غزالة
بدأ الدفء يدب في أوصال الغابة، حين غادرها شتاء طويل، اكتست
الأشجار بلون الخضرة وبدت الأزهار بألوان متباينة ، يفوح منها أريج له عبق خاص
بالغابة وسحرها. وعند هطول الليل بدا قرص القمر متسعا ينشر ضياءه .
بجوار غدير الماء وأسفل شجرة عتيقة، انساب صوت الناي شجيا يْبقي
بالعين دمعة تجعل للعين بريق يأسر القلوب. وبمرمى البصر تجدها تعدو وتقفز
مع ضوء القمر و نغمات الناي الحالمة ، ترقص بحركات إيقاعية متوترة ، سرعان
ما تنساب وتبدأ بالدوران حول نفسها ثم تعيدها. حتى يطل ضوء النهار ويختفي
القمر، تعدو إلى حيث أتت.
تلك الليلة عاودت فعلتها ، الفراشات ترفرف بألوان أجنحتها تجاه
الضوء المبهر ترنو إلى نهاية . والأيل بقرونه المتشعبة ظل ساكنا بأعلى هضبة
مطلة على غدير الماء.
يا له من جمال وسحر لتلك الحركات الإيقاعية، وصوت الناي يغرد ويداعب أوتار شغاف قلبها وأحاسيسها. ترهف السمع وتدنو لتشبع الروح بفيض
النغمات وهي تتمايل بشدة تصارع جسدها .
حينها غاب القمر وأظلمت السماء، اختفت النجوم نعقت البوم تحركت
الرياح بشدة فتسمع حفيف الأشجار. وهي تترنح بنشوة باتجاه عازف الناي ، بعينيه
شعاع حاد مبهر، أعقبه احمرار بلون الدم، برزت أنيابه يغرسها برقبتها، تسيل
منها خيوط من الدم، تهوي بجسدها لأسفل، تتمدد أرضا ، تتساقط أحلامها واحدا
تلو الأخر، تغمض عينيها وهو ينتهك جسدها وبقايا روحها .
3/2/2005
أضيفت في 03/01/2006/ خاص
القصة السورية / المصدر: الكاتب
العربة ذات الأحمال
قصص قصيرة
جلس على كرسي التسريحة ينتعل حذاءه استعدادا للذهاب لعمله . زوجته قد أعدت له
كوبا من الشاي بالحليب أتيه به من المطبخ إلى حيث يجلس فلمحها في المرآة يختل
توازنها.
قال: لابد لك من الراحة اليوم و لا تذهبين لعملك حتى تستعيدين بعض من صحتك ..
أجابت: هل لك من طريقة نوفر بها قوتنا الضروري و ثمن العلاج .
حرك رأسه نافيا . كان قد أنتهي من كوب الشاي و طلب منه عدم نسيان إحضار الدواء
و كذلك الولد من المدرسة لعدم مقدرتها علي ذلك اليوم .
كانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد الظهر حين غادر عمله متأبطا جريدته و كان
عليه الاسراع الي اقرب اجز خانه لإحضار الدواء لزوجته . فكر لوا أن ذلك قد
يستغرق وقتا و ربما لا يلحق بابنه في المدرسة الكائنة نهاية الكوبري المعدني
المتخم بالسيارات و المارة .
جذب انتباهه مشهد العربة , العربجي جالس علي حافة العربة خاوي القدمين لا يستر
جسده سوى جلباب بالي , وأشعه الشمس لافحة تلتهم جسده النحيل حتى بدا العرق
يسيل من جبهته و خلف أذنيه نازلا علي رقبته . تلك العربة
ذات الأحمال الثقيلة مكبلا بها حماران تبرز عظامهما من تحت الجلد لا يقويان علي
جرها لكنهما تحاملا .
ظل يصعد الكوبري و هر يرقب العربة . لكن أحد الحماران لم تقوى قوائمه علي حمله
و بدت خطواته تتثاقل حتى انكفأ أرضا. اناس كثيرون لم يعجبهم الحال , توحدت
نظراتهم و تلاقت حول الحمار الملقي علي الأرض أمام العربة و كل منهم يلعن
العربجي بطريقته. تجمعت و تجاذبت الأفكار و الهواجس برأسه و أطلت من عيينه
باتجاه الحمار الراقد. وصدرت من شفتيه كلمات غير مفهومه.
وأن دلت عن معاناة داخلية , تباطأ في خطواته و هو ينظر خلفه .. خطوه .....
خطوتان .. ثلاثة و ينظر خلفه مضطربا ممزوجا بوجوم .
زوجته لإنزال في عملها رغم المرض العين الذي أمتص رحيق أنوثتها و نضارة جسدها
وأذبل عودها . لم يتحرك أحدا من المارة لمساعدة العربجي في فك حماره . تعالت
صرخات السائقين و كلاكسات السيارات و صخب الشارع رغبه في أزاحه الحماران و
العربة من مطلع الكوبري .
حدث نفسه ماذا لو حدث له ذلك . كانت زوجته قد عادت إلى منزلها تصارع
الآلام... الحمار الأخر المنهك يجول بنظره فيمن حوله يضم أذنيه و يرخيها …..
ماذا لـو ؟؟؟
الجميع يتهمون الحمار بالغباء .. لكنه قرر أن يثبت عكس ذلك ... فور أن
استطاع العربجي فك قيود الحمار الراقد .. تقدم هو ووضع نفسه أمام العربة.
القمر خلف الغمام
غابت الشمس , أنحسر ضوء النهار , عادت العصافير تتقاطر فوق الشجر , تهبط و
ترتفع , ترتفع و تهبط , يصدر عنها زقزقات تعودنا عليها , ثم تختفي عن أنظارنا
, تتراقص و تتشابك أيدينا, نتماوج كالأعشاب نجرى و نتقافز , نردد
( ياوابور يا مولع حط الفحم ) , وقتها كانت قلوبا تدق المكان و الحوائط و
الطرقات وأعشاش العصافير التي اختفت فجأه بين الأغصان , و يرجع لنا صداها عاليا
, كنا نجرى في الدروب بين البيوت و الأشجار وجذوع النخيل . حين تعبنا من اللف
و الدوران و قوله ( ياوابور يامولع ) هدأ صخبنا ,
جلسنا في دائرة واسعة أكملتها ( أم فتحي ) بجسدها و هي تعيد ترتيب جلوسنـــا
,راحت تحكي لنا حكايات كل ليله , كانت تترك رعبا في قلوبنا, فيزداد التصاقنا
,نتجه بأعيينا لجذوع النخل بترقب , لكن سرعان ما يزول خوفنا و يتعالي صوتنا .
بدأ القمر يطل من خلف الغمام , ( أم فتحي ) ينساب صوتها تحكي لنا عن الأميرة
صاحبه القصر العالي الممتد لعنان السماء المبني من البللور , توهج منه الانوار
, تحيطه من كل جانب بحيرات صغيرة لونها فضي تسبح بها أسماك ملونـه و غير ملونه
, أبتلعلنا اصواتنا , وراحنا نطرطق اذاننا
,
تتصاعد الحكايات , ارقب نجمه وحيدة تومض , كلما ومضت رفرف قلبي و تراقص ,
أشعر ببرودة السحاب .
اقف , أمشي يمشي معي القمر , أقف يقف , اتابع المشي , و اكرر ذلك مـــرات,
اجدها امامى كصفحه القمر , تلك الاميرة التي تخرج كل لــيله تداعــب القمر و
تراقص النجوم , ترفرف بجناحيها , اغادر جسدى , تبزغ اجنحتي , ارفرف خلفها ,
تعلو اعلو , احاول احتوائها , كلمااقتربت منها ابتعدت , اكرر اللحاق بها اقترب
تقترب , كفراشتين تتراقصان , نقيم طقوسنا للقمر , ندور حوله ونسبح ,
يغمرنا الضوء , نفترق ....... ينساب صوت ( أم فتحى ) بأغنيه تسرى في بدنى,
تحكى عن أميرة لا تأتى.
اتساع الجرح
الشتاء القارس وبرودة القلب و الجسد , البحر هائج تتلاطم امواجه و تعو وتصطدم
بالصخور محدثه صوتا رهيبا , تتعانق السماء مر البحر في الافق وقرص الشمس يغوص
تدريجيا . تلك الليله داخل القصر المهجور, تكورت خلف زجاج النافذة المنبعث منها
ضوء خافت , تراقب الطيور البحريه حين تتسابق الى الشاطئ في جماعات , تصل كل
الطيور للشاطئ الا هو , تركها كسفينه بلا قبطان , تتأجج مقلتاها , تصرخ
دموعهاو هي تنساب رغما عنها كغديرماء دافئ .
هكذا أتسع جرحها , كان عليها ان تعرف ان الامواج التي تأتى بشده تنسحب بهدوء و
لاتبقى أبدا .
تحسست أثر الزمن في وجهها , اعتدلت في جلستها و تحررت من ستائــــر جسدها , اسد
لت شعرها , مدت قدميها على المقعد المواجه لها . حين داعبـــت النتوءات
النافره فى جسدها , احست بنشوة تسرى في كيانها , احتضنت قطتهـــا تتلمس دفئها .
لحظتها انسكب الماضى بداخلها , استعادت عـذابـاتـها و بــــروده لياليها , حين
اسلمت جسدها لرجل ضل طريقه إليها, و تركها تصارع امواجهـا, تذكرت حينما دخلا
الصمت معا و تلاقت العيون , اقترب منها, اقتربت اكثر حتى تشممت أنفاسه الدافئه
, ازدادت ضربات القلب , انصهر جليد الجسد حتى ذابـــتتمامـا, لثم شفتيها .
هكذا افاق الجسد , لكنه فى تلك اللحظات تخلى عنها , شعرت ببروده الهواء بينهما,
انتفضت تلعن كل الرجال , خرج يعدو الى الشاطئ يلملم نفسه ويلعـــــن الشيطان .
باغته صوت حاد تضاعف صدى الصوت , ارتعب ارتمى ارضا و دفن رأسه بالرمال , فكر
لو أنـه احـد المرده . رفع رأسه بتثاقل و اطل بنصف عيـــن رأها ماثله امامه
بصوره بشعه , لكنه ادرك ان البحر لا تأتي منه سوى جنيــــــات , تداخل الماضى
و الحاضر بداخله , استعاد كلماتها و عذاباتها , فقد وعيـــــه , حينها بدأت
الطيور البحريـــه تترك ثقوبـا داميه فى جسده و تلتهم أعضاءه .
هـدأت الرياح و الأمواج , لاحت الشمـس فى الأفق و بدأت الطيور البحري رحلتها
. وهي لا تـزال جالسة فى مكانها خلف النافذة تستعيد حكايتـها و تنتظــرالليلة
التالية , اسد لت ستائر جسدهـا و تمنت لو تبزغ لها أجنحة.
المرأة يسكنها شيطان
شروق الشمس و انسكاب الضوء على المكان يعلن عن نهار جديد و نسمات هواء
باردة تلف المكان و الزمان . أ أيقظتني من نومي بغبغه و زقزقة عصفوران في
قفص معلق علي حائط الشرفة , تناولت قهوتي و استعددت للعمـل , تناسيت تماما ما
حدث يوم أمس , خاصة ابتسامة عم فارس و نظرة الأستاذ عبد المنعم , حين وصلت
لمكتبي بالوزارة لم يكن يشغلني سوى انتظارها .
كنت قد دربت نفسي على النظر في وجهها و انسدال شعرها في لقطه سريعة و الاحتفاظ
بها في الذاكرة أستعيدها حين تغيب عني , لم يطل انتظاري حتى تبينت وقع خطواتها
المميزة الناتجة عن حذاء ذا كعب عال يصدر عنه تكتكه علي البلاط , كلما اقتربت
خطواتها ازدادت دقات قلبي لدرجه كأني أسمعه .
حين دخلت و جلست أمامي خلف باب الحجرة و علي المقعد المواجه تماما, وهي علي ثقة
أنني لن أتهرب منها , قمت من مكاني إلى حيث النافذة الوحيدة بالحجرة , أسدلت
ستارتها لتكبح جماح الشمس التي زادت حدتها , أدرت مروحة السقف لتخفف منت حدة
الوهج . تساقطت حبات العرق من رأسي , لست أدرى من حرارة الجو أم منرهبه اللقاء
, لم تكن المرة الأولي التي تأتي فيها لمكتبي , و كنت عادة لا أهتم بها , لكن
تلك المرة أحسست بنعومة صوتها ودفء أنفاسها , مما جعلني أنتشي , اجتاحتني
بانفراجه بسيطة من شفتيها مالت برأسها للخلف مستنده علي الحائط في دلال.
شعرها أسود و غره جميلة متساوية تضفي علي الوجه أنوثة طاغية , رفرفت الأشواق
بداخلي , كنت ما زلت عاجزا عن النطق , أبتلع كلماتي وأجمع شتات نفسي ,
اغتالني الصمت , كان علىّ أن اخرج من صمتي هذا , طلبت من عم فارس عامل
البوفيه ليأت لنا بعصير الليمون , وضع العصير وابتسم و هز رأسه الصغير , كنت
لا أفهم سببا لذلك .
ساعدتني هي وسألت عن ارتباكي , أطالت النظر في عيني لدرجه جعلتني أشغل نفسي في
شئ .... دائما ما تفضحنا عيوننا و ارتعاشه شفاهنا , لحظتها أدركت إصرارها علي
اختراقي , فالمرأة حين تريدك تدلك لأقرب طريق يؤدى إليها , تترد أنت و
ترتبك و تفعل هي ما تستطيع أن تفعله أنت , لكن بإراد تك
و ليس بإرادتها .
ـــ 2 ـــ
اقتحم علينا الأستاذ عبد المنعم خلوتنا و طلبها لإنهاء بعض الملفات ، خرج و
تبعته هي بعد أن صوب تجاهي نظرة متسائلة عن مدى علاقتنا , عذبتني تلك النظرة
و تركت في نفسي علامات تعجب , لقد أدرك حقيقة انشغالي بها , ربما لأنها
المرة الأولي التي أخلو فيها بامرأة , مما جعلني انجذب إليها بكل ما لدى
من شوق و لهفة.
جاءتني صباح اليوم التالي و كنت قد استعددت للقائها , أدرت المروحة , أسدلت
السائر , ووضعت الكرسي في مواجهتي تماما , طلبت من عم فارس حين يراها
بمكتبي يأت لنا بعصير الليمون .
أتت و عطرها يسبقها , دخلت لحجرة مكتبي و ألقت نظرة علي المكان و ابتسمت ,
جلست و تحدثت عن نفسها و أشياء أخرى , حكت ما بداخلها و أزاحت
ستائر النفس و الجسد دون خجل , ألمحت عن تجربة جنس ملتهبة .
كنت استعذب حكايتها وأستمتع بها , أنصت إليها باهــــــــتمام و عيني لا
تفــــــارق شفتاها الممتلئتان و نهداها المتكوران و كانت تلحظ ذلك و تواصل
حكايتها بصوت خفيض , حين توقفت عن الكلام, أدركت أنا يجب أن احكي عن تجاربي ...
حقيقة لم يكن عندي رغبه في الكلام , شعور متدفق اعتراني و تخلل خلايا جسدي ,
وبطريقه ما أحست بما أنا فيه .
اليوم التالي سألت عم فارس عن سر ابتسامته و هزة رأ سه , حكي لي قصتها مع
زميل سابق بنفس الحجرة و نفس المكتب , أثناء ذلك كنت اجمع أوراقي و أفرغ
محتويات مكتبي , و في يدي طلب النقل لقسم آخر .....
|