أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتب: د. عبد السلام العجيلي / 1918-2006

       
       
       
       

حوار أدبي

     

ابن مدينة الرقة

رحيل رجال في رجل

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

ولد في الرقة 1918

عمل أيضاً في الطب والسياسة.

درس في الرقة وحلب وجامعة دمشق، وتخرج منها طبيباً عام 1945

انتخب نائباً عن الرقة عام 1947.

تولى عدداً من المناصب الوزارية في وزارات الثقافة والخارجية والإعلام عام 1962.

أصدر أول مجموعاته القصصية عام 1948 بعنوان بنت الساحرة.

كتب العجيلي القصة والرواية والشعر والمقالة.

بلغ عدد أعماله حتى 1995 ثلاثة وثلاثين كتاباً

 

من أعماله:

-الليالي والنجوم (شعر 1951)

-باسمة بين الدموع (رواية 1958)

-الحب والنفس (قصص 1959)

-فارس مدينة القنطرة (قصص 1971)

-أزاهير تشرين المدماة (قصص 1974)

-في كل واد عصا (مقالات 1984)

 

ومن أعماله الحديثة

-أحاديث الطبيب (قصص 1997)

-ومجهولة على الطريق (قصص 1997).

 

يعد أحد أهم أعلام القصة والرواية المعاصرين في سوريا والعالم العربي.

تبدو المدرسة الواقعية في الكثير من أعماله.

توفي في 05/04/2006

 

رحيل رجال في رجل

 

د. حسام الخطيب

 

لم يكن ارتحال عبد السلام العجيلي عن العالم الفاني ارتحال رجل واحد بل كان ارتحال مجموعة رجال عاشت في جسد واحد وقلب واحد بتناغم عجيب وتعددية مـُثلى.

 

وحين أزِف الأوان نـُكـِّست الراية التي أظلـّت مجموعة الرجال على امتداد ما يقرب من قرن حافل بالأحداث... واختار عبد السلام الرحيل قبل أن تتمكن أصابع الدهر الخؤون من استلال ما تبقى من وميض العين وجسارة صفحة الوجه وتماسك الشفتين وانتصاب القامة وتوازن القدمين وأخيراً نبض القلب الكبير الذي كان صمامه دائماً صمام أمانٍ للأنا وللآخرين، ابتداء أصيلاً من الناس البسطاء أبناء الرقة التي شهدت حياةُ الأديب الطبيب عبدالسلام العجيلي انتقالها على امتداد القرن الماضي تدريجياً من قرية وادعة نصف بدوية تماماً على خط الحد الفاصل بين الصحراء والمدينة إلى قرية متكاملة ثم إلى شبه مدينة ثم إلى عاصمة محافظة، والطبيب الأديب فيها مقيم على العهد يؤوب إليها بعد كل رحلة داخلية أو عربية أو عالمية ليصفـِّي رئتيه ويطمئن فؤاده الخفاق أبداً إلى أن الناس الطيبين ما زالوا ينتظرونه ليعالجهم من مرض أو ليروي لهم عجائب الارتحال وغرائب الأسفار...

 

يصف العجيلي طبيعة نشأته في الرقة بطريقة لا يمكن أن تختصر أو تحاكى ولا تحتاج إلى تفسير أو تعليق ولا يجوز إلا أن تـُقرأ بالحرف الواحد:

" ولدتُ في الرقة.  بلدة صغيرة، أو قرية كبيرة على شاطئ الفرات بين حلب ودير الزور.  من الناحية الاقتصادية كان أغلب أهل الرقة، وأسرة العجيلي منهم، يعيشون حياة نصف حضرية بأنهم كانوا في الشتاء يقيمون في البلدة فإذا جاء الربيع خرجوا إلى البادية يرعون فيها أغنامهم ويتنقلون بين مراعي الكلأ حتى أوائل الخريف.  وقد عشت هذه الحياة في صباي فأثّرت فيّ كثيراً وقبستُ منها كثيراً في ما كتبت...

متى ولدتُ؟  لم يكن في الرقة في تلك الأيام سجلات ثابتة للمواليد.  ويبدو أني ولدت في أواخر تموز في سنة 1918 أو 1919 .  وأنا أصرّ دوماً على التاريخ الأول رغم أن الأغلب هو صحّة التاريخ الثاني".

 

***

التزم عبدالسلام بالرقة، على الرغم من تعدد وجوه حياته وإغواءات المدينة والسلطة و تجوال العالم، وظلت عيادته مفتوحة في الرقة وظل مرضاه دائماً ينتظرونه إلى أن يؤوب من مهمة جديدة، أو رحلة عتيدة، أو انقلاب في العاصمة دمشق ( وما أكثر ما كانت الانقلابات متتابعة في الخمسينات والستينات) ولم يستطع الزواج من بنت المدينة أن يجرّه نهائياً إلى وجاهة العيش في العاصمة والتمتع بإغواءات السلطة، على الرغم من اعترافه بأن الزواج كان أهم حدث في حياته، وكلماته بهذا الشأن واضحة تماماً:

" يبدو لي أن أهم حدث في حياتي هو زواجي.  فقد غيّر من سلوكي في كثير من نواحي الحياة وساقني في مناهج ما كنت أنتهجها لولاه، سواء في مسلكي اليومي أو في طريقة نظرتي للمجتمع أو المستقبل.  وبالزواج علمت أني رجل من غمار الناس، أعني أني فرد من جماعة، يسري عليّ ما يسري عليهم مهما تصورت أن لي فرديّتي واستقلالي.  وهذه هي إحدى حقائق الحياة التي قد تكون مرّة، والتي نظلّ غافلين أو متغافلين عنها حتى نرتبط بالمجتمع بروابط الأسرة".

 

إن الزواج من بنت المدينة ( الذي انتابته هزات قويّة) غيـَّر من سلوكه ونهج حياته. إلا أن أخلاقه ظلت أخلاق صفاء البادية وأصالتها وجسارتها في مواجهة الخطأ والباطل وانفتاحها على البشر، وصدمتها سواء في التعبير عن الذات أو في التعامل مع الآخر.

***

 وقد ظلت البادية ملهمة عبد السلام، وكانت كتاباته دائماً تترجّح بين رياح البادية وأسلاك المدينة، إلا أنه ظل في صميمه بدوياً وكان اندماجه في حياة الحاضرة اندماجاً غير رافضٍ لتطورات العصر، ولكنه اندماج مراقب منغمس إلا أنه غير مستسلم، ولذلك كانت سلوكياته اليومية وتصاويره القصصية قادرة على النفاذ إلى صميم التجارب التي يخوضها، وهذا ما يفسر قوة  تأثيره الحيوي وتنوعه في الحياة المهنية والسياسية والأدبية في سورية وما جاورها من البلاد العربية، على امتداد ثلاثة أرباع القرن العشرين، طبعاً مع تفاوت شديد متصل بتقلبات المراحل المتعاقبة.

***

قلنا في مطلع هذه العجالة إن عبد السلام كان رجالاً وليس رجلاً واحداً إلا أنه لم يكن أمةً في رجل، فبسبب تعدديته إلى جانب بروز حضوره الشخصي وذاتيته الأدبية وتمسكه بممارسة مهنة الطب، ظل دائماً عدة رجال في رجل متميز ومتمتع بحرية الحركة ورحابة المزاج.

 

هؤلاء الرجال هم: عبد السلام البدوي، عبد السلام القروي، عبد السلام المدني، عبد السلام الطبيب، عبد السلام القومي، عبد السلام العالمي ( رحلاته المستمرة واتصالاته بالمشاهير من الشرق والغرب ). ولكن عبد السلام السياسي كان أيضاً متعدداً فقد كان نائباً في البرلمان السوري عن منطقته ( أي ممثلاً للشعب) ثم كان وزيراً ( أي ممثلاً للسلطة الانقلابية غالباً) للإعلام، والخارجية، والثقافة. وكان عربياً أصيلاً، ولكنه رضي لنفسه أن يتعامل مع الحركة الانفصالية عام 1961 التي فسخت الوحدة مع مصر وقوّضت أهم تجرية وحدوية في هذا العصر العربي وهي تجربة الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وفيما بعد فسّر العجيلي هذه الممارسة بتأكيده أنه كان مع الوحدة قلباً وقالباً، وكان يأمل من وراء الانفصال التوصل إلى صيغة للوحدة أكثر إيجابية وأكثر قدرة على الصمود. وقد كرّر ذلك قبل وفاته بمدة قصيرة من خلال مقابلة فائقة الأهمية في برنامج زيارة خاصة الذي أعادت الجزيرة بثـّه  في (7/4/2006) أي بعد يومين من إعلان  وفاته ( الأربعاء 5/4/2006).

 

أخيراً تعتبر وفاة الصديق عبد السلام العجيلي خسارة كبرى لسورية وفلسطين والوطن العربي، ولعالم الأدب والثقافة، ولمنبر الأخلاق والشهامة. وقد وفـّى ما عليه وزاد، وترك لنا من فائق الإبداع وغزارته  ومن القيم الأخلاقية ما يسمح لنا بالقول حرفياً إنّ من كان مثله لا يمكن أن يعوّض ولا يجود به الدهر إلا نزراً. رحمه الله وأثابه وألهم أهله وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان.

 أضيف في 11/04/226/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب: د. حسام الخطيب hussamkh@hotmail.com

 

د. العجيلي أبن مدينة الرقة

 

بقلم: عبد الرحمن مجيد الربيعي*

 

هناك مبدعون ترتبط اسماؤهم بمدنهم وهي في الان نفسه مسقط رؤوسهم، فنجيب محفوظ اقترن اسمه بالقاهرة ومحمد زفزاف بالدار البيضاء وخيري الذهبي بدمشق القديمة وغائب طعمة فرمان ببغداد وصلاح بوجاه بالقيروان وهكذا.

ود. عبد السلام العجيلي هو ابن مدينة الرقة السورية التي تقع في الشمال الشرقي من هذا البلد العربي وعلي شاطيء الفرات قبل دخوله الاراضي العراقية. وهذه الارض الفراتية تشبه بعضها، لا بل انها امتداد متواصل لا يجعلك تحس انك قد عبرت بلدا ودخلت آخر. فالطريق هو الطريق والناس هم الناس واللهجة هي اللهجة حتي انني فوجئت بالمذيعة التلفزيونية رشا العجيلي وهي تتكلم باللهجة العراقية فسألتها ان كانت من العراق وتعمل في التلفزيون السوري فابتسمت وقالت: هذه لهجة المدينة، وهي ابنة اخ المحتفي به د. عبد السلام العجيلي.

ذات يوم كانت هذه المناطق وصولا الي حدود بغداد وخاصة في العصر العباسي من اجمل المتنزهات ومضارب الفرح والسمر والاستجمام حتي ان ابا نواس قال:

واسقني من خمرِ هيتِ وعاناتِ

ومن المؤسف انني لا اتذكر الا عجز هذا البيت الذي يؤكد جمال المدن الفراتية. وهيت مشهورة بنواعيرها وهي علي هيئة مراوح عالية تدور فتنقل الماء من الفرات المتخم بمائه الي الاراضي الزراعية.

كنا مجموعة من الادباء العرب جئنا من عدد من البلدان العربية ملبين دعوة اخينا حمود الموسي مدير دار الثقافة بالرقة التي تحمل اسم د. عبد السلام العجيلي وفي قاعتها الكبري تمثال نصفي كبير له.

والاخ حمود الموس هو الذي انتبه الي اهمية ان تعقد ندوة سنوية عن الرواية السورية وتحمل اسم احد روادها وبغية انجاز مشروعه الذي دعمته وزارة الثقافة ومجموعة من المؤسسات الرسمية والاهلية وكذا رجال الاعمال في المدينة فقد استعان بخبرة بعض الادباء العارفين بالرواية العربية وبينهم الروائي نبيل سليمان الذي عمل مدرسا للغة العربية في احدي مدارس الرقة الثانوية في بدايات حياته العملية لذا لم نستغرب عندما حضر شيخ قبيلة بثيابه العربية، وهو يسأل عن نبيل مؤكدا انه كان تمليذه. واكراما لاستاذه والضيوف فقد اعد لنا وليمة عربية كبيرة في مضافته ونحر لذلك عدة ذبائح ونقل الطعام في صحون كبيرة حيث جلس الضيوف علي الارض المفروشة بالسجاد ليتناولوا طعامهم.

تخرج العجيلي من كلية الطب في دمشق عام 1945 وعاد الي مدينته ليفتتح فيها عيادته ولم ينقلها الي اي مدينة اخري.

وكنا نقرأ قصصه التي ينشرها في المجلات الادبية المعروفة مثل (الآداب) اللبنانية ويذيلها باسم مدينته.

ومن الرقة رشح للنيابة ففاز بها اكثر من مرة كما شغل لاحقا منصبين وزاريين هما الخارجية والثقافة.

وكانت اول قصة ينشرها يعود تاريخها الي عام 1936 اي قبل سبعين سنة.

وظل العجيلي ينطلق من الرقة الي العالم وقد عشق السفر مبكرا وجاب الدنيا وانجز عددا هاما من كتب الرحلات التي تشكل مرجعا مهما كما ان هذه الرحلات شكلت موضوعات لاهم قصصه ورواياته.

كانت الرقة المحطة والمرفأ له، رغم بعدها عن العاصمة التي جلب نداؤها جل مبدعي الاطراف والقوي البعيدة الا العجيلي فكان استثناء.

ذكر لي احد الاصدقاء (الرقيين) ان العجيلي بقي يمارس دور شيخ القبيلة بالنسبة لقبيلته ويحرص علي ان يقوم بدوره كاملا في هذا المجال. وقد اكتشفت شخصيا من خلال قراءاتي لقصصه ورواياته (وذكرت هذا في لقاء مع تلفزة دمشق) ان الرقة مدينة صغيرة من الممكن جدا ان تُستنفد ابداعيا. انها ليست القاهرة بملايينها الذين يقربون من الثمانية عشر او اكثر ولهذا ظلت نابضة حية في الابداع الروائي المحفوظي مثلا، وكأني بالعجيلي وقد ادرك هذا مبكرا لذا شكل السفر محور اهم قصصه ورواياته. اي انه ابتعد بها عن الرقة وان كانت نظرته تظل نظرة ابن الرقة وبذا اتسعت مدونته الابداعية.

كما ان مدينة كالرقة ما زالت محكومة بالتقاليد الصارمة فيها الكثير من المحرمات الروائية، وقد اخبرني الروائي والباحث السوري ابراهيم الخليل وهو ابن الرقة ايضا و المقيم فيها والمختص قراءة ونقدا بأعمال العجيلي بأن روايات وقصص العجيلي لا وجود لامرأة واحدة من الرقة فيها!

وهذه ملاحظة مهمة رغم ان رواياته هذه مليئة بنساء من مدن او بلدان اخري.

لقد اطلق علي العجيلي لقب ايقونة الرقة وهو هكذا فعلا رغم ان الكبر اقعده في فراشه (ولد سنة 1918) ولذا تعذر عليه حضور حفل الافتتاح التكريمي له واكتفي بارسال كلمة قرئت نيابة عنه. كما قام عدد من الضيوف بزيارته في بيته لتحيته.

 

(2)

 

يذكر العجيلي في الاحاديث التي تجري معه (ان الادب بالنسبة له هواية) ولكنه مع هذا انجز فيه اكثر من خمسة واربعين كتابا جمع فيها حصيلة ما عاشه وما رآه ولخص في هذه الكتب تجربته في الحياة والسياسة والطب.

ولنا ان نعرف بأنه وفي بداية حياته السياسية التي سارت بموازاة ممارسته للطب وفوزه بالبرلمان مرشحا عن مدينة الرقة استقال من عضوية البرلمان ليلتحق بجيش الانقاذ طبيبا جراحا وذلك في عام 1948 دفاعا عن الحق العربي في فلسطين.

اي ان ابهة الموقع النيابي لم تصادره فتخلي طائعا من اجل مداواة الجرحي الذين ادرك ان حاجتهم الي طبيب هي أكبر من حاجتهم الي برلماني.

هكذا بدا الامر لي وانا اتوقف عند هذه المسألة تحديدا.

 

عندما وصلت الرقة كان ذلك بعد رحلة طويلة حيث غادرت الطائرة مطار تونس في التاسعة والنصف مساء، ووصلت مطار دمشق بعد منتصف الليل بساعة ونصف تقريبا حسب توقيت دمشق. وكان علي الانتظار ساعتين حتي يحين موعد الطائرة المتوجهة الي حلب التي وصلتها فجرا. وهناك كان في انتظاري اثنان من اسرة الندوة لتمضي بنا السيارة باتجاه الرقة.

وعندما وصلت كانت الساعة تربو علي السابعة وبعض الضيوف يتوجهون الي مطعم الفندق لتناول طعام الافطار، وارتأيت ان ادع النوم جانبا واذهب الي غرفتي لاحلق ذقني. ولم يأخذ مني هذا اكثر من نصف ساعة لارافق الضيوف بعد السلامات والعناقات الي مبني المركز الثقافي وهو مبني كبير جدا وفيه عدة قاعات للمحاضرات والندوات وتحلم كل مدينة عربية بنموذج مشابه له.

كان النصف الاول من النهــار مخصصا لزيارة معالم اثرية وحضـارية في المدينة او علي مشارفها واهمها اثار مدينة كاملة اسمها الرصافة وساعد علي لذة التجوال الجو الدافيء والسماء الصافية والشرح المستفيض من خبير في الاثار.

بعد ذلك ذهبنا الي سد الفرات هذا الانجاز الكبير الذي تتباهي به سورية الحديثة وقد انجز ليضم مياه الفرات في بحيرة كبيرة حتي لا تتبدد لا سيما وان الجانب التركي قد اقام سدودا عند منبع الفرات الامر الذي قلل من كمية المياه التي تعطي لسورية والعراق باعتبار النهر مشتركا بينهما.

نسيت وانا اتجول انني لم انم منذ اكثر من ثلاثين ساعة، وكان علي ان اخذ قسطا من هذا النوم اللعين الذي لا بد منه لنتجدد.

 

ضمت قائمة المدعوين لحضور مهرجان العجيلي الاول للرواية العربية عددا من الاسماء المعروفة في كتابة الرواية ونقادها سواء منهم من ساهم ببحث او شهادة او من تمت دعوتهم كضيوف شرف.

وتوزعت الجلسات وعددها سبع جلسات علي ثلاثة ايام وساهم فيها قرابة 35 مدعوا، والنسبة الكبيرة من البحوث كانت عن الدكتور العجيلي الامر الذي يجعل من نشر هذه البحوث في كتاب عملا مطلوبا جدا ورغم العديد من البحوث والرسائل الجامعية التي كتبت عنه فان نشر البحوث الجديدة وجلها لادباء من الاجيال اللاحقة لجيل العجيلي عمل مهم اذ انها تشكل اعادة قراءة لهذه الاعمال وفي هذا تجديد وتجدد لها واتمني علي الاخ حمود الموسي مدير دار الثقافة ومن معه ان يسارعوا في طبع هذا الكتاب.

من الباحثين والادباء السوريين ساهم علي زيتون بدراسة مجموعة الخيل والنساء وياسين رفاعية كتــب عن الفن الرواية عند العجيلي ود. مصلح النجار عن ثباتيات القيم من النص الروائي عند العجيلي وممدوح عزام العجيلي وانا ووليد اخــلاصي (الجليل الجميل عبد الســــلام العجيلي) وابنة اخيه الاستاذة الجامعية شهلا العجيلي (حينما ينقلب السرد علي السارد) وبسام بليبل (من ايهاب الشعر الي فضاء النثر) ـ نذكر هنا ان للعجيلي ديوان شعر واحد صدر في بدايات حياته الادبية ود. عبد الله ابو هيف (النقد الخاص بالعجيلي) والروائي نبيل سليمان (الذي حظيت اعماله الروائية بعدد من الدراسات جاءت في الترتيب الثاني بعد تلك التي قدمت عن المحتفي به) فقد قدم موضوعا بعنوان (ابن الرقة) وقدم د. عادل الفرلجات (السرد المؤثر والمغير في رواية العجيلي اجملهن نموذجا) ويقدم روائي وباحث رقي معروف هو ابراهيم الخليل موضوعا عنوانه النص التابع والاذاعية نهلة السوسو قدمت هي الاخري شهادة حول تقديم القصة والرواية اذاعيا من خلال تجربتها مع ما مر بها من اعمال اهتمت بها وبينها اعمال للعجيلي.

اما من الضيوف العرب فقد قدم د. صلاح فضل (مصر) قراءة لرواية العجيلي اجملهن وكاتب هذه السطور بحثا عن توافق تقنيات المقالة والقصة القصيرة عند العجيلي من خلال كتاب في كل واد عصا وقصة مذاق النعل مع التوقف عند اسبقية العجيلي في الكتابة عن السجن السياسي اذ تعود هذه القصة لعام 1964 وقدم د. عبد المجيد زراقط (لبنان) دراسة عن رواية المغمورون البنية والرؤية وهي من بين الاعمال الروائية الاخيرة للعجيلي. اما الباحث فاضل الربيعي العراقي فقد توقف في بحثه عند تجربة الروائي السوري خيري الذهبي. وعنوان بحثه خالقو الاساطير الجديدة وللدكتور محمد عبيد الله (الاردن) دراسة عن فن القصة القصيرة عند العجيلي ومن الجزائر قدم بحث للناقدة فضيلة فاروق (فلسطين في ادب غادة السمان) ولسميحة خريس (الاردن) موضوع بعنوان بمثابة بيان علي بيان وهو مقاربة لاحد مؤلفات الروائي نبيل سليمان النقدية. وتتناول الروائية نعمت خالد تجربة سليمان ايضا من خلال احدي رواياته.

ونشير هنا الي ان البحوث الاخري التي تناولت اعمال هذا الروائي عديدة ومنها: رجل من جرماتي لزهير جبور ود. رضوان قضماتي الذي قرأ احدث اعماله الروائية درج الليل درج النهار .

وقدم د. جهاد نعيسة قراءة لاعمال خيري الذهبي تحت عنوان تناسج المجاز والواقع في العالم الروائي لخيري الذهبي . وحظي سليم بركات بدراسة واحدة قدمها الناقد خالد الحسين.

اما الذين قدموا شهادات تتعلق بفنهم الروائي فهم: د. هيفاء بيطار، خليل صويلح، خيري الذهبي، سمر يزبك، فواز حداد، ماجد العويد، كما كانت للناقد الدكتور نضال الصالح دراسة مهمة عن مساهمات النص الروائي النسائي ـ اصوات التسعينات نموذجا ومن مصر قدم الروائي عزت القمحاوي موضوعا مهما عن التواصل جغرافيا وابداعيا وكيف عرف العجيلي.

كل هذه الموضوعات نوقشت باريحية بعد كل جلسة من اجل استكمال غاياتها ومراميها.

 

(3)

 

لا يدري المرء من اين اشتق اسم الرقة ؟ وهل هو من الرقة بمدلولها الناعم الجميل؟ يبدو ان الامر هكذا. وقد نقل عن الخليفة العباسي هارون الرشيد قوله الدنيا اربعة منازل هي دمشق والرقة والري وسمرقند .

وسأقتبس من الباحث الاستاذ محمد جدوع ما اورده في كتابه التاريخ والعجيلي ما قاله عن تاريخ الرقة اذ قال والرقة لم يجهلها التاريخ قبل الفتح الاسلامي لها. لقد عرفها بأسماء عدة توتول و نقفوريوم ثم كالينيكوس في عهد الاسكندر المقدوني وما قبله، كما عرفت باسم ليونتوبوليس في العهد الروماني نسبة للامبراطور الروماني ليون الثاني الذي اعاد بناءها .

ويذكر محمد جدوع ايضا: ان الق الرقة ودورها التاريخي استعيد حينما اغري موقعها المتوسط والفريد الخليفة العباسي ابا جعفر المنصور المولع في اشادة وانشاء المدن حيث امر ببناء مدينة حديثة اطلق عليها اسم الرافقة بموقع غير بعيد عن الرقة القديمة علي غرار عاصمته بغداد ذات السور المستدير ويذكر كذلك: ان لطف مناخها وعذوبة مائها ونقاء هوائها وتوسط موقعها ما بين الشام وبغداد كل تلك الصفات مجتمعة ساهمت في جذب انتباه الخليفة العباسي هارون الرشيد اليها ليعتبرها ويتخذها عاصمة ووطنا له بعدما اثقله جو بغداد السياسي بعد نكبة البرامكة .

اما ما شهدته الرقة في الفترة الاسلامية فنذكر ان معركة صفين الشهيرة جرت جنوبها وهي معركة الفتنة الكبري بين جيش علي بن ابي طالب الخليفة الراشدي (رضي الله عنه) وجيش معاوية بن ابي سفيان والي الشام الطامع بالخلافة .

وهناك احداث اخري منها علي سبيل المثال ان صقر قريش عبد الرحمن الداخل عبر نهر الفرات من الرقة بعد ان شهد مقتل اخيه، اضافة الي احداث كثيرة لا تعد ولا تحصي.

وها هي الرقة اليوم هادئة وادعة تنام علي اسرارها وما مر بها وكثير منه ما زالت اثاره وبقاياه قائمة.

وقد تسني لنا ان نزور الضريح الفاره لعمار بن ياسر الذي استشهد في معركة صفين علي يد قوات معاوية بن ابي سفيان.

المدينة واسعة وشأنها شأن المدن الفراتية الاخري تمتد افقيا اكثر منه عموديا ولذا من النادر ان نجد فيها عمارات عالية، وكان فندق اللازورد الذي اقمنا فيه يتكون من اربعة طوابق مثلا.

اما الاغاني التي تتردد من الات التسجيل في السيارات والمحلات فجلها اغان عراقية ومعظمها نواحات غناء البوذية الجنوبي الشهير وبأصوات جديدة معظمها خرج من اتون الحروب والحصارات والموت البطيء الذي عاشه البلد.

وساعد علي انتشار الغناء هذا قرب اللهجتين في العراق والرقة وغيرها من مدن الفرات سواء كانت في الجانب السوري او الجانب العراقي.

في حياة الناس تعتمد الزراعة موردا بالدرجة الاولي، وزراعة الحبوب بشكل خاص، ثم تأتي بعدها التجارة. ولكنها غالبا في المواد المعيشية التي يحتاجها المرء.

لم اجد اشجار النخيل في الرقة، وسألت عنه، ويبدو انه ظل في حوض وادي الرافدين فقط.

وختاما نقول ان احتفاء الرقة بابنها د. عبد السلام العجيلي جاء في سياق تقاليد متوارثة تتمثل باحترام الرموز التي يجاوز دورها حدود المدن التي ينتمون لها فاصبحوا رموزا لوطن وامة.

ونشير بأن اول مجموعة قصصية صدرت للعجيلي كانت بعنوان بنت الساحرة في عام 1948 وله ديوان شعري وحيد عنوانه الليالي والنجوم وصدر عام 1951 والكتابان صدرا في بيروت التي ستبقي مستحوذة علي اصدار ابرز مؤلفاته وبعدها دمشق.

ومن آخر اعماله الروائية اجملهن التي صدرت عام 2001.

ومن بين مجاميعه القصصية التي يذكرها القراء والمتابعون بقوة: قناديل اشبيلية 1956، الخيل والنساء 1965.

اما من رواياته فنذكر: باسمة بين الدموع 1959، المغمورون 1979، و قلوب علي الاسلاك 1974، وهي روايته التي اعدت شخصيا اكتشاف مكانته الروائية، وبعد ان كتبت عنها بدأ بيننا تعارف ولكن بالمراسلات فقط.

د. العجيلي لم يهمل الدور السياسي الذي قام به ولذا اصدر كتابا في جزءين وعلي درجة بالغة من الاهمية هو ذكريات ايام السياسة والكتاب هذا هو من آخر إصداراته في بداية الألفية الثالثة.

كاتب من العراق* 

نماذج من أعمال الكاتب

أبحرت إلى كل الموانئ

جيران العيادة

 اللوزة وحبة الملبس

قناديل اشبيلية

المصطلح المضحك

فيلمون الضاحك

 

 

قناديل إشبيلية

 

فندق رويال ، إشبيلية ، أيلول 1951

 

إلى السيد عبد السلام ،

هذا أنا في إشبيلية منذ يومين و لم أكتب إليك بعد لأني كنت أبحث في كل مكان عن فيلمك. أنا آسفة حقا على كوني لم أعثر عليه. في قرطبة نزلت مثلك في فندق أوغستين ، و هم يتذكرونك فيه جيدا ، بل إنهم حدثوني عن ورقة اليانصيب التي كنت تحملها ، ولكنهم لم يجدوا الفيلم. أما في إشبيلية فقد نزلت في فندق آخر ، إلا أني ذهبت إلى " نوبيا أوروبا " ، فلم يجدوه أيضا و هم متأكدون من أنه لم يفقد عندهم. وفي الألكازار استقبلني المدير بنفسه، و كان في غاية اللطف. لقد أمر بالبحث عنه بين الأشياء المفقودة من الزائرين، ولم يجد شيئا. لعله ضاع منك في الحدائق و التقطه أحد المارة. أنا آسفة جدا يا سلام ، وكنت أحب كثيرا أن أؤدي لك خدمة في مقابل لطفك الذي غمرتني به في مدريد. زرت في قرطبة الجامع. إنه بالغ الروعة ، ولكن كان ينقصني فيه دليلي العزيز الذي رافقني في طليطلة و في مدريد. المتحف هنا في إشبيلية جميل و لكنه ليس في ضخامة متحف مدريد ، ولا في سحره. أما في ألكازار ، فقد كنت من شدة التأثر بجمال الفن العربي بحيث أني بكيت ، يا عزيزي سلام ، وأنا أتذكرك!

وأخيرا... إني مغتبطة كثيرا هنا وأعتزم البقاء بضعة أيام أخرى. آمل أن ألقاك في باريس عند عودتي. وإذا لم يتح لي هذا الحظ فهذا هو عنواني في بروكسل ، وهكذا تستطيع دوما أن تجدني. إذا شئت أن تكتب لي كلمة قصيرة فإن ذلك سيسرني كثيرا.

إلى لقاء قريب إذن. مع أحلى الذكريات.

جوليين

العنوان : جوليين بيترز ، 123 شارع فيليكس ويفلاير

فوريه ، بروكسل. بلجيكا

*** 

" إلى جوليين بيترز المقيمة في فوريه ببروكسل ، والتي بكت متأثرة بجمال الفن العربي في ( ألكازار إشبيلية ) أهدي هذه القناديل".

قال البروفيسور آلسيدو – بهذا قدمته إليّ الراقصة الساحرة العينين ، وهو يفرغ الكأس الأولى في جوفه :

-  هل تحتقر ابن عمك إذا كلّمك بغير لغته ؟ سمعتك تتكلم الفرنسية بطلاقة ، فاسمح لي بأن أحادثك بها.

فأومأت برأسي موافقا ، وموَّطنا النفس على سماع حديث هذا الطفيلي إلى نهايته.

قال : رأيتك امتعضت من دعابة هياسنتا. إنها دعابة تجرح ، ولكنك لست المقصود بها يا ابن العم. كنت سهما مسددا إلي، لو لا أن جلدي أصبح في غلظ جلد التمساح ... إلخ.

( تقرأ تتمة قصة " قناديل إشبيلية " ، التي كتبت في عام 1952 ونشرت لأول مرة في مجلة الأديب ، في المجموعة القصصية التي تحمل هذا الاسم ، و قد ظهرت طبعتها الأولى عن دار الأديب في عام 1956، وظهرت طبعاتها التالية عن دار الشرق العربي في بيروت، وترجمت إلى اللغات الأسبانية والفرنسية والإيطالية )

- 3 –

فوريه ، 28 تشرين الأول 1951

 

عزيزي سلام ،

تلقيت بطاقتك من ميلانو ورسالتك اللطيفة التي أثرت بي كثيرا. لا أستطيع يا سلام أن أقول لك كم حملت لي في هذه الرسالة من سرور وسعادة. كنت حزينة حقا لأني في عودتي إلى باريس لم أستطع رؤيتك ، ولكني عدت في الثالث من هذا الشهر ، وهو آخر أيام صلاحية بطاقتي للسكة الحديدية. ولم أكن أحمل مالا ، كما كنت أعتقد أنك غادرت باريس منذ أول الشهر. عدت من غرناطة رأسا إلى بروكسل ، في ثلاث ليال متتابعة في القطار. بعد تركي لمدريد لم أتوقف عن التفكير بك وكنت أتمنى من كل قلبي رؤيتك. لقد احتفظت من هذين اليومين اللذين قضيناهما معا بذكرى رائعة ، إنها تمثل أجمل الساعات ، لا في رحلتي إلى أسبانيا وحدها ، بل أعتقد أنها كذلك في كل حياتي ، هذه الساعات التي قضيتها بالقرب منك.

لأول نظرة يا سلام ، إذا كنت تذكر ، على باب الحافلة عندما كنا نبحث عن أمكنتنا فيها ، شعرت مباشرة بأن شيئا ما يجذبني إليك. وكنت جدّ سعيدة بأن يكون مجلسك إلى جانبي في العربة. كنت أتساءل دوما أثناء زيارة ألكازار.. طليطلة والكنائس إذا ما كنت سأفقدك في اختلاطنا بمجموعات السائحين الآخرين. كنت أصغي إلى أقوال الدليل وعيناي تبحثان عنك ، وبدلا من تمتعي برؤية روائع طليطلة كنت أتمتع برؤيتك أنت ، وأرى أن هذا أجمل من تلك بكثير. وحينما ذهبنا لتناول العشاء كنت قلقة وأنا أتمنى على الله أن يجعل مجلسنا الواحد قرب الآخر. ولذا فإنك تدرك مبلغ سروري حين رأيت أنك تريد أن تتعشى إلى جانبي.

كثيرون ممن كانوا معنا تصوروا أننا أصدقاء منذ زمن طويل ، غير شاكّين في أننا التقينا اليوم لأول مرة ، وربما قد لا يرى أحدنا الآخر أبدا بعد اليوم ... أليس كذلك ؟

كثيرا ما تحسن الصدف صنع الأمور. ولكن لماذا جعل الإله سورية على هذا البعد من بلجيكا ؟ إني أتوق كثيرا إلى رؤيتك ثانية يا سلام ، وأتساءل عما إذا كان هذا سيتحقق في يوم من الأيام. لعلك لن تعود مطلقا إلى أوروبا ، أو غزو بروكسل ، ومن غير المحتمل أن آتي أنا إلى سورية في ذات يوم. وحتى إذا عدت أنت إلى أوروبا ، هل ستفكر بي عندئذ؟ أم تراك ستنسى تلك الساعات التي قضيناها في أسبانيا معا ؟ من ناحيتي أنا يا سلام ، أشعر بأني لن أستطيع نسيانك بسهولة. صورتك الفوتوغرافية موجودة أمامي أتطلع إليها بصورة دائمة ، كما إن ذكراك لا تفارقني طوال اليوم. هل تدري أني حين فارقتك بكيت في القطار ؟ لقد تصورت أن مسرات عطلتي في أسبانيا قد بلغت نهايتها. وأنت لا تعلم أن هذه كانت أول مرة أرافق فيها شابا أيام العطلات...

ما زلت أتذكر جيدا كل لحظة عشناها معا. في العودة ، أمضيت نهارا كاملا في مدريد. تجولت في الغرانبيا ، وزرت مرة أخرى بحيرة نبتون ، ودائرة البريد ، حيث التجأنا أمدا طويلا في انتظار توقف المطر عن الهطول. كنت في أحسن حال بقربك يا سلام آنذاك، وكنت أحس بأني أعرفك منذ زمن طويل. وأنا الآن أفتقد تلك الساعات كثيرا. ذهبت بعد ذلك إلى الحديقة العامة. مرة أخرى رأيت البحيرة والمقهى الصغير ، ومعه جنرالنا في تمثاله. وحتى تلك الشجيرات التي رأيت أنت من خلالها القمر بكل بهائه. عادت إلى ذاكرتي الأمنية التي تمنيتها أنا آنذاك ، وكذلك أمنيتك أنت يا سلام عادت إلى خاطري. كانت جميلة جدا أمنيتك...

فوجئت بها حقا. تأثرت واضطربت ، وسعدت بها. في كل حياتي لن تقع عيني على القمر بدرا إلا وفكرت بك ، وبأمنيتك و بذلك المساء في أسبانيا.

في رحلتنا إلى طليطلة كنت ، في العودة ، أتمنى أن تصاب حافلتنا بعطل طارئ ، أو تتعرض لحادث يؤخرنا عن العودة إلى مدريد . فقد كنت أتوقع أن تكون مدريد نقطة تفرق ركاب الحافلة. وما كنت أدري إذا كنت ترغب في رؤيتي في المساء. ملهانا " التابيرنا خيتانا " كان كذلك رائعا ، أندلسيا وصفيّا ، لم أر ما يماثله بعد ذلك ، وإن كنت سمعت في غيره من الملاهي أغنية " سيرّانا "... هل تذكر؟ لقد أحببت ذلك المغني الأسباني الصغير القد وأغنياته الفلامنغو. ولكني أحببت أكثر بكثير رفيقي الذي كان يفوق في نظري كل المغنين الأسبان ، والآخرين أيضا.

هل تدري يا سلام ؟ بعد أن تركتك رحت أبذل جهدا كبيرا لئلا أكتب إليك كل يوم كما كنت أكتب لوالديّ.

كنت في شوق زائد إلى أن ألقاك مرة أخرى ، وبالكتابة أحس بأني أتحدث إليك. وإنما كنت أخشى أن تعتبرني بذلك مجنونة. لذلك لم أجرؤ على أن أفعل. ولكني في مراكش ، وعندما رأيت العرب وكتابتهم في كل الشوارع ، لم أفكر بإنسان غيرك أنت الذي تفهمهم. أدركت هناك أكثر مني في أي مكان كم لا أزال متعلقة بك.

أختم الآن رسالتي إليك متمنية أن تتلقاها وأنت مستغرق في عملك ، وأنت تجد مع ذلك وقتا تفكر فيه بأوروبا ، وبي أيضا. أكتب لي بسرعة رسالة طويلة. إني أنتظرها بصبر نافد. أرسل إليك أجمل ذكرياتي ، مع قبلة ضخمة ... أترى هذا مسموحا به؟

جوليين

- 4 –

صيف 1952 : مع جوليين بيترز في فوريه ، ببروكسل

صيف 1955 : في باريس.

صيف 1957 : في حلب  دمشق وبيروت.

صيف 1978 : مع جوليين بيترز سنيكرز وابنتها آني سنيكرز في بروكسل.

- 5 –

صيف 2000

السيدة آني سنيكرز. فيليب دلتور وابنتهما أورور

 أسرات : بيترز ، سنيكرز ، ووترز ، دلتور ، وشورمان

 يؤلمهم أن يعلموكم مع الأسى العميق وفاة السيدة جوليين بيترز أرملة السيد جوزيف سنيكرز. ولدت في فوريه في 10 آب 1922 وتوفيت فيها في 8 أيار 2000 .

تقام مراسيم الجنازة المدنية في الساعة الرابعة عشرة من يوم الثلاثاء في 16 أيار ، في محرقة فيلفورد ، في حي ( هافنداكلان ) ، ويتبعها إحراق الجثمان ، وبعثرة الرماد.

* هذه القصة منشورة في رؤى ثقافية – العدد ( 5 ) ، 27 أيلول ، 2003، دمشق.

أضيفت في 01/11/2006/ خاص القصة السورية /  المصدر/ الكاتب: صالح الرزوق (لقراءة دراسات حول أعمال العجيلي)

 

 

اللوزة وحبة الملبس

 

حدث هذا منذ بضع سنوات .

كنت أسير في جادة الصالحية ، في دمشق ، فحاذيت على الرصيف فتاة في مقتبل العمر جذبت اهتمامي بما تلبسه بأكثر ماجذبه مشوق قدها وجمال طلعتها ، وما كان هذان هينين ، كانت تلبس جنزاً أزرق من الذي أقبلت الفتيات في ايامنا ، وفي سائر مدننا ، على ارتداء مثله كلون طاغ من الموضة .

ولكن جنز هذه الفتاة كان ضيقا في تفصيله ، شديد اللصوق بأعضاء جسدها ، ناطقاً بإنثناءات ذلك الجسد وتعرجاته ، يكاد يتفزر في بعض انحائه كاشفاً عما يستره . لم يكن امامي الا ان اهز راسي وانا اعجب من هذا الالحاح في ارتداء المفرط في الضيق من اللباس .

تجاوزت في مشيتي الفتاة التي ماكانت مستعجلة في سيرها ، الا انها حاذتني مرة ثانية عندما توقفت انا امام واجهة مكتبة في الشارع متطلعا الى الكتب المعروضة وراءها . لاحظت انها قطعت سيرها ، ووقفت الى جانبي ، ثم راحت تحدثني بعد ان حيتني وسمتني باسمي . اضافت الى تحيتها سؤالها عن حالي ، ثم قالت : لم نرك منذ زمن طويل . لم تعد تمتعنا بسماع محاضراتك ، وحتى كتاباتك اصبحت قليلة في الصحف والمجلات ... هل كنت غائبا عن البلاد ، مسافرا ؟

اذا هذه الفتاة ، المفرطة في اناقتها العصرية ، تعرفني جيدا وان كنت لم اثبت لها معرفة . هي دون ريب احدى المستمعات الى احاديثي في المنتديات الثقافية ، واحدى القارئات لكتاباتي ، وليس من المفروض ان تكون لي بها وبامثالها معرفة شخصية .

شكرتها على عبارات الثناء التي راحت تسوقها لي وانا اتملى ، عن قرب ، في مجالي اناقتها التي ذكرت . واتسعت ابتسامتي فجأة . لاحظت هي ذلك فقالت لي:

ـ أراك ابتسمت !

قلت انا :

صحيح .

وسأقول لك بصراحة لماذا ، وعليك ان تتحملي ماأقوله .

ابتسمت الفتاة بدورها وقالت :

سأتحمل .

تفضل وقل .

قلت :

حين مررت بي منذ قليل لفت نظري منك شيء ذكرني بحكاية لأحد أعمامي ، كنت أنوي روايتها لأول صاحب التقي به في طريقي . لم أعثر حتى هذه اللحظة على أحد من أصحابي ، لذلك فكرت بأن أرويها لك .

قالت ، ونحن لانزال وقوفاً أمام واجهة المكتبة : هذا يسرني .

أنا معجبة دوما بحكاياتك في محاضراتك .

قلت لها :

نعم .

لي ياآنستي في الأسرة عم متقدم في سنه . هو لايقيم معنا في بلدتنا الصغيرة ، فقد فضل أن يضل فلاحاص ريفياً يقيم في قرية للأسرة بعيدة عن البلدة ، يدير أمورها ويتولى فيها أعمالها وأعماله الزراعية . وان كان بين الحين والحين يجيء الى البلدة زائرا أو متفقداً أقاربه فيها . ولطول اقامته في الريف أصبحت له عقلية الريفيين الساذجة ومفاهيمهم البسيطة .

حتى اسمه أصبح غريبا بين الاسماء بريفيته المفرطة . اسمه ( علاص ) !

في ذات مرة ، وفي احدى زياراته للبلدة راح يحدثنا عن امور لم يدرك كنهها من امور المدينة .

قال :

هناك اشياء تبدو من الغرابة بمكان ، ولكن اذا عرف السبب فيها بطل العجب .

السيارة مثلا . صحيح انها معدن جامد . ولكن تركب لها عجلات ويسكب في خزانها بنزين ، ويدار دولابها ، واذا هي فر .... فر ... وتمشي !

وكذلك الطيارة . وانما هذه يركب لها اجنحة ، فتطير .

كل هذه امور فهمتها ، على الرغم من غرابتها . هناك شيء واحد في الحقيقة لم أفهمه ...

كانت الفتاة مصغية الى ماأحدثها به بكل اهتمام . استندت بكفها بعض الشيء على زجاج واجهة المكتبة ، وقاطعتني بقولها :

ـ ماهذا الشيء الذي لم يفهمه عمك ... عمك الذي اسمه .

قلت : اسمه علاص .

قال لنا عمي علاص انه فهم كل الاشياء التي تبدو للآخرين عسيرة على الادراك . ولكن شيئا واحدا لم يستطع فهمه ، هذا الشيء هو كيف ... كيف استطاعوا ان يدخلوا اللوزة الى جوف حبة الملبس ، اعني الى الملبسة الحلوة ؟!

انطلقت ضحكة قصيرة من فم الفتاة المصغية الي ، ثم سكتت كالمنتظرة تتمة كلامي .

قلت انا :

ـ حكاية مضحكة ربما . ولكنني تذكرتها حينما وقعت عيني عليك في أول الجادة ياآنسة ، فتساءلت وأنا أرى شدة حصر هذا الجينز الضيق لجسمك تساؤل عمي علاص : كيف استطاعوا ادخال اللوزة الى الملبسة ، وكيف استطعتي انت ادخال جسدك في هذا الجينز الذي تكاد خياطته من ضيقه عليك تتقطع وتتفزر ؟!

رأيت وجه الفتاة امامي يتورد بشدة ، وقد ادركت ماوراء حكايتي وتساؤلي من استنكار . تلجلجت الكلمات على لسانها في البدء ، ثم لم تلبث أن أفصحت قائلة :

ـ ماذا نصنع يادكتور . الطعام يزيدنا بدانة ، والثياب تضيق وتنكمش بالغسيل !

وانثنت كالخجلى مسرعة في الابتعاد عني ، مكتفية برفع يدها الي في وداعها لي ...

 

 

جيران العيادة

 

في إحدى المجلات الطبية الأمريكية التي كنت أقرأها كان إعلان دائم يدعو الأطباء القراء إلى تسجيل الطرف التي تمر بهم في عياداتهم، أو في تعاملهم مع مرضاهم، وإرسالها إلى المجلة لقاء مكافأة مائتي دولار لكل طرفة تراها المجلة صالحة للنشر وتنشر فيها.

كنت أحدث نفسي كلما وقعت عيني على ذلك الإعلان بأني قادر على أن أجني بضعة آلاف من الدولارات لو أنني سجلت ما مر بي من طرف في عملي الطبي في السنين الطويلة التي مارسته فيها، ولا أزال أمارسه، في عيادتي الريفية وفي بلدتي النائية.

غير أن أمرين على الأقل كانا يحولان بيني وبين أن أقدم على تنفيذ ما كانت نفسي تحدثني به في هذا السبيل، أول الأمرين هو عدم وثوقي من قدرتي على التعبير بلغة إنكليزية مناسبة للحكايات التي أسجلها، إذ إسن لغتي الأجنبية التي أحسنها هي الفرنسية لا الإنكليزية، والأمر الثاني هو شكّي من أن ما أراه أنا ومن حولي وقراء العربية مستساغاً وطريفا في تلك الحكايات لن يكون له الوقع نفسه عند زملائي الأمريكيين من محرري المجلة وقرائها.

لذلك آثرت أن أوفر على نفسي كتابة الطُّرف الكثيرة التي أجدها تصلح للنشر، وأن أبثها بين الحين والحين في أحاديثي وفي مقالاتي في الدوريات وفي محاضراتي في المحافل الثقافية.

من هذه الطرف أروي هنا اثنتين تتعلقان، لا بعيادتي نفسها مباشرة بل بأطرافها، أعني بجيرانها، تعود الأولى إلى أول سني ممارستي مهنتي، منذ ما ينوف على خمسين عاما، إلى جانب عيادتي كانت، ولا زالت، تحتل البناء المجاور إدارة مصلحة التبغ الحكومية، التي تستورد ألوان أصناف التبغ من المدن الرئيسية في بلادنا وتبيعها للمواطنين عندنا بالجملة، منذ خمسين عاما لم يكن سكان منطقتنا بكثرتهم اليوم، ولا كان التدخين فاشيا فشوه اليوم، كان من صالح إدارة التبغ أن يكثر المدخنون لتكثر أرباحها، وفي ذات يوم جاءني زائرا عيادتي مدير تلك الدائرة جارتي، وبيني وبينه شيء من القرابة، وقال لي ضاحكا: يا فلان، إقناع المرضى الذين يقصدونك بأنك طبيب غير حاذق، وأشجعهم على أن يهجروك إلى الطبيب الآخر في بلدتنا ابتسمت وأنا أسمع هذه الكلمات من جاري، وقلت له: خير إن شاء الله يا خال.. ما الذي يدفعك إلى أن تفعل هذا ضدي؟ قال: يدفعني إليه ما تقوله لكل مريض يفد عليك، أو لمعظم مرضاك، مشيرا عليهم بأن يهجروا التدخين هجرا باتا إذا أرادوا الفائدة من مداواتك لهم، إذا أخذوا بنصائحك وهجر كل الناس حرق السيكارات وتدخين الأراكيل، من أين نعيش نحن يا ابن أختي؟!

لم أملك غير أن أضحك من هذا التهديد الذي وجِّه إلي، والذي لم ينفذ في الحقيقة، فلا المدير وقف عند باب عيادتي ينفر الناس من معالجتي إياهم، ولا انقطعت أنا عن نصح مرضاي بالاقلاع عن التدخين لبلوغ الشفاء أو للتوقي من أمراض خطيرة محتملة إصابتهم بها فيما يأتي من أيام.

كان ذلك منذ خمسين عاما كما اسلفت القول، واليوم، وإدارة التبغ لا تزال جارتي، لم يعد للمديرين الذين تعاقبوا بعد قريبي ذاك يرحمه الله حاجة إلى الاستزادة من المدخنين، فهؤلاء يتسابقون إلى اقتناء بضاعتهم من هذا السم الزعاف، أعني التبغ بأصنافه المتعددة، زرافات ووحدانا، ويتملكني الأسى في كل يوم وأنا أرى الشاحنات تغص بصناديق هذا السم إلى جانب عيادتي، وأرى باعة المفرق يهرعون متسارعين إلى الاستحواذ على هذه الصناديق، في أمريكا يعيب صغار الصبية في المدارس رفاقهم بقول أحدهم للآخر: أنت، أبوك يدخن!.. فالتدخين أصبح هناك عارا.. هم قرروا التخلص من هذا العار، وأحالوه إلينا، فرحنا نتسابق إلى الغطس فيه.

أما جاري الآخر الذي أروي حكايته الثانية فلم يجئني مهددا، بل جاء معتذرا عن قول نسبه إليَّ في حين اني من قوله براء، جاري هذا يملك حانوتا قريبا من العيادة يبيع فيه الفواكه والخضر الطازجة، جاءني وقال: ستضحك يا دكتور مما أرويه لك، وأرجو أن لا يخالط ضحكك استياء مني، بالأمس أتاني رجل وساومني على بطيخة حمراء يريد شراءها من دكاني، سألني عن سعر الكيلو، فقلت له إن كل كيلو بنصف ليرة، قال: لا بأس، أشتريها ولكن على المكسر، يعني بهذا أنه يشترط أن تكون ناضجة وحمراء، وأن أشقها بسكين أمامه ليتأكد من أنها كما يطلب.

راح جاري الخضري يفصل في الحوار بينه وبين ذلك المشتري، وانا لا ادري ما يقصده من ذلك التفصيل الذي لم يكن يهمني، ومع ذلك صبرت لأرى إلى أين يريد أن ينتهي من حكايته، قال: انتقي الرجل بطيخة كبيرة تزن عدة كيلوات، وبعد ان وزنتها أخذت السكين لاشقها وانا على ثقة من أنها ستكون حمراء كما طلب الشاري وكما توقعت أنا تكون فوجئت بخيبة توقعي، على المكسر كانت تلك البطيخة بيضاء اللب، أبعد ما تكون عن النضج، ماذا أفعل؟ إنها ستكون خسارة غير هينة لي، بادرت فقلت للرجل: من حسن الحظ أنها هكذا.

هذه هي البطيخة التي أبحث عنها، لن أبيعك إياها يا أخي.. سألني الرجل: تبحث عنها؟ لماذا؟ قلت له: إنها البطيخة التي يصفها جاري الطبيب الذي ترى عيادته من هنا، للمصابين بالرمال البولية، سأبيعها لمصاب بها أوصاني على مثلها، قال الرجل: أنا كذلك أشكو من الرمال في مجاري البول، أشتريها ولو لم تكن حمراء، قلت: أرجوك، سأبيعها لذلك المصاب بأغلى مما أبيعك إياها.. الكيلو بثلاثة أرباع الليرة، لا نصف ليرة فقط، قال الرجل:

ولا يهمك، أنا اشتريها بهذا السعر الذي تريده.

وأضاف جاري يقول: وبعت تلك البطيخة غير الناضجة للرجل نفسه كل كيلو بثلاثة أرباع الليرة، بعد أن كنت أتهيأ لبيعها الكيلو بنصف ليرة لو كانت حمراء مستوية النضج!

وكما توقع جاري الدكاني، ضحكت، قال هو: جئتك كي تسامحني من الكذبة البيضاء التي كذبتها عليك، حين نسبت إليك وصفة طبية لم تصفها أنت، ألا تسامحني؟ ضحكت أنا مرة أخرى وقلت له: لا عليك، حلال على الشطر كما يقولون، وأنت كما يبدو من أشطر الشاطرين. هذه الحكاية والتي قبلها بعض ما كان ممكنا أن أرسله لتلك المجلة التي تحدثت عنها في أول الكلام، ولم أفعل، ولست آسف على أني لم أفعل، لأن روايتها على أصحابي وقرائي تكفيني وترضيني.

 

 

أبحرت إلى كل الموانئ

  

مرفأ الذاكرة لدى كاتب هذه السطور، على اتساعه وطول أرصفته، يضيق بالأحداث والصور والأقوال التى تزاحم فيه وعليه، وليس ذلك مستغربا على ما مر بي في ثمانين عاما من العمر قد انقضت لي، وعلى ظروف مختلفة عشت فيها ونشاطات مارستها في مجالات العلم والأدب، ومجالات السياسة والحرب، وفي عملي كطبيب، وفي الأسفار والعلاقات الاجتماعية ، وفي غير هذه وتلك وهاتيك.

أبعد ما استقر في ذاكرتي من صور هي بلا شك صورة ترجع إلى سني طفولتي الأولى، وذلك حين فكنت فى الثالثة من عمري أو حين خطوات أولى خطواتي في سنتي الرابعة، عرفت مبلغى من العمر أيام هذه الصورة بعد ما كبرت وسمعت مارواه من أبنا بلدتي الصغيرة من تاريخ هذه البلدة، وهي الرقة على شاطئ الفرات في شمالي سوريا، ومن حكايات الأحداث التي مرت بها زمن طفولتي، تلك الصورة هي منظر جسم لامع، فضي اللون ، يرتسم على صفحة سماء خفيفة الزرقة ويسير على تلك الصفحة بخط مستقيم وبحركة تبدو بطيئة لبعدها عن عيني، ثم منظر قطع صغيرة، مستطيلة، تتساقط من ذلك الجسم اللامع ، قطعتان أو ثلاث أو أربع، لا أذكر اليوم كم كان عددها على الضبط ، تتساقط ويحجب عن بصري مكان وقوعها جدران المنازل اتلي كانت في الجانب المقابل للقبو الذي كنت أتطلع من بابه الضيق إلى السماء فوقي. ذلك القبو الذي كنت فيه مع أمي، ومع نساء كثيرات معهن أطفالهن، كلهن يتزاحمن ليتطلعن من باب القبو إلى السماء وإلى تلك القطع المتساقطة من ذلك الجسم الفضي السائر على صفحة السماء.

بداية مع الحرب

عرفت عندما كبرت أن الجسم السائر ذاك كان طائرة حربية وأن تلك القطع المتساقطة قنابل مهلكة كانت الطائرة تلقيها على مواقع متفرقة من بلدتنا، وأن ذلك حدث في الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر من عام 1921. هذه أبعد ما حفظته ذاكرتي من صور. ولعل استقرار هذه الصورة بهذه القوة فى ذاكرة الطفل الصغير الذي كنته قد ترك في لاوعيي تأثيرا اصطبغت به حياتي المقبلة في كثير من جوانبها، والجوانب الفكرية والسياسية منها بصورة خاصة . تلك الطائرة كانت واحدة من طائرات جيش فرنسا الذي غزا بلادنا واحتلها باسم الانتداب بعدما غدر الحلفاء بالعرب وتقاسموا بلادهم . وإلقاء نقابلها على بلدتي الرقة ، كان لأن هذه البلدة أصبحت في ذلك الحين مقرا الحركة وطنية أعلنت الرقة وما حولها دولة عربية مستقلة لا تعترف بانتداب فرنسا، ب جندت جيشا وجهته إلى حلب لمحاولة استنفاذها من يد المحتل الفرنسي، ذلك تاريخ مجهول لبلدتي الصغيرة بسطته في كتاباتي بعد مرور عقود طويلة من السنين على أحداثه، وليس هنا مكان روايته ، ولكنى أردت القول إنه قد يكون فى استقرار هذه الصورة فى خاطرى طيلة ما يفوق ثلاثة أرباع القرن إرهاص لما ستكون عليه أفكار ذلك الطفل ويكون عليه سلوكه وتصرفه حين يغدو شابا وبعد أن يكتهل ثم يشيخ.

تتزاحم الصور على مرفأ الذكريات بعد تلك الصورة الأولى المفرطة في البعد، كبر الطفل في الخامسة من عمره ، وانتقل بذلك من حضن أمه إلى حضن المدرسة، كان انتقالاً مبكرا بالنسبة لانتقال أنداده الذين كانوا يفوقونه في السن، فأكسبخ ذلك مكاسب وعرضه لبعض الهشاشة في تكوينة العلمي لم يتخلص منها إلا بعد عناء وزمن طويل.

عالمي الجميل

كانت المدرسة عالمي الجميل والمفضل، ولكنها لم تكن كل العالم لي، كانت هناك المطحنة التي يملكها والدي، وهناك مضارب أعمامي في البادية حول بلدة الرقة ، أو بالأحرى في سهول تلك البادية التي تعشب فى الربيع ةتحرق أعشابها شمس الصيف الملتهبة فترتد مقفرة جرداء. كنت أتردد على المطحنة لأحمل لأبي طعام غدائه وعلبة دخانة اليومية من منزلنا، ولأتأمل فى الرحى الدائرة وهي تتلقى الحنطة حبوبا قاسية وتقذف بها دقيقا ناعما، و لأتطلع إلى المحرك ذى الدولا بين الضخمين وهما يدفعان بالمكبس إلى جوفه ويجتذبانه من ذلك الجوف، في حركات منتظمة عنيفة ورشيقة في آن واحد ، وحدث في إحدى مرات تطلعي ذاك أن علق طرف القنباز الذي كنت أرتديه بالسير الجلدي لمضخمة الماء التي كانت مركبة فوق بئر في جانب المحرك، وهو يدور على دولابه ، فلم أشعر إلا وأنا مرتبط بذلك الدولاب مرتفعا إلى قمته قبل أن ينحدر فيلقيني في قرارة البئر. سارع أرمين ، ميكانيكي المطحنة الأرمني، إلىّ واجتذبني من يدي بقوة قاذفا بي إلى الأرض بجانب فوهة البئر. وسلم الله ذلك الصبي الطلعة ، القليل الحذر من هلاك محقق آنذاك .

أما مضارب أعمامي فقد كنت أتردد عليها، في الربيع، في العطل المدرسية وبعد الظهر من كل خميس ويوم الجمعة التالي له . كان أهل بلدتنا، وأسرتنا من بينهم ، نصف حضر يسكنون منازل البلدة الحجرية نصف السنة ويخرجون إلى السهوب المعشبة في الربيع وأوائل الصيف مع أغنامهم يتنقلون بها بين المراعي. والدي كان من أوائل الذين تحضروا وسكنوا البلدة في السنة بكاملها ، ولهذ كنت ألجأ إلى منازل اعمامي في بيوت الشعر في المراعي كلما أتيحت لي الفرصة، فأرعى مع صبيانهم الخراف وأطاردها حافي القدمين معهم ، وأنام تحت سماء الربيع المتألقة النجوم وأستمع في الفجر، وأنا بين النوم واليقظة ، إلى أحاديث المتسامرين المتحلقين حول النار الموقدة في كاسر البيت قبل أن يهب الرجال ليأتوا بنعاج القطيع إلى إلى أمام المضارب وتهب النساء لتحلب تلك النعاج.

منعطف حياتي

بعد الدراسة الابتدائية كان علي أن أنتقل إلى جلب لمتاعبة تعليمي لأن الرقة لم تكن تحوي مدرسة ثانوية، وهنا وفي ختام السنة الأولى من الدراسة الثانوية، حدث ما اعتبرته بعد ذلك المنعطف الكبير في حياتي. أصبت في العطلة الصيفية بمرض ألجأ والدي إلى أن ينقلني إلى حلب ليعالجني أطباؤها، لا أذكر اليوم، وأنا الطبيب، ماذا كان ذلك المرض، الذي أذكره أن الدكتور مونييه، وهو الطبيب السويسري الجنسية الذي تولى العناية بي في مستشفاه نحوا من عشرة أيام ، أشار على أبي بأن يقطعني عن الالتحاق بالمدرسة عاما كاملا، بقيت العام التالى بطوله فى الرقة بناء على اشارة الدكتور مونييه، وبقيت عامين بعده فيها بناء على رغبة الوالد الذي أرادني على أن أنقطع عن الدراسة لأعينه في إدارة أعماله وأملاكه ، أنا الذي كنت ولده الوحيد آنذاك.

كان ذلك مصيرا قاسيا لي أنا الذي فتحت آفاق تفكيره وألهبت خياله قراءاته الكثيرة والمختلفة ، ولكن رب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، كانت هذه الأعوام الثلاثة المتتابعة ضرورية لنضج تفكيري كما أنها ألحقني بمدرسة من نوع آخر، رحت أتلقى المعرفة فيها لا من أفواه المعلمين أو من صفحات الكتب، بل من مخالطة الناس وممارسة الحياة والتعامل المباشر مع أمورها. تلك هي مدرسة العمل إلى جانب والدى وتحت إشرافه، عملت في المطحنة التي كنا نملكها مشرفا عليها وجابيا على غلتها، أتاح لي ذلك التعرف على أصناف الناس الذين كانوا يتوافدون علينا، نساء ورجالا، من البلدة ومما حولها في المنطقة الواسعة المحيطة بالبلدة، البدو كانوا يأتوننا بقمح مؤونتهم على جمالهم ، والقرويون على الحمير، وسكان البلدة على عرباتهم التي تجرها الكدش، وهي غير الأصائل من الخيل ، أصبحت على معرفة بالقبائل نسبا ولهجات كلام ورزاية أحداث سالفة وجيدة ، هذا في النهار، أما في الليل فقد أتاح لي سن اليفع الذي قاربته أن أكون من رواد مضافة أسرتنا، أجلس منها قريبا من المدخل، مستمعا إلى أحاديث الكهول عن شئون الأقارب والأباعد، في بلدتنا ومنطقتها وفي مدننا وبلادنا بأسرها. وفي شهر رمضان بصورة خاصة كنت أستمع إلى أحد أعمامي ممن كانوا يحسنون القراءة يتلو على رواد المضافة ، بعد صلاة العشاء كل ليلة ، فضلا من كتاب فتوحات الشام للواقدى أو من رواية سرور آغا وصالحة خانم وسلطان عبد الحميد المترجمة عن التركية ، وحين كانت تتأزم أمورنا السياسية مع فرنسا المحتلة كان حضور المضافة يتحلقون حول ذلك العم أو غيره وهو يتلو عليهم آخر افتتاحيات نجيب الريس، في جريدته القبس، في مهاجمة المحتل وتسفيه سياسته ، فتلتهب النفوس حماسة وتعلو الأصوات بالاستنكار والاحتجاج والتنديد.

القصيدة الأولى

كان تلامذة مدرستنا الوحيدة في البلدة قد تهيأوا، بإشراف معلميهم، ليقوموا بتمثيل مسرحية عنوانها "وفاء السموءل"، كنت أحضر معهم تجاربها وأشاركهم في إعدادها ، نظمت أنا لهذه المناسبة قصيدة ، كانت أول قصيدة لي صحيحة الوزن وسليمة اللغة على ما أذكر، وعهدت بها إلى أحد الفتيان ليفتتح بها التمثيل مشترطا عليه ألا يذكر اسمى كناظم لها، كان اشتراطي هذا نابعا من انطوائي على نفسى وحياء مفرط يجعلنى أتهيب من كل إشارة إلىّ تميزني عن الآخرين، بدأ تمثيل المسرحية مسبوقا بإلقاء تلك القصيدة، ولكن ما اشترطته على ملقيها لم يدخل فى حيز التنفيذ فقد أعلن ذلك الفتى اسمى بأعلى صوته منوها بأنى أنا ناظم القصيدة، وما جرى فى اليوم التالي لحفلة التمثيل أن أقرباء أبى وأصدقاءه تكاثروا عليه بلومهم إياه على دفن مواهبي في العلم والأدب تحت غبار المطحنة وفي زيتها، وبمطالبتهم له بإعادتي إلى حلب كي أتابع الدراسة التي هجرتها في ثانويته.

وهكذا عدت إلى حلب ومدرسة التجهيز الثانوية فيها، وقد ضاعت على أربع سنوات من الدراسة ، استدركت سنتين من تلك الأربع في فحص تأهيل، اجتزته بنجاح ، وضاعت مني سنتان، ولكن هل ضاعت منى تلكما السنتان حقا؟ الصحيح أن لا . سنوات الانقطاع التي ضاعت منى، أو على ، اكتشف بعدها أنها اكسبتني فوائد لا تقدر بثمن ، عدا نضج الفكر وتجربة العمل ومعرفة أصناف الناس التي تحدثت عنها، وجدتني قد حصلت من قراءتي على زاد من المعرفة فى علوم شتى أتفوق بها على أقرانى فى المدرسة التي عدت إليها، وأحيانا أتفوق بها على أساتذتي في بعض تلك العلوم . وأهم من ذلك كله اكتشف أن تهيبي من الحساب والرياضيات والعلوم الحقيقية ، الذى كنت أحسبه ضعفا وعجزا مني فيها، اكتشفت أن ذاك التهيب قد فارقنى كليا وتحول إلى مقدرة وولع شديد بتلك العلوم.

ثابرت في المدرسة الثانوية على قرزمة الشعر ، أعلى نظمه نظما هزيلا فى أول الأمر، إلى أن استقام لي أمره بالاستمرار وبتوسع المعرفة ، إلا أنى لم أتعد فيه المزاح والتسلية ، أسخر فيه من رفاقي وأرسم به صوراً ضاحكة لأساتذتي، وأحيانا أنظم به نظريات الهندسة ودروس الكيمياء في أراجيز ساخرة على طريقة ألفية ابن مالك! ذلك أن تعلقي الكبير والجاد كان بالعلوم الحقيقة من فيزياء ورياضيات ، يعجبنى العناء الذي أتحمله في إتقانها والنجاح في روسها، في حين أن النجاح في الأدب، نثره وشعره ، كان يواتيني بسهولة ويشهد بنتائجي المشرفة فيه المعلمون والرفاق، وإلى جانب هذا نمت في نفسي، مع تقدمي في الصفوف العليا، بذرة حب العمل العام ، العمل لصالح الذين أنا منهم فى مجتمعى وفي الوطن الذى هو وطني. أصبحت في السنين الأخيرة من الدراسة الثانوية الرئيس المنتخب للجان الطلاب، والمؤسس لمجلة أصدرتها مع رفاقي وسميتها "صوت الطالب" ، والمشارك مع إخوانى فى الإضربات والتظاهرات ضد المحتل الفرنسي، والمتكلم باسم أولئك الإخوان حين يقتضى الأمر المديرين والوزراء.

اسماء مستعار ة

وبمثل هذا التستر والتوقيع بالأسماء المستعارة نشرت كتابات أدبية كثيرة في عدد من الدوريات المشتهرة في ذلك الزمن ، مثل مجلة "الحديث" في حلب و "المكشوف" فى بيروت ، وهي دوريات كانت تحفل بما يكتبه أساطين الفكر والثقافة ويطمح الكثيرون إلى أن تظهر أسماؤهم فيها. أما أنا فكنت قانعا بأن يجاور إنتاجي الأدبي فى تلك الدوريات إنتاج المشاهير، وبأن يلقى الإعجاب من القراء دون أن يعرف أحد، إلا الندرة من أصحابي، بأني كاتب تلك القصص أو المسرحيات أو ناظم تلك القصائد ، واستمر هذا إلى أن نلت شهادة البكالوريا من صف الرياضيات لا من صفوف الفلسفة أو الآداب، وإلى أن احتضتننى الجامعة السورية في دمشق، في دراستى الطب فيها، بعد احتضان مدرسة التجهيز الثانوية لي في حلب.

العلم ، والأدب، والعمل العام ، هي المهام الرئيسية الثلاث التي حملتها معي من مرحلة الدراسة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، ثم إلى جميع مراحل حياتي التالية لهذه وتلك .

في العلم كنت الطالب الجاد والدائم النجاح ، ثم المتابع لكل ما هو جديد في الميدان الذي اخترته لحياتي، ميدان الطب والعلوم التي يستند إليها ، والمطبق لمعرفتى بكل إخلاص وتفان على من هم بحاجة إليها فى ذلك الميدان ، وفي الأدب تابعت مسيرتي كهاو له، أعتبره متعة وتسلية ، ولكنى لا أستهين به ولا تهاون في تلمس الإتقان والجودة فيه، ظللت ردحا من الزمن ، سبع سنوات أو ثمان ، أنشر ما أكتبه في الدوريات المختلفة متسترا وراء الأسماء المستعارة، كنت أنتقل من اسم إلى آخر، معميا على من يريد معرفتي، إلى أن وقعت فى فخ أحد الصحفيين الذي كشفني وعرف بي ثم أقنعني، بعد أن أصبح صديقا لي، بأن ليس من حرج في أن يعرفنى قرائي ولا من خطر فى أن تلحق بى الشهرة ! وفي هذا المجال أذكر أن أحد الدارسين أحصى الأسماء المستعارة التى كتبت بها بين عامي 1936 و 1970 فوجدها تتجاوز اثنين وعشرين اسما .

أما عن العمل العام ، فقد كان استمرارا لما كنت بدأته في دراستي الثانوية ، لا مجال فى العمل العام للمجهولية وللتستر وراء الأسماء المستعارة ، عرفت بين أقراني بالنشاط في هذا الميدان ، وعندما بلغت الصفوف المتقدمة أصبحت رئيس لجنة الطلاب فى معهدي لعدة أعوام ومشاركا مرموقا في فعاليات الأوساط الجامعية من ثقافية ورياضية وسياسيه . وكانت تلك مقدمة لانغماري ، بعد تخرجي فى الجامعة السورية طبيبا، في خصم العمل السياسي فى بلدي، قمت بترشيح نفسى للنيابة فى بداية عملي كطبيب فى بلدتي، الرقة ، وفزت بعضوية المجلس النيابي السوري عنها ، وكان ذلك في صيف عام 1947، أعنى منذ أكثر من نصف قرت مضى .

ذكريات العمل السياسي، كما باشرته بنفسى فى نحو من سنتين كنت فيهما أحد ممثلى الشعب فى المجلس النيابى ذاك ، هى من الكثرة والأهمية بحيث يضيق بها مرفأ الذاكرة . كانت سوريا قد نات استقلالها التام بجلاء جيوش المحتل عنها منذ سنة واحدة فانصرف حكامها ووراءهم الشعب إلى الجهاد الأكبر بعد الجهاد الأصغر ، أعني إلى معركة البناء واستعادة الحقوق المغتصبة والسعي لتحقيق المثل العليا . الذكرايت كثيرة كما قلت . وأقف منها على ذكريات وقائع معينة كانت من أهم ما مربي تأثيراً لتفكيري وتوجيها لسلوكي. تلك هي الوقائع التي شهدتها أو شاركت فيها ثم تابعت مجرياتها ومازلت لها متابعا ، وأعنى بها وقائع القضية الفلسطينية.

التطوع من أجل فلسطين

احتللت مقعدى فى مجلس النواب فى وقت وصلت فيه القضية الفلسطينية إلى قمة التأزم . تألب العالم الغربي، ومعه الاتحاد السوفيتي، على حق العرب وصدر قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين ، على أن يطبق هذا القرار فى 15 مايو سنة 1948. لم يرض العرب ، شعوبا وحكومات بالقرار الجائر وتنادوا إلى الحيلولة دون تنفيذه بقوة السلاح عن طريق الجهاد الشعبي المتمثل بأفواج جيش الإنقاذ، وهي أفواج تألفت من متطوعى البلاد العربية المختلفة ، أولا ، ثم بتدخل الجيوش السمية إذا اقتضى الأمر بعد ذلك ، وفى غمرة أحداث تلك الفترة الحرجة وجدتنى أهجر مهامى كنائب فى المجلس وألتحق متطوعا بمجاهدي فوج اليرموك الثانى من جيش الإنقاذ، وهو الفوج السوري من ذلك الجيش ، يرافقنى فى ذلك الالتحاق زميلي فى النيابة الأستاذ أكرم الحوراني، أكون فى مقدمة من دخلوا الأرض الفلسطينية من المجاهدين ، سعيا وراء نصرة فلسطين العربية واستنفاذها من مخالب تحالف الصهيونية العالمية وأعداء العرب فى العالم الغربي على أرض العرب المقدسة.

كان فوج اليرموك الثاني بقيادة أديب الشيشكلي الذي كان ضابطا برتبة رئيس وهي الرتبة التي تحول اسمها اليوم إلى رائد أو مقدم ، وكان دخولنا إلى فلسطين من الحدود اللبنانية، جنوب بنت جبيل والنبطية ، فى ليلة الثامن من شهر يناير سنة 1948. باشرنا عملياتنا الاستكشافية والحربية التي لا مجال للتفصيل عنها طيلة الشهور الخمسة التي سبقت موعد دخول قرار التقسيم مرحلة التنفيذ. واذا كنت قد عدت بعد تلك الشهور إلى ماكني فى مجلس النواب متابعا مسيرتي السياسة تحت قبة البرلمان وفي المحافل المختلفة وعلى صفحات الجرائد والمجلات، فإن التجربة التي عدت بها من المعاناة على أرض الواقع في فلسطين فتحت عيني على أمور كثيرة وبصرتني بأمور كثيرة كنت بعيدا عن معرفتها مثل الآخرين الذين لم يتح لهم معايشة ما عايشته أنا. أكتشفت في تلك التجربة أشياء كثيرة عن سير أمورنا، وعن خصائص شعوبنا، وعن أقدار رجالنا ، ومن سوء الحظ أن تجربتي ، كما رددت في مناسبات كثيرة، قد تكشفت لي عما خيب أمل الشاب المثالي الذي كنته في تلك الأيام، ومن سوء الحظ كذلك أن سير أمورنا القومية منذ عام 1948 إلى اليوم جاء مؤيدا تقديراتي السيئة عن وضعنا وإمكاناتنا، وهي التقديرات التي وضعتها لنفسي في ذلك الحين .

العودة للأدب

وأعود إلى الأدب مرة أخرى خاتما به هذا الحديث الطويل. لقد دأبت على أن اعتبره لنفسي وأذكره للآخرين كهواية ، ممتعة وسامية في آن واحد، أمارسها في غير عناء وفي قليل من الجد. ولكن، كما قال الشاعر القديم:

صار جدا ما لهونا به رب جد جره اللعب!

فما يطفو على ألوان النشاط المختلفة في حياتي، وما يعرفني به الاخرون ويحاورونني فيه ويتقصون أخبارى فيه، هو الأدب قبل الطب وقبل السياسة وقبل فعاليات مختلفة أخرى أجدني ما قصرت فيها ع أداء ما وجب علي ولا عن تقديم ما قدمته، متطوعا ومفيدا، للناس حولي وللقيم والمعتقدات التي أومن بها، عطاءاتي الأخرى تنحصر معرفتها في حلقات ضيقة وبين أناس محدودين ، أو أن دوامها لا يمتد إلى زمن طويل. أما العطاء الأدبي مني ومن أمثالي فإنه، إذا كان يحمل صفات تؤهله لذلك، طويل الديمومة وعريض الجمهور ، لقد انتهيبي إصرار الآخرين على تقديم صفتي الأدبية على سائر صفاتي الأخرى أن تابعتهم أنا إلى الإيمان بقيمة هذه الصفة وأكاد أقول إن ذلك حدث على الرغم مني !

ولعلي في هذا الواقعة التي أرويها للقراء في مختتم المطاف أضرب مثلا لهذا الذي ذكرته عن تقدير من عدوني بتقديرهم لما رأوه في من موهبة تستحق التقدير.

حدث ذلك منذ ستة أعوام أو سبعة ، زارني في بلدتي السيدك. لوشون، وهو الملق الثقافي في السفارة الفرنسية في دمشق أيامذاك ، وكان قارئا لأعمالي المترجمة إلى الفرنسية ومعجبا بها، وف زيارة لي إلى دمشق بعد عودته هو إليها اتصل بي هاتفيا وسألني عما إذا كان بإمكاني أن أمر عليه، في مكتبه، قلت له: أفعل ، وبكل سرور، فوجئت حين دخلت مكتب الملحق الثقافي الفرنسي بأن رأيت صورة كبيرة لي معلقة على أحد جدران المكتب. كانت صورة قديمة، أخذت لي في أيام الصبا، أبدو فيها ممتطيا فرساً أصيلة كنا نملكها في ذلك الزمن ومرتديا ثيابا عربية، استغربت وجود هذه الصورة وسألته عنها. ابتسم وقال إنه عثر عليها بحجم صغير حين زار الرقة ، وإنه كبرها وأحاطها بهذا الإطار في بيروت ، وإنه استدعاني ليرجوني أن أضع توقيعي له عليها. لم أملك إلا أن أجاريه في الابتسام وقلت له: ولكنك تضع صورتي في صدر مكتبك الرسمي، هذا المكان ليس لي ، إنه مكان المسيو ميتران ! كان فرنسوا ميتران يومذاك هو رئيس الجمهورية الفرنسية . كان جواب الملحق الفرنسي ، الموظف في سفارة بلاده، هذه الكلمة الغربية التي قالها بلهجة اقتناع : أنت قيمة أكثر ثباتا من المسيو ميتران!

بالطبع لم أكن من الغرور، أو من فرط الإعجاب بالنفس، بحيث أصدق أن قيمتي تفوق قيمة رجل كان رئيس جمهورية فرنسا في يوم من الأيام وكان مالىء الدنيا وشاغل الناس في زمن رئاسته، ولكن كلمة المجاملة التي نطق بها مخاطبي الكريم، السيدك. لوشون ، تصور بجلاء اهتمام نخبة المثقفين ، إن لم أقل عامتهم ، في عالمنا الحاضر بالأدب وبمبدعيه وتقديرهم لهم وله. وعلى ما يشبه الرغم مني، كما أسلفت القول، أصبحت مجرورا إلى هذا التقدير وذلك الاهتمام بالفن الذي بدأت فيه هاويا مثل المستهين ثم انتهيت إلى أن أجده أجدر ما أختم به هذا الحديث عن مرفأ الذاكرة ،وعن الخواطر التي رست فيه بعد طول الإبحار.

 

 

المصطلح المضحك

  

يكثر في كتابات النقاد التنظيرية في هذه الأيام تردد كلمة المصطلح، وأنا اعترف بأن ما يقال عن هذه الكلمة يتجاوز فهمي في أحيان كثيرة، ولست أدري إذا كان الباحثون فيها قد تطرقوا إلى أثر البيئة وأثر نوعية الوسط الاجتماعي التي يستعمل المصطلح فيها على فهم هذه الكلمة، ومهما يكن، فإني سأدلي بدلوي بين الدلاء في هذا المجال، متحدثا عن كيفية فهم المصطلح عند من يستعمله، بحسب مستواه الفكري أو الاقتصادي أو السياسي، وذلك من خلال محادثاتي وعلاقاتي في الوسط الذي أعيش وأمارس مختلف نشاطاتي فيه.

أروي للقارئ في البداية ملخص حوار دار بين أحد زملائي الأطباء في بلدتي، وهي معروف عنها أنها مركز منطقة زراعية وبدوية واسعة، وان الزراعة وتربية المواشي فيها هما الشاغل الرئيسي لأبنائها، ومعروف كذلك عن منطقتنا ان نسبة الأمية والبعد عن التحضر فيها أكبر مما هي عليه في مناطق قطرنا الأخرى، كان لزميلي الطبيب، وقد غادر دنيانا هذه إلى رحمة الله منذ سنوات عديدة، مشاركة في النشاط الزراعي، وبسبب هذه المشاركة كان يملك جرارا ميكانيكيا يسميه مزارعونا باسمه الفرنجي، "تراكتور"، يستخدمه في مزرعته ويؤجره أحياناً لمن يطلبه من المزارعين الأخرين، في ذات يوم جاءه أحد هؤلاء المزارعين وقال مخاطباً اياه: يا تراكتور، أريد أن تؤجرني دكتورك لأفلح عليه عشرة دونمات من أرضي المعدة لزراعة القمح.

قال له زميلي الدكتور في الطب مصححا: انا يا اخي دكتور وأملك تراكتور، وأنا مستعد ان أؤجرك تراكتوري لتفلح عليه أرضا، اصر الرجل على صيغة سؤاله وقال للطبيب الزميل: لا تضحك علي يا تراكتور.. انت تراكتور وعندك دكتور تفلح عليه، انا اريد منك الدكتور!

في مساء اليوم الذي جرى فيه الحوار قص زميلي علي حكايته، وعليه آثار غيظ من اصرار الرجل على تسميته تراكتورا وتسمية الجرار دكتور، ضحكت أنا يومها وقلت له: يجدر بك ان تشكره بدلاً من أن تغتاظ منه، لقد أعطاك قوة خمسين حصانا بخاريا باعتباره اياك جرارا زراعيا لا طبيبا نطاسيا، ترى أي دكتور منا يستطيع ان يحفر ثلما بطول امتار قليلة في أرض زراعية، مثلما يفعل التراكتور الذي يفلح مساحة خمسة دونمات في أقل من ساعة واحدة؟!

لم يملك الزميل، رحمه الله، إلا ان يجاريني في الضحك حين اقر معي بفضل الجرار الميكانيكي على الطبيب البشري، على الأقل من ناحية القوة الجسدية..

وفي إحدى الأمسيات، وفي مضافة الأسرة، مال أحد الأقرباء البسطاء علي وقال: أريدك يا ابن اختي ان تفيدني عن كلمة اسمع عنها، وتقع عيني عليها احيانا في الجريدة، ولا افهمها، كلهم يسبونها ويهاجمونها، لماذا؟ لا أدري، قلت له: ما هي الكلمة؟ قال الامبريالية. ما هي الامبريالية، ولماذا يسبونها ليل نهار؟ كان هذا الكلام بيني وبين قريبي البسيط أيام كان المعسكر الشرقي في ذروة قوته وكان تعاملنا معه كبيرا، ابتسمت وانا اجيبه محاولاً تقريب معنى مصطلح الامبريالية إلى ذهنه، قلت له: الامبريالية تعني تسلط الأجانب، ولا سيما الغربيين منهم، علينا نحن الضعفاء في الشرق، كان تسلطهم قبل اليوم بالجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة يستولون بها على أوطاننا وينهبون ثرواتنا، الآن أصبحوا يفعلون ذلك بقوة الاقتصاد وأسلحة العالم وما يسمونه بالتكنولوجيا، هذه هي الامبريالية، هز محدثي رأسه كأنه لم يفهم، أو كأنه لم يقتنع بتفسيري للمصطلح الذي يسأل عنه وقال: أقول لك الصحيح؟ كان عندي في الضيعة محرك مضخة شطح، يعني افقي، ماركة امبريال، صنع الانكليز، كان احسن محرك اقتنيته، ليس مثل هذه المحركات الواقفة، يعني العمودية، السريعة العطب التي تأتينا من بلغاريا وهنغاريا والبلاد الأخرى التي لا أعرف اسمها، لماذا إذاً يسبون امبريالية ما دامت له صفاته الجيدة التي تحققت بالتجربة والتعامل الطويل؟

ما الذي كنت استطيع قوله لمحاوري عن تفاوت المعنى في مصطلح مشتق منه كلمتان متباينتان؟ لم أملك في ذلك الوقت إلا الابتسام مؤثراً السكوت على الإجابة عن سؤاله الأخير هذا، وكذلك لم أملك سوى الابتسام، بل والضحك، على ابهام المصطلح في واقعه مستني شخصياً وأرويها فيما يلي:

فقد مرت بنا فترة ارتفع فيها شعار الدعوة إلى صراع الطبقات في قطرنا، جاري القديم، صطوف الإبراهيم، الذي يعمل دلالا في أحد مرائب السيارات في بلدتنا، كان أحد الأصوات العالية في تلك الدعوة، علاقتي به جيدة، وما قصرت يوما ما في معونته حين كان جاراً لي، ولا في معونة ذويه الذين ظلوا جيرانا لي بعد أن سكن هو في حي مبعد عني، تناهى الخبر إلي بأن الحديث دار عني في أحد الاجتماعات التي حضرها وتكلم هذا الجار العزيز فيها، فقال، متباهيا باطلاعه الواسع على تصنيف الطبقات السياسية والاجتماعية وانتماء المواطنين إليها: اعرفه جيداً.. انه ارتوازي!

ارتوازي، انه مصطلح زراعي يكثر تردده على ألسن الناس عندنا حين يدور الكلام عن سقاية الأراضي الزراعية بالآبار الارتوازية، كان صطوف الإبراهيم يريد ان يعرف ساميعه بطبعي الليبرالي وانتمائي إلى الطبقة البرجوازية بين طبقات المجتمع، غاب عن ادراكه ومعلوماته مصطلح برجوازي، فنعتني بأني ارتوازي، واظن ان لو نبهه أحد إلى صحة المصطلح الذي يريد ان يستعمله لظل في عناد مثل عناد صاحب زميلي الطبيب، حين قال انه يريد الدكتور ليفلح عليه لا التراكتور ليتعالج عنده.

هذه بعض مضحكات استعمال المصطلح، ارجو ان اكون نبهت فطاحل النقاد إليها، وانهم فهموها مني بأكثر مما فهمت العديد من نظرياتهم التي لا يسهل علي هضمها واستساغتها، لا حتى ولا الضحك منها.

 

 

فيلمون الضاحك

 

فيلمون وهبه، الفنان الكبير الراحل، ليس بين المستمعين العرب من لم يعجب بألحانه ويطرب له، ولاسيما في أغانيه الفيروزية، ومن لم يستمتع بمشاهدة أدائه التمثيلي الكوميدي. أما جانبه الفكاهي الذي يتبدى في دعاباته ونكاته وزجله، فقد كان الاستمتاع به من حفظ أصدقائه ومعارفه المقربين. وعلى قلة فرص اجتماعي به، نظرا لتباعد المسافات والاهتمامات بيننا، فقد كانت لنا لقاءات أشركتني بفصول شيقة من ذلك الجانب الفكاهي المرح، كنت في بعض الفصول مجرد مشاهد أو مستمع، وكنت في بعضها الآخر طرفا معنيا. وفي مايلي أروي بعضا من حكايات تلك الفصول التي شهدتها أو سمعتها منه.

لم تكن تفوتني حفلة من حفلات فيروز والرحابنة على مسرح معرض دمشق الدولي أيام مواسمها القديمة في الصيف. كان من عادتي قبل بدء الحفلة أن أدخل الكواليس في المسرح لأحيي الفنانة الكبيرة وعاصي ومنصور، وأحيي العديدين الذين أعرفهم من الممثلين.. وفي إحدى المرات جئت من بلدتي، ثم إلى صالة العرض، متأخرا، فاتجهت مباشرة إلى مقعدي في المدرج دون أن ألتقى قبل ارتفاع الستارة بأحد من أعضاء الفرقة، ومن بينهم فيلمون، كعادتي.

كان دور فيلمون في مسرحية الرحابنة الغنائية في ذلك الموسم دور غنام بدوي يأتي بقطعانه من الكويت مارا بالعراق ثم بسورية في طريقه إلى لبنان. دخل إلى المسرح وهو يروي لرفاقه من الممثلين ما مر به من مراحل سفره الطويل هذا. وحين أدار نظره إلى جمهور الحضور في المدرج المزدحم وقعت عينه علي. لعله فوجئ بذلك. إلا أنه استمر في رواية حكاية رحلته بأغنامه فقال: ومن الموصل في العراق دخلنا سورية. وصلنا إلى مدينة الرقة على الفرات.. وهناك نزلنا ضيوفا لمدة ثلاثة أيام على الرجل الطيب الذي هو عبدالسلام العجيلي ..

كان إقحاماً مرتجلا لاسمي، مفاجئا لي، كما كان كذلك لجمهور المشاهدين. علا التصفيق في أنحاء المدرج ممن يعرفني وممن لا يعرف، كما استدارت الأعناق ليثبت أصحابها مكاني بين المتفرجين، ولأتلقى إشارات التحية من أيدي الكثيرين منهم. وظللت كل أيام إقامتي في دمشق في تلك الفترة يخبرني أصحابي بأنهم عرفوا بوجودي في العاصمة من تلك التحية المسرحية العلنية والجميلة من فيلمون.

ومع الرحابنة أيضا. دعوتي لحضور واحدة من حفلاتهم، ولكن في بعلبك هذه المرة. كنت يومها متقلدا أحد مناصبي الوزارية، إلا أني جئت بعلبك وحدي، وفي سيارتي الخاصة، صديقا ومتفرجا عاديا بغير أية صفة رسمية. ذلك أمر لم يتعوده الناس في لبنان من الرسميين، والوزراء في أولهم. فالرسميون يكونون في العادة محاطين بعدد قليل أو كثير من الأتباع والمرافقين.

استرحت بعد وصولي إلى بعلبك في فندق بالميرا مع بعض الأصدقاء، ومنهم فيلمون، في انتظار بدء الحفلة. فلما حان الموعد قصدت ساحة المسرح مع أولئك الأصدقاء، ومشيا على الأقدام، لقرب المكان. أقبل علينا أحد المعارف، وسمعته يصيح: ماهذا يا فيلمون؟ ما هذه المشية؟ التفتّ فرأيت فيلمون ورائي منتصب القامة، يمشي بخطى شبه عسكرية، وقد وضع يده على مقبض مسدس مغروس في خصره ظاهر للعيان. وسمعته يقول، وهو يعنيني بكلماته:

معالي البك جاي من دون زلامه (يعني أتباعه ومرافقيه كما هي العادة لكل وزير)... أنا زلمته؟

ضحكت أنا يومها وتأبطت ذراعه مترافقين إلى ساحة المسرح.

وهذه حكاية ثالثة لفيلمون لم أشهدها، وإنما هو رواها لي. قال:

كنت في الكويت أشارك في حفلة في مناسبة أحد الأعياد. وقفت على المسرح وأنهيت دوري في الحفلة بقصيدة ألقيتها على الجمهور الحافل من الحضور، المتميزين في طبقاتهم المختلفة.

أبيات القصيدة كانت هذه:

جئت الكويت مهنئا بالعيد

وحملت من لبنان لحن نشيدي

وحملت من بلد العروبة والمنى

بلد العلى والمجد والتغريد

قد جئت في طيارة وحدي أنا

خايفْ وحاطط قلبي على إيدي

ياميت هلا يا مرحبا بشيخ العرب

وبسالم وموفق وسعيد

لبنان أهلي والكويت أحبتي

ولأجل حبهما نظمت قصيدي

ما أجمل الساعات في بلد الرؤى

يا حبذا كم ساعة في إيدي!

قال فيلمون: ما أنهيت إنشاد البيت الأخير حتى راحت الساعات تتطاير في جو القاعة لترتمي على أرضية المسرح أمامي.. ساعات يد متعددة الأشكال والألوان والأثمان، قذفها حضور الحفلة، كانت من الكثرة بحيث كونت أمام قدميّ كومة صغيرة.. 

 

أضيفت في 16/02/2006/ خاص القصة السورية

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية