أصدقاء القصة السورية

SyrianStory-القصة السورية

 

الأدب الفلسطيني

آخر التعليقات / 40 / 39 / 38 / 37 / 36 / 35 / 34 / 33 / 32 / 31

لإضافة تعليق   / 30 / 29 / 28 / 27 / 2625 / 24 / 23 / 22 / 21 / 20 / 19 / 18 / 17 / 16 / 15 / 14 / 13 / 12 / 11 / 10 / 9 / 8 / 7 / 65 / 4 / 3 / 2 / 1

 
الاسم: كريم عبيد
العنوان البريدي: karim-abeed@hotmail.com
مشاركة حول الأدب الفلسطيني
Date: 14/05/10
Time: 02:15

التعليق:


الكتابة أمام الموت ... الكتابة أمام الوطن
دراسة في ديوان محمود درويش ( حالة حصار )

كريم عبيد

- بين الحضور والغياب :
محمود درويش ..
الغائب الحاضر دائما ً ..
الغائب على مستوى النص .. الحاضر على مستوى الكتابة ..
" موت المؤلف " قد يكون من أهم الشعارات التي رفعها النقد المعاصر , على لسان رولان بارت ..
الحضور أوّل المأساة , والغياب أول الخلق ..
ولذة الإبداع ما بينهما ..
الجسد في الميثولوجيا الشرقية , هو الحضور الأبديّ ,
الأرض , الأم الأولى , الماء , الحياة ...
والروح  هي الغياب السرمديّ , الحلم , الموت , الإله ...
وفي الحلم اكتشف الإنسان عالما ً مختلفا ً , يجمع بين المقدّس والمدنـّس ..
وفي الكتابة اكتشف الإنسان أحلامه .. عالم مليء بالتناقضات .. مزدحم بكل ما يضيق به الجسد ..
فكانت الكتابة عشتار الكاتب ..
البغيّ المقدّسة .. يمارسها أو تمارسه ..
والصفحة البيضاء معبد اللغة , وبكارة تنتظر الكلام ..
فضاء يحتلّ ذاكرتنا , ويمتدّ فيها ..
غياب حاضر .. وحاضر غائب ..
والكتابة عملية استحضار دائبة , لكلّ ما اختطفه الغياب , وتغييب ما هيمن عليه الحضور ..
هذه العملية التي , ولا شكّ , ترفدها حصيلة معرفية وفكرية وتراثية وأسطورية .. إلخ , لتتبلور في القصيدة , مكوّنة جسدَها ورؤياها ..
وما بين  الحضور والغياب , يكتب محمود درويش , الشاعر الفلسطيني الذي تلقفته المنافي صغيرا ً , وأعطته هويته الأبديّة ..
ليدخل في نسغ الوطن , كلما ابتعد عنه أكثر ..
ليؤسس لغة جديدة , لأفق إنساني ينفتح على فضاءات لا نهائية , توحّد بين الذات والموضوع ..
الذات الخالقة الغائبة , والموضوع المخلوق الحاضر , بحيث يفضي هذا التوحّد إلى الشعر :
" إلى شاعر : كلما غاب عنك الغيابْ / تورّطتَ في عزلة الآلهة ْ / فكن ذات موضوعك التائهة ْ / وموضوع ذاتك , / كنْ حاضرا ً في الغيابْ " ( ص 56 )
غير أن الأمر , ليس بهذه البساطة .. فالاستراتيجية التي يعتمدها محمود درويش في بلورة مشروعه الشعري , تتجاوز ذاتها باستمرار .. بدءا ً بـ :
1 – خلق حالة من التواصل مع الواقع , شديدة التوتر والتأزم , حالة تعمل على اختراق الواقع , وتفتيته , وبعثرته .. لتستلذ بعد ذلك , بعملية البحث عن الشظايا المبعثرة , ومن ثمّ , تركيبها من جديد .. إنها أشبه بلعبة البازل , ولكن مع معطيات لا نهائية لمجموعة الصور المكوّنة ..
إن هذه العلاقة المأزومة , تقترب من الواقع , بقدر ابتعادها عنه , وتعترف به , بقدر رفضها لـه .. بحيث يصبح الشعر " هو التسمية الأولى للوجود وجوهر كلّ الأشياء " ( 1 )
ومن هنا برز في شعر محمود درويش , ما سمّي بـ : / فلسطين المتخيَّـلة , وفلسطين الواقعيّة / .. وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية .
2 – تراوحت تجربة درويش , بين فلسطين المتخيلة / وفلسطين الواقعية , ولعلّ هذا ما جعلنا نقرأ في شعره , نماذج لأسطورة البطل الفلسطيني الخارج من واقع منهار .. مثل : سرحان , أحمد الزعتر ..
غير أن محمود درويش كان يعي , منذ خروجه من الأرض المحتلة , خطورة هذه العلاقة في جسد
النصّ .. فكان على الدوام لا يثق بإحداها حتى ينتقل إلى الأخرى , باحثا ً فيها عن أسئلة جديدة , تضفي على هذا البحث مشروعيته وإنسانيته .. يقول محمود درويش في أحد لقاءاته :
" كان على السلام أن يريح الهوية الفلسطينية , وأن يريح أسئلة الثقافة الفلسطينية , وأن ينقلنا من وضعنا الأسطوري , إلى وضعنا الواقعي , وأن يدلنا على أن الواقع أغنى من النصّ " ... " ولكن يبدو أن البحث عن حياة عادية في ظروف غير عادية هو بحث عن بطولة أخرى .. " ( 2 )
3 – تجاوز درويش الوجدان الفردي إلى وجدان جمعي , تندغم فيه الأنا بالنحن , وعلى نحو فريد .. بحيث " يدخل الخاص والعام في علاقة قلقة دائمة , حيث تكون قوة الأول وجموحه غير متلائمة مع اختبارات الصواب السياسي واللعبة السياسية التي يقتضيها الثاني . ولأنه الكاتب الحريص والمعلم الماهر , فإن درويش شاعر أدائي من طراز رفيع , ومن نمط لا نجد لـه في الغرب سوى عدد محدود من النظائر . وهو يمتلك أسلوبا ً ناريّا ً , لكنه أيضا ً أسلوب أليف لا نجده إلا عند عدد قليل من الشعراء الغربيين – من أمثال ييتس Yeats , وولكوت Walcott , وغنسبرغ Ginsberg – امتلكوا ذلك المزيج النادر الآسر الذي يجمع بين الأسلوب السحري التعويذي الموجّه
للجماعة , وبين المشاعر الذاتية العميقة المصوغة بلغة أخاذة لا تقاوم .. " ( 3 )
إن هذه الخصائص الثلاث , والتي يمكن أن نقف على تنويعات وتفرّعات كثيرة لها , تنبثق داخل اللغة / النص الشعري .. هذا الذي يصبح الشكلَ النوعيّ لهذه التراكمية المعرفية , وفق معطيات شديدة التعقيد ..
" إنه يخلق الوجود وينتج التفكير . لا شيء لـه وجود خارج الشعر , وبمعنى دقيق , لا وجود لـ " خارج الشعر " بل حتى " اللا شيء " نفسه لا وجود لـه خارج الشعر . إن فكرة سجن اللغة التي وصلتنا عن طريق الشعر لا مهرب منها . إن الوجود نص خالص من البداية إلى النهاية " ( 4 )
قد يحمل هذا الكلام إشكاليات كثيرة , على مستوى المعرفة , والنقد , والإبداع نفسه .. ولكنه يفسّر جانبا ً مهمّا ً من التجربة الدرويشية , وبحثها عن .. " واقع يكون أغنى من النصّ " وإن كان يضمر في ذاته نصّا ً أغنى من الواقع .. يكاد يتكشف في هذه التجربة , منذ أن بدأ درويش يضع الخطوط العريضة , لأسطورة البطل الفلسطيني , ضمن بناء ملحميّ , يتجاوز كثيرا ً معطيات الواقع الفلسطيني الحقيقي , ليرسم واقعه المتخيّل .. منطلقا ً في ذلك , من قدرته على رصد تفاصيل الأول , والغوص في أعماقه , وتحويله إلى بنى أولية , تدخل في التركيب الكليّ والرؤية الشمولية للواقع المتخيّل ..
ومن هنا ظهرت  قصائد مثل : سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا , أحمد الزعتر , قصيدة الأرض , قصيدة بيروت , ملهاة النرجس مأساة الفضة ..
ومجموعات مثل : تلك صورتها وهذا انتحار العاشق , و مديح الظل العالي , وورد أقل , وأحد عشر كوكبا ً ...
وفي كل هذا كانت الرؤية الدرويشية , أشبه ما تكون بما طرحه النقد الأسلوبي , حول فكرة " النظام الشمسي " الذي تتخذ فيه الرؤيا نقطة المركز أو المحور , الذي يشدّ إليه جميع الأطراف .. بل تصبح بؤرة الضوء التي تنفرد بنفسها , ولكنها تتغلغل في الطبقات العميقة لمجموع الأجزاء المحيطة به ..
وكلما اقتربت هذه الأجزاء من بؤرة الضوء هذه , توهجت وظهرت على السطح , وإذا ابتعدت غارت في الذاكرة العميقة , وأصبحت وظيفتها نوعا ً من حفظ التوازن في هذا النظام الكليّ ..
غير أنّ هذا الاتجاه الملحميّ , والذي لم يتخلّ عن غنائيته طبعا ً , اتجه في فترة لاحقة عند درويش , اتجاهات جديدة .. بحيث انحرف الخطاب الشعري عنده , إلى ما يمكن تسميته بـ " الأنا النظيرة " ..
أي أصبحت أنا الشاعر لا تختفي ضمن الأنا الجمعية في حالة التماهي المطلق , بل أصبحت تشكل نظيرا ً كليا ً لها , يتقاطع معها , بشكل حلزونيّ , ينطلق من نقطة واحدة وينتهي بنقطة واحدة .. ويرجع الحقّ في كلّ ذلك للشاعر وحده ..
فمند ديوان /  لماذا تركت الحصان وحيدا ً 1995 /  الذي عمل فيه درويش على صياغة ذاكرته , وكتابة سيرته , وفق معطيات لا تتلاشى فيها الذاكرة الفردية في الذاكرة الجمعية , إلا بقدر ما يحقق هذا
 التلاشي , نوعا ً من التوازن , الذي يجعل من أنا الشاعر شاهدا ً ومعايشا ً للحدث الخالق ..
بينما نجد في / سرير الغريبة 1999 /  شكلا ً آخر , لانفجار الأنا العاشقة , التي تتجاوز كلّ مفاهيم الغزل العربي المعروفة , لتؤسس مفاهيمها الخاصة , بعيدا ً عن ثقل القضية , في قراءة جديدة للذات
التي يبقى لها الحق الأول والأخير , في التمرّد والانقسام على ذاتها , وأن تعيش حياة طبيعة , دون
أدلجة وأسطرة ..
ويتوثق هذا البحث عن الأنا الخالقة لذاكرتها الجمعية في / جدارية 2000 /  حيث يقف محمود درويش , بعد إصابته بنوبة قلبية حادة , أمام الموت وحيدا ً , عاريا ً من كلّ شيء , إلا من ضعفه الإنساني , وخلقه الشعري .. حيث تعلن الأشياء فوضاها , وتتكشف لعين الروح حقائقُ , كانت خافية تحت انبهار الجسد ..
إن الخيط الخفيّ الذي يربط هذه المجموعات الثلاث , هو وحدة الموضوعة في كلّ منها ..
- كتابة السيرة / لماذا تركت الحصان وحيدا ً ..
- الحبّ / سرير الغريبة ..
- حوار الموت / جدارية ..
ووحدة الموضوعة , لها جذور عميقة في تجربة درويش .. يمكن أن نتلمسها في القصيدة المجموعة
 / مديح الظلّ العالي 1983 /  .. غير أن الدافع في هذه المجموعة , هو قوّة الحدث في الواقع , وخروجه على النص , وتمرّده على قوانين الكتابة ..
فبقدر ما كان الواقع متشظيا ً ومتعددا ً , جاء النصّ متماسكا ً وكليا ً, حتى عندما كان يخوض في التفاصيل الدقيقة . لقد جاء النص معادلا ً للواقع المنهار في انهماكه , في تكوين رؤيا التفاصيل , هذه التي تشكل صياغة لواقع مضاد ..
ولكن محمود درويش , في مجموعاته الآنفة الذكر , كان منجذبا ً إلى قوّة الخلق .. خلق ما هو متكوّن في الذاكرة بتفكيكه , ليس إلى عناصره الأولى فحسب , بل إلى ما قبل ذلك , إلى الذرات الفاعلة في هذا المتكوّن .. وهذه العملية أكثر ما تتجلى في :
- لماذا تركت الحصان وحيدا ً : فالسيرة الفردية حركة حلزونية لمجموعة لا تنتهي من السير .. هذه التي تكوّن السيرة الجمعية للشعب الفلسطيني .. وهي بطبيعة الحال فضاء لا نهائيّ لتلك البنى الفردية ..
- سرير الغريبة : حالة لا تنتهي من الحبّ الخالص , غير أنه حوار ينفتح على تاريخ حافل بالحبّ .. يحتلّ حيّزا ً لا يستهان به : مكانا ً وزمانا ً ..
إن درويش أشبه ما يكون بالكيميائي الذي لا يكتفي بمعرفة عناصر المادة , بل يبحث عن طبيعة الحركة في هذه العناصر ..
البحث عن حركة الأشياء .. هذه هي تجربة محمود درويش ..
بينما نجده في جدارية , وحالة حصار , يتخذ موقعا ً أقرب إلى المواجهة ..
بعد إصابته بنوبة قلبية حادة , كتب درويش جدارية , في حوار خلاق مع الموت .. حين وقف عاريا ً إلا من الشعر , ندّا ً لـه .. وكأنه أحد ملوك الفراعنة القدماء , يواجه مصيره المحتوم , أمام إشكالية الإنسان الكبرى / الموت .. فينتصر عليه بهرم أو مسلـّة , يخلـّد فيها ذكراه وحياته ..
ودرويش يكتب حياته / جداريته على جدار الروح ..
وفي وطنه المحتل , في جزء من وطنه المحتل / رام الله , رأى محمود درويش سخرية القدر , وأوهام السلام .. المنفى في  الوطن ..
الاحتلال ما زال قائما ً , والإنسان ما زال غريبا ً في أرضه , والأحلام تتلاشى كما الزبد .. فوقف
عاريا ً , إلا من الوطن .. ليكتب حالة حصار ..
مع الموت كتب جدارية ..
مع الوطن كتب حالة حصار ..
الكتابة أمام الموت .. الكتابة أمام الوطن
جدارية .... حالة حصار
الأولى أشبه بتعويذة الخلود أمام الفناء ..
الثانية أشبه بتعويذة الحياة أمام الموت ..

* * *
* حالة حياة .. أم حالة حصار ..!؟
إن النظام الذي يحكم / حالة حصار 2002  / , والمجموعتين السابقتين لها / جدارية , سرير الغريبة / ( ) نظام محكم .. وذو مسار محدد , لا يشتّ عن مداره أيّ عنصر ..
بحيث تقوم وحدة الموضوعة , في كل من هذه المجموعات , بصهر كلّ العناصر المكوّنة في بوتقة
واحدة ..  إنه جسد القصيدة / النص ..
كذلك مهارة الشاعر وفنيته العالية , التي تمثل السلطة النقدية الأولى , والأكثر قسوة ومحاكمة للقصيدة في انخلاقها الأول , من أيّ سلطة أخرى ..
إن هذا النظام الذي يفرضه محمود درويش على نفسه , نظام نسبيّ , تكون فيه الحركة الداخلية للقصيدة , فاعلة في تكوين الحركة الكلية للنصّ .. فهي بمثابة النفـَس للجسد , الذي يتخذ فيه كلّ عضو دورا ً
أساسيا ً , يؤثر في العضو الآخر , بل يكاد يكون مرهونا ً به , وبالتالي تعطي هذه العلاقة التفاعلية الجسدَ شكله الكليّ المتكامل ..
ولا يمكن للقارئ أن يمرّ مرور الكرام على هذا الشكل الشعريّ , الذي يصرّ عليه محمود درويش باستمرار , منطلقا ً بذلك , من وعيه الكامل بالشكل .. فالكتابة " من دون وعي الشكل تصبح كتابة
تداعيات ..  " ( 5 )
إنها عملية إخضاع الحالة الشعرية للمنطق النقديّ , حتى في أسمى حالات الخلق , وأكثرها توهجا ً ..
وبهذا يصبح الشكل الشعريّ نقد المتكوّن في القصيدة , بمتكوّن جديد , في عملية مستمرة .. بل تكاد تكون لا نهائية ..
لقد أصبح الشعر عند درويش كتابة ..
وبالتالي تنازل عن , أو تجاوز , الشكلَ الشفاهي , أو القرائي , الذي أنتجه داخل الأرض المحتلة , وعمل على ترسيخ وتأصيل ما يمكن تسميته بـ : / منطقية الشعور / أو / شعورية المنطق / في تجربته الشعرية .
إن كتابة قصيدة طويلة , تحتلّ مجموعة كاملة , تستدعي تفسيرات عدّة , تأخذ شرعيتها , إذا وضعنا في الاعتبار , تاريخ القصيدة عند درويش , حيث يصرّ على كتابة القصائد الطويلة , التي تمتدّ إلى مجموعات كاملة , متمرّدا ً في كلّ تجربة جديدة على سابقتها , ولا سيما في شكل القصيدة ..
إنه نقد المتكوّن في شكل القصيدة ..
هذا على الرغم من أن حركة الشعر العالمي , تشهد شكلا ً مغايرا ً للنموذج الدرويشي , هذا الشكل الذي يعتمد على الومضة الخاطفة , وانبثاق الفكرة , دون الولوج في أيّ بعد ملحميّ أو توالديّ .. ( )
ولعلّ درويش في كلّ هذا يعمل على خلق هويّة شعرية خاصة , أصبح سيدها الأول دون منازع .. مع قدرته على مواكبة حركة الشعر العالمي , ولكن على طريقته الخاصة ..
تنكشف مجموعة / حالة حصار / على ثنائية حادة من الصراع , الذي يتغلغل في البنية العميقة للنص الشعري , بل تكاد موضوعة الصراع , بكل ما تحمله من تنافر وتجاذب في الآن نفسه , توجّه رؤيا الشاعر ولغته , وتحكم نظرته للكون والأشياء :
" أيها الواقفون على العتبات ادخلوا / واشربوا معنا القهوة العربية / قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا / أيها الواقفون على عتبات البيوت / اخرجوا من صباحاتنا / نطمئنّ إلى أننا بشر مثلكم " ( ص 18 )
إن الصراع هنا , يتكشف من خلال اللغة , فالدخول يستدعي ضدّه الخروج , وكلاهما سيؤدي إلى حوار إنسانيّ خلاق , إذا ما تمّ بين هذين الضدّين ..
غير أن الشاعر لا يعدم أسلحته , في مواجهة الآخر / الموت / العدوّ / الحصار :
" كتبت عن الحبّ عشرين سطرا ً / فخيّل لي / أن هذا الحصار / تراجع عشرين مترا ً " ( 58 )
فكلما ترسخت الحالة الإنسانية الحقيقية / الحب , ولا سيما في الكتابة , تراجع أمامها الواقع المضاد . بل تصبح السياسة , بكل رموزها وحدودها وأعلامها , لعبة بيد طفل صغير لا يعبأ بها :
" سيلعب طفل بطائرة من ورق / بألوانها الأربعة ْ / أحمر , أسود , أبيض , أخضر /
ثم يدخل في نجمة شاردة ْ " ( ص 66 )
إن النتيجة التي وصلها محمود درويش منذ تسعة عشر عاما ً , في / حصار لمدائح البحر  1984 /  واحدة مع النتيجة التي وصلها في حالة حصار , برموزها ودلالاتها , مع اختلاف التسميات : بيروت هناك , رام الله هنا , والحصار قائم ومستمر :
" بيروت زنبقة الحطامْ / وقبلة أولى . مديح الزنزلخت . معاطف للبحر والقتلى / سطوح للكواكب والخيامْ " ... " / ولد أطاح بكلّ ألواح الوصايا / والمرايا / ثم نام " ( 6 )
الخلاص دائما ً يكون طفلا ً / أملا ً جديدا ً , لا يأبه بكل الحدود والقواعد , بل يتحوّل إلى رمز كليّ
للحياة ..
إن حالة الصراع التي يرصدها درويش , تتجاوز صراع الأضداد في وطن محتلّ , لتصبح صراعا ً وجوديا ً كونيا ً , يمتدّ ليشمل كلّ شيء , بدءا ً من التاريخ :
" هنا تتجمّع فينا التواريخ حمراءَ , / سوداء لولا الخطايا لكان الكتاب / المقدّس أصغر . لولا السراب لكانت / خطى الأنبياء على الرمل أقوى وكان / الطريق إلى الله أقصر " ( ص 37 )
إن الصراع على الله , أشعل الحروب وصبغ تاريخ البشرية بالدماء والخطايا , فكثر أدعياء الحقيقة . هذه التي أصبحت سرابا ً يوجه طبيعة الصراع , ويؤسس لعقلية الرفض / رفض الآخر .. يقول درويش :
" إلى شبه مستشرق : ليكن ما تظنّ / لنفترض ِ الآن أني غبيّ غبيّ غبيّ / ولا ألعب الجولف / لا أفهم التكنولوجيا , ولا أستطيع قيادة طيارة / ألهذا أخذت حياتي لتصنع منها حياتك ؟ / لو كنت غيرك لو كنت غيري / لكنـّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء / أما للغبيّ , كما لليهوديّ في / تاجر البندقيّة قلب وخبز / وعينان تغرورقان ؟ " ( 73 )
إن ثنائية الأنا والآخر , تفرض نفسها بقسوة في الواقع , وبالتالي , توجّه التفكير الإنساني إلى تقسيم
العالم : نحن / هم , شرق / غرب ... الخ .
إدوارد سعيد في كتابيه / الاستشراق , و الثقافة والامبريالية /  فضح بنية التفكير الغربي تجاه الشرق , وهزّها من العمق , ووقف على الدوافع والأسباب العميقة , التي وجهت الغرب , بكل مؤسساته : السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية .. الخ , نحو معرفة الشرق , معرفة تقود إلى السلطة والاستعلاء , وبالتالي إلى الإنشاء والتكوين , حسب ما يتوافق مع أهدافها وغاياتها . وهذا ما جعلها ضدا ً , عدوّا ً , وصيا ً , منتدبا ً , آخر بكل ما لهذه الكلمة من معنى عدائي . وهذا ما قاد الغرب إلى رفض وجود الآخر  الشرقي إلا في إطار هيمنة الغرب وسلطته ..
ومحمود درويش لا يبتعد كثيرا ً عن فكر سعيد ورؤيته , بل كلاهما يحرثان في الأرض نفسها , ويعملان على نسف الرؤية الأحادية , لتحلّ محلها الرؤية الإنسانية .. يقول درويش :
" إلى حارس ثالث : سأعلـّمك الانتظارْ / على مقعد حجريّ فقد / نتبادل أسماءنا , قد ترى / شبها ً طارئا ً بيننا / لك أمّ / ولي والدة ْ / ولنا مطر واحد / ولنا قمر واحد / وغياب قصير عن المائدة ْ " ( ص 70 )
لم تعد الكتابة عند درويش رصدا ً للحالة الشعرية فحسب , بل تحوّلت لتصبح حوارا ً خلاقا ً يبدأ من الحالة الشعرية بوصفها نقطة الصفر , ليمتدّ في كلّ اتجاه , فنقرأ الرؤيا الدرويشية في مواضع كثيرة : الحبّ , الحرية , الموت , الوطن , الإنسان .. عناوين كبرى تصبح تفاصيل وأفكارا ً جزئية في لوحة الحصار الدرويشية , التي تصبح فيها المقارنة أشدّ مرارة , وأكثر إيلاما ً بين النقيضين :
" أنا أو هو / هكذا تبدأ الحرب لكنها / تنتهي بلقاء حرجْ : / أنا وهو "
" أنا هي حتى الأبدْ / هكذا يبدأ الحبّ لكنه / عندما ينتهي / ينتهي بوداع حرجْ : / أنا أوهي " ( ص 64 )
غير أن المشهد الدرويشي ليس بهذا السواد .. فالمجموعة الـتي تمور بمتناقضات واقع الحصار والموت , تكشف عن رؤيا  مضادة لهذا الواقع , رؤيا تفيض بالأمل .. حيث يتعمّد درويش , كما يبدو , أن يختتم مجموعته بستة عشر مقطعا ً للسلام , يبدؤه نكرة في مقطعين :
" سلام على من يقاسمني الانتباه إلى / نشوة الضوء , ضوء الفراشة في / في ليل النفقْ "
" سلام على من يقاسمني قدحي / في كثافة ليل يفيض من المقعدين / سلام على شبحي " ( ص 90 )
إن الأمل المتمثـل في السلام , يبدأ خجلا ً بإرسال هذه التحية , إلى المؤمن بالآتي الغائب في الواقع , الحاضر في القصيدة , حيث يقدم الشاعر تنويعات رائعة على وتر السلام الذي يصبح معرّفا ومعروفا ً:
" السلام اعتذار القويّ لمن هو / أضعف منه سلاحا ً وأقوى مدى "
" السلام انكسار السيوف  أمام الجمال / الطبيعيّ , حيث يفلّ الحديدَ الندى " ( ص  93 )
" السلام رثاء فتى ثقبت قلبه شامة / امرأة لا رصاص ولا قنبلة ْ " ( ص 95 )
والسلام الذي يقدمه درويش بعيد كلّ البعد عن تعريفاته السياسية المؤدلجة , فهو سلام يعيد الأشياء إلى مكانها الصحيح , ويبتعد بالإنسان عن التفكير المأزوم بالحرب والقتل , ليجعله تفكيرا ً إنسانيا ً طبيعيا ً خلاقا ً :
" السلام هو الانصراف إلى عمل في الحديقة : / ماذا سنزرع عمّا قليلْ " ( ص 95 )
ستعود الحياة إلى نفسها , وينتهي زمن الحصار , ويصبح الإنسان إنسانا ً , وليس جنديا ً على أهبة
الموت .. فالبلاد تتسع للجميع :
" بلاد على أهبة الفجر / لن نختلفْ / على حصّة الشهداء من الأرض / ها هم سواسية / يفرشون لنا العشب /
كي نأتلفْ " ( ص 27 )
منذ أن وعى محمود درويش طبيعة الصراع العربي الصهيوني , أخذ يتوجه بكتابته ليس إلى قارئه العربي فحسب , بل إلى الآخر اليهودي , الغربي أيضا ً , فقضيته لم تعد قضية شعب محتل , بل قضية أمة بكاملها , قضية وجودية تكاد تهزّ موازين القوى في العالم المعاصر وتغيّرها ..

* * *

* الشعر وأسئلة الحداثة :
لقد بات من المعروف أن المشروع الدرويشي مشروع متوالد , يزداد تجدّدا ً كلما فكـّك نفسه , في عملية انخلاق جديدة , تتنازل فيها الجزئيات المفككة عن سماتها في الكلّ الأول , لتنطوي تحت كلها الآخر , متخذة سمات جديدة ..
وتجديد درويش كما ذكرنا , لم يتوقف عند نقد الشكل في مجموعاته الشعرية , من خلال التنويع في شكل القصيدة , وابتداع أشكال جديدة , بل تجاوزه إلى محاكمة مباشرة لكل ما تطرحه الحداثة الشعرية , وذلك في نسيج القصيدة العام ..
فقد تحوّل الشعر عند درويش إلى حوار فكريّ , ولكن دون أن يتخلـّى عن روحه الانفعالية , وذلك في تمازج عجيب , لصالح القصيدة / النص , ولصالح قارئها :
" إلى قارئ : لا تثق بالقصيدة / بنتِ الغياب / فلا هي حدسٌ / ولا هي فكرٌ / ولكنها حاسّة الهاوية ْ " ( ص 83  )
هذه الهاوية التي أصبحت إحدى إشكاليات النقد الحداثي الكبرى , أودت بصاحبها تحت شعار " موت المؤلف " هذه الشعار الذي أصبح في الخطاب الدرويشي , فكرة للتشكك بواقع الشعر والنقد , وأسلوبا ً لفهم واقع الكتابة :
" الوميض , البصيرة والبرق / قيدَ التشابه .. / عما قليل سأعرف إن كان هذا / هو الوحي ... / أو يعرف الأصدقاء الحميمون / أن القصيدة أودتْ بشاعرها " ( ص 24 )
وعليه يرفض محمود درويش النقد الضيّق الافتعاليّ , الذي يصطنع القاعدة , ثم يبحث عن النموذج :
" إلى ناقد : لا تفسّر كلامي / بملعقة الشاي أو بفخاخ الطيور / يحاصرني في المنام كلامي / كلامي الذي لم أقله / ويكتبني ثم يتركني باحثا ً / عن بقايا منامي " ( ص 25 )
إن الوقوف على الرؤيا الكلية للنصّ , ومعرفة البنى التي تقف وراءها , هي إحدى مطالب الشاعر وغاياته من ناقديه .. فالخروج من أحاديّة الرأي , وسجن اللغة , وقسرية النقد , وضيق الرؤيا .. بعض آليات النقد القويم , وإلا سقط الناقد في السطحية ووهم النقد , وسقط النصّ في إطاره النقديّ , واتخذ شكلا ً أسطوريا ً جامدا ً في الفكر والواقع :
" الأساطير ترفض تعديل حبكتها / ربّما مسّها خلل طارئ / ربّما جنحت سفن نحو يابسة غير مأهولة / فأصيب الخياليّ بالواقعيّ / ولكنها لا تغيّر حبكتها / كلما وجدت واقعا ً لا يلائمها عدّلته بجرّافة / فالحقيقة جارية النص , حسناء / بيضاء من غير سوء " (  ص 72 )
إن دلالات هذا النص مفتوحة وغنية , تنسحب على الواقع :
الأساطير =  قوانين كلية لفهم الكون ..
ترفض تعديل حبكتها / لا تغيّر حبكتها = ثباتها المطلق ..
ربما مسها خلل طارئ ... = اصطدام هذه القوانين الثابتة بالواقع المتغيّر
النتيجة = تداخل الخياليّ بالواقعيّ = تعارض النص مع الواقع ..
وهنا تحدث المشكلة الأكثر عمقا ً وتعقيدا ً = كلما وجدت واقعا ً لا يلائمها عدّلته بجرافة = تعديل الواقع قسريّا ً, وبالقوة لصالح المطلق الخياليّ/ النص / الأسطورة ..
باختصار هذه حال النصّ في الكتابة / النص فوق الواقع ..
وهذه حال الصراع اليهودي العربي / الأسطورة ضدّ الواقع ..
أساطير التوراة وأكاذيبها , لم تجد ما يثبتها على أرض الواقع الذي رسمته , فاتخذت القوة وسيلة لخلق واقع , يتناسب مع أساطيرها , أو عدلت واقعا ً موجودا ً / الفلسطيني طبعا ً , ولم تتنازل لحظة , أو تقبل تغيير حبكة أساطيرها يوما ً , وبهذا خلقت حالة من الصراع , الذي لا ينتهي بين أساطير , ينتمي أكثرها إلى الوهم والكذب , وبين واقع حقيقي لا ريب فيه ولا شك ..
هذه هي الرؤيا العميقة , التي يختزنها النص الدرويشي بأقل الكلام .
إنها الحبكة الدرويشية التي لا ينازعه فيها أحد ..
إنها الرؤيا الدرويشية التي تحاول التأسيس لواقع فوق النص , واقع فلسطين الواقعية , وليس فلسطين المتخيّلة .. يقول :
" الشهيد يحاصرني كلما عشت يوما جديدا ً / ويسألني : أين كنتَ ؟ / أعدْ للقواميس كلّ الكلام الذي / أهديتنيه / وخفـّف عن النائمين طنين الصدى " ( ص 77 )
" الشهيد يعلـّمني : لا جماليّ خارج حرّيتي " ( ص 79 )
ولكنّ السؤال : هل تحقق هذا الواقع الواقعيّ ؟؟
الجواب لن يكون بعيدا ً عن أحد ..
واقع مأزوم لا يقدّم ألا نصّا ً مأزوما ً .. أو كما يعبّر درويش :
" خسائرنا من شهيدين حتى ثمانية / كلّ يوم / وعشرة جرحى / وعشرون بيتا ً / وخمسون زيتونة / بالإضافة للخلل البنيويّ الذي سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة ْ " ( ص 38 )
هذا واقع الحال وواقع الكتابة في الأرض المحتلة , الذي تنبّه له درويش منذ خروجه منها عام 1970 , وها هو يؤكده ثانية عام 2002 في الأرض المحتلة ذاتها ,  وقد اطلع على ما يكتب فيها ولا شكّ ..
النتيجة نفسها : واقع مأزوم سينتج نصّا ً مأزوما ً مثله , وما شذ ّ عن القاعدة تأكيد لها ..
* * *
* مرآة الذات / نقد التجربة :
لم تعرف التجربة الدرويشية , عبر امتدادها الطويل , ركودا ً أو استقرارا ً على حال واحدة .. فقد نأت هذه التجربة عن الثبات , لتلقي بنفسها في خضمّ الحركة , بما هي انتقال من طور إلى طور , تحت قانون " نفي النفي " فهي تلغي ما قبلها في كليته دون أجزائه , وتندرج فيما بعدها في أجزائه دون كليته ..
وهذا ما أمدّ التجربة الدرويشية بتجددها الدائم ..
ولكن هذا القانون ليس تلقائيا ً , كما قد يظنّ المرء , بل هو نتيجة لدراسة دائبة , ومراجعة مستمرة للخطوط والعناوين الكبرى في هذه التجربة .. حيث اتخذ خطـّا ً بيانيا ً صاعدا ً بقوة , فكلما ظنّ المتلقي , مع صدور مجموعة جديدة للشاعر , أنه قد استنفد ما عنده , وألقى بآخر أوراقه , يفاجئ قارئه , بل يصدمه بجديده , هذا الجديد الذي ينبثق من قديمه , أو كما يعبّر درويش : " إذا قام الشاعر بقراءة سلالية لسلالات شعره , فإنه سيجد أن كلّ مجموعة لها بذرة في المجموعة السابقة " ( 7 )
ومن هنا فإن نقد محمود درويش لتجربته , كان أشدّ صرامة , من كلّ نقد آخر يمكن أن يتناولها , لأنه نقد من الداخل , لا يأخذ بالمقدّمات , لأنها باتت بديهية , ولكن ينطلق من النتائج ..
إنها مرآة الذات الكاشفة ..
في حالة حصار ثمة مواجهة مع المجموعات السابقة : بأساليبها ولغتها وجمالياتها وأفكارها .. قدّمت لدرويش النتيجة التالية :
" قال لي في الطريق إلى سجنه : / عندما أتحرّر أعرف / أن مديح الوطنْ / كهجاء الوطنْ / مهنة مثل باقي
المهنْ " ( ص 50 )
إن المبالغة في الوطن : حبّا ً أو نفورا ً , تلغي الوطن الحقيقي , ليظهر الوطن العادة , الذي لا قيمة له ولا معنى .. معرفة الوطن في فقده .. هذا هو الخطاب الدرويشي منذ مجموعته أعراس 1977 :
" والتقينا بعد عام في مطار القاهرة ْ / قال لي بعد ثلاثين دقيقة ْ : / ليتني كنت طليقا ً / في سجون الناصرة ْ " ( 8 )
محمود درويش لا يتنازل أبدا ً عن المسلـّمات التي لا خلاف عليها , ولا سيما الحوار بين البشر / بين الأضداد / بين الحضارات .. في قصيدته / خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض / تجلـّت دعوته هذه بأجمل صورها .. يقول :
" .. أسماؤنا شجر من كلام الإله , وطير تحلق أعلى / من البندقيّة . لا تقطعوا شجر الإسم يا أيها القادمون / من البحر حربا ً ولا تنفثوا خيلكم لهبا ً في السهول / لكم ربكم ولنا ربنا . ولكم دينكم ولنا ديننا / فلا تدفنوا الله في كتب وعدتكم بأرض على أرضنا / كما تدّعون ولا تجعلوا ربّكم حاجبا ً في بلاط الملكْ / خذوا ورد أحلامنا كي تروا ما نرى من فرحْ / وناموا على ظلّ صفصافنا كي تطيروا يماما ً يماما / كما طار أسلافنا الطيبون وعادوا سلاما ً سلاما " ( 9 )
هذا الفكر الخلاق , سيمتدّ إلى حالة حصار ولكن بثقة أقلّ , فرضتها الانكسارات المتلاحقة والهزائم الكثيرة :
" أيها الواقفون على العتبات ادخلوا ، واشربوا معنا القهوة العربية / قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا " ( ص 18 )
إن هذا الانكسار الخفيّ الذي يحمله درويش , يأخذ صورا ً أكثر مرارة وقسوة , حيث يتحوّل المقاتل الفلسطيني الذي تحدّى كلّ أنواع الحصار والانهيار والموت في  مديح الظلّ العالي 1983  :
" حاصرْ حصارك بالجنون / وبالجنون / وبالجنون / ذهب الذين تحبّهم ذهبوا /
فإما أن تكونْ / أولا تكونْ " ( 10 )
هذا المقاتل الواقعي الحقيقي , على أرض واقع حقيقي , أصبح مقاتلا ً آخر في حالة حصار , معركته على الورق :
" إلى الشعر : حاصرْ حصاركْ " ( ص 57 )
إن هذا التحوّل نتيجة لواقع متلاحق من الهزائم والخيانات العربية ,التي اختزلت القضية باتفاقية رخيصة , والوطنَ بجزء صغير من الوطن .. وصرخة درويش في / ورد أقلّ 1986 / :
" ونحن نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا / ونرقص بين شهيدين . نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا .. " ( 11 )
إن الأمل آنذاك , كان ما يزال حاضرا ً , على الرغم من ضآلته . هذا الأمل الذي أصبح واضحا ً على لسان الحقيقة / الشهيد : البحث عن وطن ما زال غائبا ً في الشهادة .. :
" الشهيد يوضّح لي : لم أفتـّش وراء المدى / عن عذارى الخلود , فإني أحبّ الحياة / على الأرض بين الصنوبر والتين لكنني / ما استطعت إليها سبيلا / ففتـّشت عنها بآخر ما أملك : / الدم في جسد اللازورد " ( ص 78 )
لقد تحوّل الخطاب الجماعي / نحن نحبّ الحياة / إلى خطاب فرديّ / فإني أحبّ الحياة / وكأن الوطن بأكمله تحوّل إلى شهيد يبحث عن نفسه الضائعة ..
وثمة شكل آخر من المواجهة النقدية , التي يعتمدها درويش لتجربته , تتعلق بالأسلوب : لغة أو بناء أو شكل بناء ..
فاللغة في هذه المجموعة امتداد لسابقاتها .. فهي لا تحفل كثيرا ً بالجماليات  , التي رأيناها في / لماذا تركت الحصان وحيدا ً 1995 / بل تكتفي بما تستدعيه اللغة الدلالية , ولكن بمهارة المعلم الحاذق , الذي لا يتنازل في الحدّ الأدنى , عما بلغته قدرته اللغوية من انزياح وتخلـّق , ودلالة تفيض عن واقعيتها , بحيث تصبح اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول , عملية مدروسة بدقة متناهية .. نقرأ مثلا ً :
" هنا عند منحدرات التلال أمام الغروب / وفوّهة الوقت / قرب بساتين مقطوعة الظلّ / نفعل ما يفعل السجناء / وما يفعل العاطلون عن العمل : / نربّي الأملْ " ( ص 9 )
فالبيئة / منحدرات التلال أمام الغروب , تصبح مكانا ً بانفتاح دلالتها / فوّهة الوقت . . ولكنّ هذا المكان  يفقد فضاءه بانغلاق واقعيته / نفعل ما يفعل السجناء وما يفعل العاطلون عن العمل , ويعود ليصبح فضاء مكانيا ً من جديد , بانفتاح الدلالة : نربّي الأملْ ..
إن إصرار درويش , كما يبدو , على تقديم لغة , ليست هي الشعر , وليست هي النثر , أصبح جوهر الأسلوب الدرويشي :
" إلى الشعر والنثر : طيرا معا / كجناحي سنونوة تحملان الربيع المباركْ " ( ص 57 )
وثمة إصرار آخر على توطيد هذا المزج من خلال :
1 - تفعيلة المتقارب / فعولن / التي تكاد تسيطر على مجموعات درويش الأخيرة , بشكل كليّ تقريبا ً ..
هذه التفعيلة المفردة , التي تخفف من حدّة التنافر بين حروف اللغة الساكنة والمتحركة .. مما يجعلها حدا ً وسطا ً بين الشعر والنثر .. وهذا ما أكـّده درويش في لقاءات كثيرة ..
2 – إحياء درويش لأسلوب , اعتمده في مجموعته / أرى ما أريد 1990 /  وهو الرباعيات .. نقرأ مثلا ً :
" أرى ما أريد من السلم .. إني أرى / غزالا ً وعشبا ً وجدول ماء .. فأغمض عينيّ : / هذا الغزال ينام على ساعديّ / وصيّاده نائم قرب أولاده في مكان قصيّ " ( 12 )
ونقرأ في حالة حصار :
" السلام حنين عدوّين كلّ على حدة ٍ / للتثاؤب فوق رصيف الضجرْ /
السلام أنين محبّين يغتسلان /  بضوء القمرْ / ( ص 92 )
إن هذا الانبثاق الشعري الذي نقرؤه عند درويش , لا يمكن أن يكون عفويا ً , ولا سيما إذا وضعنا في الاعتبار : خبرة درويش وحنكته في قراءة تجربته باستمرار , وتصاعد هذه التجربة بقوة , دون اجترار لذاته , كما يحدث لعشرات التجارب التي تقع في شرك الابتذال والتصنـّع ..
ويمكن لنا الوقوف على الكثير من الأفكار , التي يعود درويش لمحاورتها , في ضوء مستجدات واقعه الكتابي من جهة , والواقع الفلسطيني / العربي / العالمي / من جهة أخرى .. بحيث لا تكون هذه الأفكار تكرارا ً , أو استعادة غبية لممتلكات قديمة , كما يعتقد بعض النقاد , بل هي محاكمة دائمة , لكلّ ما تنتجه الروح الشاعر على مرآة الذات الناقدة ..
لقد كان من الممكن لهذه الدراسة , أن تمتدّ لتشمل جوانب أخرى في هذه المجموعة الثرّة : كالصورة الشعرية , واللغة , وبنية القصيدة ... الخ ..
ولكن , وإن كان الغوث قليلا ً , فقد يحيي الأرض الواسعة الكبيرة ..
وعسى أن تكون هذه الدراسة مفتاحا ً , لدراسات لاحقة , تضيء زوايا أخرى , لم تتناولها هذه الدراسة , ولكن في ضوء التجربة الدرويشية , ووضعها في مكانها الصحيح , بالنسبة لحركة الشعر العربي والعالمي المعاصرين ...
كريم عبيد
27 / 11/ 2003 للأعلى

الأسم: أبورامز

العنوان البريدي: msalameh@palfriends.org
 مشاركة حول الأدب الفلسطيني
Date:29/10/07
Time:11:57
 
التعليق:
 
أنا معلم وباحث من فلسطين أود خدمة جليلة من حضرتكم في بيان عناصر الرواية في رواية النهر بقمصان الشتاء لحسن حميد أو قراءة تحليلية فيها
أنتظر ردكم مع بالغ الشكر
وشكرا لكمللأعلى

الاسم: سورية عاشت فلسطين

العنوان البريدي: aya_syria2008@hotmail.com
مشاركة حول الأدب الفلسطيني
 20/05/07 :11:17
التعليق:
 
نعم انا احب فلسطين واموت بالشعب السوري الذي يؤي الشعب الفلسطيني فلنهتف لسورية ولنهتف لفلسطين
تحيااا فلسطين وتحيا سوريا بلد فلسطينللأعلى

الاسم: حنين مجمود

العنوان البريدي: mousa21@hotmail.com
مشاركة حول الأدب الفلسطيني
14/01/07
16:07
 
التعليق:
 
يعد شعر المقاومة الفلسطينية من اهم الاشعار التي ترخت النضال الشعبي الفلسطينيللأعلى

من إدارة الموقع

مشاركة حول الأدب الفلسطيني
المشاركة
Tuesday 03 October 2006
23:41:44
 
الأخ الصديق أحمد الخميسي تحية طيبة وبعد، أنا اشكر لك اهتمامك بموضوع المشاركة في أدب الطفل، ولكن أحب أن أفيدك بأننا قمنا بنشر النص المرسل من قبلك وبناء على رغبتك في المشاركة في العدد الخاص بالأدب الفلسطيني كما وصلنا، ولم يكن هناك كما ترى أي إشارة إلى جنسية الكاتب طالما لم يرفق بطاقة تعريف عنه حتى نقوم بوضعها كما يفعل بقية الأصدقاء، ولهذا فالتقصير هو من طرفك ومن طرف كل كاتب يرسل مواده لينشرها في الموقع دون إرسال أي توضيح أو سيرة ذاتية وكما هو واضح في شروط النشر في الموقع، هذا بالإضافة إلى أن المشاركين في الأعمال حول الأدب الفلسطيني ينتمون إلى بلاد عربية مختلفة، أهلا بك مرة ثانية والى مزيد من العطاء.

أحمد الخميسي
مشاركة حول الأدب الفلسطيني
المشاركة
Tuesday 03 October 2006
23:41:44
 
الأخوة الأعزاء .. يشرفني بلا شك أن أنتمى لشعب عظيم مثل الشعب الفلسطيني ، ويسعدني إلي ما لا نهاية أن أكون فلسطينيا، لكنني مصري ، وقد نشرتم قصتي " بط أبيض صغير " ضمن ملف يوحي بأنني فلسطيني . وبداية أشكركم على النشر ، ولكن ألا يمكن لكاتب أن يكون مصريا أو سوريا ، وقلبه كله مع فلسطين ؟ . تحياتي الصادقة لكم وللموقع . أحمد الخميسيللأعلى

الهام شوراق

مشاركة حول الأدب الفلسطيني
المشاركة
Sunday 24 September 2006
15:27:16
 
يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الانسان وما هم احترموها ولا قدروها فكيف يمن ان يطبقوها لو كانو يعرفون حتى معنى كلمة الديمقراطية والحريةكنا قد قلنا ممكن ولكنهم يقولونها بلسانهم ولا يفكرون فيها بعقولهم ويدعون انهم قد جاؤو لتحريرنا فهل هم حررو أنفسهم من نفوسهم الخبيثة حتى يحرروننا لوكانو اتو حقا من اجل هذا الهدف الأخير  لجاؤو بقلم و دفتر ليس بمدافع و قنابل وبقلوب صافيةللأعلى
 

د. قسطندي شوملي
qshomali@bethlehem.edu
مشاركة حول الأدب الفلسطيني
Sunday 28 May 2006
15:06:17

مؤتمر حول الأدب الفلسطيني في جامعة بيت لحم الأدب الفلسطيني في المثلث والجليل يحتل الأدب الفلسطيني في المثلث والجليل موقعا خاصا ومتميزا، وهو جزء من الأدب الفلسطيني، كتبه أدباء يعانون من وضع فريد. فهم جزء من الشعب الفلسطيني الذي تحول الى أقلية وطنية، ولكنهم يعيشون مواطنين في دولة إسرائيل وسط أغلبية يهودية. وقد خلق هذا الوضع الفريد شكلا من أشكال الازدواجية التي ترتبط بهويتهم ووجودهم وتجاربهم الحياتيه، انعكست في كتاباتهم بصورة جلية واضحة. فقد ظلوا متمسكين بجذورهم وحضورهم السياسي والثقافي رغم الحصار الخانق الذي يهدف إلى عزلهم عن محيطهم الثقافي العربي، وعبروا في الوقت نفسه في كتاباتهم عن واقعهم الجديد. وقد اشتغل غير باحثٍ عربي وفلسطيني بدراسة ذلك الإنتاج، إلا أنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث لغزارته وتعدد مناحيه وتجدده. من هناعقد في جامعة بيت لحم في الفترة ما بين 26-27 أيار 2006 مؤتمر حول الأدب الفلسطيني في المثلث والجليل، شارك فيه نخبة من الكتاب والأدباء من المثلث والجليل والضفة الغربية، وعدد كبير من الباحثين والنقاد من الجامعات الفلسطينية المختلفة. وقد تم افتتاح المؤتمر بحفل تكريمي للأديب حنا أبو حنا حيث منح شهادة تقديرية من جامعة بيت لحم تقديرا لجهوده في الحركة الأدبية في المثلث والجليل ولغزارة انتاجه وتنوعه. واستمرت اعمال المؤتمر لمدة يومين قدمت فيها مجموعة من الابحاث حول الأدب الفلسطيني في المثلث والجليل واشترك فيها عدد كبير من الباحثين والنقاد. الأوراق التي قدمت في المؤتمر مدخل لدراسة الأدب الفلسطيني في المثلث والجليل، د. قسطندي شوملي ظاهرة الحذف في أشعار سميح القاسم: الحذف والدلالات، د. عادل الأسطة القناع والرمز في سربية سميح القاسم- كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه، د. إحسان الديك. الرسائل بين محمود درويش وسميح القاسم: أكتب إلي أكتب إليك، أ.د. عادل أو عمشة الرواية في الجليل من خلال أعمال إميل حبيبي وسلمان ناطور، الأستاذ سمير حاج إميل حبيبي: مقاربة سوسيولوجية ثقافية أو إعادة انتاج الوعي بالذات،نصار إبراهيم هموم الرواة ومتعة اللقاء: قراءة تحليلة نقدية في رواية النهر بقمصان الشتاء للكاتب حسن حميد د. نادي ساري الديك الموروث الشعبي في شعر توفيق زياد، سناء احمد تايه ثلاث تسميات والمؤدى واحد: عن كتاب حنا أبو حنا ظل الغيمة. د. فاروق مواسي التواصل بالتراث في شعر حنا أبو حنا، د. حسام التميمي الأبعاد المرجعية والثقافة في سيرة حنا أبو حنا ظل الغيمة، د. عدوان عدوان هكذا مسرحنا الواقع، هكذا تحايلنا عليه.. شهادة سلمان ناطور الحركة المسرحية في الجليل - أدمون شحادة نقد النقد في أدبنا المحلي- د. محمد خليل الأدب كمقاومة -د. محمد نعيم فرحات الالتزام والثورة في أشعار محمود الدسوقي، أ.د. يحيى جبر أ. عبير حمد الحضور والغياب في ديوان محمود درويش "لا تعتذر عمّا فعلت"، د. عبد الخالق عيسى الهوية في شعر محمود درويش، هنادي سوداح للأعلى


 

نزار ب. الزين
nizarzain@adlphia.net
المشاركة
Monday 08 May 2006
18:47:11

كيمنسانيا2 الرملة

بقلم: نزار ب. الزين*

تلقى الميجر شمعون هاتفيا ، نبأ انسحاب الكتيبة العربية بابتسامة عريضة، فهو يعلم أن هذا الحدث هو بداية العد التنازلي لتنفيذ عملية ( داني2 ) . إرتدى ثيابه العسكرية على عجل ، ووقف برهة تجاه سريري ابنتيه راحيل وراشيل ، ثم إلتفت إلى زوجته ساراي فقبلها ثم مضى مسرعا قبل أن تلمح عينيه المغرورقتين . وسرعانما لفظته ( بتاح تكفا ) لتستقبله ( بن شمعون ) حيث مقر قيادة العملية ، وهناك تلقى جزئية الخطة المنوطة به في غلاف مغلق ؛ وفي الساعة العشرين فض المغلف ليكتشف أنه مكلف وأفراد سريته بدور رأس الحربة ، وستُحمل السرية على عربات مصفحة خفيفة قادرة على سرعة المناورة وعربات ( جِب) محملة بمدافع البازوكا . ***** في مقر قيادة الكتيبة العربية ( من كتائب الذراع العربية للجيش البريطاني ) في البلدة ذات المائة والخمسين ألف نسمة ، كان أربعة من ضباط الصف يتنافسون في مباراة حامية الوطيس بلعبة ( الهندريمي ) ، فالرهان كان على وجبة غذاء اليوم التالي التي ستتكون من اللحم بعجين واللبن الرائب والعنب البلدي . إلا أن ألسنتهم كانت تتصارع أيضا ، فقائد المجموعة يؤكد أن القتال لن يستأنف، ودليله على ذلك إنسحاب معظم عناصر الكتيبة العربية المؤللة إلى جهة غير معلومة . مساعده كان يصر على أن القتال أمر محتوم حال إنتهاء الهدنة، وحتى إذا لم نرده نحن فالآخرون يريدونه، سعيا لاكتساب أرض جديدة . أما العريف جويفل فبعد أن احتسى رشفة طويلة من شايه الثقيل، همهم ثم قال : " هذه الحرب من أولها لتاليها لعب عجيان ، وما يشاؤه (الحمران) هو ما سينفذ آخرالأمر ، والحسرة على الذين راحوا ( ببلاش ) ***** رنين الهاتف يعلو ، أطولهم قامة وأثخنهم شاربا و أقلهم رتبة ، هرع إليه ، وبعد دندنة لم تطل كثيرا عاد متثاقلا ؛ العيون تثبتت نحو فمه ، ولكن تباطأ في إشباع فضولهم ، نهره أبو فواز وحثه بلهجة آمرة متذكرا اللحظة أنه رئيسه : - ما الأمر يا سعفان ؟ تكلم ! فأجابه في الحال متخذا وقفة الإستعداد : - القيادة ، سيدي ، تنبهنا أن أن الهدنة لن تتجدد ، و انتهاؤها عند إنتصاف الليلة ، وأن علينا استنفار القوات و تعزيز الحراسة عند مداخل البلدة . فضحك أبو فواز ثم علق ساخرا : - أي استنفار و أية قوات ؟ لا شك أن أحدهم كان يمازحنا ! وبعد فترة صمت تساءل جويفل : - ألا يجدر بنا إبلاغ حاكم المدينة العسكري ؟ فرد عليه (عليوي) لائما : - علام نوقظه من نومه ، ألم تقل قبل قليل أن المسألة كلها لعب ( عجيان )؟ إلا أن سعفان لم يطمئن إلى تعقيب قائده فما لبث أن أعلن انساحبه من اللعبة حتى لو اعتبروه خاسرا ، ثم استأذن بالانصراف للاطئنان على ( العيلة ) . حاولوا تسفيه مخاوفه دون جدوى فرموا بأوراقهم ، أما (بو فواز) فقد ابتعد غاضبا لأنه كان في المقدمة بينما فرح عليوي لأنه كان الخاسر المرجح ، فتمطى و هو يقول باسترخاء : - فلنأخذ يا ( الربع ) سنة من النوم فلعل المتاعب آتية في القريب العاجل . و بينما كان سعفان يهم بالخروج ناداه قائده آمرا : - لا ترهق نفسك يا سعفان ! فانفجر أربعتهم ضاحكين . ثم أضاف بنفس لهجته الآمرة الممزوجة ببقايا ضحكته الرنانة : - قدم نفسك إليّ مع أولى خيوط الفجر! كان سعفان أقدمهم في القسم ، وأكثرهم استقرارا فيه ، و لذا فهو الوحيد بينهم الذي تمكن من اصطحاب زوجته الشابة ( مزيونة ) ، إلا أنه و خلال كل ذلك ظل مدركا لحسن نواياهم ، ما جعله يحتمل مزاحهم دون تذمر . أما مزيونه ، فبسبب بعدها عن أهلها و انعزالها النسبي عن جيرانها ،لأنهم ظلوا يعاملونها بشيء من التعالي لمجرد أنها بدوية ، فقد كانت تكرس كل نهارها لخدمة طفلها ، وجل ليلها لإدخال السرور إلى قلب زوجها . ***** مع بزوغ الفجر انهمكت مزيونة بإعداد الحمّام لزوجها، وفجأة دوى أول انفجار، هبت مذعورة : - ما هذا يا سعفان ، فأجابها محاولا تهدئتها : - الهدنة انتهت الليلة يا مزيونة ، ولعل هذا الانفجار علامة ذلك . ولكن عندما دوى انفجار ثان ثم ثالث، هب واقفا وأخذ يرتدي ملابسه العسكرية على عجل . أطفأت مزيونة الموقد ثم تهالكت على الكرسي الخشبي الذي كان سعفان سيستحم فوقه، ثم أسندت رأسها بين يديها خشية أن ينجرف مع الدوامة الهادرة في داخله ، ثم انبثقت دموعها بصمت . كانت طلقات المدفعية تصدر من جهة المطار ، ثم أعقبتها صليات متفرقة لرشاشات ثقيلة. توقفت الطلقات والانفجارات الآن إلا أن هديرا غامضا يبدو كأنه هدير مجنزرات كان يقترب رويدا رويدا ، فتوجس أبو فواز شرا ، فأمر سعفان بالقيام مع عنصرين آخرين بدورية استطلاع ، ثم انكفأ إلى الهاتف مجيبا: - سعادة الحاكم ؟ الطلقات صادرة من الغرب ، سيدي ، هناك حركة مريبة من نفس الاتجاه أرسلت لتوي دورية لاستطلاعها . إلا أن سعفان لم يعد أبدا ، و كذلك لم يعد من أفراد الدورية غير سائق ( الجِب) المثخن بالجراح ، ليعلن أن البلدة مطوقة من جميع الجهات ، وأن سعفان وشتيوي قد قتلا على بعد 200( ذراع) غرب البلدة . ***** أسرع أبو فواز إلى الهاتف ، ففوجئ به صامتا ، فاستدعى السيارة المحملة بجهاز اللاسلكي ثم أمر بإجراء إتصال فوري مع القيادة ، طلبا للنجدات ، وكذلك لإبلاغ حاكم البلدة بخطورة الموقف ، و بعد جهد متواصل تمكن ضابط الإتصالات من إلتقاط ما يفيد أن الرسالة وصلت و أن النجدة في الطريق و أن على الحامية الصمود حتى وصولها . و تجاوزا لأوامر القيادة القاضية بعدم التعامل مع فلول المليشيات المتواجدة في البلدة ، أرسل إليهم من يخبرهم بحقيقة الموقف و بضرورة الإستعداد للمواجهة المرتقبة . و على الرغم من التكتم الشديد فقد انتشر خبر حصار البلدة انتشار النار في الهشيم . و عند الظهيرة و من أعلى مئذنة مسجد البلدة الكبير ، صدح الأذان داعيا إلى صلاة الجمعة ، فتسابق الشيب و الشبان إليه فكان عددهم يفوق ضعف العدد المعتاد و قد اصطحب كثيرون غلمانهم ، ثم انتشر أكثرهم- بعد أن ضاق المسجد بهم- في صحنه حتى الشارع المجاور ، ففي يوم مثير كهذا يحسن أن يكون المرء أكثر قربا من ربه . ***** ثمت هدير في الجو يقترب أكثر فأكثر فأكثر فأكثر شخصت الأبصار نحو السماء العيون القلقة تنقب بين الغيوم الريشية التي ملأتها لم يطل الترقب طويلا برزت أربع طائرات من ذوات المحركات الأربعة لم يكن يمتلكها الأعداء من قبل... ثم انهمرت القنابل معوِّلة مولولة متراقصة قبل أن تنفجر ثم انفجرت ... في افتتاحية فذة لمغناة جديدة من ( أوبرا ) الموت و الدمار ، جعلوها بشيرا لاشتعال و قود تفاعل كيمنساني جديد . المصلون في صحن الجامع إندفعوا إلى الخارج واؤلئك الذين كانوا تحت قبته بدؤوا يخرجون متدافعين إلى الصحن بعض الصغار سحقتهم الأقدام وبعض المسنين طحنتهم الأكتاف لمحتهم قنبلة ذات خمسمائة رطل اتجهت على الفور نحوهم فانفجرت وفجرتهم و سرعانما انتشرت الشظايا مختلطة بالأشلاء أما راس المئذنة فلم يحتمل مزاحها الثقيل فانفلت من موقعه نحو القبة ، فمزقها و من ثم تعاون مع حطامها في القضاء على المزيد من المؤمنين . ***** عباس عابدين تاجر( كلف) و لوازم خياطة ، صحا من الصدمة ليجد نفسه حيا بين كتل اللحوم غير المميزة ، وكأنما سكبت عليهم يدا خفية كميات هائلة من صبغة أرجوانية ، جعلتها أشبه بالمسلخ في عيد الأضاحي ؛ وعن يمينه صدرأنين خافت ، وعن يساره ثمت حركة يد ضعيفة ارتفعت قليلا ، تكلمت أصابعها بلغة مبهمة ثم تهاوت . رفع رأسه فارتفع ، ثم نصب جسمه فانتصب ، حرك ساقيه فتحركتا ؛ هنا أدرك أنه ليس حيا فحسب ، بل حيا وسليما ومحظوظا ، فهرع نحو بيته وعياله. وصل عباس فالتفوا حوله بين معانق ومقبّل ، يا للفرحة ، الكل سليم ، قالها في سره ثم أعلن ألا وقت للعواطف : " إجمعوا ما خف حمله وغلى ثمنه ، لكل منكم بقجة واحدة على قدر طاقته لا أكثر ، أما أنت يا أم يعقوب فلا تنسي مصاغك أو مصاغ البنات " وفجأة جحظت عينا أم يعقوب ذعرا وصرخت ، فقد لمحت بقعة دم حول بطن زوجها و ثقبا أسود يخترق ملابسه . ***** قلقت مزيونة على زوجها ، حتى إذا نفذ صبرها حملت صغيرها واتجهت نحو القسم ، متجاهلة دوي القنابل وكثافة القصف المدفعي من حولها على طول الطريق . ثمت مدفع يرد على القصف بقصف مماثل ، و أزيز رشاشات خفيفة وثقيلة تزعق من فوق أسطح بعض المنازل باتجاه الغرب و الجنوب . وثمت مدفع قرب القسم ينفث حممه كاد يمزق أذنيها حتى لم تعد تسمع صياح رضيعها ، فشدت راحتها إلى أذن الصغير بينما حمت أذنه الأخرى بصدرها، واستمرت في خطوها المنتظم. لمحها عليوي فصاح بها : - ما أتى بك يا مجنونة ؟ عودي إلى بيتك في الحال . فسألته بإصرار : - أي سعفان يا( ولد العم )؟ ... أين سعفان بحق ( الخوة ) ؟..بربك أين سعفان لا تخفي عني أمره يا ( خي ) ؟ فأجابها بصوت حزين : - سعفان ( إنذبح يا خيّة ) الله يصبرك .. فانهارت ثم أخذت تمرغ وجهها بالتراب ... أشفق عليها فتوجه نحوها مواسيا انفجرت قنبلة عن قرب ، فأرغمها على الإنبطاح شجت راس الصغير فازداد عويله حتى طغى على دوي القذائف .. وإذ ركد الغبار حمل عنها الصغير بيد و شدها باليد الأخرى ثم ولج بها إلى القسم . جثا الجنود على ركبهم خلف النوافذ استندت بنادقهم على حوافها آخرون يصعدون و ينزلون على سلم يؤدي إلى السطح إنهم ينقلون الذخائر القصف يزداد كثافة و الموقع كله يرتعش كعصفور ينفض عنه البلل والصغير لا زال يصرخ و يصرخ نظرت نحوه من وراء غلالة دموعها ، فلمحت دمه الذي غطى رأسه وبدأ يصبغ ثوبها ، فتناولت حفنه من غبار السقف المتساقط ثم وضعتها فوق الجرح و ضغطت محاولة بذلك وقف النزف . الطفل يزداد صراخا ودمعها يزداد انبثاقا ثم همست : " أبوك مات يا سرحان .. يا ولدي ؛ ثم ارتفع صوتها و هي تحدث نفسها متفجعة : " سعفان راح يا مزيونة .. زينة الشباب قضى يا مزيونة .. حياتك لم يعد لها طعم يا مزيونة " . الرضيع يلح في بكائه ، و لكنها استأنفت تنتحب : " صرت يتيما يا سرحان .. أمك ترملت يا ولدي .. وأنت تيتمت يا فلذة كبدي ، لعلك أدركت ذلك فازددت بكاءً ؟!!" ثم التفتت نحو عليوي المنهمك اللحظة بتلقيم بندقيته، فسألته: - أين إنذبح سعفان يا ( خَي ) ؟ - على الطريق الغربية ليس بعيدا من هنا ثم أردف مواسيا : - صبرا يا أم سرحان فالقتلى كثيرون غير سرحان ، اثنان كانا معه و ثلاثة ( منسدحين ) على السطوح ، وفي الداخل خمسة جرحى ، ومن الأهالي العشرات (بلوة يا خيّة ما وفرت حد) ***** شمعون في عربة القيادة ، يأمر فتي اللاسلكي بنقل البرقية التالية : من ( داني 2 ) إلى القيادة العليا : " المقاومة عنيفة و غير متوقعة ، دمرت أو أعطبت معظم مصفحاتنا ، ثلاث محاولات متوالية لاقتحام البلدة باءت بالفشل، الذراع العربي للجيش البريطاني لم ينسحب كما وعدنا رئيس أركانه أو أنه انسحب جزئيا، أعداد كبيرة من عناصر المليشيات لم نؤخذ بالحسبان ، إنهم يستخدمون المولوتوف بنجاح غير مسبوق ولديهم مدافع مضادة للدبابات وأخرى ميدانية لم ترصدها استخباراتنا ، واستحكاماتهم ودشمهم قوية لم نتمكن حتى الآن من تدميرها، خسائرنا البشرية جسيمة؛ إذن نحن بحاجة إلى المزيد من العربات المصفحة والمدافع من جميع العيارات، كما نطالب بدعم جوّي مكثف. ***** أرخى الليل سدوله وهدأ القصف وخف الأزيز ، فاستبشر الناس بليلة هادئة ، إلا أن انفجارات القناديل الكاشفة سرعانما وأدت آمالهم، فقد اسؤنف القصف. أبو يعقوب ملقى على الفراش وهو يئن : " كيف لم أشعر بالإصابة عند وقوعها ؟ " أخذ يتساءل ،ثم أضاف بصوت ضعيف: " وهذا النزف متى ينقطع ؟ " كان وجهه أبيضا كأنه دهن بالكلس، عندما عادت أم يعقوب بكأس الماء الذي طلبه ، فوجدته قد فارق الحياة . ***** إصابة جديدة ومباشرة للقسم تنسف جدارا مقابلا لمزيونة ، الغبار الذي يملأ المكان و كاد يخنقها ورضيعها ، انحسر الآن ، ولكن عليوي يصرخ صرخة الموت ، ثم صدح صوت آخر يستغيث : " الأنقاض فوقي ، لا أستطيع الحراك " . وضعت مزيونة ولدها سرحان على الأرض وقامت تحاول إزاحة كتلة من الخرسانة جثمت فوق جويفل ، استطاعت تمييزها على ضوء حريق قريب و أضواء قناديل الكشف المتوالية ، إلا أنها لم تفلح بازاحتها قيد أنملة ؛ و بدأ صراخ ابنها يأخذ أبعادا جنونية زادتها إرباكا ، قال لها الجريح بصوت متحشرج : " إذا مررت يا خيّة بعرب العزازمة ، بلغي أبي شيخ العشيرة ، أن ابنه جويفل مات شهيدا ! " عندما اجتازت مزيونة الجدار المهدم بعد لأي، كانت خيوط الفجر الأولى، توضح فتات المدفع وأشلاء سدنته، ثم استمرت تخطو بثبات نحو الطريق الغربية . كان الرصاص يمر من جنبيها ومن فوقها ومن بين ساقيها ، وعلى مرمى البصر منها لمحت مجموعة عربات مصفحة تتقدم الهوينى ، إلا أن جثة على كتف الطريق شغلتها عنها. لم تتعرف على الجثة فمضت تمشي من جديد باحثة ، عثرت على جثتين أخريين ، جرت نحو أطولهما ثم صاحت : " سعفان يا الحبيب ، نفلت شعرها ومن ثم أخذت تصفع خديها و تنتحب . مر الآن رتل من المصفحات الخفيفة، على ظهرها جنود غطوا رؤوسهم بكوفيات حمراء : " إنهم جنودنا " فوقفت وأخذت تصيح بهم : " أبعد أن تهدمت البلدة جئتم ؟ أسرعوا بالله عليكم قبل أن تترمل مزيد من المزيونات و يتيتم مزيد من السراحين !! " صوب شاؤول بندقيته ( التومي ) سريعة الطلقات نحوها ، فقد ضايقه نحيبها ، إلا أن زميله موشي حذره قائلا : " إياك أن تفعل ، فستفسد كل شيء " . ***** من الجهة الشمالية الشرقية تقدم رتل من المصفحات ، يرفع أيضا الرايات العربية ، خرج المناضلون من دشمهم وأخذوا يهللون و يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجا . وعندما بلغ الرتل مبنى القسم تقدم نحوه حاكم البلدة العسكري برفقة أبو فواز المثخن بالجراح  حوالي خمس وعشرين جنديا وهم من بقوا أحياء من أفراد الحامية، ثم صعدوا جميعا إلى العربات التي عادت من حيث أتت أمام دهشة الجموع المحتشدة . عندئذ تقدم الرتل الآخر من الطريق الغربية، فعادت البهجة إلى النفوس وعاد المناضلون يطلقون الرصاص في الهواء ! وازدادت حشود الأهلين يكادون يرقصون من الفرح، عندما أخذ الجنود أوضاعهم القتالية وبدؤوا يحصدون الحياة من حولهم من مختلف أنواع الأسلحة، دون تمييز بين مسلح أ و أعزل . "إنها خديعة ، إنه غدر ، إنهم أعداء ". أخذوا يتصايحون ويهربون نحو الأزقة والحواري، أما الذين لجؤوا إلى المسجد فقد لحقتهم القذائف ثم الحراب. أذهلت المفاجأة المناضلين وشلتهم الفوضى فلاذوا بالفرار خارج البلدة ، بينما لاذ الأهلون ببيوتهم في انتظار مصيرهم. وتحت أحكام منع التجول ،أمر شمعون – بعد أن نصب نفسه حاكما عسكريا للبلدة – باعتقال كل ذكر بين الرابعة عشر والخمسين، حملوا جميعا في شاحنات، وتحت الحراسة المشددة سيقوا إلى المجهول. وفي صباح اليوم الثالث ، أمر السكان عن طريق مجسمات الصوت بالرحيل عن البلدة ، مع تحريم مطلق لنقل أي متاع، وعيّنوا لهم طريقا عليهم سلوكها باتجاه الشمال الشرقي. وتدفقت من ثم مجموعات من النساء والأطفال والشيوخ إلى الطريق بين صفين من شاهري البنادق. وعلى حدود البلدة الخارجية، أقيم حاجز، أخذ فيه جنوده يفتشون الراحلين تفتيشا دقيقا ، عبثوا خلاله بنهود الفتيات ومكورات السيدات وانتزعوا منهن حليهن وهم يتضاحكون. ***** أم يعقوب التي لم تتح لها أو لأولادها فرصة دفن زوجها أو التعرف على مصير ابنيها، لم تلهها فجيعتها عن الدفاع عن ابنتيها ، حينما حاول الجنود معابثتهما، فنالت ضربة قوية بكعب بندقية أحدهم حطمت صدغها وكشفت خمارها الذي كان يحجب مصاغها و مصاغ ابنتيها المكدس فوق جيدها، فانهالت الأيدي تنتزعها بشراهة، ولما استعصى عليهم خاتم زواجها الماسي بتروا الإصبع الذي يحمله، وإذ حاولت الفتاتان تخليص أمهما من براثنهم ، اقتادوهما خلف إحدى المجنزرات ثم توالوا على اغتصابهما . ***** مزيد من أفراد العصابات الصهيونية يتدفقون إلى البلدة، مجندون من ( نيتر ) مروا بجراراتهم الزراعية بعد أن حولوها إلى آلة حرب، لمحوا مزيونة وهي تنبش الأرض بأظافرها فقد عز عليها أن تكون جثة سعفان و ليمة لبنات آوى أو الغربان وقفوا قربها وهم بتضاحكون هبط نحوها أحدهم وأهال كومة التراب التي أضناها رفعها نظرت إليه مستهجنة فعلته ثم ما لبثت أن أدركت أنه عدو فانقضت عليه تعضه من ساقه وبينما كان يجاهد للتخلص منها ، كان رفاقه يقهقون لطرافة الموقف عندئذ لم يجد بدا من توجيه ضربة قوية على مؤخرة رأسها أفقدتها الحياة في الحال . أما سرحان فقد فقد الحياة قبلا دون أن تدرك أمه ذلك . وهكذا اجتمع شمل الأسرة الصغيرة من جديد و لكن في العدمية . ***** في الطرف الآخر من البلدة ، ثمت موكب جديد من مواكب البؤس الفلسطيني يأخذ طريقه مرورا بقرية جمز والمدمرة، ثم بيت نعلين والتي ما زالت بيوتها تحترق، ومن ثم إلى قادومية جبلية تؤدي إلى رام الله . وهناك أخذ أبو فواز - بعد أن بدأت طلائع الحطام البشري تصل تباعا – أخذ ينشر خبر الفضيحة، وكذلك فعل رفاقه، وسرعانما علمت قيادتهم بالأمر فاعتقلوا جميعا واقتيدوا من ثم المجهول. وفي صدر صحيفة محلية ظهرت مرثاة بأسلوب الشعر المرسل : إنها قافلة جديده من قوافل المهانه وفضيحة تستعصي على الإدراك كتل من اللحم الأحمر شوى جلودهم الحر ألقوا بنعالهم بعد أن مزقتها الأشواك وشظايا الصخر الأطفال يصيحون تعبنا و آخرون يستغيثون عطشنا والرضع بدؤوا يموتون و صغار فقدوا أمهاتهم يولولون *** الأعصاب مستنفرة في طريق مقفرة لاشيء غير صخور و رمال لا قطرة ماء ولا رقعة ظلال *** جن الليل والقافلة تسير البعض يندب الأحباب والبعض يستنجد الأرباب و كثير منهم بالموت يستجير *** هنا جريح تركوه وهناك شيخ يلفظ الأنفاس تجاهلوه وامرأة عاجلها المخاض وأخرى جندلها إجهاض وثالثة أنهكها حملها فألقته فصاح: أمي أمي ولكن الأقدام داسته ومن ثم أخرسته وعلى طول درب الضياع انتشرت مآدب الضباع

* نزار بهاء الدين الزين مغترب سوري عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب الموقع : www.FreeArabi.com  البريد: nizarzain@adelphia.netللأعلى


نزار ب. الزين
nizarzain@adelphia.net
المشاركة
Monday 01 May 2006
16:04:13

الأديب المتعدد الدكتور فاروق مواسي

كتب في جميع الأجناس الأدبية وبرز فيها جميعا

قراءة موجزة بقلم: نزار ب. الزين

خير من كتب عن سيرة الدكتور فاروق مواسي هو الأستاذ أحمد دحبور ، فقال : ولد د. فاروق إبراهيم مواسي، في باقة الغربية ( فلسطين )، سنة 1941، ورأى بعين الطفل دخول اليهود الأوائل إلى قريته يوم 21/5/1949. كان أبوه خياطًا ، وكان ملمًا بالتراث العربي، كما كان حريصًا على تعليمه. وسيحتفظ الطفل فاروق بذكريات الرعب، وأصوات القصف التي اختلطت مع دوي مدفع رمضان، والتشرد إلى بيوت الأقارب. ومن الأقارب تعلم التجارة بالبصل والنحاس، كما تعلم التدخين! وستبقى في ذاكرته صورة شقيقته فريدة التي توفيت وهي رضيعة، و هو إنه لن ينسى كيف اعتقله اليهود في مستوطنه قريبة، وهو فتى ، فكان أول ما لفت نظره هناك هو "إن بيوتهم هي الأجمل، وإن لديهم الحدائق، وأنهم يشربون الماء من الثلاجة..". أما معلموه الأوائل في المدرسة فهم يهود عراقيون. وقد أنهى الصف الثاني عشر- في ثانوية الطيبة، ليتوجه بعد ذلك إلى يافا باحثًا عن فرصة العمل الأولى.. وكانت في سلك التعليم. ولكنه لن يفارق هذه المرحلة من عمره قبل أن يسجل المشاهد المؤثرة للقاء الأقارب في الأعياد، على "الحدود" بين أبناء الشعب الواحد. ومع ذلك فالحياة يجب أن تستمر. فمن جهة، كان لا بد من التشبث بالجذور والبقاء في الوطن. ومن جهة كان لا بد من توكيد الذات على أرض الوطن من خلال العمل والنجاح . كان قد بدأ يقرزم الشعر من المرحلة الابتدائية، وسيستمر في هذه التجربة المثيرة طيلة عمره. أما على مستوى الحياة العملية فسيبدأ معلمًا احتياطيًا، أو بديلاً لمعلم غائب. وكان عليه –وهو الحدث- أن يتغلب على مشاكسة التلاميذ، وأن يحقق هيبة "الأستاذ" وإلا فلن ينجح في عمله. كان وضع التعليم مترديًا، لكن إخلاصه للمهنة وإيمانه بدوره التربوي تغلبا على النكسات والمرارت. وماذا إذا حيل بينه وبين حقه في أن يكون مديرًا لإحدى الثانويات مادام حبه لطلابه عميقًا في نفسه؟ وها هو يلمس لمس اليد ما يمكن أن يقدمه من موقعه، فقد كان له أثر واضح في إدخال الشعر الحديث إلى المدارس. وليواصل التعليم أستاذًا ودارسًا، فها هو ينال شهادة الماجستير في الآداب، إثر نجاح رسالته عن لغة بدر شاكر السياب، ومنها إلى الدكتوراة في الأدب العربي، وكانت الأطروحة هذه المرة حول شعراء مدرسة الديوان: العقاد، والمازني، وعبد الرحمن شكري. وسنلاحظ أثر الدراسة والتدريس في شخصيته. بل إن هذا الأثر يطبع سيرته التيه بكل وضوح . وبموازاة هذا النشاط الدراسي فإن له اهتمامه بالصحافة الأدبية، فكان أن تسلم رئاسة تحرير مجلة "مشاوير" التي كانت ناطقة باسم رابطة الكتاب العرب. أما مجموعاته الشعرية فما زالت تتدفق منذ عام 1971 عندما أصدر باكورة أعماله" في انتظار القطار" وستتلوها اثنتا عشرة مجموعة، يحضرني منها "غداة العناق" و "يا طني" و"اعتناق الحياة والممات" و" إلى الآفاق" و " من شذور التعب" و" الخروج من النهر" و"قبلة بعد الفراق" و"ما قبل بعد" و" لما فقدت معناها الأسماء" و "خاطرتي والضوء" وله دراسات نقدية وأبحاث وضعها في أحد عشر مؤلفًا. كما أن له مجموعتين قصصيتين ، إضافة إلى نشاطاته الثقافية وحركته الدؤوب ، واتصالاته المثابرة بأعلام الأدب في الوطن العربي . هنا ينتهي حديث الأستاذ أحمد دحبور ليبدأ حديث نزار ب. الزين : ***** تعرفت على الدكتور مواسي للمرة الأولى من خلال دراسة أجراها لقصيدة " عليا وعصام " للشاعر قيصر معلوف وقد نقلت الدراسة إلى مجلة ( العربي الحر ) الألكترونية التي أديرها مع إبني وسيم ؛ وذات يوم وردتني رسالة منه يطلب مني تصحيح إسمه الذي نقلته خطأ - كنت قد نقلت العمل من موقع إسمه جنين - ومنذ ذلك الوقت و الرسائل بيننا لا تنقطع ، وخاصة رسائله الأدبية ، أي نتاجات أعماله الأدبية الغزيرة في جميع الميادين ، وقد أفردت له صفحة خاصة لما اختاره لمجلتي ( العربي الحر ) صنفتها على النحو التالي : -1- السيرة الذاتية -2- نماذج من أعماله النقدية -3- نماذج من أعماله الشعرية -4- نماذج من أعماله القصصية -5- نماذج مما قيل عنه -6 - أخبار منه وعنه وأعود إلى عليا و عصام ، فقد بدأ الدكتور مواسي دراسته بإجراء مقارنة شيقة بين مسرحية ( روميو و جولييت لشيكسبير ) و قصيدة عليا وعصام للأستاذ قيصر معلوف : تحدث د.مواسي بداية ، موضحا البعد المأسوي للقصتين و نهايتهما المفجعة فكتب : << وتشترك المسرحية والقصيدة بتكالب العوامل الخارجية على حكاية الحب، و كيف تكون النهاية فاجعة مزدوجة. >> ولم يفته التطرق إلى البعد الأخلاقي لمعضلة الثأر وعلى الأخص عند القبائل العربية و ما تفرزه من مآسي ، وهو يعتبرها مرضا إجتماعيا لا بد من استئصاله : << وموضوع ((الثأر)) في القصيدة كان له الأهمية الأولى: (( وإلا عابك العرب الكرامُ ))، ((وإلا عشتَ بين العربِ نذلاً))، ((ولا يمنعكَ عن شرفٍ غرامُ))... وهذا يعكس واقعًا عربيًا قبليًا، لسنا في حاجة إلى جعله سنّة متّبعةً أو مثلاً يُحتذى على الأقل في المستوى التربوي و الإنساني. >> ثم يلتفت إلى التشريح اللغوي لعبارات القصيدة : << و يلاحظ القارئ أن القصيدة حاشدة بالتعابير المستقاة من التراث ((فما وراءك يا عصام)) هي حكاية مثل أوردها ((مجمع الأمثال)) للميداني في سياقين مختلفين، يدل أحدهما على معنى انجلاء الخبر. وأما ((على الدنيا ومن فيها السلامُ)) فقد أصبحت كذلك مثلاً، وأكبر ظني أن القصيدة هي التي بنت هذه المقولة المأثورة، ولم أقع على قول مأثور كان قد سبق الشاعر.>> ثم ينتقل إلى التشريح اللغوي لبعض الألفاظ كتفسيره لكلمة ( عجي ) و تطور معناها : << و يُلاحظ أن الشاعر استعمل لفظتي ((عجايا)) و ((عجيان)) من الواقع البدوي مباشرة. إذ أن المعنى القاموسي للعجي هو اليتيم الذي يغذّى بغير لبن أمه، وفي الحديث الشريف: (( كنتُ يتيمًا ولم أكن عجيًا)) ومن معاني العجي السيئ الغذاء، وقد أنشد الشاعر: يسبق فيها الحمل العجيا رغلاً إذا ما آنس العشيّا لكن لفظة (العجي) وردت كذلك بمعنى ((الصغير)) على لسان البدو في النقب* . ولعل ثمة سببًا اجتماعيًا حرّف من المعنى الأصلي المعجمي فنقله من التخصيص إلى التعميم . ويختتم الدكتور مواسي دراسته قائلاً : << فهذه هي ( رلى عرب)* التي يبحث عنها الكثيرون ولا يجدونها في أي كتاب متداول، أقدمها لعشاق هذا الشعر، آملاً أن أكون مفيدًا للذائقة ، ومعيدًا سيرة رويت على الألسنة، سيرة تبحث عن معاني الوفاء حتى فيما لا ندعو إليه اليوم .>> و لابد من تعريف القارئ ببعض أبيات مختارة من القصيدة للشاعر قيصر معلوف : وكانت من عجايا الربع عليا ومن عجيانه النجبا عصام لقد نشأا رعاة للمواشي كما ينشا من العرب الغلام هناك على الولا عقدا الأيادي وعاقد حبل حبهما الغرام ولما أصبحت عليا فتاة يليق بها التحجب واللثام و صار عصام ذا زند قوي يهز به المهند والحسام دعته أمه يومًا إليها وقالت: يا حسامي يا عصام لقد أصبحت ذا زند قوي به يستأنس الجيش اللهام بثأر أبيك خذ من قاتليه وإلا عابك العرب الكرام ***** وبعد أن قدمتُ نموذجا للدراسة النقدية التي اهتم بها الدكتور مواسي كتفضيل أولي ، لعلاقتها بموضوع تخصصه ، أنتقلُ إلى إنتاجه الشعري و هو أيضا غزير ، و قد اخترت قصيدة " فلسطيني " و القصيدة يائية طويلة ، ومؤلفة من ثمانية وثلاثين بيتا من الشعر المقفى الموزون على البحر البسيط : يبتدئها بالتوكيد على حقه بأرضه و وطنه فلسطين ، فقد نشأ فيها و ترعرع ، ومن قبله أجداده : الأرضُ أرضي وليس الشوقُ يَبريني الشوق يحدو إلى حبّي-فلسطيني درجتُ فيها صغيرًا رُمتُ مأثرةً من كلِّ جدٍّ منَ الغُرِّ الميامينِ ثم يفند مزاعم العدو من أن الأرض كانت خاوية بينما كانت – في حقيقة الأمر - تعج بالقرى العامرة و البساتين المثمرة ، ثم قاموا بتفريغها ليثبتوا تلك المزاعم ، ويبدأ – بعدئذ - بتعداد القرى و البلدات التي فرغها العدو من ساكنيها : قالوا : بلادي بلا أهل ٍ بلا سكنٍ يا بئس ما مكرتْ أوهامُ مأفون فشرّدوها قرًى كانت برَغْدتِها من بروةٍ، بصةٍ ، ميعار دامونِ ثم ينتقل إلى وصف حالة المُهَجَّرين ، حيث ساد القهر بينهم وتمكنت الأحزان : يا أهلَها-أهلنا ، يا طيرَ منزلِها اقرأ سلامي على أحزانِ محزونِ ما زلـتُ أذكرُهم في الدارِ في حَلقِ هذي تنادي ،وهذا واجمٌ دوني و لم ينسَ أن يعرج إلى القدس ، مؤكدا أنها تسكن صميم الوجدان و تشكل جزءا لا ينفصم عن العقيدة ، مذكرا أنها كانت منطلق الإسراء ، وكيف فتحها عمر سِلما لا قهرا كما فعلوا : القدسُ تشرقُ في أبهى سرائرِكم إسراؤها الوجدُ في الدنيا وفي الدينِ قد جاءها عمرٌ في فتحِ عزتّها كُرمى له كرُمت لِـيناً على لينِ وبعد ، فلا بد من حديث المجازر ، في دير ياسين ، وكفر قاسم ، وغيرهما ليستخلص أن الدم الفلسطيني لن يذهب هدرا ، بل سيُنمي أجيالا سوف تتحدى جيوشهم و بطشهم : من كفر قاسمَ "احصدْ " صاح ناعقُهم مجازرٌ سبقتْ في ديرِ ياسينِ والدمُّ يُزهرُ أطفالاً فيغرسُهم جذراً يُطلُّ فأسقيه ويسقيني اللهُ اكبرُ كم جاشتْ جيوشُهُـمُ تبغي انتهائي فتزهو بي شراييني و يختتم الدكتور مواسي قصيدته ، متمنيا أن يطول به العمر ليرى الأمور قد عادت إلى نصابها ، حين تنتشر المحبة و تتحد القلوب و تصفو النوايا و يعم فعل الخير ؛ في الأرض التي طالما عشقها . كم كنتُ أوثرُ أن يمتدَّ بي زمني حتى أرى زمني يُكوى فيَشفيني حتى أرى قلبيَ الظّامي ببهجتِهِ يراقصُ الفجرَ أفراحًا فيُبكيني حتى يراني صلاحُ الدِّين مُتّشحًـا خيرًا وبرًّا وأحبابي تُصافيني أُسلّمَ العشقَ تَحناني برونقِه و الشوقُ يحدو إلى حبّي فلسطيني ***** وكما أفاض في ميدان النقد و خاض غمار الشعر ، فقد أجاد أيضا في ميدان القص ، وقد اخترت في هذا المجال قصة ( شيخ و أمنية ) : يمضي الدكتور مواسي في قصته بأسلوب سرد طبيعي خالٍ من الرموز و الأحاجي ، شفاف و واضح للخاصة و العامة ، فيتحدث عن شيخ في الثمانين ، لعله جده ، كما أوحت عبارته التالية : << قبة … مدافن… تكايا …، خطوط…، كل شيء هنا عريق. ربما صلى هنا صلاح الدين. وربما هناك خطب عمر. وها أنت يا جدي تصلي. عريق عريـــــــــــق! >> هذا الشيخ يعشق الكتب ويتمتع بذاكرة قوية تستوعب جميع ما امتلأت به رفوف خزانته من كتب و كراسات : << على رف من خزانته تتكدس عشرات الكراسات، هي بمجموعها مختارات الحاج أو مؤلفاته، فإذا تطرقنا إلى موضوع فإنه سرعان ما يشير إلى كراسة معينة، يفتحها وكأنه يعرف تمامًا أين وجهته. >> ولا زال رغم تقدمه في السن يقرأ كل مساء ما يختاره من كتبه الصفراء بعينيه المجردتين : << نأتي إليه ساعات المساء فنراه مستغرقًا في القراءة في كتب لونها أصفر، وطباعتها رديئة، يتصفحها من غير نظارة على عينه. يقرأ وهو يبتسم أحيانًا، يرفع تجاعيد جبينه آنا آخر، يهز رأسه يمينًا ويسارًا، أو طورًا من أعلى إلى أسفل.>> ويصف الكتب التي يعشقها بالكنز : << "كنز الكتب أفضل من كنز الذهب"- كان يقول >> وكما كان يعشق مطالعة الكتب فقد كان مغرما بالأسفار والتجوال في أرض وطنه متنقلا بين مضارب البدو أو بين القرى والبلدات : << يعشق السفر، كان في صباه يعلّم الكتاتيب في مضارب البدو، ويتاجر كالعطارين الذين يتنقلون على بهائمهم من قرية إلى أخرى، ولكن الربح الحقيقي عنده إذا تعرف على شخص يحب الأشعار والأسمار والكتب >> وذات يوم يطلب الشيخ من الكاتب أن يصحبه إلى القدس ، وفي الطريق أخذ يكشف مكنونات نفسه ونزعته الفلسفية : << شيئان لا أستطيع التحديق طويلا بهما: الشمس والموت: لن اكون نهبًا للفناء، خير الطرق للتنعم بما بقي لي من الحياة أن أتجاهل الموت. سأموت وحدي، وسيبقى العالم مستمرًا من بعدي، هذا الشارع ستمر من فوقه سيارات كثيرة. الناس الذين سيشاركون في جنازتي سينفضّون بعد ساعة، وينسونني في غمرة حياتهم، ساعي البريد سيتوقف عن زيارتي. جسدي سيأكله الدود. >> وفي إشارة إلى الإحتلال وما سببه من ألم لهذا الشيخ ، يقول الدكتور فاروق : << مرّ بالقرب من بوابة الحرم جندي من( الفلاشا)، يحمل عصًا مدببة قد تكون أكبر من حجمه. تأوه الشيخ آهة طويلة، وهو يزفرها نحو الأعلى، حرك يديه بانفعال وكأن حكة أصابتهما، ارتجفت أسنانه، وما لبث أن أركن جسمه على عمود في صحن الحرم >> ويختتم الدكتور مواسي قصته بجملة رددها الشيخ أكثر من مرة ، تفتح المجال للتكهن بأكثر تفسير : وقال: "أريد أن أموت في وقت مناسب! أتسمع؟" ونقل نظراته بيني وبين الصخرة وبين جهة السماء : " أريد أن أموت في وقت مناسب". فهل أرادنا نظن بأن أمنية الشيخ أن يموت في موقعه هذا بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة ؟ أم أرادنا نظن أن الوقت المناسب الذي يعنيه هو حين يتم تحرير مدينة القدس من قبضة ذاك الفلاشا وبني جلدته ؟ ***** وقد كتب الدكتور مواسي في الأقصوصة ، أو ما أسماها البعض بالومضة القصصية ، أو ما يفضل البعض تسميتها بالقصة القصيرة جدا ، أو كما ابتكر الدكتور فاروق لها اسما طريفا مختزلا كجسمها :( ق ق ج ) كتب بداية : خمس قصص قصيرة جدا ثم........: ست قصص قصيرة جدا ثم .......: سبع قصص قصيرة جدا ثم .......: ثماني قصص قصيرة جدا ثم .......:تسع قصص قصيرة جدا اخترت منها أقصوصة ( تيمائيل ) كنموذج والتي أراد بها أن يقول : لقد سرقوا الأرض و الماء وسرقوا البيت والمأوى و هاهم يشرعون بسرقة أسماء أولياء الله : تيمـــائيـــل زرت أطلال عين غزال ، وجدت قبرًا يقوم على نشز من الأرض ... قال لي المرشد : هذا مقام الشيخ شحادة رحمه الله . وهذه اللافتة وضعها مجهولون وعليها : " هنا يرقد الرابي* عوفر بن تسفي " . عدت إلى بلدي ، وتوجهت حالاً إلى مقام الشيخ تــيّـِم الذي يقوم في مركز البلدة . رأيت بعض الناس يقيمون النذور ويعلقون البيارق ، ويقرءون الفاتحة . قلت للجيران الذين يرعَون المقام : انتبهوا - الله يخليكم - ، لئلا تجدوا لافتة غريبة ، عليها : " هنا يرقد الرابي تيمائيل " ..... أقصوصة فيها بعض الطرافة وبعض الوجع العربي ، وفيها من بساطة السرد الخالي من المعميات ، وفيها ناقوس الخطر يدق منذرا : " إنهم سيسرقون كل ما يخصكم حتى تاريخكم " . ***** نشاط جم ميز الدكتور مواسي في كل المجالات بما فيها المقال الأدبي والأدبي الإعلامي ، كما أقام علاقات ثقافية مع جميع المثقفين ضمن الخط الأخضر و خارجه بصرف النظر عن الجنس أو الدين ، بما في ذلك علاقته بالأدباء اليهود المستنيرين - بحكم دراسته في المدارس و الجامعات العبرية – اؤلئك اليهود ممن يعارضون الإحتلال كمثل ( طال نتسان ) و (أريه سيفان) ، (مايا بوجرانو) ، (ليئور شطرنبرج) و (مي طال ندلر) ، وقام بترجمة قصائد بعضهم من العبرية إلى العربية ؛ و قد اخترت قصيدة ( أم تتمشى ، للشاعرة دالية رابيكوفتش ) كنموذج : أم تتمشى تتمشى أمّ مع طفل ميت في البطن هذا الطفل لَمّا يولد . في أوانه سيولد الطفل الميت الرأس أولا ،ثم الظهر والعجز وبيديه لن يلوّح وهو لن يصرخ صرخة أولى ولن يربتوا له على قفاه ولن يقطروا قطرات في عينيه ولن يقمطوه بعد استحمامه هو لن يكون كالطفل الحي . وأمه لن تكون هادئة وفخورة بعد الولادة ولن تكون قلقة أيضًا على مستقبله ، ولن تسأل نفسها كيف ستعيله وهل لديها حليب كاف وهل لديها ثياب كافية وهل في الغرفة متسع لمهدٍ آخر هذا الطفل صِدّيق جدًا ، لم يُخلق من قبل أن يُخلق . وسيكون له قبر صغير في طرف المقبرة ويوم ذكرى صغير وتذكار ليس كبيرًا . هذه هي سيرة حياة الطفل الذي قتلوه في بطن أمه في شهر كانون الثاني 1988 في ظروف ســياســـية أمـنية وكما يرى القارئ فإن الشاعرة اليهودية ( داليه ) لم ترضَ عن سياسة البطش والتنكيل التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وآلاتها العسكرية ، بحجة الدفاع عن أمن إسرائيل ، وذلك دون مراعاة لشيخ أو طفل أو امرأة ، بل حتى دون مراعاة للأجنة في بطون أمهاتهم . وختاما ، فما قدمتُه لا يصور إلا الجانب اليسير من رحلة الأديب الكبير الدكتور فاروق مواسي الأدبية ، لأن هذه الرحلة – في حقيقة أمرها - تحتاج إلى مجلدات لنقل حقيقتها وما قدمه هذا الرجل الفذ من خدمات إلى الأدب وطلاب الأدب . -------------------------------- * رلى : لعل الشاعر قصد عشائر الرْوَلى بتسكين الراء وتحريك الواو بالفتحة ، وهي منتشرة في الجزيرة العربية و بادية الشام . * الرابي : الحاخام أي رجل الدين اليهودي * العجي : الصغير ، ليس فقط بدو النقب من يستخدمها بهذا المعنى فالبدو في جميع بلاد الشام يستخدمونها أيضا بنفس المعنى .للأعلى


يحيى الصوفي
الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المهجر
المشاركة
Friday 07 April 2006
13:35:33

 
دعوة عامة

بمناسبة تخصيص العدد القادم (مايس – مايو) من مجلة القصة السورية

للأدب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المهجر

موقع القصة السورية يدعو كافة الأدباء والصحفيين والكتاب العرب

والمهتمين في الشؤون الفلسطينية، للمساهمة بكتاباتهم في هذا العدد،

من خلال تزويدنا بدراساتهم وأبحاثهم ومقالاتهم حول الموضوع.

على أن تكون الأعمال المرسلة من إبداع وتأليف الكاتب وليست مقتبسة.

بالنسبة للأعمال القصصية يراعى فيها معالجتها للهم والشأن الفلسطيني.

أخر يوم لاستلام المواد والمشاركات هو 28/04/2006

متمنيا دوام العطاء والنجاح

للإطلاع على الصفحات المخصصة للأدب الفلسطيني ومتابعة العمل عليها

 للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول الأدب الفلسطيني

تفضلوا أفضل أمنياتي بالتوفيق وثورة حتى النصر إن شاء الله

يحيى الصوفي جنيف في 07/04/2006 للأعلى

آخر التعليقات / 40 / 39 / 38 / 37 / 36 / 35 / 34 / 33 / 32 / 31

لإضافة تعليق   / 30 / 29 / 28 / 27 / 2625 / 24 / 23 / 22 / 21 / 20 / 19 / 18 / 17 / 16 / 15 / 14 / 13 / 12 / 11 / 10 / 9 / 8 / 7 / 65 / 4 / 3 / 2 / 1

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية