أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 02/09/2022

دراسات أدبية - أدب المرأة / أدب المرأة في العالم العربي4

 قراءات ولقاءات وأراء لكاتبات من العالم العربي 4

 

 

لقراءة الدراسات

 

 

الدراسات

وجهة نظر - مقالة بقلم: سمر المزغني

أنا ماما - خاطرة بقلم: هدى حسين

من خلف انحناءة الأقواس ... قراءة بقلم: بثينة إدريس

الطريق إلى بغداد ... قراءة بقلم: كليزار أنور

حوار مع د. رجاء عودة

حوار مع القاصة بسمة النسور

 

أنا .. " ماما " .. !!!

بقلم: هدى حسين

 

 

فتحت ملفا وأسميته " أنا ماما "..

" 1 "

أشعلت سيجارة وبقيت أتأمل الجملة التي تقف أمامي وجها لوجه على شاشة الكمبيوتر..

أصدر لي الـ " بيبي فون " صوتاً لطفل يبكي .. تركت الملف مفتوحاً وخرجت مسرعة .. 

" شمس " .. ابنتي تبكي في الحجرة المجاورة ، حيث ينام في سريره بقربها ابني " نور" ..

" 2 "

ما أريد أن أكتبه هنا لا يتعلق بمفردات الأمومة من حنان وسهر الليالي لرعاية الأطفال وما إلى ذلك مما قرروه علينا في المدارس وفرضوا به علينا أن نحب أمهاتنا نتيجة الإحساس بالذنب بسبب أشياء هي فعلتها ونحن لا نتذكرها وعلينا أن نتصرف وكأننا نتذكرها .. !!

" 3 "

أريد أن أكتب شيئا آخر.. أريد أن أكتب أن الساعة الآن السادسة تماما .. وأنني منذ مدة طويلة لم أكن مستيقظة في السادسة صباحاً. وأنني لولا أولادي لما سهرت الليل كله بين رعايتهم .. وبين الكتابة والقراءة ومشاهدة الصبح وهو يطلع.. نسيم الصباح.. شيء كدت أنساه .. !!

" 4 "

أريد أيضا أن أكتب أنني لا أعرف كيف أن أولادي هؤلاء هم أولادي ... ( ؟ !! )

كل ما حدث أنني ذات صباح غير متوقع في السادسة تماما ً، وجدت مياها تنهمر تحتي ..

اتصلت بالطبيب فطلب مني أن أتوجه حالا إلى المستشفى ، وبعد ساعات وجدت نفسي في حجرة وأمي معي وصديقتي " رانيا " .. وممرضة تدخل علي طفلين في سريرين منفصلين وتقول :      " مبروك .. بنت وولد .. البنت هي الكبيرة .. نزلت الساعة تسعة  ، والواد تسعة ودقيقتين.. " ..

" 5 "

لم تقل الممرضة سوى أنهما " نزلا ".. !!!

قد يكونا هبطا من السماء .. !!  أو من الدور العلوي .. !!  أو من أي مكان غير بطني !!

" 6 "

حتى الآن وقد مر على هذا الأمر شهر ونصف ، لا يمكنني أن شعر بهذا الشعور الذي يمثلونه دائما في الأفلام .. ذلك الذي يجعل الأم وطفلها يتعارفان بغريزة ما حتى ولو مر على فراقهما سنين  .. حتى ولو لم ير أحدهما الآخر من قبل .. !!

 " 7 "

يبدو لي أن الأمومة شيء مكتسب ، وليس غريزي كما يعرضونه علينا في التلفزيون..

فقط .. عندما يصرخ الطفلان دفعة واحدة طالبان للطعام أو تغيير الحفاضات ، أو لمجرد رغبة في حملهما لبرهة .. أقول لنفسي :

" يا إلهي.. !! .. من أين أتى هذان المزعجان كي أردهما إلي حيث كانا ؟! " .. هنا فقط أشعر أنني " أم " .. فقط لأنني لا أريد في لحظات الصخب الغير محتمل هذه أن ألقي بهما في الشارع من أقرب نافذة !! ..  لكنني لا أفكر أبداً في أن هذين الشيطانين جاءا من بطني ... !!

" 8 "

لا أعرف كيف تستطيع الأمهات الربط بين الحمل والولادة ووجود الأطفال في أحضانهن..     أنا شخصيا لا أستطيع أن أقوم بهذا الربط .

" 9 "

من البداية .. لم أكن – رغم المعرفة والدراسة – أستطيع أن أتخيل كيف يكون جسم المرأة من الداخل مختلفا عن جسم الرجل .

" 10 "

في بداية الحمل لم تأتني أعراض القيء والغثيان والدوار .. كنت عادية جدا ..

كانت جملة " أنا حامل "  تتردد على لساني كثيراً فقط لكي أصدقها.. بمنطق " الزن على الودان أمر من السحر" .. !!

" 11 "

كنت أحاول أن أقنع نفسي أنني أنا وزوجي قمنا بالفعل ذاته ، غير أننا لسنا متعادلان في النتيجة..!! 

" 12 "

ذهبت للطبيب بعد أن قمت باختبار الحمل .. في " السونار " .. على الشاشة .. كانت هناك حلقتان كأنهما هالتين بيضاويتين ، تشبهان صورة بالأبيض والأسود لدبلتي زواجنا .. قال الطبيب : " انت حامل في توأم .. هناك مشيمتان " ..  ضحكت ..  بدون شعور بهول الموقف ، وقلت لنفسي  " يبدو أنني أنا وزوجي كان لكل منا بصمته المستقلة في هذا الفعل الذي أنتج المشيمتين..!! "   لم يكن وحده الفاعل ، لذا لم تكن مشيمة واحدة !! 

" 13 "

لكنني مع مرور الوقت .. بدأت تظهر أشياء متحركة داخل المشيمتين على الشاشة ، وأنا لا يمكنني أن أفهم كيف أنني آكل طعاماً عادياً جدا ، بينما ينتج عن ذلك أشياء متحركة تنمو في معدتي .. الجبن والفلفل الأخضر والدجاج لا ينتجون أطفالاً .. !! ..  لهذا اعتبرت أن ما أراه على شاشة  " السونار " هو شيء موجود على الشاشة فقط .. أتفرج عليه عندما أذهب للطبيب .. أما ما يحدث لبطني فيمكني اعتباره  " تورما وقتيا " سيزيله الجراح بعد فترة .. !! 

" 14 "

في الشهور الأخيرة من الحمل شعرت أنني بقرة ... !!! 

تضخمت بطني بشدة وصارت حركتي صعبة جدا .. أنا لا أكره البقر ..  يكفي أن " حتحور " إلهة الأمومة .. بقرة  ، ذات بركة اللبن المسماة بالقمر.. إلهة العيد المتجسد في حجر الفيروز الذي يجمع لونه بين صفاء السماء وخضرة البراعم اليانعة.  

" 15 "

لكن أن أتحول من بقرة وحشية إلى بقرة داجنة فهذا أمر لا يطاق .. !!  مع ذلك لم أستطع الفكاك منه .. تمثل ذلك في أنني أنا التي لا أقتنع إلا باعتمادي على نفسي في كل شيء وبحرصي الشديد على الحرية والخصوصية .. صرت لا يمكنني حتى ارتداء جورب بدون مساعدة .. !!     لا يمكنني أن أعتلي سور البانيو للاستحمام بدون مساعدة .. ! وصار لزاما علي أن أخضع  لفحص الطبيب .. هذا الفحص المقرف الذي لا يستطيع الأطباء فيه معرفة مدى اتساع فتحة الرحم سوى بإدخال إصبعهم في فتحة التناسل .. !!

" 16 "

كنت ثائرة جدا من الداخل ، وهادئة جدا من الخارج .. كأنني أخزن إلى جانب لحم المواليد المنتظرين بغضاً سينفجر تحت تأثير البنج لحظة الولادة .. !! 

" 17 "

كنت أشعر أنني مختبئة تحت جلد امرأة أخرى .. امرأة أرتديها بمعنى الكلمة .. !!

ضخمة ولها قدمان متورمتان يمكنني أن أدخل قدمي فيهما !! ولها وجه منتفخ .. !!

امرأة تضربني في ظهري وبطني وتعذبني بثقل ركبتيها وتخلخل مفصل قدميها وصداعها المستمر الذي يحتل رأسي .. ناهيك عن عدم قدرتي مع تورمها حولي أن أجلس إلى الكمبيوتر ..  أي أن أكتب.. ثم يأتي مزاجها العجيب المائل للنوم طوال الوقت مما أصابني بالكآبة .. 

" 18 "

كنت أنتظر ذلك اليوم التي يغرب عني فيه وجهها حتى أستطيع رؤية الفجر ثانية.. أما هي فكانت تستطيع أن تظهر نيابة عني فقط لأنها أضخم مني .. !! وكنت مسجونة بداخلها أنتظر لحظة الإفراج .. إزالة الورم المتحرك في بطني كان يعني لي إزالة هذه المرأة من فوقي ..!!

 " 19 "

ذات صباح استيقظت في السادسة على رغبة شديدة في التبول .. وفوجئت بماء غزير يخرج عني .. قال الطبيب " اذهبي فورا للمستشفى " .. هناك نمت تحت تأثير البنج .. ثم أفقت فوجدت طفلين ..!!

" 20 "

" شمس " .. تعاني كثيرا من الغازات هذه الأيام ويصعب عليها التجشؤ بعد الرضاعة لدرجة تزيدها انتفاخا بالهواء .. و " نور " ـ الذي طاهرناه أول أمس ـ  مازال يعاني كل مرة يتبول فيها من آلام شديدة تجعله يصرخ بعنف .. !!

" 21 "

" شمس "  و " نور " .. كلاهما يحبذ  النوم على ظهره ، وهذا أمر خطير.. إذ أنه يجعل ما يجترانه من لبن ينزل في الرئة بدلا من الأمعاء ، ويعيقهما بذلك في التنفس .. لكنهما لا يدركان ذلك.. يحتاجان لتمرين من تمارين العلاج الطبيعي للأطفال لمدة عشر دقائق خمس مرات يومياً حتى يتخلصا من السوائل المتراكمة في الرئة .. يصعب جدا عمل التمرين لهما ، لأنهما لا يحبان البقاء بدون حركة لمدة دقيقة واحدة ، حتى وهم نيام ..

" 22 "

" نور "  و " شمس " ينامان قليلا أيضاً .. وكأنهما لم يعودا يطيقا البقاء دون الفرجة على الحياة حولهما  .. دون ممارستها .. !!

" 23 "

" شمس " لها ملامح وجهي وجسمي وأنا في مثل سنها .. غير أنها شقراء وشعرها أصفر يبدو أنه سيصبح مجعداً .. وعيونها بنفسجية زرقاء

" 24 "

" شمس " تشبه قطعة الجبنة الرومي الطعمة .. !! ولها حركات عجيبة كأنها تلعب باليه مائي !! أما " نور " فيشبه أباه عندما كان في مثل سنه ، لكن ببشرة سمراء وشعر أسود يبدو أنه سيكون ناعماً له عيون ناعسة كأنه عبد الحليم في زمانه..!! يحب أن يتعرف على كل شيء بيده .. اللمس عنده مهم جدا .. وأصابعه الصغيرة يحركها دائما كأن بها لغة ما يتحدث بها.. لغة مايسترو ..!!

" 25 "

كلاهما جميل .. شيطان وملاك في آن .. !! أحبهما بشدة وأكرههما بعنف.. !!

عندما يصرخان أتساءل : لماذا وافقت على أن أصبح أماً ؟ !! .. وعندما يبتسمان أشعر بالفخر الشديد .. !!

" 26 "

لكنني أعرف تماماً أنني كانت ستنتابني نفس المشاعر تجاههما لو كنت تبنيتهما .. ولم يكونا قد خرجا من بطني .. !!  أكيد هناك شيء في الأمومة ليس له علاقة بالحمل ولا بالرضاعة ، عكس ما كانوا يحاولون تعليمنا في المدارس . دور المرأة كوعاء لإنضاج الأطفال ، ودور ثديها كإناء للحليب .. يجعلان الأمومة تبدو وكأنها مجرد وظيفة .. مهنة لها مؤهلات جسدية وعوامل خارجية مساعدة على الإخصاب..

أظن أن الأمومة أبعد من ذلك بكثير.. أظنها مسئولية قبل كل شيء .. وورطة أيضاً .. ينبغي التعامل معها بعقل ..!!

27 / 05 / 2005

أضيفت في27/05/2005/ خاص القصة السورية/ المصدر الكاتبة ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

وجهة نظر

بقلم: سمر سمير المزغني

 

لِنَبْدأ حديثنا هذا بِأَحد أعمال الرّوائي الكبير غابريال غارسيا ماركيز"مائة عام من العزلة".

طَرَحَ هذا الكاتب في كتابه وجهةَ نظرٍ على لسان إحدى بطلات رواياته "أورسولا". كانت تقول عن أطفال آل بوينديا أنَّهم جميعا سواءٌ. تربيتهم سهلة في البداية فهُمْ مطيعون وجادُّون لا يبدو على الواحد منهم أنه قادر على قتل ذبابة ولكن ما إن تظهر في ذقونهم أولى الشعرات حتى يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة.

هنا برزت أولاً مرحلة الطفولة، مرحلة البراءة والبساطة، مرحلة التلقائية والعفويّة ثمّ ما تلاهَا من مراحل تلتهم كثيرا من مرحلة الطفولة لتضعَ مكانها كلّ عيوب المراهقة والشباب والكهولة...

قد يصير الطفل البرىء مجرمًا و قد يصبح الصغير البسيط معقّدا وقد تختلف المفاهيم هُنا لكن الشيء الأكيد أنّ المجرم وراء قضبان سجنه، والمعقّد وراء قضبان قلبه سيتذكّر دائما حكايات الطفولة.

حين يُقدّم أحَدُنا لطفلٍ وردةً صغيرة فإنّه دون وعيٍ منه يعلّمه مبدأً من مبادىء الحياة. حين ترسم الأم على زجاج السيارة المضبَّب وردة أو نجما فإن طفلها، بعد أربعين سنة سيرسم ورودا ونجوما... لا على سطح الزجاج ولكن.. في قلب الحياة.

والأهم من كلّ هذا حكايات ما قبل النوم...

كثير منّا يرى أمًّا تحكي لابنها عن قصور السلطان والوحوش الظالمة، كثير منّا يمرُّ على غرفة إبنه قبل أن ينام، كي يُطفىءَ النور مخَمِّنًا أنّ طفله قد غلبه النوم بين أحضان الحكاية. نَنْزَع من بين أحضانه الكتاب، نغطِّيه جيدا ثم نطفىء النور تاركينه يحلم بهدوء بقصر الأميرة النائمة ومغامرات صبيٍّ يعثر على الكنوز بين حطام السفن الغارقة.

لعلّنا حين نفعل، لا ندرك للحظة، أنّ تلك كانت خطوته الأولى لإكتشاف الحياة. ولكنه إذا ما تفتَّح على غيره، إذا ما توسَّعت دائرة عالمه، فإنّه سيُصدم بحقيقة مرّة، هو أن الآخرين، الذين لا يشبهون أبطال القصص في شيء، يتجاهلونه أو ربما يحتقرونه من خلال خلفيات نظرتهم الدونية الدائمة.

إلى يومنا هذا، كثيرون يعتقدون أن الطفل سطحي في آرائه وتفكيره. فلنتأكد من ذلك بأنفسنا: نأخذ حجما، قطعة، أي شكل ونتأمله. كرسي على سبيل المثال. في الوهلة الأولى سنقول أنه قطعة من الخشب. ثم لعلّ المثقف يحاول أن يتعمّق أكثر فيقول أنه أحد ضحايا البشر. الفيلسوف أيضا يمكن أن يعطي تحليلا أكثر عمقا. لكنْ في النهاية فإنًّ النقطة الأعمق ستكون بالضبط.. أنه قطعة من الخشب.

لعلًّ هذا يكون دليلا على أن الطفل أعمق تفكيرا وأوسعُ خيالاً من الفيلسوف والسبب بسيط هو أن الطفل أيًّا كان فإنه لا يخضع لأي قواعد وتعاليم. أما المثقف والفيلسوف فهو يسير على طريق واضح لا مجال  لأي تغيير فيه.

إذا كان الطفل فيلسوفا وعميقا إلى هذه الدرجة فعلينا أن نقدّم له ما يزيده عمقا ومعرفة. علينا أن نقدّم إليه قبل كل شيء ما يتناسب وفكره الخلًّاق هذا.

في الحقيقة فنحن لا نزال نظن أنه من الصعب على الطفل أن يقرأ فكرة متشعّبة متداخلة. لكنه في الواقع يستطيع. إذا قدًّمْتَ الحليب للطفل  في كأس عاديّ فإنه لن يشربه لكنك لو قدّمته بكأس ملوّن فإنه سيشرب. لذلك فإن الفكرة لا يُمكنُ أن تمثِّل حاجزًا أمام تفكير الطفل إلا أن الأسلوب هو الذي يغلّف هذه الفكرة  ويعطيها ما يحتاج إليه الطفل ليتمكّن من إدراكها.

بصراحة، فإنّنا نحن الأطفال ملَلْنَا من القصص التي تسبح بنا في بحر الخيال والتي لا تَمتُّ للواقع بصلة إذ تحوّل العالم من حولنا إلى جنّةٍ ورديَّةٍ ينتصر فيها الخير على الشر في حين أننا سنصدم بالأمر الواقع

عند إحتكاكنا المباشر بالمجتمع، حيث لن يسعنا سوى أن نَتَخَبَّطَ في بحر الواقع وحيث لايسعنا الوقت كي ندرك أنّنا نتخثَّر ببطء على سطح الحقيقة.

ولِهَذا السبب أو لذاك، فإنّي أرى أنه من الأفضل أن نكتب عن الواقع للطفل ولكن في ثوب طفوليٍّ بسيط كي لا نخدش برائته ونعْكِس نتائجَ معاكسةً لأهدافنا من الكتابة. وهكذا نُدْمج الواقعَ بالخيال لنقدّم للطفل عملاً إبداعيًّا صريحا و صادقًا.

هذا ما اعتمدته في قصصي من خلال تجسيمي للواقع على لِسان الحيوان وخاصّةً الجماد حيث حاولت أن أجعلَ للأشياء أحاسيسها الخاصة وأتْرك لها المجال كي تُلْبِسَ القصة الخيالية ثوب الحتمية المطلقة.

من الواضح أنّ هناك مواضيع لا تُكتَب للطفل بشكلٍ عامّ لأن بها مسًّا بطفولته، مثل السياسة والجنس والإقتصاد والدين وخاصّة العنف لِمَا يُمكن أن ينجرَّ عنها من آثار سلبية على نفسية الطفل.

يُحاول الكهل من خلال كتابة قصة للأطفال أن يُبَسِّط القيمة التي يتضمَّنها العمل بيد أنه يُخفق فيَزيدُ من تشابكها وتعقُّدها أو يضفي إليها سطحيةً وسذاجة لا يتقبَّلُهَا ذهن طفلٍ فطنٍ يبحث عن خفايا الأمور. هذا جائز جدّا بإعتبار تجاوز الكهل لمرحلة الطفولة فكأنه بذلك نَسِيَ لغة الطفل وابتعد عنها. لذلك حسب رأيي كطفلة قارئة ثم كطفلة كاتبة فإن الطفل أقدر على الكتابة للطفل من الكهل لأنه ينظر إلى تِربِه بالعيون الحالمة ذاتها ويحكي له قصَصَهُ بلغة البراءة نفسها. لكنَّ هذا لا ينفي أن هناك كتَّابًا كبارًا أبدعوا في مجال الكتابة للطفل لكنّ عَدَدَهُم يبقى محدودًا. هذا لا ينفي أن الكبير يُمكن أن يبدع بقلمه فيكتب قصصا كالقصص التي يكتبها الطفل لنفسه. هذا أيضا بسيط جدّا رغم أنّ الكبارَ ينظرون إليه كعمل صعبٍ رغم أنه في النهاية لا يتطلَّبُ أكثرَ من شيء واحد: إستحضارِ حكايات الأمس.

يعودُ الطفل الكامن في الكهل إلى أحلامه الوردية، يعودُ المجرم القابع في القاتلِ إلى أحدَاثِ جريمته، يعودُ الرجل الماكث في الإنسان إلى المرأة ويعودُ العالم أجمع، بكل شرائحه، إلى أقاصيص الأمس.

هذه الأراء البسيطة تقبل الصواب والخطأ وإن كُنت عمّمْت فيها فذلك لأنني - كأي طفل- لا أوَدُّ أن أتدخَّل في تفاصيلَ أجهلها وتفرّعات متشابكة قد تُنسينا الورود الصغيرة ونجوم ضبابِ زجاج السيارة.

لعلَّكم لا تشاطرونَنِي الرّأي ولعلّكُمْ صائبون ولعلّ أورسولا ستظل تبحث بين طرقات ماكوندو الشّاحبة عمَّنْ يَسمع شكواها.

أضيفت في 28/05/2005/خاص القصة السورية/ المصدر الكاتبة ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

الطريق إلى بغداد ... طريقٌ إلى القلب

قراءة بقلم: كُليزار أنور

 

لبغداد خصوصية جميلة في قلوب الأُدباء ، وليسَ العراقيون فقط . منحها الله شهرة تُحسد عليها . بغداد .. رمز ألف ليلة وليلة .. مدينة السحر والجمال سابقاً ، والآن .. ما هي إلاّ مدينة مزقتها الحروب . لكنها ، رغم كل هذا الخراب .. تبقى جميلة وساحرة .. تسكن القلب وتنام في حدقات العيون .

المكان .. يا لسحرهِ .. كم يؤثر فينا ، وكم يعذبنا بذكرياتهِ .. ولبغداد في قلب كلٍ منا غصن ذكرى نابض بالخضرة الدائمة !

من جديد أكتب عن القاصّة المبدعة بُثينة الناصري .. حباً وإعجاباً واعتزازاً .

 (( الطريق إلى بغداد )) . تسعة عشر قصة كُتبتْ مابين ( 1993 _ 1995 ) .

بلغتها الموسيقية المعهودة . لغة هادئة ، مثيرة تجذبنا بجرأتها وتفردها . لغة رومانسية .. ذكية .. توظفها بشكل مدروس ، لها القدرة على بعث الحياة في المشاهد من خلال كلماتها .

(( الطريق إلى بغداد )) .

تخرج السيارة من محطة عمان نحو بغداد في ليلةٍ ماطرة من كانون ، وما أن تسدل الستارة حتى تعود بها الذاكرة إلى بغداد .. ويتراءى لها وجه ذاك الحبيب الذي كانَ يسميها " امرأة من مطر " . وتقارن بين المطر  في كل مدن الدنيا التي زارتها وبين مطر بغداد الرحيم ، الصديق التي تُشبه حباته كدموع الأطفال من صفائها .

إنها امرأة / كاتبة ولدت في كانون .. ويحلو لها أن تكتب في ليالي كانون الممطرة     . وكم كانون مَرّ وهما بعيدين عن بعضهما .

وتتذكر قصف بغداد .. وهي بعيدة عنها _ حتى قصفها شتائي _ تتذكر ابنها "عمر " . وتتذكرهُ .. هو .. إلى أن تصل الحدود (( حتى البرد على هذا الجانب من الحدود لهُ طعمٌ آخر )) ص 17.

 (( البحر )) .

وصفٌ حكائي . لكن ، دون حكاية !

(( الليلة الأخيرة )) .

عاشق وعاشقة ، هما زوج وزوجة . قررت في هذهِ الليلة أن تختار السفر كنقطةِ نهاية لحياتهما معاً .

بذاك الأسلوب الذي تعودناه من القاصّة .. ذاك الأسلوب الرومانسي ، الحساس ، الهادئ لحد الدفء . تطلب منهُ أن يطفئ الضوء .. وتوقد شمعة صفراء .. ويجلس قبالتها ليتحدثان لآخر مرة .

ويمضي الليل ، وفي الصباح تشطر الصورة الوحيدة التي كانت تجمعهما .. تضع صورتها على المنضدة القريبة من السرير وصورته في جيب الحقيبة التي حملتها (( خرجتْ إلى  الشارع دون  أن تنظر إليهِ وسارت مُحاذرة أن تلتفت إلى النافذة التي تعرف جيداً انهُ يقف الآن فيها .. كما تعرف تماماً أنها لو التفتت .. لو التقت عيونهما مرة أُخرى حتى ولو للحظة خاطفة فلن تستطيع أن تبرح المكان بعد ذلك أبداً )) ص 45 .  

 (( الليلة الأولى )) .

ربما هي الجزء الثاني من قصة " الليلة الأخيرة " أو تكملة لها . هل هي نفس البطلة ؟! أكيد .. رغم ان القاصّة لم تقل ذلك !!

إنها الليلة الأولى لزواجها الثاني . أصبحت امرأة في منتصف العمر وهو رجل تقترب أعوامه من الستين . وقررا أن تكون ليلتهما الأولى في فندق ! وتكتشف من طريقة تصرفه مع النادل بأنهُ بخيل .. والبخل أكره صفة في الرجل !         

تغيب اللهفة في الزواج الثاني لذا يتنقلان ما بين الحديقة وبهو الفندق والغرفة ((وما أن ساد الظلام حتى أحستْ بفورة الشوق فالتصقت بهِ وفيما كان .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. وقد تقطعت أنفـاسها ( انتظر يا أحمد ) . )) ص 74 .

وتدعو الله في سرها أن لا يكون قد سمعها . لكنهُ ، سمعها .. ولم يكن ( أحمد ) سوى زوجها الأول !

 (( سبق صحفي )) .

قصة جميلة تجذبنا غرابة اسلوبها وصياغتها الدقيقة . قصة صحفي فُصلَ من عملهِ .. يقصد حانـة ليسهر فيها ، ويجد لهُ رفيقاً يحكي لهُ حكاية غريبة عن منزلهِ . رغم ملله إلاّ أن غرابة القصة تجعلهُ يطلب منـهُ  أن يرافقهُ  إلى منزلهِ لبضع دقائق  ، فقد وجد في حكاية هذا الرجل فرصة رائعة لكتابة تحقيق صحفي مشـوق ربما يعود بهِ إلى عملهِ في الجريدة . ويرافقهُ .. ويدخل .. ويصل إلى الشرفة (( في الصحيفة المسائية لليوم التالي ظهر الخبر مقتضباً :

( انتحر ليلة أمس صحفي شاب بسبب فصله من عملهِ في صحيفةٍ معروفة ، بأن ألقى بنفسهِ من شرفةٍ في الطابق الثاني لمنزلٍ مهجور . وقد تبينَ من إفادة البستاني الذي عثر على الجثة صباح هذا اليوم بأن المنزل لم يدخلهُ أحد منذ وفاة صاحبه بسقوطهِ من نفس الشرفة قبل خمس سنوات ) . )) ص105 .

(( القطار المسافر )) .

قرأتُ هذهِ القصة قبلَ سنوات بعيدة منشورة في إحدى المجلات العراقية . قرأتُها كقارئة .. وأُعجبتُ بها كثيراً .. ولم أكن يومها قد دخلت عالم الكتابة أصلاً !

زوج وزوجة يدخلان مقصورة قطار ، وإذا بزوجين آخرين يدخلان نفس المقصورة .  ويتسمر الرجل مذهولاً عندما يلقي التحية عليهما .. وتُحدق فيه _ هي أيضاً _ مذعورة ويكاد اسمه يفلت من بين شفتيهـا(( واسترقت النظر إلى كف الفتاة الأيسر " زوجته " وصعدت عينيها تنظر إليها بفضول" النوع الذي كان يستهويه .. هل تراه سعيداً " ؟

وفحص الشاب بدورهِ الرجل ذا المعطف المطري الأسود " لم تكن تحب هذا النوع من الرجال .. هل تراها سعيدة " ؟ التقت عيونهما للحظة ، ثم أشاح أحدهما عن الآخر . )) ص 134 . 

المفاجأة الجميلة والرائعة في القصة أن هذا القطار الذي يسافر غرباً هو نفسهُ الذي سافر بهما ذات يوم ، ولم يكن في المقصورة سواهما . واليوم يجلسُ أمامها عاقلاً ، هادئاً برفقةِ امرأةٍ اخرى يصنع معها ذكريات جديدة !

ومن محاسن الصدف أن ينام زوجها وتنام زوجتهُ .. ينظران إلى بعضهما ويبتسمان بمرارة (( يقف على باب المقصورة .. ينظر إليها " لا كبرياء لي معكِ .. ها أنا أقفُ أمامكِ مهزوماً .. أشتهي أن ألمس ظهر كفكِ .. أُمرر عليهِ أصابعي .. لا أُريد أكثر من ذلك .. لو ترضين .. تعالي مدّي يديكِ.. ليذهب كل شيء إلى الجحيم ".. " ألمح الجنون في عينيك .. دعني .. لا تراود جنوني .. أية عاصفةٍ ملعونةٍ طوحت بكَ هنا ؟ " )) ص 138 .

جاءت معهُ إلى هنا صيفاً .. كانت فيروز تغني يومها " حبيتك في الصيف " . وصل القطار وهبطت إلى الرصيف برفقةِ رجلٍ آخر وهو برفقةِ امرأةٍ اخرى .. وصوت فيروز يضيع وسط الزحام والريح والبـرد" حبيتك في الشتي " !!

 (( مانيكان )) .

ما يدهش في اسلوب القاصّة بثينة الناصري طريقة بنائها للحكاية ومعالجتها الدرامية الشفافة .. وهذهِ الرقة التي تنثرها بين السطور .. إنها تُدخل الدفء إلى رؤوس الأنامل لتمتد كلما امتدت بنا القراءة لتصل إلى القلب !

 (( انتظار السيدة )) .

كتابة الرسائل فن بحدِ ذاتهِ . وهي لا تختلف عن القصة والرواية والشعر ، وربما توازيها كإبداع حقيقي . والأديب أكثر الناس دراية بكتابة هذا النوع من الفن الجميل .

قصة حب تولد _ من خلال الرسائل _ بين قاصّة تعيش في القاهرة ورئيس تحرير مجلة يعيش في بغداد. (( عندما مضت بالرسالة إلى مكتب البريد شعرت وهي تلصق الطوابع وتكتب عنوانهُ تذيلهُ باسم وطنها الذي غادرتهُ منذ سنوات .. بأنها تعود بشكلٍ ما إلى وطنها .. وأنها لم تعد وحيدة في غربتها بعد وفاة زوجها .)) ص 152 .

وذات يوم يبعث لها ببرقية مفادها بأنهُ سيصل إلى القاهرة بعد يومين لحضور ندوة ثقافية .   وتنتظر .. يمر يومان ويليهما شهران .. وسنتان .. لم يحضر ، ولم يرد على الرسائل التي كانت مستمرة بإرسالها له .

وتمر الأيام .. حتى ان ساعي البريد أُحيل على التقاعد واستلم محله أحد الشبان . بعدها لم تقترب منضدة الكتابة . وكل سلواها في حياتها الرتيبة قراءة تلك    الرسائل _ التي حولت أيامها إلى حلم _ كل يوم .

وبعد سنين يُطرق بابها .. وعندما تفتحهُ يقابلها رجل أبيض الشعر يقاربها سناً .. تصفْقْ الباب بحركة لا إرادية (( تلفتت حولها بارتباك .. فكرت لو كان عندها فسحة من الوقت .. فيما راحت أصابعها المرتجفة تسوي خصلات شعرها المتناثرة .. قبلَ أن تتشبث بالآكرة لتفتح الباب . )) ص 165 .

 (( الطريق إلى بغداد )) . قصص تضج بالمعاناة والألم الحقيقي والنشاط المتقد        والحيوية والضوضاء . انساب إلينا اسلوبها انسياب الأنهار الحزينة بكل ما تحملهُ من ذكريات على ضفافها! 

* " الطريق إلى بغداد " . مجموعة قصصية للقاصّة بثينة الناصري .. صدرت عن دار عشتار للنشر / القاهرة / 1999 / الطبعة الثانية .

أضيفت في 28/05/2005/خاص القصة السورية/ المصدر الكاتبة ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

من خلف انحناءة الأقواس ... ليست قراءة نقدية

                                                                                                                

بقلم: بثينة إدريس

 

إطلالة:

أبداً لم يكن دافعي للكتابة إعداد قراءة نقدية أو تقييم تحليلي لكتاب وقع بين يدي ضمن جملة الكتب التي نقتنيها أو التي تُهدى إلينا ، وإنما سعيت لمحاولة استقرائية لكتاب تذوقت منه نكهة الكتابة بين سطور تلك الشاعرة التي استثارت حفيظتي فأثيرت فحرضتني على الكتابة .

هيلدا إسماعيل شاعرة حلقت بنا في فضاءات الهمس ، قطرّت ريشة القلم لقب ( ميلاد ) كاسم مستعار لها ، لحظة ولوجها مساحات الكتابة ، بمجموعة شعرية أولى ضمت بين دفتيها نحو 22 عنواناً و156صفحة صدرت عن الفرات عام 1423هـ بعنوان ( ميلاد بين قوسين )

ولا أدعي كذباً إن قلت أن هذه الهيلدا أخرجتني عن قوقعتي المقالية بركن زاوية أسبوعية ، منذ لامست شغاف أذني قصائدها ، فقد آثر القلم أن يجنح بالكلمات لتسجيل واقعة لامرأة جاوزت حد القصيد لتتناثر وجاوزت حد التناثر للقصيد ، ومابين تلك الرؤية وذلك التصور أطلت علينا من خلف انحناءة الأقواس ، وقبعت بعيداً لا تلوي على شيء ، ولا تأبه لأول زائريها وآخرهم ، فلمن يحفل بها أن يحفل ، ولمن يلوك بقلمه أن يلوك ، ولأني لست من زمرة النقاد ولا من مرتادي القراءات النقدية لأرفع شأن هذا وأثخن بالحيازية فأخفض قدر ذاك ، إنما جئت كقارئة أولاً ومتذوقة ثانياً .

( ميلاد بين قوسين ) مجموعة منثورة لشاعرة استهوت همس القلم فاتخذته صديقاً  واستطابت مقاماً بعمق الشعر فجعلته مرفأ ، ولا أعلم تحديداً عمر صداقتها للقلم وإقامتها على المرفأ ، وإنما أراها تحبو على متكاءات النثر علّها تُسند انحناءة قوس أو تقيم علاقة مستديمة مع مفرداته .

أقف بدهشتي الآن أمام شاعرة امتطت ثقتها بنفسها واعتلت شموخ كبرياءها لتهدي نتاجها الأول دونما تردد أو وجل ، فراحت تقول في إهداءها

(سأبقي المكان خالياً

كصفحة بيضاء تسر الوارفين

وكتلك الأيدي التي امتدت

وشاركت في صنع الميلاد ).

فلسفة الكلمات: 

لهيلدا إسماعيل فلسفة عجيبة لمعاني الكلمات وتشكيلات الحروف ، فهي قد صنعت قاعدة حوارية فلسفية ارتضتها لنفسها فأعلنتها على الملاً ،، إذ قالت  : في قصيدتها ( ميلاد ) بين ( قوسين ) :

هل سألنا أنفسنا من قبل ونحن نخط خطاباً

أو رسالة أياً كان نوعها .

لماذا نكتب بعض العبارات بين ( قوسين ) ؟؟

هل كل مابين القوسين مسجون بينهما ؟!! معتقل في عصر الحرية ..

أو مدني في عصر القبلية ؟؟ هل كل مابين قوسين هام قدسناه ..

عام احترمناه . أو عامي خجلنا منه ؟ !!

هل هي أسماء نحبها فاحتضناها .

نكرهها فعذّبناها .. أو نخاف منها فشددنا وثاقها ؟ّ!

هل كل مابين قوسين عبارات هاربة تم القبض عليها ..

 أو اقتباس حفظنا حقوقه أو إعصار أو ( ميلاد ) تمت السيطرة عليه . ؟!

تلك افتتاحيتي لأقطع دابر الوقت ، لتصطف  الكلمات ترحيباً بقدوم تلك الشاعرة ( العنكبوتية ) التي خرجت من ( الانترنت  ) لتعلن وجودها وتعود لتعبئ سلالها بحبات من تفاح شجيراتها.

ذوات هيلدا:

لهيلدا ذوات معذبة وذوات تستلذ تعذيب الآخرين ، فإحدى تلك الذوات تطل علينا من قصيدة ( ذات ليال اسطورية ) في مقطع ( ذات ليلة حزينة ) تقيس مسافات العاطفة بين حرارتها والصقيع  :

دعوتك تمارس التناقض في مشاعرك

أن تستشعر الفرق بين 37 درجة مشتركة بين الجسد والحزن

37درجة .. إذا زادت عنها حرارة جسدك .. سينهار جلدك بالدموع

و37 درجة .. إذا زادت عنها حرارة حزنك .. ستقاوم عيناك الدموع

ما دمت عاجزاً عن التعبير عن حزنك بطريقة فطرية

وما دام البكاء عيباً .. وضعفاً . وأنوثة .

أجهش بالضحك .. وسأجهش معك .

وفي مقطع آخر بعنوان ( ذات ليلة .. تحول ) ، أراها تمسك  تلابيب الذات الشخصية ، فتحادثها ، وترسم صورة لها في لحظات التحول ، حين تقول :

كنت ( ميلاداً )

كنت كحمامة فتحت عينيها على أسرار الحياة

نهلت من طقوس التربص .. والمؤامرات .

سئمت من الفرار من قنص الصيادين

وشباك الأقفاص الصدئة

تعبت من اتساخ الريشة بأبخرة النقل والكلام

نهلت من ضمائر البشر

فقررت أن تغير ملامحها .

ثم  تتمرد قليلاُ على ذلك العاشق ،، وتقتات الجرأة لتوصد دونه أبواب قلبها فتقذف في أذنيه كلمات تقول  ( أجد الجرأة الآن ) :

أجد الجرأة الآن

لأراك متسولاً

تمد يدك المرتجفة إلي

فأوصد الباب أمامك . طالبة منك أن تغادر ..

موصية إياك بالوقوف بعيداً

والاغتسال بريعان انتحابك الذي يليق بك

ثم ترمقه بنظرة أخرى كونه رجلاً لا يغادر ثياب الرجل ،،  وتشير إليه : ( أنت رجلاً كالآخرين ) :

تريد أن تتحكم بلون ثيابي

صوت بكائي .. رائحة عطري .. وعدد نبضاتي

تريد أن تدون أمنياتي عني وتقرر أحلامي

وتستعيد أنفاسها بقولها :

وتحفظ أسماء صديقاتي .. ترد على هاتفي

تطرد من تشاء من حياتي ..

ومرة تلو مرة يدثرها الحنين إليه ،، فتسقط  بين يدي الذكريات ،، لتلتقط أهدابها فرحاً للقياه فتهب هامسة : ( حين التقينا ) :

حين التقينا .. تبدّل شكلي

تشكلت ملامحه على يديك

وتبدّل صوتي .. فصار شوقاً

ونحيباً . أيضاً .. على يديك .

وتتناول بقاياها المغادرة من جعبة النسيان لتسكنه حيث القلب  في  ( سكن ) في مثل هذا القلب ) وهنا تتفرع  القصيدة في هيئة سنوات ، فلك ل مقطع عنوان سنة فماذا أسّرت في  ( في السنة الرائعة والعشرين )  ؟؟  :

قررت أن أحل أزمة ( الشوق ) الأوسط

ألا أعيد إليك قلبك

ألا أخرجك من ذاكرتي مهما كان النسيان

فالمحيط لا يعيد إلينا غرقاه

على عتبات الأوطان :

لم تعد تغزل الأناشيد الوطنية المعتادة حلماً يداعب جفون وطن مسلوب ، يرتجي التحرير ، أو وطناً مهملاً يئن لجرعات حب ، أو وطن يُعشق حد التخمة ،، فكيف حال الأوطان في خفايا هيلدا ،، في ( أحياناً مبعثرة ) وتحت عنوان ( حين تمسك  ببندقيتك الصغيرة ) من ستغتال أولاً ؟؟ :

وتصوبها إلى قلبي

حين تطلب مني أن أموت .. لتضحك

ثم تنهال خوفاً علي

أحلم بأنك ستكبر ذات حرب

وستأتي حاملاً على كتفك ثار ( الدّرة )

وثأر .. أطفال العراق

يومها .. لن أندم إن كفنتك شهيداً ياصغيري

و أرقت عليك العروبة

ودثرتك بالسلام .

بينما  في قصيدة ( من يعلمني الرقص ) ، في جزء من ( الرقص بسيف الكرامة ) تفترش مساحات الحقيقة  :

لم نعد نهتم بأسلحة الدمار .. ولا باستلام الكرامة للرقص بها ..

وإيذاناً بانتصار  قريب

لسنا بحاجة إلا إلى تلفاز مصفح يقينا من الطلقات

التي تبثها ( الأخبار ) على الهواء ..

والجبن مباشرة .. متى يجهزون علينا ويستأصلون الصمت من حناجرنا ..؟!

ألم يقولوا في زمن لن يعود :

" لو أن لشيء أن يبقى .. فلتكن الكرامة " .

رؤية منفصمة :

في تصوري أن هيلدا شاعرة ثلاثية ، بمعنى انفرادها بتقمص ثلاث شخصيات لثلاث شعراء من علية القوم ، فكلما تذوقت حلاوة قصائدها أطل أحدهم علي ، رأيت سعاد الصباح  بجرأتها ، ولمحت هدوء فاروق جويدة ، ثم يمارس تمرده كثيراً نزار قباني ، حتى صدحت فغرّدت وغنت فأطربت .

أسقطت هيلدا إسماعيل كلماتها عمداً ، غضت طرفها عن كينونة الذات الإنسانية ، فشخصت بشعرها تشكل امرأة ، رجل ، فحفيدة ، وطفلاً ، فوطن مسلوب ، وقد أمطرت كلمات مثقلة ببعض الهم وقليل من الأحلام المغزولة ، حين راحت تخط خطوطاً بقلم من رصاص إن محيناها انمحت وإن أبقيناها بقيت ، ولنا اختيار القرار .

استنطاق  الأسماء :

يعاب كثيراً على أدباء النت ، هل لأنهم خديجوا الولادة ؟؟ وإذا ما اعتبرنا أن خروج هذه الشاعرة للساحة الأدبية عبر  تلك الشبكة ، فهل يكفي وابل كلماتها ؟؟ لأن يشحذ همة قامات أدبية : كمعجب العدواني – عبد الله العساف – د. زاهر العثمان – إبراهيم الوافي – محمد الدبيسي – د. خيرية السقاف - عبد الله الحسيني – شاكر شكوري – عبد الحفيظ الشمري – حسن محفوظ – علي الزعلة ، فلم تجد بد من استلال أقلامها للكتابة عن صاحبة الأقواس ، وقد يكون هناك آخرون لم نلتقي بكتابتهم ، إذاً فهذا برهان آخر لمحامد النت ، كما  له من مساوئ ، فهاهي هيلدا استنطقت أقلامنا فنطقت ، وخضبت عقولنا بعبارات مطرزة  فتخضبت ، ولا يسعني القول أنه لا يزال بالساحة الأدبية متسعاً لحروفاً تصول وكلمات تجول ، فليتقدم مبارزي الكلمات .

الخاتمة :

تغوص بنا الكلمات وتطفو شهوة التهامها على سطوح نفوسنا ، فتنتابنا لحظات حنين لحلو الكلام عن حدقات شاعرة صعدت على أوزان القصيد فانحدرت بين الأقواس ، ثم عزفت نغماً جديدا لم يذاع صيته بعد ، وعلقت بها وجهة بوصلة النشوة في اتجاه واحد

أما أنا فـ ( أجد الجرأة الآن ) لأن أقول : إننا نستقبل شاعرة قادمة لتقف بمنتصف الساحة تقارع الآخرين بحدّي القصائد  ما لم نستعرضه من طرح الشجرة  : العيش في سبات الشعر– نحن أكثر مما تتهموننا به –حذار من هذا الحنين – ليس كل ما يوجع قلبي عشقاً –حوارات مختصرة – تكنولوجيا المشاعر – دخان امرأة تحترق – إلى أنثى ما – في عيون المقاهي – كان ياما ( شاعر ) – على أعتاب الثلاثين – من الأول إلى مابعد الأخير – جدار وأربع أغنيات – كلمات سقطت عمداً ، وإلى وقفات في كتب أخرى

أضيفت في 28/05/2005/خاص القصة السورية/ المصدر الكاتبة ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

في حوار مع القاصة بسمة النسور في برنامج ركن الكتاب

 

 

اعتبر نفسي شخص عنده مكر ودقة ملاحظة

جبرا يمثل لي شيء من ماركيز ونوال السعدواي طبيبة جيدة لكنها كأديبة ضعها جانبا ونزار قباني أكثر شخص أساء للمرأة في الكون

أنا حرة في مسألة الكتابة، ولا أكتب لأجل الاستمرار، ويوجد كتاب لديهم هاجس الاستمرار وهنا تظهر كتاباتهم أي كلام

ركن الكتاب...

"أنا لست مؤيدة كثيرا لمصطلح الأدب النسوي، ولا أحب التصنيفات القائمة على الأسس البايولوجية، لكن

أيضا أعرف أهمية أدب المرأة وأدرك أن هناك ظلما واقعا على المرأة الأديبة، فالنقاد إذا ما تناولوا أدب المرأة دائما ما يحيدون عن الموضوعية (...)" تقول ضيفة ركن الكتاب القاصة بسمة نسور...

قرأت من الكتب الكثير، وكتبت متأخرة، لكن يحار المرء عند قرأته لقصصها بالشغف والشاعرية وجرعة الأمل، التي تكلل كلماتها، تقول كان لي محاولات ساذجة في مرحلة المراهقة تمثلت في كتابة الشعر والخواطر، لكنها كتبت وشجعها كتاب ومبدعين، لاقت كتاباتها الاهتمام بل وُطلبت بالكتابة أكثر وأكثر...

لبسمة عدة إصدارات قصصية أذكر منها: (اعتياد الأشياء وقصص أخرى) 1994، ( أسياد الأشياء) (قبل الأوان بكثير) 1999، (نحو الوراء) و( الوجوم)، و(النجوم لا تسرد الحكايات) الصادرة عام 2002...

أهلا بك في ركن الكتاب...أهلا بك محمد والأخوة المستمعين

القارئ لمجموعتك الأخيرة "النجوم لا تسرد الحكايات" يجد بسمة، تتقلب في اختيار شخصياتها بين الطفلة والجدة، هل هو البحث عن الذات في عدة شخوص تكتبها بسمة؟

هو لا بد من الإشارة، أنها المجموعة الأخيرة، لكنها ليست حديثة، فقد صدرت منذ سنتين تقريبا، ربما البحث عن الذات، وأعتقد أنها محاولة الكتابة، للتعرف على الذات، بغض النظر عن الجنس الأدبي الذي يقترفه الكاتب، وفي مجموعة النجوم لا تسرد الحكايات، الكتابة تتم بغير قصد، وبعفوية تامة، ولا أقرر ماذا سأكتب، وعندما كتبت هذه المجموعة، وفي فترة قريبة، بمعنى يوجد مزاج واحد، اكتشفت أن هناك محاولة لاسترداد الطفولة، أو وداعها، لا أعرف، وسألت نفسي هل هي محاولة لاسترداد أو التشبث ببعض هذه الملامح، أو هي محاولة الانفصال، وشخصي طفلة تأبه أن تنمو، والحقيقة هذا محرج، لأننا يجب أن نتصرف بنضج، ولكن قد يكون لدي ذلك باللاوعي،

تلامسين الأحلام، وتعيشين الأمنيات، لكن هذا خطأ الكاتب؟

الحلم، كان دائما الثيمة الأساسية في قصصي، منذ بدأت الكتابة، بمجموعة نحو الوراء، دائما أعول جدا على الحلم، ولا أخفيك الكثير من قصصي تبدأ بمرحلة الحلم، أصحو من النوم، عندي حلم، ساحر، وأترجمه على ورق.

القارئ لنتاجك ربما يتعرف على شخصك فتقولين مثلا في إحدى قصصك لا أحب أن أرى نفسي كضحية إن في ذلك إهانة كبيرة، وتارة تقولين الحياة ليست أهم من الحرية..، بدون حرية تصبح الحياة عبثاً ثقيلاً لا يستحق كل هذه المعاناة... ما تقولين؟

أنت جامع أكثر من شيء،

ما أريد قوله هل تكره بسمة أن ترى نفسها ضحية، ونحن في مجتمع شرقي، تنقاد المرأة إلى الضعف ؟

حتى ولو، المجتمع الشرقي لا يفرض علي أن أكون ضحية، أنا شخصيا كبسمة، لا أحب أبدا أن أكون ضحية ضعيفة، والتي ترى نفسها كذلك، فيكون لديها نفس مازوجشي، وهناك كاتبات وكتاب أيضا يستمرؤوا دور الضحية، وهي متعة تحقق لهم، أنا مع الروح المعتدة، التي تحب نفسها، وما أريد قوله أن شخصياتي تفوهت بحماقة كبيرة، لكن بالتأكيد الكاتب يعبر عن ذاته أولا مهما كتب أو رسم، ويتاح لنا كقصاصين وروائيين أن نختبئ وراء شخصياتنا، ولكن يبدو أن هناك انحياز دائما للمرأة، لكنه انحياز غير واع.

هل هذا من أعباء المجتمع؟

طبعا، إذ سنتحدث عن واقع المرأة، سنحزن كثيرا، مع كل المحاولات والتطوير الذي يحدث، يظل هناك مسألة أساسية، هي علاقة المرأة مع نفسها أولا، وكيف الآخر الذي هو الرجل يراها، إذا هي طرحت نفسها كضلع قاصر، وبحاجة إلى حماية ورعاية، والرجل يريد لعب الدور؛ الحارس، الحامي والمالك بالنتيجة، أنا أرى المرأة في الأردن والعالم العربي، حققت درجة كبيرة من الاستقلال الاقتصادي، والذي يرتب عليه الحرية.

وما تقوله أحد شخصياتك، حول أن الحرية تشكل للمرأة عبئا كبيرا؟

يعني أنا أتذكر هذه الجملة بالذات، وردت في قصة علي وأنا محامية، امرأة تقتل زوجها، بالنسبة لي، شيء غريب، أنا أرى قاتلة، وقد اشتغلت كثيرا على هذه الشخصية، حاولت أن أضع نفس مكانها، وأتخيل ماذا يمكن أن يؤدي بإنسان، عادي سوي، قد يكون ذكيا، إلى مرحلة القتل، ووجدت أن الاعتداء على الحرية، مسألة أساسية، والحياة بلا حرية، بالنسبة لي ليست عبئا، إنما ليست حياة. ومن هذا المنطلق صعب أن نتحدث عن أن الحرية متحققة، سواء للرجل أو المرأة، لكن تظل المسألة نسبية، عند الحديث عن حرية العمل والتعبير، واختيار، وهذه حريات حققناها والمفروض أن نكون سعيدا بها، وبنفس الوقت صعب كل شيء نريده أن يتحقق.

يعتريك بعد كل إصدار فترة من القلق وعدم اللياقة الإبداعية كما تقولين لكن بعد ذلك أصبحت تشعرين بالهدوء النسبي؟

أظن أني بشهادة قلت هذه الجملة، وهذه الحالة الآن أعيشها، كتبت قصتين فقط، بينما مجموعة النجوم لا تسرد الحكايات كتبتها خلال شهر فقط، ومنذ سنتين وأنا في حالة جفاف، ولا أحبها، رغم أني أحقق الكثير على مستوى عملي، لكني كتبت نص مسرحي أحبه جدا، وهو لوثة تفاح، وأريد أن أقول شيئا، الكم ليس مهما، فلدي الآن أربعة مجموعات قصصية ونص مسرحي، وأتخيل أنه يمكن أن يخرج معي أيضا مجموعة قصصية، وأُعتبر مقلة، لكن التجربة لا تقيم بذلك.

أنا حرة في مسألة الكتابة، ولا أكتب لأجل الاستمرار، ويوجد كتاب لديهم هاجس الاستمرار، والبقاء، وهنا تظهر كتاباتهم أي كلام، وهنا أيضا على المستوى العالمي؛ تراجع القصة القصيرة في العالم، وهنا أقصد تراجع الاهتمام الإعلامي بالقصة القصيرة، إلى درجة تصل إلى عدم الاعتراف بهذا الجنس، رغم عراقته، ولا يقل عن الرواية، والقراء يميلون إلى الرواية، مع أن القصة تعبر عن المرحلة، وعند ظهور أي رواية جديدة تلقى الصدى، وثمة كتاب القصة القصيرة اتجهوا لكتابة الراوية كنوع من الاستدراك، وأعتقد أنها ظاهرة يجب أن تدُّرس.

من يثير الاهتمام إذن؟

هذا سؤال صعب، لكن قد تكون الرواية تعطي عوالم أكثر، والمفارقة أن قراءاتي الأولى في الراوية.

تقولين "أنا لست مؤيدة كثيرا لمصطلح الأدب النسوي، ولا أحب التصنيفات القائمة على الأسس البايولوجية" والكثير يرى أن ثمة اختلافات لا يمكن وضعها بقالب واحد؟

مصطلح الأدب النسوي، يثير نقاش على المستوى العالمي، وهناك نظريات بهذا الشأن، ولا أريد أن أدخل بهذا المجال لأنه ليس مجالي، لكن، أريد أن أقول إحساسي، أرفض فكرة تحت عنوان تاء التأنيث، أصنف كل الكاتبات في الأردن أو غيره، لأنه يصبح تبرير للرداءة، وأنا كنت دائما ارفض هذا المصطلح، فإذا كاتبة تريد توصيف حالة ولادة حالة مخاض إحساسه بالرجل، مهما كان الكاتب.

ولا حتى نزار قباني؟

لا، نزار قباني، قصة ثانية، نزار قباني أكثر شخص أساء للمرأة في الكون، فالمرأة تعبر عن ذاتها كما الرجل ايضاً يعبر عن جسده و روحه و شهواته ورغباته، فأنا مع المرأة التي تكتب العالم من وجهة نظرها و من إحساسها كأنثى، في بعض الاحيان كتّاب يدخلون ضمن مصطلح الادب النسوي.

تفضلين استخدام إبداع المرأة وليس أدب المرأة؟

لهذا السبب انا اتحسس من هذا المصطلح لكن أحب المصطلح الادبي الذي تكتبه المرأة و هو لا يختلف عن الادب الذي يكتبه الرجل ، فأنا أفضل استخدام مصطلح إبداع المرأة و ليس أدب المرأة .

الرومانسية صفه أصبحت تلازم كل مبدع، هل هي تهمة لدى من يقتنع بضرورة واقعية المبدع وانضواءه تحت واقع شعبه وهمه؟

انا سوف اختلف معك في الرأي لانني لست رومانسية على الاطلاق، بل هي حساسية عالية لان الرومانسية تبعد الانسان عن الواقع ( فترسم صورة وردية لشيء بائس أحياناً مثلاً و هذا نوع من الحماقة )، فأنا إنسانة واقعية و اتهمت بأني تجريدية بسبب دخولي الى سوق العمل في مرحلة مبكرة من حياتي، فأنا واقعية ولكن بحساسية عالية وكقاصة التقط التفاصيل الصغيرة، فإحساسي بالحياة في رهافة يعني تفاعلي مع الشئ الجميل ( مع الموسيقى و المطر و الجمال و الاصدقاء و أولادي...) يولد نوع من الحميمية، الرومانسية هي صفة غير ملازمة للإبداع، فالمبدع يجب ان تكون مشاعره حادة و تلقيه للعالم فيه حساسية لكن كيف سيعبّر !!

يجب ان تكون لغته شاعرية و لكن ليس فيها شعر، فاعتقد أن الشاعرية تأتي في مكانها فأحياناً الشعر و المشاعر هذه الفضفاضة وجحافل الغيوم...

هل هي تكنيك في النهاية ام تلقائية ؟

هي فائض و ليست تلقائية، فمثلاً استطيع ان اكتب التعبير في جملتين و ممكن أن اكتبه في صفحة ( امطرت السماء... ممكن ان اوصفها في جملتين و ممكن في صفحة كاملة ) لكن في النهاية تكون الفكرة واحدة، لكن أنا عندما أقول الدنيا أمطرت ليس معناها انها لا تصلح ان تكون شعرا، فطريقة التوصيل يجب ان تكون بإحساس.

من خلال الحديث لاحظت ان مجال عملك السابق في المحاماة أعطاك شيء، حملت الكثير من الواقع وجعلك تتقربين أكثر و أكثر إلى الواقع و خباياه ومشاكل الناس؟

هذا الكلام سليم، لكن المهم انني لا اخذ الشخصية وأعطي من خلالها درس أخلاقي، فأنا اعتبر نفسي شخص عنده مكر ودقة ملاحظة، و دائماً اتهم بالغرور عندما اقول ان عندي دقة ملاحظة فهي توصيف للحالة، فأنا أرى شخصية معينة ودائما تلفت نظري الشخصيات غير سوية فشخصية عادية متحققة لا تثير انتباهي و شخص حابب و محقق نفسه لا يعنيني كقاصة، لان الأبطال عاشوا حياتهم فإذا اردت ان اكتبها فإني سوف اسردها كدرس للاولاد ليفعلوا مثل هذه الشخصية، أحب الشخصيات الهامشية فمكن عندما ارى رجل او امرأة في سوق الخضرة او في مصعد او بتكسي او بمحكمة... فهذه الشخصيات بلاحظها و بلاحظ نقاط ضعفها و بشتغل عليها و هنا تدخل المخيلة .

أنت متأثرة بدوستويفسكي، تلستوي، وسارتر وألبير كامو ما مدى استفادك و تأثرك منهم خصوصا وأن كل منهم يعتبر مدرسة مختلفة عن الآخر؟

أنا لا اعرف ان اتحدث بهذه الطريقة و ان اقول تأثرت بفلان وفلان، بل هي خلاصة ما قرأت وحملت هذه الرواية و أيضاً أتأثر بالسينما ( فمثلاً الكافكا في روايته العظيمة المسخ ) هذه الرواية عملت لي حالة نفسية فكيف استطاع ان يبتدع هذا العالم الجميل، وحين أكتب أكون بلا وعي أكيد، ومن الصعب الحديث عن التأثر.

الروائي الراحل مؤنس الرزاز أول من نبهك بضرورة الكتابة، فكتبتي أول قصة في الثمانينات ونالت القصة الاستحسان لدى النقاد ما هي القصة التي دفعت بسمة إلى احتراف الكتابة القصصية؟

كنت أحس، أن لدي فائض وشحنة للكتابة، ويجب أن أعبر عن حالي، ومنذ أن كنت في المدرسة وأن لدي موهبة كتابة الإنشاء، والقراءة موجودة، وكان لدي كتابات في جريدة الدستور، في زاوية أسبوعية لي، وكانت مقالاتي مفاجئة للكثيرين، وكان يأتي دائما ردود فعل للجريدة، فمؤنس الله يرجمه، صديقي قال لي يوما يا بسمة لماذا تضيعين وقتك بكتبة المقالات، أكتب القصص، وأنا كنت حينها معتزة بحالي، ويقول إن لدي نفس قصصي، وعندما حاولت الكتاب، ظهرت أول تسعة عشرة قصة معي، وكان يدفعني بطريقة قوية، حيث تعرض للانتقاد، وحين أصدرت مجموعتي نحو الوراء، كان لديه اعتزاز الأستاذ، وهذا يسجل له بمعنى الاعتراف بالآخر.

وفيما يخص جبرا إبراهيم جبرا؟

جبرا إبراهيم جبرا، يمثل لي البحث عن وليد مسعود، وشيء كمركيز، وصعب أن نتحدث عنه كإنسان من لحم ودم، وأنا كنت قد قرأت البحث عن وليد مسعود، وهذا العمل ساحر آنذاك، فتعرفت عليه حين آتى إلى عمان، وكان متميزا على مستوى الرواية والترجمة، سواء لشكسبير ووليم فكونر، وعمله كفنان تشغيلي.

رغم الكثير كان يقول أنها قاصة جديدة طفرة وتذهب، وأنها تسرق من الأفلام، وكان متحمسا لصدوري مجموعتي الأولى، وكتب مقدمة هائلة، عندها أصبت بالغرور لأكون صادقة، وهذا شيء مشروع.

تتحاشين الخوض في المحظور الجنس الدين لا أريد أن أثير حفيظة البعض وليس لي القدرة على المواجهة، فأنا سريعة اليأس أحاول أن أكون صادقة قدر الإمكان في تناول الأمور الحساسة كما أني غير مباشرة؟

صحيح، أنا أعلم أن هناك ثوابت، وهذا الكلام يحصل مع أقرب الناس لي، من إخوتي، أو من قريب من لتطرف، صعب أن تقنع أحدا معتنق مبدأ معين، أنا غير معنية بأن أغير رأي حدا، وأنا لست صدامية بطبيعتي، ومن باب احترام آراء الآخرين، وأنا بالناهية لست مصلحة اجتماعية أو مفكرة.

هل تخافين المجتمع؟

ليست قضية الخوف من المجتمع، فالمجتمع له سطوة، ولا أستطيع أن أكون خارج السرب، لأن مجتمعنا عشائري بالنهاية.

وفي نفس الإطار كيف تجدين نوال السعداوي؟

نوال السعداوي، طبيبة جيدة، ويمكن أن تكتب في قضايا المرأة، لكن كأديبة، ضعها جانبا، فهي فنيا ضعيفة جدا جدا، ومباشرة أيضا، وروايتها ضعيفة، ذلك لأن هاجسها قضايا المرأة فقط، فتفتعل عالم الراوية، واللغة ضعيفة، وهذه وجهة نظري بالنهاية، وقد قرأت جميع رواياتها ولم أعجب بها أبدا، أما على مستوى طروحاتها، فأنا لا أعرف كيف تناقش شخص مسلم، بثوابته كالحج مثلا، أنت تجرحه، يوجد غزل للغرب، وثمة مبالغات لدى كاتبات، لأجل انتباه الغرب لهم.

يتجه البعض من الكتاب الأردنيين إلى كتابة الرواية الأردنية التي توثق المكان، وتعتمد على الوثائق، كنوع من التوثيق التاريخي لهذا البلد؟

المكان، عنصر أساسي في الرواية، وعمان كمكان، ليس له حضور في الأدب، باستثناءات قليلة؛ مثل زياد القاسم وهو الرائد من خلال سلسلة روايته الزوبعة والقلعة...، ومؤنس الرزاز كتب عمان، تماما كما كتب بيروت ودمشق، وهناك محاولات لسميحة خريس وهاشم الغرايبة، وكان يمكن أن مشروعهما أهم بكثير ، لأنهما مشروع واحد، تماما كمشروع جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف المرحومين، لأن روايتهما كررا بعضهما البعض، فالقصدية تفسد أي فكرة، لنعترف عمان بنت صغيرة مقارنة بالقاهرة ودمشق، كتراكم حضاري.

قد نجد بسمة تكتب عن مدينتها السلط؟

لا، ببساطة شديدة، فكل مجموعاتي القصصية لم أذكر أي مكان سوا مرة واحدة، وهو العقبة، فالقصة لا يهمها المكان، علاقتي بالمكان صعب الحديث عنها، وأنا لم أعش بالسلط، وأعيشها بنفس سياحي.

كيف تجدين واقع المجلات الثقافية في الأردن وانطلاقا من كونك رئيسة لتحرير مجلة تايكي الثقافية التي تعنى بالأدب النسوي-وهي فلسفة المجلة؟

هناك مجلة عمان، وتايكي المعنية بإبداع المرأة، وأفكار من وزارة الثقافة، وهناك تراجع في المجلة نظرا لموازنتها، وعلى مستوى تايكي فأنها تحقق شيء من الحضور، وتستوعب الكتاب والكاتبات، وصحيح أنها معنية بإبداع المرأة لكنها تفتح المجال أمام الرجل، فهو شريكها بالإبداع ايضا، وطالما تحدثنا عن المجلات الثقافية فالملاحق الثقافية، الرأي الدستور الغد، وبهذه الفترة أنا جدا سعيدة بمحلق الدستور، فهو أقوى الموجود حاليا،

كيف تجدين المسرح في الأردن، وكتبتين في افتتاحية تايكي في آخر عدد عن مسرحية أردنية أسمها مصابة بالوضوح؟

لنعترف أن هناك محاولات، وفي أسماء مهمة، سواء شبابا أم بنات، والخلل هو أننا طوال لسنة نكون نائمين، وفجأة نركض لإقامة مهرجان المسرح واستضافة مسرحيات، وبالخلاصة 15 يوما من الجرعات المكثفة، وأنا اقترحت على وزارة الثقافة أن نقيم مسرحيات على مدار العام، كل مسرحية تعرض أسبوعا، وتعرض على الشباب وطلاب المدارس، هنا أنت تحدث التأثير والتواصل والتأسيس، والفعاليات التي تقام هي موسمية، وهناك مشكلة النصوص، وأنا جربت الكتابة من خلال نص لوثة تفاح، وفي مقولات أن يتحول إلى مسرحية، لكن بالنهاية قلة النصوص المحلية يدفع الكثيرين إلى الاتكال على النصوص العالمية، والتي أصبحت الأخيرة بدورها مستهلكة "يعني شكسبير رائع لكن نريد نصوص مختلفة".

والمشهد لثقافي، ما يحويه من فعاليات ونشاطات ثقافية؟

لنعترف هناك تراجعا، وإنشاء الله أسمى خضر وزيرة الثقافة تنتبه لهذه القضايا، ووزارة الثقافة وأمانة تلعبان دورا مهما، لكن دعنا نتفائل.

كيف تجدين تجارب المبدعات الأردنيات من سميحة خريس جميلة العمايرة سامية العطعوط..وغيرهن الكثير؟

جميلة العمايرة، كاتبة مقلة في كتاباتها، صدر لها ثلاث مجموعات فقط، تتعب على حالها، سامية العطعوط لم أحبك كل شيء كتبته، جواهر الرفايعة أظن أنها قامت بمجموعتين وأن الأولى أفضل، سميحة خريس صديقتي، أحب روايتها الأولى شجرة الفهود بدعت فيها، دفاتر الطوفان أحببتها، لكن لم رأيت تجربة هاشم وجدتها مستعجلة لكن روايتها أهم من هاشم الغرايبة.

وغسان كنفاني؟

آه، غسان، أن حزينة لأنه خطف ولم أتعرف عليه، وأيضا تيسير السبول، وغسان أعود أليه أحبه وأحب عوالمه، موته فجيعة، وكتابته شاغلة الكثيرين، حتى رسائله لغادة السمان الذين اعتبروها الناس فضيحة بحقه أنا أعتبرها إضاءة لهذا لجانب الإنساني لشخصيته.

بماذا تشعرين في نهاية اللقاء؟

أشعر بالذنب، أريد أن أكتب قصة، وأنا أكتب الآن نصا مسرحيا عنوانه "مزيدا من الفرح"، وبالنهاية أتمنى الفرح للجميع.

أضيفت في 24/05/2005/خاص القصة السورية/ عن ركن الكتاب ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

حوار مع د. رجاء عودة

شمس الدين درمش

 

الدكتورة "رجاء محمد عودة" مثال رائع للمرأة المسلمة الواعية، المجاهدة، التي تحرص على الإسهام في نهوض مجتمعها، ورفعة بنات جنسها.

تزوَّجت الدكتورة رجاء قبل حصولها على الشهادة المتوسطة، ورُزقت خمسة أولاد، ورغم ثقل مسؤولية الحياة العائلية، ومتطلباتها، وتربية الأولاد، إلاَّ أنَّها لم تتردد عندما سنحت لها الفرصة في مواصلة الدراسة التي أقبلت عليها تنهل من العلم وتتزوَّد بالمعرفة.

وحينما  طرحت الرئاسة العامة لتعليم البنات نظاماً جديداً لاختبار الشهادة المتوسطة، وهو نظام (السنة الواحدة) حيث يُتاح للطالبة امتحان الثلاث سنوات بامتحان واحد، كانت من أُولى المتقدِّمات للاختبار. وممَّا بعث الطمأنينة في نفسها واستئناسها بالدراسة، وجود ابنتها الكبرى "جمانة" معها في المرحلة نفسها ضمن النظام العادي، فكانت رفيقة دربها العلمي لعدَّة سنوات، حيث حصلتا على الشهادة المتوسطة معاً، ثمّ الثانوية، إلى أن حصلتا على درجة الدكتوراه، مع اختلاف التخصص، فحصلت جمانة على الدكتوراه في أمراض النساء والولادة، وحصلت الدكتورة عودة على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها.

موقعنا "لها أون لاين" التقى الدكتورة رجاء محمد عودة، فكان هذا الحوار الثري:

* لم يكن الزواج عقبة في سبيل التحصيل العلمي، إذا توفَّرت العزيمة الصادقة، ومساعدة الزوج وتشجيعه، ثمَّ تنظيم الوقت واستغلاله في حقل الدراسة، ومن واقع تجربتي الذاتية لم يكن الزواج عائقاً لي؛ لأنَّ الدراسة كانت أمنية غالية في حياتي، فحرصت على اغتنامها عندما سنحت لي الفرصة، وكان زوجي ـ جزاه الله خير الجزاء ـ خير مشجِّع لي ومسانداً على تجاوز العقبات التي صادفتني. وكنتُ أستغل كلّ دقيقة من وقتي للدراسة والتحصيل، حتى عندما أقوم بأعمالي المنزلية كانت كراسة المحاضرات والكتاب الجامعي يرافقاني إلى المطبخ، حيث لم يكن لديَّ وقت كاف للدراسة دون إنجاز الأعمال المنزلية، ولم تكن لدي حينئذٍ مُساعِدة في المنزل تتحمَّل عبئاً من هذه الالتزامات، هذا فضلاً عن العناية بأولادي الستّة تربوياً ودراسياً، وكانوا (بحمد الله) متفوقين دراسياً.

وإلى جانب ذلك كنت بعيدة عمَّا يشغلني عن جوّ الدراسة، فمثلاً كنت لا أزور ولا أُزار إلاَّ للضرورة القصوى، حيث كنت أعتبر ذهابي للجامعة منطلقاً ترويحياً يغنيني عن النزهات الأخرى، وكنتُ أستمتع حقَّاً في أجواء الجامعة، وأشارك في معظم الأنشطة الثقافية، ونلت بعض جوائزها في مسابقة القرآن الكريم، والقصّة القصيرة.

وكان حبُّ المنافسة العلمية ميداناً ممتعاً لإثبات الذات، واستثمار الوقت، وعدم الإحساس بالفارق العمري مع الزميلات.

* كان اختياري لموضوع الماجستير ثمرة بحث دائب حول نوع من الشعر يتجاوز المواقف الرسمية، وشعر المناسبات، إلى شعر يتغلغل في أعماق الحياة، ويؤدِّي وظيفته فيها، بعد أن كانت غالبية الدراسات تتناول موضوعات تقليدية عامة، كالمديح، والهجاء، والرثاء، والغزل، وغير ذلك، أو بعض القضايا التي لا تمتُّ بكبير صلة إلى داخليات الشاعر الخاصة، التي تتطلَّب معاناة من نوع خاص، تقتضي التعبير عنها بصورة ملحّة.

ومن هنا وضعتُ يدي على نوعٍ من الشعر له صلة بالحياة، ويتفاعل معها، وهو: "شعر الأسرة في العصر الأموي". وقد اخترت العصر الأموي لسببين رئيسيين، الأول: أنَّ هذا العصر قريب العهد من عصر التدوين، فهو يقوم على دعائم أكثر اطمئناناً من سابقه، والسبب الآخر: هو الكشف عن وجه آخر للعصر الأموي في شعر وجداني مداره الصدق، لم تطمس معالمه الأحداث التاريخية، والصراعات السياسية.

وقد أفضت هذه الدراسة إلى نتائج مهمة، كان منها: أنَّ العصر الأموي ساده الوئام الأسري، بخلاف ما عُرف عنه من الصراعات السياسية، والثورات المتعددة. وهذا يعكس مدى دور الأسرة في ضبط موازين الحياة والمجتمع. كما يدلّ على أنّ شعر الأسرة كان متطلباً وجدانياً من متطلبات الحياة، حيث وجد فيه الشعراء السكن النفسي، والدفء العاطفي الذي يتفيؤون ظلاله كلّما أعيتهم متاعب الحياة وهمومها.

وقد سعدتُ جداً بهذه الدراسة؛ حيث قادتني ـ عن طريق الصدفة ـ إلى اكتشاف معلم أدبي جديد، وهو "غزل الحليلة"، وهو غزل لم يُسلِّط أحد الضوء عليه، وهو غزل واضح المعالم، يُعدُّ بحق: البُعد الثالث للغزل في الأدب العربي، إزاء اللونين الآخرين: العذري والصريح، لا سيما وهو معاصر لهما زمانياً ومكانياً، وقد أطلقتُ عليه "غزل الحليلة" مقابل "غزل الخليلة" الذي يمثّله الغزلان الآخران، سواء كان عذرياً أم صريحاً، فهما غير جائزين شرعاً، ولهذا يندرج هذا الغزل بقوّة في ثنايا الأدب الإسلامي شكلاً ومضموناً. وهو قد شكَّل متطلباً حيوياً، ومنطلقاً مشروعاً للتعبير عن مشاعر الحب والود؛ ولا غرابة أن تحتل الزوجة هذه المكان من قلب زوجها وعطفه، فهي النصف الجميل المكمل للرجل، فبها تكتمل سعادته، ومعها ينشأ مجتمعه الصغير، وبمساندتها يتغلَّب على صعاب الحياة، وإليها يُفضي عندما تثقل كاهله هموم الحياة، وهي عونه في السرَّاء والضرَّاء، وهي فوق هذا وذاك سكن نفسه، يتفيأ معها ظلال المودَّة والرَّحمة، قال تعالي: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَّة ورحمة...}.

غزل الحليلة

* قد يستغرب بعضهم تغزُّل الزوج بزوجته، إذ من المعروف أنَّ الغزل يحتاج إلى معاناة وجدانية تلهب خيال الشاعر وأحاسيسه؟

* هؤلاء أردّ عليهم من واقع النصوص التي تقول إنَّ أوضح ظاهرة في شعر الأسرة، سواء على صعيد النصوص الشعرية أم على صعيد الشعراء، كانت ظاهرة "غزل الحليلة"، إذ بلغ عدد الشعراء القائلين فيها ثلاثة عشر شاعراً كان منهم ستّة من المشهورين.. حتى إنَّ أحدهم وهو "هدبة بن الخشرم العذري" قد صدّر أكثر شعره رسائل ودِّية مع زوجته، حيث قضى في السجن عدة سنين، كانت مصدر بثّه وسلواه. هذا إضافة إلى أنَّ كثيرين منهم كان يستشعر الحنين والشوق لزوجته وصغاره، وهو بعيد عنهم، إمَّا في ميادين الجهاد، أو لطلب الرزق، أو السعي لنيل العلم، وسوى ذلك.

وممَّا لفت نظري أنَّ هذا الشعر تميَّز بخصائص فنية عن الغزلين الآخرين، فمثلاً كان شاعر غزل الحليلة يعتدُّ بنسب زوجته وأصالتها، وحبِّها له، وحنانها عليه، بحيث لا يطول غيابها عنه، في حين كانت توصف الأخرى بهجرانها وإخلافها وعدها، فضلاً عن أنَّه لا يعتدُّ بنفسها وكرم منبتها!!

* من النتائج التي أبرزتها الدراسة: شخصية المرأة في العصر الأموي، وهي: شخصية المرأة الفصيحة البليغة، ذات الشخصية القوية التي حدَّدت مسار حياتها وفق إرادتها، وتحقيق إنسانيتها، ممَّا جعلها معلماً بارزاً لمرحلة حضارية متطوِّرة، سبق فيها كلّ المؤتمرات الدولية للمرأة بعدَّة قرون.

ولعلِّي قد أطلتُ في الحديث عن مضمون رسالة الماجستير، لكنِّي أجد أنَّ بيان هذه السمات ضرورية لإبراز مكانة تراثنا الأدبي الإسلامي ومعالمه الحضارية في عصر العولمة!!

ملامح من أدب البنوة

* رسالة الدكتوراه التي وسمت بعنوان "أدب البنوّة في نثر العصرين الأموي والعبّاسي الأول" معلم آخر من معالم تراثنا الحضاري الإسلامي، ولن أطيل في بيان ما أفضتْ إليه من نتائج، لكنِّي سأشير إلى ملمحين بارزين؛ الأول: أنَّ هذا الأدب الذي مرَّت عليه مئات السنين من (41ـ232هـ) ما زال أخضر ندياً يعايش حياتنا، ويخالج وجداننا، ويمسّ قضايانا، ففي الوقت الذي عنى فيه بعلاقات الآباء بأبنائهم، وحكى حكمتهم وتجاربهم من خلال: الوصايا، والرسائل، والخطب، والأمثال، والحوارات، عُني أيضاً بتكوين الناشئة الذين هم حجر الزاوية في بناء الحضارة، وأجال نظره في ميادين نشاطهم كافّة ، فعبَّر بذلك عن مرحلة ناضجة للفكر الإنساني في تشكيل الشخصية السويّة المتوازنة.

وإذا كانت قيمة التراث تُقاس بمدى ما يستطيع رفد الحياة المعاصرة بمقوِّمات بناء حاضرها ومستقبلها، فأحسب أنَّ هذا الأدب قادر على الإسهام في ذلك؛ لأنَّ له سابقة ومثالاً، فقد عُني بتكوين أولئك الروّاد الأوائل للحضارة الإسلامية، أمثال:عبدالملك بن مروان، وابنه الوليد، وعمر بن عبدالعزيز، وهارون الرشيد، وابنه المأمون، وسواهم؛ لأنَّ هذا الأدب دار حول هذه الشخصيات وصدر عنها، فكان كثير من الخلفاء والولاة والقوّاد مستقبلاً ومرسلاً للرسالة النبوية. إلى جانب أنَّ هذا الأدب قد شكَّل ركيزة من ركائز التراث الأدبي؛ لاحتوائه على غالبية الألوان النثرية التي شكَّلت النثر العربي في حقبة نضج النثر العربي وازدهاره.

أمَّا الملمح الثاني لأهمية أدب البنوة، فهو: القيمة المرجعية للنصوص البنوية على صعيد الدراسات الإنسانية الأخرى: التاريخية والاجتماعية والتربوية، فعلى صعيد الدراسات التاريخية تُعدُّ النصوص البنوية وثائق تاريخية سياسية مهمّة، شكّلت أحداث العصر، وأنظمة الحكم فيه، وقدَّمت الأطروحة المنهجية للسلطة النموذجية لقيادة الأمّة، على مستوى صلاح الراعي والرعيَّة.

وعلى صعيد الدراسات الاجتماعية عُنيتْ النصوص بالتنشئة الفردية والاجتماعية، كما طرحت قانون التكافل الاجتماعي، يعزّزه قانون العقوبات لصيانة هذا القانون من التهاون والإهمال، فضلاً عن كشفها عن التغيّر الاجتماعي الذي واكب مسيرة المجتمع العربي من العصر الأموي إلى العباسي.

وعلى نطاق الدراسات التربوية، استطاعت النصوص البنوية التأصيل لمنهج تربوي متكامل على مستوى النظرية والتطبيق؛ إذ حققت المفهوم الشامل للتربية باعتبارها عملية تنمية للشخصية المتكاملة المتوازنة. وهذا المنهج التربوي سوف يحقق تطلعات خبراء التربية الإسلامية وآمالهم في إيجاد مناهج تربوية إسلامية، دون اللجوء إلى النظريات الغربية التي تتنافى مع قيمنا الإسلامية، وهو على هذا يُعدُّ موضوعاً خصباً لدراسة تربوية مقارنة.

* نعم، هناك ارتباط وثيق بين موضوعي شعر الأسرة وأدب البنوة، والحياة، فالأسرة نواة المجتمع، والبنوة أساس الأسرة، وهي علاقة وطيدة مثّلت العلاقة بين الخاص والعام، وقد اتضح هذا التواصل جليّاً من خلال حديثي عن موضوع الرسالتين.

هوية المسلم

* هل تقول د.رجاء إنَّ الأدب الإسلامي له وجوده القوي في أغراض أخرى غير أدب الدعوة الإسلامية المباشر؟ ومن ثم: هل يمكن أن نقول: إنَّ الدعوة إلى الأدب الإسلامي اليوم ليست دعوة إلى شيء جديد، بل هي إبراز لما هو موجود؟

 أولاً: إنَّ الأدب الإسلامي هو أدب الحياة؛ لأنَّ الأدب لا ينفصل عن الحياة، بل هو مرآتها، وصورتها التقويمية بصورة فنية موحية. وليس هناك أفضل من معيار تقويمي للحياة سوى الإسلام؛ لأنَّه منهج الله الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، وهو منهج الخالق لخلقه الذي هو وحده ـ سبحانه ـ يعلم ما ينفعهم وما يصلحهم، وهل هناك أحد يستطيع أن يضع منهجاً لصنعة أفضل من صانعها؟

فالأدب الإسلامي هو هويّة الأديب المسلم، وعندما ينطلق هذا الأديب في تعبيره ـ أيّاً كان موضوعه ـ من رؤية إسلامية، وبصورة تعبيرية موحية، يُعدُّ هذا الأدب أدباً إسلامياً بكلّ أبعاده الجمالية، حتى وإن لم يستخدم فيه أيّة عبارات أو مفردات إسلامية، طالما أنَّه لم يخالف التصوُّر الإسلامي فيما يعبِّر عنه، وهذا يوضِّح لنا أنَّ الأدب الإسلامي لا ينحصر في إطار الدعوة الإسلامية، شعراً كان أم نثراً.

ثانياً: إنَّ الدعوة للأدب الإسلامي ليست بدعاً من القول، أو بعبارة أخرى: ليست دعوة إلى شيء جديد، بل هي إبراز ومعايشة وتفاعل لما نؤمن به من عقيدة، وسلوك، ونظام حياة. فكما قلت إنَّ الأدب الإسلامي هو هوية المسلم، أيَّاً كان موقعه، ودرجة استقامته، فيكون معبِّراً عن ذاته وانتمائه ورؤيته ونظرته للحياة، وإن لم يكن الأدب كذلك فيكون شيئاً مستغرباً، حيث يفقد الأدب هويّته، وأصالة منشئه، وصدق انتمائه لعقيدته.

ـ يُعدُّ هذا المؤتمر معلماً بارزاً من معالم الأدب الإسلامي، ورسوخ قدمه على الساحة الإسلامية والعالمية، فهذا المؤتمر الدولي (الذي عُقد لأوَّل مرَّة على مستوى العالم الإسلامي) قد حقّق ثماره الطيبة بتفعيل دور المرأة المسلمة على مستوى التنظير والتطبيق.

ومن الناحية الأدبية فقد حقّق هذا المؤتمر لأوَّل مرّة الفرصة لتقويم أدب المرأة المسلمة سلباً أو إيجاباً، أو بعبارة أخرى: تقويم هذا الأدب: ما له وما عليه. وقد تمَّ ذلك من خلال ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: بيان أنَّ الحركة الأدبية النسائية ـ بوجه عام ـ لم تنهض على أسس إسلامية، فبدأت هذه الحركة تتجاذبها التيّارات الفكرية الغربية بشتّى توجهاتها تلك، التي كان منها الدعوة لتحرير المرأة، ومساواتها بالرجل، ونبذ الحجاب، والدعوة للاختلاط، وما إلى ذلك. فكان هذا المؤتمر وسيلة لتسليط الضوء على هذه التوجهات الأدبية وتيّاراتها الفكرية، وما آل إليه حال المرأة نتيجة لذلك..!

والمحور الثاني: تمثَّل في تقديم نماذج أدبية لبعض الأديبات الإسلاميات اللواتي كان أدبهن منبثقاً عن المنطلق الإسلامي، فكان لأدبهن تأثير بالغ على تنشئة الأجيال.

أمَّا المحور الثالث: فطرح من خلاله تحديد الأدوار الأدبية الإسلامية، وتذليل ما قد يعترض طريقها من صعوبات.

وقد طرح في هذا المؤتمر أكثر من ثلاثين بحثاً ـ إلى جانب تقويم أدب المرأة: ما له وما عليه ـ موضوع "الأديبة الإسلامية وأدب الطفل"، طُرحتْ من خلاله عدّة بحوث تبرز ضرورة اقتحام ميدان الكتابة للأطفال بصياغات جديدة تخاطب الأطفال برؤية معاصرة مواكبة لمتغيرات الحياة، بحيث تكون مبشِّرة بالإسلام، ومحافظة على ثوابته وقيمه.

وقد سعدتُ بالمشاركة في هذا الملتقى ببحث عنوانه: "الأديبة الإسلامية وقضايا الأمَّة، سهيلة زين العابدين ـ نموذجاً ـ

وقد حقَّق هذا الملتقى (بفضل الله، ثمَّ بجهود القائمين عليه) أهدافه التي فاقتْ كلّ التوقعات، وأخصُّ بالذكر جهود الأستاذ الدكتور "عبدالقدوس أبوصالح" الذي بذل جهداً جبَّاراً لعقده، وترتيبات نجاحه، وكذلك الأخت سهيلة زين العابدين حمّاد، رئيس لجنة الإديبات الإسلاميات، ورئيس اللجنة التحضيرية للملتقى.

أضيفت في 24/05/2005/ خاص القصة السورية/ عن لها اون لاين ( للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب المرأة )

  

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية