هوامش على دفتر النكسة
1
أنعي لكم
يا أصدقائي، اللغة القديمة
والكتب
القديمة
أنعي لكم
:
كلامنا
المثقوب كالأحذية القديمة
ومفردات
العهر، والهجاء، والشتيمة..
أنعي
لكم..
نهاية
الكفر الذي قاد إلى الهزيمة.
2
مالحة في
فمنا القصائد
مالحة
ضفائر النساء
والليل
والأستار، والمقاعد
مالحة
أمامنا الأشياء..
3
يا وطني
الحزين
حولتني
بلحظة
من شاعر
يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر
يكتب بالسكين..
4
لأن ما
نحسه
أكبر من
أوراقنا..
لابد أن
نخجل من أشعارنا
5
إذا
خسرنا الحرب ، لا غرابة
لأننا
ندخلها
بكل ما
يملكه الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا
ندخلها
بمنطق
الطلبة والربابة..
6
السر في
مأساتنا
صراخنا
أضخم من أصواتنا
وسيفنا..
أطول من
قاماتنا..
7
خلاصتة
القضية
توجز في
عباره
لقد
لبسنا قشرة الحضارة
والروح
جاهلية...
8
بالناي
والمزماز
لا يحدث
انتصار...
9
كلفنا
ارتجالنا
خمسين
ألف خيمة جديدة..
10
لا
تلعنوا السماء
إذا تخلت
عنكم
لا
تلعنوا الظروف
فالله
يؤتي النصر من يشاء
وليس
حدادا لديكم..
يصنع
السيوف..
11
يوجعني
أن أسمع الأنباء في الصباح
يوجعني..
أن أسمع
النباح ...
12
ما ذخل
اليهود من حدودنا
وإنما..
تسربوا
كالنمل من عيوبنا..
13
خمسة
آلاف سنة ..
ونحن في
السرداب
ذقوننا
طويلة
نقودنا
مجهولة
عيوننا
مرافئ الذباب ..
يا
أصدقائي :
جربوا أن
تكسروا الأبواب
أن
تغسلوا أفكاركم
وتغسلوا
الأثواب
يا
أصدقائي
جربوا أن
تقرؤوا كتاب ..
أن
تكتبوا كتاب..
أن
تزرعوا الحروف..
والرمان
..
والأعناب..
أن
تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب
فالناس
يجهلونكم..
في خارج
السرداب
الناس
يحسبونكم
نوعا من
الذئاب ...
14
جلودنا
ميتة الإحساس
أروحنا
تشكو من الإفلاس
أيامنا
تدور بين الزار..
والشطرنج
..
والنعاس..
هل " نحن
خير أمة قد أخرجت للناس " ؟
15
كان بوسع
نقطنا الدافق في الصحاري
أن
يستحيل خنجرا..
من لهب
ونار
لكنه ..
وأخجله
الأشراف من قريش
وخجلة
الأحرار من أوس ومن نزار
يراق تحت
أرجل الجواري..
16
نركض في
الشوارع
نحمل تحت
إبطنا الحبالا
نمارس
السحل بلا تبصر
نحطم
الزجاج والأقفالا
نمدح
كالضفادع
نشتم
كالضفادع
نجعل من
أقزامنا أبطالا
نجعل من
أشرافنا أنذالا
نرتجل
البطولة ارتجالا
نقعد في
الجوامع
تنابلا ،
كسالى
نشطر
الأبيات ، أو نؤلف الأمثالا
ونشحذ
النصر على عدونا
من عنده
تعالى...
17
لو أحد
يمنحني الأمان
لو كنت
أستطيع أن أقابل السلطان
قلت له :
يا سيدي
السلطان
كلابك
المفترسات مزقت ردائي
عيونهم
ورائي..
أنوفهم
ورائي ..
أقدامهم
ورائي..
يستجوبون
زوجتي..
ويكتبون
عندهم أسماء أصدقائي..
يا حضرة
السلطان
لأنني
اقتربت من أسوارك الصماء..
لأئني
حاولت أن أكشف عن خزني وعن بلائي
ضربت
بالحذاء..
أرغمني
جندك أن آكل من حذائي..
يا سيدي
.. يا سيدي السلطان
لقد خسرت
الحرب مرتين
لأن نصف
شعبنا ليس له لسان
ما قيمة
الشعب الذي ليس له لسان؟!
لأن نصف
شعبنا محاصر كالنمل والجرذان
في داخل
الجدران..
...
لو أحد
يمنحني الأمان
من عسكر
السلطان
قلت له :
يا حضرة السلطان
لقد خسرت
الحرب مرتين
لأنك
انفصلت عن قضية الإنسان
18
لو أننا
لم ندفن الوحدة في التراب
لو لم
نمزق جسمها الطري بالحراب
لو بقيت
في داخل العيون والأهداب
لما
استباحت لحمنا الكلاب ..
19
نريد
جيلا غاضبا
نريد
جيلا يفلح الآفاق
وينكش
التاريخ من جذوره
وينكش
الفكر من الأعماق
نريد
جيلا قادما مختلف الملامح
لا يغفر
الأخطاء .. لا يسامح
لا
ينحني.. لا يعرف النفاق ..
نريد
جيلا، رائدا، عملاق ..
20
يا أيها
الأطفال :
من
المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال
وأنتم
الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل
الأفيون في رؤوسنا
ويقتل
الخيال..
يا أيها
الأطفال:
أنتم-
بعد - طيبون
وطاهرون،
كالندى والثلج، طاهرون
لا
تقرؤوا عن جيلنا المهزوم، يا أطفال
فنحن
خائبون
ونحن،
مثل قشرة البطيخ، تافهون
ونحن
منخورون..
منخورون
كالنعال..
لا
تقرؤوا أخبارنا
لا
تقبلوا أفكارنا
لا
تقتفوا آثارنا
فنحن جيل
القيء. والزهري .. والسعال..
ونحن جيل
الدجل ، والرقص على الحبال
يا أيها
الأطفال :
يا مطر
الربيع. يا سنابل الآمان
أنتم
بذور الخصب في حياتنا العقيقة
وأنتم
الجيل الذي سيهزم الهزيمة...
[ 1967 ]
منشورات
فدائية على جدران إسرائيل
لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنود حمر
فنحن باقون هنا ..
في هذه الأرض التي تلبسن في معصمها
إسوارة من زهر ..
فهذه بلادنا
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا .. وعشقنا..
وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق .. في زيتونها
في قمحها المصفر ..
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها ..
باقون في نسيانها ...
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيها الكريم ، في قرانها
وفي الوصايا العشر ..
2
لا تسكروا بالنصر
إذا قتلتم خالدا
فسوف يأتي عمرو
وإن سحقتم وردة
فسوف يبقي العطر ..
3
لأن موسى قطعت يداه
ولم يتقن فن السحر
لأن موسى كسرت عصاه
ولم يعد بوسعه
شق مياه البحر
لأنكم لستم كأمريكا
ولسنا كالهنود الحمر
فسوف تهلكون عن آخركم
فوق صحارى مصر ..
4
المسجد الأقصى ، شهيد جديد
نضيفه إلى الحساب العتيق
وليست النار، وليس الحريق
سوى قناديل تضيء الطريق
5
نخرج كالجن لكم
من قصب الغابات
من رزم البريد، من مقاعد الباصات
من علب الدخان، من صفائح البنزين،
من شواهد الأموات
من الطباشير.. من الألواح.. من ضفائر البنات ..
من خشب الصلبان.. من أوعية البخور..
من أغطية الصلاة..
من ورق المصحف، نأتيكم
من السطور والآيات
لن تفلتوا من يدنا..
فنحن مبثوثون في الريح .. وفي الماء .. وفي النبات
ونحن معجونون بالألوان والأصوات
لن تفلتوا..
لن تفلتوا..
فكل بيت فيه بندقية
من ضفة النيل إلى الفرات..
6
لن تستريحوا معنا..
كل قتيل عندنا
يموت آلافا من المرات..
7
انتبهوا..
انتبهوا..
أعمدة النور لها أظافر
وللشبابيك عيون عشر
والموت في انتظاركم
في كل وجه عابر.. أو لفتة .. أو خصر ..
الموت مخبوء لكم
في مشط كل امرأة..
وخصلة من شعر ...
8
يا آل إسرائيل، لا يأخذكم الغزور
عقارب الساعة إن تؤقفت
لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط من أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقي دائما في باطن الصخور
هزمتم الجيوش .. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها
وظلت الجذور..
9
ننصحكم أن تقرؤوا
ما جاء في الزبور ..
ننصحكم أن تحملوا توراتكم
وتتبعوا نبيكم للطور
فما لكم خبز هنا .. ولا لكم حضور
من باب كل جامع
من خلف كل منبر مكسور
سيخرج الحجاج ذات ليلة ..
ويخرج المنصور...
10
انتظرونا دائما..
في كل ما لا ينتظر
فنحن في كل المطارات..
وفي كل بطاقات السفر..
نطلع في روما.. وفي زوريخ..
من تحت الحجر
نطلع من خلف التماثيل..
وأحواض الزهر..
رجالنا يأتون دون موعد
في غضب الرعد.. وزخات المطر
يأتون في عباءة الرسول..
أو سيف عمر ..
نساؤنا..
يرسمن أحزان فلسطين على دمع الشجر
يقبرن أطفال فلسطين بوجدان البشر
نساؤنا..
يحملن أحجار فلسطين إلى أرض القمر..
11
لقد سرقتم وطنا ..
فصفق العالم للمغامرة
صادرتم الألوف من بيوتنا
وبعتم الألوف من أطفالنا
فصفق العالم للسماسرة
سرقتم الزيت من الكنائس
سرقتم المسيح من منزله في الناصرة
فصفق العالم للمغامرة
وتنصبون مأتما
إذا خطفنا طائرة..
12
تذكروا ..
تذكروا دائما ..
بأن أمريكا - على شأنها -
ليست هي الله العزيز القدير
وأن أمريكا - على بأسها -
لن تمنع الطيور من أن تطير
قد تقتل الكبير ، بارودة
صغيرة ، في يد طفل صغير.
13
ما بيننا .. وبينكم .. لا ينتهي بعام
لا ينتهي بخمسة أو عشرة ولا بألف عام
طويلة معارك التحرير كالصيام
ونحن باقون على صدروكم كالنقش في الرخام
باقون في صوت المزاريب .. وفي أجنحة الحمام
باقون في ذاكرة الشمس ، وفي دفاتر الأيام
باقون في شعر امرئ القيس، وفي شعر أبي تمام
باقون في شفاه من تحبهم
باقون في مخارج الكلام..
14
موعدنا حين يجيء المغيب
موعدنا القادم في تل أبيب
نصر من الله ، وفتح قريب
15
ليس حزيران سوى يوم من الأيام
وأجمل الورود ، ما ينبث في حديقة الأحزان..
16
للحزن أولاد سيكبرون..
للوجع الطويل، أولاد سيكبرون..
لمن قتلتم في فلسطين صغار سوف يكبرون..
للأرض .. للحارت .. للأبواب .. أولاد سيكبرون وهؤلاء كلهم ..
تجمعوا منذ ثلاثين سنة
في غرف التحقيق .. في مراكز البوليس .. في السجون
تجمعوا كالدمع في العيون..
وهؤلاء كلهم ..
في أي .. أي لحظة
من كل أبواب فلسطين سيدخلون..
17
وجاء في كتابه تعالى :
بأنكم من مصر تخرجون..
وأنكم في تيهها سوف تجوعون وتعطشون
وأنكم ستعبدون العجل دون ربكم
وأنكم بنعمة الله عليكم، سوف تكفرون.
وفي المناشير التي يحلمها رجالنا
زدنا على ما قاله تعالى ، سطرين آخرين :
" ومن ذرى الجولان تخرجون.."
" بقوة السلاح تخرجون .."
18
سوف يموت الأعور الدجال
سوف يموت الأعور الدجال
ونحن باقون هنا..
حدائقا.. وعطر برتقال
باقون فيما رسم الله على دفاتر الجبال
باقون في معاصر الزيت.. وفي الأنوال
في المد.. في الجزر.. وفي الشروق والزوال
باقون في مراكب الصيد ..
وفي الأصداف والرمال..
باقون في قصائد الحب ..
وفي قصائد النضال
باقون في الشعر .. وفي الأزجال . .
باقون في عطر المناديل .. وفي " الدبكة " و " الموال ".
في القصص الشعبي .. في الأمثال
باقون في الكوفية البيضاء ... والعقال
باقون في مروءة الخيل ، وفي مروءة الخيال
باقون في المهباج .. والبن..
وفي تحية الرجال للرجال..
باقون في معاطف الجنود..
في الجراح، في السعال
باقون في سنابل القمح، وفي نسائم الشمال
باقون في الصليب..
باقون في الهلال..
في ثورة الطلاب باقون ، وفي معاول العمال
باقون في خواتم الخطبة .. في أسرة الأطفال
باقون في الدموع ..
باقون في الآمال ..
تسعون مليونا من الأعراب..
خلف الأفق غاضبون
يا ويلكم من ثأرهم
يوم من القمقم يطلعون ..
20
لأن هارون الرشيد مات من زمان
ولم يعد في القصر غلمان.. ولا خصيان
لأننا نحن قتلناة، وأطعمناة للحيتان
لأن هارون الرشيد لم يعد إنسان
لأنه في تخته الوثير..
لا يعرف ما القدس.. وما بيسان
فقد قطعنا رأسه أمس..
وعلقناه في بيسان
لأن هارون الرشيد أرنب جبان
فقد جعلنا قصره.. قيادة الأركان..
21
ظل الفلسطيني أعواما على الأبواب
يشحذ خبز العدل من موائد الذئاب
ويشتكي عذابه للخالق التواب
وعندما..
أخرج من إسطبله حصانه
وزيت البارودة الملقاة في السرداب
أصبح في مقدوره
أن يبدأ الحساب ..
نحن الذين نرسم الخريطة
ونرسم السفوح والهضاب
نحن الذين نبدأ المحاكمة
ونفرض الثواب والعقاب ..
23
العرب الذين كانوا عندكم
مصدري أحلام
تحولوا - بعد حزيران - إلى حقل من الألغام
وانتقلت " هانوي" من مكانها ..
وانتقلت " فيتنام " ..
24
حدئق التاريخ دوما تزهر
ففي ربى السودان قد ماج الشقيق الأحمر
وفي صحارى ليبيا
أورق غصن أخضر
والعرب الذين قلتم عنهم تحجروا..
تغييروا ..
تغيير..
25
أنا الفلسطيني
بعد رحلة الضياع والسراب
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كل ليلة.
من فسحة الدار .. ومن مقابض الأبواب
من ورق التوت .. ومن شجيرة اللبلات ..
من بركة الماء..
ومن ثرثرة المزراب..
أطلع من صوت أبي ..
من وجه أمي، الطيب، الجذاب
أطلع من كل العيون السود .. والأهداب
ومن شبابيك الحبيبات..
ومن رسائل الأحباب
أطلع من رائحة التراب
أفتح من رائحة التراب
أفتح باب منزلي ..
أدخله . من غير أن أنتظر الجواب
لأنني أنا السؤال والجواب..
26
محاصرون أنتم بالحقد والكراهية
فمن هنا .. جيش أبي عبيدة
ومن هنا معاوية
سلامكم ممزق
وبيتكم مطوق
كبيت أي زانية ..
27
نأتي ..
بكوفياتنا البيضاء والسوداء
نرسم فوق جلدكم
إشارة الفداء
من رحم الأيام نأتي كانبثاق الماء
من خيمة الذل التي يعلكها الهواء
من وجع الحسين نأتي ..
من أسى فاطمة الزهراء..
من أحد، نأتي ، ومن بدر ..
ومن أحزان كربلاء
نأتي .. لكي نصحح التاريخ والأشياء ..
ونطمس الحروف في الشوارع العبرية الأسماء ...
1970
اعتذار لأبي تمام
ألقيت في
مهرجان أبي تمام بالموصل . كانون الأول / ديسمبر 1971
1 -
أحبائي :
إذا جئنا
لنحضر حفلة للزار ..
منها
يضجر الضجر
إذا كانت
طبول الشعر ، يا سادة
تفرقنا
.. وتجمعنا
وتعطينا
حبوب النوم في فمنا
وتسطلنا
.. وتكسرنا.
كما
الأوراق في تشرين تنكسر
فإني سوف
أعتذر ..
2 -
أحبائي :
إذا كنا
سنرقص دون سيقان .. كعادتنا
ونخطب
دون أسنان .. كعادتنا ..
ونؤمن
دون إيمان .. كعادتنا ..
ونشنق كل
من جاؤوا إلى القاعة
على حبل
طويل من بلاغتنا
سأجمع كل
أوراقي..
وأعتذر...
3 -
إذا كنا
سنبقي أيها السادة
ليوم
الدين .. مختلفين حول كتابة الهمزة ..
وحول
قصيدة نسبت إلى عمرو بن كلثوم ..
إذا كنا
سنقرأ مرة أخرى
قصائدنا
التي كنا قرأناها ..
ونمضغ
مرة أخرى
حروف
النصب والجر .. التي كنا مضغناها
إذا كنا
سنكذب مرة أخرى
ونخدع
مرة أخرى الجماهير التي كنا خدعناها
ونرعد
مرة أخرى ، ولا مطر ..
سأجمع كل
أرواقي ..
وأعتذر..
4 -
إذا كان
تلاقينا
لكي
نتبادل الانخاب، أو نسكر ..
ونستلقي
على تخت من الريحان والعنبر
إذا كنا
نظن الشعر راقصة .. مع الأفراح تستأجر
وفي
الميلاد ، والتأبين تستأجر
ونتلوه
كما نتلو كلام الزير أو عنتر
إذا كانت
هموم الشعر يا سادة
هي
الترفيه عن معشوقة القيصر
ورشوة كل
من في القصر من حرس .. ومن عسكر ..
إذا كنا
سنسرق خطبة الحجاج : والحجاج .. والمنبر ..
ونذبح
بعضنا بعضا لنعرف من بنا أشعر ..
فأكبر
شاعر فينا هو الخنجر..
5 -
أبا تمام
.. أين تكون .. أين حديثك العطر؟
وأين يد
مغامرة تسافر في مجاهيل ، وتبتكر ..
أبا تمام
..
أرملة
قصائدنا .. وأرملة كتابتنا ..
وأرملة
هي الألفاظ والصور..
فلا ماء
يسيل على دفاترنا..
ولا ريح
تهب على مراكبنا
ولا شمس
ولا قمر
أبا
تمام، دار الشعر دورته
وثار
اللفظ .. والقاموس..
ثار
البدو والحضر ..
ومل
البحر زرقته ..
ومل
جذوعه الشجر
ونحن هنا
..
كأهل
الكهف .. لا علم ولا خبر
فلا
ثوارنا ثاروا ..
ولا
شعراؤنا شعروا ..
أبا تمام
: لا تقرأ قصائدنا ..
فكل
قصورنا ورق ..
وكل
دموعنا حجر ..
6 -
أبا تمام
: إن الشعر في أعماقه سفر
وإبحار
إلى الآتي .. وكشف ليس ينتظر
ولكنا ..
جعلنا منه شيئا يشبه الزفة
وإيقاعا
نحاسيا، يدق كأنه القدر ..
7 -
أمير
الحرف .. سامحنا
فقد خنا
جميعا مهنة الحرف
وأرهقناه
بالتشطير ، والتربيع ، والتخميس ، والوصف
أبا تمام
.. إن النار تأكلنا
وما زلنا
نجادل بعضنا بعضا ..
عن
المصروف .. والممنوع من صرف ..
وجيش
الغاصب المحتل ممنوع من الصرف!!
وما زلنا
نطقطق عظيم أرجلنا
ونقعد في
بيوت الله ننتظر ..
بأن يأتي
الإمام على .. أو يأتي لنا عمر
ولن
يأتوا .. ولن يأتوا
فلا أحدا
بسيف سواه ينتصر ..
8 -
أبا تمام
: إن الناس بالكلمات قد كفروا
وبالشعراء قد كفروا..
فقل لي
أيها الشاعر
لماذا
الشعر - حين يشيخ -
لا يستل
سكينا .. وينتحر؟
موال بغدادي
مدى
بساطي .. واملئي أكوابي
وأنسى
العتاب، فقد نسيت عتابي
عيناك يا
بغداد، منذ طفولتي
شمسان
نائمتان في أهدابي
لا تنكري
وجهي .. فأنت حبيبتي
وورود
مائدتي، وكأس شرابي
بغداد ..
جئتك كالسفينة متعبا
أخفي
جراحاتي وراء ثيابي
ورميت
رأسي فوق صدر أميرتي
وتلاقت
الشفتان بعد غياب
أنا ذلك
البحار أنفق عمره
في البحث
عن حب .. وعن أحباب
بغداد ..
طرت على حرير عباءة
وعلى
ضفائر زينب ورباب
وهبطت
كالعصفور يقصد عشه
والفجر
عرس مآذن وقباب
حتى
رأيتك قطعة من جوهر
ترتاح
بين النخل والأعناب
حيث
التفت ، أرى ملامح موطني
وأشم في
هذا التراب ترابي
لم أغترب
أبداً.. فكل سحابة
زرقاء ..
فيها كبرياء سحابي
إن
النجوم الساكنات هضابكم ..
ذات
النجوم الساكنات هضابي..
بغداد
عشت الحسن في ألوانه
لكن
حسنك، لم يكن بحسابي
ماذا
سأكتب عنك في كتب الهوى
فهواك لا
يكفيه ألف كتاب
يغتالني
شعري .. فكل قصيدة
تمتصني
.. تمتص زيت شبابي
الخنجر
الذهبي .. يشرب من دمي
وينام في
لحمي ، وفي أعصابي
بغداد .
يا هزج الأساور والحلى
يا مخزن
الأضواء والأطياب
لا تظلمي
وتر الربابة في يدي
فالشرق
أكبر من يدي وربابي
قبل
اللقاء الحلو .. كنت حبيبتي
وحبيبتي
تبقين بعد ذهابي..
موال
دمشقي
لقد كتبنا .. وأرسلنا المراسيلا
وقد بكينا .. وبللنا المناديلا
قل للذين بأرض الشام قد نزلوا
قتيلكم لم يزل بالعشق مقتولا
يا شام. يا شامة الدنيا ، ووردتها
يا من بحسنك أوجعت الأزاميلا
وددت لو زرعوني فيك مئذنة
أو علقوني على الأبواب قنديلا
يا بلدة السبعة الأنهار .. يا بلدي
ويا قميصا بزهر الخوخ مشغولا
ويا حصانا تخلى عن أعنته
وراح يفتح معلوما، ومجهولا
هواك يا بردي ، كالسيف يسكنني
وما ملكت لأمر الحب تبديلا
أيام في دمر كنا .. وكان فمي
على ضفائرها .. حفرا .. وتنزيلا
والنهر يسمعنا أحلى قصائده
والسرو يلبس بالساق الخلاخيلا
يا من على ورق الصفصفات يكتبني
شعرا .. وينقشني في الأرض أيلولا
يا من يعيد كراريسي .. ومدرستي
والقمح، واللوز ، والزرق المواويلا
يا شام إن كنت أخفي ما أكابده
فأجمل الحب حب - بعد ما قيلا ...
هذا أنا...
1
أدمنت
أحزاني
فصرت
أخاف أن لا أحزنا
وطعنت
ألافا من المرات
حتى صار
يوجعني ، بأن لا أطعنا
ولُعِنْتُ في كل اللغات..
وصار
يقلقني بأن لا ألعنا ...
ولقد
شنقت على جدار قصائدي
ووصيتي
كانت ..
بأن لا
أدفنا.
وتشابهت
كل البلاد..
فلا أرى
نفسي هناك
ولا أرى
نفسي هنا ..
وتشابهت
كل النساء
فجسم
مريم في الظلام .. كما مني ..
ما كان
شعري لعبة عبثية
أو نزهة
قمرية
إني أقول
الشعر - سيدتي -
لأعرف من
أنا ....
2
يا سادتي
:
إني
أسافر في قطار مدامعي
هل يركب
الشعراء إلا في قطارات الضنى؟
إني أفكر
باختراع الماء..
إن الشعر
يجعل كل حلم ممكنا
وأنا
أفكر باختراع النهد ..
حتى تطلع
الصحراء ، بعدي سوسنا
وأنا
أفكر باختراع الناي
حتى يأكل
الفقراء، بعدي ، " الميجنا"
إن
صادروا وطن الطفولة من يدي
فلقد
جعلت من القصيدة موطنا..
3
يا سادتي
:
إن
السماء رحيبة جدا..
ولكن
الصيارفة الذين تقاسموا ميراثنا ..
وتقاسموا
أوطاننا..
وتقاسموا
أجسادنا..
لم
يتركوا شبرا لنا ..
يا سادتي
:
قاتلت
عصرا لا مثيل لقبحه
وفتحت
جرح قبيلتي المتعفنا..
أنا لست
مكترثا
بكل
الباعة المتجولين..
وكل كتاب
البلاط..
وكل من
جعلوا الكتابة حرفة
مثل
الزنى...
4
يا سادتي
:
عفوا إذا
أقلقتكم
أنا لست
مضطرا لأعلن توبتي
هذا أنا
...
هذا أنا
...
هذا أنا
...
حزب
المطر
أنا لا
أسكن في أي مكان
إن
عنواني هو اللامنتظر ...
مبحرا
كالسمك الوحشي في هذا المدى
في دمي
نار .. وفي عيني شرر
ذاهبا
أبحث عن حرية الريح،
التي
يتقنها كل الغجر..
راكضا
خلف غمام أخضر
شاربا
بالعين آلاف الصور
ذاهبا ..
حتى نهايات السفر ..
مبحرا ..
نحو فضاء آخر
نافضا
عني غباري
ناسيا
اسمي ...
وأسماء
النباتات ..
وتاريخ
الشجر..
هاربا من
هذه الشمس التي تجلدني
بكرابيج
الضجر ..
هاربا من
مدن نامت قرونا
تحت
أقدام القمر ..
تاركا
خلفي عيونا من زجاج
وسماء من
حجر ..
ومضافات
تميم ومضر ..
لا تقولي
: عد إلى الشمس .. فإني
أنتمي
الآن إلى حزب المطر..
أسألك الرحيلا
لنفترق قليلا ، لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي ، وخيرنا لنفترق قليلا
لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي ، أريدُ أن تكرهني قليلا
بحقِّ ما لدينا ، من ذِكَرٍ غاليةٍ كانت على كِلَينا ، بحقِّ حُبٍّ رائع
ما زالَ منقوشاً على فمينا ، ما زالَ محفوراً على يدينا
بحقِّ ما كتبتَهُ إليَّ من رسائلِ ، ووجهُكَ المزروعُ مثلَ وردةٍ في داخلي
وحبكَ الباقي على شَعري على أناملي
بحقِّ ذكرياتنا ، وحزننا الجميلِ وابتسامنا ، وحبنا الذي غدا أكبرَ من
كلامنا
أكبرَ من شفاهنا ، بحقِّ أحلى قصةِ للحبِّ في حياتنا
أسألكَ الرحيلا ، لنفترق أحبابا ، فالطيرُ في كلِّ موسم ، تفارقُ الهضابا
والشمسُ يا حبيبي ، تكونُ أحلى عندما تحاولُ الغيابا
كُن في حياتي الشكَّ والعذابا ، كُن مرَّةً أسطورة ، كُن مرةً سرابا
وكُن سؤالاً في فمي ، لا يعرفُ الجوابا ، من أجلِ حبٍّ رائعٍ
يسكنُ منّا القلبَ والأهدابا ، وكي أكونَ دائماً جميلةً
وكي تكونَ أكثر اقترابا ، أسألكَ الذهابا
لنفترق ونحنُ عاشقان ، لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان
فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي ، أريدُ أن تراني
ومن خلالِ النارِ والدُخانِ ، أريدُ أن تراني ، لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا ، نعمةَ البكاءِ من زمانِ
لنفترق ، كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا ، وشوقنا رمادا
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني ، كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير ، ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي ، يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني.. لكنني أخاف من عاطفتي ، أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا ، أخاف من وِصالنا
أخافُ من عناقنا ، فباسمِ حبٍّ رائعٍ ،أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا ، وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا
حتى يظلَّ حبنا جميلا ، حتى يكون عمرُهُ طويلا
أسألكَ الرحيلا
في المقهى
جواري اتخذت مقعدها
كوعاء الورد في اطمئنانها
وكتاب ضارع في يدها
يحصد الفضلة من إيمانها
يثب الفنجان من لهفته
في يدي ، شوقا إلى فنجانها
آه من قبعة الشمس التي
يلهث الصيف على خيطانها
جولة الضوء على ركبتها
زلزلت روحي من أركانها
هي من فنجانها شاربة
وأنا أشرب من أجفانها
قصة العينين .. تستعبدني
من رأى الأنجم في طوفانها
كلما حدقت فيها ضحكت
وتعرى الثلج في أسنانها
شاركيني قهوة الصبح .. ولا
تدفني نفسك في أشجانها
إنني جارك يا سيدتي
والربى تسأل عن جيرانها
من أنا .. خلي السؤالات أنا
لوحة تبحث عن ألوانها
موعدا .. سيدتي! وابتسمت
وأشارت لي إلى عنوانها..
وتطلعت فلم ألمح سوى
طبعة الحمرة في فنجانها
فم
في وجهها يدور .. كالبرعم
بمثله الأحلام لم تحلم
كلوحة ناجحة .. لونها
أثار حتى حائط المرسم
كفكرة .. جناحها أحمر
كجملة قيلت ولم تفهم
كنجمة قد ضعيت دربها
في خصلات الأسود المعتم
زجاجة للطيب مختومة
ليت أواني الطيب لم تختم
من أين يا ربي عصرت الجنى؟
وكيف فكرت بهذا الفم
وكيف بالغت بتدويره؟
وكيف وزعت نقاط الدم؟
وكيف بالتوليب سورته
بالورد، بالعناب، بالعندم؟
وكيف ركزت إلى جنبه
غمارة .. تهزأ بالأنجم..
كم سنة .. ضيعت في نحته ؟
قل لي .. ألم تتعب .. ألم تسأم؟
منضمة الشفاه .. لا تفصحي
طفولة نهد 1948
القبلة الأولى
عامان .. مرا عليها يا مقلتي
وعطرها لم يزل يجري على شفتي
كأنها الآن .. لم تذهب حلاوتها
ولا يزال شذاها ملء صومعتي
إذ كان شعرك في كفي زوبعة
وكأن ثغرك أحطابي .. وموقدتي
قولي. أأفرغت في ثغري الجحيم وهل
من الهوى أن تكوني أنت محرقتي
لما تصالب ثغرانا بدافئة
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
تروي الحكايات أن الثغر معصية
حمراء .. إنك قد حببت معصيتي
ويزعم الناس أن الثغر ملعبها
فما لها التهمت عظمي وأوردتي؟
يا طيب قبلتك الأولى .. يرف بها
شذا جبالي .. وغاباتي .. وأوديتي
ويا نبيذية الثغر الصبي .. إذا
ذكرته غرقت بالماء حنجرتي..
ماذا على شفتي السفلى تركت .. وهل
طبعتها في فمي الملهوب .. أم رئتي؟
لم يبق لي منك .. إلا خيط رائحة
يدعوك أن ترجعي للوكر .. سيدتي
ذهبت أنت لغيري .. وهي باقية
نبعا من الوهج .. لم ينشف .. ولم يمت
تركتني جائع الأعصاب .. منفردا
أنا على نهم الميعاد .. فالتفتي.
الشقيقتان
قلم الحمرة .. أختاه .. ففي
شرفات الظن، ميعادي معه
أين أصباغي.. ومشطي .. والحلي؟
إن بي وجدا كوجد الزوبعة
ناوليني الثوب من مشجبه
ومن الديباج هاتي أروعه
سرحيني .. جمليني .. لوني
ظفري الشاحب إني مسرعة
جوربي نار .. فهل أنقذته؟
من يد موشكة أن تقطعه
ما كذبت الله .. فيما أدعي
كاد أن يهجر قلبي موضعة
رحمة .. يا هند هل أمضى له
وأنا مبهورة .. ممتقعة ..
إنه الآن .. إلى موعدنا
جبهة .. باذخة .. مرتفعة
ورداء يحصد الشمس .. جوى
وفم لون الفصول الأربعة
لا أسميه .. وإن كان اسمه
نقرة العود .. وبوح المزرعة
لو سألت الريش من أجفانه
أتقي البرد به .. لاقتلعه
ركزي يا هند شغلى .. فعلى
سحبات الرصد ميعادي معه
حكاية
كنت أعدو في غابة اللوز .. لما
قال عني، أماه، إني حلوة
وعلى سالفي .. غفا زر ورد
وقميص تفلتت منه عروة
قال ما قال .. فالقميص جحيم
فوق صدري، والثوب يقطر نشوة
قال لي : مبسمي وريقة توت
ولقد قال إن صدري ثروة
وروى لي عن ناهدي حكايا..
فهما جدولا نبيذ وقهوة
وهما دورقا رحيق ونور
وهما ربوة تعانق ربوة..
أأنا حلوة؟ وأيقظ أنثى
في عروقي ، وشق للنور كوه
إن في صوته قرارا رخيما
وبأحداقه .. بريق النبوة
جبهة حرة .. كما انسرح النور
وثغر فيه اعتداد وقسوة
يغصب القبلة اغتصابا .. وأرضي
وجميل أن يؤخذ الثغر عنوة
ورددت الجفون عنه .. حياء
وحياء النساء للحب دعوة
تستحي مقلتي .. ويسأل طهري
عن شذاه .. كأن للطهر شهوة
أنت .. لن تنكري على احتراقي
كلنا .. في مجامر النار نسوه
حبيبي
لا تسألوني .. ما اسمه حبيبي
أخشى عليكم ضوعة الطيوب
زق العبيد إن حطمتموه
غرقتم بعاطر سكيب
والله، لو بحت بأي حرف
تكدس الليلك في الدروب
لا تبحثوا عنه هنا بصدري
تركته يجري مع الغروب
ترونه في ضحكة السواقي
في رفة الفراشة اللعوب
في البحر ، في تنفس المراعي
وفي غناء كل عندليب
في أدمع الشتاء حين يبكي
وفي عطاء الديمة السكوب
لا تسألوا عن ثغره .. فهلا
رأيتم أناقة المغيب
ومقلتاه شاطئا نقاء
وخصره تهزهز القضيب
محاسن .. لا ضمها كتاب
ولا ادعتها ريشة الأديب
وصدره ..ونحره .. كفاكم
فلن أبوح باسمه حبيبي
قصائد 1956
عيد ميلادها
بطاقة من يدها ترتعد
تفدي اليد
تقول : عيدي الأحد
ما عمرها؟
لو قلت .. غنى في حبيبي العدد
إحدى ثوانيه إذا
أعطت، عصورا تلد
وبرهة من عمرها
يكمن فيها .. أبد
ترى إذا جاء غد
وانشال تول أسود
واندفعت حوامل الزهر..
وطاب المشهد
ورد..وحلوى ..وأنا
يأكلني التردد
بأي شيء أفد
إذا يهل الأحد
بخادم ..بباقة؟
هيهات. لا أقلد
أليس من يدلني؟
كيف .. وماذا أقتني؟
ليومها الملحن
أحزمة من سوسن؟
أنجمة مقيمة في موطني؟
أهدي لها
الله .. ما أقلها؟ ..
من ينتقي؟
لي من كروم المشرق
من قمر محترق
حقا غريب العبق
آنية مسحورة خالقها لم يخلق..
أحملها ..غدا لها
الله ..ما أقلها
لو بيدي الفرقد
والدر والزمرد
فصلتها جميعها
رافعة لنهدها
ومحبسا لزندها
هدية صغيرة .. تحمل نفسي كلها
لعلها
إذا أنا حملتها
غدا لها
ستسعد
يا مرتجي .. يا أحد ..
رسائل لم تكتب لها ..
مزقيها..
كتبي الفارغة الجوفاء إن تستلميها..
والعنيني .. والعنيها
كاذبا كنت .. وحبي لك دعوى أدعيها
إنني أكتب للهو.. فلا تعتقدي ما جاء فيها
فأنا - كاتبها المهووس - لا أذكره
ما جاء فيها ..
اقذفيها ..
اقذفي تلك الرسالات .. بسل المهملات
واحذري..
أن تقعي في الشرك المخبوء بين الكلمات
فأنا نفسي لا أدرك معنى كلماتي
فكري تغلي..
ولا بد لطوفان ظنوني من قناة
أرسم الحرف
كما يمشي مريض في سبات
فإذا سودت في الليل تلال الصفحات
فلأن الحرف، هذا الحرف جزء من حياتي
ولأني رحلة سوداء في موج الدواة
أتلفيها ..
وادفني كل رسالاتي بأحشاء الوقود
واحذري أن تخطئي..
أن تقرئي يوما بريدي
فأنا نفسي لا أذكر ما يحوي بريدي!..
وكتاباتي،
وأفكاري،
وزعمي،
ووعودي،
لم تكن شيئا ، فحبي لك جزء من شرودي
فأنا أكتب كالسكران
لا أدري اتجاهي وحدودي
أتلهي بك، بالكلمة ، تمتص وريدي
فحياتي كلها..
شوق إلى حرف جديد
ووجود الحرف من أبسط حاجات وجودي
هل عرفت الآن ما معنى بريدي؟
حبيبتي 1961
شؤون صغيرة
تمر بها أنت .. دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي..
حوادث .. قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء..
وألف جزيرة..
شؤون ..
شؤونك تلك الصغيرة
فحين تدخن أجثو أمامك
كقطتك الطيبة
وكلي أمان
ألاحق مزهوة معجبة
خيوط الدخان
توزعها في زوايا المكان
دوائر.. دوائر
وترحل في آخر الليل عني
كنجم، كطيب مهاجر
وتتركني يا صديق حياتي
لرائحة التبغ والذكريات
وأبقي أنا ..
في صقيع انفرادي
وزادي أنا .. كل زادي
حطام السجائر
وصحن .. يضم رمادا
يضم رمادي..
***
وحين أكون مريضة
وتحمل أزهارك الغالية
صديقي.. إلي
وتجعل بين يديك يدي
يعود لي اللون والعافية
وتلتصق الشمس في وجنتي
وأبكي .. وأبكي.. بغير إرادة
وأنت ترد غطائي علي
وتجعل رأسي فوق الوسادة..
تمنيت كل التمني
صديقي .. لو أني
أظل .. أظل عليلة
لتسأل عني
لتحمل لي كل يوم
ورودا جميلة..
وإن رن في بيتنا الهاتف
إليه أطير
أنا .. يا صديقي الأثير
بفرحة طفل صغير
بشوق سنونوة شاردة
وأحتضن الآلة الجامدة
وأعصر أسلاكها الباردة
وأنتظر الصوت ..
صوتك يهمي علي
دفيئا .. مليئا .. قوي
كصوت نبي
كصوت وارتطام النجوم
كصوت سقوط الحلي
وأبكي .. وأبكي ..
لأنك فكرت في
لأنك من شرفات الغيوب
هتفت إلي..
***
ويوم أجيء إليك
لكي أستعير كتاب
لأزعم أني أتيت لكي أستعير كتاب
تمد أصابعك المتعبة
إلى المكتبة..
وأبقي أنا .. في ضباب الضباب
كأني سؤال بغير جواب..
أحدق فيك وفي المكتبة
كما تفعل القطة الطيبة
تراك اكتشفت؟
تراك عرفت؟
بأني جئت لغير الكتاب
وأني لست سوى كاذبة
.. وأمضى سريعا إلى مخدعي
أضم الكتاب إلى أضلعي
كأني حملت الوجود معي
وأشعل ضوئي .. وأسدل حولي الستور
وأنبش بين السطور .. وخلف السطور
وأعدو وراء الفواصل .. أعدو
وراء نقاط تدور
ورأسي يدور ..
كأني عصفورة جائعة
تفتش عن فضلات البذور
لعلك .. يا .. يا صديقي الأثير
تركت بإحدى الزوايا ..
عبارة حب قصيرة ..
جنينة شوق صغيرة
لعلك بين الصحائف خبأت شيا
سلاما صغيرا .. يعيد السلام إليا ..
***
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ - من غير قصد - ذراعي
أحسن أنا يا صديق ..
بشيء عميق
بشيء يشابه طعم الحريق
على مرفقي ..
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل دربي بغير انتهاء
وأبكي .. وأبكي بغير انقطاع
لكي يستمر ضياعي
وحين أعود مساء إلى غرفتي
وأنزع عن كتفي الرداء
أحس - وما أنت في غرفتي -
بأن يديك
تلفان في رحمة مرفقي
وأبقي لأعبد يا مرهقي
مكان أصابعك الدافئات
على كم فستاني الأزرق ..
وأبكي .. وأبكي .. بغير انقطاع
كأن ذراعي ليست ذراعي..
لوليتا
صار عمري خمس عشرة
صرت أحلى ألف مرة
صار حبي لك أكبر
ألف مرة..
ربما من سنتين
لم تكن تهتم في وجهي المدور
كان حسني بين بين ..
وفساتيني تغطي الركبتين
كنت آتيك بثوبي المدرسي
وشريطي القرمزي
كان يكفيني بأن تهدي إلي
دمية .. قطعة سكر ..
لم أكن أطلب أكثر
وتطور..
بعد هذا كل شيء
لم أعد أقنع في قطعة سكر
ودمي .. تطرحها بين يدي
صارت اللعبة أخطر
ألف مرة..
صرت أنت اللعبة الكبرى لدي
صرت أحلى لعبة بين يدي
صار عمري خمس عشره..
*
صار عمري خمس عشره
كل ما في داخلي .. غنى وأزهر
كل شيء .. صار أخضر
شفتي خوح .. وياقوت مكسر
وبصدري ضحكت قبة مرمر
وينابيع .. وشمس .. وصنوبر
صارت المرآة لو تلمس نهدي تتخدر
والذي كان سويا قبل عامين تدور
فتصور ..
طفلة الأمس التي كانت على بابك تلعب
والتي كانت على حضنك تغفو حين تتعب
أصبحت قطعة جوهر..
لا تقدر ..
*
صار عمري خمس عشره
صرت أجمل ..
وستدعوني إلى الرقص .. وأقبل
سوف ألتف بشال قصبي
وسأبدوا كالأميرات ببهو عربي..
أنت بعد اليوم لن تخجل في
فلقد أصبحت أطول ..
آه كم صليت كي أصبح أطول..
إصبعا .. أو إصبعين..
آه .. كم حاولت أن أظهر أكبر
سنة أو سنتين ..
آه .. كم ثرت على وجهي المدور
وذؤاباتي .. وثوبي المدرسي
وعلى الحب .. بشكل أبوي
لا تعاملني بشكل أبوي
فلقد أصبح عمري خمس عشرة.
أيظن
أيظن أني لعبة بيديه؟
أنا
لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة
الأطفال في عينيه
ليقول لي : إني رفيقة دربه
وبأنني
الحي الوحيد لديه
حمل الزهور إليّ .. كيف أرده
وصباي
مرسوم على شفتيه
ما عدت أذكر .. والحرائق في دمي
كيف التجأت أنا إلى زنديه
خبأت رأسي عنده .. وكأنني
طفل أعادوه إلى أبويه
حتى فساتيني التي أهملتها فرحت
به
.. رقصت على قدميه
سامحته .. وسألت عن أخباره
وبكيت
ساعات على كتفيه
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصور بين يديه ..
ونسيت حقدي كله في لحظة
من
قال إني قد حقدت عليه؟
كم قلت إني غير عائدة له
ورجعت
.. ما أحلى الرجوع إليه ..
حقائب البكاء
إذا أتى
الشتاء..
وحركت
رياحه ستائري
أحس يا
صديقتي
بحاجة
إلى البكاء
على
ذراعيك..
على
دفاتري..
إذا أتى
الشتاء
وانقطعت
عندلة العنادل
وأصبحت
..
كل
العصافير بلا منازل
يبتدئ
النزيف في قلبي .. وفي أناملي.
كأنما
الأمطار في السماء
تهطل يا
صديقتي في داخلي..
عندئذ ..
يغمرني
شوق
طفولي إلى البكاء ..
على حرير
شعرك الطويل كالسنابل..
كمركب
أرهقه العياء
كطائر
مهاجر..
يبحث عن
نافذة تضاء
يبحث عن
سقف له ..
في عتمة
الجدائل ..
*
إذا أتى
الشتاء..
واغتال
ما في الحقل من طيوب..
وخبأ
النجوم في ردائه الكئيب
يأتي إلى
الحزن من مغارة المساء
يأتي
كطفل شاحب غريب
مبلل
الخدين والرداء..
وأفتح
الباب لهذا الزائر الحبيب
أمنحه
السرير .. والغطاء
أمنحه ..
جميع ما يشاء
*
من أين
جاء الحزن يا صديقتي ؟
وكيف
جاء؟
يحمل لي
في يده..
زنابقا
رائعة الشحوب
يحمل لي
..
حقائب
الدموع والبكاء..
ماذا
أقول له؟
ماذا
أقول له لو جاء يسألني..
إن كنت
أكرهه أو كنت أهواه؟
ماذا
أقول : إذا راحت أصابعه
تلملم
الليل عن شعري وترعاه؟
وكيف
أسمح أن يدنو بمقعده؟
وأن تنام
على خصري ذراعاه؟
غدا إذا
جاء .. أعطيه رسائله
ونطعم
النار أحلى ما كتبناه
حبيبتي!
هل أنا حقا حبيبته؟
وهل أصدق
بعد الهجر دعواه؟
أما
انتهت من سنين قصتي معه؟
ألم تمت
كخيوط الشمس ذكراه؟
أما
كسرنا كؤوس الحب من زمن
فكيف
نبكي على كأس كسرناه؟
رباه..
أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف
أنجو من الأشياء رباه؟
هنا
جريدته في الركن مهملة
هنا كتاب
معا .. كنا قرأناه
على
المقاعد بعض من سجائره
وفي
الزوايا .. بقايا من بقاياه..
ما لي
أحدق في المرآة .. أسألها
بأي ثوب
من الأثواب ألقاه
أأدعي
أنني أصبحت أكرهه؟
وكيف
أكره من في الجفن سكناه؟
وكيف
أهرب منه؟ إنه قدري
هل يملك
النهر تغييرا لمجراه؟
أحبه ..
لست أدري ما أحب به
حتى
خطاياه ما عادت خطاياه
الحب في
الأرض . بعض من تخلينا
لو لم
نجده عليها .. لاخترعناه
ماذا
أقول له لو جاء يسألني
إن كنت
أهواه. إني ألف أهواه..
خمس رسائل إلى أمي
1
صباح
الخير .. يا حلوة..
صباح
الخير .. يا قديستي الحلوة..
مضى
عامان يا أمي،
على
الولد الذي أبحر
برحلته
الخرافية..
وخبأ في
حقائبه..
صباح
بلاده الأخضر
وأنجمها،
وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر..
وخبأ في
ملابسه
طرابينا
من النعناع والزعتر..
وليلكة
دمشقية..
2
أنا وحدي
..
دخان
سجائري يضجر
ومني
مقعدي يضجر
وأحزاني
عصافير، تفتش بعد عن بيدر
عرفت
نساء أوروبا ..
عرفت
عواطف الإسمنت والخشب
عرفت
حضارة التعب..
وطفت
الهند، طفت السند،
طفت
العالم الأصفر..
ولم
أعثر..
على
امرأة تمشط شعري الأشقر
وتحمل في
حقيبتها إلى عرائس السكر
وتكسوني
إذا أعرى
وتنشلني
إذا أعثر
أيا أمي
.. أنا الولد الذي أبحر..
ولا زالت
بخاطره
تعيش
عروسة السكر
فكيف ..
فكيف .. يا أمي
غدوت أبا
.. ولم أكبر؟
3
صباح
الخير من مدريد..
ما
أخبارها الفلة؟
بها
أوصيك يا أماه
تلك
الطفلة الطفلة..
فقد كانت
أحب حبيبة لأبي.
يدللها
كطفلته..
ويدعوها
إلى فنجان قهوته..
ويسقيها،
ويطعمها
ويغمرها
برحمته..
ومات أبي
..
ولا زالت
تعيش بحلم عودته
وتبحث
عنه في أرجاء غرفته..
وتسأل عن
عباءته..
وتسأل عن
جريدته..
وتسأل
حين يأتي الصيف عن فيروز عينيه
لتنثر
فوق كفيه ..
دنانيرا
من الذهب..
4
سلامات..سلامات..
إلى بيت
سقانا الحب والرحمة..
إلى
أزهارك البيضاء..
فرحة "
ساحة النجمة " ..
إلى
تختي، إلى كتبي،
إلى
أطفال حارتنا..
وحيطان
ملأناها بفوضى من كتابتنا ...
إلى قطط
كسولات
تنام ع
لي مشارقنا..
وليلكة
معرشة على شباك جارتنا..
مضى
عامان.. يا أمي
ووجه
دمشق ..
عصفور
يخربش في جوانحنا
يعض على
ستائرنا..
وينقرنا
، برفق، من أصابعنا..
مضى
عامان يا أمي ..
وليل
دمشق .. فل دمشق ..
دور دمشق
..
تسكن في
خواطرنا..
مآذنها
.. تضيء على مراكبنا..
كأن مآذن
الأموي قد زرعت بداخلنا
كأن
مشاتل التفاح تعبق في ضمائرنا
كأن
الضوء والأحجار..
جاءت
كلها معنا..
5
أتى
أيلول أماه ..
وجاء
الحزن يحمل لي هداياه
ويترك
عند نافذتي..
مدامعه
وشكواه
أتى
أيلول أين دمشق؟
أين أبي
وعيناه؟
وأين
حرير نظرته، وأين عبير قهوته
سقى
الرحمن مثواه..
وأين
رحاب منزلنا الكبير. وأين نعماه؟
وأين
مدراج الشمشير .. تضحك في زواياه؟
وأين
طفولتي فيه ..
أجرجر
ذيل قطته..
وآكل من
عريشته
وأقطف من
" بنفشاه "
دمشق .
دمشق .
يا شعرا
..
على
حدقات أعيننا كتبناه ..
ويا طفلا
جميلا
من
ضفائره صلبناه
جثونا
عند ركبته
وذبنا في
محبته
إلى أن
في محبتنا قتلناه..
|