لا لغة بدون وعي ولا وعي بدون لغة
حاورها: عبدالكريم الكيلاني
ماجدولين الرفاعي كاتبة سورية تحث الخطى بهدوء نحو ترسيخ اسمها بين
قريناتها.. دون ضجيج إعلامي.. وتنوعت إسهاماتها الأدبية بين الشعر والقصة
القصيرة والمقالة.. نشرت نصوصها في الصحف العربية وشاركت في إقامة الندوات
الأدبية والمنتديات الثقافية.. حين تقرأ لها تشعر بأنك أمام حالة خاصة..
معظم نصوصها تحاكي الواقع بأساليب مختلفة.. فهي تعبر عن ماهية المرأة
بسلاسة ورقة وعفوية..
حملنا إليها ما في جعبتنا من أسئلة فكان لنا معها هذا الحوار:
* هل لديك طقوس خاصة بلكتابة؟ وهل تفضلين الواقع أم الحلم في كتابة نصوصك
الإبداعية؟
ـ الكتابة حالة وجدانية تحتاج إلى هدوء وتركيز ولا يلزمنا في
الكتابة أكثر من فنجان قهوة ومكان هادىء ولكن الإبداع هو الحافز لسبر أغوار
اللغة التي تمنح النص بريقه الحافل بالدهشة ولهذا تجدني دائما تحت وطأة
الحالة التي تؤثر في مكامني، غارقة في طقوسي المعتادة التي أمارسها بين
خلجات النفس واحتراق الروح تواصلا مع الحرف الذي يتسامى دائما في أوراقي
لأصل إلى ما أتوخاه من الكتابة وهو إيصال ما أشعر به إلى المتلقي.. وهذه
الطقوس لا أستطيع الاستغناء عنها أبداً, أما عن الشق الثاني من سؤالك فإنني
حين أهم بكتابة نصوصي الشعرية أساق إليها أولاً لأن الشعر حالة فريدة
تجرفني معها حين تشاء هو فلا أجد نفسي إلا سائرة خلفها كي أحلق في عالم
الحلم.. فالحقيقة أقول إن الشعر هو الذي يكتبني في أغلب الأحيان أما في
مساحة القصة فأفضل الواقع لأني أجد في الواقع قصصا غريبة لا بد من توثيقها
مع إضفاء شيء من الخيال حتى يتقبله المتلقي ويتفاعل مع الحدث حينها أشعر
بأنني قدمت رسالتي وفي النهاية فالقارىء هو المبدع الحقيقي لأنه يلهمني..
* عندما تفكرين في الكتابة هل تقودك اللغة نحو المتخيل أم تجعلين اللغة في
خدمة المتخيل؟
ـ اللغة والمتخيل هما سيان فلا إبداع بغيرهما.. فاللغة هي من
الأدوات الضرورية لأي كاتب كما هو الحال مع المتخيل الذي يتلبس به دون وعي
منه كي يعزف بهذين العاملين سمفونية الإبداع وقوة النص وجزالة التعبير وحتى
تكون اللغة في خدمة المتخيل يجب أن يسير معه بإشارة من الكاتب في القافلة
نفسها وهذا يتأتى من خلفية معرفية وثقافة مكتسبة من القراءة المستمرة
والاطلاع على الآداب الأخرى.. كي تضاف هذه المعرفية مع ثقافة الكاتب
الموجودة أصلا في ذهنه ولتتشكل في النهاية لوحة جميلة مليئة بالألوان
وحافلة بالمعطيات والدهشة.
* كيف تنظرين إلى المشهد الثقافي في الوطن العربي تحت ظل هذه الظروف التي
نعيها جميعاً؟
ـ برأيي إن هناك مشكلة جوهرية في بنية العقل العربي ذاته، الذي خضع
سنوات طويلة للإملاءات وللنظريات الجاهزة التي حوّلته إلى عقل يتلقى تلقياً
حيادياً دون أي جدل أو محاكمة وهكذا تقوقع العقل العربي داخل وظيفة محدودة،
ولم يخرج إلى الوظيفة الأساسية للعقل ألا وهي المساءلة والشك، طبعاً ثمة
أسباب تتعلق بالواقع الاقتصادي وبالفساد العام الذي يعتبر الفساد الثقافي
أحد حلقاته الأساسية. ولكن ورغم كل هذه الأمور فأنا أشعر بأن الثقافة في
العالم العربي ستكون بخير.. فهناك أصوات وأقلام تعطي بلا حدود وتغدق
المكتبة العربية بشتى أنواع الأدب ولا ننسى هنا ظهور كثير من المبدعات
اللواتي حفرن أسماءهن على الصخر بما قدمنّ من إبداع..
* متى تلجأ ماجدولين الرفاعي إلى الصمت؟
ـ ألجأ إلى الصمت حين ألامس الغدر من أعز الأصدقاء.. حينها أهيم في
الصمت لكي أواري نكبتي به وفي الوقت نفسه أحافظ على إحساسه من الخدش وانسحب
بهدوء..
* إلى أي مدى يستطيع القاص أن ينجح في نصوصه طالما يبقى همه الأول محاصراً
باهتماماته اللغوية؟
ـ أظن أن القاص لن ينجح مطلقاً إذا ركز اهتمامه على صناعة الكلمة
دون الاهتمام بالمضمون وملامسة نصوصه للواقع المعاش وفي الوقت نفسه ينبغي
أن تكتب النصوص بقدر عال من الصياغة اللغوية السليمة.. وقد أخبرتك في سؤال
سابق أن اللغة هي من أهم عوامل إنجاح أي نص إبداعي.. ولكن لا بد أن ترافقه
الموهبة التي يمنحها الله للكاتب.. فلا لغة بدون وعي ولا وعي بدون لغة...
* كيف يمكن لماجدولين أن تؤسس لعالم فني خارج حدود الوعي بالواقع؟ هل يمكنك
ذلك؟
ـ التأسيس لعالم فني خارج حدود الوعي حالة صعبة فكيف سنستلهم
الأفكار إذا لم تستقيها من الواقع.. برأيي إن الفن عموماً لا يصل للمتلقي
الحقيقي دون ملامسة إحساسه ومشاعره وعكس الحالة التي يعاني منها... وقد
قرأت بعضا من الأعمال الأدبية التي تبنى خارج هذه الحدود فوجدتها جافة لا
معنى لها وهذا رأيي الخاص.
* أحياناً يكتب البعض بان الشعر حالة ملحة والبعض الآخر يدعون أن الشعر ليس
سوى ترف كيف ترين ذلك؟
ـ الشعر منذ التاريخ كان له حضوره وأهميته حتى في الحروب لما له من
دور في التنوير والتحريض على الكفاح ولن ننسى دور شعراء السياسة في رصد
الواقع المزري الذي يعيشه العالم العربي منذ عقود طويلة فكان لأحمد شوقي
وسميح القاسم وغيرهم من المبدعين دور مهم في تغيير الواقع وتحشيد الجهود
وتوحيد القلوب ورفع الهمم.. إذن فالشعر حالة مهمة وهو ترف في أحايين قليلة
ولدى بعض الشعراء الذين لا يعدون على أطراف الأصابع ولكن الشعر عموما مهم
جدا في أي مجتمع بل هو من المستلزمات الضرورية للتقدم والتطور.
* هل أنت مع الحداثة في الأدب الحديث وكيف تتعاملين مع النقد بما أن النقد
الحديث يقوم على أسس جديدة؟؟
ـ أنا مع الحداثة إلى حد ما ولكن أحياناً تأخذ الحداثة شكلاً يبتعد
فيه عن فهم القارىء له.. فالحداثة مدرسة إبداعية ولها منظرون.. وهو حالة
تجديد على أن لا يفقد جوهره وانتماءه إلى الأدب الحقيقي وأن لا يكون جاحداً
لمن سبقنا من الشعراء والكتاب كالمتنبي وأبي تمام والجاحظ وأبي العلاء
المعري وغيرهم فهم أيضاً كانوا من المحدثين في عصورهم.. أما النقد فهو
ضروري جدا بالنسبة لي.. لأنه يكتشف ما لم أكتشفه من عيوب أو هنّات أقع
فيها.. فالنقد حالة صحية وهو معين ورافد للتقويم الذي أنشده.. فمهما قطعنا
من أشواط نبقى محتاجين لمرآة نشاهد فيها أنفسنا..
* ما ذا يمثل الرجل في نصوصك الأدبية؟؟ هل تعتبرينه عاملاً مساعداً في بناء
النص أم ركنا من أركانه بما أنه نصف المرأة؟
ـ الرجل هو النصف الثاني للمرأة وهو الذي يمنح المرأة خصوصيتها
ورغبتها على الإبداع فلا أتصور أن رجلاً يستطيع الكتابة دون وجود المرأة في
حياته كملهمة تضخ فيه الدافع للكتابة وكذا الحال بالنسبة للمرأة.. فهو
بالطبع ركن من أركان النصوص الأدبية عموماً والمرأة أيضاً.. فهما وجهان
لعملة واحدة...
* علمت بأنك تكتبين بأكثر من فن من الفنون الأدبية فأنت تكتبين المقالة
أيضاً، ما ذا تريدين أن تقولي من خلال مقالاتك؟
ـ نعم.. فأنا أكتب المقالة رغبة مني في الوقوف مع المرأة والمطالبة
بحقوقها ورفع الظلم عن كاهلها فالمرأة هي شريان المجتمع التي ترفده
بالحيوية والجمال.. كما أشعر بحاجة أيضا للمساهمة في بث الوعي.. لأنني أجد
بأن الوعي ضروري جدا لتقارب الآراء ومد الحياة بجسور التواصل بعيداً عن
المهاترات الكلامية واللفظية وإبراز دور المرأة وقرينها الرجل بصيغة
توافقية..
(
للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول
أدب المرأة )
|