أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتب: محمد السنوسي الغزالي-ليبيا

       
       
       
       
       

 

 

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

-محمد السنوسي الغزالي، من مواليد ليبيا، بنغازي/ 1952

-أديب وصحفي

-شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية في ليبيا والوطن العربي.

-عضو اتحاد الصحفيين العرب

-عضو رابطة الأدباء والكتاب

-أمين تحرير سابق لمجلة كل الفنون

-كتب في عديد من الصحف والمجلات العربية منها العربي اللندنية وصوت الخليج والدستور لبنان) والمجالس المصورة الكويتية ومطبوعات أخرى.

-كتب للإذاعة العديد من المسلسلات الاجتماعية والتاريخية وأيضاً البرامج الثقافية.

-كتب عدة مسرحيات وعرضت في مهرجانات وطنية منها:

-مسرحية: عجب يا دنيا.

-مسرحية: محاكمة تيمورلنك.

-كتب مسرحيات لم تنشر بعد.

-يكتب النثر العامي

-يكتب النقد وله عدة اعمال منشورة.

-يهتم بادب المراة العربية خصوصا.

-مقرر لجنة إجازة النصوص المسرحية سابقاً، وعضو حالي بها – بنغازي

-ترأس تحرير صحيفة الركح التي تصدر عن المهرجان الوطني للفنون المسرحية

-هو الآن مدير فرع اذاعة صوت إفريقيا ببنغازي

-مدير تحرير مجلة [الفصول الاربعة] التي تصدر عن اتحاد الأدباء والكتاب في ليبيا

-صدر له كتاب [بعض من سير التعب] مجموعة حكايات عن مجلس الثقافة العام في ليبيا

 

تحت الطبع:

-مجموعة قصصية بعنوان "أين تذهب هذا الشتاء؟"

-اسفار الورود (نقد)

-استقراءات وملامح... مقالات في النقد والسياسة

-حكاية زقاق البوري... مجموعة قصص

-سمار بنت البحر!! حكاية طويلة

-عقلاء دراويش!! نماذج وشخصيات واقعية من المجتمع

-من يحرق الجثة الرداحة.. مقالات سياسية واجتماعية 

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

قمبارى

الخوف

 ابو العذارى

 

 

 

ابو العذارى!!

 

كان يوما حالكا لم تبان فيه شمس..غائما..حارا..رطبا ..تنقلب فيه السحنات..يوما بإختصار شديد..من له  حدس يحس ببؤسه ورداءته وسوء الطالع فيه..رغم ان ابى علمنى الا اتطير..فشكرا له على هذا التناقض الذى زرعه فى ذاتى..قلت لكم انه يوم حالك لاشمس فى نهاره ولاقمر ولانجوم ولاسماء صافيه فى ليلته..يوم..ليس ككل الايام ، او كما بدا لى... يوم يختلف..مغاير..عندما خرجت من المنزل فى صباحه احسست بإنقباض شديد وكأن شيئا عظيما سيحدث..شىء ربما تضخم فى رأسى.. صحيح انى من النوع المندفع..ولذلك اصدم بحقائق مذهلة بعد ان افيق من شرودى وانفعالى واندفاعى!!..لكن هذا اليوم يختلف..ربما فيه شىء مما ذكرت حول الاندفاع..فما الذى حدث فى هذا اليوم بالذات؟؟..فى هذا اليوم ومن قعر الحكاية..فى هذا اليوم المختلف..احتقرت صديقى سمير بعد عشر سنوات من الرفقة..واحتقرت معه الحاج ابو العذارى!! لماذا؟؟ ..هنا..بداية الحكاية التى قلت لكم قعرها..ولذلك كان ذلك اليوم يوم مختلف..لماذا لانى احتقرت سمير..شعرت نحوه بالتقزز..كدت ان اتقيأمن فعلته التى اعتبرتها اشنع من الشنعاء..

   سمير شاب فى وسامة ا مرأة وصفها شاعر جاهلى..اذ قال عنها بما معناه ان قلبه تعلق بطفلة عربية..حجازية العينيين..رومية الكفل على ما اظن واتذكر وتتنعم بالديباج والحلى والحلل!!  لاااذكر الا معانى القصيدة..وسامة سمير كانت تفوق المخيلة مهما رسمت وتخيلت وتفننت!! لذلك..من الطبيعى ان يكون فارس احلام كل بنات الحى والشوارع القريبة منا..رقيق..حساس فى مظهره..حريص على هندامه... تقليدى لايخرج الى الشارع الا بربطة العنق ..روائح التيوز الايطالية تفوح منه دائما..لدرجة انى اصبت بالعدوى نتيجة الدوار الذى يصيبنى كلما وصلت الى انفى روائح هذا العطر الفريد..فأصبحت استعمله لانه يبقى برائحته لعدة ايام..وسمير كان ذواقا فى كل شىء..فى الاكل والشرب وطريقة الحديث.. والهدوء المفعم بعمق غامض!! رغم ضحالة ثقافته..لكنه يلفت النظر فى كل جلسة يكون هو البارز فيها..وكنت احبه..ارتاح اليه..وكان مستشار غرام متفرد..ليس الا بسبب وسامته التى اعطته هذا المخزون من الخبرة حول النساء ونقاط ضعفهن..وكنت مؤمنا ايمانا مطلقا انه الوحيد القادر على فك طلاسم اى فتاة تحاول استعمال عقل المرأة فى التعامل مع العشاق..وكانت ااستناجاته..مثلما حقوقى ضليع فى مواد القانون واحابيله وحيله والخروج منه وفيه..بإختصار فتواه فى اى فتاة لايرقى اليها الشك..مرجعية مذهلة فى هذا الجانب..لذلك ربما لم افكر فى جوانب اخرى فيه الا فى ذلك اليوم الحالك؟؟!!وفى بعض جوانب حياته اشياء غامضة لاتفهمها ولايدلى بها لأحد..منها انه تزوج من قريبة له واقام عرس خرافى..وليلة زواجه حاولت الانتحار عدة فتيات من الحى دون ان يدرك ذويهن السبب..لكن فى تلك الليلة بالذات عجت المستشفيات بعشرات الفتيات اللائى حاولن الانتحار بسبب زواج هذا الاسطورة بالنسبة لهن!! وكان العرس ايضا اسطورى مثلما هوالعريس!! لكن لسبب ما..هربت العروس بعد اسبوع من العرس المهيب ولااحد يعرف السر..ولااهل العروس ولااهل العريس..لاأحد يعرف..حاولنا نحن الاصدقاء بطريقتنا الخاصة معرفة السبب بعيدا عن غموض سمير..لكن يبدو ان العروس لم تذكر الاسباب حتى لاقرب صديقاتها..استغلالنا للفتيات لم يفدنا فى شىء..بقى هذا السر غامضا..لم نسأل سمير ولم يشفى هو غليلنا!! ومرت سنوات وعادت الامور كما كانت رتيبة مملة..جلسات سمر يومى..سمير يستمر فى غرامياته ومشوراته..مع ذلك كنت احب سمير حبا شديدا..لانه

 

كان كريما طيبا فى مظهره على الاقل..وقد علمنى ابى ان احكم بالظاهر..لست مسئولا عن الضمائر وما تخبئه النفوس..الى ان جاء اليوم الذى احتقرت فيه سمير .. فكيف حدث هذا؟؟

بداية القصة من ا بو العذارى الذى يعمل عنده سمير... ابو العذارى قبل ان اقرر  احتقاره هو الآخركنت اراه رجلا طيبا..صاحب محل.. غنى..متواضع..يعمل سمير عنده منذ سنوات..لكن فى ذلك اليوم عندما دعا سمير الى العشاء فى منزله ..وابو العذارى  ليس لديه سوى اربع بنات وامهن..وكان يمكن ان يمر الامر بهدوء..لولا ان سمير بعد ان روى لى ما حدث دفعنى الى احتقاره واحتقار ابو العذارى ..

يقول سمير انه تناول عشاءا فاخرا فى بيت ابو العذارى  الفخم..قال ان الطعام يدل على ان الطاهيات ماهرات..او هكذا هو رأيه..والامر الى هذا الحد عادى..لكن الذى ليس عاديا ان سمير يقول مردفا : البنات جميلات لكن لسن من اللاتى يروقن لى..اذا تزوجت لن اتزوج من هذا الصنف..دهشت لهذا القول..اذن الوليمة لسبب ما!! ابو البنات اخذ سمير الى المنزل لكى يعرض عليه بناته و يختار واحدة منهن ليتزوجها..لكن سمير لم تحلو فى عينه اى واحده منهن...لذلك كان ذلك اليوم بالنسبة لى مضنيا مكفهرا لاشمس فى نهاره لاقمر ولانجوم ولاسماء صافيه فى ليله..احسست بالغثيان والمرض والانضغاط.. ما الذى يدفع اب الى عرض بناته بهذه الصورة ؟؟..احتقرت سمير..هجرته..هجرت الاماكن التى يرتادها..توفى ابو العذارى بعد سنوات..وبناته بقين بلا زواج لكنهن مثال للعفة  والعصامية..ظللت بضعة سنوات احتقر الاثنين..بعد ان تزوجت..وانجبت البنات..وعرفت قسوة الحياة..ورأيت نفسى فى صورة ابو العذارى..احتقرت نفسى لانى احتقرت هذا الاب دون فهم....توقفت عن احتقار ابو العذارى  وظللت محتقرا لسميروبعمق ..

لارنكا

 

 

 

الخـــــــــــــــــوف

 

ألحى بأكمله يجتاحه الرعب عند مرآه!!، كان إبراهيم طفلا..لكنه ضد البراءة ، في وجوده تختفي كل الوجوه البريئة في المنازل ، وفى حضوره تتوقف الألعاب والضحكات ويسود السكون المرعب فى وضح النهار ، كان مصدر الخوف والرهبة وكان احد الذين يخافونه برعب لا مثيل له.

فظ القلب واللسان هو ابراهيم شرس لاتقاوم نظراته ولايتورع عن تحطيم لعب الاطفال ، يجمع الاتاوات بدم متجمد كل صباح فى المدرسة ويخطف من الايدى كل ماتقع عليه عيناه .استأذن امه فى الذهاب الى السينما ، التقى هناك بالوحش..رجع خائبا تسيل الدماء  من فمه على قميصه الابيض بكى بحرقة من قهر طفولته ، ولم يجرؤ على الشكوى من ابراهيم ، فكفكف دموعه وحاول ان يخفى الدماء عرج على عمته التى غسلت له قميصه وهى تتملكها الحيرة لكنه يعرف انها لن تشى به  رحمة بطفولته التى سوف تسحق تحت اقدام امه الشرسة!!..وفي المنزل دخل غرفته مباشرة لئلا يلحظ احد ما الم به.

لم يكن فى ابراهيم اى نبت شيطانى ، كان اصفر الوجه ويميل الى الحمرة وكثافة من الشعرالمجعد ..باختصار كان هجين الملامح ، ويهمس اهل الحى ان امه كانت على علاقة باحد العمال الطليان الذين يعملون فى المجارى!!! وجسمه عبارة عن هيكل عظمى يتحرك ، مضحك المظهر لكن لااحد يجرؤ على السخرية ، اقل نموا من اترابه ،لم يكن هناك شىء يحول دون تحديه ومع ذلك لااحد من اطفال الحى حاول ان يفعل...سوى حاجز رهيب غير مفهوم وغير مرئى...

فى احد الايام كان ذاهبا مع ابن عمه للسوق ، فجأة احس ان هناك من يتبعهما..استرق السمع للخطوات ، فاذا بها تقترب منه ، التفت بحذر، فاذا ابراهيم بمحاذاته ، انتهز فرصة دخولهما لاحد المتاجر ..التصق به فى الزحام:

-اسمع..انا محتاج للنقود..

تباطأ فى الرد..استطردالوحش:

-لن تستطيع الاحتماء به دائما..والايام بيننا..

تظاهر بعدم الاهتمام ..الا انه ا حس بان ابراهيم لازال خلفه فالتصق بابن عمه على نحو ملفت:

-مابالك تلتصق بى كدت ان اؤذيك بحذائى !!

-لاشىء ... لاشىء..الزحام شديد واخاف ان يبتلعنى بعيدا عنك

الجواب غير مقنع والهمس ازداد واصبح كالفحيح المسموع:

-اسمع لاتضيع وقتى فالسينما سوف تفتح بعد قليل..

-وما دخلى انا؟؟؟؟؟؟؟!!!

-اريد نقودا..

-و....لـ....مـ..ا...ذ...ا..اع..ط..ي..ك..( قالها بارتعاش)

 

-الاتعرف من انا؟؟اليوم فقط تعرفنى ام ماذا؟؟؟

-........؟؟؟؟؟!!!

-ماذا يريد منك هذا الولد ولماذا يتبعنا ؟؟؟

-انه...انه..يريد نقودا..يريدها منى بالقوة..

هوى بيده الغليظه وصفعه..لكن وقاحة ابراهيم جعلته يستمر فى تهديده بالرغم من الصفعات المرة التى تلقاها..انها لحظة ضعف نادرة يراها فى ابراهيم..لكن لايدرى لماذا يحس بانه مازال قويا..القوى هو القوى حتى لحظة الهزيمة!!!

لا يجب ان يلتقى به..فى الايام القادمة سيتحاشى رؤيته..بعد العطلة لكل حادث قول..لكن القلق لازمه ..صار جزءا منه..يتابعه القلق كظله..من يكون ابراهيم هذا ؟؟ولماذا يخاف منه كل هذا الخوف؟؟

انتهت العطلة..وغدا سيلتقى به..سيعتذر له وينتهى الامر ..ربما ينتهى..ربما هو الذى سينتهى؟؟ سيضطر الى الالتقاء به..احتار بين عقاب والده اذا تغيب عن المدرسة وبين عقاب ابراهيم المنتظر.

لقد تاخر الوقت.. هذه الليلة كان الفيلم طويلا..ولكن فيلم الغد أمر منه؟؟انتظار الغد اكثر وحشة؟؟ الليل في اخره ولابد ان يسرع الى المنزل..كانت البركة صامتة كعادتها في هذا الوقت المتأخر... اقترب من الشارع..احس او تبين شبحا ما في الظلام الدامس الا من مصباح كهربائي  وحيد خافت في اخر الشارع..نعم..شبح يحوم حول المنزل !! حاول ان يتبينه ..لكنه تراجع..لئلا يراه..تسمر حتى اعتادت عيناه على الضوء المحتضر.. إنه ابراهيم..حاول ان ينتظر..لكن الليل تأخر..يكاد ان يودع ايضا..طال انتظاره..ارهقه الملل..تعثرت رجله بشىء ما..حدق قلقا في الارض.. قطعة خشبية مربعة..دون ان يفكر التقطها..اخفاها وراء ظهره...خطواته تقترب من ابراهيم الذى رآه فابتسم ساخرا..لكنه تسمر امام اصرار لم يعهده فيه!! تعابير ملامحه تحت ضوء المصباح خليط من الدهشة والفجاءة والذهول..لايمكن..هذه تخيلاته وتمنياته..فابراهيم لايخاف..فاجأه بالقطعة الخشبية ..هوى بها على كتفه بعنف المرتعب !!..ارتمى الاخر عليه يضربه بكلتا يداه..لم يحس بضرباته..انفاسه تتلاحق ولايصدق نفسه...

- اتركنى..لن اتعرض لك مرة اخرى !!... تركه !! مد ابراهيم ساقيه للريح..واختفى في

لحظة ...لم يعد يخيفه.. مايزال شرسا مع الآخرين..لكنه لايرغب في تكرار المواجهة..اصلا ربما لايجرؤ على التكرار..فهى مرة واحدة ولايدرى كيف حدثت ..لكنهم في يوم ٍ آخر وجدوا ابراهيم مضرجا في الدماء....يبدو ان هناك اخر جرب معه المواجهة..وفى اليوم التالى ضج الحى بالصغار على غير العادة..كان لعبهم يوحى باطمئنانهم لاول مرة..ترى من فعل بابراهيم هذا؟؟ لااحد يعلم السر..لكن المواجهة...لم يعد لها بقية..ابراهيم الآن عجوز بائس ..حفرت السنون علي وجهه ثقوب الاحزان ..ولم يعد غير جثة محنظة..

اثينا

  

 

قمبـــــــــــارى

 

هو بحار قديم من بنغازى..قضى مراحل حياته الاولى متنقلا بين السفن التجارية التى تجوب بحار العالم ومحيطاته..كان يسكن قريبا منا.. هادىء المظهر والملامح..يكاد صوته يهمس همسا اقرب الى الدبيب وقد لاتعرف ماذا يقول!! فتهز الناس رؤوسهم له علامة الفهم خوفا من الاحراج..رجل يمتلىء بالغموض والاسئلة..لاتعرف... من اين اتى..لكنه دافىء وودود..تشعر من خلال نظراته بالحنو والقلب الطيب. اسئلة الناس كانت تدور حول : من اين اتى محمد غيث او قمبارى ولقب بهذا اللقب لانه كان يسمى الناس كلها باسم قمبارى لم ينادى فى حياته اى من معارفه باسمه..كل الناس لديه هم قمبارى..لايعرف لاهو ولاالناس بقية اسمه واسرته وامه واخوته..لكنه يترك انطباعا جميلا لدى كل من يعرفه..وانا عندما عرفت الدنيا من حولى كان جزءا منها .. من الاجواء والاركان والمكان..ولم تكن تخطر ببالى اى اسئلة تدور فى اذهان الناس..وكان كلما رجع من سفرة بحرية..يدلف بابنا القديم ويمد لزوجة ابى ما احضره لى من حلويات بحر الشمال ولعب الاطفال..ثم يذهب وقد لانراه بعدها لعدة اشهر...قمبارى كان لازوجة ولااطفال ولامؤنس.. ولانعرف الا انه بحار واحيانا يهجر البحر ويعمل سائقا فى احدى السفارات وعادة ماتكون سفارة اسيوية وبالتحديد الصينية..كان يحب الصين واهل الصين..سافر اليهم عدة مرات كما يقول.. وحيدا على الدوام.. ومع ذلك كان سعيدا يملأ الدنيا بهدوءه ونكاته الظريفة التى تنساب همسا من شفتيه!!وعندما بلغت الخامسة عشر كان ياخذنى معه الى الكبترانية(1) يرمى صنارته من على حافة الشاطىء ثم يطلب منى الجلوس :

-ليس هناك انسان اكثر صبرا من الصيادين ياقمبارى!!

هكذا كان يقول لى دائما..ثم ينتظر فيض البحر..ويتمتم لنفسه بكلمات لااتبينها ..كان حالة خاصة من الغموض الامتناهى..غامض فى حركاته وسكناته وعاداته المتقلبه..ذات مرة وجدته يحلق ذقنه على شاطىء البحر..كانت المرآة الصغيرة فى يد والة الحلاقة فى يد اخرى ويجلس مقرفصا قبالة البحر..ومن لحظة لاخرى كان يسرح بنظره صوب الافق ..ثم يفيق من شروده ويعاود الحلاقة..ذات مرة وهو يحلق ويحدق فى المرآه جاءت عينه فى عينى....كنت وراءه مباشرة اراقبه زمجر بصوته هادىء وساخر:

- ضاقت الدنيا بك فتبعتنى الى هنا..لايستطيع قمبارى ان يمارس حريته بعيدا عن الرقباء ابدا؟؟؟هيا قل ما الذى اتى بك يا قمبارى؟؟

-مامعنى كلمة قمبارى؟؟

-كلمة اختصر بها الاسماء علمها لى الطليانى الذى ربانى..لاتعول عليها..لكن انت ما قصتك تاتى من البركة الى هنا دائما..ماذا يفعل طفل مثلك فى هذا المكان الصامت؟؟

-هل تريدنى ان اذهب من هنا؟؟

 

-وهل احملك انا على راسى يا قمبارى..لاتذهب..فهذا البحر يتسع لامراض الجميع ويخبىء فى اعماقه اسرار كثيرة لو تعلمها لشاب راسك الصغير هذا..كم وصل عمرك الان..

-خمسة عشر!!

-خمسة عشر؟؟مثلك الان ينتظر كوب اللبن كى ينام ...

ذات يوم جاءنى :

-هل تذهب الى الكبترانيه؟؟

كان اهلى قد توجسوا من تردد الرجل على لفارق السن واحضاره هذا الكم من الحلوى لى دون الاطفال الآخرين..لكنه قال لهم :

-لاتذهبوا بعيدا احببت هذا الولد لانه يتيم الام..مثلى لكنى اكثر منه يتما لانى لااعرف ابى وامى.. ولانى يتيم اشيب !!

قلت له :

-نعم اذهب معك يا قمبارى

ضحك :

-عرفت السر..ايها الطفل اللئيم تذوقت طعم اختصار اسماء الناس كما تذوقته انا..ستعرفه عندما تكبر تكتشف ان الناس الذين حولك هم نسخة واحدة ولذلك لايستحقون اكثر من اسم مشترك ..و..يكون..قمبارى..

كان يومها يقف على حافة الكبترانية جندى بريطانى من معسكر

( الدوقادوستا 2) وكان يتأمل افق البحر فى دهشة تبين واضحة تماما على ملامحه..اغتاظ قمبارى:

-هل ترى هذا الاحمر الذى يتمتع بمرأى بحر بنغازى..يملأ عيناه بهذا الجمال الذى لايملك فيه ياردة واحدة..اقول فى نفسى لو انى ارميه فى هذا اليم..

-سيغرق ياقمبارى..

-فليغرق ..كلب وقع على راسه حجر ومات..ولااحد يرانا هنا..الجو هادىء وشاعرى..سيكون عبرة لغيره من الانجليز فلا يتجولوا فى شوارعنا بعد اليوم..

ارعبتنى الفكرة..قمبارى الهادىء ليس هو الان الذى امامى.. رمى صنارته وهو ينظر الى الانجليزى نظرة حانقة..ومن ثم التهى بالبحر والسمك الذى كانت

حصيلة صيده منه مجزيه:

- اليوم سأرشو زوجة ابيك حتى لاتعاقبك..هه

وفجأة ثقلت الصنارة..تحمس قمبارى..رفع الذراع بقوة حتى ابتعد السلك وطال ووقع راس الصنارة على قبعة الانجليزى ثم رجعت الصنارة بالقبعة الى اليم من فوق راس قمبارى الذى ذهل من سرعة ماحدث..صرخ الانجليزى :

-ارابيك..ستيوبيت..ستيوبيت

-انا ستيوبيت يا دونكى..هيا خذ هذه اللكمة..

وقع البريطانى على الارض ووثب قمبارى فوقه متحمسا وهو يحاول جره الى الماء..ويصرخ فى :

-اجمع الحوت فى السلة بسرعة..

 

ص (  30  )

جمعت الحوت والصنارة وانا ارتعب من الخوف..وقمبارى مستمرا فى جر الجندى الى البحر..لكن يبدو ان مقاومة الجندى اعجزت قمبارى عن الاستمرار فى ما يريده له من موت محقق..لكمه لكمة قوية واختطف السلة منى والبسها لراس الجندى فتقاطر منها الماء يلحقه

الحوت على راس الانجليزى ..ثم رفعنى فوق كتفيه واسرع بى مهرولا وانفاسه تتلاحق.. كانت السيارة تمر فوقف له السائق وركب مسرعا وانا مازلت فوقه..ساله السائق بفضول:

-ولدك؟؟.

-....ولد امى!! مادخلك يا قمبارى؟؟

انطلق السائق وهو يحاول فك رموز جواب قمبارى غير الشافى لفضوله..وعند البركة وصلنا الى بر الامان ..انزلنى من فوقه وطلب منى العدو سريعا حتى منزلنا..

رويت لابى ما حدث ..ضحك كثيرا وقال لى :

-قمبارى هذا بطل..  ليته قتل الكلب؟؟!!

لم افهم معنى ما قاله ابى بالدقه وما يعنيه تماما بتمنيه قتل الجندى... وربما لم اعرف ما يعنيه لسنوات اخرى...وبعد تلك الحادثة لم اعد اجد قمبارى لافى الشارع ولا فى الكبترانيه ومرت سنوات قبل ان اراه مرة اخرى..ذات يوم وجدته فجأة فى احد شوارع بنغازى قال لى:

-كبرت يا قمبارى..وصرت شابا؟؟

-اين كنت طوال هذه السنين؟؟

-بعد حادثة الكبترانيه ابتعدت الى البيضاء عملت لدى السفير الصينى ولم اعد الا هذا العام بعد ان طـُرد الانجليز الكلاب..اسكن الان فى توريللى وراء المدرسة..مازلت عازبا تعال واسال عن قمبارى..اى طفل سيدلك على منزلى القديم هناك..

ترددت عليه عدة مرات ولعدة شهور بعد هذا اللقاء وذات يوم لم اجده انبأنى الجيران بانه احس بوعكة مفاجئة ثم اغمى عليه فحملوه الى مستشفى الجمهورية..وعندما ذهبت اليه وجدته ممددا على السرير وقد افاق من غيبوبته وعندما رآنى قال :

-سيارتى وضعت تحت شجرة فى حديقة المستشفى اذهب وتفقدها جيدا ..ربما سرقوا منها مصباحا او اى شىء..دولاب..او حتى زجاج..يوجد هنا كم من القمباريين!!

وجدت السيارة كما هى فعدت وابلغته لكى يطمئن عليها..واصبحت كل يومين ازوره واتفقد السيارة الى ان جاء يوم لم اجد السيارة فى مكانها ولم يكن قمبارى فى سريره...سألت عنه..قيل انه قد مات بالامس ودفن ظهر اليوم وذهب فى جنازته كل العاملين فى المستشفى..اما السيارة فقد جاء احد الاشخاص وقال انه قريبه فاستلمها وذهب بها..

رحل قمبارى بغموضه واسراره ..وكذلك سر الشخص الذى جاء واخذ سيارته...هل كان احد اقرباءه بالفعل ولم يتذكره الا فى لحظاته الاخيرة؟؟؟ لم ابحث عن اجوبه فى حياة رجل عاش غامضا وبدون اسرة..فمن عساه ان يجيبنى وهو راقد رقدته الاخيرة..

هوامش:

1-الكبترانيه : بروز اسمنتى صغير على شاطىء بنغازى بالقرب من الميناء

2-الدوقادوستا: معسكر الجيش البريطانى فى البركة ببنغازى ابان وجود القواعد الانجليزية فى ليبيا..

 

أضيفت في 24/03/2010/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية