أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتب: د. محمد جمال طحان

       
       
       
       
       

حالات سرية-قصص

منوعات أدبية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

سوريا - حلب

* دكتوراه في الفلسفة

* عمل في دائرة مديرية صحة حلب، ثم في دائرة التحقق بمديرية مالية حلب،

 ومحللاً نفسياً في مشفى الأمراض العقلية، ثم مدرساً في ثانويات حلب ومعاهدها وجامعتها،

 يعمل الآن في القسم الثقافي بجريدة الجماهير.

*مدير تحرير مجلة العاديّات ( فصلية).

*أمين سر جمعية العاديّات ، رئيس لجنة المعلوماتية والمكتبات فيها.

* يسعى لإنجاز مجموعة من الأبحاث حول الفكر العربي الإسلامي المعاصر.

* ألقى بعض المحاضرات وشاركت في بعض الندوات الفكرية

 حول مسائل معاصرة في عدد من الدول العربية والإسلامية.

* ونشر له ما ينيف عن ألف مادة بين الدراسة والنقد والقصة والشعر في الدوريات العربية المختلفة.

* أعد بعض البرامج الثقافية في إذاعة صوت الشعب من دمشق.

 

* نال بعض الجوائز المحلية والعربية، منها:

- جائزة الباسل التي تمنحها رئاسة مجلس مدينة حلب عن مجمل الأعمال (عام 2000).

- الجائزة الأولى في الشعر في مسابقة محافظة حلب (عام 2000).

- الجائزة الثانية عن السيرة القصصية في مسابقة ثقافة الطفل العربي (أبو ظبي) (عام 2000).

 

للمؤلّف

عشرة زمن يا آه-شعر-دار الثقافة (دمشق)-1985

الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي-دراسة-اتحاد الكتاب العرب (دمشق)-1992

مشاغبات فكرية-مقالات-دار سراج (بيروت)-1994

الأعمال الكاملة للكواكبي-دراسة وتحقيق-مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت)-1995

على هامش التجديد(من الكلامولوجيا إلى التكنولوجيا)-دراسة-دار سراج (بيروت)-1996 

هكذا تكلمت حورية-مقالات-دار سراج (بيروت)-1997

شرفات للجمر (بالاشتراك)-شعر-دار المرساة (اللاذقية)-1998

صرخة الأسيان ( إضاءة كواكبيّة)-دراسة-دار سراج (بيروت)-1999

الحاضر غائباً (تأملات في الزمان)-مقولة-دار بترا (دمشق)-2000

أفكار غيّرت العالم-دراسة-دار الأوائل (دمشق)-2001

أبو الضعفاء (عبدالرحمن الكواكبي)-سيرة قصصية-أبو ظبي-2001

اليهود والأوهام الصهيونية-دراسة-مكتبة الحياة (بيروت)-2002

المثقِّف وديمقراطية العبيد-أبحاث-دار الأوائل - (دمشق)-2002

أم القرى-دراسة وتحقيق-دار الأوائل / جمعيةالعاديات-2002

الخديعة الكبرى-دراسة-دار الأوائل-2003

امنحوني فرصة للكلام-مقالات-دار الأوائل-2003 

الرحالة كاف طبائع الاستبداد-دراسة وتحقيق-دار الأوائل-2003

قراءات في الفكر العربي  -دراسة (بالاشتراك)-مركزدراسات الوحدةالعربية   (بيروت)-2003

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

المسألة مسألة وقت

 ضفة واحدة ومبدعان

 

 

ضفّة واحدة ومبدعان

 

 

إنني واحد من الَّـذين يفضّلون الاعتزال في صومعة الذات ، رغم أنني أحب الناس ، ولكنّني لست اجتماعياً بما يكفي كي أتبع فضولي في محاولة اكتشاف كيف يحيا الآخرون .

أخرج إلى الشارع في أضيق الحدود الممكنة ، ثم أعود مسرعاً إلى مملكتي الضيّقة لأستمتع بتحرّكات  أسرتي الصغيرة وأعاني شغب أطفالي الجميل.

العالم الذي أحبُّـه ، هو العالم الرسميّ الذي أتعرّفه من الكتب والمجلاّت ووسائل الإعلام التي يمكن أن تتوافر في منـزلي ، ومن الزّائرين الصّامتين . هكذا أكتفي .

وبالرغم من ذلك فإن صطوف الذي يعدّ نفسه قاصاً هزلياً من الطراز المتميّز ، استطاع أن يخدعني بتذلّله مما دفعني للشفقة عليه فأقرضته خمسين ألف ليرة ، استطاع ، بكل صفاقة ، أن يغيبّها في بطنه لتصير في خبر كان ، ومارس ، فعلياً، مضمون قصتّه " الضحك على الذقون " ..

 

 أمّا حسين الذي يدّعي أنه معجب بقصصي ، ويلحّ عليّ كي أدفع له بها كي يقرأها فور خروجها من ( بيت النار ) فقد تمكّن هو الآخر من الفوز بجائزة سعاد الصباح بعد أن سطا على مجموعة قصص منّي ، ومن أدباء أوحى لهم أيضاً بأنه معجب بنتاجاتهم إلى حد الموت..

وبين صطوف وحسين وجدتُ نفسي مفجوعاً بالذين يستدرجون طيبتي ويزجّون بي في مستنقع المؤامرات التي يحيكونها بتقنية عالية لا أقوى على كشفها لأن طبيعتي الريفية البسيطة تغلب جميع الدروس التي أحاول تعلّمها  من أفلام التلفزيون ، ومن الكتب التي تقدّم النصائح في كيفية معاملة الناس والتغلب على القلق … ولست أدري ما الذي يجعلني أخطئ دائماً في تهجئة اسم كتاب ( دع القلق وابدأ الحياة ) ليصير في عقلي الباطن : دع الحياة وابدأ القلق . ربما لأنني كثير القلق مما خلّف آثار عبوس واضحة بين حاجبيّ .. مما قد يوحي إلى الآخرين بأنني متكبّر .

ولكن كيف يمكن أن أتخلّص من القلق وأنا مضطرّ كل يوم إلى تحمّل أمثال صطوف وحسين اللذين يدّعيان أنهما قاصان؟! .. 

نعم كيف لم أنتبه إلى صفاتهما الكثيرة المشتركة .. لو أنني انتبهت إلى ذلك كنت وفرّت على نفسي الوقوع في حبائل واحد منهما على الأقل .. كلاهما اسم على غير مسمّى..كلاهما كثير الحج إلى منزلي.. وطويل المكوث ،مما يجعلهما ثقيلي الظل . ودائماً يختاران أوقاتاً غير مناسبة للزيارة .. إما في آخر الليل .. أو وقت الغداء … أو في موعد القيلولة .

حين يُقرع الباب في هذه الأوقات ، تتوقّع زوجي أحدهما .. تهرع إلى الباب .. تنظر من العدسة المثّبّتة في وسطه .. تعود محبطة وهي تتمتم بفتور : جاء الحاج صطوف حسين…

وبالفعل إن ملاحظة زوجي دقيقة ، فهما متشابهان : مصطفى قصير القامة مربوع ، وكذلك حسين.. الصلعة تتوسط رأس كلّ منهما .. كلٌّ منهما مطرود من الابتدائية ويدّعي أنه يريد التعلّم من مدرسة الحياة .. وهذا يعني أن لغتهما العربية سقيمة مما يزيد من ثقلهما على الآخرين . يدوران على الأدباء .. هذا يصلح لهما جملة ، وذاك يقوّم أخرى ، وثالث يضيف عبارة .. وهكذا يحمل كلٌّ منهما بذور فكرة قصة ليقوم بكتابتها الآخرون. وللأسف فقد انطلت عليّ هذه الحيلة، ووقعت في فخاخهما غير مرّة ..

هما أيضاً كثيرا النميمة والادّعاء: كلّ أسبوع يحدّثني صطوف، مرة أو مرتين، عن علاقته بزوج مراد الأجنبية … يقول :

- / هي امرأة روسية .. وكما تعلم فإن الروسيات يعطينك كل شيء مقابل لفافة تبغ .. ونظراً لانشغال مراد ، وجهل زوجه باللغة العربية ، لذلك تطوّعت لتعليم ابنها قواعد الصف الثالث الابتدائي.. ويا أبو حميد.. (يتابع صطوف) شفت منها شوفات عجب .. كل مرة أذهب فيها لإعطاء درس أراها (على آخر طرز ) بكامل زينتها .. حيناً تلبس كنـزة مكشوفة الصدر تبرز نهديها وهي تنحني لتقدّم لي كأس الوسكي .. وحيناً تمر من أمامي وقد علّقت طرف ثوبها بالسروال الداخلي مما يظهر ساقيها البيضاوين مثل فرخ البط .. وأنا لا أتحمّل .. يندفع الدم إلى رأسي ولا أعود أعرف .. لا عربي ولا أجنبي ../ وفي حديث آخر قال صطوف: / طلبت منّي أن أعلّمها القراءة والكتابة.. ويبدو أن مراد يغضّ الطرف، لأنني حين أذهب آخذ معي ثلاث علب من الدخان الأجنبي .. وأكثر من مرة لمحت (فائز) يدخل إلى بيتها في غياب مراد وبيده أكياس كثيرة من الخضار والفواكه ../

التفت صطوف وسألني : / زوجها يعرف .. وأنا أولى من فائز أليس كذلك ؟ / وحين لا أجيبه يتابع الحديث : / جلستْ قربي في بنطالها القصير……

وهكذا يتابع حديثه بصورة فضائحية …

وبالرغم من أنني أحب (مراد) وأخجل من بعض ألفاظ صطوف، كنت أسمح بمتابعة حديث يحّرك غرائزي مما يجعلني أتلذّذ بما يقول، إلى أن انتبهت إلى نفسي ذات مرة:- صحيح أنها أجنبية.. ولكنها أنثى.. وزوجة صديق .

ومنذ ذلك الوقت بدأت بالتهرب من صطوف، مما اضطرّني إلى الكذب ، ففي كلّ مرّة يحاول زيارتي أعلّم ابنتي الصغيرة أن تقول له : ـ بابا ليس هنا ..

ومرة قالت له: ـ قال بابا غير موجود؟!.. مما أحدث قطيعة بيننا، وسألت الله أن يعوّضني عن الخمسين ألف،خاصة بعد أن قرأت إحدى قصصه (ضياع الحق ) والتي يحكي فيها عن احتياجه مبلغاً فيطلب المساعدة من صديق ويتجاوز الأزمة.. ولكنه حين يعود ليطالبه به، تمتد يد المدين على صفع الدائن، ردّاً للجميل؟!..

وكذلك الشأن في قصص حسين التي تنبي عناوينها عن طبيعة حياة كاتبها ،وتفصح عن طريقة تفكيره… فمن عناوينه( ابنة حرام - الشحاد - ضحكات إبليس - بواسير ابن صطوف..) ولا أستطيع التفكير بالقرف الذي انتابني منه ومن قصته (الزفاف) التي يحكي فيها عن بطله (أبو ثقب) الذي يسمح للرجال بالنوم مع زوجته مقابل عدة ليرات .. وكيف أن بعضاً من تلاميذ المدرسة أرادوا أن يشبعوا شهواتهم بسعر الجملة .. فيجادلهم حول المبلغ مستشهداً ( بالشرطي) الذي يأتي إليها كل يوم أكثر من مرة ويكتب الشعر فيها.. ثم يُسمعهم بعض الأبيات .. وبعد الاتفاق على السعر يشرح حسين تفاصيل ما يحدث بين التلميذ ومن يضاجع لنكتشف في النهاية أن من تمّ الفصال حولها هي ( حمارة أبو ثقب) التي رفست التلميذ الأخير ، مما جعل رفاقه يطلقون عليه لقب ( المزفوف ) .

وحسين مثل صطوف، أيضاً له مغامرات جنسية، نصفها كذب، والنصف الباقي فيه قذف وبهتان. ومن ذلك حديثه عن مريانا التي يدعي أنها تتحرش به وتمسح على صلعته متغزّلة بها، وهي - كما يدّعي ـ كلّما رأته شكت من ارتفاع الحرارة والصداع مما يضطره إلى الاختلاء بها في كنيف جامعتها أو تحت أدراج أقبية المباني الفاخرة … وكل ذلك، على حد تعبيره، من أجل أن ينشر بعض قصصه باسمها …

ولقد ادّعى ذات مرة أنها اعترفت لزوجه بأنها تحبه وتقبل به على (ضرّة) بالرغم من فقره وجهله معاً .. ولست أدري ربما تكون مسحورة بالصلعة ؟ !

هذا هو حسين، وهذا هو صطوف، اللذان سرى عليهما قول زوجي بين الزملاء : الحاج مصطفى الحسين ، أو الحاج حسين الصطوف.

