أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتبة: رشا حداد

       
       
       
       
       

 

أعمال مترجمة

نماذج من أعمال الكاتبة

بطاقة تعريف الكاتبة

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتبة

 

ولدت في دمشق عام 1970

درست المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس حمص

متزوجة ومقيمة في حمص

تحمل إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة البعث (1991)

عضو جمعية الترجمة

 

مؤلفاتها:

- مجموعة قصص عالمية مبسّطة للفتيان (8 كتب) - دار الكندي - حمص 1996

- مجموعة قصص للأطفال (24 قصة مصورة) - دار الإرشاد - حمص 1998

- مسرحيات مختارة من فصل واحد (مشاركة) - دار الكندي - حمص 1999

- عدد من الأعمال الأدبية القصيرة المنشورة في بعض الدوريات السورية

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتبة

ولد في سنة الثور

ثلاث ضربات في يوم واحد

 حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز

 

 

حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز

 

عندما حشد جو هونغوو الجنود لإسقاط سلالة يان الحاكمة، هاجم هو وضابطاه تشانغ يوتشان وهو داهاي أرض التدريب العسكرية في بكين. لكن الحاكم التتري كان قد زرع ألغاماً هناك، واضطر المتمردون أن يفروا من المدينة وينتشروا. وانطلق جو على حصانه وحيداً، ولجأ إلى القفار، وهو يكابد البرد والجوع، حتّى استنفد قواه هو وحصانه. وأخيراً ترجل بجانب معبد متداعٍ، حيث فقد الوعي وسقط على الأرض.‏

 

بعد قليل جاء شحاذان، يحمل أحدهما قفصاً بالياً من أغصان مجدولة فيه أنواع تافهة المذاق من الكعك، ويحمل الآخر قدراً فخارياً متكسراً فيه حساء الخضار. وعند مدخل الهيكل شاهدا رجلاً مستلقياً هناك مثل خنزير ميت. وحين اكتشفا أنه لا يزال يتنفس، حملاه داخل المعبد. ثمَّ أحضرا أغصاناً وقشاً ليشعلا ناراً ووضعا جو بجانبها، بوضعية القرفصاء، ليعيداه إلى وعيه.‏

 

أعاده الدخان إلى وعيه، ولكنه كان مصاباً بدوار واعتقد أن رجاله لا يزالون معه.‏

 

ونادى تشانغ يوتشان:‏

 

ـ أخ تشانغ!‏

 

وفكر أحد الشحاذين:‏

 

ـ هذا غريب! إنني لا أعرفه، لكنه يناديني باسمي.‏

 

ثمَّ نادى جو هونغوو:‏

 

ـ هنا!(2)‏

 

وفكر الشحاذ الآخر:‏

 

ـ هذا غير طبيعي! إنه يعرف اسمي أيضاً.‏

 

كان ذلك مجرّد صدفة.‏

 

وأشار جو إلى فمه:‏

 

ـ إنني جائع!‏

 

اتّضح للشحاذين أنه ليس مريضاً، بل جائع فقط. وكانا يعرفان من خبرتهما تعاسة الإحساس بالجوع. حسن، إنهما قد يحرمان نفسيهما ويعطيانه ما يأكله. وهكذا سخنا حساء الخضار على النار وقدماه إلى جو هونغوو، الذي كان بالغ الجوع والتهمه فوراً. وبعد ابتلاع ذلك الحساء، بدأ يعرق. رائع! لقد شعر بأنه أفضل بكثير.‏

 

وسأل الشحاذين عن اسميهما.‏

 

ـ ألم تعرف أن اسمي هو تشانغ زياندي.(3)‏

 

ـ أوه، إذاً أنت الأخ تشانغ.‏

 

وقبل أن يسألهما إذا كانا قد جُرحا، أدرك خطأه. لذلك قال:‏

 

ـ ما اسم ذلك الحساء الذي قدمتماه لي الآن؟‏

 

وفكرا:‏

 

ـ كان مجرد فضلات. إذا أرادنا أن نطلق عليه اسماً، فلنسمه حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز. كيف ذلك؟ حسن، إن الملفوف وأوراق السبانخ مثل الزمرد، والتوفو(4) الزنخ مثل حجر الفيروز، وقطع قشر الأرز مثل اللآلئ. صحيح!‏

 

ـ إنه حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

أومأ جو هونغوو برأسه:‏

 

ـ شكراً لكما.‏

 

ثمَّ ركب حصانه وانطلق مبتعداً.‏

 

وفيما بعد تمكّن جو هونغوو من قلب سلالة يان الحاكمة وأصبح إمبراطوراً في نانجينغ. وعاش من خيرات الأرض، وارتدى الحرائر والأقمشة المطرزة في قصر رائع، وأصبح حاكماً مطلقاً كلمته هي القانون. وإذا قال إن الفحم أبيض، من يجرؤ على مناقضته؟ وإذا قال "إن الحمقى صالحون"، فعلى الحمقى أن يرتقوا ثلاث مراتب. وإذا أعطى وزيراً قطعة من ورق المراحيض، فيجب تركيبها على حرير أصفر وعرضها في القاعة على أنها كنز.‏

 

عندما أمضى جو هونغوو بضع سنوات وهو إمبراطور، أحس بالضجر من حياة الرفاهية تلك. وفي ملله شَعَرَ بضعف مثل ما شعر به قبل سنوات في ذلك المعبد المتداعي. وأصدر أمراً:‏

 

ـ هنا! أخبر الطباخين بأن يصنعوا لي سلطانية من حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

عندما نقل أحد الخدم هذا الأمر سيطر الذعر على الطباخين.‏

 

وسأل السيد جانغ السيد لي:‏

 

ـ هل تعرف كيف تصنع هذا الحساء؟‏

 

ـ كلا، لا أعرف.‏

 

ـ سيد وانغ؟‏

 

ـ إنني لم أسمع عنه مطلقاً أيضاً. أعرف أنك تستطيع تليين اللآلئ بتبخيرها؛ ولكن كيف تقطع الزمرد والفيروز؟‏

 

ـ إذا لم نصنعه وعصينا أوامر الإمبراطور، فقد انتهى أمرنا!‏

 

ولإنقاذ أرواحهم حاولوا عمل شيء ما. وأخذوا عدداً من اللآلئ كبيرة وبخروها لمدة بضع ساعات، ثمَّ وجدوا بعض الشظايا من الزمرد والفيروز، وأضافوا إليها بعض المرق والكزبرة. وطلبوا من خادم صغير أن يقدم هذا، وتوسلوا إليه:‏

 

ـ تحدّث بالخير عنا أمام الإمبراطور!‏

 

أدخل الخادم سلطانية الحساء هذه. كان منظرها رائعاً، بلونها الأبيض والأخضر، وحين حركها جو هونغوو بملعقته سمع صوت رنين. لكن مذاقها لم يكن طيباً. وشعر بالغضب.‏

 

ـ ما هذا؟‏

 

ـ حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

ـ هراء! لقد تناولت حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز من قبل.‏

 

أسرع الخادم الصغير عائداً برعب إلى المطبخ الإمبراطوري.‏

 

ـ انتبهوا!‏

 

فسأله الطباخون:‏

 

ـ ما الأمر؟‏

 

ـ يقول الإمبراطور إنه تناول حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز من قبل. وحساؤكم هذا ليس الحساء الصحيح.‏

 

وصاح الطباخون:‏

 

ـ الآن سنتعرض للعقاب! هذا ليس مجرد فشل في تنفيذ الأوامر الإمبراطورية، إننا نرتكب الخيانة العظمى.‏

 

ولأنهم لم يأملوا أن يبقوا على قيد الحياة، فقد قرروا الاعتراف بأنهم لم يعرفوا كيف يصنعون هذا الحساء وأن يتوسلوا إلى الإمبراطور كي يجد شخصاً يعرف ذلك. ونقل الخادم الصغير هذا الرجاء. وفكر جو هونغوو:‏

 

ـ نعم، إن الطباخين عندي متعودون على طبخ الطيّبات، لذلك لا يمكن أن ألومهم إذا لم يستطيعوا صنع هذا. ولكن يجب أن أحصل على ذلك الحساء! ليس لنفسي فقط، فأنا سأقدمه إلى كل شخص في القصر وإلى وزرائي جميعهم.‏

 

ثمَّ أصدر مرسوماً، جرى إلصاقه في كل مكان، من أجل العثور على الرجلين اللذين تمكنا من صنع حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز. كان اسم أحدهما تشانغ زياندي، بينما نسي اسم الآخر.‏

 

تمَّ تعليق هذا المرسوم الإمبراطوري في كل مكان، بما في ذلك البلدة الريفية حيث كادت أن تحل الكارثة بجو هونغوو. وذات يوم كان الشحاذان يستجديان من باب إلى باب هناك عندما شاهدا حشداً من الناس يقرأون إعلاناً على الجدار خارج مقر الحكومة. وذهبا كي يسألا عن الأمر. كان الإمبراطور يبحث عن تشانغ زياندي ورجل آخر لا يعرف اسمه، كي يصنعا له حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز. وصاحا:‏

 

ـ حسن! إذاً فذلك الشخص الذي شرب فضلات حسائنا النباتي هو الإمبراطور! يجب أن نذهب ونراه.‏

 

مزقا المرسوم الإمبراطوري، وعندما رأى ذلك اثنان من سعاة مقر الحكومة قاما باعتقالهما.‏

 

فسأل الشحاذان:‏

 

ـ ما الأمر؟ تريدان أن تأخذانا مكبّلين بالسلاسل لنصنع حساءً للإمبراطور؟‏

 

اعتذر الساعيان:‏

 

ـ نحن آسفان، أيها السيدان! لم نكن نعرف. أعذرانا!‏

 

قال الشحاذان:‏

 

ـ لابأس.‏

 

ـ اذهبا من فضلكما إلى مقر الحكومة أيها السيدان.‏

 

ـ أين العربة؟‏

 

ـ إنه قريب من هنا، مقر الحكومة. سنحملكما على ظهرنا.‏

 

كان الناس الواقفون يتساءلون. لماذا يحملان الشحاذين داخل مقر الحكومة؟‏

 

وحملهما الساعيان داخل مكان الحجز.‏

 

ـ استريحا أولاً هنا، أيها السيدان، بينما نُعلم القاضي بهذا.‏

 

وأسرع الساعيان داخلاً لنقل هذا الخبر. وفكّر القاضي:‏

 

ـ يجب أن تتم ترقيتي لعثوري على هذين الرجلين.‏

 

وبسرعة غيّر ثيابه وارتدى ثياباً رسمية جديدة، وخرج بكامل أناقته، وبشكل وقور إلى القاعة كي يستلمهما.‏

 

اندفع الساعيان خارجاً كي يعلنا:‏

 

ـ أيها السيدان، إن قاضينا ينتظركما في القاعة.‏

 

ـ حسن، رافقانا إليه.‏

 

ـ حاضر.‏

 

وراح الشحاذان يتمتمان:‏

 

ـ ذلك صحيح، يجب أن نحافظ على كرامتنا.‏

 

عندما رآهما القاضي لم يستطع أن يفهم سبب إحضار هذين الشحاذين.‏

 

وقال الساعيان:‏

 

ـ يا صاحب السعادة، هذان هما السيدان.‏

 

استغرب القاضي أن يُظهرا مثل هذا الاحترام لشحاذين حافيين بوجهين قذرين، وبأسمال بالية.‏

 

وسأل:‏

 

ـ هل هذان هما الرجلان اللذان مزقا المرسوم الإمبراطوري؟‏

 

ـ نعم، هذان هما السيدان.‏

 

وسأل الشحاذان:‏

 

ـ متى يمكن أن نذهب إلى العاصمة؟‏

 

اعتقد القاضي أنهما يخدعانه. وشعر بالغضب. كيف يمكن لمثل هذين الرجلين أن يصنعا حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز؟ لم يكن يصدق ذلك! ولكن إذا اعتُبر مذنباً بخداع الإمبراطور لأنَّه لم يأخذهما إلى هناك، واكتشف الإمبراطور الأمر، فقد يدفع حياته ثمناً لذلك. كم سيكون ظلماً إذا فقد منصبه بسبب هذين الشحاذين. لم يستطع أن يجازف بهذا.‏

 

وأصدر أوامره:‏

 

ـ هيا! قيدوهما وسوف نرافقهما إلى العاصمة.‏

 

عندما سمع الإمبراطور عن وصولهما فكر:‏

 

ـ إذاً فقد عثرت عليهما فعلاً.‏

 

استدعاهما للمثول أمامه. وأحضرهما القاضي إلى البلاط مقيدين بالسلاسل، وركع عند أسفل المنصة ليعلن ولاءه. لم يكن قد وقف في مثل هذا المكان من قبل وكان يرتعد من الخوف مثل منخل ينخل قشور الحنطة. لكنه رأى من زاوية عينيه أن الشحاذين كانا يبتسمان ويومئان نحو الإمبراطور. لماذا كان ذلك؟ لقد عرف الإمبراطور الرجلين اللذين أنقذا حياته. وفكر:‏

 

ـ كم هو غبي هذا القاضي، إنه لم يعدّهما بشكل لائق لمقابلتي! ماذا سيظن الموظفون لدي إذا قلت إني أعرف هذين الشحاذين؟‏

 

وسأل:‏

 

ـ لماذا حضرتما على هذا الشكل، يا صديقي الطيّبين؟‏

 

فأجابا:‏

 

ـ هذا هو مظهرنا المعتاد. لكننا الآن مقيدين بهذه السلاسل أيضاً.‏

 

وعلى الفور شتم جو هونغوو القاضي:‏

 

ـ أيها الأبله، كيف تجرؤ على تقييد الرجلين اللذين دعوتهما ليصنعا لي حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز؟ إنك تبحث فقط عن المشاكل! أخرجوه، واقطعوا رأسه!‏

 

اعتبر الشحاذان أن هذا سيكون تخلياً بالغ السهولة عنه! وقالا للإمبراطور:‏

 

ـ سامحه، يا صاحب الجلالة، ودعه يساعدنا في شراء مكوّنات حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

وافق جو هونغوو على هذا. وأعطاهما ثلاثمئة تيل كي يقيما مطبخاً جديداً، وأمرهما أن يصنعا مئتي وجبة من حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز. وبعد ثلاثة أيام سيقيم مأدبة لوزرائه.‏

 

انسحب ثلاثتهم إلى المطبخ الجديد. وعلى الفور ركع القاضي وقال:‏

 

ـ شكراً لكما، أيها السيدان، لإنقاذ حياتي.‏

 

ـ العفو. اذهب واشتر لنا موادنا.‏

 

ـ نعم، أخبراني فقط بما تريدان. يجب أن ننفذ أوامر الإمبراطور. إنكما صاحبا أيد بارعة، ورغم أنني غبي فإنني أستطيع شراء أفضل طيّبات تحتاجان إليها. حين أحقق هذا، وبفضل الإمبراطور ومساعدتكما أيها السيدان آمل أن أرتقي أربع مراتب أو خمس.‏

 

فكّر الشحاذان: "رائع. لقد نجوت الآن من الإعدام وتحلم بالترقية وجمع ثروة طائلة"، وقالا له:‏

 

ـ كف عن قول الهراء، واذهب للتسوّق.‏

 

ـ نعم، نعم.‏

 

ـ هيا. اشتر أربعمئة رطل من التوفو، وخمسمئة من السبانخ مع الجذور، وخمسمئة من أوراق الملفوف الخارجية، وثلاثمئة من الأرز الخشن، وعشرة من الملح الخام، وخمسة من الرمل، ونصف رطل من السخام، وأربعين سطلاً من مياه غسل الصحون. ذلك سوف يكفينا.‏

 

ـ لماذا تريدان تلك الزبالة؟‏

 

ـ لا تثرثر كثيراً، افعل فقط ما نطلبه. إذا أهملت أي شيء ولم يكن ملائماً لذوق الإمبراطور فستكون مسؤولاً عن ذلك. لذلك انطلق.‏

 

ـ حاضر.‏

 

وسرعان ما تمَّ شراء كل شيء ما عدا أوراق الملفوف الخارجية ومياه غسل الصحون. وكي يحضر القاضي هذه كان عليه أن يذهب بسطلين وقفص إلى عدد من المطاعم.‏

 

خلال يومين كانت جميع المكونات جاهزة. وتفحصهما الشحاذان.‏

 

ـ هذا غير ملائم. إن السبانخ طازج جداً، والتوفو ليس فاسداً، وهذا لن يعجب الإمبراطور، وستكون أنت المُلام.‏

 

ركع القاضي المفزوع وسجد.‏

 

ـ أرجوكما فكّراً بمخرج لي، أيها السيدان!‏

 

ـ غداً سيقيم الإمبراطور المأدبة لجميع وزرائه. إنك لم تشتر المكوّنات الصحيحة، ونحن لدينا نقص في الأيدي العاملة، لذلك ماذا يجب أن يحدث؟‏

 

قال القاضي:‏

 

ـ لا يهم. أحضرا ثلاثة طباخين من المطبخ الإمبراطوري.‏

 

فرح الطباخون الثلاثة عندما طلبوا منهم المساعدة في إعداد حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز،‏

 

وقال أحدهم:‏

 

ـ إنها فرصة رائعة للتعلّم. لا نريد أن تضيع هذه المهارة.‏

 

وقال آخر:‏

 

ـ هذا صحيح تماماً. يجب أن نتعلّم جيداً منهم.‏

 

وقال الشحاذان:‏

 

ـ والآن سنصنع حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

وأمرا اثنين من الطباخين أن يغليا الأرز على نار خفيفة.‏

 

ـ انتبها! لا تغسلا الأرز. ولا نريد الأرز من الأعلى، بل القشرة فقط من قاع المقلاة.‏

 

وتساءل أحد الطباخين:‏

 

ـ لماذا يريدان ذلك؟‏

 

فقال الآخر:‏

 

ـ لا يهم. إننا هنا كي نتعلّم منهما، أليس كذلك؟‏

 

وقال الشحاذان للقاضي:‏

 

ـ لا تجلس كسولاً. انقع ذلك التوفو في مياه غسل الصحون وحركه، ثمَّ شمسه حتّى يتخمّر.‏

 

ـ حاضر.‏

 

كان لا يزال هناك طبَّاخ آخر.‏

 

ـ تعال وساعدنا في فرز هذا السبانخ. يجب رمي الأوراق الجيدة، وحفظ الجذور المتعفنة.‏

 

أذهلت هذه الأوامر القاضي والطباخين الثلاثة.‏

 

ـ ماذا يحاولان أن يفعلا؟‏

 

ظلّوا يعملون طوال الليل. وفي الصباح التالي جلس القاضي والطباخون الثلاثة ينظرون بحيرة نحو السبانخ المتعفّن، وقشر الأرز المحترق، وأوراق الملفوف الخارجية والتوفو الفاسد. وعندما أشرقت الشمس فاحت رائحة عفنة من مياه غسل الصحون.‏

 

وسأل الطباخون القاضي:‏

 

ـ يا صاحب السعادة، متى سنصنع حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز؟‏

 

فدمدم القاضي:‏

 

ـ لا تسألوني! اسألوا هذين السيدين.‏

 

عندما سمع الشحاذان هذا أشارا إلى الدلاء وقالا:‏

 

ـ أليس هذا حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز؟ لقد أنجزنا سبعة أعشار العمل. عندما يتناول الإمبراطور هذا الحساء سوف يكافئنا.‏

 

وفكر الآخرون:‏

 

ـ يكافئهم! يمكننا أن نأمل فقط ألا يطردنا. أي نوع من المآدب هذه التي يقيمها لوزرائه... خضار متعفنة، أرز محترق وحساء نتن؟ يجب أن ننتبه! سنكون محظوظين إذا لم تهاجَم بيوتنا.‏

 

وشاهدوا الشحاذين يغرفان بعض الحساء ليتذوقاه.‏

 

ـ ليس سيئاً، إنه شيء ما يشبه ذلك.‏

 

ورفع أحدهما لقمة توفو من قاع الدلو ودفعها في فمه.‏

 

ـ جيد! إن مذاقها رائع.‏

 

وضرب القاضي على كتفه.‏

 

ـ أنت من أعد التوفو. سنخبر الإمبراطور أخي وأنا، ويجب أن تفوز بالترقية وتصبح غنياً.‏

 

وفكّر القاضي:‏

 

ـ لتساعدني السماء!‏

 

سرعان ما اقترب موعد المأدبة. وطلب الشحاذان من الطباخين والقاضي أن يسخنوا الحساء، ويضيفوا الملح ويضعوا بضع حفنات من الرمل. وحين وجداه ليس كافياً أضافا المزيد من الرمل.‏

 

وقال أحدهما:‏

 

ـ إنه ليس قاتماً بشكل كاف.‏

 

فسأل الآخر:‏

 

ـ أين السخام؟‏

 

وعلى الفور، أفرغا كتلة كبيرة من السخام وتذوقا الحساء ثانية. وعندما بدأ يغلي، كادت الرائحة الفاسدة أن تخنق القاضي والطباخين.‏

 

وقال الشحاذان:‏

 

ـ جيد. صبّوه في الأطباق وقدّموه.‏

 

كان القصر في ذلك اليوم مزيناً ومضاءً بشكل ساطع. وكان أقرباء الإمبراطور والوزراء قد وصلوا جميعاً منذ بزوغ الفجر بانتظار هذه المتعة... حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز.‏

 

وقال أحدهم:‏

 

ـ إن حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز هذا شيء مميَّز حقاً. لقد تلطّف الإمبراطور مرّة وجعل أبي يتذوقه. وحين عاد إلى البيت راح يتغنى بمدحه. والآن سأنال هذا الشرف أيضاً، إنني محظوظ حقاً.‏

 

وقال آخر:‏

 

ـ سمعت أنه مصنوع من كبد التنين، ونخاع العنقاء، وكل أنواع الطيبات النادرة. إن إعداده يتطلّب عملاً طويلاً، لصنع حساء مميّز مثل هذا.‏

 

عندما بدأت المأدبة، اصطفّ الخدم الشباب وهم يحملون صناديق قرمزية مذهّبة بداخلها سلطانيات ذات تصميمات على شكل التنين من الأفران الإمبراطورية. وبداخل كل سلطانية كانت وجبه حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز. كان الضيوف جميعهم متأثرين بالطريقة الدقيقة التي أدار الخدم وجوههم بها بعيداً، دون أن يجرؤوا على النظر نحو الحساء. تمَّ تقديم السلطانية الأولى إلى الإمبراطور. وعندما شمّها شعر بنوع من التقزز، لكن الرائحة ذكرته بذلك الحساء الذي تناوله في المعبد المتداعي والذي جعله يسترد قوته! كان يحنّ إلى تذوقه ثانية... لماذا تفوح منه رائحة سيئة جداً اليوم؟ لا عجب أن يقول الناس: "إن القشور تبدو للجائع حلوة مثل العسل. والعسل لا يبدو حلواً كثيراً للشبعان".‏

 

وفكّر الإمبراطور بينه وبين نفسه:‏

 

ـ لقد كنت جائعاً آنذاك، بينما أعيش الآن في رفاهية. ومع ذلك لقد تناولت هذا مرّة ويجب أن أتناوله مرّة ثانية. ليس أنا فقط، بل يجب أن أجعل الجميع يتناولونه.‏

 

خفض جو هونغوو بصره من منصّته ورأى التجهم على وجوه ضيوفه كلّهم وهم يحدقون في الحساء. وأغضبه هذا. وفكّر:‏

 

ـ إنكم ستشاركونني هذه المتعة! ذلك صحيح! سوف نتناول هذا معاً.‏

 

وقال:‏

 

ـ يا وزرائي الأعزاء، هيا! اشربوا حساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز هذا معي.‏

 

وابتلع حساءه، وكاد أن يختنق.‏

 

عند تقديم هذا الحساء الفاسد إلى الضيوف فكروا: "حتّى نحن لا يمكن أن نشرب هذا، فكيف بالإمبراطور. يجب تمزيق هذين الرجلين اللذين صنعاه". وأدهشهم الآن أن يروا الإمبراطور وقد لعقه حتّى آخر قطرة. لذلك ابتلعوا حساءهم على الفور. وأراد بعضهم أن يبصقه، فقد كان مذاقه كريهاً جداً، لكنهم لم يجرؤوا على ذلك بحضور الإمبراطور... فقد يُعتبر هذا خيانة عظمى. لذلك، حبسوا أنفاسهم وابتلعوه جرعة إثر جرعة. وتمكنوا من إنهاء سلطانياتهم بطريقة ما.‏

 

عندما رأى جو هونغوو أنهم قد انتهوا، سألهم وهو يبتسم:‏

 

ـ حسن، أيها الوزراء الأعزاء، ما رأيكم بحساء اللؤلؤ والزمرد والفيروز هذا الذي طلبت من الرجال أن يعدّوه؟‏

 

وقفز الجميع على أقدامهم كي يعبروا عن شكرهم المتواضع. وصاحوا:‏

 

ـ إنه لذيذ، لذيذ.‏

 

فقال الإمبراطور:‏

 

ـ في تلك الحالة، سوف نمنح لكل واحد سلطانيتين بعد.‏

 

كانت تلك القشة الأخيرة حقا!‏

 

 

 

ثلاث ضربات في يوم واحد‏

 

إن أصعب شيء يتعلّق بأدب "زيانغشنغ" هو عدم معرفة ما يريد الجمهور أن يسمع. فبعضهم يتذوق الأدب، وبعضهم يحب قصص القتال. وليست أذواقهم هي التي تختلف فقط، ولكن طبعهم أيضاً. فبعض الناس لديهم طبع حاد، وتراهم يحملقون نحوك ولا يمكن أن يتحدّثوا بشكل حضاري. وآخرون يتّسمون بالبلادة، ولا يمكن أن يثوروا. وإذا قابل رجل حاد الطبع شخصاً بليداً فهذا أمر سيئ جداً. لأنَّه قد يموت من الغيظ.‏

 

سأل شخص بليد ذات مرّة على سبيل المحادثة:‏

 

ـ هل أتيت الآن؟‏

 

فأجاب صاحب الطبع الحاد بنزق:‏

 

ـ نعم، لقد أتيت الآن.‏

 

ـ لماذا طبعك هكذا؟‏

 

ـ إن رؤيتك تدفعني إلى الجنون.‏

 

ـ لست بحاجة إلى النظر نحوي إذاً.‏

 

ـ هل جئت إلى هنا لرؤيتك؟ إذا واصلت إزعاجي فسوف ألكمك.‏

 

ـ تلكمني؟ يجب أن أرى ذلك كي أصدقه.‏

 

ـ سوف ألكمك. هل تصدقني؟‏

 

ـ كلا. هذا مكان مسطح هنا، انظر. لماذا لا تجرب.‏

 

دفع هذا صاحب الطبع الحاد إلى الجنون، وضربه بقوة. وكان أي شخص آخر سيرد قبل أن يتعرّض للضرب ثانية: لكن البليد ابتسم فقط.‏

 

ـ إنني لم أصدقهم حين قالوا إنك تضرب الناس. الآن رأيت ذلك بعيني. لماذا لا تلكمني على هذا الجانب أيضاً كي تتوازن الأمور.‏

 

هزَّ صاحب الطبع الحاد قبضة يده.‏

 

ـ أف! إنك لا تُطاق!‏

 

وخرج وهو يستشيط غضباً.‏

 

وهناك نوع آخر من الأشخاص يحب المساومة ويبحث دائماً عن منفعته الشخصية. وإذا لم يستطع أن يشتري بأسعار مخفّضة فإنه يمرض. أخذ رجل من هذا النوع قطعة نقدية نحاسية إلى البقال. كان الناس الآخرون قادرين على شراء شيء واحد فقط بهذه القطعة، لكنه حصل على ستة. دخل المحل وابتسم في وجه البقال.‏

 

ـ هل تناولت فطورك؟‏

 

كانت رؤيته تُغضب صاحب أي دكان، لكن البقال كان يجب أن يخدمه.‏

 

ـ ماذا يمكن أن أحضر لك؟‏

 

ـ إنني آكل المعكرونة المسطحة اليوم.‏

 

ـ لا يهم ماذا تأكل. ماذا يمكن أن أحضر لك؟‏

 

ـ بنصف قطعة نحاسية صلصة فول الصويا، وبنصف قطعة نحاسية خل.‏

 

أحضر البقال هذين له.‏

 

ـ وقطرة زيت السمسم من ذلك الوعاء، لإضفاء نكهة.‏

 

حصل على قطرة زيت السمسم تلك... ثلاثة أشياء.‏

 

ـ ضع بضع أوراق من الكراث، هل تسمح؟‏

 

ممَّا جعلها أربعة.‏

 

ـ وقليلاً من الكزبرة.‏

 

جعلتها هذه خمسة. وعندما استدار البقال ليحضر الكزبرة، سرق رأسين من الثوم ممَّا جعلها ستة. شخص مثل هذا يسبب ألماً في الرقبة.‏

 

يذكرني هذا بقصة. مرّة كان قاض معيّن حديثاً. عندما ذهب لتسلّم منصبه وجلس على مقعده في المحكمة، اصطف سعاته وحجابه باحترام على كلا الجانبين. واستدعى حاجبين ليسأل:‏

 

ـ ما هي الحالة هنا؟‏

 

ـ منظّمة جداً، يا صاحب الفضيلة. لا يوجد لصوص أو قطّاع طرق هنا.‏

 

ـ حسن، أريدكما أن تقوما بتوقيف ثلاثة أشخاص: رجل صاحب طبع حاد، وشخص بليد وواحد مساوم يبحث عن منفعته الشخصية. وأعطيكما مهلة سبعة أيام. إذا نجحتما سأكافئكما؛ وإذا فشلتما فسأعاقبكما بقسوة. هيا اذهبا!‏

 

وكلما راح الحاجبان يفكران في الموضوع أكثر، تدنى حبهما لهذه المهمة. كان من السهل التعامل مع السرقات، ولكن أين يمكن أن يجدا رجلاً صاحب طبع حاد؟ لم يكن باستطاعتهما أن يوقفا الناس في الشارع ويسألا:‏

 

-هل أنت صاحب طبع حاد؟‏

 

-ما الذي أوحى لك بتلك الفكرة؟‏

 

-هل أنت بليد؟‏

 

-أنت هو البليد.‏

 

-هل أنت مساوم تبحث عن منفعتك الشخصية؟‏

 

-كلا، بل أنت.‏

 

لم يعرفا ماذا يفعلان، وبعد سبعة أيام تلقى كل منهما أربعين ضربة. ثم مُنحا سبعة أيام أخرى كي يقوما بتوقيف الأشخاص الثلاثة. ومن جديد فشلا وتلقيا أربعين ضربة. ثم أُعطيا سبعة أيام أخرى. عند ذلك الوقت كانا قد شعرا بالسخط تماماً.‏

 

عندما غادرا مقر الحكومة قال أحدهما:‏

 

-هذه مهمة مستحيلة، يا أخي. ولا يمكن أن نستأذن أو نتحرر منها.. فهو لن يتركنا. نحن يجب أن نتحملها فقط. هيا نذهب ونشرب حتى الثمالة.‏

 

كانا يشربان في إحدى الحانات عندما شاهدا حشداً من الناس في الشارع، والكل يتجه غرباً.‏

 

فسألا صاحب الحانة:‏

 

-ماذا حدث اليوم ليجذب مثل هذا الحشد؟‏

 

فأخبرهما:‏

 

-بينما كنتما أيها السيدان في مقر الحكومة كان هؤلاء الناس يسلمون التماساتهم. وهم الآن يخرجون من البوابة الغربية ليقدموا قرباناً إلى إله البراعم الخضراء، كما تُعرض أوبرا بدافع الامتنان للحصول على حصاد جيد. إنهم ينطلقون لمشاهدة الأوبرا.‏

 

واقترح أحد الحاجبين:‏

 

-يا أخي، هيا نذهب أيضاً.‏

 

فقال الآخر:‏

 

-كف عن هذا. بعد بضعة أيام سوف نضرب ثانية. لست راغباً في مشاهدة الأوبرا.‏

 

-لا فائدة من القلق. دعنا نستمتع ما دمنا نستطيع ذلك.‏

 

دفعا ثمن شرابهما وسارا خارج المدينة وهما يتحدثان.‏

 

في تلك الأيام لم تكن توضع مقاعد للأوبرات في الريف. وكان على المشاهدين أن يقفوا. وإذا أردت أن تجلس يمكنك أن تحضر كرسياً صغيراً من البيت، ولكن عليك عندئذ أن تسحبه وتعيده ثانية. انضم الحاجبان إلى حشد المشاهدين وفي تلك اللحظة كان جنرال يقاتل العدو في الأوبرا بينما بدأ شجار بين المشاهدين. وفي الصف الأمامي راح شخص بليد يهتف. كان منظره عجيباً، وقد وضع يديه على خصره، وراح يتأرجح من جانب إلى آخر ويهز رأسه، وهو يصيح:‏

 

-برافو، برافو!‏

 

وأطلق شخص حاد الطبع خلفه صرخة كادت أن تطرحه أرضاً:‏

 

-رائع!‏

 

التفت البليد، وقال له:‏

 

-هل تحاول أن تفجر رئتيك؟ صفق فقط واكتف بذلك. لماذا تصرخ هكذا؟‏

 

-ما أفعله ليس من شأنك.‏

 

-هل يجب أن أبتعد عنك؟‏

 

في تلك اللحظة اقترب صبي راكضاً من الخارج ليمسك بيد البليد.‏

 

-أبي! منزلنا يحترق، يا أبي!‏

 

-يحترق، إيه؟ اذهب إلى البيت أولاً، وسآتي عندما تنتهي هذه الأوبرا.‏

 

جعل هذا صاحب الطبع الحاد يتقد غضباً. واندفع فجأة ورمى البليد أرضاً.‏

 

-هل تعتبر نفسك رجلاً؟ منزلك يحترق. يجب أن تسرع إلى البيت. إذا انتظرت نهاية الأوبرا، فإن النار سوف تمتد إلى منازل الناس الآخرين.‏

 

فأجاب البليد وهو يستلقي على الأرض:‏

 

-إنه منزلي أنا، وليس من شأنك. إذا أردت سأذهب إلى البيت بعد انتهاء هذه الأوبرا. وإذا لم أرد، فسأذهب إلى البيت بعد أسبوعين.‏

 

-إنك تثير الجنون حقاً. سوف أقتلك!‏

 

-رائع، ذلك سيجنبني إزعاج النهوض.‏

 

واعترض شخص يقف بجانبهما:‏

 

-إنكما تتشاجران بصخب ولا نستطيع أن نسمع.‏

 

عندئذ لاحظ الحاجبين.‏

 

-أوه، أيها الضابطان، انظرا إلى هذين الرجلين اللذين يحدثان تلك الضجة.‏

 

اقترب الحاجبان وسألا:‏

 

-كيف بدأ هذا؟‏

 

فقال صاحب الطبع الحاد:‏

 

-اسأله؟‏

 

كان البليد لا يزال مستلقياً على الأرض. فقال الحاجبان:‏

 

-انهض، أنت!‏

 

-إنني لن أنهض.‏

 

-لماذا؟‏

 

-إذا نهضت فسوف يوقعني ثانية.‏

 

-ليس بوجودنا هنا، لن يجرؤ.‏

 

نهض البليد ونفض ملابسه.‏

 

وسأل الحاجبان ثانية:‏

 

-كيف بدأ هذا؟‏

 

-كنت أشاهد الأوبرا عندما أتى ابني ليخبرني بأن منزلنا يحترق. فقلت إنني سأذهب عندما تنتهي الأوبرا. ثم ضربني هذا الرجل بقسوة حتى كاد أن يقتلني.‏

 

-يا لك من شخص غريب! لماذا لا تذهب إلى البيت حالاً لتطفئ النار؟ إذا انتظرت حتى نهاية الأوبرا، فربما امتدت إلى منازل جيرانك؟‏

 

-حسن، في الحقيقة لقد ولدت بليداً هكذا.‏

 

فقال الحاجبان:‏

 

-جيد. بسببك حصلنا على ثمانين ضربة.‏

 

وأخرجا سلسلة مجلجلة وقيداه. ثم قالا لصاحب الطبع الحاد:‏

 

-أنت لا يحق لك أن تضربه.‏

 

-لقد دفعني إلى الجنون.‏

 

-ومع ذلك كان يجب ألا تضربه.‏

 

-هكذا أنا.. إنني حاد الطبع.‏

 

فقيده الحاجبان أيضاً.‏

 

-هيه! ماذا تفعلان؟ سأدعه وشأنه، اتفقنا؟‏

 

-لا نفعل شيئاً. تلك الضربات الثمانون كانت بسببك أيضاً.‏

 

عندما قاد الحاجبان سجينيهما بعيداً راحا يفكران:‏

 

-جيد، لقد استفدنا من هذه الرحلة، وأمسكنا برجلين. لكن ذلك لا يكفي: فلا يزال ينقصنا المساوم الباحث عن منفعته الشخصية.‏

 

وبعد قليل وصلا إلى كشك للبيع حيث كان رجلان يتشاجران. وسأل الزبون:‏

 

-هل بذور البطيخ هذه التي لديك مقلية؟‏

 

ودفع حبتين في فمه.‏

 

-وهل الفول السوداني هذا متبل؟ لا يزال نيئاً؟‏

 

وراح يتذوق كل شيء. فقال البائع:‏

 

-لا حاجة لأن تشتري أي شيء، فقد حشوت نفسك تماماً.‏

 

-من يقول إنني لا أشتري؟ ما ثمن هذه الحلويات؟‏

 

-كل قطعة بسنت.‏

 

-ما رأيك بسنت مقابل اثنتين؟‏

 

-كلا طبعاً.‏

 

-حسن، لماذا تحدق بي هكذا؟‏

 

دفع له سنتاً، ومد يده وأخذ قطعتي حلوى بين إصبعيه الثاني والثالث وإصبعيه الرابع والخامس.‏

 

انزعج البائع من أكل هذه وتلك والأخرى مما جعله يأخذ حذره ويمسك به من رسغه.‏

 

-لا تستطيع أن تحصل على اثنتين.‏

 

دفع الزبون قطعتي الحلوى في فمه.‏

 

-من يقول إنني لا أستطيع؟ لقد ابتلعتهما.‏

 

-إذاً يجب أن تدفع ثمنهما.‏

 

-يمكنك أخذ حياتي، لكنني لا أملك أي نقود لك. ماذا تستطيع أن تفعل حيال ذلك!‏

 

في تلك اللحظة رأى البائع الحاجبين مع سجينيهما. وناداهما:‏

 

-أيها الضابطان! تعالا إلى هنا من فضلكما.‏

 

اتجها نحو كشكه.‏

 

-ما الأمر؟‏

 

-انظرا إلى هذا الزبون؟ كان يتذوق بضائعي كلها، ولم يشتر أياً منها. وهذه الحلويات كل قطعة بسنت. لكنه دفع سنتاً وأكل اثنتين.‏

 

فقال الحاجبان:‏

 

-إن البائع لا يكسب الكثير. كيف يتحمل أن يتركك تأخذ قطعتين؟‏

 

-في الحقيقة، يجب أن أساوم وأشتري بسعر مخفض بغض النظر عن المكان الذي أتسوق فيه، وليس هنا فقط. وإلا فإنني أمرض.‏

 

-ما الذي يجعلك تفعل ذلك.‏

 

-لقد ولدت هكذا.‏

 

شعر الحاجبان بسعادة فائقة. وسحبا سلسلة أخرى وقيداه بها.‏

 

-اتركاني، أيها الضابطان، وسوف أغير طريقتي.‏

 

-هذا مستحيل. تعال معنا.‏

 

سحب الحاجبان سجناءهما إلى مقر الحكومة وتركوهما في الأصفاد وذهبا ليقدما تقريرهما. وعلى الفور جلس القاضي على مقعده في المحكمة، وتحلق سعاته على كلا الجانبين.‏

 

وأصدر أمره:‏

 

-أحضروا السجناء.‏

 

ثم جلب الرجال الثلاثة وركعوا أمامه.‏

 

أشار القاضي إلى البليد وسأله:‏

 

-ما هي قصتك؟‏

 

نظر البليد نحوه، وقال:‏

 

-يا صاحب الفضيلة، كنت أستمع إلى أوبرا خارج المدينة عندما جاء ابني وأخبرني بأن منزلنا يحترق. فقلت له إنني سأعود بعد انتهاء الأوبرا، ثم ضربني هذا الشخص بقسوة حتى كاد أن يقتلني.‏

 

-لماذا لم تسرع إلى البيت كي تطفئ النار؟‏

 

-إنني أبدد الوقت دائماً، يا صاحب الفضيلة.‏

 

أشار القاضي إلى صاحب الطبع الحاد.‏

 

-كيف يمكنك أن تتجول وتضرب الناس هكذا؟‏

 

-يا صاحب الفضيلة، إذا لم يسرع إلى البيت ويطفئ النار، ألن تحترق منازل أخرى أيضاً؟‏

 

-ومع ذلك كان يجب ألا تضربه.‏

 

-لم أستطع منع نفسي، فأنا حاد الطبع.‏

 

أشار القاضي إلى المساوم الباحث عن منفعته الشخصية.‏

 

-وأنت؟‏

 

هذا ضعفي، يا صاحب الفضيلة. إنني أمرض إذا لم أحصل على صفقة جيدة حين أتسوق.‏

 

فقال القاضي:‏

 

-رائع. هل تعرفون لماذا طلبت إحضاركم إلى هنا؟‏

 

فأجاب ثلاثتهم معاً:‏

 

-كلا، يا صاحب الفضيلة.‏

 

-هل تريدون أن تعملوا لدي؟‏

 

غضب الحاجبان حين سمعا هذا. فقد تلقيا ثمانين ضربة، وتعرضا للكثير من العناء كي يعثرا على هؤلاء الرجال، والآن سيعملون في مقر الحكومة!‏

 

وقال القاضي لصاحب الطبع الحاد:‏

 

-أنت ستكون مرافقي، وبهذا لن أتأخر أبداً. وأنت، أيها البليد، عليك أن تعتني بأولادي.‏

 

عندئذ لا يهم إذا أزعجوك، فأنت لن تغضب. وأنت، أيها المساوم، عليك أن تقوم بالتسوق والحصول على صفقات لي.‏

 

كان واضحاً للجميع أن هذا القاضي يبحث عن منفعته الشخصية.‏

 

لكن القاضي خسر في الحقيقة لأنه وظف هؤلاء الرجال الثلاثة. ففي أحد الأيام كان عليه أن يخرج ليقابل شخصاً عالي المنزلة، وأمر صاحب الطبع الحاد أن يعد حصانه، لكن الرجل لم يستطع أن يسرجه، فهو لم يكن سائسه كما أن الحصان لم يعرفه، وظل يتحرك إلى اليسار أو اليمين.‏

 

 

وصاح غاضباً:‏

 

-اللعنة! سوف أتغلب عليك!‏

 

وأحضر منشاراً من مخزن الحبوب وقطع رأس الحصان. وحين وقع ميتاً أسرجه بسهولة.‏

 

وقال متهللاً:‏

 

-حسن، لقد انتهى الأمر!‏

 

عندئذ وصل القاضي بكامل أناقته. وسأله:‏

 

-آه! لماذا قتلت الحصان؟‏

 

-تلك الطريقة الوحيدة كي أسرجه.‏

 

-حسن، لقد أسرجته، ولكن كيف يمكن أن أركبه؟ إذا جعلتني أتأخر، أيها الغبي، فسأتعرض للعقاب بسبب ذلك. إنك تريد أن تدمرني، أليس كذلك؟‏

 

-حسن، لقد ولدت هكذا. إذا كنت لا تريدني أن أعمل لديك فسوف أغادر.‏

 

-لا بأس، إنه خطئي لأنني وظفتك. أحضر لي عربة.‏

 

ركب القاضي العربة وقادها صاحب الطبع الحاد خارج البلدة باتجاه الجدول. لكن البغل خاف من الماء وحرن فجأة عند الضفة. وصرخ القاضي غاضباً:‏

 

-انظر كيف تؤخرني. ذلك الحصان كان سيعبر الجدول، وهذا البغل خائف من الماء. وإذا ذهبنا من الطريق الدائري الطويل فسيجعلني ذلك أتأخر على موعدي.‏

 

فقال صاحب الطبع الحاد:‏

 

-لا تلم البغل. إنه خائف من الماء، أما أنا فلست خائفاً. سأحملك لتذهب وتهتم بشؤونك.‏

 

وبعد ذلك أقود العربة من الطريق الدائري الطويل كي أنتظرك؟‏

 

قال القاضي:‏

 

-جيد.‏

 

انحنى صاحب الطبع الحاد ورفع القاضي على ظهره ليعبر الجدول. كان قد وصل إلى المنتصف عندما فكر القاضي.‏

 

-إنه لطف منه أن يحملني هكذا عبر هذا الماء العميق.‏

 

ثم قال له:‏

 

-إنني لن أعاقبك على قتل الحصان. وبدلاً من ذلك سأعطيك عشرين قطعة من الفضة لأنك حملتني عبر هذا الجدول.‏

 

-شكراً لك، يا صاحب الفضيلة.‏

 

وتركه، فسقط القاضي في الجدول، وكاد أن يغرق!‏

 

وراح القاضي يشتمه قائلاً:‏

 

-لماذا أوقعتني في الجدول؟‏

 

-لقد شبكت يدي كي أشكرك.‏

 

-ولماذا لم تنتظر حتى نعبر الجدول كي تشكرني؟‏

 

-أنت لم تنتظر حتى نعبر الجدول كي تكافئني.‏

 

وفكر القاضي:‏

 

-حسن، لنواجه الأمر. لقد قمت بأداء واجباتي الرسمية، وأنا الآن مثل جرذ غارق.‏

 

ثم قال:‏

 

-هيا نرجع!‏

 

حين عاد القاضي إلى مقر الحكومة ذهب إلى بيته ليغير ملابسه. وشاهد البليد وهو يتشمس في الفناء فناداه إليه. نظر البليد إليه بدون أن ينطق بكلمة.‏

 

-ألم تسمعني وأنا أناديك؟‏

 

-نعم، لقد سمعت.‏

 

-لماذا لم تجبني؟‏

 

-لقد نظرت إليك، أليس هذا صحيحاً؟‏

 

-أف، هذه ليست طريقة للرد. أين السادة الصغار؟‏

 

-أي واحد تعني؟‏

 

-أين الأكبر؟‏

 

-إنه في المدرسة، أليس كذلك؟‏

 

-والأصغر؟‏

 

-سقط في البئر.‏

 

-ماذا! متى سقط؟‏

 

-أول شيء حدث في هذا الصباح.‏

 

-لماذا لم تخبرني؟‏

 

-لم العجلة؟ كنت سأخبرك بعد بضعة أيام.‏

 

-أنت ستكون سبب موتي! هيا أخرجه، بسرعة!‏

 

عندما أخرج الناس الطفل الميت، راح القاضي ينشج قائلاً:‏

 

-لقد كان صبياً صغيراً جميلاً جداً، والجميع كانوا يحبونه. آه! يجب أن نشتري تابوتاً.‏

 

وأرسل المساوم من بين جميع الناس ليشتري تابوتاً.‏

 

وفي محل بيع التوابيت راح المساوم يسأل عن ثمن كل تابوت هناك.‏

 

-كم ثمن هذا؟‏

 

قال صاحب المحل:‏

 

-بمئة وستين تيلاً.‏

 

-وذاك؟‏

 

-بمئتين وثمانين.‏

 

-وهذا؟‏

 

-بثمانين.‏

 

-وهذا؟‏

 

فسأله صاحب المحل:‏

 

-كم عدد الناس الذين ماتوا حتى تسأل عن ثمن جميع توابيتي؟‏

 

فأشار إلى تابوت:‏

 

-كم ثمن هذا؟‏

 

-بعشرين تيلاً.‏

 

-بعشرين تيلاً! كم رطلاً تزن قطع حطب الوقود؟‏

 

-إن التوابيت تختلف عن حطب الوقود. هل ستشتري أم لا؟‏

 

-طبعاً سأشتري. هل تبيعه بعشرة تيلات؟‏

 

-لا توجد مساومة في محلات التوابيت.‏

 

-ما رأيك باثني عشر؟‏

 

-اذهب إلى محلات أخرى.‏

 

-بثلاثة عشر.‏

 

-إنني لن أبيع لك.‏

 

-بأربعة عشر.‏

 

-كلا.‏

 

-بأربعة عشر ونصف.‏

 

-ألم أطلب منك أن تذهب إلى مكان آخر؟‏

 

-اجعلها خمسة عشر.. ما رأيك بذلك؟‏

 

شعر صاحب المحل بغضب شديد، وقال:‏

 

-حسن، بخمسة عشر.‏

 

قدم له المساوم عشرين تيلاً.‏

 

-أعطني بقية النقود.‏

 

بينما كان صاحب المحل يحضر بقية النقود وضع المساوم تابوتاً صغيراً داخل الكبير. ثم أخذ بقية نقوده وحمل التابوتين، واحد داخل الآخر، إلى مقر الحكومة.‏

 

كان القاضي يشتكي قائلاً:‏

 

-ما الذي أخره كثيراً؟‏

 

عندئذ دخل وأعلن عن حضوره:‏

 

-لقد عدت.‏

 

وأنزل التابوتين.‏

 

ثار غضب القاضي وقال:‏

 

-لماذا اشتريت تابوتاً كبيراً هكذا؟ فكر بكل الحشو الذي سنحتاج إليه لنمنع جلد الطفل من الاحتكاك.‏

 

-لا تقلق، يا صاحب الفضيلة. يوجد هنا تابوت آخر صغير.‏

 

غضب القاضي، وقال:‏

 

-لماذا اشتريت اثنين؟‏

 

-يمكن أن نترك الكبير هنا حتى وقت لزومه. وعندئذ لن نشتري تابوتاً آخر عندما يموت السيد الصغير الأكبر.‏

 

 

 

ولد في سنة الثور‏

 

تختلف الأمور كثيراً الآن عما كانت عليه في سالف الأيام، حين أراد الرجال أن يعيشوا مثل الطفيليات. لقد أصبح العمل شريفاً اليوم. والذين لا يريدون العمل لا يمكن أن يكسبوا رزقهم. ولا يستحسن في هذه الأيام أن تأمل في الوظيفة كي تجني الكثير من المال. وفي الأيام القديمة كان من يريد جمع ثروة طائلة يحاول التوظف. لماذا؟ لأنك ما أن تتولى وظيفتك حتى تصبح غنياً. وحين كان الآباء يعلمون أولادهم كانوا يسممون أفكارهم. كان الأب يربت على ظهر ابنه ويقول:‏

 

-يجب أن تحصل على وظيفة رسمية، يا بني، وتعيد ثروات العائلة.‏

 

فكروا فقط، كيف يمكن أن يفعل ذلك دون أن يجمع النقود بسرعة؟ كان هنالك قول قديم، "في ثلاث سنوات يجمع الحاكم الأمين مئة ألف تيل من الفضة". مئة ألف تيل في ثلاث سنوات، وبيد حاكم أمين! إذاً كم يمكن أن يجمع موظف غير أمين؟ وكيف حصل الموظفون الأمناء على هذا القدر من المال؟ بالاختلاس؟ ليس بالاختلاس. إن الحاكم كان من المرتبة الرابعة، لذلك فراتبه صغير.‏

 

حسن إذاً، من أين أتت المئة ألف تيل تلك؟ إن لديهم قنواتهم.‏

 

كان الحاكم مسؤولاً عن عدة قضاة. وكان لكل مقاطعة قاض، لكن المقاطعات نفسها تختلف، فبعضها تربتها فقيرة، وبعضها غنية. ولندع الكلام عن الأجزاء البعيدة حيث لم يكن هنالك أحد ولكن عن بعض المقاطعات القريبة منا هنا في تيانجين، والتي يعرفها الجميع. يقولون، "إن (باودي) الذهبية و(ووكينغ) الفضية لا تعادلان الساعة الخامسة في (نينغ)". اسألوا أي شخص تجاوز الأربعين ماذا يخبركم؟ لقد كانت باودي منجم ذهب، مقاطعة تضم أكثر من ألف ومئتي قرية، حيث جمع القاضي أكواماً من المال. وكانت ووكينغ منجم فضة، مقاطعة تتألف من ثمانمئة وثمان وثمانين قرية؛ لذلك كانت في سنوات الحصاد الجيد تعطي دخلاً ضخماً. ومع ذلك لم تكن أي من هذه المقاطعات تعادل نينغ. وعند الساعة الخامسة، مع بزوغ الفجر، في نينغ، كان القاضي هناك يجمع أكثر من عائدات ووكينغ وباودي. ما سبب ذلك؟ كانت نينغ تنتج الملح؛ وقد جعلها ذلك الملح مركزاً مربحاً. وكانت هذه المقاطعات كلها تقع تحت السلطة القضائية للحاكم في بكين.‏

 

كانت بكين تضم خمس ولايات وتسع عشرة مقاطعة. هل كلها متشابهة؟ كلا، بل مختلفة جداً. فمقاطعة باودنغ في الجنوب غيرت اسمها فيما بعد إلى شينجين. وكان دخل ثماني عشرة قرية هناك لا يكفي للنفقات اليومية الصغيرة، لذلك كان مصدر دخل الحاكم هناك صغيراً. ومع ذلك لم يكن عليه جمع المال بنفسه، بل كان يطلب من القاضي أن يجمع مبلغاً من المال ليرضيه. أما مقاطعة نينغ فكان دخلها كبيراً، ولكن كان على قاضيها أن يظل إلى جانب للحاكم؛ وإلا فإنه يُنقل. وكان بإمكان الحاكم نقل قضاة مقاطعة شينجين ونينغ. وكان الأمر ملائماً تماماً لقاضي شينجين، لحصوله على موقع مربح مثل هذا، ولكن كيف يمكن لقاضي نينغ أن يستمر؟ كي يحول دون نقله كان عليه تقديم الهدايا إلى الحاكم. لكنه لم يكن قادراً على إعطائه المال. فذلك يعتبر رشوة، وإذا عرف المراقب الإمبراطوري هذا فستكون نهاية كل منهما. ماذا يجب عمله؟ كان كل ما على الحاكم أن يفعله هو الاحتفال بعيدي ميلاد سنوياً، له ولزوجته. وعندما حل عيد ميلاده ذهب أتباعه إلى مكتبه ليسألوا:‏

 

-سوف يحل قريباً عيد ميلاد فضيلته، أليس كذلك؟‏

 

-صحيح.‏

 

كم..‏

 

-حسن..‏

 

ماذا يريد فضيلته أن أقدم له؟‏

 

-كيف أعرف؟ قدم له أي شيء تريده.‏

 

-كم عمر فضيلته؟‏

 

-ستة وخمسون.‏

 

ستة وخمسون، أي هدية ستكون ملائمة؟ لنفكر. إذا كان في السادسة والخمسين فهو مولود في سنة الجرذ. حسن، اذهب إلى الصائغ واطلب جرذاً مصنوعاً من سبيكة ذهبية ثخانتها بوصة واحدة، ووزنها ست عشرة أونصة.‏

 

كان طول هذا الجرذ قدماً وبوصتين، وتطلب ذيله وحده أكثر من سبيكة ذهبية، بينما كانت عيناه ماستين، كل واحدة بوزن خمسة قراريط. تم وضع هذا الجرذ الذهبي على الطاولة المخصصة لهدايا عيد الميلاد بينما وقف القاضي بجانبه محدقاً فيه، ليلفت انتباه الحاكم. ومن وقت إلى آخر كان الحاكم يتمشى، وهو يمسح على لحيته، ليتفقد هداياه. ولاحظ الجرذ على الفور! وبينما راح يمسح على لحيته أخذ يزنه بيده. ولو وجده خفيفاً جداً، ومطلياً بالذهب فقط، فإنه كان يضعه ثانية.‏

 

وعندما وزنه بيده عرف أنه على ما يرام. وحين قرأ اسم المانح، ربت على كتف القاضي.‏

 

-رائع، رائع. إنني أحب هذا فعلاً.‏

 

كان هذا يعني: لا تقلق، يمكنك أن تبقى في منصبك، فأنا لن أنقلك. وقال:‏

 

-إن هذه الصنعة رائعة حقاً.‏

 

ماذا كان يهمه في الصنعة؟ كان الوزن هو الذي يحبه!‏

 

-حسن الآن، كان ذلك حسن اهتمام منك، بعد معرفة أنني ولدت في سنة الجرذ وصنع هذا الجرذ الذهبي لي، آه! نعم، كان ذلك حسن اهتمام كبير. بالمناسبة، إن عيد ميلاد زوجتي في الشهر القادم.. وهي أصغر مني بسنة.‏

 

فكروا في الأمر! أصغر بسنة واحدة، أي في سنة الثور. كم يكلف ثور ذهبي! كيف كان يتوقع أن الناس العاديين يعيشون؟!‏

 

(1) إن تعبير "زيانغشنغ"، الذي يعني في اللغة الصينية الحوار المبني على تبادل الردود السريعة، هو الشكل التقليدي للحوار الكوميدي في الأدب الصيني. ويعتمد هذا الشكل الأدبي بصورة أساسية على استعمال التورية والمعاني المزدوجة للكلمات. (المترجمة).‏

(2) إن الرمز الصيني "لاي" الذي يعني "هنا" يُستخدم كنية أيضاً.‏

(3) يمكن أن تعني زياندي الأخ الأصغر الفاضل أيضاً.‏

(4) التوفو: طعام صيني غني بالبروتين يُستخلص من فول الصويا ويُستخدم في تحضير بعض أنواع السلطات والأطعمة.(المترجمة).‏

ثلاث قصص من أدب (زيانغشنغ) (1)"عن الإنكليزية" ـــ شيانغ شوتشين ـ ترجمة. رشا حداد مجلة الآداب الاجنبية - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 122 ربيع 2005

 

أضيفت في 24/04/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتبة

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية