النقد النسائي
بين فيرجينيا وولف وجوليا كريستيفا
بقلم:
عبد النور إدريس
في أحد محاضراتها حول " مهنة النساء" تطرقت فرجينيا وولف إلى
الصعوبات التي تعترض المرأة عندما تريد أن تكون كاتبة، فعند كتابتها لهذه
المقالة لاحظت أنه عند الشروع في النقد الأدبي كان عليها مواجهة
المقدّس...مواجهة الأشباح...مواجهة الجنس الجميل، ولما تمكنت من معرفته
جيّدا فقد حدّدت تسميته في " ملاك البيت" تيمُّنا بأشهر الأشعار التي تقف
حائلا بينها وبين الورقة، تقول" إنكم لا تعرفون "ملاك البيت" أنتم الذين
تنتمون للأجيال الصغيرة والسعيدة ، لذلك سأصفه لكم".مهنة النساء.
فالمرأة عندها وبتلك التحديدات الربانية التي وُصفت بها جعلتها داخل
المقدس كملاك وديع ـ جميلة إيجابيا ـ كاملة معطاءة ، تضحي وتتقدّم داخل
الفن الصعب، فن الحياة، فن العيش داخل العائلة، ففوق المائدة إذا كانت
الأكلة دجاجة فهي تكتفي بقطعتها المهمّشة، إذا كان هناك تيار هواء فهو
مكانها الذي تجلس فيه ، وفي الأخير فهي تُحرم من التفكير ومن اللذة الخالصة
فهي تفضل مشاركة الآخرين أفكارهم ومشاعرهم.
فملاك البيت عند وولف هو الصفاء الخالص، فصفاء المرأة واحمرار وجهها
يلخصان جمالها وكل جمالياتها.
وتتابع الكاتبة وصفها لملاك البيت بأواخر العصر الفيكتوري لتقول بأن
هذه الصورة هي التي كانت من وراء خوض غمار الكتابة تقول " لقد رأيت ظل
جناحيها يغطّي صفحاتي، وأستمع إلى حفيف ملابسها بغرفتي".
لقد قتلت فرجينيا وولف المرأة داخلها كي تتحرر كتابتها وتُناقض التصوُّرات
الكتابية لعصرها والتي كانت تطبع عصرها والتي تجعل الكاتبة هي : المتفهمة،
المرتخية، المستخدمة لأنوثتها، المستخدمة لخصائصها الجنسية في التعبير
والمبتعدة عن رأيها الخاص.
وقد اعتبر خروج فرجينيا وولف عن النسق الكتابي لعصرها دفاعا عن
النفس قافزة على كل الخصائص الكتابية السابقة من حيث أنها اعتبرت تلك
المميزات قد تُفرغ كتابتها من كل خاصية وخصوصية وتجدر، وقد تحدثت الناقدة
Showalter Elaine
عن
خصائص الكتابة النقدية لفيرجينيا وولف تقول: "الكتابة عند وولف تهرب
باستمرار من النقد الوصفي و دائما ترفض الخضوع له وتوحيد وجهات النظر حوله
" (1).
فاكتابة لدى
وولف حدث ثوري تقيم بها: علاقة مملوءة بالرعب مع الأشياء المحيطة بها والتي
تحدد وجودها المادي وتضغط عليه عبرعلاقة تجاذب تحيل ها مِشيَّتَها إلى مركز
داخل المركزي والفاعل وبذلك يصبح همّ المجتمع من خصوصيات همّها كامرأة.
أمّا المحللة النفسانية والروائية جوليا كريستيفا(2)، فعند
استقرارها بفرنسا سنة 1966 شاركت في تتشيط التنظير الأدبي واللساني مع
مجموعة تيل كيل ومشاهير النقد الحديث كرولان بارت وزوجها فيليب سوليرس، من
كتبها "أبحاث سيميولوجية " 1969 " النص الروائي"1970، " ثورة اللغة
الشعرية" 1974و "معبر العلامات" 1975.
إن النص الأدبي عند كريستيفا يعتبر كنسيج لإنتاج مادة اللاشعور التي
تعكس شبكة للدلالات المبنية على إرثها الأيديولوجي المشبع بالتقاليد
والعادات ل "أنا" الكاتبة التي تعكسها الحقول الدلالية للنص، فهي كما قال
عنها بارت " تغير أماكن الأفكار" (3)
إن فيلسوفة النساء الفرنسيات قد تعرضت بالنقد للشعرية الحديثة
لملارميه ولوتريامون من تحقيقها للثورة على صعيد الكتابة وهي تعتبر أن
قطيعة هذه الكتابة مع المنطق تحقق نوعية الكتابة المعتمدة على إيقاع الجسد.
أمّا مناقشاتها " الجندرية" فقد ناقشت فيها البديهيات التي لا تجعل
أي أحد يملك جنسه البيولوجي، من ثم كانت وجهة نظرها حول الأدب النسائي
ترتكز على.
أولا : رفضها للتحديدات البيولوجية التي تعتبر أساسية في التمايز
الجنسي، فالمرأة تطلب الانخراط المتساوي واقعيا ورمزيا للتعبير عن التحرر
الحقيقي للنساء.
ثانيا: النساء من وجهة نظرها يرفضن التراتب الرمزي الذكوري باسم
التمايز.
أما الوضعية الخاصة التي تحدد معالم النقد الأدبي النسائي لجوليا
كريستيفا، فهو رفضها للتقسيم الحاصل بين الذكورة والأنوثة على المستوى
البيولوجي.
وقد أصبحت هذه الخاصية هي المسيطرة على كتابات كريستيفا وتحدد
هويتها كناقدة وهي بذلك تفهم الثنائية رجل/ امرأة انطلاقا من رصدها
للمنظار الميتافيزيقي عليها.
الهوامش
1 -TORIL
MOI, sexual /textual politics : Feminist Literary Theory,Methuen and
Co.Ltd in ,1985 , introduction
الترجمة منّي.
2 - من أصل بلغاري (صوفيا) متخصصة في نقد الأدب النسائي،
محركة التحول بالسيميائيات الفرنسية، عضوة مجموعة (تيل كبل) تدرس منذ 1972
بالجامعة الفرنسية باريز 7.
-3 -TORIL
MOI, Ibid, p: 150.
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
سيمون دي بوفوار و"الجنس الآخر"
بقلم:
عبد النور إدريس
حملت سيمون دي بوفوار رسالتها للعالم حيث لعبت خلال مسيرتها الأدبية
دورا رياديا في حركة تحرير المرأة .
فسيمون دي بوفوار(1908-1986)، أديبة فرنسية مثقفة حصلت على دبلوم في
الفلسفة سنة1929 بتفوق، رفضت الخضوع لمصيرها المرسوم كأم وزوجة وكان لقاءها
مع الكاتب جان بول سارتر حسب قولها:" الحدث الرئيسي في وجودها" (الكل مهم
فعلا) 1972.
عاشت دي بوفوار هاجسا استحكم جل نشاطها الفكري، وهو هاجس الحرية
وعلى الخصوص حرية المرأة ومن خلال ذلك حرية الكائن الإنساني عموما.
ويبقى مؤلفها " الجنس الآخر" 1949 من أهم وأشهر مؤلفاتها داخل فرنسا
وخارجها والذي كان المرجع والمُعبّر عمّا كتب عن المسألة النسوية لفترة
معيّنة، عالجت فيه وشخّصت الأوضاع التاريخية والاجتماعية والنفسية والخضوع
الثقافي للمرأة لمجمل هاته الطابوهات الصمّاء.
ساهمت دي بوفوار في الحركة الثقافية الفرنسية عبر سيرتها الذاتية
التي ركّزت فيها على تجاربها كأنثى وامرأة ابتداءا من كتابها، قوة السن
1960، وقوة الأشياء 1963، الموت السهل 1964، الكل يهم فعلا 1972، احتفال
الوداع 1981، وذاكرة فتاة صغبرة 1985.
تحدثت في" قوّة الأشياء" عن رغبتها في إبراز ومساءلة الوضعية
النسوية حيث قالت:" رغبة مني في الحديث عن نفسي، أرى أنه ينبغي لي وصف
الوضعية النسائية" (1)
وقد انطلقت الكاتبة عند تشخيصها لوضعية النساء من تساؤل مشروع هو "
من هي المرأة ؟" لتحدد هويتها والتي وجدتها هوية مُستلبة، من اختلاق الرجل
وحده.
وبذلك اخترقت دي بوفوار الصمت لتربط وضعية المرأة الفرنسية في القرن
العشرين بالنماذج التحقيرية التي حاك خيوطها مذهب القديس طوماس.
وقد ألقت نظرة مقارنة على عالم النساء الأمريكيات لتستشعر وإيّاهن
نفس موقف التحدّي الذي ينتابهن خاصة ما يثبت شعور الأنثى بنفسها الذي يطغى
على حضورهن الجسدي والنفسي تقول معربة عن هذا التحدي " إذا كانت الأنوثة
وحدها لاتكفي لتعريف المرأة ورفضنا أن نفسّرها بمفهوم "المرأة الخالدة"
وبالتالي إذا كنا، نسلم ولو يصورة مؤقتة، أن هناك نساء على الأرض، فعلينا
حينئذ أن نتساءل ما هي المرأة ؟"(2).
عاشت المرأة الفرنسية عند دي بوفوار اضطهادا نظريا رغم أنها عمليا
كانت متفتحة على فضاءات الضوء ومحلات تسويق الأنثى للبحث عن الآلهة بمنظار
الحب..حب الرجل، تقول:" يشاهد لدى كثير من الورعات هذا الخلط بين الرجل
والإله" (3)، وبذلك فالمرأة حسب دي بوفوار تخلق علاقة غير واقعية على
المستوى الانتربولوجي مع كائن واقعي.
فهل حقّا أن الرجل الديمقراطي يستطيع الابتعاد عن الذاتية في طرح
المسألة النسائية بصورة موضوعية ؟، وأين حدود الموضوعية هاته حينما نعلم أن
القيود التي تلُفُّ أرجل النساء مصنوعة من معدن السلطة السياسية التي
تُسخِّر اللاهوت والفلسفة والقانون لخدمة مصالحها؟.
إن معالجة موضوع المرأة ليس جديدا، وبالرغم من ذلك فقد ترددت سيمون
طويلا في القدوم على تأليف كتاب حول المرأة حيث قالت:" ترددت طويلا قبل أن
أقدم على تأليف كتاب حول المرأة"(4).
ويمكن طرح تساؤلات مشروعة حول هذا التردد وبنائه من الناحية النفسية
لألتقي بالطرح الذي رسمته الدكتورة نادية العشيري حول التطرق لموضوع المرأة
والخوف من ردود أفعال الآخرين أفرادا وجماعات (5).
ـ هل يحدد سبب تردد دي بوفوار قوّة المجتمع الذكوري الذي لا يستسيغ
صوت المرأة المرفوع، على اعتبار ما يثيره استخدام اسم المرأة من حساسية
للتقليدين ؟(6).
ـ هل تشكل كتابة المرأة نشازا يحرك لدى الذكر دوائر خوفه على مكانته
وقيمه من الاقتحام؟.
ـ هل تكتب المرأة خصوصية علاقتها بالرجل فقط وبذلك فهي تكتب صمت
النساء...جهل النساء... بكاء النساء... وبالتالي أميتهن؟.
ـ هل فن الكتابة سابق على الحرية أم أنه يليها؟.
ـ هل تردد سيمون يعني أن حريتها لم تنضج بعد لتصبح حرية دائمة؟
إن هذه التساؤلات وإذ تؤكد الحضور القوي لردود الأفعال لدى الآخرين
تجعل سيمون تلخص عبره مشكلة الإنسان الفرنسي مع الحرية ..الحرية التي تجعل
الرجل حسب دي بوفوار مادة ثورية وبذلك تصبح الأديبة بإبداعاتها الثورية
حرّة أمام بنية الحياة الاجتماعية الموروثة، وقد جعل ريمبو الحرية شرطا من
بين الشروط الأساسية لممارسة الإبداع الشعري حيث قال :" عندما تتكسر عبودية
المرأة الدائمة، ويمنحها الرجل البغيض حتّى ذلك الحين حريتها، آنذاك ستغدو
شاعرة هي الأخرى" (7).
إن الدور الحقيقي للمرأة الساردة هي الثورة على النسق القيمي
المهيمن ونسف الأصنام التي يستدعيها الرجل باستمرار لتغدو مقاييسه التي
يمتلك بها الجنس الآخر، باهتة، وقد طالبت دي بوفوار بتحريك أزمة القيم
الأنثوية التي تعتبر ممارسات قائمة عمليا وغائبة على الصعيد النظري تقول في
كتابها "الجنس الآخر"، " المرأة هي أيضا تعرف القيم التي يقوم الذكر
بتحقيقها بصورة فعلية، والحقيقة أن النساء لم يجابهن قيم الرجال بقيم
أنثوية " (8).
إلا أن سيمون لم تكن تقصد أن الكتابة هي السبيل الوحيد الذي يضع
الخريطة النفسية والاجتماعية لذاتية المرأة ولم تكن تعني أن الكتابة
الشعرية والفكرية ستجعل المرأة، حقيقة فاعلة في تموُّج العالم حيث تقول: "
ليست الأفكار والأشعار هي التي تُؤدي إلى تحرير المرأة" (9)، فبينما يهيمن
الرجل عن طريق الكتابة الوظيفية التي تجعله يسيطر على مجالات السلطة
والمعرفة وبالتالي القوة، حيث تعتبر اللغة هي فضاءه المثالي لتسكيك القيم
وفرض سيكولوجية السلطة الذكورية على الواقع، إلى أن جاء القرن الثامن عشر
بالحل حيث " أخذ بعض الرجال المشبعين حقّا بالديموقراطية يواجهون المسألة
بصورة موضوعية " (10).
وترى كاتبتنا هنا أن وضعية التوازن التي تبحث عنها ما زالت غير
مكتملة العناصر بسبب:
ـ شموخ التقاليد وصعوبة تصريف المرأة لحياتها الجنسية بدون تدخل
مسألة التبعية التي تربطها بمصيرها التقليدي.
ـ تسهيل المجتمع لاستسلام المرأة لمصيرها التقليدي الذي يؤثر على
مردوديتها وانطلاقتها في تفعيل تحررها لتحقيق توازنها الداخلي.
ـ احتدام الصراع بينها والرجل لاسترجاع ذاتها عبر تحطيم الأصنام
التي تخندقت فيها وجعلتها تابعا ومُلحقا وذلك عبر تحطيم تفوق الرجل والتنكر
لحقيقته وقيمه.
ـ المرأة ذاتها وفي سعيها الدائم للقضاء على أسطورة أنوثتها وتحررها
من عبوديتها تكتشف أن أسطورة الذكر مُنْغرسة عميقا في كيانها ذاته تقول دي
بوفوار" إن سحر الرجولة لا يزال محافظا على تأثيره الكبير لدى النساء وما
انفك يستند على قواعد وأسس اقتصادية واجتماعية راسخة" (11).
إن تحرر المرأة رهين بمدى استطاعتها تغيير الصورة التي ينظر بها
الرجل لها ولخصائصها الجسدية والنفسية، ومدى تحررها من الموروث الثقافي
الذي يشكل سلبا حيواتها اللاواعية، وهذا الدور منوط بالمرأة الكاتبة التي
تملك ناصية اللغة لتبليغ المشاعر والأحاسيس" للآخر " الذي تمثل المرأة في
عُرفه الجنس" الآخر"، فالأنثى تحوّل إلى امرأة ضمن واقع ذكوري متسلّط
تشكّلت شخصيته انطلاقا من مفهوم السلطة التي وضعت ملامحها وحدودها السلطة
الاقتصادية عبر العصور وبذلك صرخت سيمون دي بوفوار " إن الشخص لا يولد
امرأة، بل يصبح امرأة "، ومن ثم أصبح النضال الاجتماعي من أهم ركائز
التغيير في وضعية المرأة، هذا التحول في مسار المرأة الكاتبة وكل امرأة
كاتبة هو أساس الانخراط الصعب للتحسيس بوضعية المرأة وبالتالي تغيير
أوضاعها نحو الأفضل.
الهوامش
1-
Camille Aubaud, lire les femmes de lettres, paris :
dunod, 1993 p :219.
2- سيمون دي بوفوار" الجنس الآخر" ترجمة محمد علي شرف
الدين، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت 1979، ص: 6.
3 - نفس المرجع السابق ص: 207.
4- المرجع
السابق ص:5.
5- أنظر(ي) الصفحة من هذا الكتاب رقم 5، الهامش رقم 3.
6- أنظر(ي) الدكتورة ماجدة حمود" الخطاب القصصي النسوي
"نماذج من سوريا دار الفكر المعاصر بيروت الطبعة الأولى يناير 2002.ص:8.
7- أخذا عن مجلة عيون المقالات العدد 9/10لسنة 1987 ص:79.
8- الجنس الآخر
ص: 28.
9 - المرجع السابق ص: 37.
10- نفس المرجع
السابق ص:7.
11 - نفسه ص: 51.
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
المرأة والكتابة بالجسد...
بقلم:
عبد النور إدريس
□
اكتسحت الرواية المشهد الثقافي العربي وإن لم تصبح بديلا عن الشعر، إن
الاتجاه المعاصر يجعل من المتخيل السردي وسيلة لإعادة تشييد وبناء الهوية
الثقافية العربية، "فالرواية ملحمة ذاتية كما يقول غوته، يتخذ فيها المؤلف
حرية تصوير العالم على طريقته. وكل ما في الأمر أن نعرف هل له طريقة خاصة
به " (غوته، 1749-1832) وقد كان من أبرز تفاعلات الرواية داخل المجتمع ،
ظهور كاتبات في مجال السرد رافق هذا الحضور تميز على مستوى التفرد
والخصوصية شكلا وموضوعا.
إن مسألة الإبداع لا تخضع للتصنيف الجنسي، فكتابة الرجل هنا لا يمكن
أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا أصبحنا نقيس كتابة المرأة كهامش
بالنسبة لمركزية الرجل، فعندما تحصل المرأة على نفس الحظوظ في المشاركة، في
الحياة العامة ، وفي الإنتاج الفكري والحقوقي سيصعب على الناقد الاحتفاظ
بتمييز واضح بين كتابة المرأة وكتابة الرجل.
وتبقى كل الأسئلة قائمة في تصورات المرأة للكتابة سنستقي هنا شهادة
ل "سلوى البنا" التي قالت في روايتها "مطر في صباح دافئ "، " قل لي هل
يستطيع أحد أن يمارس الكتابة في هذا الزمن ؟... قد يكون هذا إذا تحولت
الدماء والدموع إلى حروف. ولكن أرأيت عيونا تبكي تستطيع أن تقرأ حروفا
باكية ؟ أرأيت جسدا ينزف يجد صاحبه وقتا لقراءة؟ لماذا نكتب..؟ ولمن نكتب؟
وماذا نكتب؟".(1)
وما مصطلح" الإبداع النسائي" سوى مفهوم تصنيفي وإن كان يعتبره بعض
النقاد غير محايد، فهو يمكننا من ترصد خصوصيات هذه الكتابة وبالتالي وضع
اليد على الخصائص المميزة له، والذي يشكل إضافة حقيقية للإبداع الإنساني
بشكل عام، وهذا المصطلح لا ينفي صفة الإبداع عن أي أحد من الجنسين، ولكنه
يؤكد بالخصوص على أن للمرأة الكاتبة تصور مختلف للمسكوت عنه بمقدار الفروق
الفردية بين الجنسين، والطريقة الخاصة في التعبير، وعلى مستوى الجرأة في
طرح بعض المواضيع ذات التضاريس المجروحة في كينونة عمقنا الثقافي.
وأعتقد أن اللبس الحاصل في رنين المصطلح والمفهوم " الكتابة
النسائية" ، ماهو إلا نتيجة للخلط المنهجي الحاصل بين صيغتين : صيغة "
الأنثى و الكتابة " وصيغة " المرأة والكتابة" ، فالصيغة الأولى تركز على
أهم خاصية لدى المرأة وهي الأنوثة، وتلخص المرأة في صفتها الجنسية ولا
تجعل الدائرة تتجاوز الطرح المقتصر على الأنوثة والذكورة في بعدها الطبيعي،
أما بالنسبة للصيغة الثانية (المرأة والكتابة) فإنها تعتبر في المرأة الجنس
والكيان والشخصية القائمة على البناء الثقافي، باعتبارها مكملة لجنس الرجل
في الحياة والمجتمع.
لقد حاولت المرأة عبر السرد الروائي والقصصي أن تسبر غور تقنيات
سردية مغايرة جعلت البطولة تنتقل من التذكير إلى التأنيث، وحتى عندما تعمل
الروائية على تذكير البطولة نجد أن البطل عندها رجل متخيل فصِّل على المقاس
النسائي وقد نرصد هنا الطرح الإشكالي لعقدة فارس الأحلام .فتذويت اللغة
وتعنيف الطابوهات عند المرأة الكاتبة يعتبر من أهم الخصائص التي يرفل فيها
السرد النسائي، هذا بالإضافة إلى الاتجاه العام الذي يشكل محور هذا
الإبداع من ناحية الموضوع، من حيث اشتغاله على صورة المرأة ومقاومة
الدونية أمام مجتمع يتنكر للنساء، وتطويع النزوع التمردي الممزوج بنكهة
المرارة والإدانة والانتقاد.
أما من ناحية الشكل فالمرأة تكتب سردها محتمية بعدة تقنيات منها:
الدخول إلى شعرية السرد من الباب الواسع، ترتكز في أغلب الأعمال على تقنية
البورتريه (portrait)
وإلى الاعتراف السير ذاتي المقرون بتعرية الذات.
أما من ناحية الجانب اللغوي فالروائية تصبغ لغة الكتابة بمحمولات
ذاتية مع طغيان الجانب الانفعالي حيث تظهر جليا النزعة التصويرية في السرد.
إن أنسنة الرجل التي تدفع بالمرأة الكاتبة إلى تأنيث البطولة وتصوير
القدرات المؤنثة للرجل ما تزال غير متحققة بالمجتمع العربي حيث المرأة ما
تزال سجينة وعي لم يكتمل بناؤه النفسي والثقافي بعد ، وقد ذكرت ناتالي
ساروت في حوار لها مع الروائية حميدة نعنع عدم استطاعة المرأة الكاتبة
الخروج من دوامة منظومة الانفعال الذاتي والخروج من التجربة الفردية
الذاتية تقول .(nataly
sarrout) " أعتقد بأن
كبار الكتاب وخاصة من أمثال " بروست" هم ذكور وإناث في نفس الوقت ، وهذا ما
جعله يتمكن من وصف الرجال والنساء سواء بسواء بشكل جيد، وهذا أيضا ما جعل "فلوبير"
يكتب " مدام بوفاري" بشكل جيد. وإذا كانت النساء حتى الآن تجدن صعوبة في
وصف الرجال فذلك لأنهن بقين سجينات أنفسهن وهن لا يستطعن الخروج من ذواتهن.
وهذا هو الخطر الذي يجب التنبه إليه" (2).
وقد تكتب المرأة بجسدها فتعريه وتضعه أمام المتلقي قصد جره إلى
أنسنته وحضارته، هذه الخاصية(التي أسميها بالاستريبتيز الأدبي) تضع الحكي
في مقابل الإغراء، فشهرزاد تحول شهريار من فحل وسفاك دماء إلى إنسان يستقي
معرفته من العوالم التخييلية لألف ليلة وليلة، كما مورس الإغراء سابقا على
" أنكيدو" (ملحمة كلكامش) فانتقل من الصفة الحيوانية إلى العمق الإنساني
فأصبح الجنس يقابله الفهم والفطنة والحضارة.
تقول الملحمة (3).
وغسلت "أورو"* يديها، وأخذت قبضة طين ورمتها في البرية(إحدى الالهات
الخالقات)
خلقت في البرية "أنكيدو" الصنديد، نسل " ننورتا"* القوي. (إله
الحرب)
يكسو جسمه الشعر، وشعر رأسه كشعر المرأة
جدائل شعر رأسه كشعر" نصابا"*. (الهة الغلة والحبوب)
لا يعرف الناس ولا العباد، ولباس جسمه مثل "سموقان" * (اله الماشية)
ومع الظباء يأكل العشب ، ويسقى مع الحيوان من موارد الماء.
ويطيب لبه عند ضجيج الحيوان في مورد الماء
(...)
" يا بني يعيش في "أوروك"* جلجامش،(مدينة سومرية ،220 كلم جنوب شرقي
بغداد)
(الذي)لا مثيل له في البأس والقوة
وهو في شدة يأسه مثل عزم "آنو" * (كبير آلهة العراق القديم)
فاذهب إلى " أوروك" .توجه إليها
وأنبئ جلجامش عن بأس هذا الرجل
وليعطك بغيا تصحبها معك
ودعها تغلبه وتروضه
وحينما يأتي ليسقي الحيوان من مورد الماء
دعها تخلع ثيابها وتكشف عن مفاتن جسمها
فإذا رآها فانه سينجذب إليها
وعندئذ ستنكره حيواناته التي شبت معه في البرية"
(...)
فأسفرت البغي عن صدرها وكشفت عن عورتها
فتمتع بمفاتن جسمها
نضت ثيابها فوقع عليها
وعلمت الوحش الغر فن المرأة ، فانجذب إليها وتعلق بها
(...)
أضحى انكيدو خائر القوى لا يستطيع أن يعدو كما كان يفعل من قبل
ولكنه صار فطنا واسع الحس والفهم"
فالجسد الأنثوي من خلال العمل الفني مفتوح على كل الاحتمالات
الممكنة للتأويل، ومن ذلك تأخذ الأشياء العادية والمألوفة في حياتنا
اليومية، نكهة خاصة في العمل السردي، فيصبح المتلقي مشاركا في بناء النص
وحلقة لا بد منها لخلق التعدد المفترض للعمل الأدبي.
فالجسد يتواصل فيزيائيا ويدرك ما يحيط بالذات وهو عبر النص الأدبي
يتوفر على جسد ثاني مماثل يستطيع بوساطته السفر داخله فيصبح بذلك الجسد
الثاني قابل للملاحظة، فعند القول بأن الجسد يقبل أن يلاحظ من طرف الذات
نجد أن ميرلو بونتي يحتاج لإدراك ذاته إلى جسد ثان لايقبل التعيين
والملاحظة يقول : " ألاحظ الأشياء الخارجية بجسدي ، أفتشها ، أحيط بها، لكن
بالنسبة لجسدي لا ألاحظه في ذاته : يجب أن أحتاج لأجل تلك الغاية التوفر
على جسد ثاني و الذي لا يكون ذاته مُلاحَظ" (4).
يَختزِل الجسد في النص العالم والأشياء ذاتها، إن الجسد لما يخرج من
عزلته ومن هامش إدراكه للعالم الخارجي يمنح لصورته معنى يجعل الآخر في
ذواتنا يعيش من أجل ذاته ومن أجل بُعده الخارجي كجسد ، " فالآخر هو خالق
فرديتنا ، وذاتيتنا لا وجود لها إلا بوجود الآخر في إدراكه لها"(5) .
فالنص الأدبي يحقق وجود الجسد ويجعل منه موضوعا للإدراك على كافة
المستويات يبرز فيها بشكل واضح المعطى اللساني والواقعي، فالجسد إذن "
موضوع النص ومنبع معطياته ومنتجه ومتلقيه في الآن نفسه" (6) .
إن الجسد في علاقته بالكتابة يبادل الدور الموضوعي لتحركاته في
الفضاء إلى جسد من الخيال، فيتعدد البناء الدلالي للجسد، وهي تموضعات
يتخذها الجسد وخاصة الأنثوي للتعبير عن هويته، وهذا التحول من النموذج
الخام للجسد إلى التعدد الدلالي يتم وفق أشكال تلقيه، مشمولا بالتفضيلات
المتنوعة التي يرتضيها عصر ما وحضارة ما، وتتحرك هذه الدلالات نتيجة
لاشتغال الثقافي على الطبيعي، منها الدلالة الفينومينولوجية، السميولوجية،الجمالية،
الأيروتيكية والرمزية والمتخيلة مع العلم أن البناء الدلالي البورنوغرافي
يعيش داخل منظومة البصري والشهواني، تُرسِّخه بقوة سيكولوجيا خاصة بالأرداف
تمارس حضورها الثابت منتقلة بين الجسد الأنثوي المكتنز والجسد الممشوق، ومن
"هنا تكون العلامة الأيروتيكية قد استوطنت رأس منظومة القيم ، فأصبح الجسد
الأنثوي يحرض على التعامل معه وفق انتظامه في مدار الأيقونات، فالجسد
الأنثوي بحسب هذا الاعتبار يتداخل مع الإغراء من دون أن يكون الإغراء نابعا
منه" (7) .
هذا القاموس الواقعي الخاص بجسد المرأة لا يساويه إلا تعددية الخطاب
الأدبي السابح في جغرافية الجسد الأنثوي، و التي تستدعي كل الإيحاءات
الفنية المتفوقة على الجسد الواقعي المتواري خلف المعطيات العشقية
والبلاغية والرمزية .
فالمرأة الكاتبة تحقق للجسد فتنته المتخيلة والذي يظهر بأشكال
مختلفة في التعبير البصري (الرسم والوشم) والحركي (الرقص) واللغوي(الأدب)،
ومن ثم جاءت صورة المرأة في الرواية معبرة عن الموقف الفكري الذي يصبح
معادلا موضوعيا للبحث عن الحرية .
الهوامش
1- سلوى البنا" مطر في صباح دافئ" دار الحقائق بيروت الطبعة
الأولى ،1979، الصفحة 21.
2- حوار مع ناتالي ساروت أجرته حميدة نعنع في صحيفة السفير
اللبنانية عدد 2106 السنة السادسة 02/03/1980
3 – طه باقر ، ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة، ص:
40-41
4 -
Merleau-ponty « phénoménologie de la perception », Ed :
tel Gallimard paris 1945 p : 107.
الترجمة منّي
5- د.فريد الزاهي " النص والجسد والتأويل" إفريقيا الشرق،
الدار البيضاء سنة 2003 الصفحة: 29.
6- د.فريد الزاهي، نفس المرجع السابق، ص: 19-20.
7- عبد النور إدريس " ميثولوجيا المحظور وآليات الخطاب
الديني- المرأة المسلمة بين السياق والتأويل" منشورات مجلة دفاتر الاختلاف،
سلسلة عدد (1) ، مطبعة سجلماسة، مكناس، الطبعة الأولى ، شتنبر 2005، ص: 24.
أضيفت في 01/01/2006/ * خاص
القصة السورية المصدر
الكاتب:
عبد النور إدريس
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
الجسد الأنثوي وفِتنة الكتابة
بقلم:
عبد النور إدريس
يحقق الجسد في النص الأدبي دلالات متعددة منها : الدلالة الفنية
التي تعود للمؤلف ومنها الدلالة الجماعية التي يتم إنتاجها في علاقة القارئ
بالنص ، فالنص يعتبر كأحد الفضاءات التوليدية والتحويلية للجسد فالنص ،"
مسكن تخييلي للجسد، فيه يتجسد ويحقق وجوده المتخيل " (1) فالنص يأخذ من
الجسد إيحاءاته الرمزية وحيوية علاقاته بالعالم الخارجي، كما بالعوالم
الداخلية وهو إذ يمرر عبره الأحاسيس والعواطف يجعل من ترابطه المرآوي
بالجسد وسيلة يتمكن من خلالها من إنتاج أثره الفني ، فالجسد بالنص يقف على
ثنائية تشطر الوعي بحدوده إلى جعل البناء البيولوجي أساس قيام البناء
الثقافي والاجتماعي وتحقيق الإمكانات الإجرائية للجسد في النص الأدبي .
إن دراسة الجسد الأنثوي بالسرد ليس هو رصد المعجم الخاص الذي يحدده
الجسد داخل النص فحسب، بل أيضا العلاقة التي يخلقها هذا المعجم بالسياق
الذي يحيطه " فالشخصيات تكتشف العالم والآخرين عبر جسدها " (2).
فالجسد الأنثوي بالعمل الفني، حسب بانيك ريش
Yannick Resch يتموضع عبر وضعات خاصة يحدده البناء العلائقي
المرسوم عبر معجم يحتوي على التعامل بالألوان والروائح، وهذه العلاقات تضع
الشخصية الأنثوية في مواجهة الأشياء، مواجهة العالم، ومواجهة شريكها الرجل
في علاقة حميمية تلخص رغبتها في الحياة ، وقد تمزج روحها بجسدها حتى
الاندغام لتكون شيئا مرغوبا من طرف الرجل وقد عبرت ليلى العثمان في قصتها "
مسافرة على جناح الأحلام" على هذه الصورة وقالت " قد تكومت كل روحي في نقطة
واحدة يهرسها بين شفتيه " (3).
إن فتنة المتخيّل السردي لدى المرأة يظهر بأشكال مختلفة داخل
الرواية والقصة، فمن التعبير البصري إلى اللغوي إلى الحركي.
إن الكتابة بالجسد يُكسب الذات النسوية هويتها، تلك الهوية التي
تنقاد مرغمة للسائد الاجتماعي والأعراف المجتمعية" هكذا تتأرجح الذات بين
الإحساس المؤلم بتبعيتها لما هو سائد والاعتراف به كواقع وبين الإنصات إلى
رغبات الجسد السالبة" (4).
ويتشكل الوعي بالتعامل مع هذه الخاصية في خلق علاقة إبداعية بين
المرأة والكتابة في أشكالها وفي الطرح الإشكالي لمسألة الهوية في اتصالها
مع مسألة الجسد والحقيقة الأنثوية وفعل الكتابة " كامتداد وجودي ينجلي في
الورق المكتوب كما يمكنه أن ينطبع على جسد أنثوي بالغ الشاعرية والإغراء"
(5).
فالمرأة تتخذ من الكتابة وسيلة لجعل ذاتها متحققة داخل النسق
الذكوري العام" فهي لا تكتب من أجل السيطرة على الرجل كما يفعل هو بواسطة
القانون والآداب (...) فهي ترمي من الكتابة والكلام كل شروخ جسدها وتموجاته"
(6)، ويقر محمد نور الدين أفاية بأن القهر الوجودي العام الذي تمارسه على
المرأة العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية الذكورية تجعل كتابتها "
بعيدة كل البعد عن رغبتها العارمة في الإحاطة باللغة الضرورية لصياغة
رغبتها في الكتابة" (7)، وتساءل حول اللغة والخطاب وحول إستراتجيتهما
لتحقيق هذه الصياغة، صياغة ملامح الخطاب التحرري النسائي وتحديد بدائله.
إن كتابة المرأة تفجير لأشياء ينطوي عليها الجسد ، وهي كامنة تطل
علينا عبر الإيحاءات والإيماءات وتكثف فعلها في جسد الآخر المتماهي
والمختلف لهذا كان " النص المكتوب امتدادا وجوديا للذات الكاتبة وتكثيفا
لأشياء أخرى تتجاوزها" (8).
فالمرأة قد تكتب بجسدها وتضعه نصا لكتابتها بالوشم والرقص ، فهي "
تصوغ كتابتها بشكل مختلف تماما عن أشكال كتابة الرجل. سواء أتعلق بالكتابة
المخطوطة أو أشكال الكتابات التي لا تتوقف المرأة عن ممارستها في علاقتها
بجسدها" (9).
فكتابة
الرجل هنا لا يمكن أن نضعها مقياسا للكتابة المحتذاة وإلا أصبحنا نقيس
كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل .لهذا فالمرأة تحاول أن تظهر
جسدها في أشكاله المختلفة معتمدة على آلية الإغراء فهي لكي تغري وتؤسس
علاقة مع الآخر" تتخذ الصورة التي تحملها عن ذاتها مكانة أكبر من جسدها
الحقيقي الواقعي، إنها تعطي للعالم قناعا لكي ترتب للجسد مسافة ما . فهي
تفضل إبراز التمثل الذي تحمله عن جسدها بدل جسدها الملموس" (10).
فالمرأة الكاتبة تكتب بالجسد وتحوله إلى أيقونة، صورة ذهنية لا
تكتمل إلا بتمثلها لدى الرجل الذي يمتلك مرجعية هذه الصورة عبر تصورات
راجعة إلى التأسيس الميثولوجي لظاهرة الفحولة وبذلك لا يتحقق للجسد الأنثوي
كينونته إلا إذا كانت نظرة الرجل إليه تؤسس المعرفة بحدود انفلاته
البلاغي(11).
فالمعنى الذي وضعه نور الدين أفاية للجسد داخل النسق الخاص بالأنثى
وكإعلان للكتابة قد فاق كل الأشكال التي تنخرط فيها المرأة إبداعيا "
فالمرأة لا تكتب على الورق فقط لأنها تتألق في الكتابة على جسدها على
اعتبار أن التمويه، ومختلف أشكال إبراز ذاتها، بمثابة نقش على الجسد" (12).
فجمال المرأة بشكل عام وبما هو المشروعية المكتسبة لتأسيس هوية
الأنثى يجد شكله النهائي في الإغراء ، فالمرأة التي لا تستطيع أن تغري تعيش
وجودها خارج ذاتها وبشكل عدمي، فهي " بأساليب التمويه التي تلصقها بجسدها
تكتب مباشرة على جسدها، تعطي عناية خاصة لفتحات جسدها، عينيها وفمها.إنها
ترسم ورسمها تكثيف لرغبتها.والرجل تتولد لديه حساسية خاصة نحو هذه الرموز"
(13). فالمرأة حسب أفاية تؤكد أنها تستعمل التمويه فقط لنفسها فهي تنقش على
جسدها ، تضع لوجهها قناعا وتلبسه رسوما تجمله وهي بذلك تنشر دفء الحياة في
جسمها الميت وتبرز للآخر عبر النقش على الوجه والجسد ومن ثم من خلال الوشم
والرقص والكتابة تؤسس لامرأة تتجاوز وجودها الخاص وتعطي لذاتها حق مساءلة
طبيعة هذه الرغبة التي يُلحقها الرجل بفتحات جسدها ، فالجسد الأنثوي داخل
الوضع السيميولوجي يضع المرأة الراقصة أمام تعدد الأسئلة ، فهي راقصة-
مبدعة، إنها عندما ترقص توحي بكتابتها الجسدية أنها تخُطُّ تشكيلات هندسية
متعددة الأصوات تقف بين الكلام و الكتابة " فالوجود الراقص هو حد نظري
للغة(...) إذ أن الجسم الراقص يكتب الكلام ويحطمه، يجرد من الفضاء هندسة
دقيقة ومتعددة الأصوات، إنه زوبعة القوانين، انعكاس الخطوط ومحو الأثر الذي
بواسطته ينطق الأصل ويُمحق" (14).
إن هذه اللحظة بين الكلام والكتابة تتداخل خصوصياتها، تتراءى
ملامحها لتجعل من الجسد الأنثوي الراقص لحظة بين الكلام والكتابة النسائية.
وقد تكتب الأنثى عن طريق الوشم لتجعل جسدها ممتلئا بالرموز .وقد
أصبح الوشم اختصارا لفعل وجودي قابل للفناء فالكتابة على الجسد الأنثوي
كتابة مزدوجة تخترق الصمت الذي يعلن عن موت الجسد ف " الجسم الموشوم يستمر
في التجلّي خلال الموت كأن الوشم قد سرق شاهد القبر " (15) .
وما دامت الكتابة حسب فيفري تبدأ فعلا مع الدليل المادي، وريث
الرمز، (16) فالوشم يخلخل الأنظمة الدلالية يجعل للرموز المرسومة على
الجسد دلالتين: دلالة جمالية ودلالة سحرية وهذه القيمة السحرية تستغلها
الكلمات الموشومة على الجسم وهي بذلك تنفلت من المنطق السياقي إلى خلق
هندسة لأشكالها وأسمائها إذ أن : " اقتصاد السياق بين الوشم وتاريخه بسبب
افتقاد الموضوع الذي اعتبر صلبا.لأن تخطيط الوشم الهندسي يعمل هو الآخر على
تشويه الذات ، ما دامت تتبعثر في هندسة لا يعرف أصلها في غالب الأحيان "
(17) .
إن المرأة تكتب بالوشم جسدا مقدسا ينشطر إلى نصفين متماثلين"
الجبهة، الذقن، بين النهدين، الصرة، العانة.." وهذه نقط مركزية يتفرع عنها
الإغراء والرغبة.
إن المرأة الواشم مبدعة تكتب لتضع لذة النص المكتوب بيد المتلقي
ذكرا أو أنثى لاكتشاف نهايات الجسد الأنثوي الاشتهائية ، ينتقل عبرها الجسم
من نظام الأيقونة إلى الجسم اللاهوتي.
إن الوشم ينتمي إلى المقدس فهو كالكتابة عند المرأة تجعله قناعا
لتمارس منظومتها الإغرائية فهو لباس داخلي تخيطه الأنثى الواشمة لتخالف به
اللباس الذي غالبا ما يكون الرجل من بين مصمميه، وقد يُعتم الوشم على
المتلقي رؤية ما يحيط بجسد الأنثى، إنه يلعب دور المغناطيس الذي يحجب الجسد
الحمدلي عن الانتهاك، فالاستعراض الجنسي محمي بالوشم وهذا الدور تقوم به "
لخميسه" التي تُعطل بلاغة النص الأنثوي وتنظم فوضى الدلالات وتنفتح غائبة
أمام العين الثالثة (الرجل) لتصبح " لخميسه " ذات دلالة وواسطة للإغراء
والإثارة والاشتهاء لا يتعطل مفعولها السحري إلا إذا كانت العين الثالثة
تحقق لمجمل وشم الجسد هويته وبذلك يأخذ شكله ، استهلاكه من المتلقي/الزوج
أو المتلقي/ العشيق، يقول هِرْبر: " من الغريب أن العاهر تعلن على جسد
يمتلكه الجميع بحكم المهنة أن قلبها مخصص لرجل واحد"، فالعاهر تشِم جسدها
لتستأثر بمكان الوشم وتخصصه لمن أحبته وتدع الباقي مشاعا للجميع.(18)
فالوشم على الجسد يختلف باختلاف الجنس كما يقول عبد الكبير الخطيبي،
فالمرأة "يمكنها أن تشم مقدمة جسدها بينما يكتفي الرجل بوشم يده، أي الذراع
والعضد، بمعنى إن يد الرجل لا تغادر مجال الكتابة ( تكتب وتُكتب ) ونحن
بالإضافة إلى ذلك نشم مثل ما نكتب" (19) .
فالمرأة التي تكتب ( باللغة والوشم والرقص ) تغير أماكن التمويه
بجسدها وتعبر عن رغبة لا تتكلم نفس اللغة التي يبرز فيها الرجل رغبته فحسب
الدكتور سعيد بنكراد فهذه " العناصر مجتمعة لا تشكل الرغبة ولكنها تشكل
الوجود الرمزي للرغبة" (20)، فرغبة الأنثى " تنفلت من منطق العقل الذي يريد
الرجل دائما إخضاع كل شيء له" (21) .
وقد اعتبر الباحث محمد أفاية أن هذا التشويش على فهم المرأة من خلال
المنطق الذكوري يشكل مركزا أساسيا للعنف الرمزي الذي يحتوي عليه هذا المنطق
حيث قال " هنا ينتصب العنف كتعويض عن عدم خضوع المرأة لمنطق الرجل" (22)،
فالرجل بحسب هذا المنطق يقول بالتطابق والوحدة بينما تتموقع المرأة في قلب
المنقسم والمتعدد" وأن هذا التعدد يتجلى في جنسيتها
sexualité ، فهي ليست واحدة لان جسدها جغرافية متنوعة للمتعة" (23)
أما الدكتور سعيد بنگراد فيضع الجسد الأنثوي بين الحجم الثقافي
والمعطى الوظيفي ، فالجسد عنده كلا وأجزاء في نفس الوقت وهو باعتباره كذلك
" يولد معطى انفعاليا وغريزيا وثقافيا عاما ، ولكن هذا المعطى لا يدرك إلا
من خلال الأجزاء، ولا يستقيم وجود هذه الأجزاء إلا من خلال اندراجها ضمن
هذا الكل الذي هو الجسد" (24).
إن إنتاج تخيل سردي أنثوي يضع المرأة ضمن المنقسم والمتعدد داخل
أيديولوجية ذكورية مهيمنة يجعل حضورها غائبا وفضاءها مشحونا بالرقابة
والكبت ف " ليس هناك من فضاء ممكن بالنسبة للمرأة، غير ماهو مراقب ومكبوت"
(25).
-فما معنى أن
ينتج الخطاب الفلسفي قولا ميتافيزيقيا يتشبث بأحادية الجنس الواحد؟ .
لقد عملت الميتافيزيقا على تقنين جسد المرأة وصوغ خطاب يدخلها ضمن
العلاقات الإنتاجية مما جعلها شخصية انفصامية داخل هذا الواقع موزعة ما بين
التداخل الحاصل بين الجسد كمعطى بيولوجي والجسد كمعطى ثقافي –رمزي، ففي كلا
الحالتين تعمل المرأة ، مضطرة للانخراط في استلابها " ولكي يكتسب الجسد
قيمته لا بد من إن يضفي على ذاته أشكالا أخرى أكثر جذبا وإغراء لتسهيل
تبادله " (26)، وقد تأخذ هذه الثنائية : طبيعي/ ثقافي تقسيم العمل الجنسي
الذي يدعو المرأة أن تعتني بجسدها " وتعطيه العناية الفائقة وتحويله إلى
الرغبة ولو إنها لا تصل إلى تحقيق نسبي لرغبتها هي " (27)، لأن الرغبة قضية
يستلزمها السياق الرمزي الذي ينتظم المجتمع الذي تعيش فيه المرأة التي
تختار الانمحاء الوجودي كي تكتب جسدها من الداخل وتعمل على إظهاره بشكل
مختلف من الخارج.
الهوامش
1- د.فريد الزاهي " النص والجسد والتأويل" إفريقيا الشرق،
الدار البيضاء، الطبعة الاولى، سنة 2003 ص: 25.
2-
Yannick
Resch , corps Féminin , Corps Textuel ,Essai sur le personnage féminin
dans l’ouvre de Colette librairie c. klincksieck ,paris , 1973 p : 15
3 - ليلى العثمان ،" الحب له صور " مجموعة قصصية ، دار
المدى للثقافة والنشر ، سوريا ، الطبعة الرابعة ، سنة 1995، الصفحة : 158.
4- محمد نور الدين أفاية ،الهوية والاختلاف في المرأة
والكتابة والهامش، إفريقيا الشرق –الدار البيضاء،1988،ص:19 .
5 - محمد نور الدين أفاية ، نفس المرجع السابق ص: 31.
6 - نفس المرجع السابق ص: 35.
7- المرجع نفسه ص: 35.
8 - المرجع نفسه ص: 41.
9 - هو نفسه ص: 41.
10- المرجع نفسه : ص: 41.
11 - للمزيد انظر(ي) كتابنا: " الكتابة النسائية، حفرية في
الأنساق الدالة.الأنوثة..الجسد.. الهوية." ص: 74.
12- "الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش" ص: 8-9.
13 - المرجع السابق ص: 41-42.
14- د.عبد الكبير الخطيبي ، "الاسم العربي الجريح" دار
العودة، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص:56.
15 - نفس المرجع السابق ص" 57.
16-
J.G.Fevrier « histoire de l écriture, Payot 1944.p :17.
17- الاسم العربي الجريح " المرجع السابق ص: 58.
18- انظر كتابنا " الكتابة النسائية..حفرية في الأنساق
الدالة ..الأنوثة ..الجسد..الهوية" المرجع السابق ص:75-76-77-78.
19 - الاسم العربي الجريح" نفس المرجع السابق ص: 59.
20 - د. سعيد بنگراد ،السيميائيات، مفاهيمها
وتطبيقاتها،منشورات الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة- الدار
البيضاء2003 ص:129.
21 - "الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش" ص:
51-52.
22- المرجع نفسه ص: 52.
23 - نفسه ص: 52.
24- د. سعيد بنگراد ،السيميائيات، مفاهيمها وتطبيقاتها.م.س.
ص:129.
25 - "الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش" ن.م.س.
ص: 53.
26 - نفس المرجع السابق ص: 55.
27 - هو نفسه ص: 55.
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
وضعية المرأة السوسيو- ثقافية بين الثابت والمتحول..
"إن درجة تحرر المرأة تصبح بكل بداهة مقياس التحرر العام" شارل فوريي
بقلم:
عبد النور إدريس
□
دلت كل المقاربات التي تطرقت لموضوع المرأة إن على المستوى الفقهي كتشريع
أو على مستوى الخطاب اللسني المعبر عنه من خلال الإنتاج الأدبي بكل أصنافه
التعبيرية عن تعامل حذر اتجاه المرأة، زكاه التعاطي الميتولوجي للمجتمع
معها منذ العصور على اعتبار أن الرجل هو الأصل والمرأة هي الفرع.
الثابت الميثي
كان ذلك مع ظهور الدين اليهودي الذي غير النظرة الوديعة للعصر
الاميسي إلى المرأة (حواء) التي أصبحت تجسد الخطيئة، وتحدد لنا سن اليأس
الأزلية للرجل (آدم ) الذي ولد حواء من ضلعه كأول ولادة وآخرها بعد أن
انتقل فعل الولادة كعقاب إلهي إلى حواء" وقال للمرأة تكثير أكثر أتعاب حبلك
، بالوجع تلدين أولادا..." (1).
بينما كانت ولادة آدم الأولى ولادة إلهية من نوع التكاثر الملائكي
الروحاني، كان آدم واسطة لولادة حواء حيث جوعلت معه كطرف خارجي عنه ،" فقال
آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت" (2) .
وتذكر القصة أن آدم قبل ذلك كان ملاكا خالدا في الجنة لا يموت أبدا،
ولم يبق له كعلاج للموت إلا التناسل، فالجسد الأنثوي هو المكان المركزي
الذي يبدأ منه إيقاع المحاذير، ينطلق من الأسطورة ليتوالد فيه المعنى
داخل الوضوح الاستراتيجي لعناد النص الذي أباح تخلف حواء رغم أنها أول من
أكل من شجرة المعرفة، فطَردُ آدم من الجنة يدل على حصول إمكانية حواء
للوصول إلى شجرة المعرفة قبل آدم، من تم أقيمت حراسة إلهية حول المعرفة
الخالدة مخافة وصول حواء إليها وتذوق اللذة الميتافيزيقية للسر الإلهي في
حالة التَّجلي" ولهيب سيف تنقلب لحراسة طريق شجرة الحياة"(3).
ألف ليلة وليلة...حدود الممكن.
في
وقت كانت أوربا تعيش تاريخها المظلم ،حركت الملحمة الشعبية(ألف ليلة وليلة)
وثنية موضوع المرأة لدى المستشرقين لما اتُّخدت كمرجع لتفسير حياة العربي
كمفتاح سحري لشخصيته .
فالظاهرة الشبقية في نص ألف ليلة وليلة هي تمثل لثقافة غربية تمتح
من نسقها المبني على استمتاع القارئ" بلبيديته" وقد انساق العديد من
الباحثين العرب مع هذا المعطى الانسياقي والخضوع لرؤية غربية ارتكزت على
الهامشي بهذا النص يقول د.ابراهيم محمد زين "إن التفسير المقنع لتلك
الظاهرة هو غياب الوعي بأهمية توطين هذه المناهج في نسق الثقافة العربية
الإسلامية ومحاولة إيجاد قيم نقدية تعيننا على فهم المنطق الداخلي لهذه
الثقافة التي نتمثلها وتمثلنا ونسعى أحيانا لتشويهها فتفتح أعيننا على سراب
الحضارة الغربية" (4) .
" ف(شهرزاد)
تروي لكي تحيى ،و(شهريار) يُصغي لكي يتمتع فالإرسال السردي ينتظم في سياق
تأجيل الموت فيما ينتظم التلقي في سياق الاستغراق في المتعة" (5).
" لكن شهرزاد
تستثمر فعالية السرد الجبارة فبثت فيها ليس المتعة فقط، وإنما العبرة التي
تتسلل خفية في تضاعيف السرد بحيث تعمل بعد ألف ليلة وليلة على تغيير قناعات
شهريار الذي ما إن تقبل ما روي له في الليلة الأولى، إلا ويبدأ بتقبل كل ما
سيُروى له في كل الليالي الألف الباقية." (6).
ففض البكارة بالنسبة للمخيال العربي في ألف ليلة وليلة هو القتل
المعنوي للمرأة بعد انفضاض البكارة فشهرزاد بعد ذلك كانت تروي لتعيش بنات
جنسها ولتعيد للقيم توازنها المبني على ارتفاع سهم الوفاء الأنثوي مقابل
العدل العام للسلطة، فكأنما دورها الاجتماعي الرائد هو إنقاذ العدل من وضعه
المختل بالعلاقة مع الأنثى ليتبين بعد ذلك إن الأنثى هي الضامنة للعدل
وليس الاستغراق في المتعة الشبقية.
فالاستقرار الأسري مدعاة للعدل ضمن تجليات السلطة الذكورية، أما
الوفاء الجنسي للأنثى "الزوجة"هو دعوة لإعادة إنتاج المجال الأبيسي
واستمراره وهنا يعود نص الف ليلة وليلة لطرح المُضمر، طرح هيتيرية المجتمع
الأميسي" ماتريياركا" .
بهذا فالتطهير الأخير لشهريار ما زالت الحبكة الأنثوية تحيكه على
شكل "خلافة" "إنجاب" لهذا يتبين أن العمق المأساوي للخيانة الزوجية يقابله
العنف البلاغي لاستمرار السلطة الذكورية.
"إذا كانت
شهرزاد تنجو من الموت بعد أن تحكي كل ليلة قصة ، فلأن نصها يفتق الهذيان
الابيسي ،يصعده إلى وعي روائي.إذ تبين كيف يمكن إنتاج الحكايات، " فالموت
ومغادرة الحدود هما، بالفعل، شيء واحد"، كما يقول جورج باطاي. إن عذرية
شهرزاد وهي تذوب في جنون السلطان، تفتح إمكانية كتابة مضاعفة، إحداها
منشورة في الحرم الأبيسي، حيث الدم، والأطفال، والنظام الطبيعي المتعارف
عليه، وثانيتها كتابة تتبع تمددا غريبا للحكاية ينسينا القيم والصور
الأبوية. وضمن هذا التكرار للصور ينعقد وينحل الوضع الشبقي، بواسطة شهوة
عنيفة ومتقنة، ولكنها مع ذلك تغري بالذوبان فيها" (7) .
الطفرة التاريخية نحو المتحول.
عاش المجتمع العربي قوة تغلغل المنظور اليهودي للمرأة وخاصة الجاهلي
الذي دأب على وأد البنات الشيء الذي يجعل هذا المجتمع ومن خلال انغلاقه
الحضاري يعبر عن هذا التغلغل للإسرائيليات كخلفية ثقافية سائدة جعلت من
المرأة حريما مرتبطا بالخيمة وفضاء الاحتشام وقد أجازت اليهودية كديانة
انتشار هذا المعطى محملا بقيم محلية جاهلية وقد جاء في سفر التكوين أن
اليهودي، «يملك على أولاده حق الموت والحياة، يقتلهم إذا شاء أو يقدمهم
قربانا للرب"(8).
إن ولادة البنات كانت دائما وما زالت ترسباتها حاضرة حتى أن الوأد
المعاصر اتخذ من التكنولوجيا سبيلا إلى ذلك (جهاز السونار) عبر طرق مختلفة
لدى الشعوب، فالعصر الجاهلي المعاصر يتكيف مع نظام الأسرة الذي يسمح مثلا
للصيني بولد واحد، حيث تمارس الأم داخل النسق الذكوري عملية الإجهاض مرات
متعددة حتى تحصل على ذكر.أما باليابان فوأد المواليد الإناث أصبح شائعا "
تأخذ (القابلة) ورقة مبتلة، وتسأل الأب بنظراتها عما تفعل وكانت تخنق
المخلوقة الصغيرة غير المرغوب فيها ،إذا ما أومأ الأب برأسه موافقا.وكثيرا
ما كان يومئ الآباء برؤوسهم" (9)
أما بالهند فتكاليف تزويج البنت مدعاة لكراهية حصول العائلة على
أنثى يقول د. محمد بلتاجي " يقضي النظام الاجتماعي ( حتى اليوم ) بأن
الزوجة هي التي تدفع المهر (أو الدّوطَة ) للزوج، مما يحمل أهلها عبئا
كثيرا عند تزويجها، لذلك تلجأ كثير من الأسر الفقيرة إلى وأد الأنثى عند
ولادتها أو بيعها لمن يحملها بعد ذلك على احتراف الدعارة "(10).
خرجت التعاليم
الإسلامية من صدمة رفضها من قبل مجتمع يمتاز بعصبية قوية يلفها التماسك حول
الأعراف والتقاليد، فهي وإن لم تذهب إلى التحرير الكامل لصورة المرأة داخل
الأسرة العربية الإسلامية فقد قلصت من رحلة معاناتها وبذلك اعتبر حصولها
على نصف حصة الذكر من حيث الإرث ﴿للذكر مثل حض الأنثيين﴾ الآية،اعتبرت
آنذاك ثورة على المفاهيم التي كانت تخندق الأنثى في مكانة أقل من العبد
مرتبط وجودها بالعار والمذلة والهوان ،فهي السِّبية والحريم حيث يرتبط
بشخصها جملة المحاذير والآثام المسلطة على وعيها،فكان لمفهوم الأنصاص مجال
حكَم الأنثى داخل المنظومة الإسلامية ( نصف شاهد، نصف دين...) ناهيك عن
الأفضلية التي يمتاز بها النصف الأيمن من الجسم في مواجهة النصف الأيسر
الذي خرجت منه حواء والذي خصته العبادات بطهارة "المستوى الثاني".
فالأوهام والأيديولوجية التي تتهم الخطاب القرآني بمسؤوليته عن تدني
وضع المرأة غير ذي حجة إذا علمنا الوضعية الكارثية التي كانت تعيشها المرأة
قبل نزول الوحي، وخاصة منذ تلقي عائلتها نبأ ولادتها وقد جاء هذا الوصف
بسورة النحل حيث قال تعالى﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم،
يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا
ساء ما يحكمون﴾ (11).
إن هذه التلاوين التي تُصبغ بها عواطف الأب الجاهلي من هذه
"البُشرى" تعكس وظيفة الأنثى داخل الهرم القبلي الجاهلي وبالتالي تجسيدها
لتدهور القيم الخاصة لقبيلتها يقول د.محمد بلتاجي " كان الأب الجاهلي يرى
الأنثى تأكل ولا تقتل عن القبيلة، ويراها مصدرا لجلب العار له حين تُؤسر من
العدو فيفترشها آسرها عنوة واقتدارا أو طواعية واختيارا، فيعير الأب
وقبيلته بها" (12) .
لكي ينصف التاريخ هذه النقلة النوعية للديانة الإسلامية في باب حقوق
المرأة نحيل البحث على المجتمع الأوربي وخاصة، سنة1805م بالضبط أباح
القانون الإنجليزي بيع المرأة من طرف زوجها مع تحديده المُسبق للثمن، بل
هناك من باع زوجته أقساطا بإيطاليا.
لهذا فالإسلام لاعلاقة له بتدني وضعية المرأة بالمجتمعات الإسلامية.
المرأة المغربية بين السوسيولوجي والسيميولوجي
من خلال الوساطة الاستشراقية الاثنولوجية:جاك بيرك.
ينتقل البحث في وضعية المرأة المغربية كجزء من الكل العام بين حقلين
معرفيين ، من حيث تناولها كموضوع وفاعليتها كذات بالوسط المغربي .
فمن خلال الوساطة الاستشراقية الاثنولوجية التي تطرقت لدراسة
المجتمع المغربي نجد المستشرق الفرنسي جاك بيرك الذي تنبه من خلال بحثه
الاستشراقي إلى أن الموضوعية تقتضي دراسة المجتمع المغربي من خلال مكوناته
هو حيث اكتشف ج. بيرك عمق تجدر الأعراف والتقاليد وابتعاد المناطق البربرية
عن المفاهيم الشرعية ( منطقة الشرع) يقول جاك بيرك "كنا ندرك الإفريقي
الشمالي من خلال مقارنته بنا في حين أنه كان يجب إدراكه من خلال مشاكله
الخاصة وتعقده الداخلي وفي كلمة واحدة، يجب فهمه كما يفهم نفسه، أي يجب
اعتبار تأويلاته الخاصة" (13)
نجد
المجتمع المغربي آنذاك، ينقسم من الناحية الشرعية إلى حاضرة تغلغلت فيها
الديانة الإسلامية، وإلى بادية بربرية يتجاذب صراع أفرادها مع المخزن
السلطاني حيث يسود ضعف الوازع الديني وسيادة الأعراف المحلية التي تنهل من
خام تلاقحها بالحضارات التي عـبرت الأرض المغربية عبر العصور، وخاصة النظرة
المتعلقة بالمرأة البربرية، هذا بالإضافة إلى تجدر وسيطرة المنظور الفقهي
على مكونات العقلية المغربية التي عاشت ومارست السيبة كتجليات لسلطة
العرف يقول جاك بيرك في هذا الإطار: " للمغربي عقل فقهي، وأن الفقه أصبح في
المغرب منذ زمن بعيد فنا متينا، الفن الذي عبر العرق من خلاله عن نفسه
بصدق"(14).
لاشك أن تبعية
البحث السوسيولوجي في المغرب للإدارة الاستعمارية يعني حضور الأيديولوجي في
صميم البحث العلمي هذا الحضور من جهة مؤطر للبحث ومن جهة أخرى حضور مشوه
للواقع.
وقد جسد جاك بيرك النظرة الموضوعية كثاني عمل سوسيولوجي له حول
البرابرة في كتابه"البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير" تميزت أبحاثه فيه
بأنها لا تقبل الاندماج بسهولة في الايدولوجيا البربرية الكولونيالية فمن
أهم الإشكالات التي عالجتها هذه الدراسة العميقة علاقة العرف بالشرع حيث
يرى جاك بيرك أن تلك العلاقة لا يمكن أن تخضع للنمذجة والتوحيد أي أنها
تتغير بتغير المناطق البربرية حيث لا وجود لقبيلة بربرية ينعدم فيها الشرع.
فبالإضافة إلى حضور المرأة البربرية المتميز بالشعر الأمازيغي "تمديازت"كأنثى
وحبيبة يتجسد حضورها الفعلي انطلاقا من بعض المصطلحات التي تصف الرجل
بأوصاف تضعه اقل من رتبة المرأة مثل "أمحارس" "أحراث" والتي تضعه على
الهامش باعتبارها السيدة المالكة والمتحكمة والمسيرة وانطلاقا من الدور
البدائي الذي يحيط بإنتاجيته "الرعي".
فمن خلال
الثنائيات (حاضرة/ بادية)، (منطقة الشرع/ منطقة العرف)،(المنطقة السلطانية
/ منطقة السيبة) حيث تشكل هذه الثنائيات الضدية مجتمعة ثنائية بحدود
علاقاتها التناقضية(إيمان/لا إيمان)، لهذا كان الشطر الثاني من الثنائية
يقترب كمفاهيم معاشة من الطابع الأميسي لضعف تغلغل الإطار الــديـني
بالمنطـقة والـتي كانـت ترفـض الاحتكاك بالـشـطر الأول باعـتـبـاره(
الحاضرة، منطقة الشرع، المنطقة السلطانية) جسما ضرائبيا يشكل التعامل مع
قوته الرادعة المتجسدة في "المحلًة" التي يرسلها السلطان لتطويع وتطويق "
منطقة السيبة" منهجية الأخذ والرد لبناء تطورها داخل كينونتها وتواجدها في
الزمان والمكان.
المنتوج الجنساني المغربي لابن عرضون .
أما على المستوى الوثائقي ومن خلال الإنتاج المحلي على المستوى
الفقهي نجد الفقيه (أحمد ابن عرضون)1556م- قاضي شفشاون – الدولة السعدية-
وتدخلاته لتحديد العلاقات بين الرجل والمرأة على كافة المستويات زواج ،
طلاق، تعدد..من حيث مساواتهما، من حيث اختلافهما لتحقيق معادلة إنسانية في
اتجاه بناء مجتمع سليم على المستوى الكمي تسوده علاقات تعاقدية تتساوى
فيها مصالح الطرفين على مستوى تداخل نصوص الشريعة وتركيبتها فأصبح التساؤل
عن المرأة سؤالا مركبا يحيل قطب الاهتمام نحو الفقه الذي وجد صيغته
الاجتهادية عند غير المتأخرين من الفقهاء كعقلانية ممكنة ارتبطت بالحاضرة
(مكان الشرع)، حيث يتساءل جاك بيرك عن ثنائية جد ممكنة،(فقه/ مدينة)، ليحيل
التساؤل لثنائية متخفية ذات العلاقة التناقضية ( لافقه/ بادية)،" هل تعني
هذه المقاربة أن الاعتماد على الفقه في بـناء مـوضوع المرأة التقـليدية لـن
ينـتج عـنه سـوى خطاب خاص بالمرأة الحضرية ؟ ألا تتحقق قيمة القول الفقهي
كشهادة سوسيولوجـية إلا في المديـنة، باعتبارها – مكان الإيـمان، ومـكان
الـشرع-" (15) .
وقد تم العثور على وثائق بالمرحلة السعدية تنص على أن المرأة قد
أثبتت بعقد نكاحها حقها في التمليك والصداق والمؤخر وحقها في تطليق زوجات
زوجها في حالة التعدد..حيث أدى الانكباب على الشهوات والانعكاسات الفكرية-
الميتافيزيقية والسيكولوجية التي ولدها الشعور بقرب" الساعة"( السنة 1000
الهجرية، آخر الزمان) حيث "تلاشت غيرة الرجال على النساء، ووقع الاختلاط
بين الجنسين في الأماكن العامة، وشهدت الأعراس مناكر متعددة، من الممكن
القول بأن الشعور بقرب الساعة دفع بالمجتمع المغربي آنذاك إلى سباق ضد
الموت تمثل في الانكباب على الشهوات" محمد حجي "الحركة الفكرية في المغرب
في عهد السعديين".
وقد تطرق احمد بن عرضون إلى فتوى صنفته من ضمن فقهاء البدعة حيث تم تكفيره
لفتواه الجريئة التي خالف فيها فقهاء عصره وشذ عن العقل السائد، فقد كان"
يرى أن المرأة في البادية يجب أن تقاسم الزوج فيما ينتج بينهما من زرع
وضرع"، "مقنع المحتاج في آداب الأزواج". كما يقول ذ.سعيد أعراب " قد وقفت
له على فتوى – ولعلها بخط يده- تذكر أن للمراة النصف في مال الزوج، إذا
وقع طلاق أو وفاة بشروط شرطها وحدود حددها، وهي خلاف ما جرى به العمل في
قبائل غمارة..."(16).
وقد طرح الدكتور عبد الصمد الديالمي عدة تساؤلات حول هذه الفتوى
التي أدخلت ابن عرضون في مصاف منتجي الفتوى من أعماق السوسيولوجيا يقول:
"هل ترتكز هذه الفتوى على اعتبارات عرفية وتاريخية خاصة تعطي للسوسيولوجيا
مكانة بارزة في إنتاج الفتوى؟ وبالتالي، يتحول إصدار الفتوى إلى عمل مشترك
بين الفقيه وعالم الاجتماع؟ وعلى كل، لابد من الاعتراف بوجود عالم الاجتماع
كامن في شخصية الفقيه ؟ هل تجوز الفتوى بغير المشهور؟ وهل تؤدي الفتوى
بالضعيف أو بتقنين العرف إلى البدعة؟ أو إلى الخروج عن المذهب ؟أو إلى
الخروج عن الإسلام؟ وفي هذه الحالة، من له الحق في احتكار الحقيقة
الإسلامية؟" (17).
مقاربة السيميولوجي داخل السوسيولوجي.
هذه المقاربات"السيميو- سوسيولوجية" وان توفقت في إبراز وتحديد بعض
الإشكالات يبقى أن دراسة وضعية المرأة المغربية وخصوصا بالبادية ينبغي أن
يخضع للتصورات المنطقية لا للتحديدات الميثولوجية المبنية على تصورات
عاطفية، هناك حضور الإشكالات البنيوية بثقافتنا والتي تجعل من المرأة نفسها
هي المدافع الرسمي عن وضعيتها المتخلفة..
إذن ما هي حدود تفكيك هذه الرؤية في غياب فضاء نسبي لاستعمال آليات
التحليل الاجتماعي؟.
إن الغيابات كثيرة بالبنية التقليدية للوسط المغربي، غياب وعي تام
بآفاق الطرح الإشكالي، حضور الأمية المتفشية بشكل واضح بمجتمعنا وخاصة التي
تتعلق تتعلق بالمرأة التقليدية بالوسط القروي.
غياب بنيات تحتية لتشجيع تمدرس الفتاة بالوسط القروي، على سبيل
المثال لا الحصر تواجد الداخليات التي يرجوها الأب الذي يمثل الذكر العربي
سلوكا وعقلية لتكون "الداخليات" الأدرع الممتدة للأسرة خارج البيت، من حيث
أن الأب لا يودع لدى المؤسسة الداخلية فتاته ككائن بل يضع بكارة وشرفا،
تقول سيمون دي بوفوار في هذا الإطار:"اكتسبت البكارة قيمة أخلاقية دينية
غيبية" (18).
أما الانغلاقات فكثيرة حضورها القوي يتجلى في التصورات الشعبية التي
يضفيها مجتمعنا على المرأة من حيث حضور المثل الشعبي بكل قوته " للمرأة
خرجتان واحدة لبيت زوجها والثانية للقبر، فالحجاب وأد مواز لعملية الدفن
يتم تجريدها من عناصرها الموضوعية همت تاريخيا تحديد مواقع شبقية من تاريخ
الذكورة العربي.
فنجد بمجتمعنا حضور المصطلح الذي يشكل حضور وعي مثل "باب الدار " "
قاع البيت" "اللثام" وهي كلها فضاءات تغلق على جسد المرأة كجسد أنثوي لا
يفتح إلا للزوج الذي يستمتع بهذا الفتح جنسيا والمَحرَم الذي يكون صلة وصل
بين الخارج كثقافة للمرأة تنهل منها وهي غالبا ثقافة الرجل الذي يرى
الوقائع بأُحادية المنظار، حيث يشكل" اللثام" وسيلة غلق أخرى داخل الفضاءات
المفتوحة.
إن بعض التعبيرات التي يغلب فيها تجسيد المجال مثل" صدر البيت"،" فم
الدار"، و الأعضاء الجسدية المسقطة على المجال الحضري العربي الإسلامي
أعضاء مُجنَّسة أو قابلة للتَّجَنْسُن، فبالفعل هناك انتظام سيميائي بين
الرأس والفم والصدر وهذا الانتظام هو من المذكر نحو المؤنث.
"راس الدرب" هو
مكان المراقبة لمن يدخل الدرب والمراقب هو الذكر ،هو انتظام سيميولوجي
مجالي من الخارج نحو الداخل يمر عبر الفم كحد فاصل بين فضاءين، فالفم :
نقطة تبادل لسني (الكلام)،تبادل بيولوجي(المضغ) وتبادل جنسي (قُبلة) ، إن"
فم الدار" هو المعبر إلى عالم المرأة، مكان عبور في اتجاهين (دار
/شارع)"افتح الباب وادخل إلى الشارع" وقد قال العالم النفساني كارل ابرهام
"الإنسان لا يكتفي بإحياء الأشياء بل يجَنّسُها" وقد نستخلص من هذه النسقية
الجنسانية طرح السؤال على المجال ،أليس للدار فرج كما للمرأة؟
إن المصطلح السيميائي "قاع الدار " يأخذ من جسم المرأة مكان الإثارة
الجنسية كما يفيض المصطلح "قاع" على حدود تركيبية اللغة العربية من خلال
قوة اللهجة المرتبطة بلذة النص ومتعة الاكتشاف.
إن فضاء اللغة الجنسية فضاء عائلي يستعمل فيه المذكر إسقاط الجسد
على المجال ليصبح المجال بدوره حرمة وجب تحصينه كي لا يمس، فالمنطق
الباتريركي هذا استعمل الحجاب لتحصين الملكية العائلية كما استعمل زواج
الأقارب (ابن العم) في السابق كتحصين متناغم مع دلالة انغلاقه.
هذه مواضيع للبحث لازالت حاضرة إن على مستوى المدينة بالأحياء
القديمة كما على مستوى البادية .
فجل الأمثال الشعبية تعيد إنتاج علاقة الرجل بالمرأة خاصة ما يتحدد
من توجيه وتلقين التجربة الباتريركية للجيل اللاحق، هذه القوة حاضرة
بالمثل، "ظل راجل ولا ظل حيطة".
فالمثل الشعبي قد رسم تقاسيم صورة المرأة ضمن ثنائيات ضدية يتمازج
ضمنها السلب والإيجاب كتعبير عن مزاجية العواطف التي تحكم المثل الشعبي من
حيث القبول بالمرأة كجسد للاشتهاء وبالتالي فهي "خير"، حيث جاء في المثال
التالي:"المرأة عمارة ولو كانت حمارة ".
أما تحديد مكانتها كسلب فهو دلالة على مدى انتهاء الرجل من جسد
الأنثى بالإشباع الجنسي وبالتالي النبذ النفسي لكينونتها الإنسانية كما جاء
في المثل الشعبي التالي: "مسمار في الحيط ولا امرأة في البيت" وقد ذكر
الأستاذ علي أفرفار الأسباب النفسية والاجتماعية التي شكلت الوعي برفض
المرأة والرغبة في التخلص منها حيث قال "لاشك أن أساس هذه الرغبة يكمن في
العلاقة التي أقامتها الثقافة الشعبية بين كرامة الرجل والبكارة، حيث تمثل
المرأة موضوعا مخيفا يتوجب على الرجل التخلص منه بسرعة إذا هو رغب في صيانة
مركزه ومكانته الاجتماعية" (19).
أما
الثنائية ( إنجاب / لا إنجاب) فيمكن تصنيفها ضمن الثنائيات التناقضية حيث
نجد أن العقم يمكن أن يكون الرجل سببا في حصوله وهو خاصية مشتركة بين
الجنسين، كما أن الإنجاب الذي يأتي بالأنثى فهو داخل المخيال العربي بمثابة
(لا إنجاب) أي عقم على مستوى انتفاء استمرارية وجود حامل لاسم الأسرة من
الذكور.
أما الثنائية (
بكر/ ثيب) فيمكن التطرق إليها من خلال الثنائية التناقضية التالية(بكر/ لا
بكر)،( ثيب /لا ثيب) وقد تشترك كل من الزوجة والأرملة والمطلقة في انتفاء
البكارة عنهن تصبح فيه البكارة رمزا لقيم العفة والطهارة وعدم حصول الجسد
الأنثوي على تجربة جنسية تجعل ميدان الفحولة قابلا للصولة في تضاريس
الكشكول السيكولوجي للحضارة الذكورية.
فالتراتبية الاجتماعية تجعل البكر في الهرم القيمي تليها المتزوجة والأرملة
والمطلقة التي يعتبر رفضها من طرف (ذكر ما ) عافها "هجالة" ينعكس تشردُم
وضعيتها على قيمة منتوجها "الحضائني" كما جاء في المثل الشعبي الذي يقول "الهجالة
ربات عجل ما فلح ، ربات كلب ما نبح"، هذه الوضعية السُبة لن تفارق(الثيب-
مطلقة)إلا بانتقالها إلى عصمة رجل .
هكذا نجد أن مصطلح"ثيب" لا يحقق الثنائية التي وضعها الباحث من ضمن
مؤشرات اختيار المرأة المناسبة، كما لم تتحقق كينونة المرأة إلا من خلال
المذكر الذي عبرت عنه الوثائق الأولى للنص العدلي الذي كان يعقد "عقد
النكاح" بصيغة المذكر هكذا "لقد نكح فلان فلانا"كناية عن قيمة التنشئة التي
تربت عليها الفتاة من حيث المرجع:المحمول الذكوري الذي تشبعت به في تربيتها
يقول المثل "بنت الرجال ولو بارت"، وقد حدد هشام شرابي انطلاق هذا المعطى
لدى الوعي العربي بحضور قوة القالب الحضاري للمجتمع يقول "وهدف كل مجتمع
تجاه كل طفل أن يصهره نفسيا وذهنيا ليطابق القالب الحضاري لذلك
المجتمع"(20).
إن أزمة المرأة هي أزمة فكر وثقافة قبل أن تكون أزمة واقع عاشته
المرأة خلال معاناتها كإشكال تاريخي عصف بمكوناتها الذاتية نحو التحرر
وانفتاح امكانياتها على أرض الواقع، كما أن قضية تحرر المرأة هي دعوتـهـا
أن تغـزوَ الجانـب المُعـتم مـن انغـلاق الرجـل على تحرره تـقــول د. سلوى
الخماش في هذا الإطار، "ما زال على المرأة دور كبير في تغيير مفهوم الرجل
عنها، وفي تصحيح أفكاره" (21).
هوامش الفصل الرابع
1-انظر التوراة، سفر التكوين، الإصحاح الثالث
2- المرجع السابق.
3- التوراة،التكوين،الإصحاح الثالث،الآية22-24.
4- مجلة العلوم الإنسانية العدد4-صيف 2001م جامعة البحرين،
ص:359.
5- مجلة العلوم الإنسانية ،جامعة البحرين، العدد 3، شتاء
2000، ص:79.
6- نفس المرجع السابق ص:79/80.
7- د.عبد الكبير الخطيبي "الاسم العربي الجريح" دار العودة
بيروت الطبعة الأولى 1980،ص:120.
8- سفر التكوين الإصحاح 42 الآية 37.
9-" مكانة المراة في القرآن الكريم والسنة"- حقوق السياسية
والاجتماعية والشخصية للمراة في المجتمع الإسلامي- ، د.محمد بلتاجي ،دار
السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة مصر،الطبعة الأولى 2000.ص:84
10- القرآن الكريم سورة النحل الآية 58-59.
11- نفس المرجع السابق (10) ص:81.
12 -
Problèmes initiaux
de la sociologie juridique en Afrique du nord
1953p144-studia
islamiquE -13- Essai sur la méthode juridique Magribine" p113 1944 rabat
14- نقلا عن الدكتورعبد الصمد الديالمي "المعرفة والجنس"-من
الحداثة إلى الجنس- الناشر عيون المقالات دار قرطبة للطباعة والنشر
الدارالبيضاء 1987 ص:56.-57.
15- سعيد أعراب :"ابو العباس أحمد بن عرضون" ، جريدة
الميثاق السنة الثالثة عدد49 فبراير 1964.نقلا عن الدكتور عبد الصمد
الديالمي ،"المعرفة والجنس" ص:106.
16- المعرفة والجنس، نفس المرجع السابق ص:106.
17- سيمون دي بوفوار ،"الجنس الآخر" ترجمة :محمد علي شرف
الدين، المكتبة الحديثة للطباعة والنشر ، بيروت 1979، ص:629.
18- مائة عام على تحرير المراة ،سلسلة أبحاث المؤتمرات/1
الجزء الأول ، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 23/28 أكتوبر 1999 إشراف د.
جابر عصفور " صورة المرأة في الثقافة الشعبية ...." علي أفرفار،
الصفحة:629.
19- د.هشام شرابي ،مقدمة لدراسة المجتمع العربي ،دار
الطليعة ،بيروت الطبعة الرابعة،1991،ص:73.
20- د. سلوى الخماش، المرأة العربية والمجتمع التقليدي
المتخلف ، دار الحقيقة بيروت الطبعة الثالثة 1981،ص: 109.
22/12/2005
أضيفت في 22/12/2005/ خاص
القصة السورية المصدر
الكاتب:
عبد النور إدريس
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
المرأة المثال في وجدان الشعر العربي
بقلم:
عبد النور إدريس
مدخل:
تعتبر المرأة محور اهتمام الشعراء التي وصفوها على مر العصور بأحلى
وأجمل النسيب وقد كانت صورتها واضحة المعالم بشعر الغزل والأموي على الخصوص،
باعتباره عصر الغزل الذهبي، والإبداع الشعري حول المرأة بما أنه يشكل الإرهاصات
الأولى لبناء معمار الشخصية الأنثوية التي امتلك فيها الرجل الشاعر أولا
والسارد ثانيا هوية المؤنث وأخرجها من حدود أبعادها الجنسية، وسواء كان هذا
الشعر حقيقة أو تجربة مُتخيلة ما زالت المرأة مُلهمة للأدباء الشعراء وقد شغلت
حيزا وافرا من وجدان الإنسان العربي حيث كانت المرأة منذ العصر الجاهلي حتى
نزار قباني هي ثلاثية:الأنوثة و الجسد والهوية، مارس فيه الخيال الفني ثورته
على القيود والمحرمات باعتباره ينمو وفق منطقه الداخلي ليشكل خصوبة رمزية في
الممارسات الإنسانية.
إن حقيقة الشعر العربي كنسق لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإطار
السياسي والاجتماعي الذي أنشأه وبلور احتفاليته الثقافية بالوعي العربي.
إن العمل الأدبي في تحركه نحو إنتاج العالم المعيش لا يستطيع
السقوط في المباشرية كإعادة الإنتاج المادي لواقعه وإنما ينزع نحو تكثيف
المثال الفني لينسج مكانه عالم آخر لا يتماثل مع الصورة الفنية للمعيش الشيء
الذي يضع بين أيدينا افتراض حضور الطابع المثالي لامرأة النسيب كمثل أعلى
للجمال الأنثوي و عودة الشعر الأموي إلى الصورة الفنية للشعر الجاهلي الذي كان
يمتح من صورة المرأة المثال الوثيقة الصلة بالمعتقدات الدينية والأسطورية
وتنحدر منها لتعشش في المخيال العربي مند القدم .
لهذا كان طرحنا لعدة أسئلة من شأنه أن يثير تلك العلاقة
الجدلية بين الإنتاج الفني واستهلاكه الاجتماعي .
- ما هي أسباب تواجد وحدة الصورة للمرأة في الشعر العربي ؟
- ما هي الدوافع التي حركت وساعدت الشعراء لمدح الجمال الأنثوي
بالعصر الأموي؟
- ما هي الطرق التي عبّر بها شعراء "الحجاز" عن مكنونات قلوبهم
وخوالجهم وعاطفة الحب لديهم ؟
- هل تعكس مقاييس الجمال المُنشَد الذوق العربي في تجلياته الواقعية
أم إنها تعبر عن مثل أعلى للجمال طافح مترسب عن معتقد ديني أو أُسطوري سابق؟
- كـيف يـكون الإبـداع الشعـري شخصيا ويعـبر عـن ذات الـشاعــــــر
وجماعيا ويعبر عن جسد القبيلة في نفس الوقت؟
- ما هي مقاييس تصنيف الشعر عند الأمويين انطلاقا من مظاهر تشطير
البيت العربي إلى واجهة للحرائر وأخرى للجواري؟
- ما هي صورة المرأة المثال في شعر الغزل الأموي بملامحها الجسدية
والمعنوية؟
- ألا يساعد الحفر اللغوي على فهم الإسطير الفهم الأمثل؟
لاشك أن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة يعطي لهذا الفصل تصميما
خاصا قد يجيب على تساؤلات النقد الأدبي، حيث أن الدراسات التي تطرقت لشعر الغزل
لم تكن ترسم بشكل واضح صورة للمرأة العربية ف "قلما حفلت الدراسات التي تتناول
شعر الغزل على امتداد العصور الأدبية العربية بشأن المرأة " (1) .
وقد اعتمدت في هذا البحث المنهجية التي تعتبر العملية الفنية نفي
مستمر لذاتها ومحيطها نحو خلق وحدة نسقية منسجمة للشكل بمضمونه، كما نضع في
اعتبارنا العلاقة السوسيولوجية بين مرسل ومتلقي الصورة الشعرية.
إذن ما هي أهم المؤشرات التي تفاعلت بالسلب والإيجاب في وجدان الشعر
الأموي ؟
1-المؤشرات البارزة في حركية شعر الغزل .
يرتبط تطور الشعر بمدى إمكانية تطور حياة المجتمع ولعل من أهم
الأسباب التي أثرت في الاتجاهات الأدبية للعصر الأموي وخاصة من حيث حضور هاجس
المجتمع في موضوعات الشعر وصوره وألفاظه وأساليبه، والتي أثرت بالسلب والإيجاب
في تمظهرات الإشكال السياسي والاجتماعي والثقافي بالإبداع الفني ومدى الحضور
القوي لهذه التجليات في تطور مفهوم الممارسة الشعرية كحقيقة واقعية متجانسة
تستبدل تشكيلها الواقعي باللفظ والصورة الشعرية.
1-1- المؤشر السياسي
إن هذا المؤشر من أبرز المؤشرات التي طبعت العصر الأموي و"لئن كان
للأمويين الغلبة في الوصول إلى الحكم ، فإنهم لم يستطيعوا غلبة المعارضة نهائيا
فأدركوا أن حكمهم يحتاج إلى الاستقرار، وأن هذا الاستقرار بحاجة إلى دهاء
سياسي" (2).
ومن آثار هذا الدهاء أن حرك بنو أمية النعرة القبلية بين العنصر
العربي وعداهم من المسلمين، فكان طبيعيا أن تشب نارها في الشعر وبذلك ساهموا في
أن يفتح "سوق عكاظ" بابه من جديد في وجه التراشق الشعري بين المكونات المختلفة
لمعارضيهم بالحجاز والعراق والشام.
كما أحدثوا شرخا بمشاعر الذاكرة والنفس العربيتين لما حوّلوا مركز
الخلافة من بلد الحجاز إلى الشام.
وقد ساهم هذا المؤشر في الظهور القوي للمؤشر الاجتماعي.
1-2- المؤشر الاجتماعي
بعد انتهاج بني أمية لسياسة الفتوحات وانفتاح البلاد العربية على
حضارة الترف البيزنطية والفارسية، كان لتدفق الأموال كبير الأثر في تميُّز
دهائهم السياسي لإسكات المعارضين وخاصة أصحاب الحق الشرعي في الخلافة بالحجاز،
حيث عالج بنوأمية هذه المعارضة "بالمال الوفير أغدقوه عليهم بلا حساب، وأبعدوهم
عن المشاركة في السياسة والحكم "(3).
وقد أنجب حجاز الترف شعراء كالعرجي والاحوص والحارث بن خالد
المخزومي الذين رسموا في شعرهم الملامح الأولى للمرأة التي سنجدها كاملة عند
الشاعر عمر بن أبي ربيعة.
ولقد أصبح الانغماس في الملذات شيئا مباحا ومظهرا تتسم به هذه
الحقبة وخاصة بالحجاز الذي ازدهر فيه الغناء والإيقاع وفنون اللهو في الغفلة
المتعمدة للرقيب الذي غض الطرف "عمّا انهمك فيه الناس من لهو وترف وغناء وحرية
التمتع بملك اليمين من سبايا الهند وفارس والروم وسواها من البلدان " (4).
هكذا استمتع المجتمع الحجازي باسترخائه حيث أنه خلع ثوب الجهاد ومضى
يتمتع بجني الفتوحات، جمالا ومالا، فكان الغزل "أشبه موضوعات الشعر بالغناء،
ومطلب النفوس من هذا مطلبها من ذاك، ومن هنا كان التجاوب بين حالتيهما: فمن
آثار الموسيقى في الحجاز توجيهها موضوع الشعر إلى الغزل"(5).
1-2-1-الوضعية المجتمعية للمرأة بين ظاهرتي الحجاب و"ملك اليمين".
يتحدد الأسر كواحد من الأسباب المباشرة لظاهرة الرق باعتباره أهم
مصادرها الرئيسية وقد تعمقت العلاقة بين الرجل والمرأة المسترَقَّة من الناحية
الجنسية بحكم ورودها في النص القرآني كملك اليمين تقول الآية: ﴿ وإن خفتم ألا
تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ﴾ سورة النساء الآية 3.
- ما هي انعكاسات ظاهرة "ملك اليمين" على نفسية المرأة العربية؟
- ما هي القاعدة الواقعية التي جعلت عمر بن أبي ربيعة ناطقا رسميا
باسم المرأة الحرة ؟
إن التفتح الواسع على عدد النساء "الجواري"اللواتي أضفن التنوع في
الجمال الأنثوي وحسن الصوت والغناء بالبيت الأموي حيث كان منهن الروميات
والفارسيات والسنديات والهنديات...
وقد أدى الاستغراق في المجون والخلاعة إلى الابتعاد عن فحوى النص
القرآني الذي أسس هذه الإجازة الشرعية "ملك اليمين" كتدبير مؤقت، فأخذ المجتمع
الأموي ينهل من الحضارة التي وفدت عليه الشيء الذي "أقحم على الحرائر عوامل
القلق والتمزق النفسي حين فهم الرجل خطأ حرية التمتع "بملك اليمين"فانقاد إلى
قيانه وجواريه ، وذا الميل الفطري المنجذب بمادية أحاسيسه إلى اللذة الجسدية
" (6)
إن هذا التفسخ والاستغراق في التمتع بالجسد الأنثوي المتنوعة مصادر
جماله وفتنته قاد البحث إلى أن نفترض وجود أزمة للزواج بالمجتمع الأموي
وبالتالي إعراض الرجال عن زوجاتهم، الشيء الذي أضر بالحرائر من النساء العربيات
كما أضر بهن الحجاب الذي عزلهن عن المجتمع "ذلك أن المرأة الحرة لا تباع ولا
تشترى فلا ينبغي لها أن تبرز محاسنها إلا على حَليلها، بينما تبرز الجارية
محاسنها لأنها مادة تجارية في سوق الرقيق تباع وتُشترى"(7).
إن الحجاب قد ألحق الحرة العربية بالظل وقد انشطر البيت الإسلامي
إلى شطرين : شطر للحرائر وشطر للجواري.
فالحرائر قد فرض عليهم منطق الحجاب لزوم بيوتهن، يقول تعالى: ﴿يا
أيها النبئ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن﴾ سورة
الأحزاب الآية 59.
وكان من الانعكاسات المباشرة للحجاب، عدم خروج الحرائر بأية زينة أو
طيب، ويمكن القول بأن هذه الوضعية جعلت المرأة الحرة تحاول صياغة وعي خاص بها
لشد الذكر العربي إلى مفاتنها الشيء الذي دفع بها إلى منافسة الجواري في إبراز
محاسنها ، وهي معركة شاملة ذات بعد انفلاتي من بعض أحكام الشرع الإسلامي، تحمل
في جوهرها سمات معركة تستبد بالمضمون لكي تستحكم الاستبداد بالشكل.
فالمرأة الحرة " ربَّما سعت بجسدها الأنثوي لأن تكون "خليلة "
لزوجها بعد أن كانت حليلة مما يسَّر للشعراء إثر هذه المنافسة سبيلا لاقتناص
الصور التي تلائم ميولهم في غفلة الرقيب " (8) .
لقد أُعجب الحجازيون بالأسيرات فأصبحوا أسرى لجمالهن وفتنتهن
ودلالهن فكان الإعراض عن الزوجات بالجسد المستورد الوافد من الأمصار.
1-2-2- معركة الحرائر لاستعادة المكانة المفقودة
- كيف عبًّرت المرأة الأموية الحرة عن رغبتها في خرق الطابوهات
وتكريس استمرارها أحيانا؟
أثار حكم بني أمية النعرة القبلية ودعوة الجاهلية فعاد الشعر
للتداول باعتبار ان الشعر هو ديوان العرب، فعمدت المرأة المحصنة إلى إحياء ذكرى
الجاهلية في النفوس وإغراء الشعراء للتشبيب بمفاتنها واستعراض خباياها النفسية
والجسدية " إذا ما كانت عزباء، فيقبل عليها الخطاب، أما المتزوجات فلِثَني
الرجل عن أفعاله واستعادته إلى بيته" (9).
- كيف عبّرت العبقرية الشعرية العربية عن ذاتها؟
- ما هي تلك الخصوصية التعبيرية؟
فبعدما رقَّقَ الغناء وتعاطي الجواري من طبع البداوة بالحجاز كان
لشعر الغزل في الحرائر مفعول الرقيب على الأخلاق المتشعبة المسالك في جغرافيا
تضاريس وعي المجتمع العربي الجاهلي حيث لم يكن الشاعر الجاهلي بوقا للقبيلة فقط
وإنما لسانها والمعبر عنها إذ ضَمُّن شعره مُلتقى عواطف القبيلة ومحامدها وسجل
أيامها ووقائعها كصدى لها بالإضافة إلى كونه أنشد الشعر كقيتارة للتعبير عن
نفسه ،فالغزل في رأي ابن قتيبة "غرض بذاته ولكنه غرض لغيره" ،الشعر والشعراء،
بتحقيق أحمد شاكر.
"فهذه النكسة الجاهلية كان لها أثرها في الحياة الأدبية في هذه
الفترة (العصر الأموي) من ناحية الكم والكيف جميعا، فقد أتاحت لتيار النشاط
الأدبي الجاهلي أن يمضي في سبيله، وان يغمر الحياة بأمواجه المندفعة في صخب
وعنف ، بعد أن تهاوت السدود التي تمنعه أو تحاول تلطيفه وتهذيبه"(10).
وقد وُصف العصر الشعري الأموي بعصر الرجعة"إذ جعلت الحياة الأدبية
تُراجع فيه نشاطها الذي عرفته في العصر الجاهلي ، كما أرادت أن تجعل من نشاطها
فيه صورة من ذلك النشاط الجاهلي وامتدادا له " (11).
ولعـل ما يثبت فرضية كون عمر بن أبي ربيعة ناطق رسمي باسم المرأة
العربية الحجازية هو كونه" رسم لها طريق الخلاص حين أنطقها، في شعره، بكل ما
تريد البوح به وأعلى من شأنها، وناصرها في صراعها مع الجواري والـقيان بُـغـية
إثبات وجـودها كائـنا لـه حــق الـحـرية والـحـياة "(12). وعندما جعلها عاشقة
لا معشوقة حرّك غيرة الرجال على نسائهم المُهمَلات.
- هل هناك شروطا نظرية يمكن من خلالها تحديد الشعر الأموي في حدود
الإباحية والعذرية؟
- بأي معنى يمكن أن ندعو قصيدة النسيب الأموية إباحية ؟
فشعر الغزل بما هو صحافة العصر الأموي قد سجَّل أخبار النساء لتحريك
غيرة الذكر العربي على أُنثاه وإعادة تمكينه من اكتشافها في مداها الأخلاقي
الواسع وقد استعملته بنات الخلفاء ، فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وشريفات آل
البيت كسكينة بنت الحسين التي كانت تستقبل الشعراء في دارها، وعائشة بنت طلحة
بنت الصحابي ، ومما يزكي الدور الترويجي المؤثر في نفسية العربي واستجابته له
قصة الدارمي الشاعر الذي ترك الشعر وكانت عودته لشعر الغزل وسيلة لذر الربح على
تاجر خُمُر العراق ، حيث تعَشَّقَ صاحبة الخمار الأسود يقول صاحب الأغاني في
ذلك " فلم تبق مليحة في المدينة إلا اشترت خمارا أسودا وباع التاجر ما كان معه
"(13)
يقول الشاعر الدارمي:
قل للمليحة في الخمار الأسود * ماذا فعلت بزاهــــد متعبّــــــد
قد كان شمّر للصلاة ثيابـــــــه * حتى خطرت له بباب المسجد
رُدي علية صلاته وصيامــــــه * لا تقتليه بحَــقّ ديـــن محمـــد
لقد صارت المرأة العربية الشريفة أُغنية في قصيدة .. والقصيدة
أُغنية على أوتار المغنيات فكان أن تحولت عقلية العربي بفعل سحر شعر الغزل
الذي يسعر القلوب ويستفزُّ العقول ويستخفُّ الحليم ، من عشق الجواري إلى
التهافت على الحرائر ، شارك في هذه الصيرورة مغنيات حادقات، صار لهن مكانة
وموكب ودار ، أمثال جميلة وعزة الميلاء وسلاَّمة القس وقد كان تأثيرهن في الشعر
والشعراء واضحا جليا .
2- صورة المرأة المثال في شعر الغزل الحِسِّي
2-1- شبقية الشعر العربي بين الخفاء والتجلِّي
لقد كان من آثار العنصر الثابث للنعرة القبلية ،شُعور العنصر العربي
بتفوقه كما "أثر في رجعة الشعراء إلى البادية أو إلى الشعر الجاهلي، يستمدون
منه اللفظ والمضمون مما شكل منحى بارزا في مناحي شعر الغزل بنوعيه" (14).
فما هو سبب عودة شعراء العصر الأموي لأوصاف المرأة في العصر الجاهلي
بالرغم من السمة الحضرية التي أبرزت اختلافهم كعنصر متحول عن الشعراء البدو
الجاهليين؟.
إذا سلَّمنا بفرضية وجود المرأة المثال في المعتقدات الدينية
والأسطورية بالبيئة الجاهلية، فإن عودة شعراء الغزل الأموي إلى نحث نفس الصورة
للمرأة تثبت وجود صورة أقدم للمرأة هي المثال أو الأصل الذي احتداه كل
الشعراء، هذه المرأة الأيقونة، التي تضمَّنت كل الصفات الأنثوية المتحركة
بوجدان ومخيال الإنسان العربي ،وكانت عناصر الأنموذج كاملة يتجاذبه الحضور
والغياب الواقعي الشيء الذي جعل الشعراء، جاهليين وأمويين يحتدون الأصل
المفقود.
وقد أتت صورة المرأة في شعر عمر بن أبي ربيعة مماثلة لصورة
المرأة الجاهلية نظرا للتشابه في المحاسن المعتمدة على مغازلة المخيال
الذكوري من خلال مرجعية اللغة كنسق فحولي،"ومن هنا نستطيع أن نزعم أن
اليعْرُُبِي امتزج مع بعيره امتزاجا فاذَّاً بل إنه تماهى فيه حتَّى يمكن أن
يقال إن هناك عملة واحدة لها وجهان: وجه إنساني هو اليعربي وآخر حيواني هو
البعير "(15)، بينما نجد أن سحر المرأة الجاهلية والصورة التي رسمها الشعراء
لها تمثل الذوق العربي أصدق تمثيل ، تُجسد تلك الوحدة المشتركة للوجدان العربي
والتي تأكدت في الثوابث الفنية والتخيُّلية التي تنتظم بنية القصيدة العربية،
بنية حية للخلق الفني تُشكلها الوحدة النفسية والشعورية والتي جعلت من مقومات
الجمال خاصية مشتركة في شعر الغزل ف"كل حبيبة، صورة مثالية للمرأة العربية
التي لفتت الأنظار وسلبت الألباب ودخلت القلوب دون استئذان "(16).
هذا السحر عند خليل رفيق عطوي "يكمن في تكامل أوصافها، فالعيون نرجس
تفعل في المرء فعل الخمر والسهام، والحواجب قسيّ على الجبين الصبوح، والشعر ليل
يتدلى على المثنين فيحيط وجها كأنه الشمس أو القمر نورا يشعشع في الخدود
الوردية والثغر أقحوان واللَّمى خمر، والريق شهد والأسنان لؤلؤ"(17)، كل هذا
يدفع بالبحث إلى تأكيد الصورة المثال للمرأة العربية، فهوس العربي بثقل العجز
وامتلاء الساق يؤكد الرؤية الشبقية للشعر الجاهلي وما تلاه من شعر العصور
الاحقة، لهذا "فإن اليعاريب قد ابتدعوا ما يمكن أن نسميه (تناسخ الأجساد )
وخلاصته أن تغدو الإمرأة على هيئة الناقة في بعض أجزاء وعلى صورة الفَرْسَة أو
الحجر أو الفُريسة في سائر الأعضاء" (18) .
إن حضور النموذج السائد والمألوف والتعامل معه على مستوى المثال
استطاعت الذات العربية أن تستحضر جل الموضوعات الممثلة لهذا النموذج بما أن
الذات هي الضامنة لوحدة هذه الموضوعات "فإذا كان الشاعر العربي قد بلغ الذروة
في التخييل القصصي من خلال وصف الناقة وتصورها بقرة أو ثورا أو نعامة أو قطاة،
فإنه قد ظل ملتزما بهذا الاتجاه العام، مما يدل على ان وصف الناقة كان محكوما
بتقليد تخيلي ترسخ منذ الزمن " (19) .
فالشاعر يُحمِّل واقعه دلالات رمزية " فنراه يستعمل تلك النقلة
الأسلوبية المعروفة ليحث ناقته على السير بعدما يعدها ويهيئها ويختار لها من
النعوت والأوصاف ما يجعلها قادرة على الضرب في عرض الصحراء لتجتاز به هذا
العالم الذي يريد أن يخلفه وراء ظهره إلى عالم آخر يحلم به ويعمل له ...".(20)،
فالناقة الموجودة في القصيدة هي عامل موضوعي ينتقل بها الشاعر إلى عالم السيادة
والحرية والانتصار.
إن أنْوَقَة صورة المرأة الجاهلية لدى الأعرابي حقيقة وعتها المرأة
الأعرابية " فجهدت جهدها لتشكيل بدنها على مثال بدن الناقة في بعض وعلى رسم بدن
الفرسة في بعض الآخر"(21) .
فالعربي لا ينظر إلى امرأته إلا من خلال ملامح الناقة والفرسة
اللَّذَيْن يملأى عليه حياته وتشكيلات حواسه، وقد كان من الطبيعي أن يصبح
المقياس" الناقوي" هو المقياس الذي يقيس به الأعرابي المرأة.
فالعرب بهذا منذ الجاهلية حتى العصر الأموي، رسموا امرأة واحدة
للجمال الأنثوي المثالي، فلم تختلف أوصافها عند جميع الشعراء إلا في تفاصيل
صغيرة لم يكن حظ الاختلاف فيها واردا فيما يخص البدانة وعظم الردف والأوراك، "
فقد صور الشاعر الجاهلي حبيبته بدينة سمينة ضخمة الأوراك، عظيمة العجز، ذلك
لتأثره بالقيم الجاهلية التي كانت سائدة في عصره، فبدانة المرأة دليل على ترفها
وغناها و" أرستقراطيتها "وهذا، بدوره، دليل على أن الشاعر فارس شجاع في الوصول
إلى بنات الطبقة المُتميّزة في عصره " (22)
وكانت صورة المرأة بالشعر الجاهلي مقرونة بالبدانة التي تؤهلها
للقيام بوظيفة الأمومة والخصوبة الجنسية يقول نورمان بريل "إن الأعمال الفنية
اللافتة للنظر في تماثيل ما قبل التاريخ كانت تماثيل المرأة المصنوعة من الحجر
الجيري ، وتمثل امرأة بدينة في كل أعضائها لتمثل الخصوبة أو الأمومة " (23) .
واستمرت المراة صدى لتهويمات الشاعر الأموي، حين غلغل النظر في
جسدها وتمادى في التعبير عن ميله إلى هذا الجسد، بما فيه من إغراء وفتنة ألهبت
أنينه فكشفت ظنونه، فالمرأة عنده "سمينة، ضخمة العجيزة، ثقيلة الأرداف، وكان
ذلك من أسباب حقها في الوجود...لأن المرأة الرّسْحاء لا شهادة لها ولا حق في
الحياة..على ذمة عمر."(24)
فلو كانت نساء الأعراب رسحاوات لما احتاج الإسطير إلى هذا الكم
الهائل من المنع والتضييق على المرأة في لباسها وزينتها.
إن العين الليبيدية للشعر العربي كانت متحكمة في تشكيل التقطيعات
الجسدية لنحث صورة المرأة التي اكتملت فيها أوصاف الجمال "حتما لم تكن محبوبات
الشعراء كلهن على هذه الصورة التي تمت خطوطها وبلغت حد الكمال في الحسن،
وإنما أضاف إليها الشعراء أوصافا من متخيَّلهم. غير أنه من المستبعد أن تكون
كل هذه الأوصاف من صنع خيال الشاعر لا وجود لها في الواقع" (25).
لقد عبّر الشعر الجاهلي والأموي عن قمة ما أنتجته حضارة العين
باعتبارها أداة الاستقبال التي يجري التركيز عليها كمركزية ثقافية تُهمّش
الحواس الأخرى، حيث أصبح الجسد يستقبل العالم عبر حس واحد.
2-2- لوحة فنية شعرية لصورة المرأة المثال.
إن الوردة بأجزائها المكونة لها ، فالوردة جميلة بتناسق أجزائها
وتكوينها التشكيلي العام ، فعندما نريد صياغة كل المحاسن التي تغنى بها
الشعراء لتكوين الجسد "المثال" في جسم الوردة الواحد لا يمكن أن نحصل إلا على
تمثال لآلهة أنثى كما رسمتها الحضارات القديمة ، صورة ارتبطت بالمقدس واحتلت
تشبيهاتهم لترمز إلى المرأة المُؤلهة التي عُبدت في الماضي لِما تحققه من خصوبة
" هذا وقد رمز الجاهليون للمرأة بالأصنام فمنات واللات والعُزى كانت أصناما
لآلهة إناث كما رمزوا لها بالقَلُّوص والنخلة والسدرة والشجرة والنار والسحابة
والشمس "(26) .
ونظرا لوحدة وجمالية الوردة فقد حبّدت رسمها ابتدءا من الصدر
والنهد، الخصر ،البطن، الردف ثم الفخذ لينطبع في الأذهان التناسق الجسدي للصورة
الشعرية للمرأة مع تناسق الطول والقد.
" فعندما يستعصي العثور على معنى للكل، بإمكان المحلل أن يعود
للأجزاء، فقد لا يدل الكل إلا من خلال أجزائه، أو قد تختلف دلالة الكل عن دلالة
الأجزاء المكونة له، تلك حالة الجسد وتلك حالة دلالاته وأشكاله ومعانيه"(27).
الصدر والنهد:
وصف الشاعر العربي صدر المرأة فجعله مثيرا وفاتحا للكون الجنسي
وشهيا تتجاوز حدوده العالم الحسّي، فشبهوه بالرمانة في استدارته، وبحُق العاج
لصفائه وبياضه، وبالحمام وبالمرمر ،وبالثمار، وقد سمَّى بعضهم النهدين ثمارا
لنحور ، وسُميت المرأة بأسماء شكل نهديها، فالكاعب التي كان نهداها في أول
بروزهما، والناهد غيرا لكعوب من حيث كبرالنهدين، وقد جاء ذكر( الكواعب الأتراب)
بالقرآن الكريم.
أما الجمبل من الحلمات ما كان نافرا ورديا، تُسمّى نقطة العنبر،
يقول النابغة الذبياني:
والبطن ذو عُكَن خميص ُُُ طيّه * والصدر تنفجه بثدي مُقعد
الخــصـر:
أحب العرب من الخصور الضّامر والنحيل والناعم وهو الحزام الأنثوي
الذي يفصل بين عقل الاشتهاء واشتهاء العقل ، بين أعلى الجسد وبين ما أسفله
أعباؤه لا حصر لها،فهو بحمل صدرا بارزا و مكتنزا ونهدين يفيضان بالحلم
والشهوةـ، ومشدود بردفين عظيمين مستديرين يمنحان الناظرين عشق الحياة.
قال ابن الدمينة:
عقيليّة ،أما مَلاتُ إزارها * فدِعْصُ ،وأما خصرها فبتيلُ ُ
(دعص= قطعة مستديرة بتيل = ضامر)
وقال ابن الرومي:
وشربت كأس مدامة من كفها * مقرونة بمدامة من ثغرها
وتمايلت فضحكت من أردافها * عجبا ولكني بكيت لخصرها.
الـبـطن :
تولّه العرب واحتل وجدانهم الشعري السمين والممتلئ من جسد المرأة
فشبّهوا البطن وطيّاته بالأقمشة وبالأمواج المترقرقة، ثم ما لبث الذوق أن تحوّل
إلى محبّة البطن الضامر، قليل الارتفاع، ففي البطن مكمن أخاذ من مكامن الإثارة
والاشتهاء، إنه السُّرة، والواسعة منها رسمها بعض الشعراء وصفا بمُذهُنُ العاج،
إشارة إلى اتساعها وقالوا: إنها تسِع أوقِية من المسك.
قال بشر بن أبي خازم :
نبيلة موضِعِ الحِجلين خَود * وفي الكشحين والبطن اضمرارُ
وقال النابغة الذبياني :
والبطنُ ذو عُكَنٍ لطيف طيُّه * والنَّحر تنفُجُهُ بثَذيٍ مُقعدِ
وقال عنترة بن شدّاد :
وبطن كبطن السّابريّةِ ليِّن * أَقَبُّ لطيف ضامرُ الكشحِ مُدمَجُ
.
الـرّدف :
الرّدفان هما بُؤرة الشهوة عند العربي ، وأكثر ما تمتاز به المرأة
في المخيال العربي، وقد أحب العرب الأرداف الضخمة الممتلئة وكانت عندهم فُسحة
مُضيئة في خريطة الجمال والأنوثة والرغبة لديهم، وقد شبّهوا الردفين بكثيب
الرمل ، بالدعص ،وبالموج ، يقول النابغة الذبياني:
مخطوطة المتنين،غير مفاضة * ريَّا الروادف ، بضّة المتجرّد .
وقال ابن الدمينة:
عقيليّة ،أما مَلاتُ إزارها * فدِعْصُ ،وأما خصرها فبتيلُ ُ
ويقول جميل بثينة:
مخطوطة المتنين مُضمَرة الخَشا * ريَّا الروادف، خلقها ممكور.
ويقول عمر بن أبي ربيعة:
خَدَلَّجَة اذا انصرفت * رأيت وشاحها قلقا
وساقا تملأ الخُلخـــا * لَ فيه تراه مُختَنقا.
الـفـخذ :
أما الفخدان ، ففيهما الإغواء والإغراء والشهوة ، فهما تفضيان إلى
مكامن السحر والجمال ، ولذا كانت الفخذ الجميلة هي اللَّفاء المكتنزة ، تتناسق
مع عظم الردف وتدويره وقالوا إنه أنعم من الحرير وألين من الزبد، والساق المثال
عندهم هي الساق الرّيّا الممتلئة القوية .
وشبَّهوا الساقين بعمودين من المرمر .
يقول النابغة الذبياني:
سقط النضيف ولم تُرد إسقاطه * فتناولنه واتَّقَتنا ،بالــــيد
بمخضَّب رخص كأن بنانــــه * عنم على أغصانه لم يُعقد
ويقول امرئ القبس:
وكسح لطيف كالجديل مُخضَرّ * وساق كأُنبوب السقي المُذَلَّل.
الطول والقد :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت "لا يفوتَنَّكُم الطول
والبياض، فهما علامتا الجمال".
فالتشبيه لهذه الخاصية كان له حظ وافر من المعاني فشُبه بقضيب البان،
قضيب الخيزران ،والرمح وشبَّهوا المرأة الطويلة بتمثال في كنيسة.
يقول النابغة الذبياني :
أو دمية من المرمر، مرفوعة * بُنيت بآجُر ، يشاد بقَرمَد
ويقول عمر بن أبي ربيعة :
تمشي الهُوينا ، إذا مشت فُضُلا * وهي كمثل العسلوج في الشجر.
الأطـراف :
لقد حازت الأطراف اهتمام الشعراء باعتبارهما ركن من أركان الجاذبية
وعمود من أعمدة الشهوة ، فالنظرة الجشطالتية للعربي لجسد المرأة ترتكز على
ساقاها البضّتان ، وذراعاها الناعمان الأملسان .
لماذا حضي الساقان بذلك الاهتمام ؟ يرد خليل عبد الكريم ذلك إلى
أن" الأعرابي كان (ولا يزال) يعتبر الساقين الممتلئين الخَدَلَّجين شارة موثقة
وعلامة مؤكدة على أن المَرَة التي تملكهما تهب متعة مضاعفة ومن هنا ينطلق
التشديد على سترهما وتغطيتهما" (28).
وقد شبّهوا الساعد بصفيحة من فضة من شدّة البياض، أما الكف فله فعل
السحر في الجذب والفتنة ، وخاصة إذا أخفت بهما المرأة وجهها أو سترت بهما
مفاتنها إذا تجرّدت، أو إذا أشارت بهما للوداع، أو مدّتهما للسُقيا .
شبَّه الشعراء الأنامل بالعنم، وهو شجر ليّن الأغصان أحمر الثمر،
وبالعاج واللؤلؤ.
قال امرئ القيس :
سِباط البَنان والعرانين والقنا * لِطَافِ الخصور في تمام وإكمال.
وقال دو قلةُ المنبجّي :
امتد من أعضادها قصب * فَعم تلته مرافق دُردُ
والمعصمان فما يُرى لهما * من نعمة وبَضاضَة زندُ
ولها بنان لو أردت لـــــه * عقدا بكَفّكَ أمكنَ العَقدُ
الـحركـة :
لقد نظر العربي إلى هذه الأوصاف الجسدية في تناسقها وهي تشغل حيزا
في الفضاء فاعتبر حركة المرأة عنصرا من عناصر الفتنة والإغراء دلالها له
مغناطيس وجاذبية بخلاف السكون الذي يعطل الإثارة ويجمّد تضاريس الجسد ، وقد جاء
الشعر ناتئا بأوصاف تُمجد الحركة في الأنثى حيث وصفوها بغصن البان ، حقف
النّقا، المهاة ،مسير الغمامة ،خطو القطا والنعام .
يقول الأعشى:
غراء فرعاء مصقول عوارضها * تمشي الهُوينا ،كما يمشي الوَجيُ
الوَحلُ
أما عمر بن ابي ربيعة فقال في ذلك :
بيضا حسانا خرائدا قُطُفا * يمشين هونا كمشية البقر .
لقد تركتُ الوجه بما هو عاصمة الجسد وحبات الجمال فيه كما صوَّره
الشعر العربي بالمرأة المثال بكل من العصر الجاهلي والأموي إلى حين الحديث عن
الشعر العذري .
ونظرا لصعوبة تجميع هذه الخصائص الجسدية إلا في مخيلة شبقية وقد
عُرف عن الشعراء سعة التخيُّل والشطح في التوهُّم فإن " الصور التي يعرضها
الشعراء في قصائدهم ومعلقاتهم..الخ، محض خيال، مجرد وهم أو على الأقل هي
أماني عشّشت في أدمغتهم أو نماذج مثالية لم يجدها الشعراء في الواقع فأودعوها
أبياتهم " (29).
إن الصور التي كان يتلقاها المجتمع العربي كانت تدمجه بحماس في
الواقع الإنساني والانتقال به إلى عالم المتعة الجمالية وتشكيل عواطفه وصياغة
عالمه الذاتي ولهذا فإن الانفعال مع مزيج الخطوط والألوان، هو العاطفة السامية،
التي أثارها الشعر في الإنسان العربي ومازالت تلك الجينات الوراثية المعنوية
راسخة تُهيمن على ذوق العربي المعاصر الذي سكنت تصوراته عن المرأة في القواميس
والمعاجم فأصبح كل مايهمه " وما أهمه هو الجسد الأنثوي وإن شئت الدقة شطره
الأسفل أما باقي آفاقها، النفسية والمعنوية والأدبية والروحية...فهو خارج حدود
حُسبانه وبعيد عن اهتمامه وقصِيّ عن تفكيره..."(30)
- ما هي خصائص الصورة الشعرية للمرأة لدى عمر بن أبي ربيعة؟
3- طبيعة الصورة النرجسية في شعر عمر بن أبي ربيعة.
لقد بعث عمر بن أبي ربيعة صورا شعرية حية للمرأة العربية رغم الفرق
الشاسع بين صور البداوة للشعر الجاهلي الذي استلهم منه صوره، وصور الحاضرة التي
اختلطت بجمال المرأة الرومية والفارسية والهندية، الشيء الذي يؤكد لنا أن شعره
كان إعلانا في اتجاه واحد، إبراز محاسن محصنات العرب واعتبار شعره صناعة مقصودة
لدغدغة عواطف المستمع العربي واستدعاء أسماعه وجعله يعمل حقيقة على تحرير
المرأة من "عقالها"رغم اقتناعه المبدئي بحريتها، "والواقع أن المرأة في هذا
الشعر الحضري لم تتحرر من عقدة الرجل نفسه فنراها في شعره حبيبة طاهرة الود،
صادقة العهد حينا، وغادرة لا تصون عهدا ولا ترعى أمانة الغياب حينا آخر" (31)،
ومن مظاهر عدم أمانتها مساهمة عمر بن أبي ربيعة في تجديد الصورة العامة للغزل
حيث تحولت المرأة في شعره إلى عاشقة تتهافت على لقياه حيث أصبحت شخصيته في عالم
الحرائر موضوعا للغزل في شعره بينما السائد هو كون المرأة هي المعشوقة.
وقد كان تميُّز غزليات عمر بن أبي ربيعة عن باقي الغزليين هو ما
أسْمَيْتُه "غزل المرآة" وهو شعر تحوّل فيه الشاعر إلى موضوع ومن عاشق إلى
معشوق فهو المطلوب من النساء والمعرِض عنهن بدلاله " وقد فَتَنَ عمر النساء
وتيّمهن فأخذن يطرينه ويتهالكن علية حتّى فُتِن بنفسه، فلم يتغن ّبحبِّه إيّاهن
كما تغنّى بِحُبِّهنّ إيّاه " (32)،حيث قال:
قالت لتِرْب لها تحدِّثها * انفسدنَّ الطواف في عمر
قومي تَصًدَّيْ له ليعرفنا * ثم اغمزيه يا أخت في خَفَرٍ
قالت لها : قد غمزته فأبى * ثم اسبطرَّت تسعى على أثري.
( اسبطرت = أسرعت)
كما قال أيضا:
أرسلتْ هندُ ُ إلينا رسولا * عاتبا: أنْ ما لنا لا نراكا؟
فيم قد أجمعت عنا صدودا؟* أأردت الصرم :أم ما عداكا؟
إن كنت حاولت َغيضي بهجري * فلقد أدركتَ ما قد كفاكا
قلتُ : مهما تجدى بي، فإني * أظهر الودّ لكم فوق ذاكا.
إنه لا يتحدث عن حبه، إن نرجسيته تظهر في كونه يفخر بنفسه ويشيد
بجماله ويصور إعجاب النساء به وقد يشاركه في تلك الطفرة النرجسية ما قاله جميل
بن معمر في نفسه على لسان صاحبته.
إنّي، عشيّة رُحتُ،وهي حزينة * تشكو اليَّ صبابة، لصبورُ
وتقول : بِتْ عندي،فديتك،ليلة * أشكوإليك،فإن ذاك يسير
3-1- استمرار حضور الدنجوانية في وجدان الشعر الأموي.
- هل استمرت الدنجوانية الشعرية (خيالا ولغة) في شعر عمر بن
أبي ربيعة بعد الدنجوانية العبثية لإمرئ القيس؟(33)
لقد نهج عمر بن أبي ربيعة منهج امرئ القيس إجمالا فانسابت في شعره
نفس العبثية التي صاغ فيها نفس البناء القصصي ونفس النهل من المعجم البلاغي
والاصطلاحي له و التي نسجها " في انسلاله إلى خِدر الحبيبة دون أن تمنعه عين
كاشح واشٍ من الوصول إليه ، بُغية إقامة ليلة ، ثم ينسل كالحباب مع خيوط الفجر
الأولى،وما أحد من الناس يعرف ...ولكن إذا كان امرئ القيس ملكا ضليلا فقدَ
عرشه، فإن عمر قد انتصر له بعد زمان، فحافظ على العرش وتزيّا بزيِّه، دون أن
يتربع عليه، لأن دورا آخر مع المرأة ينتظره" (34).
فهذا عمر بن أبي ربيعة دخل خِدر "نعم" في ثوب امرئ القيس حين دخل
خِدر "عنيزة" وحين حمله الشوق إليها، فانساب بين الخيام انسيابَ الحُباب حتى
أدركها فتولَّهت ثم لانت، فهدّأ من روعها.
قال عمر بن أبي ربيعة:
وخفض مني الصوت أقبلت مشية * الحُباب وشخصي خِشية الحي أَزوَرُ
فحَيَّيتُ إذ فاجأتها فتولَّهـــــــــــت * وكادت بمكنون التحية
تُجــــهــــــــر
وقالت وعضَّت بالبنان فضحتني * وأنت امرؤ ميسور أمرِكَ
أعسَـــــــرُ
إن هذه الأبيات تنسجم كليا مع ما جاء به امرئ القيس في معلقته حيث
قال :
سموت إليها بعد ما نام أهلها * سُمُوَّ حُباب الماء حالاً على
حالِ
فقالت سَباكَ الله إنَّكَ فاضِحي *ألست ترى السُمَّار والناس
أحوالي.
وقد تجسدت هذه الدنجوانية في قرب الشاعر من معشوقته وملامسة جسدها
كذات وبذلك يتحطم التمثال ويجري نبذ المعشوقة للبحث عن تمثال آخر لا زال لم
يتحوّل إلى واقع حي عند الشاعر.
2-3- الشعر العربي بين رقة الإحساس وخشونة اللغة.
إن التشبيه ملاك الغزل فهو المرتكز الأول للعمل الفنِّي وقد عاش
الشاعر العربي ثُنائية الرقة /الخشونة في حياته الأدبية، فالرقة تعبير عن
الحياة الداخلية التي يبدو فيها الإحساس جليّا وخشونة الحياة الخارجية التي
تبدو في الصور التي تعكس ذاك الإحساس الرهيف .
فإذا كان من طبيعة شاعر الغزل الرقة فإن حياة الخشونة والقسوة لم
تُسعفه في صياغة هذه الرقة في صور مماثلة لاحساساته.
وقد نأتي لوصف العينان بالشعر الأموي والجاهلي فنجد أن أجمل ما
استقاه التخيُّل الشعري حول العيون، ما كانت واسعة وتُسمّى النجلاء والسوداء
الحدقة وتسمى الكحلاء ، وذات البياض الشديد والسواد الشديد ، وتسمى الحوراء
وذات الأهداب الطويلة الكثة وتسمى الوطفاء ..وقد أسهب العرب في وصف العيون،
فشبَّهوها بعيون المَها، وعيون البقر.
قال عمر بن أبي ربيعة:
لها من الريم عيناه ولفتَتُهُ * ونجوةُ السَّابق المختال إذ صهلا
.
أما امرئ القيس فإحساسه الرهيف بكل ما في نظرة المحبوبة من عطف
وحنان قد أثَّر في وِجدانه الشعري بالاستجابة والتفاعل من تذوق الجمال وسُمو
الرُّؤية الحسِّية، " لكننا حين ننشد التعبير عن هذه العين الجميلة الواسعة ،
وهذه النظرة العميقة النافذة، وهذا الحنان الذي يشع منها والعطف الذي يفيض عنها
لا نجد عند الشاعر غير نظرة بقرة وحشية مُطْفِل من وحش وجرة " (35) ويعود عمر
بن أبي ربيعة للتعبير بالصورة الخارجية الجافة عن طراوة العاطفة الداخلية في
وصف مشية المرأة .
بيضا حِسانا خرائدا قُطُفاً * يمشين هَوْناً كمشية البقر .
وفي وصف امرئ القيس لطول أصابع صاحبته وجمال تكوينها ونعومتها
وطراوتها حيث" وقف يتأملها، وتمثلت له تعبث في عالمه النفسي وتستثير مشاعره
تضغطها أو تفرج عنها، بهذه الأصابع، كيف تشاء...فلمّا جاء يعبر عن ذلك كله كان
كل ما وجد حوله أساريع ظبي أو مساويك إسحل"(36) .
ولم يستطيع العربي التخلص من الحياة التي لم تنفصل عن وجدانه ولم
تفارق نفسيته وذاكرته تلك الممارسات العنيفة في غزواته أو في ميدان القتال ومن
هنا جاءت تلك الصفات الخشنة التي ألفها وسيطرت على علاقته بالمرأة عندما يختلي
بها وهي صفاة وأفعال وأسماء حددت قاموس علاقته مع المرأة وقد اتسمت بالخشونة
والعنف والعدوانية وهي " بالنسبة إليهم أفعال معتادة يمارسونها بمنتهى السهولة
بصفة دورية منتظمة أي أنها معلم طبيعي من معالم معيشتهم وليست استثنائية أو
شادة أو فاذة"(37).
4- صورة المرأة المثال في شعر الغزل العذري.
لقد أدرك الإسلام العالم العذري ونظم علاقة الرجل بالمرأة بما هي
ثمرة من ثمار العفة، وقد يكون الحرمان من الدوافع الجوهرية لقيام العذرية التي
تتشكل تعاليمها من الحديث عن الحبيبة والذي لا ينفصل عن الفهم العميق للطرف
الآخر عاطفة وطباعا نظرا لتما هي العذري وحبيبته في روح واحدة .
فبما أن الشاعر هو غيتارة نفسه وصدى لقبيلته نجد أن الشاعر العربي
عندما عبَّر عن مكنونات وخوالج القبيلة كان ضميرا لها يعكس أزماتها ورغباتها ،
ولما كان قيثارة نفسه نجد في شعره تعففا " وهذا الغزل العفيف الذي هو في حقيقة
الأمر مرآة صادقة لطموح هذه البادية إلى المثل الأعلى في الحب من جهة ولبراءتها
من ألوان الفساد التي كانت تغمر أهل مكة والمدينة من جهة أخرى " (38).
فالحب العذري يحتاج إلى شروط نشأة وتطور منها:مساهمة القبيلة في
إقصاء الجسد الأنثوي والحيلولة دون منحه صيغته الطبيعية للتفاعل والتحقُّق،
فهذا المنع والتعطيل لفاعلية علاقة العشق وتحققها عبر المسلك الطبيعي، الزواج،
هو الذي يجعل اللغة تأخذ دور الفاعلية التعويضية وتستعير لتقوم بتفجير المعجم
وتوليد الخيال.
- ما هي دلالة ترعرع الغزل "الإباحي" بحاضرة الحجاز وانتشار العذري
منه بباديتها؟
- هل هناك علاقة جدلية بين الإسلام وعذرية الشعر الأموي ؟
4-1- جدلية العلاقة بين الإسلام والعذرية الأدبية وسياسة الدولة.
لقد سيطرت الأعراف والتقاليد على حيوية المجتمع الأموي فسقطت حقوق
المرأة في حرية الحب واختيار الزوج وإبداء الرأي دون أن يشارك الشاعر حبيبته من
الخلاص بل أصبح يشترك في غالب الأحيان في اشتداد وثاقها حينما يصور ملامحها
الجسدية والنفسية في شعره فتنكشف هويتها لأهلها ليستحكم العرف قويا بمنعه من
التزوج بها،وقد عبّر مجنون ليلى عن لاعقلانية هذا الحرمان بقوله:
أليس من البلوى التي لا شوى لها * بأن زُوِّجت كلبا وما بُذِلَتْ
لِيا.
لقد اتخذ هذا البوح معنى المس بعفة القبيلة وشرفها في توجهه إلى
امرأة واحدة " في مجتمع لم يكن قد تحلل من نزعات البداوة وخصوصا نزعة الاعتقاد
بأن المرأة دون الرجل ومُجلبة للعار، فأحاطها بسوار من الأوهام لا ينبغي لها
تجاوزه، ولذلك منعوها من الحب...وبالتالي، أسقطوا من عالمها حب الرجل لها،
وبثِّه إيّاها نجواه وشكواه، لأن في ذلك استباحة تُقلق القبيلة كلها، وتنال من
كبريائها" (39).
أمّا بخصوص ما تشكله العلاقة ما بين المدرسة العذرية وسياسة الحكم،
فإن ذيوع التوجه العذري في الشعر يعتبر توجها معاديا لتخطيطها وقد أدركت السلطة
أنداك البعد الاجتماعي والسياسي لشعر العذريين وهي التي كانت تشجع على المجون
والانغماس في كل ما من شأنه وضع التيه أمام أصحاب الحق الشرعي في الحكم، من ذلك
نفهم تصدّي الدولة لهذا الشعر وليس صدفة أن يهدُر والي المدينة دم جميل بُثينة
العاشق المكتفي بامرأة واحدة، وأن يترك عمر بن أبي ربيعة يتعرض حتّى لنساء
الأشراف في الحج وحول المقدسات الإسلامية.
ويمكن أن نُجيز بدفع شكوى أهل المُشَبَّب بها إلى الوالي بجميل
بثينة بما أن "الشاعر العذري قد شبّب بحبيبته، وباح بسرها فافتضح أمرها وشاع
خبرها، لأنه تشبيب بواحدة لها أهل وربع "(40).
وقد كان الحرمان هو القاسم المشترك بين العذريين بما أن النسيب
ببنات القبيلة يعتبر مسّا بحرمة وكرامة القبيلة، من ذلك كانت العفة كبت وحرمان
تفجَّر قولا شعريا نائحا آملا في القرب والوصال.وقد نتساءل مع الناقد رفيق عطوي
" هل العشق ضروري للنسيب ؟ أم أن النسيب عمل فنِّي يعبر به الشاعر عمّا يجول في
نفسه وحسب، مستعينا بما يحيط به؟" (41).
وقد أضيف تساؤلا آخر لا يقل مشاكسة، هل يعتبر التشبيب بالحبيبة
ضروريا للعشق؟
4-2- الخصائص الجسدية والنفسية بالمدرسة العذرية.
عندما نسائل الخصائص الجسدية والنفسية للمرأة بشعر هذه المدرسة،
نجد أنها أقرب إلى تقليد الصورة القديمة منها إلى التجديد والإبداع "وإن كان
الجديد في وقوفها عند الملامح الجسدية، حيث برزت حقيقة الحرمان، فإذا هو رغبة
في متعة الأرداف والعجيزة والمتن والريق والثغر الندي " (42).
وقد أنتجت هذه المدرسة من الشعراء، جميل بن معمر (جميل بثينة)، كثير
عزة، قيس ولبنى ،مجنون ليلى ،عروة بن خزام وعفراء العذرية.
وقد عبَّر الشعر العذري عن الملامح الجسدية والحسية للمرأة و نسج
صورة يمكن أن نصفها بالصورة المثال،التي رقق الإسلام من آفاقها حتى أصبحت
شفافة، كحورية تجسدت أوصافها وترسّخت عبر الديانة الإسلامية ..فللمرأة عند
العذريين قامة كالرمح اعتدالا وخصر ضامر وجلد رقيق وثغر ندي، وريق عذب، وأسنان
عذبة، مفلَّجة ذات أشر، وجيد ظبية، والعين عين جُؤدر والمُقلة كحلاء نجلاء
والصدر كتلة من فضة وخد مليح فضلا عن طيب رائحة يستهوي عناقها.
وقد جاءت المرأة في الشعر العذري ذات ملامح حقيقية، فقد وصفها
الشاعر وهو ينظر في عينيها ووجهها حيث خلاصة البراءة والعفة والجمال الروحي
والمعنوي، ولم يكن يحيد عن وجهها لينتقل لباقي جسدها بالتفرس والتَّملي حتى تقف
علية عين الرقيب التي لا تغفل وقد أقامتها القبيلة لحراسة نسائها.
لقد تطرق الناقد عبد القادر القط بعدما تخلص من الموقف النفسي
والفكري السابق إلى وضع شعر عمر بن أبي ربيعة في موضع جديد يتجاوز النزعة
الحسية لشعره على اعتبار " إن غاية الشاعر الأولى كانت غاية فنية، يقصد بها أن
يفلح في رواية تلك الحركة المادية والنفسية للزائر العاشق..ولم يكن همّ الشاعر
أن يصف متعه أو يتحدث عن شهواته أو يصف محاسن صاحبته وصفا تفصيليا "حسيا" يمكن
من أجله أن تطلق عليه هذه الصفة." (43)
وقد اعتبر الإشارات الغرامية في رائية عمر بن أبي ربيعة
المشهورة(أمن آل نعم أنت غاد "مبكر") أبعد ما تكون عن "الحسية" بمعناها المعروف
في الأدب والفن " فالقصيدة تنتهي في اغلب الأحيان بالإشارة إلى متعة حسية يسيرة
لا تتناسب مع الجهد الذي صوره الشاعر قبل اللقاء، وكأنما هدف الشاعر أن يصوّر
هذا الجهد وذلك الاحتيال للقاء بكل ما يحملان من لحظات نفسية، فإذا انتهى إلى
اللقاء كان الحديث عنه مجرد الإشارة أو الرمز"(44).
ولإكمال صورة المرأة في الشعر الأموي الذي اعتبرناه استمرارا لنفس
الصورة التي حاكها خيال الشعر الجاهلي، سنتطرق إلى أوصاف الوجه بما هو النسق
الثقافي الذي نهل منه شعراء الغزل العفيف بدءا بالتطرق للجبين والجبهة، العينين
والحاجب، الأنف والفم والثغر والأسنان.
الجبين والجبهة :
لقد أحب العرب الجبهة مسترسلة عريضة، واسعة من دون إفراط، فإذا زاد
اتِّساعها أصبحت غير مطلوبة.
قال النابغة الذبياني:
قامت تتراءى بين سِجْفَيْ كِلَّةٍ * كالشمس يومَ طلوعها
بالأُسْعُدِ.
العينان:
إن العين تفيض بأنقى الإحساسات يتجمع فيها كل خصائص النفس البشرية،
ففيها الحب حيث يعبر الإنسان بها دون لغة، فالعين تعكس المرح والابتسامة كما
أنها تحتضن الدمعة والأحزان.
وأجمل العيون عند العرب ما كانت واسعة تشمل الناظر إليها بازدواجية
التفاعل معها قد تُفيق المُخمر من نشوة المدام وقد تجعل الصاحي مُتيّما بدون
خمر .
قال ذو الرمة:
وعينان قال الله كونا فكانتا * فعولان بالألباب ما تفعل الخمرُ
وقال النابغة الذبياني:
نظرَتْ إليك بحاجةٍ لم تقضِها * نظَرَ المريضِ الى وجوهِ
العُوَّدِ
وقال عمر بن أبي ربيعة :
لها من الريم عيناه ولفْـتَـَتُهُ * ونجوةُ السَّابق المختال إذ
صهلا .
وقال أبو فراس :
وبيض بألحان العيون كأنما * هززن سيوفا واستللن خناجرا
تصدّين لي يوما بمنعرج * فغادرن قلبي بالتصبُّر غادرا.
وقال بشار بن برد:
إن العيون التي في طرفها حور * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصر عن ذا اللب حي لا حراك * وهن أضعف خلق الله إنسانا.
الأنـف:
إنه قصر لعاصمة الجسد وعنوان لأعراسه وهتافات اللذة به، يُجَمِّلُ
إذا جَمُلَ ، ويقبِّح إذا قَبُح ، وأجمل الأنوف عند العرب الأشمُّ ، وقد وصف
العرب المرأة التي تحمل الأنف القصير ، الصغير الأرنبة، والمستوي القصبة
بالزلفاء قال حازم القرطبّي:
ومارن أشمُّ قد تنزَّهت * أوصافه عن خَنَسٍ وعن قَـنَا.
الثغـر، الأسنان والابتسامة:
إن الثغر ينبوع المتعة حيث تمتزج النفسان المحبتان حين تتلامس
الشفاه، التلامس الذي يشكل المثل الأعلى لوظيفة اللمس بما أن القبلة هي رسول
الحب بين المحبين.
قال عمر بن أبي ربيعة:
كأن فاها إذا ما جئت طارقها * خمرُ ُ بِبَيْسانَ أو ما عَتَّقَتْ
جَدَرُ.
وقال عنترة بن شداد:
وبين ثناياها إذا ما تَبَسَّمَتْ * مُديرُ مُدامٍ يمْزِجُ الراحَ
بالشَّهْدِ.
وقد شبّه العرب الأسنان بالأقحوان والنّدى والبَرَدِ، كما أحبوها
محزّزة ومفرَّقة بما هي دالة على صغر السن.
قال طرفة بن العبد في ذلك:
بادِن تجلو إذا ما ابتسمت * عن شَتيتٍ كأقاحي الرّمل غُرَّ
هذه الابتسامة التي جاءت عند طرفة بن العبد تعتبر سر من أسرار
الجمال، وسرّ تأخذ المرأة بتلابيبه تعطيه من تشاء فيتولَّهُ و يُغرم وتحرمه من
تشاء فيموت المحروم كمدا وقهرا.
قال طرفة بن العبد:
وإذا تضحك تُبدي حَبَبا * كرُضاب المسك بالماء الخَصِرْ (45) .
وقال ذو الرمة :
أسيلة مجرى الدَّمع هيفاء طَفُلَة * رَداحًًُ ُ كإيماضِ البُروقِ
ابتسامُها
كأن على فيها وما ذُقتُ طعمه * زُجاجة خمرٍ ضاق عنها مُدامـــُها.
وقال نزار قباني:
وصاحبتي إذا ضحكت
يسيل الليل موسيقا (...)
تفنن حين تطلقها
كحُقِّ الورد تنسيقا(...)
أيا ذات الفم الذّهبي
رُشِّي الليل... موسيقا.
هكذا فإذا كان العضو الواحد عند الشعراء قد تلقى سلسلة من التسميات
فالدكتور سعيد بنگراد قد أرجع ذلك " إلى النمذجة الثقافية المسبقة التي تثبت
العضو ضمن دوائر متعددة: دائرة الوظيفة ودائرة النسق الثقافي الجمالي ودائرة
الفعل الغريزي"(46)، فالتسمية يعتبرها النقد السيميولوجي تمييز،" ولكنها تعد
أيضا إفرازا لردود الفعل النفسية والغريزية عند الآخر"(47).
5- طبيعة صورة المرأة في شعر جميل بن معمر.
- ماهي الملامح الجسدية والنفسية بالمدرسة العذرية لجميل بن معمر؟
إن الشاعر العذري يتجه إلى نفسه لينقل إحساسه عبر الكلمات التي
تنساب في وجدانه الشعري رقراقة صافية.
هذا الوجدان المُنسحق الذي فاض على كيانه النفسي يجعل الشاعر العذري
يُعطي معشوقته القدرة على الانفلات من الزمن بدوام الشباب وخلوده، كما قال
جميل:
تقــــــول بثينة لمـــــّا رأت * فنونــا من الشّعر الأحمر
كبرتَ جميل وأودىَ الشّبابُ * فقلت : بثينُ ألا فاقصري
أتنسيْن أيّــــــامنا باللـــــوى * وأيّامنا بذوي الأجفـــري
وإذ لمّتي كجنــــاح الغراب * تطلي بالمســــك والعنبر
قريبان مربّعُـــنا واحـــــــدُ ُ * فكيف كبُرْتُ ولم تكبُري
بعدما أخلد جميل جسد حبيبته، تطرق لتماهي روحه بروحها قبل ولادتها
ويُؤكد أنّ حبَّهُ بعد الموت هو حبّ غير منقوص العهد، فأعطى لحُبِّه تجرده
الكامل من الشهوة الحيوانية فهو بذلك يُمنِّ نفسه من وجهة النظر الإسلامية
بِبُثينة الحورية تُشكِّل تقواه وورعه المقاييس المُثلى للتحقق في قوله:
تعلّق روحي روحها قبل خلقها * ومن بعدها كُنّا نِطافا وفي المهد
فزاد كما زِدْنا فأصبح ناميـــــا * وليس إذا مِتْنا
بِمُنْتَقِصِ العهـــد
ولكنه باقٍ على كلِّ حــــالـــــةٍ * وزائرُنا في ظُلمَةِ القبر
واللحد.
إن صورة المرأة المثال بالشعر الأموي العذري عميقة الجذور بمخيال
الشعر العربي منذ الجاهلية " وتبلغ الصورة الرمزية ذروتها في تشبيه المرأة
المثال، فيتأكد بذلك أن تلك الصورة ليست محاكاة لصورة امرأة واقعية، وإنّما هي
إبداع لمثال فنّي يتجاوز به الشاعر الواقع، ويصل به إلى العبادة، فالمرأة
التمثال عمل فنّي يسمو على الزمن، فهي رمز الجمال الخالد الذي لا يدوي والشباب
الأبدي الذي لا يزول ...وترتفع صورة التمثال برمز المرأة إلى آفاق دينية سامية،
فتغدو معبودة تُنقش لها التماثيل، وتخلد بها إلهة للحب والجمال والحياة، ورمزا
للكمال" (48).
5-1- العذريون وتقليدية الشعرالعربي.
عزا الناقد رفيق عطوي العودة إلى الشعر الجاهلي واستلهام الاصالة
منه إلى الاختلاط بالأعاجم الذي أثر على اللغة العربية من حيث العجمة واللحن
فنقل الشاعر الأموي صوره الغزلية من الماضي تارة بإضافة مساحيق لإخفاء
معالمها وتارة بالإبداع على منوالها، بينما عزا عبد الله الغدّامي إلى كون ّ
العصر الجاهلي قد شهد ميلاد النسق الثقافي الفحولي الذي تمت العودة إليه وتمثله
مع مطلع العصر الأموي" (49)
وقد جاءت صورة المرأة عند الشعراء العذريين تقليدية تمتح من العناصر
الفنية لصورة المرأة في الجاهلية فلم يخرج ذي الرمّة وهو الناسك في محراب الحب
المسبِّح بآياته في وصفه لصاحبته "ميّ" عن الصورة التي كانت تسكن مخيلة امرئ
القيس " فاطمة" والنابغة الذبياني "نعم "وطرفة بن العبد " خولة " فلما شبّه
الاقدمون المرأة بالظبية لم يخرج ذي الرمة من نسق هذا التصور وإن كان قد أضاف
إليها أضواء جديدة من شعاع الضحى فبدت صورتها أحلى وعشقها أمتن، قال في ذلك :
برّاقة الجيد واللبات واضحة * كأنها ظبية أفضى بها كَبَبُ.
نلاحظ أن الروح السامية في هذا الشعر تُنبئ عن تطور نوعي فيما
أسميناه بحضارة العين لدى العربي ، لقد تعددت زوايا النظر فتلطف الإحساس ولان
الحوار الداخلي للشاعر فتهذبت معانيه النفسية وارتقى نظامه الذهني وفاضت على
اللغة العربية التي عجزت عن الإحاطة بتلك المعاني فكان من شاعر العصر الأموي
إلا أن أعاد تكرا ر نفس أساليب إحداث الرغبة لدى المتلقي ولم يفتح الخطاب
اللغوي آفاقا إبداعية جديدة فكان عجز المعجم عن نقل تلك الأحاسيس الجياشة
المترعة بالوله والشوق.
5-2- المرأة المثال في مضمار الفحولة الشعرية العربية.
إن صورة المرأة المثال في وجدان العربي شعريا قد حملها النسق
الثقافي المفتوح على الاستفحال اللغوي المترسخ إلى استكناه صورة النسق
المُهيمن، فصورة المرأة المثال قد انغرست في الوجدان العام الثقافي العربي
وخلقت لدى الوعي الشعري عدم إمكانية خروجه عن أنموذج الفحولة الشعرية التي
استغلتها حرائر الحجاز في استنهاض الفَحْلِيَّة العربية، إذا صح التعبير، لدفع
العربي المتهالك على الجوارى لحماية شرفه وبقاء نوعه، وقد نجحن في إعادة تسويق
الفحولة عبر شعر عمر بن ابي ربيعة إذ كان الشاعر هو الأصل في اختزال الوعي
العام والمسؤول عن استشراء المخيال العام للقبيلة، لإحداث تلك الرغبة في عودة
الحجازي إلى نسقه الثقافي الأصلي وذلك بعودة عمر إلى الجزيرة البلاغية الجاهلية
بما هي أرضية التصورات المثالية حول المرأة وبما أن هذه التصورات لم تكن حاضرة
فقط في اللغة بل كانت متجدرة بالقيم كمنظومة أخلاقية تسكن الذاكرة الذهنية
والسلوكية للذات العربية.
" فليس في طبع الثقافة الذكورية أن تتحمل أو تقبل (واقعية) الجسد
المؤنث،ومن الضروري لهذه الثقافة أن يكون التأنيث قصيا ووهميا لكي تظل الأنوثة
(مجازا) ومادة للخيال،في هذه الحالة-فقط- تكون الأنوثة جذابة ومطلوبة في
المخيال الثقافي ،وتنتهي جاذبيتها بمجرد تحوّلها إلى واقع محسوس".(50)
إن اندفاعية شعر عمر نحو الإباحي قد ساهم في تشكيله نواة النسق
الفحولي التي تزكي الشرط الفحولي باحتوائه على عناصر ومقومات استدراج الرغبة
الليبيدية كقانون فحولي لاستمرار سوق القيم الشعرية .
فقانون الفحولة الشعرية المُنبني على الرغبة والرهبة قد جعل الحرائر
يختر عن شخصيتين :
- شخصية عمر المشبِّب بهن وبنفسه لتشكيل الرهبة عند العربي من فجور
المحصنات.
وشخصية مضمرة لمن ستُعيده الرغبة بالعلاقة مع الرهبة إلى العودة إلى
العشق الأصلي بما يتجدر لدى الوعي العام العربي من خصوبة وكمال الصفات لدى أصل
النسق الثقافي تلك العودة التي وإن أثنت العربي عن الاستمرار في شبقيته
وأزهدته في تهتك الجواري ، كانت هي التحول الثقافي الذي صنع شعراء النسق كما
رسّخ الأعراف الجاهلية الشعرية والقيمية لدى جميع عصور الشعر العربي.
الخاتمة:
هناك آفاق تصورية ومنهجية لدراسة الشعر العربي في تاريخيته ، لقد
تمت مقاربتنا لهذا الشعر من تجاوز الواقع اليومي المعيش إلى بناء الفعل
التخيّلي ،ومن الاعتماد على الحضور التاريخي لإحاطة القراءة بضرورة التعبير عن
الرمزي المنغرس في الطقوس حيث سيطرة الانفعال بالعالم المرئي وتشكيله كانطباع
عبر الصورة الشعرية .
فهل استطاعت اللغة أن تنقل حقيقة ما أحسّه العربي من أحاسيس جيّاشة
بداخله اتجاه الأنثى التي عشقها؟
إن الشاعر العربي كان يقرض الشعر مأخوذا بسحر المرأة"المثال" إذ أن
ميكانيزمات اللغة الشعرية لا تبين عن سلطتها إلا إذا باينت وتخلّصت من ثقل
الواقع على شحناتها العاطفية.
إن شعراء العصر الأموي قد استوحوا لغة امرئ القيس وتشبيهاته وصوره
وقيمه الجمالية واستخدموا عباراته وألفاظه بعينها فهذا الوصف لا يمت إلى اتجاه
حسّي ولا يصدر عن تجربة واقعية، وبذاك وجب انتفاء عناصر التمييز والتفارُق بين
العصرين على المستوى المتخيّل الفنّي .
فالذوق العام الشعري في قطار الشعر العربي عبّر عن تجليات متشابهة
من العصر الجاهلي حتّى الشعر الحديث الشيء الذي يدفعنا للقول بأن زمن القصيدة
العربية لم تكن يوما ما ناشزا من فضاء الذاكرة العربية، ذاكرة امرئ القيس، عمر
بن أبي ربيعة، بدر شاكر السياب، أمل دنقل، أدونيس ونزار قباني عميد الاستفحال
الشعري لكل الأزمنة...
ولم تكن المرأة كموضوع وذات بالقصيدة العربية في يوم من الأيام
هاربة من بيت الطاعة، ولم تكن دهشة الوعي العربي من اختلاف صورتها الشعرية
والواقعية دافعا لرصد الاختلاف في الإحساس العربي والإيحاء الذي تُضفيه اللغة
على الإحساس الشعري.
- لماذا كان الشعر ديوانا للعرب؟ تساؤل يُلخص جوابه كل تاريخ
القصيدة العربية في صراعها مع القوافي.
فلما يوصف الكلام الشعري كهجاء وفخر ومدح يعيد الشعر إنتاج سلطة
البلاطات وأُمرائها، ولما يعبّر عن الوجدان العربي في تجلياته تتحول القصيدة
إلى كائن شفاف يعيد صياغة الأسئلة، لمن هذا الشعر؟ وما هي حدود علاقاته مع
الآخر،متلقّي ومتلقية؟ وهل تكفي كيمياء الأحاسيس للقول باستمرار القريض الشعري
حاضرا في جل العصور الأدبية؟
كيف انتشت اللغة بقدرتها على التعبير عن نفس تلك الاحاساسات ؟ وما
مدى محدوديتها لمّا استعملها امرئ القيس ومزجها عمر بن أبي ربيعة بكيانه
ووجدانه وأنطقها جميل بن معمر من فيض روحه ؟ مستلهمين جميعهم المرجعية
الأسطورية والدينية في رسم الصورة المثالية الحاضرة دوما وأبدا في المخيال
العربي.
هوامش الدراسة
1- د. رفيق خليل عطوي ،"صورة المرأة في شعر الغزل الأموي"، دار
العلم للملايين بيروت لبنان ، الطبعة الأولى ، أكتوبر سنة 1986، ص:7
2- نفس المرجع السابق ص:40
3- نفس المرجع السابق ص:28
4- نفس المرجع السابق ص: 28
5- نجيب محمد البهبيتي "تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن
الثالث الهجري " دار الثقافة ،الدار البيضاء سنة 1982 الصفحة:129
6- د.رفيق خليل عطوي ص:11
7- د.رفيق خليل عطوي ، نفس المرجع السابق الصفحة :52
8- نفس المرجع السابق ص:11.
9- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ص:54.
10- د.محمد طه الحاجري ، في تاريخ النقد والمذاهب الأدبية ،دار
النهضة العربية، بيروت 1982،الصفحة :70.
11- نفس المرجع السابق ص:148.
12- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ص:12.
13- الأغاني، بولاق ،الجزء الثاني، ص:179 .
14- نفس المرجع السابق ص:27.
15- خليل عبد الكريم ، العرب والمرأة، حفرية في الاسطير المخيم
، الانتشار العربي سينا للنشر الصفحة :66.
16- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:202
17- نفس المرجع السابق ص:30.
18- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :86.
19- د.حميد لحمداني ،الواقعي والخيالي في الشعر العربي القديم
(العصر الجاهلي)، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الأولى،1997
ص:82.
20- د. سعيد الايوبي ،عناصر الوحدة والربط في الشعر الجاهلي ،
مكتبة المعارف، الرباط،1986 الصفحة :540.
21- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :86.
22- إميل ناصيف ، أروع ما قيل في جمال المرأة ، دار الجيل،
بيروت ، سلسلة "أروع ما قيل "العدد 16 الصفحة 5.
23- بزوغ العقل البشري ،ترجمة إسماعيل خفي ص:166 نقلا عن د. علي
البطل، الصورة في الشعر العربي ،ص: 56
24- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:369
25- صورة المرأة في شعر الجاهلية وصدر الإسلام ، دراسة تحليلية
نقدية ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراة الدولة ، إنجاز:علي بيهي، تحت إشراف
د.يونس لوليدي سنة 2001 .
26- عناصر الوحدة والربط في الشعر الجاهلي ، الصفحة :398.
27- د. سعيد بنگراد ،السيميائيات،مفاهيمهاوتطبيقاتها،منشورات
الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء2003
ص:128.
28- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :236.
29- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :11.
30- نفس المرجع السابق ص:16.
31- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:11و12.
32- طه حسين ، حديث الأربعاء ، الجزء الأول، دار المعارف بمصر
،القاهرة، الطبعة 12، سنة 1925،الصفحة :314..
33- لقد تغزل امرئ القيس عند إحساسه بقرب أجله على رأس قبر
امرأة من بنات الملوك حيث دُفن بجوارها وقد قال :
أجارتنا إن المزار قريب * وإنّي مقيم ما قام
عسيب
أجارتنا إنّا غريبان هاهنا * وكل غريب للغريب
نسيب.
34- نفس المرجع السابق ص:35
35- محمد مفتاح،في سيمياء الشعر القديم، دراسة نظرية وتطبيقية ،
دار الثقافة، البيضاء الطبعة الأولى ، سنة 1982، الصفحة :183
36- نفس المرجع السابق ص:183
37- المرأة والعرب ، حفرية في الاسطير المخيم ،الصفحة :222.
38- حديث الأربعاء ، الجزء الأول، الصفحة :190.
39- صورة المرأة في شعر الغزل الأموي ،الصفحة:262.
40- نفس المرجع السابق ص:262.
41- نفس المرجع السابق ص:276.
42- نفس المرجع السابق ص:34.
43- د. عبد القادر القط،في الشعر الاسلامي والاموي ، دار النهضة
العربية ،بيروت، 1987،الصفحة:174.
44- نفس المرجع السابق،ص:174-175.
45- الحبب= ماء الأسنان الخَصِر= البارد
46- د. سعيد بنگراد ،السيميائيات، مفاهيمها وتطبيقاتها،منشورات
الزمن شرفات سلسلة 11، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء2003
ص:131.
47- نفس المرجع السابق، ص131.
48- د.ريتا عوض ، بنية القصيدة الجاهلية ، الصورة الشعرية لدى
امرئ القيس، دار الآداب، بيروت،الطبعة الأولى،سنة 1992،الصفحة 327.
49- عبد الله الغدّامي "النقد الثقافي، قراءة في الأنساق
الثقافية العربية،المركز الثقافي العربي،الدارالبيضاء الطبعة الأولى
سنة 2000 ص:223.
50- عبد الله الغَدّامي "المرأة واللغة-2-"ثقافة الوهم، مقاربة
حول المرأة والجسد واللغة، المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء الطبعة الأولى
سنة 1998 ص:42.
أضيفت في07/12/2005/ خاص
القصة السورية / المصدر:
الكاتب عبد النور إدريس
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
|