أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 02/09/2022

دراسات أدبية - أدب وعلم الخيال / قصص وحكايات من الخيال العلمي

قصص وحكايات من الخيال العلمي

 

 

لقراءة المشاركات

 

 

المشاركات

النخلة

رسالة عبر المجرات

مغامرات الربوت الشغال

 

 

مغامرات الروبوت الشغال

بقلم الكاتب: السيد نجم

 

اجتمعت الأسرة ليلة  الاحتفال ببداية العام الجديد. صنعت الأم "دكتورة عزة" كل الحلوى, وأعدت كل شئ على الرغم من أنها تعمل فى مجال البحث العلمي صباحا. بدأ الأب مع ابنتيه "مى" و"بسمة" فى الغناء وشكر الأم على ما صنعت, وشكر البنتين على جهدهما فى إعداد برنامج الاحتفال.

ثم قال:

"وفى هذه المناسبة أخبركم أنني سوف أشترى مكتبة "ميكروفيلم" غدا.. وتضم المكتبة شرائح مهمة ومسلية في موضوعات الأدب والعلوم والتاريخ وغيرها"

هللت الطفلتان وصرختا فرحا بهذه الأخبار السعيدة. لم يصمتا إلا عندما وقفت الأم وقالت:

"أما هديتى فهى شراء روبوت شغال أو إنسان آلي يعمل فى المنزل!!"

......                   ........                    .........

بعد مرور شهر كامل, ذهبت الدكتورة عزة الى مصنع المهندس "عارف", وهو أمهر صناع "الروبوت الشغال" في كل البلاد. ابتسم لها قائلا:

"لقد وصلت قبل الميعاد بساعتين يا سيدتى".

ثم تابع بأنه سيسمح لها بدقيقتين فقط لعرض طلبها, لأنه فى عجلة من أمره, ولا يوجد أى وقت فائض وبلا عمل حتى يضيعه فى الثرثرة!

فضلت الأم أن تترك المهندس الخبير ليتابع عمله حتى تستلم "الربوت" فى الميعاد المحدد.. ثم أخبرته أنها سوف تنتظر وصول "الروبوت" واستلامه بمنزلها فى الميعاد المحدد.

......                   .......                  ........

ما أن عادت الأم الى المنزل, استقبلها الصغيران وسألاها عن كل شئ تعرفه عن هذا الضيف الجديد؟

ردت الأم قائلة:

"الروبوت هو إنسان آلي كما تعلمان, داخل رأسه يوجد "مخ" يسيطر على كل تحركاته مثل مخ الإنسان. وتوجد بجسمه "الذاكرة" وهى على شكل اسطوانة صغيرة عليها ثقوب عديدة."

وتابعت بأن الربوت لا يفكر مثل الإنسان ولكنه فقط ينفذ البرنامج الموضوع له, والمثبت داخله فى اسطوانة الذاكرة. لحقتها "بسمة" وسألتها:

"إذن, صفى لنا مخ الربوت الذى يسيطر عليه".

ردت الأم مبتسمة:

" مخ الروبوت يشبه "سويتش" التليفونات, الذى يربط ويوصل المكالمات. ولأن مخ الربوت يعمل بالذرة, لذلك فهو قادر على عمل توصيلات تصل الى الملايين مع أن حجمه صغير".

وفجأة قطعت الأم حديثها, وحذرتهما: إن لم يستفيدا من الوقت الذى سيوفره الربوت لهما, سواء فى القراءة أو أشغال الإبرة وتعلم الأعمال المفيدة, سوف تعيد الربوت الى المصنع ثانية!

........                    .........                   ......... 

سمعوا جرس باب الشقة, اندفعوا نحو الباب, وكانت المفاجأة!!

المهندس "عارف" وبجواره الروبوت, وكأنه إنسان.. ولكن من الحديد والزجاج, له عينان وذراعان وقدمان, كما أنه ينطق ويتكلم. عندما طلب منه المهندس أن يدخل, رد عليه قائلا: "بل تفضل أنت أولا, هذا من آداب السلوك"..

فضحك الجميع!!

شرح "عارف" بعض التفاصيل, وكيفية تشغيل الربوت. وما أن خرج, صاحت "مى" :

" ما اسمه؟ نريد أن نطلق عليه اسما"

اقترحت "بسمة" اسم "سعيد", ووافقت الأم. وبسرعة أحضرت "مي" كتاب قصص الأطفال, وطلبت من "سعيد" أن يقرأ معها. بسرعة فتحت الصفحة الأولى, خلال ثوان قليلة قال لها:

"اقلبي الصفحة من فضلك"..!

وظل يكررها حتى قلبت الصفحة, وخلال ثوان قليلة أخرى طلب منها الطلب نفسه, وهكذا حتى انتهى من الكتاب كله فى أقل من الدقيقة. غضبت "مى" قائلة:

"سعيد هذا أناني يا ماما, انه يقرأ الصفحة كلها مرة واحدة وبسرعة, ولا ينتظرنى".

شرحت لها الأم قائلة:

" لأنه يقرأ فوتوغرافيا, أى أنه يصور الصفحة  ويفهمها فى التو واللحظة ".

.......               .........                   .........

عندما حان ميعاد الغداء, سمعوا صوت جرس ينطلق من "سعيد". دارت مناقشة ساخنة وهم يتناولون وجبة الغداء.

قالت مى: "انظري يا ماما, أنا لا أحب الأرز باردا"

فسألت الأم الروبوت عن السبب؟

أجاب ورد قائلا: "أنا لا أسخن أى شئ, لا أفهم ماذا تقصدين يا سيدتى؟"

وعندما ذهبت الأم كى تستريح قليلا بعد العداء, ولتتابع أعمالها المسائية.. بعد فترة سمعت طرقا شديدا على باب الحجرة, كان الربوت "سعيد" , يقول:

"يجب أن تشربي ما أعدته لك الآن يا سيدتى" .

ما أن جلست مع ابنتيها لشرب الشاى.. كانت كل الأكواب ممتلئة بالشاى والحليب. أخبرت الأم الروبوت  بأنه يجب أن يحترم رغبات كل فرد ومزاجه الخاص. فرد بثقة بأنه لا يعرف معنى كلمة "المزاج" تلك.. ثم شكرها وذهب كما فعل من قبل!!

فهمست فى نفسها :"كيف أفهم هذا الربوت ؟؟"

.....                 ......                     .......

فى صباح اليوم التالى استيقظت الأم على صوت ارتطام شئ ما على الأرض, كما لاحظت أن الظلام يغطى السماء خلف زجاج النافذة, دهشت, اندفعت كي تستكشف الأمر. كان الروبوت "سعيد" قد حطم "قنينة الأزهار فى بهو الشقة!, ولما سألته, رد قائلا:

" أعذريني يا سيدتي, لم أكن أعرف كيف يحملون هذا الشيء؟"

ولما حذرته بعدم الاقتراب من الأشياء الثمينة, قال بثقة: "لا أستطيع أن اوعدك يا سيدتى"!.. كما هى عادته, شكرها ثم ذهب بعيدا !!

بدأت الدكتورة عزة تشعر بالحيرة فى التعامل مع هذا الإنسان الآلي. وما أن دخلت غرفة النوم والقت بجسدها, سمعته يقول:

"استيقظي يا سيدتى, لقد أشرقت الشمس حالا"

ردت:

"لن أستيقظ الآن, ميعاد الاستيقاظ عندي في السادسة والنصف".

تابع الربوت سعيد بثقة وإصرار:

"بل يجب أن تستيقظي الآن, البرنامج عندي أن أبدأ تنظيف المنزل حالا!!"

انفعلت الأم, ولا تدرى ماذا تفعل معه, عندما تصر على أمر, يخبرها أنه لا يفهم ما تعنيه.. وفى كل مرة ينفذ البرنامج المحدد له فقط؟!. أخيرا قررت أن تشكوه الى المهندس عارف.

.........              ........                    ..........

أستقبلها المهندس وعرف شكواها, فابتسم وهى تخبره قائلة:

"سعيد" هذا الإنسان الآلى لا يحترم رغباتى ونظامى, يفعل فقط ما وضعته أنت فى الذاكرة عنده؟؟"

أخبرها المهندس عارف بأنه يشعر بشكواها ويفهمها, ولكنه لا يستطيع إيجاد حل لمشكلتها, ثم وعدها خلال العام الجديد القادم سوف ينجح في إنتاج روبوت يحترم رغبات الإنسان.

سعدت الدكتورة عزة برد المهندس, وقالت له:

"بالرغم من كل شئ, فان الروبوت هو المستقبل, ولا أملك أن أرفضه,

يجب فقط تعديل برنامجه!!"

أضيفت في 22/12/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب

 

 

رسالة عبر المجرات

 

بقلم الكاتب: مهند النابلسي*

-1-

جلس البرفسور باسل على الأريكة المريحة ماداً قدميه، وتناول باسترخاء كأس من الشاي اللذيذ، كان يقرأ بحثاً بعنوان:

"إكتشاف العلاقة بين أفلام الخيال العلمي وطرق تقصي المخلوقات الفضائية" كان يقرأ الدراسة التي استخلصها من الإنترنت باسترخاء كامل، فقد كان ذهنه مكدراً .. وألقى الدراسة جانباً وهو يقول "اوفو .. اوفو .. (تعني كلمة اوفو عبارة: الأجسام الطائرة الغامضة) يا للخرافة!!" وكاد النعاس أن يغلبه قبل أن يلفت المذيع التلفزيوني انتباهه بخبرين:

الخبر الأول: ذكرت الشرطة الكولومبية أن ستين شخصاً أعضاء في طائفة تؤمن بأن مخلوقات من الفضاء ستأتي في بداية الألفية الجديدة لتخليص العالم، قد فقدوا بعد أن باعوا ممتلكاتهم وتوجهوا من كارتاهينا إلى الجبال شمالاً للقاء هذه المخلوقات! .. "يا للغرابة" قال في نفسه ثم لاحق الخبر التالي: ذهل سكان وسط نيوزيلنده وأصيب بعضهم بالذعر أمس بعد أن شاهدوا وميض انفجار على ارتفاع يتراوح بين سبعين ومائة كيلومتر. وقال شاهد عيان: لقد كان انفجاراً ضخماً ترك أثراً مضيئاً في السماء لعدة ثوان. وأكدت الشرطة أنها تلقت مئات المكالمات الهاتفية من سكان المنطقة الوسطى في الجزيرة الشمالية بنيوزلندة قالوا فيها أنهم شاهدوا انفجاراً قوياً ودخاناً في السماء. وذكرت مصلحة الطيران المدني أن عدداً من الطيارين الذين كانوا على متن طائراتهم في الجو أكدوا مشاهدتهم لأضواء ساطعة وانفجارات في الجو في منطقة تاراناكي على بعد 355 كلم شمال ويلنغتون.

لمع ذهن باسل وتذكر كيف شاهد بالأمس شهاباً يخترق السماء .. شهاب مارق .. إذن هل آن الأوان مع اقتراب الألفية؟ قال في نفسه وعاد يكرر اوفو .. اوفو!!

-2-

نام نوماً عميقاً وحلم بأنه كان يقود سيارته في طريق زراعي مظلم عندما لاحقه ما بدا له صحناً طائراً، فقد كان يتأمل السماء عندما لمع البرق فجأة مرة أو اثنتين، كان الظلام حالكاً والسماء مرصعة بالنجوم المتوهجة، وتزامنت إضاءة السماء مع توهج قرص يرسل إضاءة حمراء منقطعة، تأمل الطائرة الغريبة وشاهد عينين نافذتين لمخلوق خرافي الهيئة تخترقانه .. وتملكه خوف شديد .. تم سد الصحن طريقه ولم يستطع الهرب .. ولم يتذكر ما حدث بعد ذلك، كل ما تذكره أن كائنات ما قد خطفته لفترة وجيزة وسحبت سوائل في جسمه بإبر غريبة دون أن يشعر بالألم .. استيقظ من حلمه سعيداً، لم يكن خائفاً، وعندما تعرى في الحمام استعداداً لتناول الدش اليومي، لاحظ وجود جروح خفيفة وبقع دم على ذراعيه وصدره، وقد بدت وكأنها نتاج ثقوب خفيفة في الجلد .. وفكر لوهلة متسائلاً: هل كان حلماً أم حقيقة! ثم قرر أن يتجاهل الموضوع مفضلاً الاستمتاع بصوت زقزقة الكناري الأصفر الجميل .. غلى قهوته وحلاها بالعسل وجلس على شرفة منزله مستمتعاً بالصباح المشرق.

وفجأة لم يستطع مقاومة جمال البصيص في الأصيص، فقد لاحظ انبثاق جذع قصير لزهرة مغلقة من قلب أصيص بنات الصبار الصحراوي. لم يكن بصيص نور وإنما انبثاق زهرة جميلة من قلب الأصيص الفخاري … عاد يكرر كلمة الانبثاق وقال في نفسه: لقد انبثقت الزهرة كسهم من قلب الجفاف. وشعر أنها تتفتح قليلاً ثم عادت وانغلقت مع طغيان الضوء .. ولاحظ جمالاً أبيضاً وردياً أخاذاً .. كانت أشبه بصحن الاستقبال الفضائي المستعد لاستقبال رسالة غامضة من الفضاء الخارجي .. وخاصة وأن خاطراً ملحاً يراوده منذ فترة يتعلق بطريقة تكوين لغة مفهومة لحضارات المجرات البعيدة. كان ظهور الزهرة غامضاً آسراً ومغرياً في آن واحد .. وربما كان ذلك الحافز الضروري لا يقاد شعلة التفكير بموضوع لم يسبق أن فكر به أحد من قبل! .. وعاد يقنع نفسه بأنه ربما لا يوجد تفسير علمي مقبول لانبثاق زهرة جميلة من قلب نبات الصبار الشوكي الصحراوي، وهو بالتأكيد لن يبحث عن تفسير علمي لظهورها المفاجئ .. أنه يريدها أن تبقى غامضة وتبشر برسالة كونية وتحل له لغزاً غامضاً طالما أرق واستعصى على الحل!

-3-

عاد لعمله وطبع على الحاسوب:

إذا ما تم إجراء اتصال مع حضارة كونية تبعد منه سنة ضوئية، فإن الوقت اللازم للاتصال ورصد الرد المنتظر سيستغرق على الأقل حوالي مئتي عام .. فهل هذا منطقي؟ أمن المنطقي والمعقول أن ننتظر مئتي عام حتى نحصل على رد مختصر؟ أي بعد جيلين أو أكثر "ثم تحول بائساً إلى بريده الالكتروني، واكتشف رسالة جديدة من صديقه البرفسور نادر، وقرأ:

عزيزي البرفسور باسل:

أنا مسرور جداً لجهودك الحثيثة في مجال تطوير لغة مفهومة للتواصل ما بين المجرات، ومتلهف لرؤيتك في مؤتمر نيويورك .. هل تعلم يا عزيز أن هناك محاولات جادة لسرقة أبحاثك! كن حذراً وخاصة وأنت تراسل أصدقائك عن طريق الإنترنت .. أنا متأكد من طرحك المنطقي لنظرية جديدة في التواصل الذكي لم يسبق أن تطرق لها أحد من قبل .. أنا أيضاً أحضر بدوري مفاجئة للمؤتمر .. وقد تمثل اختراقاً للفكر السائد وهي لا تتعلق بابتكار لغة تواصل فهذا تخصصك وإنما بوسيلة التواصل الكوني، لن أخبرك بتفاصيلها … سأترك الموضوع للمؤتمر .. دعنا نتعهد لبعضنا البعض بأن نحافظ على أسرار عملنا حتى لا يكشف أحد نظرياتنا .. ولنأمل بالفوز بالجوائز المجزية .. يجب أن لا تذهب جهودنا سدى.

صديقك الوفي

البرفسور نادر

بالفعل إنه صديق وفي ويستحق أن يتجاوب المرء معه، وتحمس فوراً للإجابة فكتب:  NADER@HOTMAIL.COM.

 

عزيزي البرفسور نادر:

سررت كثيراً لاهتمامك بأبحاثي، وسررت أكثر لوفائك وإخلاصك، أتعلم يا عزيزي أن عملك مكمل لعملي، بمعنى أنه لا معنى من إيجاد لغة تواصل ذكية إذا بقيت وسيلة التواصل بطيئة نسبياً كما هو الحال بحالة الإرسال بالراديو، أنا أعرف أنك تحاول خلق وسيلة ثورية جديدة فائقة السرعة، ربما شيء يتحرك بسرعة الضوء .. وأنا بدوري أحاول إيجاد لغة ذكية تستند للفيزياء والرياضيات، لغة تستند لرموز تنقل طريقة تفكيرنا للحضارات البعيدة .. أتعلم أن الأصل في الموضوع يستند للتفكير بتحديد مدى ذكائنا لهم حتى يتقبلوا التواصل حضارياً، وإلا فما معنى التواصل إذا كانت حضارتهم فائقة التفوق حيث ربما يفضل تجنبهم حتى لا يسعوا للتعامل معنا كما نتعامل نحن جنس بني البشر مع الأجناس الأقل حضارة .. أو حتى لا نتعرض لحالة "حيوانات التجارب"، فبدون أرضية مشتركة وذكاء متماثل لن تبنى لغة تواصل مقبولة، وقد يصبح التواصل وبالاً علينا .. سأكتفي بذلك وإلى اللقاء.

صديقك الوفي باسل

-4-

شعر باسل بالملل وذهب لسطح منزله المطل على المحيط الأطلسي، وتفقد الهوائي الضخم الذي بناه من تعويضاته المالية خلال سنين عمله الطويلة كباحث فضائي في مركز بحوث الفضاء في باريس، سمع آذان المغرب، وقت الغروب يوقظ في نفسه شعوراً خاصاً من الصعب تجاهله .. تذكر فجأة والدته المتوفاه منذ عشر سنين، ربما هي التي زرعت حب المعرفة في نفسه، فقد كانت تحثه دائماً على التفوق وتزرع الثقة في شخصيته .. تذكرها وقرض الشمس الأحمر الكبير يهوي في قاع المحيط .. فقد كانت تحب الغروب، للغروب رهبة خاصة، قرر أن يصلي المغرب في الجامع الأسطوري الكبير المطل على المحيط، الجامع الذي يواجه حضارة الغرب متحدياً على تخوم الأطلسي .. أشعرته الصلاة بالراحة النفسية، فعاد وقد أنعشه نسيم المساء، تناول شاباً بالنعناع في قهوة قريبة، استغرب من شخص في الزاوية يتأمله بعينين ثاقبتين، بدا له وجهاً غريباً لم يسبق أن شاهده، وشعر عندما غادر وكأن الرجل يتعقبه ….. فكر للحظات … ماذا لو أدار رأسه بغتة وضبطه وهو يتعقبه؟‍‍‍! لكنه تجاهل الفكرة، حتى لا يشعره بخوفه إن كان فعلاً يتعقبه .. ثم فكر: إنها فقط أوهام ناتجة عن التفكير المستمر بالمخلوقات الفضائية!! ولكن صمم واستدار فجأة بدافع فضولي وضبطه يسير خلفه على بعد أمتار، ولم يستطيع باسل إخفاء شعوره بالخوف، فالرجل كان غريباً في ملابسه وشعره الطويل المسترسل لكتفيه!! وبالرغم من هذا فالكثير من الفنانين الذين يعيشون في الدار البيضاء يرتدون ملابس غريبة ويربون شعورهم لتصل إلى أكتافهم!! ولكن الغريب أن ملامح الرجل بدت كمزيج من الملامح الشرقية والغربية، شعر أشقر داكن نسبياً وعينان سوداوان صغيرتان نافذتان وكأنهما ترسلان شعاعاً، وجنتان مرتفعتان، بشرة برونزية، أنف مفلطح ضخم لا ينسجم إطلاقاً مع ملامح الوجه الأخرى وكأنه مركب، والملفت للنظر شكل أذنيه المدببتين قليلاً للأعلى وكأنهما أجهزة إرسال!!

عاد لمنزله وأغلق الباب بالمزلاج ثلاث مرات وتأكد من إغلاق النوافذ وعاد لعمله على الحاسوب وطبع:

الأصل في اللغة الفضائية أن تتكون من رموز وصور توضيحية ذات ثلاثة أبعاد، وحتى نتواصل رياضياً اقترح تشكيل مجاميع للرقم 551 على سبيل المثال، مجاميع تتكون من 19 سطراً و29 عموداً مشكلة الرقم 551، وأن يتم رسم رزمة رباعية من الأشعة تكون متوجهة للاتجاهات الأربعة، في الجانب الأيمن من الصورة يتم استعراض ذرات الكربون والأكسجين والهيدروجين بالتراكيب العضوية الموجودة على الأرض، مع رمز الماء المكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين مع تمثيل الالكترونات الداخلية والخارجية.

أما العنصر الثاني المهم في آلية الاتصال بالحضارات الكونية فيمكن في إيجاد آلية لفهم المكائن، فالمطلوب تجميع البيانات بواسطة الحاسوب وتركيبها واسترجاعها من الذاكرة الحاسوبية. وقبل ذلك، يجب تزويد الكمبيوتر بآلية فهم للجمل والتعابير وتزويده بإحساس لفهم قواعد التركيب اللغوية. عند هذه النقطة سأل الحاسوب "المطور خصيصاً لفهم الإشكالات اللغوية" ما يلي:

ما الفرق بين تعبير "قرية بلا دجاج" وتعبير "دجاج بلا قرية"‍! بدأ الحاسوب بالبحث والتفكير وانتظر فترة من الوقت تماثل الوقت الذي ينتظره الباحث عن زاوية ما في الإنترنت، ثم ظهرت الإجابة وكانت كما يلي:

"يا ليتنا صدقنا الأبونا جبران، كنا لا شيء يا ابنتي، مجرد أربعين رجلاً، وفوق في تلك اللّيات، أكثر من مئة جندي من جيش الإنقاذ، وقائدهم مهدي، يأتي كالقرد يطلب دجاجاً. أسميناه الملازم مهدي الدجاج، وكنا نعطيه. لشو الدجاج، فليأكلوا، صحتين على قلوبهم، المهم أن تبقى القرية، قرية بلا دجاج، أفضل من دجاج بلا قرية. لكن الدجاج لم ينفع يا بنتي، فحين هجم اليهود لم يحارب ملازم الدجاج".

تألم باسل من إجابة الحاسوب التي عزفت على وتر النكبة الفلسطينية، وأراد جواباً فطبع إعادة تحميل (Reload) وانتظر .. فظهرت إجابة جديدة: "القرية بلا دجاج لا وجود لها، أما الدجاج بلا قرية فهو بالتأكيد دجاج المزارع الذي يعيش بلا حرية وبشكل بائس بانتظار الذبح والاستهلاك!" "هذا جواب منطقي ولا يرتبط بسرد روائي تاريخي" قال في نفسه وأعجبه هذا "التمرين" فطبع كلمة حبر وانتظر برهة، وظهرت عبارتان: الأولى "الحبر في القلم" وهي منطقية، أما العبارة الثانية فبدت غريبة: "الحبر في الصرصور" ولم يفهم مغزاها إلا بعد أيام عند رصد صرصاراً صغيراً يسقط من أحد ملفاته، ودعسه فوراً بقدمه وتبين أن السائل المنبعث من الصرصار كان حبراً أزرق أو أشبه بالحبر! وفهم عندئذٍ لأول مرة لماذا ستبقى الصراصير والفئران بعد حرب نووية ما حقة؟؟

وعاد لأفكاره الفضائية بعد هذه الاستراحة "اللغوية"، ثم تردد في كتابه الفقرة الأكثر أهمية في دراسته والتي هي في نظرة مفتاح لغة الاتصال ما بين المجرات، ولكنه استدرك وخشي من سرقة فكرته متذكراً تحذير البرفسور نادر .. وفجأة سمع نقراً خفيفاً على الزجاج، فتمالك شجاعته وفتح الستارة وانعكس ضوء القمر على شبح شخص هارب، وبدا له من الخلف يشبه الشخص الغريب الذي لاحقه في المساء وهو نفسه الذي شاهده في القهوة، وتأكد له الشخص من منظر شعره المسترسل الطويل.

وذهب للنوم، وفكر في الموضوع الذي يستأثر على تفكيره: المطلوب دمج الذكاء البشري مع ذكاء الحاسوب .. وحتى إذا ما أصبحنا قادرين على استلام أو إرسال رسائل كونية لحضارات تبعد مئات أو الآلاف الكيلومترات من السنوات الضوئية، فيجب أن لا نتوقع انسجام أفكارهم مع أفكارنا .. يجب أن نجد أولاً لغة مشتركة! حلم بالشخص الغريب يتوعده طالباً منه أن يتوقف عن أبحاثه، وإلا فسيتعرض للخطف .. استيقظ مرة أخرى بعد الثالثة صباحاً على صوت نقر خفيف على زجاج نافذته، وبدأ يشعر بجدية الأمر، ولكنه عنيد ولن يتخلى عن أبحاثه، "ليفعلوا ما يريدون"!

-5-

على بعد الآلاف الكيلومترات وفي إحدى ضواحي مدينة ريودي حانيرو، كان البرفسور نادر يطبع نظريته المستجدة حول الاتصال مع الحضارات الكونية:

ربما كنا نستطيع بواسطة الراديو أن نتعقب مسافات تصل لعشرة بلايين سنة ضوئية. ما سأطرحه في دراستي الجديدة أيها السادة قد يبدو خيالاً علمياً للوهلة الأولى، لذا أرجو أن تملكوا القدر الكافي من الصبر وأن لا تسخروا من فكرتي:

فعلى بعد حوالي 10 كلم من نهر الأمازون وفي منجم مهجور للذهب، دفنت خزان محكم يحتوي على أربعمئة ألف لتر من مادة "البيروكلور إثيلين" وهذه المادة كفيلة بتعقب جزئي "النيترينو" القادم من الفضاء، ولهذا الجزيء الحيادي قدرة الانتقال بنفس سرعة الضوء، وهو كما تعلمون بدون شحنة وبدون كتلة أيضاً بل وسريع التملص وقادر على اختراق أربعة سنوات ضوئية من الرصاص قبل إيقافه!! غرضنا أيها السادة الإمساك بجزء بسيط جداً من كم هائل منبعث … ستقولون أيها العلماء الأفاضل: ما الجدية في نظريتك أيها المهووس؟ فكلنا يعلم أن جزيء "النيترينو" صديقك ينطلق أيضاً من المركز الشمسي المستعر ويصل للأرض بسرعة الضوء خلال 8 دقائق فقط وهو وحدة الاتصال الوحيدة مع النواة الشمسية المستعرة!! ستقولون أيضاً أننا نحتاج لكتلة توازي عشر مرات كتلة الأرض لكي نرصد كمية كافية من أشعة "النيترينو" الموجودة بنسبة ضئيلة جداً لا تزيد عن 25 بالعشرة الآلاف!!

لقد قمت بإجراء الحسابات اللازمة ووجدت أنه إذا أردنا رفع طاقة الرصد وزيادة الاحتمالية فيجب أن نبني خزان بحجم 10 كيلومترات مكعبة لكي نتمكن من رصد نيترينو واحد يومياً .. وأخيراً فإني أقترح تجربة فذة تحتاج لتمويل دولي: بناء خزان من الفولاذ الخاص سعته 100 كيلو متر مكعب في مكان ما وأن نتعقب كفاءة رصده للتيترينو من خلال الجهة المقابلة من كوكب الأرض .. بمعنى أن نترك النيترينو تخترق كتلة الأرض باتجاه الخزان! … أصابه الدوار، فهذا الكلام يصيب حقاً بالدوار … بلغة أخرى فإنه يمكن القول أنه بهدف رصد النيترينو القادم من الفضاء للأرض يجب أن نقوم ببناء غرفة وزنها ألف طن من الفولاذ … أو غرفة فقاعات خاصة …

وفجأة سمع وقع اصطدام على سطح فيلته الأنيقة، فصعد من فوره إلى السطح، وشاهد حجراً غريباً لا يزيد وزنه عن نصف كيلو غرام وربما أقل من ذلك، كان مزيجاً من الألوان الليلكية والزرقاء المشوبة بالبياض مع لون بني متداخل مرصع بتشكيلات بلورية ذات بياض شائب … لاحظ أن هناك مصدر إشعاع باهتٍ يصدر من بين ثنايا الحجر الغامض .. يتوهج حيناً ويخفت حيناً .. ربما حجر من بقايا نيزك احترق عند اصطدامه بالمدار الأرضي .. شعر بالخوف والرهبة، وذهب للمنزل باعثاً عن قفازات رصاصية عازلة .. وقلبه يدق بشدة، وصعد للسطح بعد أقل من عشر دقائق واندهش عندما لاحظ أن الحجر الملون المشع قد عاد حجراً عادياً يفتقد للتشكيل الجمالي!! ماذا حدث؟ هل كان يحلم أم يتوهم؟ .. وماذا حدث للحجر الرائع الذي شاهده من قبل؟ على كل فقد حمل الحجر بحذر ووضعه في مختبره داخل "كمرة" زجاجية عازلة.

ما أروع أن يتناول الآن قدحاً من الشاي الساخن مع قليل من الكعك، ثم ذهب في نوم عميق، وحلم بالأشعة الملونة الصادرة عن الحجر النيزكي. وهي مسلطة مباشرة على عينيه، وكأنها تحثه على التخلي عن برنامجه البحثي، محذرة إياه من مغبة ما سيحدث له!!

-6-

عندما أقلعت الطائرة من مطار الدار البيضاء باتجاه نيويورك، لاحظ باسل ملامح الرجل الغريب عن بعد، وتأكد أنه ركب الطائرة معه، ولكنه فقد بعد ذلك أثره .. وحاول مرتين أن يبحث عنه، فذهب للحمام الأمامي ثم للحمام الخلفي، وكان يرمق الركاب بنظرات خفية محاولاً أن يتأكد وجود هذا الرجل على متن الطائرة، ولكنه لم يوفق في إيجاده!

لم يحاول كعادته أن يراجع "ورقة عمله" واكتفى بالاسترخاء وتناول قدحاً من الماء البارد، ثم بدأ يفكر: ما قصة هذا الرجل؟ هل هو شخص حقيقي أم مزيف؟ وما معنى التحذير الذي أبلغني به الدكتور نادر؟ وكيف علم أن شخص ما يسعى لسرقة بحثي؟ واستيقظ من "أفكاره" على صوت المضيفة الجميلة التي رمقته بنظرات معبرة قائلة: الكابتن سليم ينقل تحياته لك سيدي، وهو يريد أن يتأكد إن كنا نستطيع تلبية كل طلباتك .. فهل تريد شيء سيدي؟ وسره هذا التقدير غير المتوقع واحتار في الإجابة واكتفى بالقول: أنا شاكر لكم وممتن لخدمتكم المتميزة، ولكن لي طلب بسيط: هل لك أن تساعديني في البحث عن رجل طويل الشعر أشقر، صاحب عينين سوداويين، طويل القامة، يرتدي جاكيتة سماوية اللون وحذاء رياضي؟! أنا مهتم جداً يا جميلتي بمعرفة فيما إذا كان مثل هذا الشخص موجود في الطائرة .. وأرجو سيدتي أن لا تلفتي انتباهه، فقط أريد معرفة مكان وجوده والتأكد من كونه موجوداً!

فنظرت إليه المضيفة الجميلة باستغراب حيث لم تكن تتوقع طلباً كهذا … وغابت لتصف ساعة وعادت لتبره بصوت أقرب للهمس: سيدي لم أجد شخصاً كهذا وأخشى أن لا يكون موجوداً في الطائرة.

حطت الطائرة في مطار كندي في نيويورك وكأنها تحط على أرض إسفنجية، فلقد كان الهبوط سلساً، وكان بانتظار البرفسور باسل شخص من الهيئة التحضيرية للمؤتمر وركب التاكسي باتجاه الأوتيل … وصل لردهات أوتيل ضخم فخم، وكم سره ملاقاته للبرفسور نادر الذي حياه بحرارة، وبعد أن تبادلا المجاملات، أخبره نادر: سنلتقي في حفل الاستقبال مساء اليوم، فعندي قصة مثيرة لك، فأجاب نادر: وأنا عندي قصة مثيرة مماثلة .. هكذا سنتبادل الإثارة! وفي المصعد لاحظ باسل أن رقم غرفة نادر هو 777 ولاحظ الأخير أن رقم غرفة صديقه هو 888 يا للصدفة الغريبة .. وعبر نادر عن ذلك: يبدو أن مؤتمرنا سيكون مثيراً .. هكذا تبدو الأمور من بداياتها! ويتساءل باسل في نفسه: أرجو أن لا يكون رقم غرفة صديقي "الأشقر" 999!!

 

-7-

كانت القاعة تعج بالصحفيين ومندوبي وكالات الأنباء ومراسلي المجلات العلمية، وكانت تتميز بالفخامة والعظمة. حضر الافتتاح نخبة من العلماء المرموقين المتميزين في مجال التخاطب عبر الفضاء وباحثين في مجال الاتصال ما بين المجرات وخبراء الناسا.

وعندما جاء دور البرفسور باسل ركز في خطابه على طرح فكرته الجديدة فقال:

الاقتراح البناء سيداتي وسادتي يكمن في إرسال رسالة قصيرة كل خمس دقائق بدلاً من إرسال رسالة ما مقتضبةً والانتظار لمئتي عام حتى نحصل على رد "مقتضب" آخر! ومن منا سيكون موجوداً بعد مئتي عام؟ .. ما أريد قوله أيها السادة الكرام هو أننا سنقوم ببناء مفردات التخاطب المشتركة حتى تبدو كلغة فضائية مفهومة يستطيع الطرف المستقبل فهمها، ويبدأ بالتجاوب. وحتى أكون أكثر وضوحاً فسألخص الموضوع حتى يفهمه السادة مندوبي المجلات العلمية والصحفيين:

- الدرب رقم 1 يوضح سمات الرسالة الأساسية وكيفية التزويد بالمعلومات.

- الدرب رقم 2 سيزود المتلقي بأسس المعرفة المطلوبة، بحيث يتم تأسيس أنسكلوبيديا كونية (دائرة معارف).

باختصار سنكون قادرين على تأسيس موسوعة كونية كل مئة عام بدلاً من انتظار رسالة واحدة يتيمة، سيداتي سادتي .. إن طريقة تفكيرنا القديمة بائسة وكوميدية في آن واحد فهي تشبه شخصاً يطرق باب منزل ما وهو لا يعرف قاطنيه ولا يعرف إن كانوا موجودين أم لا، متوقعاً الإجابة بعد مئتي عام!! هل يمكن تخيل هذا السيناريو العقيم؟

الشيء الجديد في أطروحتي أيها السادة يتعلق بطبيعة هذه الموسوعة الكونية، فهي مشكلة من برامج حاسوبية تحتوي على كميات هائلة من المعلومات، وقادرة على تزويد المتلقي بوسائل منهجية للوصول للبينات اللازمة، فهي تشرح كيفية صناعة وتجميع الحاسوب وكيفية برمجته وكيفية تلقي وتحليل المعلومات. إن ذلك أشبه بالشخص الذي يمتنع عن إقراضك النقود ويزودك بدلاً من ذلك بشبكة صيد لكي تصيد السمك وتعيل نفسك!!

والآن يجب أن لا نفاجئ إذا ما اكتشفنا أن استلام رسائل كونية عبر مئات أو الآلاف الكيلومترات من السنوات الضوئية لا يمكن أن يكون عادياً، بمعنى أن لا نستغرب إذا ما اكتشفنا أن أفكارهم بعيدة جداً عن أفكارنا وطريقة تفكيرنا .. سأكون متفائلاً وأقول نحن ما زلنا في الخمسين سنة الأولى من تطور الحاسوب وقد وصلنا لمستوى مذهلة من المعرفة الحاسوبية وما زال المجال مفتوحاً لتطورات مذهلة في هذا المجال، كذلك يجب أن لا نتوقع أن نحل مشاكلنا الأرضية المستعصية بواسطة نصائح الكائنات الفضائية، فلو نصحونا أن نعيش ضمن مجموعات مكونة من 12 شخصاً وثلاثة أجناس فكيف نطبق هذا والجنس البشري مبرمج للعيش ضمن مجموعات مكونة من ذكر وأنثى وفي تجمعات سكانية مدروسة؟

إن أكثر ما سوف نستفيده من حضارات كونية متطورة هو الاقتراحات العلمية المتطورة مثل المشاريع الفيزيائية التي تصف مصادر جديدة للطاقة. أيها السادة .. لقد ادعى البعض أن رسائل كونية سابقة قد وصلتنا عبر تاريخ الحضارة الطويل، والبعض يشكك في كتابات نيوتن وأهرامات مصر! وبالتأكيد سيظهر أنبياء مزيفين من الجنس البشري فور استلامنا لأول هذه الرسائل الكونية وسيطالب بعضهم بتطبيق الأفكار الكونية مدعياً أنه مبعوث العناية الإلهية!

وما أن انتهى البرفسور باسل من إلقاء كلمته حتى ضجت القاعة بالتصفيق ووقف الحضور .. وشعر بروعة النجاح كما لم يشعر بها من قبل، وشكر الله في سره، وهيئ له وكأنه شاهد الرجل الغامض ذي الشعر الأشقر الطويل بين الحضور، ثم عاد فركز نظره على المكان الذي شاهده فيه فلم يجده وبدا وكأنه اختفى فجأة! وبدأ يعتقد أنه يتوهم وجود كائن كهذا .. وما أن عاد لمقعده حتى فوجئ بالبرفسور نادر يصافحه بحرارة .. لقد أبدعت .. ألم أقل لك أن طرحك سيكون جديداً وخارقاً .. هنيئاً لك جهودك .. لقد أثمر عملك المضني طوال سنوات .. رائع.

وقبل أن تبدأ محاضرة البرفسور نادر، علق البرفسور فولفغانغ من جامعة فرايبرغ قائلاً:

لأول مرة نسمع نظرية متكاملة حول لغة التخاطب الفضائي، لقد أخرجنا الدكتور باسل من الوهم الذي كنا نقبع فيه، وهم انتظار رسالة فضائية تقول: نحن سكان الكوكب 999× نود الاتصال بكم! لقد قضى بجهده وبمقربته على وهم سذاجتنا …

وشعر باسل بالفخر من إطراء أستاذ فلك متميز كالبرفسور فولفغانغ ولكن ذلك لم يمنعه من تبادل ابتسامة خفية مع نادر لا يستطيع شخص ثالث أن يفهم مغزاها وتتعلق بالرقم 999!

-8-

وعندما جاء دور الدكتور نادر قال:

بالحق يبدو عملي وكأنه استكمال لعمل زميلي البرفسور باسل، فهو يتحدث

(أي باسل) عن اللغة، وأنا أتحدث عن وسيلة إيصال اللغة الكونية، بمعنى هو يتحدث عن القواعد والمفردات وآلية الفهم المشترك وأنا أتحدث عن ذبذبات الصوت وقدرة النطق السليم عند طرف وإمكانية السماع والاستيعاب عن الطرف الثاني!

واستطرد قائلاً: المطلوب سيداتي وسادتي بناء مشروع ضخم يتكون من خزان فولاذي هائل سعته مئة كيلومتر مكعب، وذلك لاستقبال دفقات جزيئات النيترينو حيث تتحرك هذه الجزيئات البالغة الضآلة بسرعة الضوء، أي أنها تصل الأرض خلال 8 ثواني فقط، ونحن أيها السادة الكرام لا نتأثر إطلاقاً بأشعة جزيئات النيترينو بل تخترقنا بكل بساطة ..

وحتى لا تشعروا بالممل والضجر فإني سألخص أهم ما في محاضرتي كما يلي: هناك احتمال أن تختار حضارة كونية ما النيترينو كوسيلة للاتصال بكوكبنا، لذا يجب الاستمرار بتجميع البيانات بشكل منتظم ومنهجي للحصول على كم كافي يسمح بالايحاء بوجود إشارة ذكية قادمة من الفضاء الخارجي … وبالرغم من التكاليف الباهظة المترتبة على مشروع توليد ورصد هذه الإشعاعات وبالرغم من عدم حساسية هذه الطريقة، إلا أنها الطريقة السريعة الوحيدة .. وأنهى كلمته بأسلوب درامي مهيب يطابق أسلوب عالم الفضاء الشهير "كارل ساغان" فقال:

"إننا على أعتاب فجر جديد … إننا في بداية زمن النيترينو!" وما أن أنهى كلمته حتى ضجت القاعة ثانية بالتصفيق الحار، وسأل البرفسور فولفغانع مستفسراً: وماذا عن موجات الراديو دكتور نادر؟

فأجاب بسرعة بديهية ملحوظة:

النيترينو أولاً حتى نحدد مراكز الحضارات الكونية ونتلقى الرسائل الأولى ومن ثم الراديو وتطبيقات لغة البرفسور باسل، بمعنى آخر النيترينو يمثل جرس الباب ولغة الراديو هي الإنتركم أو "الهاتف الداخلي"!

وهز فولفغانغ رأسه موافقاً.

انتهى المؤتمر، وصدرت توصيات نهائية تؤكد على أهمية التعاون الدولي وتخصيص الموارد المالية وتكثيف الجهود العالمية لدعم أبحاث الأساتذة باسل ونادر وفولفغانغ، حيث قام الأخير بطرح نظرية جديدة متكاملة تتعلق بسيكلوجية المخلوقات الفضائية والآلية المتوقعة للتعامل معها. كذلك فقد تم تسليم جوائز تقديرية رفيعة للعلماء الثلاثة، وتبادلوا الإنخاب ورفض العالمان باسل ونادر تناول الشمبانيا (الخمر الفوارة) بل تناولوا ماء غازياً بطعم فاكهة الفراولة بدلاً منها.

وقبيل انتهاء حفل الاستقبال، انضمت عالمة حسناء للعلماء الثلاثة، وبرق جمال فاتن من خلال عينين بنيتين واسعتين وقالت بثقة كبيرة:

- عندي سؤال لكم الثلاثة، ماذا عن الأطباق الطائرة التي نسمع عنها يومياً؟ وهل ينسجم وجودها مع الأطروحات التي سمعناها؟ وهل يعني وجودها إن كان

حقيقياً أن حضارة فضائية ما قد نجحت في اختراق قوانين الفيزياء الفلكية كما نعرفها …. أم أنها ملائكة ضوئية ذات طبيعة روحانية أم هي حالة تخاطريه للعقل البشري الجمعي؟ أم ماذا؟ كان سؤالها مدهشاً وعميقاً ويحمل في طياته إجابة خفية، حتى أن الثلاثة عجزوا عن إيجاد إجابة دقيقة فاكتفى البرفسور فولفغانغ وهو أكثرهم تخصصاً بالموضوع وقال:

سأعطيك عنواني، أرجو أن تتصلي بي على الإنترنت، وسأزودك بمعلومات قيمة، كما أنني مهتم جداً بوجهة نظرك، وبالتأكيد فستحضرين مؤتمر الأطباق الطائرة المنوي عقده في كندا في الصيف القادم .. بالتأكيد سأشاهدك هناك …

وفهمت العالمة أن البرفسور يتملص من الإجابة، فأرسلت على الفور إيماءة إيجابية وابتسمت بعذوبة فائقة، حتى أن نادر قال في نفسه: لم أرى سابقاً عالمة تتمتع بمثل هذا الجمال الفتان! هل هي حقاً عالمة؟!

-9-

أصر الدكتور نادر على مرافقة الدكتور باسل له في رحلة العودة لريودي جانيرو، وهيئ لباسل للمرة الثالثة أنه شاهد مجدداً الرجل الغامض على متن الطائرة .. وبدأ يعتقد أن الموضوع جدي وأن الرجل يتبعهما، وما أن وصلا بسيارة الشبح إلى فيلا البرفسور نادر، حتى لاحظ باسل أن هناك رجلاً أشقر الشعر طويل يركض حاملاً شيئاً ما، وأخبر نادر بذلك:

- إنه نفس الشخص يتبعنا، لقد استقل الطائرة من الدار البيضاء، وشاهدته في المؤتمر، وها هو في ريودي جانيرو يسرق شيئاً من فيلتك الأنيقة! يبدو الموضوع جدياً للغاية! ولكن نادر تجاهل ملاحظات صديقه، قائلاً:

- إنه تعب السفر والتفكير .. سأعد لك وجبة شهية وشراباً منعشاً .. ثم سنتمشى .. وسترى كم هي جميلة ريودي جانيرو .. وما أن وصلا إلى الفيلا الأنيقة وتناولا الشاي الأخضر، حتى لاحظ البرفسور نادر سرقة الحجر النيزكي الذي تحدث عنه للبرفسور باسل وصرخ قائلاً: يبدو أنك كنت محقاً .. لقد سُرق الحجر!

أجاب باسل: هذه ليست تهيؤات وأوهام كما كنا نعتقد، أعتقد أن الرجل والحجر قد قدما من مكان ما خارج كوكبنا وما ظهورهم واختفاءهم المفاجئ وبهذا الشكل إلا رسالة ذكية، عسى أن نستطيع فهمها وفك ألغازها!

وبالفعل عندما دخل نادر على بريده الإلكتروني، ظهرت رسالة غريبة من كوكب غامض يسمى "تاوسيتي" وعندما فعلها ظهرت الرسالة التالية:

"نحن سكان كوكب تاوسيتي، تابعين لنجم الدجاجة، يغطينا ضباب كثيف، ونعاني من بداية تحول شمسنا "الدجاجة" لقزم أبيض، وهذا مؤشر على وجود ثقب أسود قادر على ابتلاعنا وسحقنا نحن وحضارتنا، نحن نعاني من أشكالنا الحشرية المظهر وثقلنا فنحن نزن أطناناً، ربما بفعل تأثير الثقب الأسود، وبالرغم من شكلنا البائس إلا أننا نتمتع بذكاء باهر، وقد أرسلنا قمر اتصال اقترب من مجرتكم "درب التبانة" وأرسل أشعة النيترينو حتى تصلكم إشارة الاستغاثة وتقوموا بالتقاطها دون جدوى! فقد اختلطت هذه الأشعة مع الأشعة القادمة من شمسكم ولم تستطيعوا تمييزها!! أنقذونا .. نستحلفكم بالله العظيم الذي هو الإله الأوحد لكافة المخلوقات .. لقد نجح قمر اتصالنا في قذف حجر مشع من كوكبنا باتجاه أرضكم حتى تنتبهوا لنا، قد نفيدكم في مجال استخلاق أنواع جديدة من الطاقة لا معرفة لكم بها! فقد استطعنا استنباط طرق كثيرة للاستفادة من الطاقة الكونية، كل ما نريده أن لا تختفي حضارتنا التي قضينا الآلاف السنين في بناءها وعبر أجيال لا تحصى من جنسنا … لقد أرسلنا عشرة أشخاص على متن قمر الاتصال القريب من مجرتكم والمطلوب منكم إنقاذهم .. قبل أن يتعرض القمر للاصطدام بأحد المذنبات .. نعرف بوجود حضارة منافسة لكم، أناسها يشبهون أناسكم بشكل كبير، وليس من مصلحة هذه الحضارة الشيطانية اتصالكم بنا، حتى لا تلموا بمصادر الطاقة الجديدة .. "وانقطعت الرسالة بشكل مفاجئ بعد أن تركت العالمين في حالة اندهاش وذهول .. ثم ظهرت مجموعة حروف على الشكل التالي: "ها ها ها هههههها ها ها

ها ها!!" وكأن شخص ما يسخر واستمرت الحروف متتابعة: ها ها ها ها ها ها … ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها ها … ها ها ها ها ها ها ها .. وظهر توقيع غريب باسم: طائفة البقرة النافقة!

وتبع ذلك تعليق لا ينسجم مع فحوى رسالة الاستغاثة، وكان على النحو التالي:

"……… من الصعب تصور أن حفنة من أفراد يقيمون في كوكب صغير يدور حول نجم تافه في مجرة صغيرة يتخذون لأنفسهم هدفاً هو الفهم الكامل للكون بأسره، بل ويسعون لإنقاذ حضارات هالكة … ها ها!"

وقف نادر وباسل وقد سيطر عليهما الخوف لأول مرة ناهيك عن الدهشة والاستغراب، وبدأت الأسئلة تغزو عقلي الباحثين:

من هو الرجل الأشقر الهارب؟

ما سر الحجر المشع؟

هل هذه رسالة حقيقية من أشخاص هالكين في كوكب تاوسيتي؟

أم أنها مزحة ثقيلة من متسليلي كمبيوتر يحملون اسم "طائفة البقرة النافقة"؟ هل قامت هذه الطائفة بوضع فيروس سيقوم بالعبث في كافة برامج البرفسور نادر على طريقة هجوم "حصان طروادة"؟

كل هذه الأسئلة بدت للوهلة الأولى بدون إجابة، ووضعت العالمين في حالة مزعجة من القلق والحيرة .. وقبل أن يلفهما اليأس بظلامه وتطغى الكآبة على تفكيرهما، لمعت في ذهن الدكتور باسل فكرة نيرة فقال:

- هل تعرف أن طاقة هائلة يمكن أن تستخلص من الثقب الأسود الدوار، وهؤلاء إن كانوا حقاً موجودين، يمكن أن يزودونا بالتقنية التي توصلوا إليها .. هكذا يمكن أن نحصل على شعاع خارق يطعنا في أفق كوني جديد ويطلق العنان لحضارتنا المحصورة لكي تنطلق في الفضاء الكوني الرحب وتسود … يجب يا عزيزي نادر أن نبذل قصارى جهدنا للاتصال بكوكب تاوسيتي.. يجب أن ننقذ رجالهم على قمرهم الضائع .. وإلا سبقنا إليه "الأشقر الشرير" ودمرهم .. استعداداً لتدمير حضارتنا البشرية!

فأجاب نادر:

- إذن، فأنت تعتقد أن الرسالة ما هي إلا دعوة استغاثة وطلب إنقاذ حقيقي وليست مجرد مكيدة سخيفة "لطائفة البقرة النافقة"!

فأجاب باسل بذكاء حار:

- أعتقد أن هناك تداخلاً وتشويشاً! فالرسالة حقيقية وربما تداخلت مع رسالة "الطائفة" في تتابع عشوائي!

وحتى تزيد حيرة العالمين، فقد ظهرت على الشاشة مربعات حمراء، واختفت تدريجياً، وظهرت مكانها صورة الرجل الأشقر وهو يحمل الحجر المشع، وبدت نظراته حافلة بالتحدي والسخرية، وظهر تعليق أسفل الصورة يقول:

لنرى من الأذكى؟ .. نحن أم أنتم .. لنرى من الأكثر قدرة على سبر أسرار الكون؟ .. عقلنا أم عقلكم! .. هل تعتقدون أيها السذج أننا سنسمح لكم بإنقاذ ما تبقى من كائنات كوكب تاوسيتي؟ هل تتوقعون أن نعطيكم الفرصة لتطوير "طاقة هائلة" لتسمح لكم بالخروج من كوبكم والتنقل بحرية في المجرات؟

لا .. اذهبوا إلى الجحيم وابقوا في صراعاتكم التافهة ودمروا بعضكم بعضاً .. هل تتوقعون أن تسيطروا على الكون وأنتم تحتقرون بعضكم بعضاً بهذا الشكل الكريه الذي نراه على شاشة محطتكم الفضائية التي تسمى "سي إن إن".

نصيحتنا إليكم .. قبل أن تنطلقوا خارجاً وتهيمنوا أن تحاولوا أولاً حل النزاعات فيما بينكم بالطرق السلمية وأن تستخدموا العقل والمنطق.

مرة أخرى اذهبوا إلى الجحيم وابقوا هناك!!

ثم ظهرت مربعات سوداء، وظهر ظلام حالك امتد من الشاشة ليشمل الغرفة، وكأنه ثقب أسود امتص الضوء، وانتقل الظلام تدريجياً لعقلي العالمين الفذين، فتوقفا عن التفكير، وقد تملكتهما حيرة شديدة!!

*المهندس مهند النابلسي

يحمل شهادة دبلوم دراسات عليا في الهندسة الكيماوية ( ماجستير حسب النظام الألماني ) من جامعة فرايبرغ التقنية  ( ألمانيا ) ، يعمل حالياً كباحث ومستشار ومدرب جــــودة ( مستقل )، يحمــل شهادة " مدير جوده معتمد " من جامعة مانيتوبا الكندية ( منذ العام 2002 ) ، ألف كتاباً حول التطبيقات العملية " للجودة الشاملة " في العام 2002 ، وبالإضافة لكتابه الفائــز هذا ( أسرار الحيود السداسي ) فهو يعمل حالياً على إصدار كتاب جديد يتطرق لآليـــات الخصخصة والدمج وإدارة التغيير في الشركات الكبرى ، يحمل خبرة تزيد عن 25 عامــاً في صناعة الإسمنت في مجالات الإنتاج والتدريب وضبط الجودة وإدارة التغيير ، نشــرت له في العام 2003 ثلاث مقالات تطرقت بالتفصيل لتجربته كقائد لإدارة التغيير في مشـروع " آفاق 2001 " ، الذي أدى لإحداث تغييرات جذرية في إدارة وهيكلة الإسمنت الأردنيــة وساعد على دمجها مع شركة لافارج العالمية ، وقد نشرت هذه المقالات في فورم جمعيــة الجودة الأمريكية واقتبست لاحقاً لتنشر في فورم " إدارة المشاريع " العالمي .

في نهاية عام 2004 أصبح يحمل شهادة " الحزام الأخضر " ( في الحيود السداسي ) بعد أن إجتاز متطلبات النجاح في جامعة فيلانوفا ( الأمريكية ) ، وحصل على شهادة جديدة فــي " الحيود السداسي الرشيق (ٍٍSS Lean –ٍ  ) مع نهاية عام 2005 ، وشارك في برنامــج دراسي ( إلكتروني ) بعنوان " التصنيع الرشيق المستند للتحسين المستمر "( KBLM). يسعى حالياً للحصول على شهادة الحزام الأسود مع نهاية العام الحالي ( 2006 ) . عضــو في نقابة المهندسين الأردنيين منذ العام 1974 ( الرقم الهندسي 128 ) ، عضو مؤسس فــي الجمعية الأردنية للجودة ( 1995 ) ( وعضو سابق في مجــلس الإدارة للفترة من 2001-2004 ) كذلك فهو عضو في كل من رابطة الكتاب الأردنيين ( منذ العام 1999 ) ، ومركز المستشارين الإداريين ( منذ العام 2003 ) ، وأصبح في العام 2005 عضواً في الإتحــادالعربي لكتاب الإنترنت . أنجز كتابة مجموعتين قصصيتين ( كمخطوطات ) في أدب الخيـال العلمي ، وشارك بشكل متقطع بكتابة مجموعة من المقالات الصحفية ،إنضم كعضو في هيئة مقيمي جائزة الملك عبد الثاني للتميز ( وذلك لدورة عام 2002 ) ،  شارك (وخلال ثلاث سنوات 2002-2005 ) كخبير ومستشار ومدرب رئيسي في إنجاز وتفعيل مشروع" الحركة الأوروبية المتوسطية للجودة والإدارة "( الموجه خصيصاً للشركات الصغيرة ) ، كما أنه يعمل حالياً كمستشار جودة لإحــدى المؤسسات الخدمية الكبرى

أضيفت في 22/12/2006/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب

 

 

النخلة

بقلم الكاتب: منير عتيبة

 

أراقبها من تحت الغطاء.. تتسلل من جانبى.. تفتح شباك الحجرة فيسقط على صدرها ضياء البدر.. تغلق الشباك بحرص.. تخلع جلابيتها السوداء.. تدعك عينيها برفق فتنفتحان.. عينان زرقاوان صافيتان.. ترتدى قميص نوم سماوى نصف كم.. تخلع طرحتها السوداء.. فينسدل فوق كتفيها شعرها الأسود طويلا ناعما.. تتحرك خارجة من الغرفة على أطراف أصابعها.. تغلق الباب خلفها.. أقوم بسرعة.. أوارب الشباك.. أتلصص عليها دون أن تلحظنى..

تقف أمام النخلتين المتعانقتين اللتين زرعهما جدى يوم زفافه.. يلقى القمر ظلها مع النخلتين على الأرض.. يتماهى ظلها فى ظل النخلة اليمنى.. أراقب شفتيها تتحركان بكلام مبتسم لا أسمعه.. ويديها تتحسسان النخلة اليسرى.. أرى الظلال تتراقص حتى تصبح ظلا واحدا.. تمر سحابة أمام القمر.. تميل على النخلة اليسرى.. تقبلها قبلة خاطفة وتجرى مسرعة إلى الحجرة.. أكون أنا مختبئ تحت الغطاء.. ترتدى جلابيتها السوداء.. تلبس الطرحة السوداء فتبين من تحتها شعرات قصيرة مقصفة بيضاء.. تنغلق عيناها فتمد يديها إلى الأمام حتى تصل إلى السرير.. تفرد جسدها عليه.. تتنهد ببسمة رضا.. تأخذنى فى حضنها وتنام.. أشم أنفاسها الفردوسية التى أحسها فى الشهر مرة.. عند اكتمال القمر..

كنت أحب مراقبة جدتى وهى تسير فى الدار الكبيرة على هدى ذاكرتها.. مشاريع كثيرة لتطوير الدار وتغيير نظام حجراتها توقفت حتى لا تؤدى لتشوش الصورة المطبوعة فى ذهن جدتى.. كانت تمارس حياتها فى الدار كأنها ترى كل شئ.. تطبخ وتغسل وتكنس مع أمى وزوجات أعمامى وأخوالى.. وعندما يطالبها أحد بأن ترتاح تبتسم وتواصل العمل.. متعتها ومتعتى كانت عندما تجلسنى على حجرها وتحكى لى عن جدى.. عن كائن أسطورى هو القوة كلها، والحنان كله، والرجولة التى بلا حدود.. تحدثنى عن النخلتين المتعانقتين وتقول:

-زرعهما جدك فى ليلة زفافنا، وساعدته.. ضحكت العائلة منا.. لكن جدك ابتسم لى وقال.. هما أنا وأنت..

سألتها عما أراه عندما يكتمل القمر.. تغيرت ملامحها.. مزيج من الغضب والخجل والحسرة والحنين.. أخذت منى وعدا بألا أبوح لأحد بما ستخبرنى به.. وكنت أعرف أننى سأفى بوعدى.. فقد اتفقنا أن تموت إذا أفشيت سرها.. وأنا لا أريدها أن تموت..

-عندما مات جدك خرجت القرية كلها خلف نعشه.. الرجال يبكون كالنساء.. والنساء يلطمن كالمجانين.. والأطفال يصرخون.. أنا الوحيدة التى لم أخرج.. جلست على الأريكة بجوار شباك الحجرة.. تابعتهم وهم يبتعدون عن ناظرى.. ورأيت جدك يفى بوعده لى.. خرج من النعش.. طار فى الهواء بغير جناحين.. أشار لى بيديه مبتسما.. ثم دخل فى النخلة اليسرى.. كانت ليلة البدر ليلة زفافنا.. وليلة رحيله عن الدنيا..

أصمت.. لا أجد ما أقوله.. ولا أرغب فى قول شئ.. تواصل حديثها..

-عندما أرحل عليك أن تجلس فى نفس المكان على نفس الأريكة.. لأننى سأسكن نخلتى بجوار جدك..

كرهت النخلة اليمنى.. وتمنيت الخلاص منها.. أخذت فأسا صغيرة وحاولت قطعها.. علمت جدتى فأسرعت إلىَّ.. أخذت منى الفأس وأنا أبكى.. قرأت آيات من القرآن الكريم وهى تملس بيدها على شعرى وصدرى..

-إذا كنت تحبنى فعليك أن تحب نخلتى

-ستأخذك هذه النخلة.. لن أدعها تأخذك

-إذا قطعت النخلة فأين أستقر بعد رحيلى.. سأظل تائهة.. ولن يكون لى مكان بجوار جدك..

ورحلت جدتى.. نفذت وصيتها.. ورأيتها وهى تلوح لى من مكان ما بالهواء.. ثم تستقر فى نخلتها.. رأيت نخلة جدى تميل على نخلة جدتى كأنها ترحب بها..

معجزة ما هى التى جعلت الجميع لا يلاحظون اختفاء النخلتين المتعانقتين بعد رحيل جدتى بأسبوع واحد.. أصبحا نخلة واحدة تلقى على الأرض ظلا واحدا عند اكتمال القمر.

أضيفت في 10/01/2007/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية