القزم
تثاءب القزم الدميم .. هاجمه النعاس وثقل جفناه بتأثير السهر وليالى السهاد
المتواصل .. وعندما ادركه النوم بادر الى الحلم .. وفى المنام تحصل على ما
يريد .. اصبح طويلاً كنخلة .. وسيماً كأبطال الأساطير .. محبوباً كحياة
رغدة .. كان هذا ذات حلم .. عندما تثاءب ذلك القزم الدميم .
الفراش
نهضتُ من سبات ، كنتُ مرمياً على هامش الفراش كحاشيةٍ لا يقرأها أحد ،
تربعت كما يفعل السادة ، كورت في قبضتى الهواء وصفعت به احدهم ، ومن قوائم
السرير شكلت سيفاً ومدفعاً ودبابة ، حاربت بهم طويلاً وانتصرت ، حررت ُ
بحمد الله أرضاً في زاوية صدري ، ومدينة كنت قد بنيتها على أطراف اصابعى ،
ولكي احتفل بالحدث الكبير صنعت من بضع أوراق ملونة مهرجاناً دعوت اليه
الأعداء ، وعندما انصرفوا أخذت بصمات اصابعهم من على كؤوس الشراب المعتق
وقطعتها ، ثم تتبعت آثار أقدامهم على الممر الرملى وعبثت بها ، فصاروا
بحمد الله مبتوري الأيدى والأقدام .
بعد كل هذا الجهد امسكت بقطرة ماء وجعلت منها طوفاناً بحجم جبل ، أغرقتُ به
الصحراء فتاهت قافلة من جمال صبورة وتحولت تحت ضغط الظروف إلى سفن تحمل على
متنها صوفاً وقطناُ لا يطاله الماء ، وصلت السفن فاشتريت من صاحبها ما
احتاجه من صوف وقطن ومنهما صنعتُ فراشاً وثيراً أنام عليه الآن ، مرمياً
على هامشه كحاشيةٍ لا يقرأها أحد .
فحل السنة الخامسة
مات الجمل .. كان فحلاً لا تطيق فراقه النوق ، لكنه مات الآن وتطوع الغراب
ليكرر صنيعه القديم ، نعق طويلاً محاولاً إرشاد إناثه المفجوعات إلى طريقة
دفنه بما يليق بفحل ذائع الصيت ، لكن الريح سرقت صوته ، والحزن ذهب ببصيرة
الجميلات المأخوذات بصدمة الفقد .. لذلك أصبح الفحل الممتع الذي لا ُيمل
كائناً من عظام يتجول على بياضها النمل ، ومرت سنة كاملة ، ولم يعد النمل
يهتم لأمر العظام ، ومرت سنة أخرى ولم تعد العظام إلا سراً تتكتم عليه
الرمال ، ومرت سنة ثالثة ولم يعد بامكان النوق الفاتنات أن تصبر على صحراء
بلا فحل ، ومرت سنة رابعة عندما صرخت النوق بصوت واحد (( عطش وجوع في صحراء
واحدة لا يجتمعان )) وهكذا كان ، وكانت السنة الخامسة عندما كان الفحل
الجديد يبدد وحشة النوق ويجعل من عظام الفحل القديم أداةً ينظف بها نأسنانه
من بقايا حرمانه الذي مات ، تماماً كما مات ذلك الفحل الزائل ، ذلك الذي لم
تكن تطيق فراقه النوق .
أنياب الشر
كنا صغاراً نبتسم للريح عندما اخبرنا معلم المدرسة إن الشر غول كبير يملك
ألف ناب قاطع وانه التقى ذات مرة بالخير :
ـ صباح الخير أيها الشر .. نهار جميل .. أليس كذلك ؟
لكن الشر رد التحية على طريقته .. نهش يد الخير وقضم جزءًا من ساعده الأيمن
:
ـ هذا لا يهم .. أتمنى أن يهديك الله إلى طريق الصواب أيها الشر .
عاد الشر فنهش اليد اليسرى للخير وظل يلعق دمائه بمتعة لا توصف
ـ سامحك الله أيها الشر .. لعلنا نصبح أصدقاءً ذات يوم .
كنا صغاراً نبتسم للريح عندما صرخنا بوجه معلمنا الطيب (( يا لهذا الخير
الجبان )) وعندما اصبحنا كهولاً تملأنا التجاعيد .. صرنا نتكئ على سور
خيبتنا العظيم ونهمس بوهن :
ـ صباح الخير أيها الشر .. نهار جميل .. أليس كذلك ؟
ماشى الحال !!
ولدت (( ماشى الحال ))
في الواقع لم تولد بهذا الاسم لكنهم اعتبروها منحة متواضعة من السماء
فقبلوا المنحة لمجرد الحفاظ على حسن الجوار مع القضاء والقدر ، واختاروا
لها هذا الاسم بالذات لأنهم أرادوا أن يبعثوا لخالقها رسالةً مهمة مفادها
إنهم قبلوا بها (( على مضض ))
فى الواقع اجتمعت القبيلة وفاضلت طويلاً بين الاسمين .. ( ماشى الحال ) و(
على مضض ) وفى النهاية انتصر التفاؤل ونامت الوليدة باسمها الغريب :
ـ موش مهم .. ربما يتحسن الحال في المرة القادمة .
تمتم والدها وخيبة الأمل تجعل من تنفسه مهمة صعبة ..
وكبرت (( ماشى الحال )) ..
كانت مبهجة كزهرة برية .. طازجة كغابة بكر .. جميلة كشمس تغسل جسدها في
أقصى الأفق .. ونضجت البنت ، كبرت واستدارت مفاتنها ، ومجدداً اجتمعت
القبيلة والخجل يغسل الجباه :
ـ ماشى الحال لم تعد كذلك .. اصبحت (( عورة )) وينبغي لنا أن نستر العورات
.
إلى الآن لا زالت القبيلة تجتمع .. يتنادى الأشاوس .. ويصل الفرسان على
صهوات جيادهم .. يمسحون الشرف المتساقط على الجباه الشامخة وينشدون قصائد
الفخر .. ويبحثون عن حلٍ مناسب يستر عورتهم .. تلك المبهجة كزهرة برية ..
الطازجة كغابةٍ بكر !!
المنديل
تأخر ((المنديل )) ..
تأخر كثيراً حتى إن عرق الخجل غسل جباه شيوخ القبيلة فلمعت من بعيد
كسيوفٍ صقيلة ..
(( انفرد ابن الحرام هذا بعروسه منذ ساعتين دون أن يرسل إلينا بالمنديل ))
همس شيخ القبيلة لأقرب عمامة إليه .. فردت العمامة بشجن لا مثيل له :
(( أكاد أذوب خجلاً .. تراودني الشكوك وتمزقني الهواجس .. شرف القبيلة في
خطر يا شيخ الشيوخ ))
تضاءل شيخ الشيوخ ..
اصبح نقطة في بحر خجله العارم وكلما مر الوقت كانت العمائم الكبيرة تقترب
وتتباعد وكان الصمت يحيا ويموت وكان الخجل لا يتوقف عن التناسل فى الصدور
.. (( لنصنع شيئاً .. لا شرف بلا منديل ))
وهكذا كان ..
اجتاحت القبيلة دار العريس .. قتلت العروسين النائمين كزوجي حمام .. ومسحت
بقع العار المتبقي بالمنديل !!
|