أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

الكاتب: محمود سعيد-العراق

       
       
       
       
       

 

مشكلة الهمزة

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

1938   الموصل – العراق.

1959- بكالوريوس لغة عربية.

 

اهم المؤلفات:

1956- البندقية المشؤومة. جائزة جريدة فتى العراق قصة قصيرة.

1957- بورسعيد وقصص أخرى. مجموعة قصص. بغداد. هناك نسخة واحدة في المكتبة الوطنية، ولا يعلم إن ظلت على قيد الحياة أم لا بعد حريق المكتبة إثر الغزو الأمريكي في 2003.

1959- ضجة في سوق راكد. رواية. "إضراب القصابين". الموصل. مخطوطة مودعة لدى اتحاد الأدباء العراقيين. أتلفت بعد انقلاب 8 شباط 1963.

1963- "شباط"  قضية قديمة. رواية. بغداد. إتحاد الأدباء العراقيين. أتلفت بعد الانقلاب مع سابقتها.

1968- الإيقاع والهاجس. منعت من النشر حينئذ، ثم نشرت في سوريا. دمشق. دار المدى. 1995.

1970- زنقة بن بركة. رواية. منعت في العراق. نشرت في دار الكرمل. عمان. الأردن. 1993. حازت على جائزة وزارة الإعلام سنة 1994. نشرت مرة ثانية في الأردن في دار الكرمل. 1995. ثم في دار الآداب. سنة 1997.

1981- أنا الذي رأى. رواية. حذفت الرقابة السورية منها فصلين. ثم رفضت نشرها. نشرت سنة 1995 . دار المدى سوريا. باسم مصطفى علي نعمان.

1996- نهاية النهار. رواية. دار الحياة. بيروت. جائزة نادي القصة. القاهرة 1996. كانت تحت عنوان "هل انتهت الحرب"

1997- طيور الحب.. والحرب. مجموعة قصص. دار سينا. القاهرة.

1998- الموت الجميل. رواية. دمشق. دار المدى.

1999- شجاعة إمرأة. قصة أطفال صغيرة. جائزة الشيخة فاطمة. أبو ظبي.

1999- قبل الحب، بعد الحب. رواية. دمشق. دار المدى.

2003- الضالان. رواية. دار الآداب. بيروت.

2003- أنا الذي رأى. دار الساقي. لندن. ترجمة الطبعة الإنكليزية باسم: "SADDAM CITY "

2005- المنسدح. مجموعة قصص. القاهرة.

2006- الضالان. رواية. ترجمة الطبعة الإنكليزية باسم:    “TWO LOST SOULS” " شيكاغو.

2006- أنا الذي رأى. رواية. كاملة. دار الهلال. القاهرة.

2006- الدنيا في أعين الملائكة. رواية. دار ميريت. القاهرة.

2007 – بنات يعقوب. دار نلسن. قبرص.

2008- بنات يعقوب. دار فضاءات. الأردن.

2008- ثلاثية شيكاغو. (حافة التيه. أسدورا. زيطة وسعدان.) دار آفاق. القاهرة. مصر.

 

نشرت القصص القصيرة جميعها ومئات المقالات في مجلات:الآداب -بيروت. الحياة- لندن. القدس العربي -لندن. الخليج- الشارقة. البيان-دبي. المنتدى-دبي. الاتحاد-أبو ظبي. لوتس- تونس. الموقف الأدبي- دمشق. المدى- دمشق. الثقافة الجديدة- دمشق. أخبار الأدب- القاهرة. الجديد- لوس انجلس. الإغتراب - لندن. مجلة القصة "لندن". مجلة الرافد- الشارقة. بانيبال- لندن.

 

ترجمت مجلة الجديد في لوس انجلس سبع مقالات إلى الإنكليزية

 

مازالت "أمزون" تنشر أربع قصص قصيرة في حقل القصة القصيرة لأحد مواقعها

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

معتوق

مساء باريس

قوس قزح

 عسل الغرام

 

 

عسل الغرام

 

جال السائق الأفغاني بعينيه، يفتش بحيرة عمن يفّك له قطعة النقد فلم يجد في مقهى- النار البيضاء -سواي، لكنه تجاهلني لفراسة طبيعية فذة، أو لأنه وجدني أقرأ في كتابي الهزلي الذي وددت أن يبدد كآبة إفلاسي، فترفع عن مقاطعتي وظل مشدوهاً بجمال الفتاة الطاغي ذائباً يكاد يتلاشى، بينما كانت الفتاة تستثمر كل طاقاتها بنشوة غرور مراهقة لتسيطر لا عليه حسب بل على كل العالم، هتفت بغنج:

- هيدا الفلوس.

وضحكتْ، فازداد اضطرابه وتلاشيه، كان يقف  أمامها محتاراً مأزوماً لا يدري ما يفعل، وكانت تنظر إليه بابتسامة عذبة ساخرة رافضة أن يشركها في مأزق وقع هو فيه، فكونه لا يملك صرفاً مشكلة لا علاقة لها به.

مرة أخرى تنقلت عينا السائق في أرجاء المقهى الخالي هرباً من هيمنة شخصيتها الطاغية القدرية وضحكت فازداد حرجاً، واحمرت وجنتاه، وتغضن ما حول فمه، خلته سيبكي، أي مأزق؟ ماذا ستفعل الدموع بهذه اللحية الأنيقة؟ ونظر إليها من جديد مستعطفاً فموسقت:

- غرمت فيني.

لم يفهم الأفغاني كلامها، كما أنها لم يكن يهمها أن يفهم، كانت تعيش حالة انتشاء فياض، الابتسامة لم تفارق شفتيها، كانت بحدود الثامنة عشرة، طويلة رشيقة على حافة الامتلاء، وكانت ترتدي تنورة طويلة حتى القدمين ذات لون تبني، وقميصاً وافر الأكمام، من نفس اللون تحت صدرية مخمل‘‘مارونية’’ ذات حاشية ذهبية، وباستثناء الورد المتفجر من شفتيها المملؤتين كالإعصار كانت سمرتها الخفيفة طبيعية نضرة صافية كماء رقراق، ولولا اندفاع فتاة بنفس العمر تقريباً ولكن أقصر قامة، وأشد نحولاً نحوها لظننت أن الأفغاني سيتبخر من فرط حرارة البركان الذي يواجهه.

كانت المراهقة الثانية التي نبتت أمامهما قشة إنقاذ للأفغاني، فأدرك إن محنته انتهت، شخصت عيناه نحو السماء:

- الحمد لله.

كانت ترقص من الفرحة وهي تجول بعينيها في أرجاء المقهى الأنيق الخالي الذي تضافر فيه شيئان متشابهان لخلق جو شاعري: ضوء خافت وموسيقى هادئة، وإذ لم ترَ غير مخلوق عاجز عن الأذى يدفن وجهه في كتاب قفزت مرحاً، تنهدت وهي تتفجر إثارة:

- جاءا.

كانت ترتدي سروالاً من ‘‘الجينـز’’ السماوي تحت قميص أبيض ملتصق بالصدر والخصر والأكتاف، ينـزل على الساعدين بضع إنجات لا أكثر، فيما يكاد قوس الجيد الأمامي ينحسر حتى أعلى الثديين، كاشفاً سفحيها النافرين، كبرعمي ورد ناتئين، فالتفتت الطويلة بهدوء مغناج نحو الباب الزجاجي العريض الذي انفتح فجأة ليحتله فجأة مراهقان بنفس العمر تقريباُ، فتيان أحدهما طويل والثاني أقصر منه، اتجه الطويل نحو المراهقة الفارعة، صافحها فبدا كأنه أخاها، كان مثلها ممتلئاً ولكن برشاقة، خفيف السمرة، هادئاً، فرحاً، واثقاً من نفسه، بينما كان زميله أشبه بالمراهقة الثانية أقصر وأشد بياضاً، وكان يرتدي أيضاً سروالاً أزرق من ‘‘الجينـز’’ تحت قميص أبيض نصف ردن ويشد رباطاً أزرق حريرياً مقلماً بالأبيض، وبدا الفتيان كل مع مراهقته أشبه بالأخوين لا بالعاشقين، ولعل الأربعة تواطؤا على أن يبدو الأمر كذلك.

وباختفاء الأفغاني فاحت رائحة غرام استحالت موجة عطر سامٍ احتلت المقهى الخالي.

 

كان التوقيت مثالياً للتمتع بخلوة العمر، ولابد أن الإعداد له ما كان ليتم صدفة بل عبر مراقبة دقيقة للرواد لا يمكن أن ينجح فيها إلا في مثل هذه الفترة الدقيقة، بين المغرب والعشاء يخلو المقهى تماماً ولمدة بين نصف ساعة إلى ساعة تقريباً، وبالرغم من أنه لم يكن يغلق طيلة النهار إلا أنه يزدحم بين العاشرة صباحاً والثانية بعد منتصف النهار، ثم يكاد يخلو ليشهد بعض الحركة المتقطعة عصراً ثم يعود ليخلو في هذه الفترة إلا من بعض راغبي ‘‘الكيك’’ الجاهز الذي يُـتفنن في إعداده تحت إشراف صاحبته مسز فرهاد دفتري، الإيرانية الكهلة التي تتحدى الشيخوخة بالتصنع والأناقة.

 

جئت مبكراً مع كتابي الهزلي هذا المساء لعلي أتغلب على المرارة التي خلفتها خسارتي بعد أن تأكدت أن التمر الذي اشتريته من كربلاء، بكل ما أملك، والذي أبحر به ‘لنج’’ محلي يقوده طاقم هندي من ميناء أم قصر العراقي، قد وقع بيد دوريات التحالف التي تنفذ الحصار على العراق، وأنهم أعلنوا عن مزايدة لبيعه في الكويت ليسددوا بثمنه جزءاً من خسائر حرب، كنت وأمثالي أول من فوجئ باندلاعها، وأول من اكتوى بنارها، كدت أفقد وعيي فاستعنت بكتاب هزلي ومقهى خالٍ لأقفز فوق الكارثة بنوع من خداع الذات، بيد أن فرحة المراهقين أمامي تجاوزت تأثير مفارقة الكتاب، ولكوني الفضولي الوحيد في هذه المسرحية الحية، فقد أحسست بامتياز أدرج انكساراتي وهزائمي إلى خانة الدرجة الثانية من حيث الأهمية.

 

كان جو المقهى مثالياً للعاشقين في هذه الفترة: التلفزيون الضخم يعرض مسلساً أمريكياً يتكدس بحسناوات مثيرات، ولكن من دون أي صوت، ليفسح المجال لموسيقى شهرزاد تنساب من منافذ خفية مزروعة في أرجاء المقهى بحيث تسمع في كل مكان على نفس الدرجة من الخفوت والوضوح، ولم تكن الإيرانية بقادرة على خدش جناح فراشة، حتى غدوها ورواحها المتواتر والمستمر ما كان يثير ليؤثر البتة، فهو منصب على تجهيز المقهى بالكيك وأنواع المشروبات، وباقي المستلزمات فقط، أما النادلة الفليبينية ذات السمرة الفاتنة فما كانت لتهتم بشيء غير رضى سيدتها التي تبادلها بين الحين والآخر نظرة حب حميمة تتجاوز علاقات العمل، فكانت تسير الهوينى على بساط من بيض، أما أنا فلم أكن بنظرهم سوى قارئ كتابٍ لا يحل ولا يربط، لذا فقد انصب تركيز المراهق القصير على مراقبة العاذلين المحتملين خارج المقهى، فمنذ أن وصل باشر بفحص المكان زاوية زاوية، ومن ثم اختار منضدة لا يمكن أن يَرى من يجلس حولها أحد من الخارج، جلست الفتاة الطويلة وظهرها إلى واجهة المقهى يلاصقها صاحبها الأسمر الطويل، بينما جلست القصيرة وظهرها إلى الممر الرئيس في المقهى وبحيث لا يستطيع أن يرى متسوقو ‘‘الكيك’’ أي واحدة من الاثنتين إلا بحركة متعمدة، كانوا يجلسون متحفزين للكلام، للملامسة، للذوبان، تحتد نفوسهم بصراعات لم يخفها اضطراب حركات أيديهم، أو انكسارات وتوهجات نظراتهم، ولابد أنهم أحسوا بوطأة تجربة كبرى يمارسونها أول مرة فأرادوا أن يجتازوها بسلام على أفضل وجه بيد أنهم أعوزتهم التجربة، فظلوا صامتين برهة لا يعرفون ما يفعلون ينتظرون أن يقوم أحدهم بمبادرة تفتح الباب للآخرين، ولعل انتفاض المراهق القصير حينما رأى أحد الشباب يمر من قرب الشباك في الشارع وينظر نحوهم كان رد فعل عفوي على ما يشعر به الجميع من توتر، كنت أقرب الناس إلى الشباك بضع سنتمترات فقط، بيني وبين الشارع ستارة بارتفاع قدم من أوراق الظل والزهور يعلوها زجاج واسع يعطي الانطباع بأني جالس على الرصيف لا في الداخل، وكانت هناك ستارة من مشبك قطني مفتوح إلى الجانبين لا تمنع الرؤية بل تكمل ‘‘الديكور’’.

 

أصبح المراهق فجأة بالقرب مني، فتبدت آنذاك أناقته: الرباط الحريري، والقميص المكوي بعناية، وشعر كستنائي خفيف، عينان كبيرتان نافذتان وبشرة صافية، من دون أن يستأذني أغلق الستارة فلم أعد أرى من الشارع سوى نصفه البعيد، في الوقت الذي أحكم بحركته تلك التستر، وسِتر جلسة العشق الجماعي من مستطرقي الشارع، فرجعت عيناي من جديد إلى قلب الجلسة الجماعية ألعق متطفلاً عسل غرام يفيض من أعين ومسامات وتقاطيع عشاق أبرياء لا ينبسون بأي كلمة، يطفو هدوء عميق فوق رؤوسهم، هدوء سطحي يغلف قلوباً ممتلئة ناراً وضراماً، كانوا جامدين في الظاهر لكنهم يحتدمون حركة في الداخل، ولم تكن عندهم من وسيلة للتلاحم إلا الأعين، إلا النظرات مسكونة بالدفء والعذوبة والرغبة.

 

لم يتحرك الطويل إلا حركة واحدة فقط، وضع كفه فوق كف صاحبته، كانت تركت ساعدها الأيسر يمتد على المنضدة فأتاحت له فرصة عناق أصابعها، كمن يمسك عصفوراً ساكناً براحته، أغمض عينيه ليتشرب اللذة، لذة توحد جسدين بنار خلاقة محرقة، ولابد أنها شعرت نفس شعوره، أغمضت عينيها أيضاً لتبارك ذلك التوحد المرغوب، وبلهفة عذراء عطشى، بينما كان القصير ينتفض من الإثارة وساعده العاري يلامس ساعد مراهقته، وكان بين الحين والآخر يحس بحاجة إلى تلاحم أشد فيضع ساعده كله فوق ساعد ملاصقته، ويغمض عينيه برهة، ثم يفتحها، ليعود متحفزاً، ويراقب الطريق، والمقهى و‘‘كاونتر’’ المعروضات الشهية فإذا اطمأن عاد إلى التفاف الساعد بالساعد، لكن النادلة الفليبينية اقتحمت هي و‘‘الكيك’’ و‘‘الكاباشينو’’ العالم السحري للأربعة، أعادتهم إلى واقعهم، اعتدلوا جميعا،ً  ابتعدت السواعد والأصابع عن بعضها البعض، أخذوا يراقبون حركاتها البطيئة، وهي تنزل طلباتهم قطعة قطعة، مشيعة بتصرفها الرتيب هذا موجة العشق العارم، عندئذ وجد اللسان فرصته، تمتم القصير كلمة فجرت الضحك والقهقهة، عندئذ عادت المراهقة الطويلة إلى غنجها وكبرها اللذيذين فابتسمت، ضحكت، نكتت، وبدا أن هناك بحراً من مخزون الكلمات سينطلق من قمقمه ليضفي متعة تبادل أحاديث لا تنتهي، لكن الهدوء ساد مره أخرى بولوج ثلاثة شبان بنفس العمر تقريباً، كانوا يضحكون، ويصخبون بصوت عال، ربما ظنوا المقهى خاليا،ً فانطلقوا متحررين من القيود، كان بيد كل واحد منهم هاتف متنقل وإذ توقفوا قرب ‘كاونتر’ المعروضات الزجاجية، اختاروا كمية كبيرة من الكيك، بدت وكأنها لدعوة أو وليمة، وأشار أحدهم إلى صينية ‘كيك’ مغطاة بالقشدة البيضاء، وعرض على صاحبه أن يشتريا ثنتين يرمي أحدهما وجه الآخر بها، ونادوا النادلة الفليبينية وسألوها عن أسعار الصينيتين، وبنفس الصوت العالي استفسروا عن كل شيء، حتى إذ انتهوا من طلباتهم التفتوا مصادفة، فوجئوا بالعاشقين، صمتوا كلية، ولا بد أنهم ذهلوا لقداسة الجلسة، وخصوصيتها حيث تتلاحم البراءة فيها بالرغبة، فاختفت أصواتهم، توجهوا بهدوء نحو منضدة قريبة بانتظار الانتهاء من تجهيز طلباتهم، لكن حركتهم تلك باتجاه مركز العشق جمّد حركة العشاق،  فانحسرت نظرات الأربعة عن وجوه بعضهم البعض الآخر، واكتفى الطويل بملعقة واحدة من رغوة القشدة الحليبية الممزوجة بالقهوة والسكر، ثم نظر إلى صاحبه نظرة ذات مغزىً، نهض الأربعة إثرها، يسبقهم القصير بسرعة البرق نحو الشارع، أوقف سيارة أجرة بينما تبعته الفتاتان بتثاقل، وقد غامت الدنيا في تقاطيعهما، تجران أرجلهما جراً، وببطء كأنهما تسران إلى اللحد، وإذ جلستا في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة انحنى الشابان نحوهما حتى كادا يسدان باب السيارة المفتوح بجسديهما وهما يودعان الفتاتين ويصافحانهما، فابتسمتا على مضض، لكن القصيرة لم تعد تتحمل، تشنجت بينما تكلم الثلاثة بوقت واحد، أخذوا يؤشرون بأيديهم، ولما كنت في المقهى، وكانوا في الشارع، فلم استطع سماع أي كلمة مما قالوا، وخيل إلى أنهم قضوا بضع دقائق على تلك الحال، بعدها أغلق الشابان باب السيارة، فيما طفقت القصيرة تمسح دموعها، وهي تنتفض، ثم أخذت مع صاحبتها تؤشران من زجاج السيارة الخلفي، تلوحان بكفيهما حتى اختفتا، والشابان ينظران بجمود وخيبة إلى نفس الجهة، وكأنهما تمثالان لا يتحركان.

دبي:1994

 

 

قوس قزح

 

اندفع مجموعة من الصبية والشباب نحو باب الحديقة ما أن توقفت سيارة الإجرة، وما أن تبينوا وجه المرأة حتى ضجوا جميعاً:

-  وصلت الخالة رجاء، وصلت.

قالت الكهلة المتعبة بصوت ضعيف قبل أن تنهي عناقهم:

بشِّروا..كيف هي؟

زينة.

الحمد لله.

ترقرق الدمع في عينيها، نظرت إلى السماء شاكرة وهي مستسلمة لعناق أولاد وبنات أخواتها الذين ما فتئوا يندفعون نحوها، تاركة لهم جسدها النحيل يعصرونه ويشدون عليه كيفما يشاؤون، ويقبلون وجنتيها، وجبهتها، وعيناها تتجول في أرجاء الحديقة الكبيرة التي شهدت نموها، مراهقتها، زواجها، وبدت لها كالصلعاء من دون شجرة السدر الضخمة التي كانت تظلل الواجهة، بالرغم من الورود الكثيرة التي زرعت فيها بعناية وتحت إشراف أمها، قالوا لها أصيبت بالأرضة، لأن البيت ترك طيلة الحرب، ثم قطعت، افتقدت كذلك الأرجوحة التي كانت تدرس عليها مع أختها "منى" ساعات طويلات، منى تستظهر دروسها على القلب، أما هي فتقرأ بصمت، وتتسلى بحب البطيخ الأحمر، تتأرجحان وهما تصرخان بين الحين والحين لإبعاد الصغار الذين يلتصقون، ويهومون كالذباب، احتلت الحديقة بدل السدرة أربع نخلات، قالت لها أمها حينما زرعتها أنها برحية، وثلاثة أنواع نادرة.

فجأة فُتح باب البيت الداخلي، وخرجت منه امرأتان تجاوزتا الأربعين، كبراهما طويلة ممتلئة والأخرى أقصر منها، ركضتا نحوها، مدت الأولى يديها لتتلقاها، بينما هتفت الثانية والابتسامة تملأ وجهها:

-  لم نتوقع وصولك قبل الغد.

-  حتى أنا، ربك سهلها، بعد مكالمتكم اتصلت بمطار دبي قالوا طائرة بعد خمس ساعات، وصلنا إلى عمان في العاشرة صباحاً، ومن هناك "تكسي" إلى ساحة السيارات العراقية، أخذت سيارة وحدي، لكنا تأخرنا بطريبيل أربع ساعات، تفتيش، وتعقيم، وانتظار، طلعوا روحنا، ما صدقنا نخلص منهم، وصلت بغداد اليوم، الصبح، السابعة، أسهل شيء كان طريق البصرة، ما أخذ إلا ست ساعات، الآن الساعة ثنتين..يعني ثلاث وثلاثين ساعة بالطريق..اندقت عظامي..بس أريد أن أشوفها.

-  ساعدك الله..

-  كن يسرن في الممر ويتكلمن، لكن القصيرة انفجرت تبكي، وهي تتعلق برجاء، فربتت هذه على كتفها تهدئها:

-  لا تقنطي من رحمة الله ..ستشفى إن شاء الله.

غاصت في بكائها بعمق أكبر، وأشد..أخذت تنتفض بين ذراعي أختها الكبرى، في الوقت الذي ابتعدت مجموعة الشباب عنهن، خرجوا إلى الشارع فهدأت الحديقة إلا من زقزقة العصافير الصاخبة، كانت الكلمات تتدفق من أعماق الصغرى مذابة بالعذاب والدمع، وكانت تشهق بين الحين والحين:

 

-  من سيقف معنا؟ كيف سندفع الإيجار؟ من أين لنا أقساط الجامعة وليث في سنته الأخيرة؟ أين سنذهب؟ كانوا يرسلون لها من الخارج وهي تساعدنا، وإن توفت لا سمح الله فمن سيتذكرنا؟

ربتت رجاء على ظهرها، وهي تغالب الدمع:

-  ستعيش إن شاء الله، إن هي إلا وعكة! لا تخافي.

-  لكن الطبيب قال لا تبقى أكثر من ثلاثة أيام و..

وقاطعت الطويلة:

-  على كلام الطبيب يجب أن تكون ماتت اليوم.. صبحاً..الحياة بيد الله.

-  لكني خائفة..لم ينزل في حلقها شيء منذ ذلك الوقت.

- لا تقلقي.. مادمت أنا حية فسأذكّر اخوتنا بحاجتكن، أربعة اخوة لا واحد ولا اثنين، أربعتهم يعملون في الخارج، حالتهم زينة، مستقرون، ما يرسلونه لكم كل شهر يصرفه ولد من أولادهم في يوم واحد، لماذا الأخوة إن لم تكن لليوم الصعب! لا تخافي، إننا نلتقي باستمرار هناك، توكلي على الله..دعوني أرها.

ثم اندفعت نحو الداخل وهي تمسح عينيها، وتغص بكلماتها، تجاوزت الممر الضيق والصغير، عبرت المطبخ وانحناءة الدرج، أسرعت إلى غرفة كبيرة مفتوحة، حيث يستقر فراش يرتفع بضع سنتمترات عن الأرض فوق سجادة فارسية حمراء، امرأة نحيفة في نهاية السبعينات انكمش جسدها على بعضه، فباتت وكأنها هيكل عظمي يغطيه جلد كان ينبض بالحياة يوماً ما، بياض ناصع يميل إلى صفرة العاج، عينان مغمضتان، جديلتا شعر مصبوغ بسواد أبنوسي يفضحه شيب يلمع في منابت الشعر، وإلى قربها امرأة أخرى نحيفة، سمراء في بداية الثلاثينات تمسك يمنى العجوز بين راحتيها، ابتسمت ما أن رأت أخواتها، همست السمراء بإذن العجوز:

-  ماما ..جاءت رجاء.

ارتجفت شفتا العجوز، لكنها لم تبتسم، نهضت السمراء  من مكانها، فانحنت رجاء على أمها، أخذت تقبلها، جلست إلى جانبها، تناولت يدها، لثمتها أكثر من مرة، تحرك جفنا العجوز، لكنهما بقيا مغلقين، لم تفتح عينيها، قالت بصوت ضعيف:

-  ليش تعذبت؟ يومين أم ثلاثة بالطريق؟

ضبطت رجاء نفسها من البكاء.

 - كم أم لي؟

 ابتسمت العجوز.

- شلونهم.

- كلهم بخير.

-  طلَّق؟

-  نعم ماما.. أسعد طلق..وراح يتزوج!

- عراقية؟

-  لا ماما ..لكن بنت حلوة، ومؤدبة.

انفرج ما حول فم العجوز، لم تقل أي كلمة، تنهدت بعمق، لكن رجاء أحست بأصابعها تضغط بشكل خفيف على يدها، فعلمت أنها تريد المزيد من المعلومات، قالت:

-  فخري ونصير وإحسان كلهم بخير، هم وأولادهم، نلتقي باستمرار، تقريباً كل جمعة، ببيت فخري، مكانك خالٍ يا ماما، التكة، والكباب، والسمك المشوي، كأننا نعيش بالعراق قبل ما تصير الحرب، ستشفين إن شاء الله، وستقومين على رجليك، عروس أم أربعة عشر سنة، ستجيئين معي إلى دبي، يقولون سفينة راح تنقل الناس بعد شهر أو شهرين، غرفة أم سرير ملوكي، عريض، تنامين وتقعدين هناك، والأربعة كلهم، وأولادهم، ونساؤهم، سيحملونك على أكفهم، لا يجعلونك تدوسين على الأرض، بس قولي إن شاء الله و

واندفع طفل في السابعة، بسرعة شديدة، وقف في وسط الغرفة، نظر إلى صغرى النساء، صرخ بكل ما يملك من قوة:

-  ماما..ماما، قوس قزح..تعالي شوفي..قوس قزح كبير..ماما..تعالي شوفي..الشمس طالعة هنا ..ومطر هناك.

ابتسمت النسوة، لكن أمه تكهربت، كزّت أسنانها، وضعت أصبعها على فمها، همست وهي تنهض نحوه:

-  هس.. يا مكلوب .. كم مرة أوصيتك لا..

قاطعت رجاء: دعيه..ألا تعرفين أنها تحب الأطفال!

دبت الحياة في العجوز، انفرجت أساريرها، ضحكت الابنة الطويلة، خاطبت رجاء:

-  أنت ساحرة، أول مرة تبتسم أمي منذ ثلاثة أيام، انظري إليها.

 كان وجنتا العجوز قد تحركتا، وزالت تجعدات الجلد حول الفم، وظهرت أسنانها البيض، خرج صوتها همساً:

-  قوس قزح؟

-  نعم ماما..قوس قزح..شمس الشموسة ماما، ربيع.

أحست بضغطة أصابع أمها على يدها مرة أخرى، ربتت عليها، قبلتها من جديد، ازدادت ابتسامة العجوز اتساعاً، شدت على يد ابنتها بوهن، حاولت أن تتكلم، فخرج الصوت كوشيش غصني شجرة عانقهما الريح.

- حبيبتي رجاء..كم صار عمرك؟

-  عمري أنا يا ماما؟

- همم.

-  اثنتين وستين سنة.

لم تسألها رجاء لماذا سألتها عن عمرها؟ كانت تقرأ أفكارها، كاشفتها وحدها بكل أسرارها.. كانت تقول لها أنت أختي أنا أكبر منك ست عشرة سنة فقط، وكانت تحب أن تركز ذلك الانطباع بالأخوة بمزيد من التصنع والتزيين.

 انحنت رجاء على أمها، فرأت تقاطيعها تشع سعادة، وبدا أنها تريد أن تقص ذكرى حبيبة إليها لكن لسانها لم يكن يساعدها، ربتت على شعر أمها، قبلتها في رأسها، رددت العجوز مرة أخرى:

-  قوس قزح..؟

-  نعم ماما قوس قزح..وشمس الشموسة ..مطر وصحو بنفس الوقت.

- ماما رجاء..نزّلي الهدوم من السطح ..راح تمطر..

حدقت بناتها ببعضهن ذاهلات، كاشفتها وحدها بكل أسرارها..، همست الطويلة: جاء وقتها، صدق الطبيب، ثلاثة أيام وتغادر، بدأت تهذي.

ثم رفعت صوتها:

- ماما بسلامة أخوتنا الذين بالخارج..غسالاتنا كلها أوتوماتيك، تجفف الهدوم ..لا توجد واحدة تنشر الغسيل بالسطح..

قدحت عينا رجاء لوماً مشبوباً بالنار موجها نحو أختها، فصمتت الطويلة خجلى، شدت رجاء جسد أمها الناحل، همست بصوت حنون:

- ماما ..أما كنت تتعبين وأنت تصعدين وتنزلين لتنشري الغسيل في السطح؟

ابتسمت العجوز، بدا وكأنها لم تسمع، استمرت رجاء تداعبها:

-  يا ملعونة كنت وحيدة..بيبي تدللك!

قرصتها من خدها برفق، ففتحت العجوز عينيها بسعادة لحظة، نظرت إلى لا شيء، ثم أغلقتهما وفرح عارم يطغى على تقاطيعها، ابتسمت الأخوات الثلاث، همست أصغرهن: فقط لو جاءت رجاء قبل أيام!

رددت العجوز: اثنتين وستين سنة؟ كبرت يا رجاء!

•نعم ماما كبرت ..ما السنين يا ماما؟..لحظات.

أحست بضغطة أصابع أمها على يدها، فشدتها برفق، ابتسمت العجوز، اثنتين وستين سنة عمر ابنتها! ياه..!نعم..صدقت رجاء، العمر لحظة واحدة لا لحظات! أجمل ذكرى في حياتها مرت قبل مجيء رجاء بسنتين، قبل أن تتزوج بسنتين، كان عمرها أربع عشرة، كانت أمها تتوسل بها أن تجلب الغسيل من السطح، وكانت تتضايق من الصعود، وفجأة بدأت السماء تنث، توسلت بها أمها مرة أخرى أن تجلب الغسيل قبل أن تنقعه المطر، عاندت كالعادة، يعجبها أن تتمنع قبل تلبية كل طلب، ثم استجابت أخيراً، صعدت إلى السطح، كانت قطرات المطر تدغدغها، وكانت ترتدي ثوباً من الشيت البرتقالي المطبوع بالأحمر، وكانت أمها تتباهى بجمالها، وقوام جسدها، وتناسقه، تدللها، تقبلها، تعانقها، لا تحاول أن تضغط عليها بأي شكل من الأشكال، لا تدعها تفعل أي شيء إلا برضاها، ولولا تلك الحمى التي انتوشتها قبل يومين لما طلبت منها أن تنزل الغسيل من السطح، وكانت هي تستسلم لذلك الدلال، حكم القدر، :أليست وحيدة أبويها؟ ولما صعدت الدرج نحو السطح كانت حبات المطر إبراً باردة تزرق وجهها، رأسها، كل جسدها بانتعاشة باردة لكنها غير منفرة، ثم صعقها حدث العمر الذي ما زال حياً حتى الآن في أعماقها، حدث ما سمرها في مكانها قبل أن تلم الغسيل من الحبل المنشور عليه، لم تدر كيف التفتت إلى الشمال! كانت أسيرة منظر قوس قزح! زاهٍ، كبير، عريض، يقسم الأفق قسمين، ألوان آسرة حبيبة حميمية، بنفسجي، أزرق، أحمر ناري..يا للجمال! ثم قطع استغراقها صوت أمها من الداخل:

-  ماما أنت بخير؟ ..ليش تأخرت؟

-  قوس قزح..شمس الشموسة.

-  أسرعي لئلا تأخذي برد ..انزلي بسرعة..

-  زين ماما..

- لا تتكئي على حائط الستارة، إنه واهٍ، واقف بالحيلة، ما أن تستندي عليه يقع هو وأنت.

- أعرف ماما..لا تخافي عليّ، لست صغيرة.. خمسين مرة قلتِ لي ذلك..

بدأت القطرات تبلل الملابس، ركضت إليها، لكنها إن نُشرت في الغرفة على الكراسي فستجف بعد قليل، بدأت بملابسها الداخلية، طوت فانيلتها، أرادت أن تضعها على الحائط المتآكل لكنها غيرت رأيها، تذكرت تحذيرات أمها، رأت فتحة فيه سببها تآكل طابوقة كاملة تركت فراغاً فيه، وضعت الفانيلة على الحبل، هب الهواء، طارت، تلقفتها قبل أن تسقط، طوتها من جديد، وضعتها بين فخذيها، تلك الحركة تطلبت منها أن تنحني بصورة غير إرادية، وحينما فعلت ذلك نظرت من فجوة الحائط المفتوحة، فرأت حدث العمر، ما التصق بذاكرتها ولم ينمحِ قط، أصبح جزءاً منها، لماذا لم تسطع أن تنساه طيلة تلك المدة المديدة! بطل الحادثة عامل سكك الحديد علوان الذي لم يثر انتباهها قط، يروح ويجئ منكس الرأس، لا ينظر إلى أي فتاة، في نحو الخامسة والعشرين، أسمر، نحيف، متوسط الطول، أجّر البيت المقابل قبل بضعة أشهر ليتزوج فيه، البيت خرابة، ليس فيه شيء صالح للسكن إلا غرفة يتيمة في طابقه العلوي يُصعد إليها بدرج دائري، لكنها بعد أيام رأت زوجته بشرى العمارتية غير مرة، ممتلئة بيضاء ناصعة يشتعل خداها احمراراً دائماً، مع حول بسيط في العين اليسرى، شفتان رقيقتان، شهوانيتان، عريضتان، فم واسع، لسان عذب كالشهد، ما أن تراها حتى تندلق الكلمات من فمها: حبي، حياتي، عمري، كيف أنت؟ كيف أمك؟ كيف صديقتك فخرية؟ كيف؟ آلاف الأسئلة تنهال في وقت واحد، تخجل، تسكت، لا تعرف كيف تجيب، وعلى أي سؤال تجيب، وماذا تجيب، لكنها تشعر بحميمة وأمان لا تدري سببهما، كأن بشرى شقيقتها، كأنها عاشت معها، وحينما رأت فخرية صديقتها تأتي كل يوم عندها، وتعرفت إليها، أصبحت كل يوم تصر على رؤيتهما والثرثرة معهما، ورواية أكثر النكات المضحكة لهما، بعد ذلك أصبحت فخرية تنافسها على الإعجاب ببشرى.

من فجوة الحائط رأت عامل السكك علوان يحتضن بشرى زوجته، كانا واقفين بباب الغرفة، هو بملابس العمل، قطعة واحدة زرقاء ملوثة بالسخام، والدهون، والعرق، وبشرى بدشداشة البازة البيضاء المنقطة بالأحمر، لم ترَ وجهها، كان شعرها الكثيف يحجب تقاطيعها، وكان علوان يشدها من تحت الثديين وهو ملتحم بها من ظهرها، يقبلها على ما يظهر عارياً من رقبتها من الخلف، ولم تدر لماذا استدارا، أصبحا موجهين لها، لكنهما مغمضي العينين، ماذا رأت من فجوة الحائط؟ ثورة جسدين أم نشوة؟ أخذت ترتجف، لم تشعر بتساقط حبات المطر المنهمرة، ماذا يجعلها تتسمر في مكانها لا تتحرك؟ أنفاسها تتلاهث، ورجلاها مضطربتان، ليست هي من تتعرض للتجربة، إنها بشرى، عبر الشارع، لكنها هي التي تهتز، ياللنشوة! ماذا سيفعلان بعد ذلك؟ اقتربت من الجدار أكثر مما قبل، أحست برأسها ينطحه، لكنه لم يتهاوى كما كانت أمها تتوقع، لم يسقط الجدار ولم تسقط معه، اشتدت زخة المطر، كان الماء بارداً ولذيذاً يلامس بشرتها، وينزل إلى أعضائها كلها، معبقاً بغلمة بشرى، ورائحة جسدها، وجنون اللحظة التي تذيبها،  وفجأة أنزل يديه ورفع عنها دشداشة البازة ورماها في الغرفة فشع جسد بشرى متوهجاً كالشمس، عارياً إلا من لباس وردي حريري صغير تتمرد ذؤابات شعر قهوائي يميل إلى الاصفرار من تحته، آنذاك لاحظت انتفاخة بطنها الصغيرة، لابد أنها حامل، ربما بشهرها الرابع، لكن ثدييها كانا عامرين ناهدين صلبين ينتهيان بقمعين قهوائيين، وبدت يدا علوان السمراوين وكأنهما مصبوغتين بطلاء رمادي فوق جسد بشرى الناصع، لكنهما كانتا ملتهبتين بسعار جنوني لا تستقران على موضع، تتحركان بمهارة ورقة فنان رفيع، على الرقبة، الثديين، السرة، ما تحتها، الفخذين، الوركين، الساقين، وفجأة استعادت بشرى المبادرة، استدارت إليه، أخذت تفك أزرار بذلة العمل الزرقاء، أنزعته إياها مع الفانيلة السمراء المتسخة من العرق، ثم..ثم فجأة بدا عارياً كلية، لأول مرة ترى في حياتها رجلاً عارياً ومتوتراً، لم تدرِ لماذا توترت هي أيضاً، أذابتها دماؤها الساخنة، وخشيت على بشرى منه، لكنها رأتها تلف ساعديها البضين حول رأس زوجها لتكشف عن شعر ما تحت إبطها الأيمن الملتف النافر نحو الخارج، ولتبتلع بفمها الواسع شفتيه ملتحمة به، كادت تنفجر من التهيج، كانت الأحلام تسافر بها وهي تستمع لأقاصيص فخرية تصف لها مباهج الاقتراب من خطيبها، الذي عقد عليها قبل شهر، حلاوة القبلات التي لا تنتهي، تفجر اللمسات، لكن فخرية لم تتزوج بعد، لا تعرف كيف تصف الرجل عارياً، ومتوتراً، وكيف يلتحم بالأنثى، يا له من مشهد! أيمكن أن ينسى مثل هذا؟

-  ماما ليش تأخرت؟..أين أنت؟..بدأت تزخ.

-  نازلة الآن..

ما هذا؟ كيف لم تشعر بتلك الزخة العارمة، أغرقتها، نفذ ماء المطر البارد حتى جلدها، لكن دفء منظر الغرام اكتسح البرد والماء والمطر والهواء والوجود كله، وإذ حدقت بغرفة عامل السكك لم ترَ أي شيء، انسحب الزوجان إلى داخل الغرفة، لكنهما أبقيا باب الغرفة مفتوحاً، لو كانت  هناك أكثر من طابوقة متآكلة لرأت بقية الفصل، لكن مع الأسسف.

تركت الملابس على الحبل كيفما كانت، نزلت تركض، لم تعنفها أمها أو تلُمْها، عانقتها، أنزعتها ملابسها، لفتها بمنشفة، أخذت تجفف شعرها، عاتبتها بحنان:

-  ماذا كنت تفعلين يا ماما؟ ألا تخافين من أن تصابي بالبرد يا حبيبتي؟

-  قوس قزح..

قهقهت أمها، ضمتها إليها:

-  أنا مثلك ..كنت وما زلت مغرمة به..تعالي غطي جسدك ببطانية.

-  ماما رجاء..

-  نعم ماما.

-  ما ذا حل بأولاد علوان عامل السكك؟

-  أنت تعرفين ماما..أيوجد داعٍ لذكرهم! عندما مات أبوهم كان عمر الكبير إحدى عشرة سنة، كان عمري تسع سنوات، تتذكرين أننا كنا نساعدهم بكل نقدر عليه، بعدين صار سامر ابن علوان محامي مشهور؟

•الله لا يخليها على نوري السعيد..

همست إحدى البنات: مات قبل أن أولد.

كتمت الأخريات ضحكاتهن، لكن رجاء كانت ما تزال تربت على رأس أمها.

-  لماذا قتل علوان عامل السكك؟..ماذا فعل؟ ''طلع''بالمظاهرات! أخوك فخري أيضاً طلع بالمظاهرات، يعني ماذا؟ لماذا قتله هو وأصدقاءه المساكين؟ إيش عملوا؟ الله انتقم منه، قتله، لا يضرب الناس بالحجارة.

ساد صمت لم يقطعه سوى زخة مطر قوي، ابتسمت العجوز:

-  وفخرية؟

ابتسمت الأخوات، لكنهن لم ينبسن، ربتت رجاء على رأس أمها:

-  تعرفين ماما..أعطتك عمرها..قبل عشر سنوات..

ضغطت على يد ابنتها، أخذت نفساً عميقاً، قالت لها فخرية، لنراقبه، مادام فعلها مرة فسيفعلها أخرى، أخذتا تقضيان فترة ما بعد الظهر في السطح، أضاعتا ساعات طويلة وهما تحاولان أن تزيحا طابوقة أخرى لتكبير الكوة التي تتلصصان منها على بشرى وزوجها، لم تكن المهمة سهلة، كانتا تخشيان أن يتداعى الحائط المتآكل كله، ولما أفلحتا احتفلتا بقنينتي "نامليت" منعش، لكن المنظر لم يتكرر، اكتشفتا بعد طول مراقبة وانتظار أنه لم يكن يرجع في الظهيرة إلا يوم الخميس، وحتى رجوعه في ذلك اليوم لم يكن منتظماً، فأحياناً لا يُرى إلا في المساء، وفي المرة الوحيدة التي رجع فيها في نفس الوقت، دخل الغرفة، نزع ملابسه، لبس بجامته المخططة، اتكأ على السرير، لم تلتحق به بشرى إلا بعد نصف ساعة وبيدها صينية الطعام، جلسا يأكلان، حتى أنه لم يداعبها كما كانا يحلمان، ثم صعد على السرير، بينما نزلت بشرى بالصينية والمواعين، وعندما صعدت من جديد، لم تنم قربه، تمددت على ظهرها على حشية على الأرض فبانت بطنها كبيرة منتفخة، ولم تعد رؤيته، أو رؤية زوجته تثيرها بعد الزواج، لكن ذكرى تلك اللحظة كانت تلهبها مقترنة بكلمات فخرية التي لم تكن تشبع من تكرار القصة..

-  لكنها هي الآن أمامي..

-  من؟

-  فخرية..ها هي تتقدم نحوي...

انتفضت، مدت ساعداها لتستقبل فخرية، والابتسامة ما زالت تعمر وجهها.. 

 

             

مساء باريس

 

اختفى عبد القادر قبل شهرين تقريباً، لكنه ظلّ محور جلستنا. كيف؟ أين؟ لا أحد يدري. لكن ناركيلته. مكانه في المقهى. ظلّه لم يختفِ بقي على حاله.

وافق صاحب المقهى على استعمال "الناركيلة" وسط دهشة الجميع، لم يتصور أحد أنه سيوافق قطّ. ربما لأسلوب عبد القادر المؤدب، ربما لعلاقته بالمقهى التي تزيد على عشر سنوات، ربما لشيء آخر، لا ندري بالضّـبط، بعد السّـابعة من معظم الأيام نتجه إلى المقهى، نراه جالساً في مكانه أمام المروج الخضر، سارح النّظر، نسلّم، يبتسم، يهزّ رأسه، نجلس، قليلاً ما نتكلم، نبذ مختصرة فقط. دمروا سامراء، ما أشنع التّعذيب في أبو غريب، الأمريكان أذكياء في خلق المشاكل أغبياء في حلها، من سيفوز يا عبد القادر، بوش أم كيري.

- ليس أمامنا سوى ستة أشهر لنرَ النتيجة.

- مرة أخرى يقصفون الفلـوجة.

- الفلوجة دخلت التاريخ.

هل زرتها يا عبد القادر؟ نعم قبل أن أغادر، قرية صغيرة. مررت بها في طريقى إلى عمان، سنة 1970، يسمى آنذاك طريق الرّطبة، قديم، ضيّق.

- لكنه أصبح بعد ذلك درجة أولى، أفضل من طرق أمريكا.

- سمعت ذلك.

- والنجف؟

- نعم زرتها.. مدينة صغيرة أيضاً.

 –هل سيبقون في العراق؟

- أبداً. هل سمعت بقصة اللّصّ؟

- أي لصّ، اللّصوص كثار؟

ضحكنا.

-  نزل لصّ على عائلة، الدّنيا برد، قال الأب العجوز لابنه أمسك به. أمسك الابن به، لكنّه بعد قليل أخذ يصرخ مستنجداً. العجوز لا يستطيع مساعدته. قال له: أطلقه ما دمت غير قادر عليه. قال أطلقته أنا، لكنّه هو ظلّ ممسكاً بي، لا يطلقني. أمريكا تريد أن يطلق العراقيون سراحها مع الاحتفاظ بماء الوجه. لكنّها لا تستطيع.

قرقرت النركيلة. الشّارع تحت المطر مرآة تنعكس عليها السّيارات وهي تسرع شتى الاتجاهات، مجلسنا أمام مفترق الطّرق لا يتغير. عبد القادر اختاره قبل مدة طويلة ربما خمس عشرة سنة، أكثر! أقل! كان يرتاح فيه بعد انتهاء العمل اليومي، لكنه منذ أن استغني عن خدماته في نهاية أيلول سبتمبر قبل سنتين أصبح جزءً من المقهى، يتمشى، يقضي حاجاته، لكنّه في الرّابعة عصراً، يجلس في مكانه هذا:

- أين أذهب؟ أيوجد أحلى من هذا المكان؟ المنظر فائق الجمال بأي مقياس. مروج خضر منسّقة تنتهي بغابات، بحيرة، ملاعب، شلالات اصطناعية.. الخ. ما إن أرفع بصري حتى يتيه في مُلْك شيكاغو..أفق فردوسي خلاب. مرة واحدة سألناه إن كان يستطيع أن يعمل شيئاً آخر غير العمل في المطبعة. ابتسم، سأبلغ السّتين هذه السّنة، ولا أستطيع العمل في البقالات، لا أستطيع حمل صناديق خمسة وعشرين كيلو، لا أستطيع غسل المواعين في الفنادق، ماذا أعمل؟ قدّمت على التّقاعد قبل الوقت المحدد، ها أنا ذا أنتظر، دعوا التّفكير في مستقبلي، تمتعوا بجمال هذه اللّحظة قبل أن تفنى. لا يُكثِر الكلام، يلقي أمثلةً، قصصاً منتقاة، كلماتٍ مختصرة، ثم يتيه في بحاره الدّاخلية المتلاطمة.

المقهى واحدة من سلسلة مشهورة في أمريكا، ربما تصل إلى الآلاف، وحينما استعمل عبد القادر الناركيلة أول مرة استأذن العاملة، وقفتْ مشدوهة أمام هذا الاختراع الغريب.

- هاك مصّي.

- لا أدخن.

- فقط تذوقي.

أغرقت ضاحكة: حسناً سأتصل بأصحاب المقهى لعلهم لا يمانعون. أرسلوا مندوباً، شاب في الثلاثين من عمره، نحيف جداً، تكاد عيناه تخرجان من محجريهما، "هكذا وصفه عبد القادر، لأنّنا لم نكن موجودين وقتئذ" رآه جالساً في مكانه يدّخّن الناركيلة، مرتدياً الزيّ البغدادي التقليدي، العمامة الصغيرة، "الزبون البُتّة"، تلمع فيه خيوط الحرير، القميص الأبيض النّاصع، الفاخر، حزام القماش العريض. يتمتع بمنظر الشّلال والمروج وينفث الدّخان المتبل برائحة الليمون الفواحة، وبقربه فروته الأنيقة في الشتاء، مطوية على مقعد قريب. لم يكلّمه أولّ الأمر، لكنّه اتجه نحو النّادل. أعطاه بعض التّعليمات، ثم تقدم نحو عبد القادر، استأذنه بالجلوس قربه، طلب منه أن يستنشق نفساً من الناركيلة، فلفّ عبد القادر مبسمها بالمحرمة الورقية، وقدّمها له، أغمض المندوب عينيه الواسعتين، ثم جذب النّفس. ابتسم. إنّها لرائعة. يا سيّد عبد القادر تستطيع أن تأتي إلى هنا كلّ يوم، كلّ ساعة، تشرب، وتتناول ما تريد على حساب المحل.

 ربما اتّخذ المندوب ذلك القرار لأنه اعتبر وجود عبد القادر بزيه البغدادي العريق، وناركيلته خير دعاية للمقهى، بالرّغم من المفارقات التي تولدت من جراء ذلك فقد كان عشرات العرب والشّرقيين الذين يمرون بالمقهى يطالبون صاحبها بناركيلة، إسوة بعبد القادر، ثم يتساءلون إن كانوا يستطيعون جلب ناركيلاتهم إلى المقهى. لكنهم يتناولون قهوتهم، ثم يخرجون ولا يعودون.

هكذا أصبح عبد القادر علامة من علامات المقهى الثابتة، الشهيرة، لا بل علامة من علامات شيكاغو، فقد استأذنوا منه بصورة فاخرة زينت إحدى كتب الدعاية السياحية للمدينة.

الآن بعد اختفائه طفقنا نعصر أدمغتنا، لعل شيئاً ما يقودنا إليه، في الأقل نعرف شيئاً عن مصيره.

كعبة، متحف، علامة أثرية! تُزار تبقى في مكانها، مركزاً للجذب. تبقى في الذهن، لكن الآخرين يزولون، يأتون ويذهبون.

نذكر جميعاً لحظة اختفائه، كان يدّخن، أبعد المبسم، لمعت عيناه، هتف: هل شممتم العطر؟  أي حاسة للشّم يتمتع بها؟ تعالوا. نهضنا يرافقنا ضجيجنا ضحكات، تعليقات، تساؤلات، نعم كان هناك عطر فريد يضّج في كل مكان، ينبعث من السوق الضخم المجاور "MALE " تلك هي المرّة الثّانية التي يشير فيها عبد القادر إلى العطر، كان ذلك في اليوم الأول لغزو العراق. ولست أدري ما العلاقة بين ظهور العطر والغزو‍! لكن عبد القادر قال مرة واحدة: العطر يمتزج بالموت دائماً. ولم أفهم قصده أيضاً. آنذاك لم يخرج سوى واحد منا، شمّ العطر، ثم ذهب مع عبد القادر، لكنّه رجع بعد قليل، أما عبد القادر فلم يرجع إلا بعد نصف ساعة، وكان وجهه ممتقعاً. شاحباً. ورفض أن يجيب على أي سؤال.

لماذا هاجرت يا عبد القادر؟ لا يجيب. يغمض عينيه برهة ثم يتيه في عالمه الداخلي.

أ هذا سؤال؟ دائماً حرية مفقودة، اضطهاد، مصير مجهول في العراق. يجب أن يكون السّؤال: لماذا يبقى النّاس في العراق؟ ضحكنا.

السّياسة هي السّبب. يبتسم عبد القادر: أو الحب. نضحك مرة أخرى. تلك المرة الأولى التي يتكلم فيها عبد القادر عن الحب. ثم رمى بإحدى جمله الغامضة من دون أن تفسير: الفتاة عندنا مظلومة، كثيراً ما يتوج حبها بالذبح.

حينما أخذ سمير يستعد لجلب خطيبته من القاهرة سألنا ماذا يحمل إليها من هدايا.

أجابه بكر: سل أي رجل متزوج.

- ليس فينا متزوج.

بادرت: أنت سلْ خليلتك، أي عطر تفضل.

- خليلتي نجارّة، لا تعرف غير العطر الرّخيص.

- وماذا عنك يا خيري؟

أجبت، تفارقنا قبل شهر. علاقتي بالموظفات اللواتي يعملن معي مازالت في بدايتها، هذا هو الأسبوع الأوّل.

أخذت منا المداولة نحو نصف ساعة، فجأة انتبه عبد القادر: مساء باريس. نبر الإسم بالفرنسية. قمة الجمال في العالم حسناء وعطر جميل. ضحكنا. سمعنا بذلك العطر أول مرة. جيّد؟ نعم، ممتاز. كانوا يهربونه من الكويت، سعره وقتذاك دينار ونصف، أي خمس دولارات. عبد القادر. كم كانت القوة الشرائية للدينار آنذاك؟ يبتسم عبد القادر، يفكر قليلاً: تشتري بدينار ونصف مثقال ذهب، أي خمس غرامات. هذا يعني أن سعره الآن في حدود الخمسين دولاراً. لابد أن يكون جيداً. نهض سمير. إلى أين. لأشتري العطر من الـ "MALE" من يأتي معي؟ نهضنا، حدثت المعجزة. نهض معنا عبد القادر. تساءلنا ترى أين محل العطور! أشار عبد القادر أن نتبعه. العاملة هندية، ربما في السابعة عشرة، تجاوزت قليلاً حد الامتلاء إلى السمنة، شفتان ممتلئتان شهيتان. ابتسمتْ. رحبتْ بعبد القادر. كأنها تعرفه منذ دهر. رجاء دقيقة، غادرت منضدة البيع. عطور من جميع أنحاء العالم، مئات الماركات. عطور في علب نحاسية، في دوارق، في علب من الكارتون. قال بكر: في الدّار البيضاء محل عطور تقليدية يخلط مواده أمامك. من أين يستوردون المواد؟ لا أدري! ربما من الهند. فُتح الباب في صدر المحل عن هندي في حدود الأربعين، شعر أسود يلمع ب"الفازلين"، في ملامحه شبه للمراهقة، لكنه نحيف. مدّ يده إلى عبد القادر. صافحه بحرارة. بادر: لقد طلبته من باريس مباشرة. ربما سيأتي بعد شهر إلى شهرين. تعرف أنت أن الباخرة تستغرق نحو ثلاثة أشهر للوصول إلى الموانئ، ثم بعد ذلك تصنف البضائع لتأخذ طريقها إلى شيكاغو. تساءل عبد القادر وبلهفة: لكن أ أنت متأكد أنهم مازالوا يصنعونه؟ نعم. وقعوا العقد، تسلموا من البنك رسالة الضمان. أشرقت عينا عبد القادر، تنهّد بارتياح. قال سمير: حسناً، مازال "مساء باريس" لم يصل إلى حدّ الآن، اختر لي أي عطر جيد.

- لابد أن مساء باريس يذكرك بمن تحب.! ابتسم عبد القادر: العطر وحده لا يكفي. لكل امرأة عطرها الخاص بها، رائحة جسدها تميّزها عن غيرها، لا يكفي أن تستعمل المرأة عطراً ممتازاً، بل يجب أن تختار عطراً يتلاءم مع ما يفوح من جسدها، وبامتزاج تينك الرائحتين يتولد عطر جديد متفرّد، حينئذ لا يعود للنظر أي قيمة، القلب وحده يقرّر، يتحكم، لتستعمل مئة امرأة عطراً واحداً، لكن قلبك وحده سيميّز من هي آسرته.

كانت تلك أطول جملة أسمعها من عبد القادر.

سافر سمير إلى القاهرة، أصبحنا ثلاثة فقط، عبد القادر، بكر، وأنا.

كنا في المقهى، في نحو السّادسة مساءً، بداية تشرين الثاني، ارتفعت درجة الحرارة بشكل غير متوقع، وزهت المروج الخضر بظلال الأشجار، وتلألأ شلال المياه بألوان شتى تحت أشعة الغروب المختلفة، لكنا كنا حزينين، عشرات الأطفال قتلوا في العراق. قبل يوم واحد، بينما استضافت إحدى الفضائيات "مادلين أولبرايت" لتدافع عن منهجها، مفضلة إبقاء الحصار بالرغم من موت نصف مليون طفل عراقي من تأثيره. صورتها في الجريدة ترفع إصبعها، تؤكد ذلك. آنذاك أبعد عبد القادر مبسم الناركيلة عن فمه، هتف: أ شممتم "مساء باريس" معطراً بجسد امرأة؟ لم ينتظر الجواب. نهض. غادَرَنا، بكر، وأنا ذاهلان، خرج. توقعنا أن يأتي بعد خمس دقائق، عشر لا أكثر. انتظرنا حتى التّاسعة موعد تفرّقنا. لم يعد، ذهبنا إلى "MALE" كان الهندي وابنته يهمان بغلق المحل، سألناه عن عبد القادر. لم يره. أوصل "مساء باريس"؟ هزّ الهندي رأسه ذات اليمين وذات الشمال: نعم. وصل اليوم. كنت أود أن أخبر عبد القادر لكني نسيت. أ اشترى نفس العطر شخص آخر؟ نعم. امرأة في الخمسين. أخبرتني أنها كانت تبحث عنه مدة عشرين سنة وهذه أولّ مرة تراه في شيكاغو. أ استعملته. نعم. لم تنتظر أن تصل إلى البيت، كانت شديدة التلهف. كم كان الوقت؟ لا أدري. لكن بداية المساء. ربما في السادسة.

 

 

معتوق

 

كنت أسمع حديثه الغريب، وأنا أدفع النقالة، منتظراً انتهاء العملية الثالثة، وكنت مهتماً بالسيدة الحسناء، ذات الشعر الأصفر، الذهبي، الصافي، ينتشر حول كتفيها، بفتنة تخلب اللب، كأسلاك حرير نادر لا يقدر بثمن، وكنت أستنشق العطر النادر يفوح منها بسخاء، لابد أنها فاحشة الثراء، أبسط عملية عندنا تكلف عشرة آلاف دولار، كانت تبكي، ولم يتيسر لي النظر إلى عينيها، لأتبين لونهما، إذ قدرت أنهما زرقاوان، كمياه البحيرة العظمى التي تقع إلى اليسار، على بعد أقل من مئة متر، البارحة فقط سقط الثلج مبكراً، مازلنا في الأسبوع الأول من كانون الأول، ديسمبر، غمر كل ما تقع عليه العين، هبت الرياح شديدة القرس، انخفضت درجة الحرارة إلى ما تحت الخمس عشرة مئوية، تحت الصفر. ابتأست، انقبضت روحي، أ ستختفي الشمس؟ أ سيجتمع الزمهرير وذلك اللون الرمادي المقرف؟ لا هذا كثير! لكني فوجئت بأشعة الشمس تزغرد صباح هذا اليوم، بالضوء يغمر الكائنات، يعطي الثلج صفاء لم يحلم به، من يصدق: شمس مشرقة في درجة حرارة متدنية كهذه؟ هرعت قبل أن أبدأ عملي، بالنظر إلى البحيرة، الله! يا للزرقة الخلابة، المدهشة، لا أجمل منها غير عينين زرقاوين، ثم غمرتني أعباء العيادة، والعمليات، وأوامر الطبيب الصيني، والتعقيمات التي تسبق العلميات، واستقبال الجرحى، وطبيبة التخدير البدينة، التي تثير عنوستها رثائي. يا لجمال وجهها! يا لطيبتها. أين الزوج؟ من يقبل بجبل من اللحم في فراشه؟ لم أدرِ كيف مضى الوقت! خمس ساعات كاملات مرت كدقيقة واحدة، ثم انتهت، بعدئذ بدأت أتلهف لرؤية عيني الشقراء، لتكتمل الصورة أمامي، سروال أبيض، صدرية من الأوركنـزا السماوية، وبلوز من نفس النوع واللون، يندمجان، يتممان، يغلفان عالماً فريداً لمعجزة تمشي على الأرض، كانت تبكي بمرارة، وتمسح عينيها، بين الفينة والأخرى، ولولا اضطراري لدفع النقالة إلى غرفة العمليات لتوسلت بألف حيلة، وحيلة للتقرب إليها، قبل أكثر من سنة، قدمت علبة محارم ورقية لفاتنة أخرى، كانت تبكي هي الأخرى، قلت: رجاءً، تناولته مني، قالت وكأنها تناجي حبيبها: كم أنت رقيق، ثم تجاذبنا حديثاً طويلاً، لكني وأنا أفكر بهذه لا أدري كيف أخترق عالمها، آنذاك اقتلعني السحر. السحر فاتناً. سمعت حديثه الغريب:

-  كم مرة قلت لك: يا مرزوق لا تركض وراء شهواتك؟ لماذا لا تتعظ! لا أستطيع أن أذهب بك كل يوم إلى طبيب! احمد الله أنك لم تصب بالإيدز! أكدوا لي، العملية بسيطة، ليست غير خمس دقائق، تصور، تخدير موضعي، ثم ماذا تريد؟ أطفال؟ أنسيت نفسك؟ أنت مثلي الجنس! لماذا الأطفال؟ أي مثقف يريد أطفال؟ المجنون فقط، مالك ووجع القلب؟ أنت شاعر وتريد أطفالاً؟ تريد وجع القلب؟ كم كنت معجباً بالمعري؟ كم كنت تمتدحه قبل أن تمسخ؟ أ تستحق الحياة أن نعذب بها الآخرين؟ لماذا لم أتزوج أنا؟ أنت تعرف؟ ألم تتفق آراؤنا على أن الحياة كالموت سواء بسواء؟ ألم نتفق على أن الإخصاء خير للحيوان والإنسان على السواء! لا تبتئس، الخطأ خطأك، لست بصغير؟ كم مرة نصحتك، لم تستجب، أنت في الخامسة والأربعين. ماذا أسمع؟ المعري، والشعر، والفلسفة هنا معي في شيكاغو؟ إنه السحر. كيف يقتلع شاعر عظيم من هناك ليجري ذكره هنا؟

آنئذ التفت الشقراء، قالت للرجل، وهي تشير إلى النقالة:

- أهو نبيل؟

الحمد لله، رأيت عينيها بالرغم من تأثير الدموع، ليست زرقاوين، ولا خضراوين، ولا صفراوين، فيهما من كل لون شعاع خفيف، تتألقان كنافذتين ساحرتين، رغم البكاء، في وجه ملائكي، ولم يفهم الرجل، ولا أنا، وربما حتى المريض، ماذا كانت تقصد، فابتسمت ابتسامة خفيفة:

- أله شجرة عائلة؟

لم يدرك قصدها، وخمنت أنها اسكتلندية الأصل، فهناك لكل عائلة علم، وطراز لباس تقليدي، وشجرة عائلة، وو، ثم أدركتْ أنها لم تستطع أن توصل ما تريد، نبرت موضحةً:

- كيف يكون عمره 45 ولا يكون من عائلة متميزة؟

ابتسم الرجل:

- هه..أنت صادقة..لكن هذه النقطة ضمن القصة.

ولم أفهم ما عنى، ثم قهقه، نظرت إلى النقالة:

- لا. إنه من أصل وضيع، لكنه شاعر.

نسيت المرأة أشجانها، ابتسمت، لا بل قتلت ضحكة خافتة.

التفت الرجل إلى المريض:

-  معتوق، لا تزعل، أبوك رجل مغمور، ليس بنبيل.

وإذ رأى نظرة المريض المتعكرة، قال:

-  في الحقيقة لا أعرف بالضبط، فأنا لم ألتق أباه إلا بضع دقائق بعد الحادثة.

- ما اسمه؟

- معتوق؟

ردت المرأة: ماتوك.

- لا معتوق.

- ياله من اسم صعب، متوك.

- لا.

- مفتوك.؟

- لا.

اختفى حزنها كلية، ضحكت، وهي تردد، مفتوك. تحاول أن تتغلب على صعوبة لفظ العين، قال الرجل بهدوء:

 اسم عربي؟

 كان الرجل يلفظه جيداً، ولم استغرب، رأيت الكثير من المستعربين هنا.

-  كم سنة وهو معك؟

- عشر سنوات، منذ حرب الخليج الثانية، هناك التقيته.

ثم نظر إليه:

- أليس كذلك؟

أغمض المريض عينيه موافقاً، وعادت لنفس النقطة:

- إذن كيف يكون عمره 45 سنة ولا يكون من سلالة نبيلة معروفة، معمرة؟

- إنها قصة طويلة، كتبتها آنذاك في شيكاغو تريبيون.

صعقت المرأة، هتفت:

- إذن أنت صاحب الكلب! أنت مسؤول ال CIA؟ مستر مايلز! يا للمصادفة‍‍! أي ريح طيبة!

- نعم..أنا.

- منذ أن رأيتك أخذت أتساءل مع نفسي: أين رأيت هذا الوجه؟ من المستحيل أن يتذكر المرء الملامح بعد عشر سنوات! لكني ما زلت لا أصدق.

- حتى أنا.

أنا أيضاً تذكرت القصة، وأنا أراقبهما، لكني مثلها لم أتذكر الوجه، فقد نُشرتْ كمعجزة محيرة، لا تفسير لها مطلقاً، نشرت في أكثر من صحيفة، ثم تناقلتها غير قناة تلفزيونية، لكني كنت شبه مخدر من أثر الأحداث، والقصف، والدمار، والمذابح، والمآسي،لم أتذكر ملامح الرجل، ولولا أن الحسناء التي أمامي ذكرت اسم مايلز لما تذكرت، فقد كان مايلز بطلاً لقصة أطفال، في قراءة الابتدائية، ما زالت عالقة بأذني، ومن هنا ارتبط الاسم الجديد بالقديم في الذاكرة، تصورت لحظتئذٍ أنها قصة مزيفة من أحابيل السياسة، لإبعاد الرأي العام عن مآسي الحرب.

ثم فُتح باب غرفة العمليات، فاندفعت الشقراء إلى النقالة الخارجة، هتفت بجنون:

- أهو بخير؟

ولما لم يجبها مساعد الطبيب كيم كين سو، بأي كلمة، دافع النقالة إلى الأمام، هجمت على المريض، أشبعته بوساً، كان ما يزال تحت التخدير. سأل الرجل:

- ما به؟

- التهاب رئوي، سحبوا منه ماء في الرئة، جو شيكاغو المتقلب، التعس، سيكون بخير، أكد الطبيب ذلك، إنه أمير من سلالة ملكية، عندي شجرة العائلة، أصله من فرنسا، سيعمر من دون شك.

كنت أراقب الضوء الأخضر، فوق باب العمليات، لأدخل بالتالي، لكن نباح ثلاثة كلاب ارتفع في داخل العيادة، وتوقعت أن يأتي الدكتور واجنر ليطلب مني أن أذهب فأسكتها، لكنه لم يفعل، وإذ اطمأنت المرأة على مريضها، ابتسمت من جديد، احمرار بسيط في عينيها من أثر البكاء، كان كلبها الخارج من العملية مغمض العينين، يتنفس بهدوء وعمق، كأي حيوان تحت تأثير المخدر، بينما لاح شيء من الفزع في عيني الراقد على محفتي، وهو يتوقع أن أدفعه بين لحظة وأخرى إلى غرفة العمليات، فتركت الحسناء مريضها، وربتت عل وجه معتوق، قالت:

- إنه خائف.

- جبان.

- لا.. شف هذه الصور، كل من ينظر إليها يرتعب.

كانت على حق، الممر إلى العمليات مليء بصور ملونة: القلب، الرئة، الأمعاء، الكليتين، بقية الأحشاء الداخلية، انتقدت ذلك أمام الدكتور واجنر، وطبيب العمليات لينوردو، من يرى هذه الرسوم وهو سليم يرتعب، فما بال المريض؟ لكنهم لم يلتفتوا إلي، قالوا لي إن الحيوانات لا تربط بين الصورة والحقيقة. وبالفعل تناول كيم كين سو، النقالة مني، لم يكن يظهر من وجهه سوى عينيه، وأذنيه الحمراوين، إذ كانت الكمامة تغطي فمه، وحنكه، بينما احتلت القبعة جبهته حتى حاجبيه، واختفيا، قالت المرأة:

- حاولت الاتصال بك حينئذ، لكن الصحيفة لم تعطني الرقم، قلت إنها قضايا أمنية، رجل مهم مثلك يجب أن يحموه، كما أن اسمك لم يكن في دليل التلفون.

هز مايلز رأسه، لم يعقب، كان علي أن أسحب النقالة التي يرقد عليها الأمير، إلى غرفة الاستراحة، فقد تعهدت الحسناء، أن تعتني به في البيت، بعد أن يفيق من تأثير المخدر.

وتعمدت أن أسير ببطء، لأتسمع حديثهما، وأهيم سابحاً في بحر عطرها الفواح، كانا يسيران ورائي:

- ماذا كنت تريدين أن تعرفي بالضبط؟

التفت إليها، رأيتها محرجة، يتدفق الدم من وجنتيها، الشهيتين:

- أصحيح؟

لم تزد، اضطرب مايلز، كان طويلاً، غير ممتلئ، وربما كان يضع باروكة على رأسه، لأن لون لمته أشقر، بينما تلصص بوقاحة بعض شعر فوديه من تحتها أبيض، ناصعاً:    

- أتصدقين؟ حتى أنا إلى حد الآن لم أعرف، كان مستهتراً بشذوذه، ولكنه كان مفيداً لي جداً، كان يستطيع أن يأتيني بما أطلب، لهذا أبقيته معي، وعندما ذكروا لي قدوم الساحر المغربي، ومقدرته على مسخ الناس، لم أصدق، كان ما يلفت النظر عمامته الكبيرة، البيضاء، أتذكر أنه لم يصافحنا على عادة العرب، ذهب اغتسل أولاً ثم صافحنا، لماذا؟ لا أدري. في الخمسينات من عمره، عينان كستنائيتان نفاذتان، أقيمت له القبيلة وليمة كبيرة، حضرها العشرات، وفي اليوم التالي، كنا نحن الثلاثة في الخيمة وحدنا، عند ذاك فند معتوق السحر، اعتبره خرافة، وخداع، وتضليل، وتجاوز بكثير من الكلمات على الساحر، والساحر محتفظ بوقاره. ثم وصل الحد بمعتوق أن تحدى الساحر ليمسخه كلباً، ربما من أثر الحشيشة، أو الخمر، معتوق مولع بكل الممنوعات، والضارات، يقول إنها تستجلب شيطان الشعر، لكن الساحر لم ينجر إلى التحدي حالاً، قال: حرام أن أمسخك كلباً. طفق معتوق يسخر منه، وبشدة:  حرام، أ أنت تعرف الحرام؟ يدعي السحر، يكذب، يغطي أكاذيبه بالتدين، يقول حرام، هه، هه. أكد الساحر: نعم حرام. قال له معتوق: أنت وسحرك في قفاي. أدار له مؤخرته، وضرب عليها بقوة. لا بل كشف عن مؤخرته عارية في وجه الساحر. رأيت الساحر يمتعض، لكنه ابتلع الإهانة بنوبة سعال مفتعلة، مصحوبة ببسمة. ثم نهض غاضباً. تفرقنا، بقي معتوق وحده في الخيمة، وحينما جئت في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان معتوق ما يزال نائماً، لكني سمعت صوتاً غريباً في داخل الخيمة فجراً، فتحت عيني، رأيت الكلب، حاولت طرده، لكنه مانع، عدت للنوم، لم يخطر ببالي قط أي شيء غريب، في الصباح نسيت القصة، لم أر معتوق طيلة الليل، قلت ذهب لحاجة ما، لكني بدأت أقلق عندما حل المساء ولم يعد، كان الكلب يجلس في الأمكنة التي كان مرزوق يجلس فيها، وعندما ينام ينطرح على سريره، ولا يأكل ما يرمى إليه، بل يأتي، ويجلس مكان معتوق على المائدة، وعبثاً كانت تنتهي عمليات طرده، يعود باستمرار. جاء عمه، أمه، عائلته، معارفه، تشكلت فرق للبحث عنه، انتشرت شتى الأرجاء، لم نعثر على شيء، بعد ثلاثة أشهر، رجعت إلى الولايات.

رددت: 45 ستة.

 

- هز مايلز رأسه: نعم، تجاوز عمره الـ 45 معجزة، كما قلت، مستحيل في عالم الكلاب. أنت محقة عندما قلت سليل أسرة متميزة.

تنهدت: قرأت القصة في الجرائد، رأيت المقابلات معك. لكني الآن صدقت.

ضحك الرجل: لكني لم أزل أشك.

أخذت ذاكرتي تسترجع بعض التفصيلات، كيف وصف معتوق في الجرائد، كان يفهم كل ما يقال له، وعندما يطلب منه أن يلقي قصيدة له، كان يجلس على مؤخرته، ويحرك يديه كأي شاعر، ويهمهم همهمة نغمية، لم يكن ينبح قط، عدد مايلز مئات الأعمال التي كان معتوق- الكلب-  يقوم بها، والتي لا يستطيعها غيره! وعاداته البشرية، ومقدرته على الكتابة باللغتين العربية والإنكليزية، وو

- ألم يأتكم شيء ما عن أخبار معتوق الأصلي؟ ألم تعثروا عليه؟

خجلت لسؤالها، وربما أحست هي أيضاً بتفاهة السؤال، قال:

- لا، لم يجد جديد، لو حدث لنشرت وسائل الإعلام الخبر.

- والساحر؟

- اختفى في صبيحة اليوم التالي أيضاً، لم يره حتى الذين جاؤوا معه، أحد قصاصي الأثر قال إن أثار قدمي الساحر وجدت على بعد مسيرة عشرة أيام، مرفقة بآثار أقدام مجهولة، وما كان بإمكانه أن يرى أثار قدمي معتوق، لأن إعصاراً مرّ من فوقنا، دام أقل من دقيقة محا الآثار كلها في منطقتنا.

ضحكت الحسناء:

- وأنت؟ أتصدق؟

-  قلت لك قبل قليل: لم أزل أشك.

ثم حدّق بها وابتسم، بدا وكأنه يحاول أن يعثر على الكلمات المناسبة بصعوبة: بيني وبينك لا. حسناً. لا غير مضبوطة. نصف نعم، مات أبوه في الستينات من عمره، وأمه مازالت حيّة، هي الآن في السبعين، إن بلغ ذلك المستوى فربما يكون حقيقة، لننتظر، من يدري؟ لكني لا أعرف هل سأعيش أنا إلى ذاك الوقت.

- أيمكن أن تقدم لي معروفاً؟

- ماذا؟

- أحب أن أصور له لقطة فيديو له وهو يقرأ إحدى قصائده.

قهقه الرجل من كل قلبه:

- لا بأس.

ناولته بطاقتها، والفرحة لا تسعها، وهممت أنا أيضاً أن أطلب منه أن يسمح لي بالحضور، لكن قوانين العيادة، التي تحرم الاتصال بالزبائن منعتني. 

 

أضيفت في 16/12/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية