انفجار الصراخ
غادرت المنزل بخطا سريعة .. قد مللتُ ذلكَ الحديثَ الصلد مع الجدران ..
كان القيظ يهبط ببطءٍ شديدٍ فجعل الهواء حانقاً أكثر من ذي قبل .. أحسُّ
بأن الأرضّ بما رحبت تضيقُ بي .. هذا العالم الذي يكبر في نفوس الجميع أراه
يضيق به صدري .. أشعر برغبة في الصراخ .. أريد أن أصرخ .. لابدَّ أن أصرخ
.. سأجرب .. لابدَّ .. نعم .. أتأمَّل ما حولي .. لا أحد .. إنها فرصة ..
أعدُّ حنجرتي لصرخة عظيمة تتناسب مع عقدة العالم بين حاجبي .. أفتح فمي ..
أصرخ .. أصرخ .. لا أسمع شيئاً .. لا أرى .. لكنني علي يقين بأنني كنت أصرخ
بصوتٍ عالٍ جداً ..
أخفض رأسي وكأن كابوساً قد انزاح عني ..
لقد فعلتها ..
صرخت..!
أفتح عيني .. يا إلهي .. عشرات العيون تنظر إليَّ مندهشة .. نعم بدهشة ..
لقد سمعوا صرختي .. كيف لي أن أعيدها إلى صدري ..!؟
عقدت ما بين حاجبي .. وسرت من جديد لا أبالي بشيءٍ.!؟
الغرفة الحمراء
كانت حسنةَ الوجهِ .. ناعمةً .. رقيقةً .. منذَ أكثرَ من عشرينَ عاماً
ظلَّت والدتها تستعدُّ لزواجِها ؛ لكنَّ النصيبَ لم يطرقْ بابَها ككثيراتٍ
غيرها.
ـ أتت إليه بعدَ إلحاح الأقارب والأصدقاء ليفكَّ عنها ( السحر ).
طلبَ من أمِّها الخروجَ لتبقى معه بمفردِها..
هي إنسانةٌ مثاليَّةٌ .. لكن ماذا عليها أن تفعل ..!؟
تقتربُ من سنِّ اليأس .. يبعثُ الإحباطُ في نفسِها أسىً قاتلاً ، ويثيرُ
كوامنَ العذابِ في أعماقِها المشتعلة ..
جاءته .. كما الأخريات .. فتح ستارة بيضاء يختفي وراءها باب لغرفة حمراء
كاتمة للصوت ..
أحكم إغلاق الباب .. اقترب منها رويداً .. رويداً
تلاحقت أنفاسه..
ـ همس لها قائلاً: لا تخافي .. إيَّاك والتخوَّف .. وفكِّري فيَّ الآن ..
اللحظة التي نعيشها ..
إن كنت ترغبين الزواجَ فإنَّ هذا العملَ سيخلِّصُكَ منَ السحرِ وتتزوَّجينَ
..
تأمَّلها بعمقٍ .. ثم كلَّمها بصوتٍ جهوريٍّ واضحٍ ، أمسك صدغيها .. وراح
يهزُّ رأسها يميناً ويساراً ..
ارتجفت .. راحت تتخبَّط محاولة الإفلات من بين يديه .. أصيبت بنوبة
هستيريَّةٍ حادَّةٍ ..
لكنه يعرف جيداً كيف يتعامل مع ضحاياهُ ، فهي ليست المرة الأولى التي قام
بها بهذا العمل.
وهي من المئات اللاتي أتين إليه لفكِّ عقدةِ السحر رغبةً في الزواج ..
انتهى بها حتى استكانت له .. هدَّأ من روعها .. قال لها بحنوٍّ مصطنعٍ:
لماذا تبكين .. !؟
أؤكِّد لك بأنك سليمة ..
قالت له من بين دموعِها الساخنةِ: إنَّ الذي حدث مستحيل ..
قالَ بسخريَّة واحتقارٍ: أما هذا الذي كنتِ تبغينه ..!؟
اذهبي ، لا تخافي وتأكِّدي أنَّكِ ....!!
خرجت مرتبكةً تجرُّ وراءَها عمراً مثقلاً بالوجعِ ، وكلامِ الناسِ .. وشبحِ
الفضيحةِ ؛ وهيَ لا تجرؤ على أن تتفوَّهَ بما حدث لها في الغرفةِ الحمراءِ
..؟!
المتعة
- قرعَ البابَ بكلِّ هدوءٍ .. دخلَ بسهولةٍ إلى غرفةِ الاستقبالِ.
أعطاها المبلغَ .. لمسَ كتفَهَا ثم همسَ في أذنها: " أودُّ أن أجرَّب حظي
معك في المرَّةِ القادمة ".
وناولها بعضَ الدنانير ..
- همست ببعض الكلمات .. وانصرفت به إلى الغرفة المقابلة ..
- كان فرحاً .. طارَ معها كالعصفورِ مستغرقاً في أحلامِهِ الورديَّةِ فإذا
بصوتٍ رقيقٍ هادئٍِ عذبٍ ، وعينانِ تكادانِ يطيرُ منها الحنان يهمسُ لها :
" أخلع حذاءك وجواربك.."
ابتسم وقال لها: طلباتك أوامر .. سأنفِّذ في الحال ..
- رمى حذاءه القذر ..
دخل إلى الغرفة المقابلة .. كانت مرتبةً وبها مشجبٌ فاخرٌ .. ابتسم فبدأ
كمن يأمل الاستمتاع باللحظات الجميلة التي تنتظره ، وإذا بفتاة أنيقة جميلة
تقول له: تفضَّل، وأخلع سترتك ، وسأعلقها لك هنا..
- قال لها: " حاضر يا جميلتي ، فلن أعارضك في شيء .."
انصرفت به إلى الغرفة المقابلة فبدأ السرور واضحاً على جبينه ..
في الغرفة التالية ظهرت له فتاة أكثر جمالاً وفتنة .. قال في نفسه: " كيف
أستطيع أن أحرم نفسي من هذه المتعة ؟ ".
طلبت منه أن يخلع قميصه .. لم تجد صعوبة في إقناعه .. كان يحس بأن السعادة
باتت قريبة منه .. في كل غرفة يدخلها ينفعل حتى الجنون .. يمازح هذه ..
ويغمز الأخرى .. ويقرص تلك .. في كل مرَّةٍ يدخل على فتاة يوزِّع
الابتسامات والوعود ، ويزداد حماساً وهو يتنقل من غرفة إلى أخرى مقابلة ..
هذه المرَّة طلبت منه مستقبلته الحسناء أن يخلع بنطلونه.
كانت الغرفةُ مملوءةً بالدفءِ يشعُّ بِهِ وجهُهَا الحلو ..
قال يمازحُهَا:" هل هذا ضروري !؟.
أجابته بابتسامةٍ تقطر خلاعة:" أجل ، هذا ضروريٌّ جداً من أجل النظام ودقة
الترتيب .. نحن جميعاً هنا نعمل على تأمين المتعة والسعادة لك .. تفضَّلْ
يا سيدي ..
ـ دخل الغرفة المقابلة فوجد فيها فتاة دلُّوعة تترنَّح كالهرَّةِ فترنَّح
معها قلبه ..
قالت له بكل رقة: أخلع ملابسك الداخلية.
قال لها: حسناً لم يعد لديكم ما تخلعونه عني..!
ابتسمت وهمست برقة تذوب لها القلوب: ادخل هنا .. إلى الغرفة المقابلة فستجد
كل متعتك.
دخل .. اصطفق الباب بعنف وراءَهُ .. فاشرَأبَّ عنقه وزاغ بصره .. حيث وجد
نفسه في شارع غير الذي دخل منه إلى بيت الأحلام ، فيما كان القرف يظهر على
وجوه المارة من رؤيته عارياً هكذا...؟!
|