حصاد الرماد
قراءة أدبية في
أعمال نسائية
بقلم الكاتب:
منير عتيبة
لم تبدأ "حركة تحرير المرأة" (هذا الاسم نفسه يحتاج إلى مراجعات) مع
قاسم أمين بكتابيه "تحرير المرأة" و " المرأة الجديدة" ولكن سبقه رفاعة
الطهطاوي إلى هذه الدعوة بعد عودته من باريس..
ولكن هذه الدعوة شابها ما جعلها لا تتحرك خطوة حقيقية إلى الأمام؛ وإن
كانت قد تحركت في اتجاهات مختلفة -ليست كلها صحيحة بالقطع.. والمفارقة أنه
رغم أن أول وأعلى الأصوات في هذه الحركة كانت من الرجال؛ إلا أن الدعوة
أخذت شكل تحرير المرأة من استعباد الرجل لها، كما أن الدعوة اتخذت نموذجها
في الحرية المرأة الأوروبية عمومًا، والمرأة الفرنسية بصفة خاصة.. وتطورت
الحركة في الاتجاه الخاطئ حتى وصلت إلى ذروتها فيما عبر عنه "إحسان عبد
القدوس" في روايته الدالة "أنا حرة" التي توضح أن مفهوم الحرية أو التحرر
عند الكثيرات من الفتيات كان يعنى الرقص، ومصاحبة الفتيان، والسهر حتى
أوقات متأخرة خارج البيت، وعدم طاعة الأهل، وقد اتخذت بطلة الرواية نموذجها
ومثلها الأعلى أسرة يهودية مصرية !!
فاتخاذ الحركة اتجاه التحرر "من" الرجل، وليس التحرر "مع" الرجل في دول
تعانى من الاستعمار والجهل، واتخاذ الحركة من المجتمع الأوروبي والمرأة
الأوروبية مثلها الأعلى ونموذجها، وليس المرأة المسلمة والمجتمع الإسلامي؛
هذا ما جعلها تتشعب في طرق غير مجدية..
وهذا هو البعد الهام الغائب منذ البداية في هذه الحركة، أن المثل
الأعلى لم يكن السيدة "خديجة" زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي كانت
تعمل بالتجارة، ولا "زبيدة" زوجة الخليفة التي كان لها رأى في السياسة، ولا
"نفيسة" حفيدة الرسول-صلى الله عليه وسلم- التي كانت تُعلِّم الأئمة.. لو
أن هذا البعد كان موجوداً منذ البداية لتغير الوضع تماماً، ولأصبح الهدف هو
حرية المرأة والرجل من العادات والتقاليد غير الإسلامية التي أُلصقت
بالإسلام، ولنال كل منهما حريته التي تعني حقوقه وواجباته في إطار المرجعية
الإسلامية وليس في إطار المرجعية الغربية..
وكتاب "القصة النسائية العربية" الذي أعدته "يمنى العيد" وصدر في
سلسلة كتاب في جريدة، وطبع مرة أخرى من خلال مهرجان القراءة للجميع في مصر
سنة 1999 قد يكون دليلاً على ما سبق وأشرت إليه..
يحتوى الكتاب على 17 قصة قصيرة لـ 17 كاتبة عربية من 15 دولة،
والكاتبات من أجيال مختلفة واتجاهات فكرية وفنية متباينة، لكن قراءة القصص
التي يضمها الكتاب تشعرك بأن كل ما استطاعت المرأة العربية أن تصل إليه أو
تحصل عليه هو حق الصراخ على الملأ كتابة، وحق التعبير عن الإحباط واللا
جدوى فناً، وحق التشظِّي إبداعاً !!
فقصة الكاتبة العراقية
"
ديزى الأمير"
" عمة رفيق
" تبين كيف يطالب المجتمع المرأة بأن تكون لها شخصيتها لتشارك في
النضال، لكنه في نفس الوقت لا يحترم خصوصية هذه الشخصية، ولا يساوي بين
المناضلة والمناضل بل يعتبرها مضافة إليه..
وفى قصة
"
العزلة الموقوتة
" للكاتبة المغربية
" خناثة بنونة
" نرى المرأة
الراديكالية التي ترفض أنصاف الحلول، وترى أنه لا بد من تقويض البناء
الفاسد أولاً ثم إعادة البناء، لكنها تنتهي بالهزيمة هي ورفاقها اللائي
يهربن إلى التدخين أو الانتحار أو الجنون..
وفى قصة الكاتبة العراقية "عفاف عبد الله" "أصابعي" نرى الكاتبة نفسها
تتخفى خلف قناع فلا نعرف هل الراوي رجل أم امرأة؟! والأبطال يريدون فقدان
كياناتهم التي لم تعد ذات معنى، فينفخهم الوهم فيصبحون أفيالاً، ويسخطهم
الفزع فئراناً..
وتصبح التماثيل القديمة أكثر حياة من البشر في قصة الكاتبة الفلسطينية
"
ليانة بدر" "
جارة
"، حيث تحيا البطلة في رعب من الآخرين الذين يعيشون
بدورهم في رعب منها ولا أحد منهم يعرف الآخر أو حتى يحاول..
وفى قصة الكاتبة الأردنية
"
سهير سلطى التل
" "
تجليات حادث عابر
" تصبح
المرأة بلا قيمة سوى جمالها الذي قد يثير اهتماماً سطحياً عابراً لكنه يؤدى
إلى قتلها، ولا أحد يهتم بحياتها أو موتها، بل وتُهان حتى وهى ميتة حيث
يغتصب الطبيب الشرعي جثتها، وهى تنسى في النهاية كشيء مهمل بلا قيمة، ولا
تجد من يسمعها رغم أنها قد تذكر ما يفيد الجميع؛ وذلك على شريط الكاسيت
الذي ألقاه الحارس في الغابة ظناً منه بوجود شياطين بداخله تتكلم..
والمرأة تحاصرها الجدران والسجن والصمت في قصة الكاتبة التونسية "تافلة
ذهب" "حديث حول الصمت" فكل هذا الحصار يقتل المواهب بلا مبالاة بسبب طغيان
الأب، ولكن بعد أن يموت الأب لا يسعى الابن لتحقيق الحرية التي كان ينشدها
في قصائده، بل يحرق القصائد ويحتل مكان الأب ليستمر السجن جيلاً بعد جيل..
وقصة الكاتبة السورية
"
اعتدال رافع
" "حكمة جدي التي ذهبت مثلاً" تتناول
خوف الرجال من المجهول والرضا بالكائن مهما تكن دمامته وقبحه، فإذا كان هذا
حال الرجل في مجتمع هو فيه السيد، فما بالك بالمرأة التي تقايض على شرفها
بحفنة شعير بسبب المجاعة؟!
وتقدم لنا قصة "القمر" للكاتبة البحرينية "فوزية رشيد" فتاة محاصرة
ممنوعة من كل شيء حتى الجلوس في ظل القمر، وإلا حبلت منه كما يردد المأثور الشعبى، لكنها تتمرد وتتجرد وتجلس على السطوح كلما اكتمل القمر، وتتخيله
شاباً وسيماً يضاجعها حتى تحبل منه.. إنه الهروب من واقع آسن إلى خيال خصيب
تحاول المرأة أن تحقق فيه كينونتها..
أما قسوة مجتمع الرجال مع المرأة فنراها في قصة الكاتبة الإماراتية
"سلمى مطر سيف" "النشيد"، هذا المجتمع الذي يستعبد المرأة ويحولها إلى
مجنونة ويذبح ابنها، ثم يضربها بالسياط ليخرج من جسدها الجني الذي يدفعها
إلى الاحتجاج الصامت على قسوته !!
أما ضبابية الرؤية واختلاط الحلم بالواقع والممكن بالمستحيل، والإحساس
بوجود الأمل والسعي خلفه بلا جدوى حتى يصبح الموت أمنية، ثم يصبح الوجود
كله عبثاً بلا معنى وحتى الموت نفسه يصبح بلا معنى.. فهذا ما نجده في قصة
"في البدء كان السقوط" للكاتبة القطرية "نورة السعيد"..
وفى قصة "المقعد الساخن" للكاتبة اللبنانية "حنان الشيخ" يعاقب المجتمع
رجلاً على أفكاره..
والمرأة مؤجلة الأحلام في قصة "تقرير السيدة راء" للكاتبة المصرية "رضوى
عاشور"، وهى مضطهدة في العمل، وحيدة بلا حبيب، لا تشعر بمتع الحياة، يسرقها
العمر حتى تنقلب حياتها إلى قصة ميلودرامية تثير الرثاء حتى عندما تحاول
كتابتها لا ترضى عنها، وتحاول أن تهرب من القصة/حياتها بالنوم والحبوب
المهدئة وتأجيل النظر في مشروع القصة..
و" الأصلة
" قصة الكاتبة السعودية
"
رجاء العالم
" تقدم لنا نوعاً من تناسخ
الأرواح، فالبطلة كانت قرين ابن طفيل وحي بن يقظان معاً، ثم تجسدت في أنواع
مختلفة من النساء عبر العصور لتحكي مأساة المرأة العربية الدمية التي تحاول
السمو أو التعلم فيتهمونها بالجنون، أو بأنها مخاوية ويتم إبعادها، ثم
مطاردتها حتى في عزلتها الجنونية، فتتلبس بشجرة فتعثر على السلام النهائي..
وحافة الجنون تلك هي التي وصلت إليها بطلة قصة الكاتبة المصرية
" اعتدال
عثمان " " موال الشوق "، فالفتاة التي كانت مثالاً للطهر والبراءة والجمال
يتزوجها العمدة بحجة أنه يستر عليها لأنها يتيمة ولا أحد من الشباب
ينفعها..
وفى قصة
" لا خبر ..لا " للكاتبة الكويتية
" ليلى العثمان " نرى البنت
السجينة في قصر الأب، المحاطة بالتقاليد، المتأخرة عن الذكور، تشرب من لبن
النوق بعد إخوتها، تقبل يد أبيها بعد إخوتها، تعيش محرومة من الحب والحرية
والحلم لدرجة أنها تتمنى أن يأتي يوماً الرجل الذي يسقيها السم لا لبن
النوق، وكأن الموت أصبح بديلاً للحلم الضائع والحب الموءود ..
وتبرز لنا قصة "الوسيط" للكاتبة الليبية "نادرة العويثى" الهروب من
الواقع القاسي إلى دنيا الذهول، ومحاولة الالتقاء بروح أخرى تمثل كل ما
تتمناه الكاتبة عن طريق وسيط متمكن، والكاتبة تهرب من عالمها بلغة تقترب من
لغة الصوفية لكنها هنا صوفية منهزمة مكسورة بلا أمل في الوصول..
وكما يضيع كل شئ في الفراغ ضاعت بطلة قصة "نهايات متشابهة" للكاتبة
الجزائرية "زهور ونيس"، فقد ظلت تشعر بالحصار والفقدان والوحدة في كل المدن
المغلقة والمفتوحة فهربت من كل ذلك بالانتحار !!
تشعر المرأة بكل هذا الحصار والفقدان والإحباط، وتتهم الرجل أولاً
والمجتمع ثانيًا بأنه السبب، وتنسى أن نفس هذا الرجل في ذات المجتمع يعانى
من تلك المشاعر ذاتها، وتنسى أن الحرية التي تنشدها ليست حريتها "من"
الرجل، بل حريتها "مع" الرجل من كل الظروف التي توصلهما معاً إلى هذه
الحالة.
لكي لا نحصد الرماد ولا نتشظى لا بد من وقفة متأنية لمراجعة الخطوات
التي تمت لنصحح المسار، ولنحدد الخطوات التي يجب أن تتم في المستقبل لكي
نجني جميعًا شهد الحرية ولا نحصد رماد التخبط !!
أضيفت في11/05/2005/خاص
القصة السورية/ عن إسلام اونلاين
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
|