبرت.

شعر أنه سيخسر الحوار ، فنأى بنفسه عنه ، و راح يعد على أصابعه كتلميذ في الصف الأول الابتدائي كم سنة بلغ عمر ابنه ، و تأكد أنه تجاوز الـ 15عاما بثلاثة أشهر ..

فرك سالفه ، وقال :

لقد ذكّرتني يا وليد أنك كبرت.

و أجاب على سؤال حرج طرحه على نفسه:

- نعم ، أعترف أنني كبرت..

أعاد الرسالة إلى مكانها ، تفاوض مع ماضيه و ترجاه أن يتركه وحيدا كي يتمكن من انتشال نفسه .. استقبل الأولاد الذين عادوا من المدرسة ، اهتم بهم كعادته ، وبعد قليل التحقت بهم الأم التي عادت من بيت أهلها ، اشترك مع الزوجة في ترتيب البيت، كما اهتما بدراسة الأولاد .. تشابكت نظراته مع نظراتها ، ابتسمت ، فتنكر لهذه الحركة غير المقصودة منه ، لامس كتفه كتفها،و على خلاف كل مرة تلمسه شعور أن كل سني عمره التي أمضاها معها بمحبة اختبأت وراء رتابة قاسية ، فجأة تحررت من ملكوت الصمت و فاضت مشاعر جياشة كعيد طال انتظاره ، استندت إلى النافذة و تأملت شجرة الجوز الخضراء التي ترخي بظلالها على البيت ،التفتَ حوله متأكدا من خلو المكان ، وقال:

- " كما علمني أبي الصدق، يعلمني حبك أن أكون نقيا كالسماء في ليلة صيف جميل.."

تفاجأت بما قاله ، و نبهته إلى وليد الذي دخل بسرعة وسمع بعض هذه الكلمات ، ثم خرج فورا..

تجاهل الأمر وقال جملا أكثر رومانسية ، أيقظت شبابها الغافي في سرير همومها اليومية، تلذذت بما قال ، ودون أن تجيب ، جهزت فنجاني قهوة ،و طلبت منه الخروج إلى ظل شجرة الجوز ، جلسا كعاشقين يلتقيان أول مرة ، بدأ اللقاء بصمت، فجّره بكلمات رقيقة من رسالة ابنه ، استغربت ، و تحملت طرح سؤالها اليتيم:

- من أين كل هذه الشاعرية؟

ابتسم ، وأجاب:

- أنت الحب الدائم الذي لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.

امتشقت أنوثتها الممزوجة بأمومة طافحة بالجد و قدمتها كنبتة طرية إلى زوجها الذي شعر بيخضورها كضوء يتسلل إلى أعماقه..

بعد عدة أيام لاحظ الأب تجنب وليد له، فقرر أن يناقشه في الأمر، وأن يبارك له حبه، ويدعوه للدفاع عنه حتى النهاية، اقترب منه واستعد للتكلم معه مباشرة حول الرسالة، تلعثم، ووجد نفسه يكلمه عن الدراسة و الأصدقاء و المدرسين..

شعر وليد بارتباك والده ، فارتبك أكثر ، ابتعد الأب عنه ، وسأل نفسه :

- لماذا ارتبكت؟

فكان الجواب:

- أنت لم ترتبك ، بل خجلت من ابنك، لأنه سمعك تغازل أمه بكلماته نفسها.

فكر قليلا ، وأضاف :

- إذا كنت أخجل من ابني ، فكيف الحال به هو ؟

ودون مقدمة ، خرج إلى بهو البيت و خاطب زوجته بصوت عال:

- يا نور عيني ، إذا عشقت ابنتك ، فماذا تنصحينها؟

أجابت الزوجة باستغراب:

- لا يزال الوقت مبكرا على السؤال .

- أعتقد أن السؤال قد نضج.

تظاهرت الزوجة أنها فهمت قصده ، وأجابت :

- أنصحها كما نصحتني أمي ، وأقول لها : احسني الاختيار ، وانتبهي ، إذا حرص عليك الشاب كأخت ، وعشقك كحبيبة امضِ معه حتى النهاية..

فهم وليد رسالة والديه، لف ارتباكه بابتسامة ورضى، ودخل إلى غرفته كي يتابع تحضير دروسه

 

 

للورد هدية

 

سبقها حماسها وفرحها بلقاء صديقاتها إلى غرفتها ، فتحت حقيبة سفرها ، أخذت منها الهدايا ، وزعتها على الطاولة بعشوائية ، وقالت :

- هذا الكتاب لندى التي طلبته من مكتبة والدي، وهذه أقراص محشوة بالتمر لهند ، ومربى التين لسلوى التي تحبه ، وهذا الوشاح المطرز لمريم، والقميص ستفرح بها ميادة ..

أعادت ترتيب الهدايا حسب أرقام غرف الصديقات في السكن الجامعي ، وضعت الحلوى على طبق صغير ، وحملت الهدايا، ثم مضت يتقدمها شوقها كأرنب مرح ، وهي تردد :

- لقد غبت عنهن أكثر من عشرة أيام ، وهذا زمن طويل..

انتصبت أمام باب غرفة هند كعود خيزران يستند عليه شوقها كصبي منتش ، دقت على الباب بشيء من المزاح ، كررت الدقات، فهمت من موجات الصدى المرتدة أن صديقتها غير موجودة ، فقالت في نفسها :

- لا بد أنها في غرفة سلوى .

أسرعت إلى الغرفة التالية، دقت بابها بحماس ، تمهلت ، كررت النقر عليه بحذر، لم تسمع إلا صدى دقاتها في الممر الطويل، استدارت باتجاه غرفة مريم ، تسلقت خطواتها المتثاقلة بحذر، وحاولت ضبط أفكارها التي بدأت تتشتت .. كان جواب الباب قبل أن تدقه :

- انظري إلى العتمة التي تسد شقوقي بإحكام ..

ركنت إلى حماسها المبلول بالمفاجأة ، وضعت يدها على خدها مستسلمة لأفكار أشبه بخفافيش تائهة ..

عادت إلى غرفتها ، ضمدت جراح شوقها ، تركته في الغرفة ، حملت هدية ما ، وصعدت إلى الطابق الأعلى حيث تقيم مريم، دقت على بابها كاليائسة ، انطلقت من ثقوب الباب ظلال غريبة الأشكال ، جعلتها تتفوه بكلمات تستنكر هذه الموقف الغريب..اتكأت على عكاز قلقها وعادت إلى غرفتها ثانية ، حاولت أن تزيح هما عن كتفها بحجم بناء السكن الجامعي، قرأت على وجوه الأشياء المحيطة بها احتجاجا ما ضد محاولتها تبرير ما صادفها ، أخافتها أسئلتها التي أخذتها للتفكير بسوءٍ ما قد حدث لإحداهن ، قالت بألم " لا سمح الله ، لا سمح الله .."

قذفتها الغرفة للخارج بحثا عن هواء تتنفسه أو ضوء يجعلها ترى وجهها الهارب منها .. كان السكن شبه خال ، انتظرت عند الباب الرئيسي بانتظار أحد ما.. ظهرت إحدى الزميلات من بعيد ، أصابتها رجفة ، ومع كل خطوة تخطوها باتجاهها تزداد توتراً، وتطلب من الله ألا تحمل إليها خبراً سيئاً ، وصلت ، صافحتها ، وقبل أن تسألها ، بادرتها الزميلة قائلة:

- لقد سافرن في رحلة علمية ولن يعدن قبل ثلاثة أيام .

تنفست الصعداء ، ضمتها ، وقالت :

- الحمد لله ، لم يحدث لهن مكروه.

صعدت إلى الغرفة ، تركت الهدايا مبعثرة في أماكنها، استلقت على فراشها ، استجابة لطلب جسدها ببعض الراحة، ولتتخلص روحها من أعباء القلق والتوتر..

ارتاحت قليلا ، فسألها فمها الجاف بعض الماء ، قامت لتتناول العبوة التي أحضرتها معها ، وقع بصرها على أصيص الورد المعلق على حافة النافذة ، ناداها ذبول الوردة ، أخذت عبوة الماء وسكبتها كاملة في الأصيص ، سقت الوردة باهتمام ، وقالت:

- لقد وجدت أخيرا مَن أمنحه هدية .

 

ضيفت في 07 /10/2004 / خاص القصة السورية

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية