ثوب تنقيه
الدماء
تعانقت نظراتهما للمرة الأولى بعد عقد من الزمن فشعرت بمطرقة الغضب تدق
حواسها،تطلعت إليه مرة أخرى لكي تقنع عقلها أنه هو ،فمازالت له نفس الملامح
ونفس الابتسامة التي تخفي خلفها أنياب الذئب ،مازال يحمل أسلحته القديمة
ليوقع عظميات النساء في أسره ،تلك الكلمات التي تقطر حباً،وتلك الهمسات
التي تلين صخر الجبال ،وتلك الأنفاس التي قدت من جحيم.
ابتسم لمرافقته في ود وأمسك بقائمة الطعام ليختار ما يليق بمعدة اعتادت أكل
النيران،طلب منها أن تحضر طعامه بسرعة فقد تشوق لتذوق طعامها التي طبقت
شهرته آفاق مصر.
تركته وذهبت لتحضر له مطلبه وشعرت بكل جبال العالم تطبق على رئتيها ،ذلك
الرجل الذي اقتلعها من عالمها ،ووعدها بأن يدخلها عالمه الساحر لتكتشف ـ
بعد فوات الأوان ـ أن كل تلك الوعود كانت كذبة ،وكل ذلك الحب كان ضباب
انقشع عندما سطع عليه أول شعاع لشمس الحق.
كانت جميلة وغنية فلف حول عنقها حبائله إلى أن منحته القلب والمال ثم
الجسد ومنحها هو بالمقابل عالم سحري كعالم الروايات التي تقرؤها ،أغلقت
أذنيها أمام كل ناصح وجلست تتعبد في محرابه إلى أن تنامى إلى مسامعها ما
يحكي عنها لأصدقائه من مغامرات وكلمات انتشرت في قريتها الصغيرة كجذوة
سقطت في بئر بترول فتطاير الشرر يمنه ويسرة إلى أن أحاط بها فأحرقها،طالبته
بالزواج بها فكشف لها عن وجه صدم كل أحلامها في الارتباط به،وثار أهلها
وقرروا تزويجها من أحد أقاربها لدفن كل شائعة مست نقاء ثيابها.
لم تجد سوى الهرب حلا لمصائبها بعد أن جلدتها سياط فعالهم ،تلك السياط التي
تحولت إلى أكاليل من الغار تتوج جبينه كرجل لا يشق لفحولته غبار .
غرقت في أمواج المدينة ،أخذت تتخفى وتعمل بجد حتى تعوض عاراً رافقها منذ
غادرت القرية ،حاولت أن تغسل ذلك الجسد بعرق العمل بعد أن لطخه عرق الخطيئة
التي فشلت في نسيانها،نست ملامحها لون الابتسامة ،عودت قلبها المطعون أن
يكتم أنينه وعلمت أذنيها أن تتظاهر بالصمم في مواجهة سيول الكلمات المعسولة
التي يمطرها بها رجالا شاء لها الحظ أن تلتقي بهم.
عاشت وحيدة في عالم تبرأ من سكانه وتجرد من هوائه فأخذت تتنفس الخيبة بعد
أن تخلت عن تاج كرامتها وظلت كل ليله تحلم به،تتمنى أن تلتقي به فقط
لتسأله عن ذلك الإثم الذي اقترفته ليغدر بها ويحولها إلى علكه رخيصة تلوكها
الألسن ،وتسأله عن قلب حمله طالما رتع بغرفاته وتجول بشرايينه .
في ركن بعيد ركعت على ركبتيها وأطلقت دموعها التي طال أسرها وحررت أنين
القلب الذي طال كتمانه ثم جمعت عار الماضي وضياع المستقبل في بوتقة واحدة
وقامت لتغسل عن وجهها دموع الذكريات ،أحضرت إليه الطعام وتجاهلت نظراته
المتفحصة ،وبعدما أتم تناول طعامه ناداها لينقدها ثمن تلك الوجبة الشهية
وزادها بضعة جنيهات إعرابا عن تقديره لحسن خدمتها فابتسمت في وجهه قائلة
"سيدي لن أقبل منك مالا" وأكملت وقد غرست سكينها بين رئتيه "سأقبل دمائك
فثوبي لن ينقي لطخة العار به سواها."
رجال للحب فقط
جلس إلى الطاولة ينظر إلى البخار المتصاعد من فنجان الشاي أمامه
،متأملا ساعته مراقباً عقرب الثواني وهو يكمل دورة كاملة فتزداد سرعة نبضات
قلبه.
طال انتظاره ومنح لعينيه الحرية في مطاردة الأفق فتمثل له وجها شمسي
القسمات وملامح لم تستطع ريشته أن توفيها حق جمالها اللائق.
تذكر يوم كان جالساً في النادي في ركنه المنزوي يرسم إحدى لوحاته
وفوجئ بضربات خفيفة على كتفه فالتفت والتقت أعينهما للمرة الأولى فنفذ شعاع
الضوء من عينيها إلى قلبه مباشرة .
ابتسم ،قالت كلمات كثيرة لم يفهمها فأشار إليها بأنه لا يستطيع
التواصل معها بطريقة طبيعية فهو أصم وأبكم.
تفاجأت وهي تتطلع إلى ملامحه الوسيمة وتلك الأناقة المفرطة وذلك
العطر الذي يفوق تأثير المخدر ،وتداركت الأمر بسرعة فأشارت إليه بأنها تحب
لوحاته وتتمنى أن ترى كيف يرسم فنانا مرهفا مثله وجهاً كوجهها.
كان محاطاً بمئات الفتيات اللائي يعجبن به ـ كفنان عاجز عن النطق
وأنطقت ريشته جماد الألوان برقة ونعومة ـ ولكنه كان يخشى الاقتراب منهن فقد
وقفت مشكلة فقدانه حواس السمع والنطق بينه وبين جميع النساء ،ولكنه وللمرة
الأولى نسى حواسه المفقودة ،نسى كل شيء وأطلق مشاعره لتغمرها في قوة وحنان
امتزجا معا في تناسق غريب .
وافق أن يرسم ملامحها على لوحاته كما طبعت من قبل ـ نفس الملامح ـ
على رئتيه فلا يتنفس بدون أن يمر الهواء عليها فتتشبع بها كل خلايا جسده .
التقيا كثيراً ،استطاع فك شفرات كلماتها فأصبح يفهمها وحدها دون
العالم وعلمها كيف تشير إليه لتعبر له عن مشاعرها ،أحضر لها الهدايا ليعبر
لها عن حبه بلغة لا يجيدها ،أغرقها بالورود الحمراء لتعبر لها عن الجمر
الذي يكوي رئتيه عند فراقها .
طوقها حبه من كل اتجاه إلى أن اعترفت له ذات المساء بأنها تهواه
فارتفعت قدماه عن الأرض وشعر بأن روحه تغادره لتحلق في سماوات الحب فعمل
جاهداً على أن يتمسك بها حتى لا يفسد فراقها له نشوة اعترافها بحبه .
أمسكت بيده فتوقفت روحه عن التحليق ونبض قلبه مرة ثانية حاول أن
يصرخ قائلاً"أحبـــــــــــــــــــــــــك" ولكنه لم يستطع فاختصرت عيناه
كل كلمات الحب بنظره واحدة أودع فيها سحر المشاعر ولوعة الخوف من القادم .
ذات يوم طلبت ملاقاته فطار إليها متهلل الوجه مستبشر الملامح
فقابلته بملامح باردة ومدت يدها لتصافحه وقد تعمدت أن يرى خاتم الخطبة وقد
زين إصبعها بطريقة فجة .
شعر بشيء ما ينفجر داخل صدره ،ونظر إلى يدها في استفسار ،تفوهت
بوابل من الكلمات فاكتشف بأنه فقد القدرة على فهمها ،أعطاها ورقة واستل
قلما من جيبه وطلب منها أن تخبره سبب هجرانها لحبه الوارف ،جاءت كلماتها
مقتضبة " عزيزي هناك رجال للحب ورجال للزواج وأنت رجل تحمل من المشاعر ما
يحصرك في نطاق النوع الأول"
كاد يصرخ فلم يستطع وتجمدت عيونه عند كلماتها وللمرة الأولى شعر بأن
كل الكون يئن من حوله ،تصرخ العصافير بها في غضب قائلة "أين وعدك؟" تتمايل
الأشجار في غضب جعلها تنفض أوراقها عنها في عنف ،حتى النيل بعظمة سكونه
تحركت مياهه الهادئة وانتفضت متموجة في غضب ،وتوارت الشمس خجلا من غدر
امرأة شبه وجهها يوماً بها .
تركها وذهب، تخلى عن ريشته وهجر ألوانه ،واتجه إلى عمله القديم
كمهندس كمبيوتر ونزعها من حياته كما تنزع رصاصة اخترقت تامور القلب .
بعد عام تلقى منها رسالة تطلب فيها اللقاء لأمر هام ،خذله حقده
وثارت عواطفه ونسى كيف يرفض رؤيتها بعد عام من الغياب.
حزم مشاعره وألقاها جانباً ووضع بعض الصبر على جرحه النازف الذي لم
يكفه نزف عام كامل ويستعد لنزف المزيد ،دخل ليغتسل ويمحي كل أثر للوجع
،ارتدى أفخر ثيابه ،وضع أفخم عطوره ،درب وجهه على ابتسامه فارقت وجهه زمنا
طويلاً ،رفع خصلات من الشعر تساقطت على عينيه فمنحتهما ألماً إضافياً ،دخل
مرسمه ليطالع لوحته الأخيرة التي ألبسها غيابه عنها ثوباً ترابياً ثم ذهب
إلى موعدها.
طلب فنجان من الشاي كإعلان وحيد لحداده وما أن ترك عينيه تطارد
وجهها في الأفق حتى شعر بلمسات رقيقة على كتفه،التفت إليها ورسم على شفتيه
ابتسامه فقدت نضارتها ودعاها للجلوس.
رفعت يدها أمام وجهها ليرى إصبعها الذي هجره خاتم الزواج وأعطته
رسالة كتبتها سلفا، ابتسم ساخرا عندما قرأها ثم تركها وانصرف.
في المكان القديم جلس أمام لوحة عذراء محاولاً إغوائها بسحر ألوانه
فشعر برائحة أنفاسها تحيط به ،أغمض عينيه ليستشعر وهج الذكريات التي تبرأ
منها وتلك المشاعر التي أراقها أمامها فاختلطت بماء النيل ولكن لمستها
لذراعه أعادت له خيبه الحاضر ،ابتسمت في وجهه ثانية وسألته "ماذا ستسمي
لوحتك؟" فامتلأ وجهه بابتسامة وسطر على لوحته " رجال للحب فقط"
وفاء
1/7/2007
رجل تنكر لصفة الشرقية
كانت المرة الأولى التي تصافح عيوني ملامحك الملتاعة
المرة الأولى التي لا أطلب منك أن تكفي عن البكاء فوابل دموعك كان ـ
في الفترة الأخيرة ـ أسمى أمنياتي.
كم أهوى جفونك عندما تغلب لونهما على لون غضبي، ونظرة الذعر التي
لونت حدقتيكي بلون الصدمة.
أعلم جيداً ًأنها كانت مفاجأة صدمت حواسك الرقيقة لذا جلست أمامك
أستمتع بما أوصلتك إليه .
إنك الآن امرأة دون كل النساء
بعد كل شيء أصبحتِ شبح امرأة كانت ذات يوم
تحتل كياني
وتملأ علي فراغ حياتي.
كنتي الأولى ..الثانية ..والأخيرة .
كنتِ حبيبتي.. صديقتي.. زوجتي..وأمي.
أين ذلك الكبر؟ أبحث عنه في عينييك اللتين اختفى بريق النور بهما
تحت وطأة الذل الذي غطى كل ملامحك فيثلج جحيم قلبي.
لا تتعجبين، لقد نزعتك من دمي مثلما تنزع الروح من الجسد، ولم يكن
محوك من سجل قلبي سهلا ولكن بشاعة ما فعلتِ بي ساعدتني على تخطي ذكرياتك
العالقة بأهداب مشاعري .
أتتذكرين يوم صارحتك بأنني أعلم كل شيء عما تفعلين؟وأنني كرجل مخدوع
تنكر لصفة الشرقية ألتمس لك كل أعذار العالم؟
كنت أكذب
أتعلمين لم كذبت؟
لكي أرى تلك النظرة الذليلة تغلف وجهك الذي فقد نضارته وكبريائه.
ماذا فعلت لك؟
أضنيت نفسي بالعمل و ارتضيت بعدي عنك حتى أفي بكل عهد قطعته أمامك
فكان جزائي أن أن أعرضت عني.
رفعتك إلي قلبي فرميت بكرامتي تحت أقدامك.
خيلت إليك نفسك القبيحة أن المال الذي دنستي به شرفي يمكن أن يشفع
لك لدي؟
هل تتخيلين أنني كرجل شرقي أتحمل أن تتقاذف زوجتي أحضان الرجال
مقابل حفنة من المال؟
لا سيدتي.
منذ اللحظة الأولى التي علمت أنك انضممت لقطيع أعداء الشرف ، تخليت
عن مهامي كزوج مخدوع وبدأت حياتي معك كرجل يقف في مقدمة صفوف مريديك، لم
أتحمل أن تنتسبين إلي وأنت تنتمين إلى مئات الرجال.
كمن أذهب إلى عملي البعيد وأعود إليك وقد قطفتي ثمار جيوبهم وبدوري
أضعها في حسابي البنكي وأعود لأمارس معك طقوس الحب.
أتعرفين؟
كنت أضمك إلى صدري وعيني تبحثان عن شيء ما لأطعنك،كنت ألمس جيدك
الناعم وأتمنى لو كانت أصابعي قدت من حديد حتى أتمكن من اقتلاع أوردتك
وأشعرك بمدى الألم الذي ينخر بشراييني.
كم تمنيت أن أبدل لثم شفاتي بغرس أنيابي في ذلك الجسد الذي لم يعد
يفرق بين روعة الحب وشهوة المال.
نعم تخليت عنك.
عندما سألني الضابط عن علاقتي بك أخبرته أنك اليد المحركة لتلك
الشبكة وانك لا تنتمين إلي إنما أنا مجرد رجل هزمته الرغبة في التخلص من
حمل فحولته الزائد.
لم يصدقني فالجميع يعلم أنني "زوج الست" فأخرجت ورقة الطلاق من جيبي
فأخبرني أن تسحقين ما هو أكثر من انفصام عرى زواجنا .
ولأول مرة منذ زمن طويل أشعر بفخر ملأ رئتي ،لقد أخذت مالك وثأرت
لرجولتي الكسيحة ، و الآن ،سأذهب عنك لأستمتع بثمار شبابك مع امرأة أخرى
،امرأة تفضل عوز الشرف على نعيم العهر، فلا يوجد رجل في هذا العالم يقبل أن
يقتحم رجل آخر حماه ويقطف فاكهة بستانه ولو دفع دماء قلبه مقابلاً.
إمضاء
زوج رفض أن يكون مخدوعاً
عالم مهرة
رآها للمرة الأولى بين جمع من المثقفين تختال برونق صباها وربيع
عقلها أمام حفنة من النقاد وعدد من المهتمين بما يختمر بتلك المخيلة وما
تترجمه تلك الأصابع من كلمات ،جلس في الصف الأول كعادته ،صوب إليها ابتسامة
محت ما كادت ان تنطق به من عبارات،ابتسم في ثقة وأشار إليها بطرف عينه
فأبعدت عينيها عن مرمى نظراته في غرور أثار شهيته .
تعمد أن يناقشها ليقارن بين شخصياتها الروائية التي جسدتها ببراعة
وبين شخصيتها الحقيقية كامرأة ، كان يجد في البحث عن ذلك الخيط الرفيع الذي
يربطها ببطلة روايتها الأخيرة "مهرة" ،تلك المهرة الحرون التي أبدعت في وصف
كبريائها حتى أضحت مطمع كل صياد بارع ،عشق مهرتها وتمنى لو أصبح فارسها
المفقود ،أراد أن يثبت لها أن الزمان قد جاد عليها بفارس عجزت مخيلتها
الخصبة أن تحصر صفاته ،حاول إغرائها بوسامة ،وثقافة،ومركز اجتماعي وكل ما
تتطلع إليه كل امرأة في رحلة بحثها عن فارسها الأوحد .
التقى بها ليبحث بداخلها عن تلك المهرة وبعد أن وجدها تختبئ في
زاوية بعيدة من أعماق روحها ... صرخ قلبه وتقافزت نبضاته "لقد وجدتها"!
تلك المرأة التي ظل يطارد طيفها طوال حياته ... حبا في التحدي ....
فتارة يراها وهم لا يمكن تشتيته .... وتارة هي زئبق آدمي لا يمكن الإمساك
به إلى أن كان ذلك اليوم الذي وجدها بين يديه.
في ليله شتوية كساها البرد والمطر صفة الخوف ذهب إلى بيتها وقد بلله
المطر وكست وجهه نشوة الجنون
صرخ بها ....... "تزوجينـ..." لم يستطع نطق الياء التي غص بها من
شدة خوفه من ألـ لا
ارتمت بين ذراعيه وأذنت للحب بان يشرع أجنحته، وأراقت عذرية قلبها
لهذا الرجل الغريب ..... أقرضها الجنون قوته و منحتها الرغبة طيشا لا ينتهي
فعاشا معا فوق سحب المحبة وقطفا ثمارها ،وشربا كأس سكارها
لكن مع مرور الأيام اكتشف أنه تزوج بامرأة لا يريدها ، أراد فقط
جزأً منها ،أراد "مهرة" التي تتوارى في تلك القوقعة داخل أعمق بحارها ،حاول
أن يحررها فاصطدمت محاولاته بامرأة شاءت فلسفة الحب الأعمى أن تكون زوجته.
حاولت أن تفهمه أن "مهرة" ما هي إلا نوبة من نوبات جنونها الإبداعي
التي مرت عليها كحمى ثم غادرتها إلا أنه لم يقتنع ،صرخ بها..اتهمها
بمخادعته فلم تجد سوى الدموع سلاحا تدافع بها عن كرامة مطعونة وقلب ينزف ،
كانت تحبه ولكنه يحب امرأة أخرى ،امرأة كانت في وقت ما ....هي.
بكل طريقة حاولت استجلاب حبه والحصول على رضاه ،ضمته إلى صدرها ،بكت
أمامه ،استخدمت كل وسيلة تستخدمها أنثى لاستعادة حب حياتها إلا أنه هجرها.
ذهب إلى بلاد أخرى ليتناسى امرأة خدعته بتعاويذ تكتبها فتأسر قلوب
الرجال ،امرأة، ما أن سكنها حتى وجدها مثل كل امرأة تتنفس الهواء بدلا من
الياسمين ،وتأكل الطعام بدلا عن الحب،وترتدي الجوارب في ليل الشتاء بدلا من
أن يضيء له جسدها طريق رغباته.
في منفاه الاختياري كان يبحث عن حبيبته في كلماتها وينتظر بصبر ناضب
كل صباح حتى يقرأ ما تقصه على القراء عله يلمح كلمه تشير إلى محبو بته
،وشعر بإحساس يملأ عليه حياته ،تابع كل جديد لها ... تتبع بطلات قصصها ،
فكلما كتبت عن امرأة يحس بقشعريرة تجتاح جسده ودفء يداعب جدران قلبه وروح
أخرى تسكن رئتيه .... يشعر بأنها روح سبق وان عاش بحجرها وعشق كل شيء بها
،لقد كانت بالنسبة إليه كنز يمدده بحبيبات العشق الأسطورية ... متجاهلاً
يدها التي كانت ممدودة إليه بالحب،
أنثى عجزت عن إفهامه بأنها فقط وبكل بساطة تحبه مقدمة كل شيء إليه
كقربان محبة ..... حافظت على عهد كان يظن بأن من الصعب عليها الوفاء به ،
أنثى فقدت كل شيء برحيله ولم يتبق لديها سوى ثوب أسود ومشاعر أبت أن
تمنح لسواه،مشاعر كانت تدفعها قسرا لوصاله وكان يصدها كما يصد معتد.
ذات مساء كان يتناول فنجاناً من الشاي فتنامى إليه صوتها من خلال
التلفاز .كانت تتحدث بثقة ،من يراها للوهلة الأولى يعلم بأنها قضت ليالي
طويلة تتدرب عليها ،كانت تخفي وراء ملامح وجهها وجعا طغى عليه الأسى ،
تحركت مشاعره بقوه فقد لمح بها مهرته الضائعة ،أرسل لها سؤالا نفذ
إلى صدرها كطعنة" من أنت أيتها الكاتبة ؟رانيا ؟أم نوره؟أم مهرة؟أم نجوى؟من
أنت؟
اشتمت رائحته عندما سمعت سؤالا ما كان لمخلوق سواه أن يفكر به ،صمتت
وملأت دموع الكبرياء عيونها ثم قالت في غرور نزفت منه دماء الخيبة "إنني
امرأة قدر لها أن تكون كل النساء ،امرأة تتلون ملامحها وتصرفاتها بألوان
منحتها الحياة لنساء أخريات ولكنني لست إحداهن.
انطفأت نشوته ونفذت كلماتها إلى قلبه للمرة الأولى وشعر بشيء قوي
يدفعه إليها بلا هوادة ،شيء قوي صامت يدفع قلبه للنبض بصورة مختلفة ،ويدفع
مشاعره للدوران عكس الاتجاه ،دفء يملأ صدره ،وشيء غامض يدعوه إليها .شيء
جعله يلغي كل ارتباطاته ويغادر العالم كله إلى رحاب قلبها.
كانت هناك حيث التقى بها للمرة الأولى ،تتحدث في خفوت ،عندما دلف
إلى مكانه في الصف الأول اصطدمت به فكبحت جماح عينيها وأبعدتهما عنه وبعد
أن مل الانتظار سألها "سيدتي....في رواياتك دائما ما تدعين فرصة أخيرة
للبطل ليعيد بناء ما هدم هل تؤمنين بفلسفة الفرص الأخيرة؟
رفعت حاجبيها وقالت في ثقة "لا سيدي ..الفرص الأخيرة لا تصلح سوى في
عالم مهرة"
على الأعناق
رأيته- يوم ماتت – جالسا في مقهى القرية الوحيد يتمطى على كرسي خشبي كقط
بري نفش شعره واستسلم لمداعبة الشمس وعلى طاولة أمامه وضعت الشيشة وكوب من
الشاي ثقيل كدمائه.
وجدت نفسي أتساءل وقد تملكت مني الدهشة ألا يمتلك ذلك الآدمي أدنى شعور
بالأسى لموتها؟
ألا تستحق منه أن يجلس في غرفته المظلمة وحيدا وجلس يتذكر ما حدث لها نتيجة
حبها له وثقتها الكبيرة به؟أم أنها لم تكن سوى عصفور أوقعه الحظ في مرمى
نيرانه فسقط وما أن تأكد من سقوطه حتى غادره وتحركت شهيته لاصطياد غيره.
كانت ......مسكينة ،لم تمنح أي قدر من الجمال وضن عليها القدر بالمال
والأسرة و لم ترزق بزوج يطعمها ويعوضها ذل الفقر ومرارة اليتم.العريقة
فكانت تقتات من أجر سويعات تقضيها بحقول أهل القرية أحيانا أو من خدمة نساء
القرية.
كان يراها دائما وقد شلحت ثيابها ووقفت في الترعة تغسل ثيابها أو تغسل
جاموسة أحد المزارعين ولكن لم تكن تلفت انتباهه بسمرتها الشديدة وملامحها
العارية من مسحة الجمال وملابسها البالية.
في تلك الليلة التي تبرأ منها القمر رآها تتعثر في مشيتها ،ناداها ،ردت
على استحياء ،سألها لم تأخرت في الحقول إلى الآن فأجابته بأنها كانت تطعم
مواشي الحاج"عبد الحليم ".
دعاها لطعامه فقفزت السعادة من ملامحها يتيمة الجمال ،شركته طعامه وهمت
بالذهاب إلا أنه استوقفها .
وضع يده على رأسها وجردها من طرحتها ،فزعت،اقترب أكثر وقد تمكنت منه قوة
خفية لم تر مثلها من قبل حولته إلى كائن لا تعرفه،همت بالاعتراض فلم يسمح
لها،تخدر جسدها بسحر لمساته ،لأول مرة تستشعر أحاسيس الأم الذي ـ طالما
تمنته ـ عندما يلتقم صغيرها ثديها في عنفوان وقسوة .
حارت كيف تتخلص منه ولكن الشعور بالشوق للمسة رجل قضى على أمل
المقاومة،تمكن منها، تخلص من وسام برائتها،لم تفكر بزوجته ولا أولاده ،
تناست به كل عالمها وعالمه وطلبت منه أن يعيد الكره لتنتقم به من كل الرجال
الذين أهملوا أنوثتها وتركوها لتتبعثر على بعض القش بجانب تلك القناة في
حقله .
عندما همت الشمس بكشف سترهما قام ووعدها بلقاء آخر ...................
في اليوم التالي ومن بين عيدان الذرة فارعة الطول دعته إليها فأجابها وتكرر
لقاء الحب. أصبح كل ما تتمنى وأصبحت هي لعبته التي يسمر بها عندما تتمرد
عليه زوجه .
مر .......عام بين لقاءات محمومة وسر أبى أن يكتم،تمرد الجسد الذي ظنت أنها
تملكه ،توعكت ،شعرت ببداية شيء جديد يوشك أن يفضح حبها الذي ضن عليها
الجميع بحقها في الحصول عليه.
ذهبت إليه..أخبرته أن هناك ثمرة لحبهما الشائك بدأت في التكوين ،زجرها وطلب
منها التخلص من أي أثر لتلك العلاقة التي أدمنت الظلام فلا تقوى عيناها على
مجابهة ضوء الحق.
حاولت التخلص من الجنين ....اعتلت الفرن وقفزت من فوقه فعاندها الطفل وأبى
أن يغادرها وفضل سكنه بين أحشائها .
لجئت إليه فجبن وتنكر وركلها وقامت تجرجر جسد تخلت عن كل أوسمة الفخر به
فتمرد عليها ورد لها الصفعة مضاعفة .
كانت تكتم القيء وعندما تدور الأرض تحت قدميها تتمسك بشيء ما حتى لا تسقط
أرضا ،تضاعف حجم بطنها فأحكمت الرباط من حولها ،لاحظ الناس ما يحدث
فأخبرتهم أنه ورم ما يسبب انتفاخ بطنها.
كبر الورم وتضاعف ولهجت بزلتها الألسنة وتجمع مشايخ القرية وأضحت قصتها
ربيع الألسنة المتعطشة لعار يعطيها فرصة للاستمتاع ولكنها ....قاومت
........وقاومت إلى أن كلت و كشفت عن سوأة علاقتها به.
أنكر....أقسم......صرخ ...هدد .....وتوعد ولكن عرف الريف أقوى،عقد قرانها
ورمى بها إلى ظلمات غرفة مستأجرة باردة وتركها خاوية المعدة ممتلئة البطن
بلا مؤنس عقابا لها على فضحه.
بعد عدة ليال أرسل لها ما يثبت انفصام عرى علاقتهما ،توجعت و أرخصت جوهر
دموعها ،تركت له غرفته الحقيرة وذهبت إلى عشتها .
في إحدى لياليها التي تخلى عنها القمر افترستها سياط المخاض وحيدة ،ندت
عنها آهة طالما ضنت بها ،تحملت فآلام الوضع أسهل كثيرا من آلام العار .
شعرت بالدماء تتخلى عن جسدها فلم تجزع فلا قيمة للدماء بدون كرامة تعليها
وترفع من شأنها، زلزلت جسدها رجفة باردة ،تمنت لو كان بجوارها يدثرها بدفء
جسده ،اشتد الوجع، كادت تصرخ ولكن خذلها صوتها ،حاولت القيام لتستنجد بأحد
ما - قد يساعدها في الحفاظ على روح أوشكت تتخلى عن ذلك الجسد- فسقطت أرضا.
في اليوم التالي مرت أمامنا تحملها الأعناق بعد أن بنوا لها بيتا لم تمتلكه
في حياتها وألبسوها حلة ضنوا عليها بها أثناء حياتها . خلت أنني رأيتها
تنظر إلى الجميع من خلال النعش قائلة " داستني أقدامكم وبداخلي روح مكرمة
وها أنا اليوم عندما غادرتني روحي أحمل على أعناقكم ،يكفيني فقط أنني الآن
ولأول مرة أرى العالم من فوق رءوسكم".
|