آه .. أتعبني التفكير فيهما .. وما زلت قلقاً : هل من بين من أعرفهم قد يكرر مأساتي معهما ؟ . هل أقفل باب البيت من الداخل وأرتاح من الارتياب بالناس ؟ ..كدت أغفو بين الحلم واليقظة لولا صوت سائق الحافلة يصيح :

ـ دائري جنوبي .. دائري جنوبي … أصحّح جلستي وأنا أحسّ بقرقعة عظامي .. أنظر إلى الساعة : ـ أف .. انتصف النهار أيّها الرزين .. وحان الوقت كي تغوص في رداءات الحياة . استنهض همّتي بتثاقل شديد وأنا أتذكّر قول خليل حاوي :

(( بيني وبين الباب أقلام ومحبرة ،

 صدىً متأفّفٌ 

كُوَمٌ من الورقِ العتيق .

همُّ العبورِ،

وخطوةٌ أو خطوتان

إلى يقين الباب ، ثم إلى الطريق . ))

أفتح الباب وأخرج .. أسمع صفقته .. أرفع كتفّي وأقلّص رقبتي وأنا أشعر بألمه … لكنني أنسى حين أسمع صياح السائق: دائري.. دائري.. وأركض كي ألحق به.

 أضيفت في 06/04/2005 / خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

 

المسألة مسألة وقت

 

 

حين التقيته نسيت همومي، وأشرقت لحظة الشباب مرة أخرى. كأنّ ثلاثين عاماً فُقدت من ذاكرة الزمان، وظننت أنني ماأزال زميل (عبدو) المعلّم في مدرسة الأخوّة الخاصّة.

لاأعلم بالضبط كم من الوقت مضى وأنا أسير في الشوارع على غير هدىً… أقف عند سور الحديقة وأتحدّث إلى شجرة أصابها السوس: من الذي غرسك.. كم سنة وأنت هنا.. كيف يعاملك الدرك الفرنسي؟ وهل تغيّرت الأحوال عليكِ حين كان عثمان باشا يدير الدفّة في حلب؟

كيف كان شعورك حين مرّ بك الكواكبي، وحين احتمى بجذعك أنصار هنانو؟

والله حرام.. إذا كان نهر قويق يغدق عليك مياهاً عذبة، فلماذا سمحت لهم بقطع مياهه عنكِ ؟..

ها… ليس بيدك حيلة… ها … طال السوس الجذع وأنتِ بانتظار الاستئصال … ألا يمكنك أن تبصقي في وجوه الذين يفكّرون بتحويلك إلى حطب لمدافئهم كي يقيموا مكانك داراً للقمار …

ماذا … أتعيّرينني أيتها الشجرة الوقحة … أنتِ واقفة باستسلام، أما أنا فإنني مازلت أقاوم.. واللهِ .. سأجعلهم يدفعون الثمن غالياً … سأشرشحهم في الصحف والمجلات كي أحرّم هدم عريشة بعد الآن.

ماذا … أنا لاأتقن غير الثرثرة؟.. مضى عليّ ثلاثة أشهر وما زلت أجلس تحت الأنقاض وأفكّر في طريقة تمكّنني من إعادة العريشة التي كانت تظلّلني؟…

نعم .. صحيح… ولكنني أريد أن أتّخذ خطوة صائبة… صحيح أن رؤساء التحرير يظنّون أن مشكلتي فردية، وهم لايتعاملون مع حالات فردية… يهمهم الشأن العام. ولكن ماذا فعلوا حين بُنيت أمام القلعة عمارة ضخمة من خمسة عشر طابقاً، حجبت القلعة عن المدينة وعن الشمس معاً … صحيح لم يفعلوا شيئاً … هذا شأن لجنة جمعية حلب القديمة . أما اللجنة فتقول إن البلدية هي المعنيّة بالأمر…

من أين حصل صاحب البناء على الرخصة ؟!.

المهم، لقد أنقذني عبدو المعلّم من هواجسي حين التقيته…

- كيف أحوالك ؟…

- والله زمان …

جلست على الرصيف غير مبالٍ بما يقوله الآخرون عني… ولكنّ الذي أدهشني أنّ صاحبي جلس قربي متربّعاً…

تحدّثنا عن أحوالنا وعدد الأولاد والأعمال التي نقوم بها الآن.. وحين سألته عن الحي الذي يسكن فيه .. تأوّه قائلاً :

- آه ياصديقي، لقد وضعت يدك على الجرح .. بيتي القديم الذي تعرفه في المحافظة .. تركته بعد أن عدت من إعارة السعودية، واشتريت منزلاً بعيداً عن أهل زوجتي .. تعرف .. كان الباب أمام الباب، وهذا جلب لي مشاكل كثيرة… المهم .. تركت البيت مهجوراً سنوات طويلة .. ثم نصح لي بعض المعارف بأن أؤجره إيجاراً سياحيّاً … مردود الإيجار كبير، وهو مأمون من قصّة تحوّل البيت إلى ساكنه .. ومحميّ من مسألة التخمين… كل ستة أشهر تسكنه عائلة خليجية أو وافد أجنبي … وأستفيد .. وفعلاً .. أنفقت عليه مبلغاً كبيراً لأجعله خمس نجوم، ثم جهّزته بأثاث فاخر وأدوات تفوق تلك التي في منزلي الذي أسكنه مع زوجتي وابني الوحيد. تلفزيون /30/ بوصة، دش ديريكت، بانيو، حمّام جاكوزي، ملاعق فضيّة .. وبعض الآثار…

كنت مذهولاً وهو يحدّثني عن ذلك كلّه، وأنا أتذكّر شكل مهندس البلدية وهو يأمر بإزالة العريشة من بيتي .. تربّعت مثله ووضعت رأسي بين يديّ خشية سقوطه .. وأنا أبلع لعابي بعد أن شعرت بعطش شديد، استمرّ في حديثه :

- أجّرته ثلاث مرّات، الأول صيني.. الثاني فرنسي .. الثالث سعودي … ثم بقي بدون مستأجر لأنّ بدل إيجاره مرتفع حيناً، ولأنّ طالب الإيجار لم يكن يريحني أحياناً أخرى…

ذات يوم رنّ جرس الهاتف ثم طالعني صوت سمسار العقارات:

- مبروك .. لك عندي مفاجأة عظيمة.

- ماهي ياصطّوف ؟

- عندما آتي ستعرف .. المهم جهّز حالك، خلال ربع ساعة سنأتي لعندك.

تُرى ماهي المفاجأة التي يمكن أن يُتحفني بها صطّوف… ثم ماالعلاقة التي تربطني به وتسمح أن تكون بيننا مفاجآت؟.. هو دلاّل عقارات، وأنا صاحب بيت للإيجار. لن أطيل عليك .. المهم قرع صطّوف منزلي وكانت برفقته - فعلاً مفاجأة - إحدى المطربات الشهيرات… أتحزر مَن … لن تخمّن … أؤكّد لك أنها لايمكن أن تخطر في بالك…… إنها الشابة الدلّوعة صاحبة الصوت الليلكي .. هل تصدّق … راميا .. تريد أن تستأجر بيتي … أتعرف … فكّرت لحظة .. إن بيتي سيدخل التاريخ… لكنني .. بعد قليل.. تهيّبت…

يا أخي … المطربة قد تجعل البيت مشبوهاً … رفضت…

أبدت استعدادها لدفع أيّ مبلغ أريده … ولكنّ شيبتي رفضت هذا الإغراء .. في آخر عمري يقولون: عبدو المعلّم فتح بيته لراميا … وتشيع الأقاويل .. وتعلم ماتنشره المجلاّت الفنيّة .. ولكنّ زوجتي المصون لم توافقني على الرفض :

- أنا أعرف عائلتها وأصلها … وقد دخلت قلبي … صحيح إنها مطربة … ولكنّها مهذّبة وصوتها رائع.

ابني صبحي - الله يسلّم أولادك .. كم ولد عندك ؟

- ثلاثة

- أدامهم الله … صبحي همس في أذني .. يابابا .. المجلات تكتب عنها أنّها متديّنة ولا تحبّ السهر .. انظر إنها مسكينة منكسرة وكما قال لك صطوف .. هي تريد البيت مؤقّتاً لحين عثورها على بيت فخم للشراء .. وقد نقنعها بشراء بيتنا بسعر جيّد.

زوجتي عاودت الإلحاح … نحن أحق بالمبلغ .. ثم هل نسيت أمي .. الباب عالباب وكلّ تحرّكاتها مرصودة .. فإذا رأينا مالا يسرّ أخليناها من البيت …

المهم، من هون كلمة.. من هون كلمة .. ارتخى صاحبك .. وبيني وبينك صوتها بوَزن أسمهان .. وسماعها يعيد الشباب

توكّلنا على الله وأبرمنا معها العقد .. مئة ألف دفعَتها مقدّماً أجرة شهرين … نتخلّى عنها … لأ … نحن أحق بالمبلغ.

صمت المعلم برهة حتى تمرّ الدراجة الناريّة التي حجبت صوته عني بزعيقها .. كما حجبت الأكسجين بدخانها الأسود الذي خلّفته وراءها ..

بعد قليل، استمرّ صاحبي بالكلام وأنا أفكّر في طريقة لإعادة تركيب العريشة التي أزالتها البلدية لأنني - من غبائي - اعتمدت على كوني صحفيّاً ولم أعتمد على جيبي.. قال لي جاري اللّحام : ارشِ تمشِ .. عندما تحتاج شيئاً .. فتّ عملة .. الممنوع يصبح مسموحاً … ياأستاذ بلا مال مابينصلحلك حال .. بلدنا هيك صارت .. يالطيف …

قلت هذا تفكير بلطجية .. نحن في بلد فيها قانون .. الأمور ليست فوضى. ومن دون أن أنتبه علا صوتي أثناء شرودي وقلت :

- والله فوضى .. وألف فوضى ..

انتبهت إلى صوت صاحبي :

- كيف عرفت … مازلت أسرد لك الحكاية .. وحتّى الآن كل شيء تمام .. هل سمعت بما جرى معي؟..

- لأ .. لأ ياأخي استمر .. أنا أسمعك …

- ياصاحبي … الشهادة لله … لاأستطيع أن أتكلم عن المخلوقة بسوء .. أدب .. أخلاق.. وطوال فترة وجودها في البيت لم يزرها أحد ، ولم تلحظ عليها حماتي مايُشين … إلاّ.. أحياناً … تضرب خادمتها .. ومرة واحدة زارتها أمّها .. وصوتها ارتفع … كسرت دزينة فناجين وبضعة صحون وفُضّت المشكلة … ماعدا ذلك لم يدخل بيتها إنسان … ياربي.. ليش الكذب .. دخلت مرة أنا وابني لنصلح لها الكهرباء … استقبلتنا بكل حشمة وأدب .. ولكن … أمسكتني من يدي لتريني مصباح غرفة الطعام … قالت لي :

- ياأبو صبحي … التمديد هنا غير صحيح …

أتعرف ماذا فعلت … سحبت يدي من يدها وقلت لها: نادني أستاذ عبدو لو سمحتِ … أنا معلّم منذ ولدتِ… أتعرف … أبعدتُ نظري عن نهديها النافرين من تحت الثوب وقلت لها: أنت بسن ابنتي لو كان لدي بنت …

أتعرف بماذا أجابتني ؟

لم أجبه عن سؤاله … ألحّ علي: أتعرف بماذا أجابتني؟…

قلت: لا والله  … ماذا قالت لك ؟

- ها … قالت لي : أنت أستاذ ؟ … أنا دكتورة … أنا طبيبة أطفال … إذا لم تكن تعلم… أسمهان نفسها لاتجاريني… اجلس واستمع .

جلست وصبحي مدهوشين بينما قالت وهي تدير إحدى الأسطوانات: صوتي الآن لايساعدني … اسمع هذه الأسطوانة لي

أصغيت إلى صوتها الذي أسكرني … شعرت بنشوة لامثيل لها … ياأخي الشوف مو متل الحكي … أقصد السماع من الأصل … أو بالأحرى من أسطوانة أساسية بوجود صاحبة الصوت .. غير حياة

ولا أدري كم من الوقت مضى وأنا أستمع وهي جالسة تهزّ رأسها بانتشاء …

حين لاحظتُ غياب صبحي… ناديت عليه: صبحي.. أين أنت؟

انتفضت منزعجة: أوقفت الأسطوانة وقالت:

- عندما أغنّي لاأحد يتكلم أو يهمس.. أنت لاتفهم بالطرب…

جاء صبحي من إحدى الغرف وبرز خلفه رأس الخادمة وهي ترقب ماالذي سوف يحدث …

الملعون صبحي.. ماهو قليل.. عكروت … غافلنا … وغاب مع الخادمة … والحقيقة .. ليست خادمة .. إنها مساعدة .. شقفة .. بنت عشرين … ولكني لم أشعر بالمأساة إلاّ بعد أن وقع الفاس في الراس … صبحي بكالوريا .. صحيح أنّه نجح، ولكن مجموعه لايؤهّله إلا لمعهد تجاري… طبعاً انكشفت الأمور واتّضح سر تراجع دراسته ..

كنت أسأل طوال خمسة أشهر عن صبحي… يقولون: صبحي يدرس عند زميله … صبحي في المركز الثقافي … صبحي عند أستاذ العلوم …

والحقيقة أنه يبني علاقات غرامية مع روز…  المضروبة حلوة .. ولكنّني دفعت دم قلبي دورات وأساتذة ودروس خاصة … والصبي يؤلّف قصصاً مع روز …

ياسيدي … سبعة أشهر … وإذا أنت أخذت فرنكاً فوق المئة ألف .. أكون أنا قد أخذت… وكل أسبوع أو أسبوعين أهاتفها كي تدفع الإيجار المتراكم وهي تسوّف: - أنتظر حوالة مليون دولار… وحين تأتي سأعطيك الإيجار وزيادة…

حين ذهبت إلى البريد لدفع فاتورة الهاتف، اكتشفت أن مبلغ الفاتورة المستحق هو مئة وعشرة آلاف ليرة …

طبعاً معارفها كثيرة … وتتحدث بالهاتف ساعات طويلة مع باريس ولندن ولبنان…

حين واجهتها بالمبلغ قالت: بسيطة … بعد أيام أعطيك المبلغ وزيادة .

صمت الأستاذ برهة ثم فاجأني بسؤال اعتراضي: جنابك أبو ايش؟…

 - أبو عامر ..

ياأبو عامر .. آخر مرة اتّصلتُ بها شتمتني ووصفتني بعدم الفهم وقالت: مسألتك بسيطة … ثلاثمئة ألف مبلغ تافه.. أعطيك إياه مع حبّة مسك .. ولكن لاتعاود الاتصال بي .. عندما تأتي الحوالة .. اتّصل بك وأعطيك المبلغ …  آه ياأبو عمر

- أبو عامر

- أبو عامر .. أبو عامر .. آه ياأبو عامر .. أنا محتار كيف أتصرّف ..

أتعلم … أوقفني جارنا الصيدلي وقال: راميا مدينة لي بسبعة آلاف ليرة .. إنّها        - والعياذ بالله - مريضة نفسياً وتتناول حبوباً مهدّئة. بعد ذلك ياأبو عامر .. اكتشفت أنّ جارنا الطبيب حذّر حماتي من النوبات التي تأتيها … لقد حاولَت الانتحار أكثر من مرّة. وهي مدينة للحّام .. والسوبر ماركت … وهم بدؤوا يطالبونني بالمبالغ … وحين فاتحتها في الأمر، قالت: لاتهتمّ .. المسألة مسألة وقت … بعد أيام سأدفع كل ماعليّ … وفعلاً .. بعد أيام اكتشفت أن مبلغاً جاءها  ودفعت كلّ ماعليها للصيدلي واللحام والسوبر ماركت. قلت في نفسي لابد أن أضغط عليها قليلاً حتى تدفع لي . وفي نادي الطرب استعنت بأصدقائي لحل المشكلة فنصحوا لي أن ألغي الصفر الدولي من الهاتف … وهي لاتستطيع العيش من دونه … ولا شك أنّها ستسعى للدفع . وفعلاً … ألغيت المكالمات الخارجية .. أتعرف ماذا حدث ؟

اتّصلت بي وأسمعتني موشّحاً طويلاً ثم ختمت كلامها: - بسيطة .. ستنال عقاب فعلتك.. حتى لو جاءتني الحوالة.. لن أدفع لك حتى تعيد الاتّصال الدولي …

وأنا محتار .. ياأخي .. إلى مَن ألجأ .. وكيف أحصّل أموالي … لجأت إلى الشرطة وحين سمعوا باسمها قالوا: إنّها فنّانة محترمة .. ولا شك أنّها تمر بظروف صعبة .. اصبر عليها وستعطيك كل الدين … حفلة واحدة تغطّي كل الديون المتراكمة وتفيض …

قلت للشرطة : ولكن ياسادتي … هي مريضة .. ممنوعة من الغناء ومن إحياء الحفلات..

قالوا: مسألة وقت، غداً تشفى وتصبح ثريّاً من ورائها… وغمزوا لي: ألم تدفع لك خدمات بدلاً من المال؟.. ومع الأيمان المغلّظة لم يصدّقوا أنني مصاب بالتهاب بروستات حادّ..  ولا تنفع معي حبوب فياغرا أو سواها .. المهم ياأبو عمر .. ياأبو عامر .. عندي رحلة اطّلاع علمية لمدة أسبوعين إلى إيران ولا أدري من أين أدبّر التكاليف .. ولا أعرف كيف أتصرّف مع المخلوقة بنت الحلال.

ولأنّه يظن بأنني قادر على اجتراح المعجزات لمجرد كوني صحفياً … قلت له :

بسيطة … بسيطة … سافر وسنجد لك حلاًّ بعد أن تعود .. أنا أعرف بعض الأوساط التي تنتمي إليها .. وإن شاء الله خير .. المسألة مسألة وقت … ستحصل على أموالك .. وأعيد عريشتي إلى بيتي.

قال وهو يقف : أي عريشة ؟

قلت له وأنا أنفض مقعد بنطالي : هذه حكاية أخرى أحكيها لك بعد أن تعود.

 

*          *

 

بعد أسبوعين … جاءني عبدو مهرولاً :

- مصيبة ياأبو عمار … مصيبة …

- هدّئ من روعك … قل لي ماذا جرى ؟

أمسك يدي وقال : تعال معي ترَ بنفسك …

وصلنا إلى بيته … البيت خالٍ من المفروشات … نظيف … ليس فيه أيّ أثر لعفش.. ليس فيه سوى بعض الأواني وأدوات الحمّام المبعثرة وكيساً كبيراً من الأوساخ ..

راميا عاقبت الأستاذ عبدو … باعت له كل مفروشاته وغادرت المدينة … ذهبنا إلى الشرطة … شرحنا لهم الأمر… حتى رافقتنا الدوريّة كلّفنا ذلك عشرة آلاف ليرة … فُتح المحضر … تحوّل الأمر إلى المحكمة …

وبعد تفتيش وتنقيب عرفنا الأشخاص الذين اشتروا أثاث المنزل عن طريق صطوف… والحل الأمثل الذي ارتآه قسم الشرطة أن نعيد ثمن الأثاث إلى المشترين ونستعيد الأثاث حتى تنجلي الأحوال ويتمكّنوا من العثور على راميا… دفعنا ثمن كل قطعة بالمبلغ الذي قاله كل مشتري وأكّد عليه صطوف، بوصفه وسيطاً في عملية البيع والشراء… صطوف قال: أنا دلاّل … قالت إنها اشترت كل شيء منك .. وأنها تريد بيعه فساعدتها على ذلك وقبضت عمولتي .. ماعدا ذلك لاعلاقة لي بشيء …

الأستاذ عثر على أغراضه ماعدا طاولة الطعام، فلم يتذكّر أحد من الذي اشتراها .. ولأنّها طاولة فخمة، كما يقول الأستاذ، بدأ يراها في نومه وهي تُحمل على الأكتاف لتوضع على متن طائرة من نوع ميراج …

الأستاذ عبدو صار يهذي : طاولة راميا .. خدمة سعودية .. عشر سنين … ياليل ياعين .. تاريخك يا تاريخي.

صبحي، في المعهد التجاري يتنقّل من روز إلى فوز إلى ساميا …

وأنا … لم أعد راغباً بالعريشة .. وضعت سقف بيتون مسلّح وأنشأت غرفة كاملة فوق سطح المرآب… ووضعت في خزانة الأحذية قرب باب البيت عشرين ألف وبجانبها سيف جدي وقلت لأولادي: إذا لم أكن موجوداً .. كلّما جاءكم شخص يعترض على بناء الغرفة أعطوه الفي ليرة واجعلوه ير السيف وأنتم تدفعون له النقود .. وقولوا له بجلافة : الله معك…

إياكم أن تقولوا له أنني صحفي… فقط أعطوه المبلغ واصفقوا الباب خلفه…

حتى الآن… مضى عشر سنوات على بناء السقف والغرفة بشكل مخالف لكل القوانين.. وما يزال السيف في مكانه .. وما تزال في خزانة الأحذية ستة عشر ألفاً … ولا يعرف أحد طبيعة عملي … ولا شك أن الغرفة ستُسوّى بشكل نظامي على اعتبار أن إبقاء الوضع على ماهو عليه قاعدة سارية المفعول.. والمسألة مسألة وقت …

 

أضيفت في 18/01/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية