أغاني الدروب
من رُؤى الأثلام في موسمٍ خصبِ ومن الخَيْبةِ في مأساةِ جدْبِ
من نجومٍ سهرت في عرشها مؤنساتٍ في الدّجى قصةَ حبِّ
من جنون اللّيل..من هدأتهِ من دم الشّمس على قطنة سُحْبِ
من بحار هدرتْ..من جدولٍ تاهَ..لم يحفل به أيُّ مَصَبِّ
من ذؤابات وعت أجنحةً جرفتها الريح في كل مهبِ
من فراش هامَ في زهر وعشبِ ونسورٍ عشقت مسرحَ شُهب
*** ***
من دُمى الأطفال.. من ضحكاتهم من دموع طهّرتها روحُ رَبِّ
من زنود نسّقَتْ فردوسها دعوةً فضلى على أنقاض حرب
من قلوب شعشعت أشواقها شُعلاً تعبرُ من رحب لرحب
من عيون سمّمت أحداقها فوهةُ البركان في نظره رعب
من جراحاتٍ يضرّي حقدَهـا ما ابتلى شعبٌ على أنقاض شعب
من دمي.. من ألمي.. من ثورتي من رؤاي الخضرِ.. من روعة حبّي
من حياتي أنتِ.. من أغوارها يا أغانيَّ ! فرودي كل درب
جيل المأساة
هنا.. في قرارتنا الجائعهْ هنا.. حفرت كهفها الفاجعهْ
هنا.. في معالمنا الدارساتِ هنا.. في محاجرنا الدامعهْ
نَبوخَذُ نصّرُ والفاتحون وأشلاء رايتنا الضائعهْ
*** ***
فباسمكَ يا نسلَنا المرتجى وباسمكِ يا زوجنا الضارعه
نردُّ الزمان إلى رشده و نبصق في كأسه السابعه
ونرفع في الأفق فجر الدماء ونلهمه شمسنا الطالعه !
أمطار الدم
((النار فاكهة الشتاءْ))
ويروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
ويحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
ويعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
والله.. والرسل الكرامِ.. وأولياءٍ صالحين
ويهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان وجذعَ زيتون عتيـق
ويضيف بنّاً للأباريق النحاس
ويُهيلُ حَبَّ (الهَيْلِ) في حذر كريم
الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. ويُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
وتقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
وتَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
ويطقطق المزراب.. ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
-قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و
يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
ويروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
وتلولبت خطواته.. ومع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
-يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة .. والقمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
ويا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
وشقيقتي.. وبنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) ويختلق (( السلام )) !!
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع والملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
وتصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
ويصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
ويجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
وتدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد والحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله والأيتام والجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
والبعلُ.. والعزّى تُحطّم
***
وتُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و
يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
.
. . . .
ويلاه.. من لون المطر !!
القصيدة الناقصة
أمرُّ ما سمعت من أشعارْ
قصيدةٌ.. صاحبها مجهول
أذكر منها، أنها تقول:
سربٌ من الأطيارْ
ليس يهمّ جنسُه..سرب من الأطياء
عاش يُنغِّمُ الحياه
قي جنَّةٍ..يا طالما مرَّ بها إله
***
كان إن نشنَشَ ضَوءْ
على حواشي الليل..يوقظ النهار
ويرفع الصلاه
في هيكل الخضرة، والمياه، والثمر
فيسجد الشجر
ويُنصت الحجر
وكان في مسيرة الضحى
يرود كل تلّة.. يؤم كل نهرْ
ينبّه الحياة في الثّرى
ويُنهِض القرى
على مَطلِّ خير
وكان في مسيرة الغيابْ
قبل ترمُّد الشعاع في مجامر الشفق
ينفض عن ريشاته التراب
يودّع الوديان والسهول والتلال
ويحمل التعب
وحزمة من القصب
ليحبك السلال
رحيبةً..رحيبةً..غنيّة الخيال
أحلامُها رؤى تراود الغلال
وتحضن العِشاشُ سربَها السعيد
وفي الوهاد، في السفوح، في الجبال
على ثرى مطامحِ لا تعرف الكلال
يورق ألف عيد
يورق ألف عيد..
***
وكان ذات يوم
أشأم ما يمكن أن يكون ذات يوم
شرذمةٌ من الصّلال
تسرّبت تحت خِباءِ ليلْ
إلى عِشاشِ.. دوحها في ملتقى الدروب
أبوابها مشرّعةْ
لكل طارقٍ غريب
وسورها أزاهرٌ وظل
وفي جِنان طالما مرَّ بها إله
تفجّرت على السلام زوبعهْ
هدّت عِشاشَ سربنا الوديع
وهَشَمتْ حديقةً.. ما جدّدت (( سدوم ))(1)
ولا أعادت عار (( روما )) الأسود القديم
ولم تدنّس روعة الحياه
وسربُنا الوديع ؟!
ويلاه.. إنّ أحرفي تتركني
ويلاه.. إنّ قدرتي تخونني
وفكرتي.. من رعبها تضيع
وينتهي هنا..
أمر ما سمعت من أشعار
قصيدة.. صاحبها مات و لم تتم
لكنني أسمع في قرارة الحروف
بقيّة النغم
أسمعُ يا أحبّتي.. بقيّة النغمْ
صوت الجنة الضائع
صوتها كان عجيباً
كان مسحوراً قوياً.. وغنياً..
كان قداساً شجيّاً
نغماً وانساب في أعماقنا
فاستفاقت جذوة من حزننا الخامد
من أشواقنا
وكما أقبل فجأة
صوتها العذب، تلاشى، وتلاشى..
مسلّماً للريح دفئَه
تاركاً فينا حنيناً وارتعاشا
صوتها.. طفل أتى أسرتنا حلواً حبيباً
ومضى سراً غريبا
صوتها.. ما كان لحناً وغناءاً
كان شمساً وسهوباً ممرعه
كان ليلا ونجوما
ورياحاً وطيوراً وغيوما
صوتها.. كان فصولاً أربعه
لم يكن لحناً جميلاً وغناءا
كان دنياً وسماءا
***
واستفقنا ذات فجر
وانتظرنا الطائر المحبوب واللحن الرخيما
وترقّبنا طويلا دون جدوى
طائر الفردوس قد مدّ إلى الغيب جناحا
والنشيد الساحر المسحور.. راحا..
صار لوعه
صار ذكرى.. صار نجوى
وصداه حسرةً حرّى.. ودمعه
***
نحن من بعدك شوق ليس يهدا
وعيونٌ سُهّدٌ ترنو وتندى
ونداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ ووجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً وسلوانا ورحمه
عد لنا وجهاً وصوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
أكثر من معركة
في أكثر من معركةٍ دامية الأرجاءْ
أشهر هذي الكلمات الحمراء
أشهرها.. سيفاً من نارِ
في صفِّ الإخوة.. في صفِّ الأعداء
في أكثر من درب وعْرِ
تمضي شامخةً.. أشعاري
وأخافُ.. أخاف من الغدرِ
من سكين يُغمد في ظهري
لكني، يا أغلى صاحب
يا طيّبُ.. يا بيتَ الشعرِ
رغم الشكّ.. ورغم الأحزانِ
أسمعُ.. أسمعُ.. وقع خطى الفجرِ!
رغم الشكّ.. ورغم الأحزانِ
لن أعدم إيماني
في أنّ الشمس ستشرقُ..
شمس الإنسانِ
ناشرةً ألوية النصرِ
ناشرةً ما تحمل من شوقٍ وأمانِ
كلماتي الحمراء..
كلماتي.. الخضـراء !
عروس النيل
أسمعُهُ.. أسمعُهُ !
عبرَ فيافي القحط، في مجاهلِ الأدغال
يهدرُ، يَدْوي، يستشيط
فاستيقظوا يا أيها النيام..
ولْنبتنِ السدود قبل دهمة الزلزال
تنبهوا.. بهذه الجدران
تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان !
***
لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتي العذراء !
لمن تبرّجونها ؟
أحلى صبايا قريتي.. حبيبتي العذراء !
حسناؤنا.. لمن تُزَفّ ؟
يا ويلكم، حبيبتي لمن تُزَفّ
لِلطّمْيِ، للطحلب، للأسماك، للصّدف ؟
نقتلها، نُحْرَمُها، وبعد عام
تنزل فينا من جديدٍ نكبةُ الطوفان
ويومها لن يشفع القربان
يا ويلكم، أحلى صبايا قريتي قربان
ونحن نستطيع أن نبتنيَ السدود
من قبل أن يداهمنا الطوفان !
***
بَدارِ.. باسم الله والانسان
فانني أسمعُهُ.. أسمعُهُ :
ولي أنا.. حبيبتي العذراء !!
|