ولد في عام 1911 (المصابن) حلب
تلقى تعليمه في مدينة حلب حتى نهاية المرحلة الابتدائية ثم التحق بجامعة
القاهرة ونال
الليسانس في الآداب عام 1941 ثم الماجستير عام 1950
عمل في تدريس اللغة وتفتيشها في مدينة حلب
كما عمل مديراً للتربية في محافظة
درعا ودرّس في الجزائر (1965- 1967).
عضو جمعية القصة والرواية.
مؤلفاته:
1- ضمير الذئب- قصص- بيروت 1980.
2- في انتظار المصير- قصص- دمشق 1976.
3- المفتاح - رواية - حلب 1984.
4- رجع الصدى - قصص- دمشق 1985.
5- العماد الأصفهاني- دراسة- 1952.
توفي سنة 1991.
مظفر سلطان رائداً
للقصة القصيرة في سورية
سمر روحي الفيصل
ليست لي صلة شخصية بالأديب المربي علي مظفر سلطان،
ولم أر وجهه السمح في غير الرسم الذي تصدّر ترجمته في أحد كتب التراجم،
وزيّن مقابلة أجريت معه في صحيفة تشرين عام 1983. لكنني لبيت دعوة الأحبة
الذين تداعوا إلى تكريمه لأقرر بينكم حقيقة أعرفها منذ بدأت أتصل بالنثر
القصصي، هي أن مكانة هذا الأديب الرائد ليست أقل مكانة من زملائه رواد
القصة القصيرة في سورية.
فقد بدأ ينشر قصصه في أيلول من عام 1929 في مجلة
الحديث الحلبية. لكنه –خلافاً لمعاصريه علي خلقي ومحمد النجار- لم يفكر قبل
عام 1960 في نشر مجموعة تضم قصصه المبعثرة في المجلات، وتتيح للدارسين فرصة
الإطلاع عليها. ومن حسنات شاكر مصطفى أنه ذكّر الساحة الأدبية عام 1958
بهذا القاص الرائد. ومن سيئاتنا أننا لم نتابع ما قدمه في كتابه "محاضرات
عن القصة في سورية" من آراء سديدة في القصص القليلة التي عثر عليها في مجلة
الطليعة وصحيفة الأيام الدمشقيتين. ويخيّل إليَّ أن مظفر نفسه مسؤول عن
توجيه شاكر مصطفى بعيداً عن البدايات الأولى. فقد كتب إليه يقول إنني "بدأت
أكتب القصة عام 1935 فيما أذكر. وأول قصة كتبتها ونشرتها في مجلة الحديث
الحلبية بعنوان: في الكوخ المتهدم على الشاطئ البعيد". وهذا النص الصريح
دفع الدارس إلى أن يبدأ حديثه عن قصص مظفر بقوله: "ظهر الاسم أول ما ظهر
سنة 1935".. أما الحقيقة فتشير إلى أن القصة المذكورة منشورة في العدد
التاسع من السنة الثالثة، في أيلول من عام 1929. وهي نص إنشائي، يصعب القول
إنه ينتسب إلى القصة القصيرة.
واللافت للنظر أن مظفر نشر في مجلة الحديث نفسها، في
عام 1930، بعد نحو من عام على صدور قصته الأولى، قصة أخرى عنوانها "إلى
الدير". وهذه القصة أكبر حجماً من القصة الأولى، وأكثر دقة وإحكاماً، لكن
المرء لا يستطيع نسبتها إليه.
فمضمونها يجري في باريس، وعلاقات الشخصيات فيها لا
تمت بصلة إلى العلاقات الاجتماعية العربية. وقبل ذلك كله، تبدو القصة مركزة
مكثفة ذات انطباع واحد. أي أن سويتها الفنية تشير إلى كاتب ذي قدرة ومران
وممارسة، في حين أشارت القصة الأولى إلى تلميذ مبتدئ مجتهد في الإنشاء، محب
للعوالم الرومنتية.
وأعتقد أن مظفراً ترجم هذه القصة ونشرها باسمه، أو
أن سامي الكيالي صاحب مجلة الحديث ورئيس تحريرها حذف كلمة "ترجمة" ونشر
القصة باسم مظفر. وربما كان السبب غير ما ذكرت، إلا أن الثابت عندي إقبال
مظفر في تلك الفترة على الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية. فقد
نشر في مجلة الحديث، في العام نفسه، عام 1930، ترجمة لقصيدة "المساء"
للامارتين، وكان آنذاك طالباً في تجهيز حلب.
ومهما يكن الأمر فإن دارس مظفر سلطان مطالب
بالانطلاق من هاتين القصتين، الموضوعة والمترجمة. فالأولى تشير إلى امرأة
صياد تنتظر زوجها وقد ابتلعه اليم بعد فراغه من الصيد، والثانية تشير إلى
علاقة الرجل بالمرأة مستفيدة من أحد جوانب حكاية أوديب، هو عشق الأم ابنها،
ومحاولتها مراودته عن نفسه واكتشافها الحقيقة، ثم لجوؤها إلى الدير تكفيراً
عن ذنوبها.
وزاوية الرؤية في هاتين القصتين استمرت عند مظفر بعد
ذلك. فراح يرصد الصور النسوية، وعلاقة الرجل بالمرأة، من جانبها القائم
المأساوي في الغالب الأعم. تلك حال الغسّالة في قصة "قطعة حلوى"، والرجل
وحبيبته في قصة "النغم الأبتر" وقصة "قتلتها فيه"، والزوجة في قصة "تريد
ولداً" التي غيّر عنوانها ونشرها في مجموعة "رجع الصدى" بعنوان "الثمرة
المحرمة". وتلك أيضاً حال المومس في قصة "رأس خروف".
وأنتم، أيها الزملاء، تعرفون أن القصة القصيرة تمثل
حساسية كاتبها، وأن هذه الحساسية من صنع عصره، تستجيب للظواهر الاجتماعية
السائدة فيه. وقد آثرت هنا تذكيركم بالقصص التي تمثل البدايات الأولى لمظفر
سلطان، وهدفي من ذلك الوصول إلى أنه لم يكن بعيداً عما يعتمل في المجتمع
السوري في الثلاثينات والأربعينات، وأن زاوية الرؤية التي أشرت إليها تمثل
حيرة الطبقة المتوسطة آنذاك وقد بدأت قيمها الجديدة تغالب قيمها القديمة.
وأقرر هنا أن مظفر سلطان لم يكن رائداً للقصة
القصيرة لأنه لجأ في وقت مبكر إلى فنٍّ لم تكن له جذور في الأدب العربي، أو
لأنه تمكَّن بحساسيته من الإمساك بمفصل رئيس في مجتمعه.
وإنما كان رائداً لسبب آخر هام، هو أنه ارتفع بالقصة
إلى سوية فنية تجعل قارئ القصة ينفعل بها و يستجيب لها سواء أكان ابن
الثلاثينات أم ابن الثمانينات. أي أنه استطاع توفير أسباب الحياة لقصصه.
وهذا وجه تميزه من الرائدين علي خلقي ومحمد النجار اللذين يتنازعان في
الدراسات النقدية زعامة البداية الأولى للقصة القصيرة في سورية. فقد عُدّا
رائدين لأنهما كانا سباقين إلى تصوير مشكلات المجتمع السوري بوساطة القصة
القصيرة، وجرى التسامح قليلاً في النضج الفني للقصة عندهما.
أما مظفر سلطان فيبدو أكثر ثقافة منهما، وأكثر
تنقيحاً لنصوصه، وأكثر دراية بفن القصة القصيرة. لم يكن يهتم بالحوادث
الأخلاقية وملفات القضاء والغرائب الاجتماعية والفضائح كما كانا يفعلان على
تفاوت بينهما في ذلك، وإنما كان يهتم بالعلاقات الإنسانية التي تستمد نسغ
حياتها من المجتمع القصصي الذي تتحرك فيه.
إنه لم ير الجانب البهيج من هذه العلاقات، وإنما
سلّط الضوء على الجانب المعتم فيها، وخص المرأة بقدر كبير منه. حتى إن
الهاجس الرئيس في قصصه كلها لا يكاد يتمرد على نظرة الرجل الشرقي إلى
المرأة: ما المرأة؟ كيف نحبها وتحبنا دون شك أو خيانة؟ ما طبيعتها زوجةً
وحبيبة وأماً؟. تلك أسئلة الرجل في المجتمع السوري، التقطها مظفر سلطان
بحساسيته، واختار أكثرها دلالة، وراح يصوغه في قصصه.
وفي هذه القصص لا يحتاج الدارس إلى التسامح، لأنه
يرى أمامه نصوصاً تنجح في الامتحان الفني للقصة القصيرة. فهي، أولاً، مخلصة
للزاوية التي تعرض حدثها منها، لا تكاد تتخلى عنها إلى غيرها. إذا عرضت
شخصية لم ترسمها من جوانبها كافة، وإنما أنارت منها ما له علاقة بالحدث
القصصي. وإذا طرحت حدثاً لم تنصرف عن تنميته قبل البلوغ به إلى الحل
المرتجى. وإذا صوّرت شيئاً عنيت بما يوضح جانباً من الحديث أو الشخصية.
واختصاراً، يقول المرء إن العناصر الفنية للقصة
القصيرة، كوحدة الموقف والتركيز والإيجاز ووحدة الانطباع، وافرة في قصص
مظفر سلطان. قد يخونه التدقيق في هذه القصة أو تلك، فيصوّر ولا ينمّي
حدثاً، أو يطيل فيفتقر إلى التركيز والإيجاز. وربما كان اختياره الحدث غير
موفّق، أو غير ذي دلالة اجتماعية. وقد يعتمد القدر والمصادفات أحياناً،
ويبالغ في تضخيم المواقف والانفعالات في أحايين أخرى، أو ينصرف عن الحل
ولحظة التنوير اكتفاء بالموقف. ولكنْ، مهما تكن العيوب في قصصه فإن اللافت
للنظر دوماً دقته في تصميمها، وعنايته بحبكتها، واهتمامه بالتعبير الخارجي
عن الأحاسيس والصراعات الداخلية، وتجويده في الأسلوب، وتنويعه في العرض.
حتى إن الدارس يلاحظ نفوره من اعتماد شكل واحد في القصة. فقد يجعلها
اعترافاً يقدمه البطل، أو مذكرات مروية بضمير المتكلم، أو سرداً مركزاً
بضمير الغائب. وقد لجأ في قصة "قتلتها فيه" على شكل القصة داخل القصة. وجنح
في قصة "في انتظار المصير" إلى تعدد الشخصيات والحوادث وتتابعها الدرامي
والزمني وكأنه يكتب رواية قصيرة. وأخيراً، إخلاصه للغة العربية الفصيحة
تصويراً وحواراً وسرداً. فهو مصوّر بارع، يرسم اللوحات بدقة، ويحسن مزجها
بجد في القصة.
أما الحوار عنده فلا موضع فيه للفظة عامية. وهو
عموماً حوار ذو مستوى واحد، لا تتفاوت الشخصيات فيه مهما تتنوع ويختلف
مستواها الثقافي. كما أنه حوار جاد، لا هزل فيه ولا دعابة. وهو فضلة وليس
عمدة بحسب مصطلحات النحو. يسهل التخلي عنه، لأن تعريف الشخصية وتوضيح
طبيعتها وتحديد صراعها لا يعتمد عليه.
وقبل كل شيء آخر، لا يشعر القارئ في الوقت الحاضر أن
قصص مظفر سلطان كتبت قبل عشرين سنة أو ثلاثين أو خمسين، لأن فيها وتراً
إنسانياً وضبطاً فنياً يجعلانها صالحة لكل زمان ومكان. وأعلم أن هناك مَنْ
يعدُّ ذلك دليلاً على ضعف ارتباطها ببيئتها وزمانها. لكن الفنان مطالب
بالكتابة، ولكل ناقد بعد ذلك حرية التفسير والتقدير. وما النص الفني إلا
النص الباعث على اختلاف الآراء والتفسيرات.
وما النص الضعيف إلا النص الذي يتفق النقاد
والدارسون على رأي واحد في جوانب ضعفه.
وليس هناك شك في أن قصص مظفر سلطان فنية صالحة
لمناقشات عدة وتفسيرات شتى. ومن أجل ذلك كله قلت إنه ليس أقل مكانة من
زملائه رواد القصة القصيرة في سورية. وما حديثي الموجز إلا تقدير لإبداعه
في حفل تكريمه. مدَّ الله عمره.
|