القادمون من
المستقبل
(من قصص الخيال العلمي)
بقلم الكاتب:
د. طالب عمران
كان يقطع الطريق بسيارته،
وقد بدأ الغروب يلقي شيئاً من ظلاله المعتمة على الأشجار والتلال الصغيرة
وقد شعر بالانقباض وهو يتأمل الطريق الملتوي أمامه يطيع مع الظلال ولا يرى
له نهاية..
شرد يفكر بحياته، وقد زادته
الوحشة اكتئاباً ولا أثر لسيارة عابرة أو لمخلوق يتحرك حوله.. كان يعمل في
الجامعة أستاذاً لمادة التاريخ، ويعاني كثيراً في السنوات الأخيرة وهو يشهد
الكوارث والمآسي وطغيان دولة متجبرة عظمى، يتحكم فيها مجموعة من الحمقى
الذين كأنهم قرروا دمار العالم..
كان حدث الحادي عشر من الشهر
التاسع، قد قلب كل شيء في العالم، وأصبح الإنسان تحت رحمة حصار متنوّع طال
حتى أحلامه وأمانيه..
تزوج مرّة واحدة في حياته،
ولم يكن زواجاً موفقاً تحكّم أهلها بها، لدرجة أنها كانت تأخذ رأي أختها
بنوعية الأكل الذي تعده لـه.. وظلت الفجوة بينهما تكبر حتى صحت يوماً على
قراره بالانفصال عنها..
ودون أن تدرك خطورة الأمر،
تعاونت وأخواتها وأهلها، للسطو على كل ما يملكه، حتى غدا لا يملك شيئاً،
تسلطت على البيت والسيارة والمكتبة التي كانت ملجأ الأمان عنده..
ونصحه أصدقاؤه بالسفر إلى
دولة خليجيّة لترميم وضعه المادي، وحين عاد بعد أربع سنوات، بدأ يحاول
تكوين حياته من جديد.. وكثرت العيون التي تراقبه، وتحثه على الزواج من
جديد.. ولكنه كان يرفض الفكرة.. وجد أن العالم تغيّر.. وعرف أن زوجته
السابقة، لم تتزوج من جديد، وأن الحزن أصابها، والندم أصبح هذياناً عندها،
وقد راجعت حياتها معه فلم تجد سوى الطيبة والحنان والصبر..
شاركها أخواتها في بعض ما
سلبته منه، ثم تركوها تجتر أحزانها وذكرياتها دون أن يتقدم أحد للزواج منها
من جديد..
كانت قد باعت كتب المكتبة ـ
بنصيحة من أختها الكبرى ـ لتأجر كتب، يوزع كتبه لبيعها على أرصفة الشوارع،
ومن بينها كتبه التي ألفها وكانت تلقى رواجاً لدى القراء.. فبدأت تحاول أن
تدخل في دائرة القراءة، وساومت تاجر الكتب على استرجاع الكتب التي باعتها
بثمن بخس..
وأين لتأجر لا يهتم سوى
بالمال، أن يدلها على الكتب التي وزعها، وهو لا يعرف عناوينها ولا
كتابّها.. ولكنه تظاهر بمعرفته لها، وبدأ يبيعها كتباً متنوعة زعم أنها
كانت في المكتبة، ورأت نفسها بعد زمن قصير تملأ واجهات المكتبة الفارغة
بعناوين وبكتب عن التاريخ والعلم والدين..
كان عامر يتذكر كل ذلك، دون
أن يشعر بالشفقة والرثاء لها، رغم كل التغيير الذي طرأ عليها، فلم يكن يرغب
بإعادتها، وقد شعر يوماً أنها تدمره من الداخل, وتقوّض إنسانيته بتصرفاتها
وأنانيتها المرعبة..
أوصلوا له كل تلك المعلومات
عنها، على أمل أن يعيد حساباته، لإعادتها ولكنه كان مدمناً على اليأس في
زمن مظلم يعمّ الكوكب برمته..
بدأت العتمة تغمر المكان،
فأشعل مصابيح السيارة وزاد من سرعة السيارة التي بدأت تدخل طريقاً منبسطاً
واسعاً على طرف مدينة صغيرة، ارتبط اسمها باسم أحد ملوك العرب من قديم..
اجتاز المدينة الصغيرة
بأضوائها الخافتة، ولم يرغب بالاستراحة فأمامه أكثر من ساعة للوصول إلى
البلدة الصغيرة التي يقصدها على أطراف البادية..
وبعد عدّة كيلو مترات من
البلدة، كشفت لـه أضواء المصابيح وجود أشباح تتمايل على الطريق أمامه.. ثم
اختفت فجأة.. خفّف من سرعته وتابع طريقه..
وفجأة خرج رجل بلباس غريب،
يتمايل ثم سقط وسط الطريق.. أوقف عامر سيارته على بعد خطوات منه، وترك
محركها دائراً وأضواء المصابيح تكشف لـه كل شيء.. باتساع رقعة الإضاءة..
اقترب من الرجل بحذر، كان منكفئاً على بطنه، قلبه على ظهره، فرأى وجهاً
لكهل بلحية قصيرة بيضاء.. يطلق تمتمات غير مفهومة.. وهو يتأوّه متألّماً..
ـ ما بك يا عمّ؟ ما الذي
أصابك؟
ـ آه.. أنا.. أموت.. أموت..
آه..
ـ هل أنقلك إلى المستشفى؟
أنت مريض؟ ما بك؟
ردّد: أنا.. أنا.. آه..
شعر أنّه بحاجة لمساعدة بدت
لـه حالته سيئة.. سمع نهيق حمار.. كان لأحد القرويين الذي توقّف إلى
جانبه..
ـ خير؟ هل صدمته بالسيارة؟
ـ لا.. لا.. رأيته أمامي على
الطريق..
قال الرجل: ـ سأربط الحمار
بهذه الشجرة القصيرة وآتي إليك..
ـ حالته تسوء، إنه يرتعش..
ـ ما هذا اللباس الذي
يرتدي؟
ـ أتعرفه.؟ دقق في وجهه
جيداً..
ـ لا.. لم أره في حياتي،
بالتأكيد هو ليس من بلدتنا..
ـ أرجوك ساعدني لأمدده في
السيارة وننقله إلى المستشفى، عندكم مستشفى بالتأكيد؟
ـ لا.. مع الأسف.. لدينا
مستوصف، لا يداوم فيه الطبيب سوى في الصباح، ولكن قد يستقبل الحالات
الطارئة، إذا أحضر الطبيب والممرضة والعامل الصحي في بيوتهم..
ـ أتعرف بيت الطبيب؟
ـ نعم.. إنه في وسط البلدة،
في الشارع الرئيسي نفسه.. هناك يافطة باسمه، اسمه الدكتور (سمير)..
ـ هل سترافقني إلى هناك؟
ـ وماذا أفعل بالحمار، ربما
تفترسه الوحوش.. وهو يحمل على ظهره خرجاً فيه خضراوات وفواكه..
ـ لا بأس.. سأحاول الوصول
إلى بيت الطبيب..
ـ قد ألحق بك بعد أن أوصل
الحمار إلى بيتي..
انطلق الدكتور عامر بسيارته
عائداً في اتجاه البلدة، والكهل الغريب يرتعش وهو يتأوّه في المقعد الخلفي
للسيارة..
كان يسير ببطء وقد بدأ بدخول
البلدة، وهو يدقق في اليافطات من حوله، حتى لمح يافطة الطبيب.. فأوقف
السيارة قرب البيت.. وأطلق زمور السيارة عسى أن يخرج أحد لمساعدته.. وفعلاً
خرج له رجل من إحدى الزوايا..
ـ خير؟ لماذا تطلق هذا
الزمور بهذا التتابع؟
ـ أرجوك لدي رجل يحتضر، أريد
أن تساعدني لنقله إلى منزل الطبيب..
ـ الطبيب ليس هنا، لقد انطلق
بسيارته قبل نحو الساعة في اتجاه بلدة (القرينة)، هناك حالة إسعاف أيضاً..
ـ وماذا سأفعل الآن؟ الرجل
يموت..
ـ قريبك؟
ـ لا.. صادفته ملقى على
الطريق.. لا أعرف عنه شيئاً..
ـ يعني لم تصدمه بسيارتك؟
ـ نعم.. بالتأكيد لم
أصدمه..
ـ يبدو زيه غريباً عن زيّ
منطقتنا..
ـ أرجوك ساعدني، قد ننقذ
حياة الرجل.. ربما ساعدتنا الممرضة في إسعافه..
ـ الممرضة العاملة في
المستوصف، الطبيب اصطحبها معه.. من الأفضل أن تأخذه لمخفر الشرطة القريب..
هم سيتولون نقله والعناية بإسعافه.. لديهم أكثر من سيارة..
ـ أيمكن مرافقتي إلى هناك.؟
قد أحتاج لمساعدة..
ـ المخفر أمامك على بعد
(300) متر.. ثم ما أدراني أنك لم تصدم الرجل بسيارتك.. أنا لم أرك من قبل،
قد يموت الرجل، دون أن يصرّح بشيء، أي شيء لديك شهود.. عن إذنك..
شعر عامر بالقهر، وقد ابتعد
عنه الرجل، فأغلق باب السيارة واتجه صوب مخفر الشرطة ولم يعد بعيداً
بالفعل.. كان هناك شرطي يقف بالباب..
أوقف السيارة وحكى له ما جرى
معه، وكيف لم يعثر على الطبيب لإسعاف الكهل.. وكيف دلّه أحد الناس لينقل
الرجل إلى المخفر..
أدخله الشرطي إلى داخل
المخفر، كان هناك أحد المساعدين يجلس خلف مكتب وهو يسجل بعض الملاحظات
ويشرب الشاي..
ـ سيدي، هذا الرجل أحضر
رجلاً مصاباً، ربما صدمه بسيارته، يبدو أن حالته خطرة.. لم يعثر على طبيب
المستوصف الذي خرج لإسعاف مريض في قرية (القرينة)..
ـ كيف صدمته بالسيارة؟
ـ لم أصدمه بالسيارة، وجدته
ملقىً على الطريق، ثم ليس به أي أثر أو خدش يدل على أنني صدمته.. أنا لا
أكذب يا سيدي.. أنا أستاذ في الجامعة واسمي معروف للناس..
ـ بطاقة هويتك لو سمحت.
ـ تفضل.. هذه هي الهويّة،
وهذه هي بطاقتي الجامعيّة..
ـ الدكتور عامر.. تفضل
اجلس..
ـ ليس لديّ وقت أرجوك.. أنا
مسافر إلى بلدة تبعد عن هنا نحو ساعة ونصف والدي حالته خطيرة، وأنا الابن
الأكبر له..
ـ سننتظر حتى يعود الطبيب
ويقرر نوع إصابته، ثم نقرر السماح لك بالذهاب, أو الاحتفاظ بك للتحقيق،
خاصة إذا ثبت أنك صدمته..
ـ أرجوك يا سيدي.. خذ كل ما
أحمله من بطاقات (هوية ـ شهادة سواقة ـ دفتر توفير..) وأعدك أنني سأعود
غداً بعد أن اطمئن على والدي..
ـ أنا آسف.. هه.. تعاونوا في
نقل المصاب إلى هنا..
لبّى رجال الشرطة الواقفون
طلب مساعد الضابط: ـ في الحال يا سيدي..
ـ أليس من ضابط مسؤول هنا؟.
ـ المقدّم حسن في بيته.
سيأتي بعد قليل..
ـ أرجو أن لا يتأخر..
ـ المقدّم حسن، شديد التمسك
بالقوانين ربما ألقاك في السجن..
ـ ولماذا؟ لأنني رأيت رجلاً
مريضاً قررت إسعافه؟ هذا غير منطقي أنا لم أرتكب جرماً..
أحضره رجال الشرطة من الخارج
نظر إليه المساعد بعمق متسائلاً:
ـ أليس من دماء على ثيابه أو
في رأسه نتيجة إصابته..
ـ لا يا سدي.. ثم أن ثيابه
نظيفة..
ـ إنه يتأوّه.. لم يمت بعد..
هذا لصالحك يا دكتور..
فتح الرجل عينيه طويلاً ونظر
حوله مستغرباً ثم عاد لإغماضهما..
ـ هل تكلم.؟
ـ لا يا سيدي.. لم يتكلم..
ـ يا عمّ.. أتسمعني؟ أرجوك..
إن كنت تملك القوة للكلام تحدّث إلينا..
تأوّه الغريب: آه.. أنا
أموت.. أموت.. ليتني لم أجرّب تلك الطريقة..
ـ هه.. أنت في وعيك.. ماذا
حدث لك؟
ـ آه.. ماذا أفعل؟ آه.. أنا
أموت.. ما زلت أشعر بدوار..
قال عامر متوسّلاً: ـ أرجوك
يا عم، قل لهم هنا أنني لم أصدمك بسيارتي.. سيسجونني.. أنا متعجل للذهاب
إلى بلدتي.. والدي في حالة خطرة..
ـ آه.. من أنت؟ أنا لا
أعرفك..
ـ وأنا لا أعرف عنك شيئاً..
قل لهم أنني لم أصدمك بالسيارة..
ـ سيارة؟ أية سيارة؟ أنا لا
أعرفك..
سأله المساعد: ـ هل أصبت لأن
هذا الرجل صدمك بسيارته؟ أجب عن هذا السؤال..
ـ أنا لا أعرفه.. هو لم
يضرّني بشيء..
ـ أنت مريض من إصابتك
بالسيارة؟ أم أنك مريض من شيء آخر؟
ـ ليس للرجل علاقة بمرضي..
أرجوك اتركني أستريح أنا متعب..
ردّد عامر: ـ أسمعت؟ لم
أصدمه.. هل يمكنني أن أذهب الآن.. أرجوك..
ـ لا بأس.. اترك عنوانك ورقم
هاتفك.. وسأحتفظ بصورة الهوية.. قد تطرأ تطورات على الموضوع..
ـ كما تشاء.. سأكتب لك
عنواني بالتفصيل..
ـ أعتقد أنه من الضروري أن
تعود بعد الاطمئنان على والدك.. إلى هنا، لإكمال المحضر.. هل سجّلت ما قال
في الضبط يا سميح؟ الضبط
ـ دقائق وأنتهي يا سيّدي..
خرج عامر من المخفر، وقد
تزاحمت في رأسه الأسئلة عن ذلك الكهل الغريب وإصابته، وتلك الطريقة التي
ذكر أنه جرّبها دون أن يوضح ذلك.. لا ريب أن أسراراً كثيرة وراءه.. ولكن لا
وقت لدى عامر للاهتمام بهذه الحالة الآن.. عليه أن يصل بلدته ويطمئن على
والده..
انطلق بسيارته خارجاً من
البلدة، ولحظ أن هناك أفراداً من أهالي البلدة وربما من القرى المجاورة،
يتمشون على الطريق.. هكذا اعتقد في البداية..
وأشارت إليه امرأة عجوز
ومعها فتاة شابة.. لم يرغب بالتوقف، كان متأخراً بسبب ما أضاعه من وقت..
ولكن مظاهر الحزن التي لمحها على الفتاة رغم قلة الإضاءة وسرعة حركته،
جعلته يتوقف ويعود القهقرى إليهما.. قالت العجوز:
ـ ادخلي يا هادية بسرعة..
ـ حسناً يا أمي..
ـ لا تؤاخذنا يا بني، لم نجد
سيارة على هذا الطريق سواك..
إلى أين تقصدان.؟
ـ إلى البلدة المجاورة للجبل
الصغير على بعد نحو (20) كيلو متراً.. أرجو أن لا يكون مقصدك مكاناً أقرب
من ذلك؟
ـ لا.. البلدة التي تقصدانها
في طريقي..
ردّدت الصبيّة باستغراب: ـ
إنه زمن مختلف يا أمي، قلت لك لن نعثر عليه..
ـ ولكننا حددنا بالجهاز
المكان الذي سقط فيه بدقة.. ربما ذهب إلى البلدة المجاورة أو ربما عاد..
ـ عاد؟ لا أعتقد ذلك..
ـ والدك عنيد، يريد أن
يتعرّف على هذا الزمان، والوثائق والكتب تؤكد أنه زمن صعب مرّت به
الإنسانية.
ـ إنه مؤرخ، والزمن بالنسبة
له مفتاح الفكر والإبداع والأسرار..
شعر عامر بفضول غريب فسأل
العجوز: ـ آسف يا خالة، إن تطفلت على حديثكما.. ولكن عمّاذا تتحدثان؟
أتبحثان عن شخص اختفى عنكما؟ كأنني سمعت أنه زوجك ووالد ابنتك؟
ـ زوجي، خرج على غير هدى..
ولا نعلم أين هو الآن..
قالت الصبيّة: ـ أو ربما عاد
إلى البيت وهو ما نرجوه..
ـ أيمكن أن تصفي لي شكله
ولباسه؟ أرى أنكما ترتديان لباساً غريباً أيضاً..
أقصد غريباً عن أزياء هذه
المناطق؟
قالت بارتباك: آه.. نعم..
قليلاً.. أزياء بلدتنا تختلف عن أزياء هذه المناطق..
قالت الصبيّة: ـ والدي متوسط
القامة، نحيف البنية، يضع على رأسه قبعة نصف كروية، وحولها شال رقيق أبيض
اللون.. له لحية بيضاء قصيرة..
أوقف السيّارة فجأة وهو
يردّد بذهول ـ قبل نحو الساعة عثرت على رجل بهذه المواصفات حاولت إسعافه،
لم أجد طبيباً، ثم نقلته إلى مخفر الشرطة..
قالت العجوز بلهفة: ـ ماذا
تقول؟ كيف كانت حالته؟ هل هي خطيرة إلى هذه الدرجة؟
ـ لا.. إنه بخير وتحدّث
معي.. وهو الآن في المخفر..
ـ أرجوك يا بني، أوصلنا إلى
هناك.. أنا خائفة عليه، ليس وضعه الصحي مطمئناً إذن؟
ـ يا إلهي، مزيد من التأخير
أيضاً.. سأوصلكما إلى المخفر وأنزلكما وأعود لمتابعة طريقي..
انعطف بسيارته عائداً وهو
يحمل العجوز وابنتها، منطلقاً صوب المخفر.. عادت مشاهد الأشباح، تطالعه حول
الطريق.. وتأوهات العجوز وابنتها، وهما تشعرانه بقلقهما الكبير على ذلك
الكهل الغريب..
وصل المخفر، وأشار إليهما أن
تنزلا.. وهو يشعر بفضول غريب لمعرفة قصة ذلك الكهل وزوجته وابنته.. وهم من
أهالي البلدة المجاورة للبلدة الصغيرة قرب الجبل الصغير على الطريق إلى
قريته، كما ذكرتا..
نزلتا ملهوفتين وقد اجتازتا
باب المخفر دون أن تأبها لصرخات الشرطي الواقف أمام الباب.. ودون أن يدري
وجد عامر نفسه يهبط من السيارة داخلاً خلفهما؟
ـ أين زوجي؟ أين أنت يا
كامل؟
صرخ الشرطي بغضب: ـ إلى أين
تندفعين هكذا؟ ماذا تريدين يا امرأة؟
ـ أبحث عن زوجي.. قيل لي أنه
أحضر إلى هنا.. آه.. أين هو؟
قالت الصبيّة: لا أرى أحداً
يا أمي. أين هو؟ أكّد ذلك الرجل أنه أحضره إلى هنا..
كان هناك ضابط في عقده
الرابع يقف خلف مكتبه قال متفرّساً في القادمين:
ـ ذلك الكهل المخبول؟
ثمّ حدّق في عامر متسائلاً:
ـ هه.. ومن أنت أيضاً؟
ـ أنا آسف يا سيدي.. أنا من
أحضرته بسيارتي..
ـ هه.. أنت الدكتور عامر..
اجلسوا هنا.. يجب أن نفهم القضية..
حكى عامر القصة من جديد،
وكثرت أسئلة الضابط للمرأة وابنتها حول الكهل ووضعه، وطلب منهما إثباتاً
حول شخصيته، فلم يعثر على وثيقة معه.
وكأنما أسقط في يد المرأة..
ولم تدر بماذا تجيب.. وقد أحضر الكهل الذي اندفع يضمهما إليه بحنان..
ـ أليست لديكم أية وثائق عن
شخصياتكم؟
قال عامر محاولاً التوسّط: ـ
بلدتهم قريبة من الجبل الصغير على بعد نحو (25) كيلو متراً من هنا..
ـ كيف لم تحضري أيتها المرأة
وثيقة معك؟ أمعقول أن يتجول الإنسان في الليل دون بطاقة هوية..؟
ـ آسفة.. خرجنا بسرعة..
همس عامر مستعطفاً: ـ إنهم
قرويون، سذّج، ربما..
ـ هذا الكهل قروي ساذج؟ ماذا
تقول يا دكتور؟ إنه يحكي بلغة متطوّرة، ويعرف كل شيء، رغم أنه يبدو
مخبولاً.. صحيح أنا لم أفهم الكثير مما قاله. ولكنه داهية شديد الخبث..
ـ أرجوك يا سيدي, اسمح لنا
بالخروج، هو والدي، وهذه والدتي نقسم لك.. لا نملك وثائق.. ربما للهفتنا في
البحث عنه..
ـ وكيف خرج لوحده في هذا
الليل؟
ـ إنه يشرد أحياناً، وأنا
انتبه له دائماً، ويبدو أنه خرج في غفلة عني.. أرجوك يا سيدي..
ـ هل تكفلهم يا دكتور؟
قال عامر بارتباك: آه.. لا
بأس.. أنا من عثرت عليهما أيضاً وهما تبحثان عنه كانتا ملهوفتين.. اضطررت
لإحضارهما إلى هنا، رغم وقتي الحرج والدي في حالة خطيرة..
ـ قرأت المحضر.. لا بأس..
اكتبا اسميكما هنا ووقعّا، ووقع أنت يا دكتور بعدهما..
ما إن خرجوا من المخفر، حتى
ضمته العجوز إلى صدرها شاكرة باكية.. أشار إليهم أن يدخلوا السيارة،
فسيوصلهم (الكهل والزوجة والابنة) إلى تلك البلدة على الطريق، قرب الجيل
الصغير..
أراد أن يتعرف على قصتهم،
وقد توقع أنها قصة غير مألوفة..
أنت بخير يا عم؟ كانت حالتك
تبدو شديدة الخطورة..
ـ نعم.. استعدت توازني
بالتدريج.. ربما لم أكن دقيقاً في الدخول في ذلك الاختبار..
ـ أي اختبار؟ ولماذا تبدو
أزياؤكم مختلفة؟ يقول الضابط أنك تتحدّث بلغة متطوّرة، وأنك داهية..
ـ ما كان يجب أن نعود إلى
هذا الزمن يا أبي؟ ليس زمناً سهلاً..
ـ لا بأس يا هادية.. لم أبدأ
رحلتي فيه بعد.. لماذا لحقتما بي؟ ما كان يجب أن تلحقا بي.. لديكما مهمّات
كثيرة، كيف تركتماني؟
ـ قلقنا عليك.. وأخذنا إذناً
من رئيس المركز..
ـ وماذا سنفعل معاً الآن؟
كيف نتعايش مع الواقع هنا..
ـ أنا أعرف الموقع الذي
انطلقنا منه بالضبط، سنعود إلى هناك ونتحدث ونناقش الوضع..
قال عامر باستغراب: ـ أيمكن
أن توضحوا لي شيئاً مما تقولون؟ أهناك صعوبات أمامكم؟ ثم من أنتم؟ وهل أنتم
فعلاً من تلك القرية؟
ـ تبدو رجلاً مثقفاً.. هل
نقول لك أننا في ورطة؟
أكّدت الصبيّة: ـ أعتقد أنه
رجل موضع ثقة.. لقد اهتم بنا كثيراً وساعد والدي وساعدنا.. وأخذنا على
مسؤوليته، لم لا نحكي له السر؟
ـ نحن بحاجة لمساعدة.. يجب
أن نشرح له الموضوع.. هه.. اسمع يا بني..
ـ نعم يا عم.. بدأنا نقترب
من البلدة قرب الجبل الصغير..
حكى الكهل قصته الغريبة وهم
يقتربون من البلدة.. وشاركته زوجته وابنته في سرد التفاصيل..
كانت قصة غير مألوفة.. تتحدث
عن زمن وجد فيه الناس أنفسهم في مجتمعات لا تعرف الابتسامة وليس سوى السواد
والظلمة.
ـ إنها قصة طويلة يا بني..
هزّ رأسه بحزن وتابع يقول: ـ
نحن من زمن يتقدم على زمنكم.. زمن ليس فيه سوى التقنيّة المتطورة والعلاقات
الآلية بين الناس، لا روابط حقيقيّة تشد الناس بالعاطفة والحب، والتعاون
والود..
زمن اختفت فيه الخضرة
والغطاء النباتي، أو كادت.. وليس سوى شواهد القبور المنتشرة في كل مكان..
وأصبح اللون الأسود أو الرمادي هو الذي يغلب على المشاهد في كل مكان..
قالت الفتاة مؤكّدة: ـ والدي
مختص بالأنتربولوجيا.. ربما كانت مسيرة حياته تختلف عن الآخرين..
تنهّد متابعاً حديثه: ـ
هادية محقة.. ولدت في كهف، كان يعيش فيه أبي وأمي، بعيداً عن الاختلاط
بالناس.. كان الكهف منعزلاً في منطقة حرجيّة وكنت في طفولتي أخرج منه
وأتمشى بين الأحراج أشمّ عبق الأشجار والنباتات.. قالت لي أمي يوماً وكنت
حينها في الثامنة من عمري..
***
"اسمع يا بني، ستتذكر كثيراً
هذه السنوات، لأن خروجك من هذه المنطقة إلى صخب المدن ونفاياتها سيصيبك
بالحسرة لزمن طويل.. حاول أن تعبّ من هواء هذه المنطقة وروائح نباتاتها،
تشبّع بكل شيء هنا لن تراه أو تشعر به بعد الآن..".
شرد في البعيد وكأنّ حزناً
أطبق عليه وقد ثقلت الذكريات:
ـ أحبّ أبي وأمي أن يعيشا
بعيداً عن المدنيّة، وبصعوبة بالغة اختارا تلك المنطقة الحرجيّة، التي كانت
على جبل صغير فيه بعض الماء وحوله ليس سوى الصحراء القاحلة غير المسكونة..
كانت أمي عندها تشعر بأعراض الحمل.. رتب والدي الكهف من الداخل، ووضع فيه
محركاً كهربائياً صغيراً لضمان عمل الأدوات التي تستخدم جميعها، وهي تعمل
على الطاقة الكهربائية..
سأله عامر: ـ ومن أين أحضر
الوقود؟
ـ من مرايا عاكسة للطاقة
الشمسيّة.. مصدر الطاقة البسيط المجاني والمتوفر بكثرة..
ـ هربا من صخب المدينة؟ ألم
يكونا يعملان؟
ـ كانا في أحد مراكز البحوث
العلمية الهامة.. وفي قسم "أبحاث الزمن".
ـ إذن تركا العمل وهربا
ليعيشا في الكهف بعيداً عن مجتمعهما؟
ـ أرادا إنقاذي من مادية ذلك
العصر، ماديته المجنونة، التي قتلت في الناس كل المشاعر..
قالت الزوجة مشجّعة له وقد
لحظت شروده في البعيد: ـ يحتاج الأمر لبعض التفصيلات يا نواف..
ـ حسناً يا هيفاء جئنا من
العام (2135).. لا تستغرب، قسوة العصر الذي عشنا فيه، كانت لا تصدّق. لا
ترى سوى شواهد القبور من حولك، لا شجر، لا ماء، لا طير يزقزق فقط صحار
مترامية الأطراف، وأكوام من النفايات المعدنية والبلاستيكية ومدافن آلات
قديمة عفا عليها الزمن..
"حين استرجع بذاكرتي تلك
الأيام الأولى من طفولتي وأتذكر نصائح والدي أن أعبّ من الهواء حولي،
وأتأمل جو الخضرة في الجبل الحرجي الصغير.. أشعر أن اليأس قد أطبق على
العالم، حتى لم يعد هناك مكان للضوء في آخر النفق.. لقد نجح والدي في الهرب
والعزلة عن عالم المكننة والآلات عالم يخلو من العاطفة والمشاعر، الكل يعمل
في خدمة الاستثمار العالمي، الذي استبعد الناس على الكوكب.. وفرض قيوداً
حديدية ينشره للجلادين والمخبرين في كل مكان، حتى لم يعد للإنسان فرصة
للاختلاء بنفسه والحلم..".
ـ حدثهم عن والديك يا عزيزي،
وكيف استطاعا غرس الثقافة والوعي في وعيك.. تلك المنطقة المنعزلة علمتك
الكثير..
ـ تفرّغت أمي لتعليمي
التاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم، وتفرّغ أبي لتعليمي الأتمتة.. وفي
العاشرة من عمري بدأت ألحظ شيئاً غير عادي يحدث حولي.. وسمعت أبي وأمّي
يتحدّثان عن ذلك:
ـ لم يبق سوى مساحة قليلة يا
لهذا الزمن الغريب..
ـ آه.. يا إلهي.. كان وجود
الخضرة في هذا الجبل الصغير استثناءاً.. ويبدو أننا سنشهد زواله..
ـ من أين أتت تلك الحشرات،
لا أدري.. إنها تأكل بشراهة جذور النباتات، وبعدما تجف تبدأ بالتغذية عليها
من جديد.. تصوري لم أستطع معرفة سرّ انحسار هذه النباتات.. حتى عثرت على
تلك الحشرة الصغيرة إنها أشبه ببقّة صغيرة منتفخة، تتكاثر بأعداد مخيفة
وتختفي تحت سطح الأرض حافرة أنفاقاً تلقي فيها بيوضها الصغيرة..
ـ أحضرت بعضها إلى المختبر،
إنها بيوض صلبة استعصت على الأحماض والقلويات.. لم تتأثر بها..
ـ إنه عصر غريب لا تسيطر فيه
سوى الزواحف والحشرات أتتذكرين قبل عشر سنوات؟ عندما جهزنا الكهف، وكنت على
وشك الوضع؟ تلك الغزالة الصغيرة، دخلت إلينا هرباً من ذئب يطاردها..
ـ كان هناك بقايا حيوانات
وكان الجبل ممتداً بخضرته حتى الوادي.. وحين ولد نواف اعتاد على وجود بعض
الحيوانات حتى الزواحف الخطرة لم يَخَفْها.. ثم بدأت هذه الأنواع من
الأحياء تتناقص بسرعة غريبة خلال سنوات قليلة لتحل محلها الحشرات..
ـ أتعلمين اكتشفت أن كل
الخضرة على الجبل، بل البقايا من الخضرة بدأت تجف.. جفافاً أتى عليها
جميعها..
ـ يا إلهي إذن وصلت تلك
الحشرات الصغيرة إلى جميع جذورها.. ربما بعد أسابيع سنشهد اختفاءاً غريباً
حتى لسوقها الجافة..
ـ قلبي على نواف قد يكون ذلك
شديد القساوة عليه، أن يعيش في وسط صحراء جبليّة قاحلة..
ـ أنا لا آمن أن تجتاز تلك
الحشرات شبكاتنا المكهربة لتصل إلى الداخل.. قد تأتي على كل شيء..
ـ فعلاً قد تأتي على المكتبة
والكتب قبل أن يستطيع نواف قراءتها جميعها كما خططنا.. قالت أمّي بخوف: ـ
نستطيع عندها الاعتماد على الأقراص، بواسطة الكومبيوتر المغلق...
قال أبي بخوف: ـ ولكن هذا قد
يكشف مكاننا لأجهزة الأمن والإنذار..
تنهّدت بقلق: ـ يا إلهي،
يبدو أننا سنواجه خطراً محتملاً....
***
لم أفهم سبب خوف أمي إلاّ
بعد أن أتت الحشرات على الكتب، وعلى مستودع الثياب، والخشب، ولم يوقفها
شيء.. رغم محاولات والديّ مقاومتها بكل أنواع المبيدات والصعق الكهربائي..
كانت بيوضها تقاوم شتّى أنواع الفتك مستعصية على التهتك.. وحين يحين موعد
الفقس تخرج اليرقات نهمة شرهة لا يوقفها شيء.. وهكذا اضطر والدي لاستخدام
الأقراص المدمجة لأطل من خلالها على عالم شبكة المعلومات.. وكنت في الثانية
عشرة من عمري حين صحوت يوماً على وقع أحذية الجنود والرجال الآليين..
وقادتهم يصرخون:
ـ أغلقوا منافذ الكهف
جيداً..
ارتاع أبي: ـ ماذا تريدون؟
من أنتم؟
قال أحدهم ويبدو أنه كان
زعيمهم: ـ صورك موزعة في كل مكان، مع كل بث في الإنترنت.. أتعبتنا كثيراً..
يبدو أنّك داهية في تعاملك مع التقنيّة، بالصدفة استطعنا تحديد مكانك..
ثمّ صرخ برجاله الموزّعين:
ـ خذوا كل شيء موجود هنا،
سيساعدنا في التحقيق..
توسّل أبي إليه: أرجوكم لا
تكونوا قساة مع ابني، إنه صغير لم يتعرف بعد على عالمكم.. حتى أمه ليس لها
ذنب بشيء..
قال بسخريّة: أمه؟ هي هاربة
أيضاً.. مثلما هربت أنت..
خرجت من مخبئي صارخاً: ـ
ابتعدوا عنهما، لم هذه القسوة؟
احتضنتني أمّي: ـ لا تخف يا
بني، يجب أن تكون شجاعاً.. تذكّر ما علمتك ووالدك من دروس.. الهدوء في تقبل
المفاجآت..
كان الآليون يرصدون كل شيء..
وبعضهم يردّد جملاً يدلّ بها على تنفيذه أوامر معيّنة:
ـ أفرغت.. كل الأقراص.. في
ذاكرتي..
وكان أحد القادة يتابعهم: ـ
أفرغ أيضاً ما في ذاكرة المعالجات الرقميّة هنا.. وعددها أربعة..
ـ سأفرغ المعالجات
الرقميّة.. حالاً.. هل أدمرها.. بعد ذلك؟
ـ لا.. دع رفيقك يحمّلها في
صندوق الشاحنة الطائرة مع بقيّة الأشياء الأخرى..
***
ودعتني أمي بالبكاء، ووالدي
ينظر إلي نظرات حزينة.. ثم لم أرهما بعد ذلك.. أدخلوني في معهد أبحاث
الزمن، وقد دهشوا لمقدرتي على الاستيعاب، وأصبحت في العشرين من عمري خبيراً
متمرساً، ينظر لي الجميع بإكبار واحترام..
سأله عامر وهو يتابع القصّة
بذهول: ـ وكيف كان المجتمع الذي تعيش فيه.. وهل استطعت نسيان أبويك بهذه
السرعة, أم كنت تحاول الاتصال بهما؟
ـ آه.. وبماذا أخبرك يا
بني.. كان كل شيء حولنا، صنعيّاً، حتى النباتات البلاستيكية.. التي وزعوا
أصصها في مداخل المكاتب والمصانع.. وكان كل من يعمل معي لا يعرف الابتسامة،
يتحرك كرقم.. كاميرات المراقبة في كل مكان تحصي الأنفاس، وتسجل كل حركة..
ومن يجلس في غرف المراقبة والمتابعة هم الآليون فقط، الذي لا يتعبون ولا
يفرقون بين أحد..
عرفت عن طريق الدخول في شبكة
الأمن، أن والديّ نفياً إلى مكان في الجنوب وكلفا بدراسة سبل الاستفادة من
النفايات.. وأن الحصار المضروب عليهما وتعاملهما مع نفايات مشعّة قد جعل
المرض يتسلل إليهما ليميتهما خلال أشهر.. لم أنسهما لحظة في حياتي.. ولن
أنساهما ما حييت.. آه يا بني حين تعرفت على هيفاء شعرت أنني أستعيد
إنسانيتي..
ـ آسف يا عم، بدأنا نقترب من
القرية، ها هو الجبل الأخضر يبدو لنا..
ـ أنا أعرف المكان الذي
خرجنا منه.. إنه في ذلك الاتجاه..
اتجه إلى الجبل الأخضر وهو
يقول متوسّلاً:
ـ ولكني أرغب بسماع بقية
القصة.. أرجوك يا سيدي..
تابع الكهل بعد أن صمت
للحظات: ـ كانوا في قسم أبحاث الزمن يحاولون نقل المتبرعين إلى المستقبل،
بعد يوم أو يومين، وتوصلوا إلى فترات لم تزد عن الستة أشهر.. كان المتبرعون
يعودون بعدها
منهكين متعبين، تستنفر
الأجهزة لتسجل ما شاهدوه في ذلك الزمن وما سمعوه وما عرفوه.. نقلة ليست
هامة في القفز فوق الزمن..
ولكننّي اكتشفت أن العودة
إلى الماضي، لا تحتاج لكل هذا الجهد الذي يحتاجه القفز إلى المستقبل, وكانت
في ذهنك أفكار مرهقة، عن الأسباب التي أدت بالإنسانية إلى هذا الانهيار
الشامل..
بدأت أقرأ الأقراص المدمجة،
أتعرّف على العصور السابقة كما سجلتها الأقراص المدمجة.. كانت السجلاّت
مكتوبة بعبارات جافة ليس فيها إحساس.. إنها مصاغة عن كتب المؤرخين لتقدم
إحصاءات وبيانات ليست فيها مشاعر، حتى في وصف المذابح والكوارث، كان يكتفى
بذكر عدد القتلى والجرحى..
وفيما بعد بدأت كل تلك
الأقراص تدمج بأقراص أخرى تختصر الكثير من التاريخ..
ـ من الذي كان يسيطر على
الكوكب؟ أمعقول أن تبقى القوة العظمى المسيطرة الآن، إلى ذلك التاريخ؟
قالت هيفاء الزوجة: ـ كان من
أسباب مجيئ نواف إلى هذا الزمن دراسة الواقع الآن واستقصاءه ودراسة معطياته
للوصول إلى نتائج قد تفيدنا في تفسير زماننا البعيد..
هزّ عامر رأسه متوسّلاً: ـ
ليست مهمة سهلة.. ولكن كيف اخترت يا دكتور نواف هذا العام بالضبط؟
ـ التغييرات التي يشهدها
بداية كل قرن قد تنبئ عن مسيرة الإنسان فيه لذلك اخترت السنوات الأولى من
القرن الحادي والعشرين، وخاصة السنين التي تبدأ فيها ألفية جديدة........
بدأنا نقترب من البلدة..
تابع كلامه موجّهاً عامر:
ـ هناك طريق فرعي يصعد إلى
الجبل.. على اليسار..
ـ يبدو شديد الانحدار.. لا
بأس.. لم تقل لي كيف وصلت إلى ذلك الطريق هناك، وبدوت وأنت تتمايل حتى سقطت
في وسط الطريق؟
ـ لأنني كنت قلقاً وخائفاً
وأنا في حجرة الزمن وحدي، وحولي كاميرات المراقبة ومجموعة من الناس
الآليين.. لعل ذلك القلق جعلني أضغط وأنا أتعرض للأمواج، زرّاً غير مناسب
في الآلة..
قالت هيفاء زوجته موضّحة: ـ
رأينا الوقت والتاريخ فقفزنا إليه، متأكدين أننا سنخرج من نفس المكان الذي
خرجت منه.. وبدأنا نبحث عنك حتى دلنا جهاز التتبع على مكانك.. ولكن الظلام
خيّم وكنا خائفتين..
وأكملت هادية الابنة: ـ
المهم عثر علينا الدكتور عامر.. الرجل الشهم المنفتح الذهن..
ـ وكيف لم يركم الآليون
وكاميرات المراقبة..
قالت هيفاء: ـ أطلقت تلك
الحزمة اللازريّة تشتت الأضواء، وتظهر لكاميرات المراقبة والآليين أن كل
شيء طبيعي..
ردّد نوّاف منزعجاً: ـ حزمة
اللازر بتكثيف كرات البث المجهرية؟ يا إلهي كيف لم أتذكرها..
سألته باستغراب: ألم
تستخدمها؟
ـ لا.. وهذا ما جعلني
اضطرب.. المهم ساعدنا الله لنتجمع ثانية بفضل هذا الرجل الشهم..
سألهم عامر: ـ هل ستظلون في
هذا الزمن طويلاً؟
تنهّد نوّاف بقلق: ـ ربما
لأيام.. أو لأسابيع..
ـ وكيف ستعودون؟
ـ لا تقلق علينا، لدينا
الأجهزة اللازمة..
كان في ذهن عامر أن يسأل تلك
الأسرة الصغيرة، أسئلة كثيرة عن زمنهم العجيب، وقد نمت في صدره رغبة ملحّة
بالتعرف أكثر على هؤلاء الناس المتفوقين، الذي ما زال يراجع حكايتهم في
داخله مستغرباً مدهوشاً.. تردّد قليلاً قبل أن يسأل نوّاف:
ـ هل كان والداك يعيشان في
كهف في هذا الجبل الصغير؟ وما علاقته بمكان مركز أبحاث الزمن في عصركم؟
ـ عندما كبرت عرفت أن هيئة
العلماء العليا للبحوث، اختارت هذا الجبل لبعده عن المدينة، ولكونه منعزلاً
في الصحراء، وذلك لإتمام الأبحاث حول الزمن وإجراء التجارب بهدوء وسرية..
وأعتقد أن لوالديّ اللذين لم أسمع بهما بعد اعتقالهما، سبباً في اختيار هذا
المكان، فبعد استجوابهما ـ كما يبدو ـ ضغطوا عليهما للعمل المرهق المستمر
كتعويض عن سنوات الغياب التي غاباها.. ربما كان هذا ما جرى حقيقة..
ـ يعني هذا الجبل الصغير،
سيتحول إلى كتلة قاحلة تغزوها الحشرات في زمنكم.. وسيشهد أحد كهوفه أحد أهم
مراحل حياتك ووالدك ووالدتك؟
ـ حينما قدمت إليه لأول
مرّة، كنت مذهولاً والذكريات تخرج مني بشكل آهات كانت تضغط على قلبي،
تعذبني.. حتى انعزلت لساعتين أبكي ذكرياتي المرّة، أبكي والديّ اللذين
فقدتهما، أبكي المكتبة والأشجار الحرجيّة، والكهف الذي شهد طفولتي وسعادتي
ونشأتي..
قالت هادية: سنقضي فيه عدة
أيام يا أبي، ولكن أين سنعيش؟ يبدو جبلاً خالياً من البشر..
ـ سأبحث عن الكهف الذي عشت
فيه وسأعرفه.. أنا متأكد.. ولن نتعب في الحصول على المؤن والطعام..
اعترض عامر: ـ ولكنكم لا
تملكون نقوداً، سأعطيكم بعض النقود لتتعاملوا بها مع الناس.. وسأحاول
العودة إليكم لمساعدتكم في الدخول في أبحاثكم عن هذا العصر..
تركهم عامر مرغماً، قرب شجرة
كبيرة على أمل أن يلقاهم فيما بعد، قرب تلك الشجرة، فيجب أن يظل، أحدهم
قريباً من المكان، حتى يعود عامر.. فعامر هو مفتاح تعرفهم على العالم، وهذا
ما أكد عليه..
عاد إلى الشارع الطويل، يشق
بمصباحه الظلام وقد تأخر الوقت وهو حزين لأنه تركهم دون أشياء ضرورية
للحياة، لم يستطع سوى مساعدتهم بمصباح كان يحتفظ به في السيارة للطوارئ
وفراش وحصيرة وبضعة وسائل راحة.. ووسائد صغيرة..
وصمم أن يعود إليهم بعد أن
يطمئن على والده.. وهكذا استمر يقود السيارة شارداً، حتى وصل مدينته
المنعزلة على أطراف البادية.. وفجع حين استقبلته الوجوه الحزينة، تنعي له
والده، الذي انتظر حضوره حتى آخر لحظة في حياته.. قالت أخته مواسية:
ـ لم يصمد طويلاً، رغم
محاولات الأطباء..
أكملت عمّته: ـ رغم أنه كان
ينتظر حضورك ليراك للمرة الأخيرة
ـ كان وضعه شديد الصعوبة،
وأنت تأخرت كثيراً يا أخي..
سألته العمّة: ما الذي
أخرك؟
ـ اتركيه يا عمّتي.. يبدو
مهموماً حزيناً..
ـ آه.. معك حقّ يا ابنتي..
ربما حدث له في الطريق ما أخره.. تعال يا بني أتريد أن تلقي نظرة على
والدك؟
أشارت العمّة لأخته لتنتبه
لحالته:
ـ انظري إلى ذلك الخدش الذي
على يده، ثم إن بنطاله يبدو متسخاً بالبقع والغبار.. لا بدّ وأنّه صادف بعض
المتاعب على الطريق.. كوني إلى جانبه يا ابنتي..
ألقى نظرة على والده وهو
يبكي وإلى جانبه أخته وهي تحاول أن تخفّف عنه.. وأخّرته الجنازة والعزاء
أياماً.. وحين عاد بعد ذلك إلى المكان الذي أنزل فيه الغرباء، نزل من
السيّارة وأخذ يبحث في الأنحاء، يدور بين الأشجار والأحراج والأراضي
الزراعيّة دون كلل فلم ير أثراً.. رغم البحث المضني الذي استغرق ساعات..
وظل يذكر تلك الليلة وتلك
المنطقة وتلك القصة الغريبة التي حدثت له، وجعلته يرى أناساً يأتون من رحم
الغيب، لدراسة واقع إنساني سيتطور إلى واقع أشد ظلمة وقتامة.. وكلّما أتى
عامر لزيارة قريته كان يتوقّف في تلك المنطقة ويبحث فيها علّه يعثر على أثر
لتلك العائلة الّتي تركت في نفسه مشاعر إنسانيّة لا يمكن أن ينساها
أبداً..
أضيفت في
22/12/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب
صراع الحواس
بقلم الكاتب:
السيد نجم
في المدينة العجيبة
البعيدة, مدينة الحواس, اشتد الصراع بين الملكة "عين" وبقية الحواس (السمع,
الشم, التذوق, واللمس). فقد زاد الإزعاج والضجيج فتألمت الأذن وضعفت حاسة
السمع, كما زاد الضوء الباهر والإشعاعات من الأجهزة الإلكترونية, فضعفت
حاسة البصر ومرضت العيون. ولما أهمل الجميع النظافة تململت كل الحواس (سكان
المدينة). لم تكن حاسة اللمس آخرها, بل سبقتهم جميعا, فترك "الإصبع الكبير"
المدينة وانعزل وحده عند شاطئ البحر.
قررت الملكة "عين"
الذهاب إلى "الإصبع الكبير" لإعادته, ورافقتها كبيرة الأذن. فور أن صافحهما
قال: "أعلم أن المدينة لا تعيش سعيدة من غيري, لأنني أحس بالحرارة
والبرودة, فأخبر سكان المدينة لتلافى شرورها.. حقا أنا أفضل من كل الحواس".
فقالت الملكة بغضب:
"انك حقا مغرور كما يقولون عنك, قد يكون في كلامك الحق, لكنه ليس كل
الحقيقة!"..
وبسرعة قالت "الأذن": "
بل أنا الأفضل, أسمع الضجيج فأحذركم من أضراره"!
ابتسمت "العين" وتمتمت
بصوت مسموع: "وماذا أقول عن نفسي, كم من مرة رأيت الأخطار وأنقذت سكان
المدينة كلهم!!"..
فضحك "الإصبع" بصوت عال
قائلا: "حضرتما لإعادتي, تشاجرتما معا.. دعوني أذهب إلى كوخى الصغير لأعيش
وحدي سعيدا"!!
قبل أن يتحرك أحدهم,
كان المشهد المرعب المثير, ثعبان خبيث يتجه ناحية "الإصبع", صرخت الملكة
"عين": "أسرعا فورا بعيدا عن هنا.. انه الثعبان الشرير"..
وبسرعة هب ثلاثتهم
واستقروا بعيدا. فورا ضحكت "عين" وقالت: "لولا وجودي معكما الآن لانقض
عليكما الثعبان"
فاندفع "الإصبع" قائلا:
" قد يكون في كلامك
الحق, لكنه ليس كل الحقيقة!".
لفترة قصيرة هدأ الجميع
وانشغل الإصبع في صنع شكل غريب من الطين, ثم قال لهما: "سوف أجعل هذا الشيء
العجيب يخيف الثعبان, فلا يقترب منى أبدا. ما رأيكما أطلق عليه اسم "وافى".
وانقضى بعض الوقت وهم
يشربون معا الشاي ويأكلون الكعك الذي قدمه "إصبع".
فجأة أخبرتهما "عين"
أنها رأت الثعلب الماكر يسرق بعض المأكولات من داخل كوخ "إصبع", لكن الكائن
الجديد "وافى" أسرع نحوه.. نعم لقد نجح في اللحاق به.
فقالت الأذن: "ما جدوى
وجودك وحدك, لولا أن الملكة عين رأت ما رأت, وأنا سمعت المعركة بين الثعلب
و"وافى".. ما كنت أدركت المصيبة التي تتعرض لها "!
فهم الإصبع ما تعنيه
"أذن", فقال بتحد: "هل تعرفين الحكمة من تماثيل الفنان الهندي الذي صنعها
على شكل القرود, منها ما يخفى عينيه, وما يضع يده على أذنيه وفمه؟؟.
لم يسمع أجابه, تابع
وحده:
"معنى تلك التماثيل..
أن الشرور كلها بسبب العين والأذن واللسان!!"
في هدؤ وثقة أرادت
الملكة "عين" أن تلقنهما درسا, أخرجت جهاز الكمبيوتر الذي أحضرته معها, وهى
لا تسير بدونه.. ثم فتحت موقع المعلومات عن الحواس. بدأت تقرأ لهما وتقول:
"هل تعلما أن كل الحواس
توجد في الإنسان والحيوان, لكن حاسة البصر وحدها التي توجد في الإنسان
وأغلب الحيوانات والطيور والأسماك.. بينما بقية الحواس توجد بأقل من ذلك
كثيرا!!"
اعترض "إصبع" وأخبرهما
أن "الإخطبوط" يملك عينين ولا يستخدمها, بل يعتمد على عشرة أذرع وعلى حاسة
اللمس أساسا!.
قبل أن ينتهي الحوار
أسرعت الأذن وأخبرتهما, أنه لولا حاسة السمع ما عرف الإنسان الكثير من
الأمراض. وبدأت تقص قصة اختراع "السماعة الطبية" وكيف أن الدكتور "رينيه"
الفرنسي, نجح في تشخيص مرض الفتاة عندما صنع بوقا وضعه على صدرها ثم سمع
صوت دقات قلبها.. وشخص المرض وأعطى العلاج المناسب!
فجأة صاحت الملكة عين
وصرخت قائلة: أرى البرق, أسرعوا بعيدا "..
تابعتها الأذن: "وأنا
الآن سمعت رعدا شديدا"..
فورا تابعهما الإصبع: "
بل أحس برذاذات المطر الآن.. هيا بنا فورا إلى داخل الكوخ".....
أسرعوا جميعا إلى داخل
الكوخ حتى انتهت الأمطار الغزيرة, وعادت السماء صافية, وأضاءت الشمس الأرض,
وانبعث الدفء في أجسادهم.. فشعروا بالسعادة والفرح.
فورا قالت العين: "لولا
أن رأيت البرق وأنذرتكما لهلكتما بسبب المطر".. اعترضت الأذن: "بل لأنني
سمعت الرعد !!".. تابعهما "إصبع": "الحقيقة أنا الذي أنقذتكما, عندما أحسست
بالأمطار, أسرعتما إلى داخل الكوخ!!"
أسرعت الملكة عين
وأخبرتهما بأنها أرادت أن تشاركهما اللعبة, وأنها مقتنعة بشيء آخر.. لا هي
العين وحدها, ولا الأذن أو الإصبع؟!
فانبرى الإصبع: " ماذا
إذن؟!!"
تابعت الملكة قائلة:
"الآن أخبرني الكومبيوتر.. أن كل الحواس من أصل خلية واحدة, ثم تخصص جزء
منها في الرؤية, وآخر في السمع, وغيرها في الشم أو اللمس.. وهكذا كل
الحواس"
فقالت الأذن:" إذن لا
فضل لحاسة على حاسة"
تابعها الإصبع: "إذن
سوف أعود معكما.. نتعاون معا من أجل أن نحافظ على بعضنا البعض, ولا نتصارع
مهما كانت الصعوبات"
وتعانق ثلاثتهم فرحين
بالعودة !!!
أضيفت في
22/12/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب
قبلة العفريت
بقلم الكاتب:
منير
عتيبة
أخبرتنى جدتى أن قبلة العفريت تحكمت فى مجرى حياتها.
كانت صبية رشيقة بدرية الوجه يتيمة الأبوين.. تعيش مع خالها.. وترعى
بنفسها الأفدنة القليلة التى ورثتها عن أبيها.
ذات ليلة تأخرت فى أرضها.. فاضطرت للعودة وحدها ليلا.. لم تكن
خائفة.. فهى فى بلدتها التى تحفظ كل شجرة فيها.. وتعرف كل شبر أرض.. لكنها
لاحظت أشياء غريبة أثناء سيرها.. رأت شجرة توت مضيئة على بعد أمتار منها..
وكلما اقتربت من الشجرة ابتعدت عنها الشجرة لتظل المسافة بينهما ثابتة.. ثم
اختفت الشجرة وظهر قنديل مثلث الشكل معلق فى الفضاء يسير أمام عينى جدتى..
احتار عقلها.. لكن قلبها لم يخف.. فهى لم تعرف الخوف أبدا.. كما أنها تحفظ
بعض قصار السور القرآنية التى ظلت ترددها فى سرها.
وفجأة تحول القنديل إلى شاب جميل الصورة.. توقفت جدتى وهى تشهق من
أثر المفاجأة.. كان الشاب يبتسم بوداعة.. ورأت جدتى فى عينيه حزنا ومسكنة.
قالت له:
-من أنت؟
-أنا عفريت.
همت بقراءة سورتى الفلق والناس.. لكنه أشار لها متوسلا حتى لا
تبدأ.. وقال لها:
-اسمعى حكايتى أولا.. ثم افعلى ما بدا لكِ.
فوقفت جدتى منصتة بينما حكى لها:
-مرضت فجأة مرضا حار فيه المداوون ولم يعرفوا ما هو ولا كيف يمكن
علاجه.. حتى زار بلدتنا حكيم عجوز قال لى إن شفائى متوقف على قبلة تمنحها
لى إنسية.. فحسبت أن العلاج سهل.. لكنه أخبرنى أن الإنسية التى توافق على
علاجى لابد أن تكون صبية عذراء جميلة يتيمة شجاعة قادرة على صرفى وحتى
إحراقى بقوة شخصيتها وبما تحفظه من القرآن.. أى تعطينى القبلة وهى قادرة
على عدم إعطائها لى.
سألته جدتى:
-وإذا رفضت؟
-سأنصرف.. وبعد قليل سأحترق فأنتِ آخر أمل لى.
فكرت جدتى قليلا.. ثم قررت الموافقة.. فقد رأت أنها قادرة على إنقاذ
حياة بمجرد قبلة يمكن أن تصلى وتصوم وتستغفر ليتجاوز لها الله عنها بعد
ذلك.
وتركته يقبلها.. وهى لا تنكر أنها شعرت بحلاوة فى فمها.. مزيج من
عسل ملكات النحل والزبد الصابح.. وتمنت لو كررها.. لكنه ابتسم بسعادة..
وانحنى على قدميها شكرا.. ثم اختفى.
كانت هذه القبلة سببا فى طلاق جدتى مرتين.. فقد تزوجت مرتين.. وكانت
فى كل مرة تتضايق من قبلة زوجها.. ثم تنفر من رائحة فمه.. وتصر على طلب
الطلاق.
وحدث أن جاء إلى البلدة شاب طرده أبوه بدسيسة من زوجته الجديدة..
وافتتح هذا الشاب "دكانة" من البوص على ترعة المحمودية يمارس فيها مهنته..
نجار آلات زراعية.. وحدث تعارف بين جدتى والشاب الغريب.. وأحب كل منهما
الآخر.. وتقدم الشاب يطلب يد جدتى.. لكن خالها رفض لأنه فقير وغريب.. ثم
اضطر الخال للموافقة أمام إصرار جدتى التى كانت تحارب لتتزوج الشاب الغريب
وفى قلبها خوف وتساؤل عن طعم قبلته.
وبعد أن انتهى حفل الزفاف.. ودخلا حجرة النوم.. أسرعت جدتى إلى
زوجها وقبلته فى فمه قبلة عميقة.. فشعرت بحلاوة عسل ملكات النحل والزبد
الصابح فى فمها.. كان هذا الشاب الغريب هو جدى لأمى.
أضيفت في
10/01/2007/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب
|