مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف
بيروت 1970
وجه يافا طفل / هل الشجر الذابل يزهو ؟ / هل تدخل
الأرض في صورة عذراء؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق؟ / جاء العصف الجميل ولم يأت
الخراب الجميل/ صوت شريد .. /
(كان رأس يهذي يهرج في الفسطاط في حضرة العساكر
محمولاً ينادي أنا الخليفة) / هاموا حفروا حفرة لوجه غليّ/ كان طفلاً وكان
أبيض أو أسود يافا أشجاره وأغانيه ويافا .. / تكدسوا، مزقوا وجه عليّ/ دم
الذبيحة في الأقداح، قولوا : جبّانة، لا تقولوا : كان شعري ورداً وصار
دماء، ليس بين الدماء و الورد إلا خيط شمس، قولوا : رماديَ بيت وابن عبّاد
يشحذ السيف بين الرأس و الرأس وابن جَهوَر مَيْتُ.
لم يكن في البداية
غير جذرٍ من الدمع / أعني بلادي
والمدى خيطيَ - انقطعتُ وفي الخضرة العربية
غرقتْ شمسيَ / الحضارة نقالة والمدينة
وردة وثنية
خيمة
هكذا تبدأ الحكاية أو تنتهي الحكاية.
و المدى خيطيَ - اتصلتُ أنا الفوهة الكوكبية
وكتبت المدينة
حينما كانت المدينة مقطورة والنواح
سورها البابلي، كتبت المدينة
مثلما تنضح الأبجدية
لا لكي ألأم الجراح
لا لكي أبعث المومياء
بل لكي أبعث الفروقَ .. / الدماء
تجمع الورد والغراب / لكي أقطع الجسور ولكي أغسل
الوجوه الحزينة
بنزيف العصور،
وكتبت المدينة
مثلما يذهب النبي إلى الموت / أعني بلادي
وبلادي الصدى
والصدى و الصدى ..
كشفتْ رأسها الباء، والجيم خصلة شعرٍ، انقرضْ انقرضْ
ألف أول الحروف انقرضْ انقرضْ
أسمعُ الهاء تنشج و الراء مثل الهلال
غارقاً ذائباً في الرمال
انقرضْ انقرضْ
سحر تاريخك انتهى
أدفنوا وجهه الذليل وموروثه الأبلها
و أعذري و أغفري
يا قرون الغزالات يا أعين المها ..
أحارُ كل لحظة أراكِ يا بلادي
في صورة،
أحملك الآن على جبيني، بين دمي وموتي : أأنتِ مقبرة
أم وردة ؟
أراك أطفالاً يجرجرون
أحشاءهم، يصغون يسجدون
للقيد، يلبسون
لكل سوطٍ جلده .. أمقبرة
أم وردة؟
قتلتني قتلت أغنياتي
أأنتِ مجزرة
أم ثورة ؟
أحارُ ، كل لحظة أراكٍ يا بلادي في صورةٍ ..
وعليّ يسأل الضوء، ويمضي
حاملاً تاريخه المقتول من كوخٍ لكوخ :
(علموني أن لي بيتاً كبيتي في أريحا
أن لي في القاهرة
أخوة، أن حدود الناصرة
مكة.
كيف استحال العلم قيدا ؟
ألهذا يرفض التاريخ وجهي ؟
ألهذا لا أرى في الأفق شمساً عربية؟ )
آه ، لو تعرف المهزلة
(سمّها خطبة الخليفة أو سمّها المهرجان
ولها قائدان
واحدٌ يشحذ المقصلة
واحدٌ يتمرّغ .. لو تعرف المهزلة
كيف ، أين انسللتَ
في حصار المذابح .. ماذا ، قُتلتْ ؟
أنظر الآن كيف انتهيتَ ولم تنته المهزلة
مُتََّ كالآخرين
مثلما ينشج الدهرُ في رئة السالفين
مثلما يكسر الغيم أبوابه القزحية
مثلما يغرق الماء في الرمل أو تُقطع الأبدية
عنق القبّرة
كنتَ كالآخرين، انتهيتَ ولم تنته المهزلة
كنتَ كالآخرين - ارفضْ الآخرين
بدأوا من هناك ابتدئ من هنا
حول طفل يموت
حول بيت تهدم فاستعمرته البيوت
وابتدئ من هنا
من أنين الشوارع من ريحها الخانقة
من بلادٍ يصير اسمها مقبرة
وابتدئ من هنا
مثلما تبدأ الفجيعة أو تولد الصاعقة
مُتَّ ؟ هاصرتَ كالرعد في رحم الصاعقة
بارئاً مثلما تبرأ الصاعقة
أنظرْ الآن كيفَ انصهرتَ وكيف انبعثتَ، انتهيتَ
ولم تنته الصاعقة.
أعرفُ ، كان مُلككَ الوحيد ظلُ خيمةٍ، وكان فيها
خِرقٌ ،
ومرة يكون ماءٌ مرة رغيف، وكان أطفالك يكبرون
في بِركةٍ ،
لم تيأسِ انتفضتَ صِرتَ الحلم و العيون
تَظَهَرُ في كوخٍ على الأردن أو في غزة و القدس
تقتحم الشارعَ وهو مأتمٌ تتركه كالعرس
وصوتك الغامر مثل بحر
ودمك النافر مثل جبل
وحينما تحملك الأرضُ إلى سريرها
تترك للعاشق للاحق جدولين
من دمك المسفوح مرتين ..
وجه يافا طفلٌ / هل الشجر الذابل يزهو ؟ / هل تدخل
الأرضُ في صورة عذراء ؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق ؟ / جاء العصف الجميل ولم
يأت الخراب الجميل/ صوت شريد ..
سقط الماضي ولم يسقط ( لماذا يسقط الماضي ولا
يسقط ؟ )
دال قامة يكسرها الحزن ( لماذا يسقط الماضي ولا
يسقط ؟ )
قاف قاب قوسين و أدنى
أطلبُ الماءَ ويعطيني رملاً
أطلب الشمسَ ويعطيني كهفاً
سيدٌ أنتَ ؟ ستبقى
سيداً . عبدٌ ؟ ستبقى
غيّر الصورةَ لكن سوف تبقى
غيّر الرايةَ لكن سوف تبقى
في خريطةٍ تمتد … الخ، حيث يدخل السيد المقيم في
الصفحة أ راكباً حيواناً بحجم المشنقة، يتحول إلى تمثال ملء الساحات
العامة. و (كانت) الحاكمة تغسل عجيزتها وحولها نساء يدخلن في الرمح ويمضغن
بخور القصر والرجال يسجلون دقات قلوبهن على زمن يتكوّم كالخرقة بين الأصابع
حيث
ك ترتجف تحت نواةٍ رفضيةٍ بعمق الضوء
ت تاريخ مسقوف بالجثث وبخار الصلاة
أ عمود مشنقة مبلل بضوء موحل
ب سكين تكشط الجلد الآدمي وتصنعه نعلاًُ لقدمين
سماويتين في خريطةٍ تمتد … الخ.
شجر يثمر التحول والهجرة في الضوء جالسٌ في فلسطين
وأغصانه نوافذ / أصغينا لأفراحه قرأنا معه نجمة الأساطير / جند وقضاة
يدحرجون عظاماً ورؤوساً ، وراقدون كما يرقد حلم يُهجّرون يُجرّون إلى التيه
…/
من أين، هل البحر قادرٌ ، هل حنان الشمس ؟ / ( _
يكفيني رغيفٌ كوخٌ وفي الشمس ما يمنح فيئاً ، لا لستُ خوذة سيّاف ولا ترسُ
سيدٍ، أنا نهر الأردن أستفرد الزهور و أغويها / دمٌ نازفٌ / تبطنتُ أرضي
ودمي ماؤها دمي وسيبقى ذلك الساهر النحيل : غبارٌ يمزج العاشقَ المشردَ
بالريح، ويبقى نسغٌ/)
يتمتم طفلّ ، وجه يافا طفلّ / هل الشجر الذابل يزهو
؟ /
( - متى أتو ؟ كيف لم نشعر / جبال الخليل يدفعها
الليل ويمضي والأرض تهزأ / لم نشعر / دم نازف / هنا سقط الثائر / حيفا تئنّ
في حجر أسود و النخلة التي فيّأت مريم تبكي / حيفا تسافر في عينيّ قتيل
حيفا بحيرة حزن جَرَحَتْ قلبها وسالَتْ مع الشمس إلينا / هَمَسْتُ في قدمي
جوعٌ وفي راحتيّ تضطربُ الأرضُ : كشفنا أسرارنا (بُقعُ الدمع طريقٌ) أجسُّ
خاصرةَ الضوء يجثُّ الصحراءَ و الكون مربوطاً بحبل من الملائك / هل تشهد
آثار كوكبٍ ؟ يسمع الكوكبُ صوتي رويتُ عنه سأروي ..
في الزمن القاتل شخصٌ رمى تاريخه للنار غطى مدى
وجوهنا بحمرة الخجل
ومات /
لن تعرف حرية ما دامت الدولة موجودة /
تذكر ؟ كان السجن بوابة للشمس كان الأمل
تذكر . × و القاعدة
وسلطة العمال .. ) ما الفائدة
تنحدر الثورة بعد اسمه
في لفظةٍ ، تمتد في مائدة /
هل تقرأ المائدة ؟ /
كان فدائيّ يخط اسمه ناراً وفي الحناجر الباردة
يموت /
و القدس تخط اسمها :
لم تزل الدولة موجودة
لم تزل الدولة موجودة ..
غير أن النهر المذبوح يجري :
كل ماءٍ وجه يافا
كل جرحٍ وجه يافا
و الملايين التي تصرخ : كلا ، وجه يافا
و الأحباء على الشرفة أو في القيد أو في القبر يافا
و الدم النازف من خاصرة العالم يافا
سمِّنِي قيساً وسمٍّ الأرضَ ليلى
باسم يافا
باسم شعبٍ شرّدته البشرية
سمِّني قنبلةً أو بندقية …..
هذا أنا : لا ، لستُ من عصر الأفول
أنا ساعةُ الهتك العظيم أتتْ وخلخلة العقول
هذا أنا - عَبَرَتْ سحابة
حبلى بزوبعة الجنون
والتِيهُ يَمرُقُ تحت نافذتي ، يقولُ الآخرون
( يرعى قطيع نجومه
يصل الغرابةَ بالغرابة)
هذا أنا أصلُ الغرابةَ بالغرابة
أرّختُ : فوق المئذنة
قمر يسوس الأحصنة
و ينام بين يدي تميمة
وذكرتُ : بقّعتْ الهزيمة
جسدَ العصور
وهران مثل الكاظمية
ودمشق بيروت العجوز
صحراء تزدرد الفصول، دمٌ تعفن - لم تعد نار الرموز
تلد المدائن و الفضاء، ذكرتُ لم تكن البقية
إلا دماً هرماً يموتُ يموتُ بقّعتْ الهزيمة
جسد العصور
.. في خريطة تمتد الخ ،
حيث تتحول الكلمة إلى نسيج تعبر في مسامه رؤوس
كالقطن المنفوش، أيام تحمل أفخاذاً مثقوبة تدخل في تاريخ فارغ إلا من
الأظافر، مثلثات بأشكال النساء تضطجع بين الورقة و الورقة، كل شيء يدخل إلى
الأرض من سمّ الكلمة، الحشرة الله الشاعر بالوخز و الأرق وحرارة الصوت
بالرصاص و الوضوء بالقمر ونملة سليمان بحقول تثمر لافتات كتب عليها (البحث
عن رغيف) أو ( البحث عن عجيزة لكن استتروا) أو ( هل الحركة في الخطوة أم في
الطريق ؟ )
والطريق رملٌ يتقوّس فوقه الهواء و الخطوة زمنٌ أملس
كالحصاة ..
حيث وقف على طرف العمل، وضع الكتاب كالشامة على
جبينه ورسم جوقة من الملائكة على شفتيه وأذنيه، أخذ يغرز أصابعه و أسنانه
في قصعة الكلام طالت أذناه وسقط شعره وتحوّل، وكان الوقت يشرف أن يصبح خارج
الوقت وما يسمونه الوطن يجلس على حافة الزمن يكاد أن يسقط، (كيف يمكن
إمساكه؟) سأل رجلٌ مقيدٌ وشبه ملجوم لم يجئه الجواب لكن جاءه قيدٌ آخر و
أخذ حشد كمسحوق الرمل يفرز مسافة بحجم لام ميم ألف أو بحجم ص ع ي ه ك ويسير
فيها نسيج رايات وبسطاً وشوارع وقبابا ويبني جسراً يعبر عليه من الآخرة إلى
الأولى
حيث عبرت
ذبابه وجلست على الكلمة، لم يتحرك حرف، طارت وقد
استطال جناحاها عبر طفلٌ وسأل عن الكلمة طلع في حنجرته شوكٌ و أخذ الخرس
يدبُّ إلى لسانه ..
في خريطة تمتد .. الخ ، حيث
(العدو يطغى وهم يخسرون، ويمدّ وهم يجزرون، ويطول
وهم يقصرون، إلى أن عادوا إلى عّلمٍ ناكسٍ وصوتٍ خافتٍ، وانشغلَ كل ملكٍ
بسد فتوقه،
.. وعندما يجدّ الجد ويطلب الأندلسُ عونَ الملك
الصالح لاستخلاص أقليم الجزيرة وقد سقط في أيدي الأسبان يكتفي بالأسف و
التعزية ويقول بأن الحرب سجال وفي سلامتكم الكفاية،
.. ولم يزل العدو يواثبهم ويكافحهم ويغاديهم القتال
ويراوحهم حتى أجهضهم عن أماكنهم وجفّلهم عن مساكنهم أركبهم طبقاً عن طبق
واستأصلهم بالقتل كيفما اتفق)
في خريطة تمتد .. الخ، رفض التاريخ المعروف الذي
يطبخ فوق نار السلطان أن يذكر شاعراً .. و البقية آتية،
في خريطة تمتد .. الخ،
يأتي وقتٌ بين الرماد و الورد
ينطفئ فيه كل شيء
يبدأ فيه كل شيء
.. وأغني فجيعتي، لم أعد ألمحُ نفسي إلا على طرف
التاريخ في شفرةٍ / سأبدأ ، لكن أين ؟ من أين ؟ كيف أوضحُ نفسي وبأي اللغات
؟ هذي التي أرضع منها تخونني سأزكّيها و أحيا على شفير زمانٍ مات أمشي على
شفير زمانٍ لم يجئ
غير أنني لستُ وحدي
.. وجه يافا طفلٌ / هل الشجر الذابل يزهو؟ / هل تدخل
الأرض في صورة عذراء؟ / مَنْ هناك يرجّ الشرق ؟ / جاء العصف الجميل و لم
يأت الخراب الجميل / صوت شريد ..
خرجوا من الكتب العتيقة حيث تهترئ الأصول
و أتوا كما تأتي الفصول
حضنَ الرمادُ نقيضه
مَشَتْ الحقولُ إلي الحقول :
لا ، لستُ من عصر الأفول
أنا ساعة الهتك العظيم أتتْ و خلخلة العقول.
أبجدية ثانية
في حضن أبجدية تحضن الأرض، يسهر قاسيون وأستيقظ
أقرأ وأكتب وأقول كلاما للنبذ: ليس شعرا وليس نثرا،
لكن إلي بالبخور،
الشمس تلتصق بأحشائي، وأريد ظلك أيها الليل
ألن تتعظ؟ كثر بخور بيتك أيها العاشق، وهاهو الهواء
يهمن كمثل بحة في حنجرة الفضاء
عوذني، ابتكر طلسما لأحوالي أقدر أن أرقيك أيها
العاشق، لكن من يشفيك؟
سأقول لمهب الرغبات جسدي غابة تلائم رياحه
خرج من عزلته فدخل إلى المنفى
دائما تفصله عن الأمام بضع خطوات إلى الوراء: لا
يصله إلا ما يفصله
ليس له طفولة؟ الشعر طفولته
من مسحوق الكبد هذه الخمرة، لا من العنب
لا تحيا دمشق إلا إذا أعادت بناء السماء
أبواب
في صباح تحطه الجراح، هربت من سور دمشق ضاحية،
وتنزهت في بساتين الزينبية قالت لن أعود، وسميت نفسي حي القصاع جاء، نزل في هذا الحي، في قبو بناية تنحدر من سلالة
الإسمنت فرش القبو سريرا لأحلام كان أكثرها يتبخر بين حمامات
قرأ عنه
حمام الزين
حمام الورد
حمام المسك
حمام الجوزة
حمام الحاجب
حمام السلسلة
حمام الملكة
حمام القيشاني
وتلك هي الأسماء اكثر طيبا
الشداد؟ أهو حمام آخر؟
معجون تدلك به المستحمة جسدها
زيت ولسان عصفور زنجبيل وقرفة
دبس وبيض وآس
ا وتضيف بعضهن أشياء تبدو مرافئ لموج الجسد
كثيرا، شبه له القبر غارا ينزف دما،
كثيرا، رآه كهفا يضطرب ويترنح ويكاد أن يهوي
يظن - الكلمات التي رددت معه أسماء الشجر والنجوم
والأصدقاء، تجلس الآن في كوة تحيا وحيدة في القبو،
أو تتمشى على الرصيف الذي يتاخمه،
تتحالف مع الهباء أو مع الهواء
تنتقد سلطة الورق، أو تتواطأ مع الحبر
شفتي هذه الكوة، يهبط عليه كلام عصي على البوح.
آسفا، يعتذر لها
ليس سيد الطبيعة لكي يضع الآن رأسه لمحت كتفيها
جاء كمن يبدأ تاريخا. هكذا وجد نفسه يتموج في محيط
أسرار
جاءت النساء سفنا، ولهن جسد الماء
" جاءوا. كل محتسب طامع. جرت الدماء في الماء "
البلاذري، فتوح البلدان " الفتوح ثلاثة: فتوح عبارة، و فتوح حلاوة، و فتوح
مكاشفة" ابن عربي
لا تدخلوا البحر إلا إذا كانت الأشرعة نساء
الغوطة خيمة والشهرة حبال تشد أوتادها
السماء في عقل النملة، نملة
لكي تفهم الرمل، لست في حاجة إلى أن تكون موجا
سواء تحريك الراء وتسكينها: لن تقدر أن لمحول
الكلمات إلى أشياء
تكلموا على ما مضى، لا على ما يأتي. وخوضوا ما شئتم
من الحروب،
لكن بين
شفاهكم العليا وشفاهكم السفلى
جاء، في حديثه مع الكواكب، كان يؤثر الزهرة.
تستقبله، وهي في سريرها
ولم تكن تحاوره إلا بعد أن تطفئ شموعها
يعفيك أيتها النبوءات من التوجه إليه. وجهه مأخوذ
بجهات
لا تذهبين إليها ولا تجيئين منها
أقطار الحبر، ليست له على الورق أية محطة
اتركوه يتوسد ذراع هذه الكلمة: الحب
لم يفهم بعد الحجر، لكي ي!حسن الكتابة عن الأجنحة
الدم هو الذي يفكر، والجسد هو الذي يكتب
توقن أن التاريخ دغل ملي ة بأعشاش الختل من كل نوع،
فيما تخرج من باب الفرج إلى باب السلام - يسمى
باب الشريف وباب السلامة. كان عصيا على الغزاة يحرسه
شجر يشبه العصي السيوف البنادق وفقا للغزاة والغزو. تحرسه كذلك عرائس
الماء- بردى، العقرباني، الداعياني. " وكان كمثل اسمه باب التسليم والتحية.
يجيء الناس أفواجا للسلام على خلفائهم " القوس التي فيأت رقابهم هي نفسها
تظلل رقابا أخرى لسلام آخر. الضوء نفسه يتلألأ مرآة يكتشف الناس فيها
وجوههم فيما يدخلون ويخرجون. وثمة جنود كالملائكة لا تراهم العين
دمشق، بذارك ، لا بين يديه، ولا في خطواته، ماذا،
اذن، ستجديه الحقول؟ في كل صندوق، يوقظ وضاح اليمن، ويدعوه إلى نزهة سرية
هوذا جرير يولم حياته للخليفة. في سرادق الشعر. وأرى
إلى الأخطل يقدم لأصدقائه، على مشهد من الخلافة، أعتق خوابيه. وأسمع
الفرزدق يتلعثم في حضرة امرأة لا تمدح لا تهجو لا تقول إلا الحب. اشربوا من
ينابيع ذي الرمة- انظروا إليه يرتجل ما يمسك بالأفق. والخلفاء يتوارون: كلأ
منهم ينكمش في شعرة، أو في درهم، أو في سيف
سمائي- لا فوق رأسي بل تحت كتفي: سلام للشيخ الأكبر
" يا للغرائب في هذا المكان الذي يناديه ابن تيمية: يا بستاني الأفق يروز
أصوات المآذن، فيما تنبسط الجنة تحت قدمي قاسيون
إنتسب إلى زحل، لكي تحسمن المكاشفة في باب كيسان، أو
لكي تنزل في سلة ا شأن القديس بولس، متدليا من السور، خارجا إلى يونان وماء
وراء البحر. كمثله، لا تقصد الباب لذاته، بل لما يخبئه. تفتحه لكي تشاهد ما
ينغلق عليه. وربما سألت: هل الباب جسد؟ وما باب الجسد؟ وأين؟ ما هوية هذا
الذي تذهب إليه في الجسد؟ نقطة لاشيء بعدها، أم طريق بلا نهاية؟ ولماذا لا
يسكن إلا بوصفه زائلا؟ هل أجمل الأشياء التي تسكنها في الجسد وتسكنك هي
التي لا تراها؟ ولا تنس أن تتصور بابا مليئا بالجمال مشرعا على عالم ملي،
بالفراغ. ولا تنس الحلقة التي تقرع بها الباب لكي تسمع نعم أو لا. يتيح لك
أن تسبح في أجمل بحيرات الضوء، أو يبقيك في ظلامك الأليف. هل الحياة باب-
واقعا ورمزا؟
أقواس
خطوط تستقيم تنحني تتلولب
دوائر و أنصاف دوائر
مربعات
مستطيلات
مثلثات
مخمسات
مثمنات
أشكال على هوى الخط
التقينا- لم نتكلم، غير أننا ترامزنا
شوارع
أنهار تحك ضفافها بموسيقى التاريخ
يغني الياسمين بصوت خافت، ويدور في الأزقة حافيا
دم أبيض على فراش القمر
لا تضع سلة الغبار في يد الريح
يجيء الشقاء معجونا بيد الله، مختوما بخاتمه،
ويجيء الفرح هاربا في ثياب
وردة تكاد أن تذبل
لكل نجمة طبل والفجر ناي مكسور
تسبح ملائكة سود في أحواض من الفضة
شوارع،- حقول نباتات تقتات باللحم
استيقظت السماء وأخذت توزع جرائد الصباح
يخص إليك الواقع ويجلسك على أطراف أظافره لحجاره
حبال صوتية و أتى توجهت فيه يبدو وجهة سرابا يقبل الأرض. أيامه لدائن ينمر
فيها عشب التاريخ هل الحياة هنا بريد ينقل في جعبة الرمل؟ وأين ذلك الخنث
الغزل المترف الذي يعرف كيف يضم السرير إلى السرير، وكيف يتسلق لطيف
الشهوات وخفيها؟ يفرح وهو يظن أنه يحزن. يتلذذ وهو يظن أنه يألم. اكتبي،
دمشق، من جديد، تاريخك على عسيب النخل وعلى أكتاف الإبل. طريقي فيك وعرة،
وحافيا أمشي
باب الشاغور
الغبار حصان جامح وهيهات أن يروض. والطرق مغطاة بحيض
الأقدام
باب الفراديس
ادفنوه في دمه. انسوا لا تنسوا
باب الجابية
دوار في رأس اللغة
كيف يتصالح ياسمين دمشق مع جسد لا تنبت فيه غير
الشقائق؟
ما لهذه السماء
لا تقدم غير البلسم، وليس في جسدها غير الجراح؟
اتكئي، أيتها الأحلام، حزينة على نوافذ أهدابي
قاسيون، أيها السائر واقفا، هل تعرف أن الفصول أعطت
لغيري كل شيء،
وخصتني بخطواتها؟ دمشق
ظلك لابس قامتي، وأبوابك محيطة بي. هبط سرك إلي
لا يسكن الفرح إلا الثنية والطية والزاوية
خلوات
نافذة - مثلث، ينحدر منها ضوء الطبع. يتسرب منها
هواء يحمل أشكالا كمثل الخيول
الخلوتية الشافعية
سلالم من أرداف وكواحل. حناء وزعفران ينتظران شهابا
أخضر
الخلوتية القادرية
نسي الملح قدميه في الماء. ظل الدنيا رصاص مغموس في
الجمر. لا فرق فيها بين الكلام والطين. إن كان
هناك شقاء فهو الفرح. يجلس الغبار على هذه العتمة،
منذ قرون، ولم ينهض بعد
هل تجامع الإنسية جنيا؟
مسألة فيها خلاف لكن جائز عقص الشعر، وتجوز الضفائر
المرأة في الآخرة هي دائما لآخر أزواجها، وقيل
لأولهم
الخلوتية التقوية الحنبلية
للزمن يدان رخوتان، وللأبدية فم لا يتوقف عن التثاؤب
أفراس تجيء من كل صوب ولمجلس بين الركب. أشار ورد
جوري تخلع ثيابها الداخلية آه، اللذة يسيرة والحيرة كثيرة
الخلوتية المولوية
أكاليل نجوم تتدلى من السقف. ترفرف الأرض كالأجنحة.
والعناصر خلايا أحلام الوحدة حبر السفر
الخلوتية النقشبندية
إمش فوق رؤوس الأزهار، وامتزج ببراعمها. يداك بنفسج
وعلى جسدك يتسلق غبار الطلع. هنا تعرف أن للأيام قشرة أكثر حنانا من اللب
الخلوتية الرفاعية
تمسك يد الزاوية بريشة وترسم الفراغ
ما أحن هذه الأشرعة التي تقبل من السماء
هنا يدخل العاشق في الفصيلة الشفوية كمثل الريحان
الخلوتية البكتاشية
تمثل بالوردة وعش صامتا
إن كان لا بد من الكلام، فلا تتفوه
إلا بالعطر هل الكتابة شهد يابس في قفير مهجور؟
الحجر
كتاب يعلم التسامح
مكاشفات
أمن سوق الوراقين، تجيء هذه الحنجرة؟ أمن أنين خشب
تفتت وبعث، تصعد هذه الكلمات؟
هل عرفت سوق الكتب؟ زرها لترى كيف تتمدد العقول على
بساط من الهبر، ولكي تتملى شحوب الأيام. زره - احتفل بكيمياء التحول
رأس في القدم
وقدم تقطر العطر
والتحية لمن قال: " القدم لا الرأس، نهاية الشكل
وغاية الهيئة "
إنه ركن العنبرانيين في سوق النساء. قبائل أعشاب،
أفخاذ نباتات وزهور، والعطور تتناسل. وفي سوق الحرير وسوق الصاغة، سترى
الرغبة جسدا وروحا. نسا" يسرن كأنهن يتنقلن في أسرة النوم. شم!من مبلولة
بماء القمر. وترى الموت يتقلب ويزحف واهنا. وفى سوق المزامير وسوق الأبازير
وسوق الفاكهة، تتنهد في مناخ تقول إنه هابط لتوه من فراديس المخيلة. وبين
أهدابك تختلط الملاءات والسراويل والزنانير في بهاء يسرح معك بين الظاهرية
والعادلية حيث ينهض أبو العز مائدة يتحلق حولها الأقصيان الشرق والغرب
وتتلألأ اليد الصانعة
زجاج معشق، شرابات، مساند، أرائك، نحاس مخرم، وسائد،
بسط، نارجيلة إنها الدنيا وعائلتها تحت سقف يتتلمذ على حكمة الدهر
غير بعيد عن رأس يوحنا المعمدان، تتدلى أذنا
تيمورلنك. هل يحدث حقا للبقل أن يصير نخلا ؟
ليس هناك نور لا ظلمة فيه
لا تنكروا خرق العادة
استسلم للواقع إن شئت أن
يستسلم لك الممكن ربما كان الوحل الذي تهرب منه،
يسيل في الماء ذاته الذي تشربه
بلى، تتذكر النار أنها كانت ماء
الفضاء هنا نار، والطيور قصدير
قتلهم جميعا، تحقيقا للحكمة
القائلة " ما أكلته وأنت تشتهيه، فقد
أكلته وما أكلته وأنت لا تشتهيه، فقد
أكلك" ازداد البرد والثلج، منذ قتل المتنبي
لا يستقيم هذا المربع إلا إذا أصبح مثلثا
" رب اعوجاج أفضل من الاستواء "
أطلقت العنان للقيافة والزجر و العيافة،
للسانح والبارح،
للتفاؤل والتطير
وقلت: أنا القطن المتدرب، غير أنني أميل إلى النظر
في الكتفين، وفي
الردفين وفي ما أوتي السر
مشاهدات
ساحة الشهداء
لبست أسماء كثيرة: الجزيرة، بين النهرين، المرجه،
الميدان الكبير، ساحة السراي غير أن دم أبنائها الذين شنقهم السفاح محا هذه
الأسماء كلها وأعطاها اسمها الأخير الشهيد. على أطرافها وفيها. تعانق
اليونان والغرب والخلاسية العثمانية مسرح للتحول- وضعت الحداثة عليه أولى
خطواتها: السيارة، والحافلة الكهربائية وعندما كان بردى يفيض، كان فيضانه
يذكر بالدم الذي تدفق من أبنائها دفاعا عنها يصغون إلى أحشائها التي غطاها
الإسفلت لكي يسمعوا آباءهم. وترى حنينهم يطرف حولك في كؤوس غير مرئية
نجمة تربط بخيوط أشعتها دمشق- شوارع وأزقة وأحياء.
تجلس غالبا في استرخاء كمثل امرأة تستحم في العراء. مسرح. قلة هم الذين
يتابعون المشهد جالسين. بضعة أطفالي بضعة شيوخ
ما هذه المسرحية؟
هواجس وأسئلة
الأكل قليل، والشراب نادر
إسراف، لكن في المنع
تكاد كل نقطة في جسد هذه الساحة أن تكون…
الأعمار بيد الأجور والأسعار
هل البياض سواد نسي اسمه؟
عمر بيتا لغاية واحدة: أن يسجن فيه الريح التي يقبض
عليها
يظن حي القدم أنه رأس لحى الصالحية
كتابة كمثل زهر يزرع في حقول من الزجاج
لا تتأخر أيها المطر، تأخري أيتها السماء
ينام! الشارع والحارس ساهر على عنقه
!ئ! شفتيك إن شئت أن تتكلم
أيتها المادة الشآمية، هل الشعر، وحده، روحك
العاصية؟
الخلوتية الشافعية
حي النوفرة
تنمو على جانبيه، وعلى أطرافه من جهة القيمرية وباب
جيرون، أشجار للمعرفة لا يراها غير تلامذة الشيخ الأكبر. كل شجرة سرة من
الكلام تحسن بك لكي يحسن فهمه أن تجلس في مقهى النوفرة. حول المقهى، ترك
الأسلاف آثار خطواتهم في حفر وشقوق يصعد منها غبار يكاد أن يكون ذهبا .نقرأ
معك، أيها الحكواتي، ليل الماضي
بضربة واحدة من سيفه، قطع خمسين رأسا
والويل للفة إن وقع في الأسر عنترة. لا تهدأ كلمة
فيها، قبل أن يفك أسره. يتوكأ الزير سالم على أنصاره. يتوكأ جساس على صوته
يتحد الغضب والسرور كمثل ونجه الورقة وقفاها. لا
عداء في تباد" الكلمات بين المتحازبين، بل حركة أيد كأنها أغصان شجرة واحدة
يحركها هواة عاشق. كل يقف وراء فارسه. أو يقدم له الشاي والهتاف. ينقش اسمه
بأنفاسه على بشرة الوقت اخرجوا جيادكم من أقفاص الحلم وسرحوها. ليس في
المقهى سروج تليق بها. ابحثوا لها عن سهوب أخرى. للمقهى أذنان مسدودتان.
وفي الصراخ تتوحد الشفاه كأنها فم واحد. كلا، "لم يمت عنترة. ولا يزال
الزير سالم وجساس يتقاسمان بركة الماء الفوارة في ساحة المقهى. ما أعند
الحلم بالنصر. يتخذ من الجدران والطين أهدابا يرقد تحتها. يمتلئ المقهى
بجثث القتلى، غير أن الروائح التي تتنشقها طيبة كأنها طالعة من ضفائر
الغوطة
ما له، حصان عنترة؟
يتساءل شيخ تبتلعه ثيابه، فيما يتابع معارك اللغة،
ويرى إلى دمائها الجارية، كأنه يرى جيشا من الغيم
نسيت عبلة أن تمسح قوائمه بعرار الصحراء
للذاكرة ماء لا تتسع له بحيرة الحاضر
نعم، لا يتوقف الباب والكرسي، القهوة والنارجيلة،
الماء والجمر
عن كتابة الشعر أسرار الليل أجنحة النهار
يلبس المساء قناعا ليس إلا وجها للصباح
يقال: لا تنام دمشق، ويقال: إن نامت، فنومها خفيف
كالحلم
لا جذر، لا ثمرة، يتشرد بينهما
لا يعبد الشيء إلا لكي يستعبده
دمشق، أنت حياتنا،
لكن، ما هذه الحياة التي لا تعطينا إلا الموت
حييت عيواظ، وقلت لكراكوز: اسمح لي أن اقدم لك هذا
الزمن في هذه الوردة اليابسة. كان خيال الظل يتسلق الشاي في الفناجين وعلى
الشفاه، ويتأوه أو يمرح في صوت الحكواتي
من الخيال، جاءت الخيل
من الخيلاء، جاءت الخيل
أوحي إلى الريح الجنوب أن لمجتمع. اجتمعت. أخذ جبريل
قبضة وخلق الخيل
سلام لحصان عنترة. هو من الخلق الذي به العز. لم
ينعقد بناصيته غير النصر
كان الغبار الذي تثيره حوافره يتموج أعلاما على سقف
المقهى. آثر عيواظ و كراكوز، ذلك المساء، أن يتحدثا همسا. كانت الوردة
اليابسة تسهر على الباب، وعلى السطح، وفي الهواء. أشارا إلى العشق بين
الزهور. همسا للحضور أن يلصقوا آذانهم على أكمام الياسمين والورد لكي
يسمعوا شهيق البراعم وهي تخلع سراويلها . و أخذت الأشجار التي تحيط بالمقهى
تنقلب كلها إلى شجرة واحدة: عطر الليل. وأخذت الحجارة تتغطى بالعطر. لم تبق
زهرة إلا تفتحت من التبلل بندى الحب. صارت الأزقة نفسها كمثل أعناق تتدلى
منها عقود الياسمين. ولمحول الفضاء إلى حنجرة تهتف احتفاء بالعشاق
الزائل أجمل ما يملكه الأبدي
هنا لا تقود الروح إلا إلى المادة
الماء والمال: حرب لا تنتهي بين الهمزة واللام
لا يقبل إلا شفتيه: ألهذا يقبل جميع الأيدي؟
أفهمني: كيف تقص ذيل الشيطان بجناح الملاك؟
القمر بين النهدين هلاك دائم
يتمرآى، لا لكي يرى الحياة بل لكي يرى الموت
قدم بيضاء على كتفي قاسيون: القمر
وجوه- فراشات بلا أجنحة
الأمل هنا عقد زواج مع الريح
يأبى حزنه أن يغتسل بماء عينيه
مكتبة - المماحي فيها أكثر من الكتب
يحتاج القمر إلى كلاب تملأ دروبه بالنباح. )* دمشق
كلمة مركبة من كلمتين: دم وشق. ح- قصر العظم ربما كان جوبيتير الذي أهرق
عطره في أغوار الأعمدة، يرسل الآن من سمائه ريحانا يتفتت فوق الموتى الذين
تركوا لأجسامهم أن تمتزج بالنقوش والزخارف. ربما تحول قصر الخضراء إلى
مشكاة، ومعاوية إلى حصير في مأوى للعجزة. ريما صارت دار الذهب حماما، وأكاد
أسمع الأمير تنكز يصدر أمرا بقتل ما تبقى من الطيور التي تربي الأفق بين
أجنحتها. لا تزال هناك أسلاك خفيت على العسس، بين السلملك والحرملك حيث
تأخذ الأنثى الذكر بآهاتها ويتسلل الذكر إليها في تويج وردة وعلى بساط من
الروح. لا تزال الطرق إليه مليئة بغبار يسخر من الأقدام، ويعلق رأس الزمن
في الهواء. حول مئذنة عيسى
سوق الحميدية. سوق مدحت باشا
لم يبق خشب يكفي النار لكي تهيئ أعراسها. التاريخ
ينتحب في العباءات متناثرا على البسط كحب فلفل لم يشهد مثله امرؤ القيس.
وفي أمواج من الأغاني يسبح أبناء آدم كمثل مراكب نسيت الشواطئ
يلذ هنا الضياع في موج الألوان- أصولا وفروعا. بعد
البياض والسواد، الحمرة والصفرة والخضرة، تتغلغل في أفق الأزرق والزبيبي
والنارنجي. وسرعان ما تشدك الشقرة التي هي الحمرة إلى الزعفراني الخلوقي،
وإلى الأدبس، تدرجا نحو الأفضح والأصبح، المدمى والمذهب والأكلف. ثم تجذبك
الدهمة التي هي السواد إلى الجون والأحم والأكهب، والأحوى والغيهبي
والدجوجي. وتقودك الخضرة إلي الأصحم. والأطحل والأورق والديزج والأربد
والأخضب. وتسلمك الشهبة التي هي البياض إلى الحديدي والخلجوني والأضحى
والقرطاسي والأشهب. وترميك الصفرة في الهروي صعودا نحو المطرف. المدنر،
السمند، العدسي، الغربيبي، وتنسى عينيك في ا لمطرف، والمولع والموقع،
والأبلق ا لمجوز، والأنمر، والأرقط، والأربش، والأنمش، والأيشم، والأرشم
أبهى ما يلتصق بك في هذا الموج من الألوان، الأحمر
الياقوتى الذي يتكون، والعلم عند خالقه، من الشمس والهواء وظل ينزل من
السماء. ولا تسل عن خواص اللون الزمردي: (توقير الناس للمسك بالزمر، وتسكين
وجع المعدة لمن علف عليه. والمسموم إذا شرب منه زلة تسع حبات، لم تنله مضرة
من السم. والمتختم به تنافره ذوات السموم. وإذا قرب من بصر الأفعى، سالت
عيناها
سوق الأبازير
أساتذة يجلسون في أحضان التوابل والعطور ويعلمون
كيمياء الملذات. يزداد يقينك أن الجسد هو اكثر بقاء. ويسعدني في ذلك أن
يقال: جن القائل. أو يقال: دخل غار المعنى. حيث نزلت السماء وأحرقت سلالم
الصعود. لن تستطيع بعد زيارة هذه السوق أن تقول كغيرك
عجبا للمقابر في دمشق،
تزهر أكثر من الحقول
يكفي أن تقطر الصحراء في فم الكلام
ليس المعنى وراء دمشق، ليس أمامها،
لا يمينا ولا يسارا- المعنى بين قدميها
كلام ربيع دائم، عمل خريف دائم
كتابها المقبل : " كيف عشقت جنيا أسلم على يدي "
لا يليق بأحد أن يكون شاعرا كما يليق بالوليد بن
يزيد
يمكن أن يكون الغبار في دمشق بيتا للشمس
أفكار تتدفأ على جمر المال
زمن أعمى يتوكأ على عكاز مليء بالعيون
الصلاة هنا أقصر طريق للذهاب عموديا إلى السماء
السحر والعلم هنا مسحوقان يقيمان في زجاجة واحدة على
رف واحد
يتعذر وصف شهوة الكلام عند جدران دمشق
الدائرة هنا نبية المستقيم، والمثلث الوحي
هنا ينزل الرأس ويرتقى البطن
ليس لكلماته أرجل، ليس لأفكاره معاول،
كلا، ما يقوله لا يبدأ وليمة، ولا يجلب غنيمة
يعجن الخردل بالخل ورماد البلوط، ويخلطه باللوز
والزبيب،
لكن من أين له الماء؟
كيف تربد أن تكون خالقا، دون أن تكون ماحيا
دمشق،
قل الشام وجلق، العذراء وجيرون، تل عين الشرق
إرم ذات العماد، باب الكعبة. قل، وأسلم جسدك إليها
أسلم جسده إليها
في حارة الخلخال أصغى إلى راس يتحدث عن زوايا
الرجال، وجسده في مكان آخر،
في كل رباط للنساء- مهجورات، مطلقات، متعبدات،
صوفيات،
حيث تجفف الأيام عظامها على خيوط الكتان
وبين باب الجابية وبوابة الله، استأثرت به طويلا
زاوية كانت تحتضن بيت يهوذا. تخيل البيت، وهم أن يسأل الهجر أو أي شيء آخر:
أ إلى هذا البيت لجأ القديس بولس؟ وأخذت بعض الكلمات في قاموس الأسرار،
تظهر وتتحول إلى أقواس قزح وإلى أشجار وبحيرات. وأخذ بعضها يتحول إلى
كائنات أكثر أيغالا في السر
وضع يده في يد كوكب الزهرة ليعرف كيف يخرج سرا من
بساتين الزينبية إلى باب توما جارها القريب. لم ير فبم باب توما، أو هكذا
ظن، إلا شفاها عالقة في الفضاء تتبادل القبل، وإلا مخلوقات ليست لها الوجوه
والأرجل التي تكون عادة لحيوانات اللغة. كانت تشرده في رؤوس جبال وبطون
أودية. ولم يتذكر عمر بن العاص الذي نزل على هذا الباب ولم يدهشه هذا
النسيان
شطحات ماذا يفعل سجن ماذا يفعل شرطي ماذا يفعل دخان
بين نهدين ماذا يفعل جدار
بين الكبد والعين هل الأفق هنا عمود من الملح؟
يا لهذا الهواء الذي يملأ الفضاء بالتجاعيد
ماذا تفعل بهذا الكلام الذي تنبشه متكئا على صلصال
يذكر بآدم ماذا تفعل بمدن لا تطل إلا على الهاوية ماذا تفعل بشوارع ليست
إلا سيولا من الدمع. خير لك أن تعطي هذه اليمامة منديلا لكي تمسح عينيها
سرطان يلتهم جسد الواقع، وفي الريح ورق ليس الشجر بل البشر
وليس الرماد في الهواء بل في الرئة، وليس الوحل في
الطبيعة بل في الطبع
يعتذر دائما عن الالتقاء بالآخرين، هامسا: امرأة من
الجن في ضيافتي
الأصابع أزهار الجسد
يؤمنون بالكواكب، ويأخذون العلم بالشم
أجسام تتعلم الركوع قبل أن تتعلم المشي
حكمته الأولى: الناس دجاج يتتلمذون على الثعالب
فوق سريره، هذه السطور
" الله صديق للفقراء في الحلم،
وللأغنياء في الواقع "
" رزق الفقير حصاة يمصها حتى الموت "
قائل هذه العبارة قديم لا يزال حيا يصف الناس
لا لسان خصب، وقلب قاحل
وهو نفسه عين صحيحة وجسم ذائب
كان يقول: " لا ليس الإنسان جسدا، بل عدد. يمضي شيء
منه مع كل يوم يمضي " يناضل، لكن كمن يريد أن يحول الحجر إلى خروف
يلزمني أن أفكك جسد الليل عضوا عضو لكي أقدر أن أكتب
خطوة واحدة من خطوات الشام، هكذا لكي أعري نهارها ألبس ليلها، رما أكتبه
يمليه التيه إن صح قولها: للكتابة شياطين، فأهوالها هي هذه الشياطين
أهو الوقت يتسلح بها ضدها؟
لها لهذا الهيكل الذي عاشت فيه آرتميس، انذر هذه
البقع من الحبر
متى تقتنع بعشتار ؟
فرغت كأس المعنى من الثمالة وليس من يترشفها غير
الشعر
(باريس. أوائل كانون
الثاني 1993)
ليس نجماً
ليس نجماً ليس إيحاء نبيّ
ليس وجهاً خاشعاً للقمر
هو ذا يأتي كرمح وثنيّ غازياًِ ارض الحروف
نازفاً - يرفع للشمس نزيفه
هو ذا يلبس عري الحجر
ويصلي للكهوف
هو ذا يحتضن الأرض الخفيفة.
ملك مهيار
ملك مهيار
ملك والحلم له قصرٌ وحدائق نار
و اليوم شكاه للكلمات
صوت مات
ملك مهيار
يحي في ملكوت الريح
ويملك في أرض الأسرار.
صوت
مهيار وجه خانه عاشقوه
مهيار أجراس بلا رنين
مهيار مكتوب على الوجوه
أغنية تزورنا خلسة
في طرق بيضاء منفية
مهيار ناقوس من التائهين
في هذه الأرض الجليلية.
السقوط
إلى أنسي الحاج
أعيش بين النار والطاعون
مع لغتي - مع هذه العوالم الخرساء.
أعيش في حديقة التفاح والسماء
في الفرح الأول والقنوط
بين يديّ حواء-
سيد ذاك الشجر الملعون
وسيد الثمار.
أعيش بين الغيم والشرار
في حجر يكبر ، في كتاب
يعلن الأسرار والسقوط.
حوار
-"من أنت ؟ من تحتار يا مهيار؟
أنى اتجهت الله أو هاوية الشيطان
هاوية تذهب أو هاوية تجيء
والعالم اختيار"
-"لا الله أختار ولا الشيطان
كلاهما جدار
كلاهما يغلق لي عينيّ-
هل أبدل الجدار بالجدار
وحيرتي حيرة من يضيء
حيرة من يعرف كل شيء.."
لغة الخطيئة
أحرق ميراثي، أقول أرضي بكر
ولا قبور في شبابي
أعبر فوق الله و الشيطان
_دربي أنا أبعد من دروب
الإله و الشيطان"-
أعبر في كتابي
في موكب الصاعقة المضيئة
في موكب الصاعقة الخضراء
أهتف - لا جنة لا سقوط بعدي
وأمحو لغة الخطيئة.
ملك الرياح
إلى منير بشور
طرفٌ رايتي لا تؤآخي ولا تتلاقى
طرف أغنياتي
ها أنا أحشد الزهو و أستنفر الشجر
و أمد السماء رواقاً
و أحب و أحيا و أولد في كلماتي.
ها أنا أجمع الفراشات
تحت لواء الصباح
و أربي الثمار
و أبيت أنا و المطر
في الغيوم و أجراسها، في البحار.
رؤيا
تقنّعي بالخشب المحروق
يا بابل الحريق و الأسرار
انتظار الله الذي يجيء
مكتسياً بالنار
مزيناً باللؤلؤ المسروق
من رئة البحر من المحار.
أنتظر الله الذي يحار
يغضب يبكي ينحني يضيء -
وجهك يا مهيار
ينبئ بالله الذي يجيء.
المصباح
يحمل في رابعة النهار
مصباحه. يبحث عن إنسان
لا رمل في عينيه،
يسير في خفّ من الغبار
ينام في برميل
ملتحفاً كفيه.
- و أنت / ماذا؟
- - ليس لي عينان
- بينين وبين أخوتي قابيل
- بيني وبين الآخر الطوفان.
حين ينام الليل
أغافل السفاح
أمشي ويمشي خلفي الغبار،
لكنني أمشي بال مصباح.
أرض بلا ميعاد
حتى ولو رجعت يا أوديس
حتى ولو ضاقت بك الأبعاد
و أحترق الدليل
في وجهك الفاجع
أو رعبك الأنيس،
تظل تاريخاً من الرحيل
تظل في أرض بلا ميعاد
تظل في أرض بلا ميعاد،
حتى ولو رجعت يا أوديس.
صلاة
صليتُ أن تظل في الرماد
صليت ألا تلمح النهار أو تفيق
لم نختبر ليلك، لم نبحر مع السواد،
صليت يا فينيق
أن يهدأ السحر و أن يكون
موعدنا في النار في الرماد،
صليت أن يقودنا الجنون.
الخيانة
آه يا نعمة الخيانة
أيها العالم الذي يتطاول في خطواتي
هوة وحريقه
أيها الجثة العريقة
أيها العالم الذي خنته و أخونه.
أنا ذاك الغريق الذي تصلي جفونه
لهدير المياه،
و أنا ذلك الإله
الإله الذي سيبارك أرض الجريمة.
إنني خائنٌ أبيع حياتي
للطريق الرجيمه ،
إنني سيد الخيانة.
إلى سيزيف
إلى حليم بركات
أقسمت أن أكتب فوق الماء
أقسمت أن أحمل مع سيزيف
صخرته الصماء.
أقسمت أن أظل مع سيزيف
أخضع للحمى وللشرار
أبحث في المحاجر الضريرة
عن ريشة أخيره
تكتب للعشب وللخريف
قصيدة الغبار.
أقسمت أن أعيش مع سيزيف.
ليس لك اختيار
ماذا، إذن تهدم وجه الأرض
ترسم وجهاً آخراً سواه،
ماذا إذن ليس لك اختيار
غير طريق النار
غير جحيم الرفض
حين تكون الأرض
مقصلة خرساء أو اله.
الجثتان
دفنت في أحشائك الذليله
في الرأس و العينين و اليدين
مئذنة ، دفنت جثتين
الأرض و السماء،
أيتها القبيله
يا رحم الزيزان يا طاحونة الهواء.
وطن
للوجوه التي تتيبس تحت قناع الكآبه
أنحني، لدروب نسيت عليها دموعي
لأب مات أخضراً كالسحابه
وعلى وجهه شراع
أنحني ، ولطفل يباع
كي يصلي وكي يمسح الأحذيه
(كلنا في بلادي نصلي كلنا نمسح الأحذيه)
ولصخر يتدحرج تحت جفوني وبرق
ولبيت نقلت معي في ضياعي ترابه
أنحني - هذه كلها وطني، لا دمشقُ.
رؤيا
هربت مدينتنا
فركضت أستجلي مسالكها
ونظرت - لم ألمح سوى الأفق
ورأيت أن الهاربين غداً
و العائدين غداً
جسد أمزقه على ورقي.
ورأيت - كان الغيم حنجرة
و الماء جدراناً من اللهب
ورأيت خيطاً أصفراً دبقاً
خيطاً من التاريخ يعلق بي
تجتر أيامي وتعقدها
وتكرّها فيه - يد ورثت
جنس الدمى وسلالة الخرق.
ودخلت في طقس الخليقة في
رحم المياه وعذرة الشجر
فرأيت أشجاراً تراودني
ورأيت بين غصونها غرفاً
و أسرّة وكوى تعاندني،
ورأيت أطفالاً قرأت لهم
رملي ، قرأت لهم
سور الغمام وآية الحجر
ورأيت كيف يسافرون معي
ورأيت كيف تضيء خلفهم
برك الدموع وجثة المطر.
هربت مدينتنا
ماذا أنا، ماذا؟ أسنبلة
تبكي لقبرة
ماتت وراء الثلج و البرد
ماتت ولم تكشف رسائلها
عني ولم تكتب إلى أحد
و سألتها ورأيت جثتها
مطروحة في آخر الزمن
وصرخت - " يا صمت الجليد أنا
وطن لغربتها
و أنا الغريب وقبرها وطني. "
هربت مدينتنا
فرأيت كيف تحولت قدمي
نهراً يطوف دماً
ومراكباً تنأى وتتسع
ورأيت أن شواطئي غرقٌ
يغوي و موجي الريح و البجعُ.
هربت مدينتنا
و الرفض لؤلؤة مكسرة
ترسو بقاياها على سفني
و الرفض حطاب يعيش على
وجهي - يلملمني ويشعلني
و الرفض أبعاد تشتتني
فأرى دمي وأرى وراء دمي
موتي يحاورني ويتبعني.
هربت مدينتنا
فرأيت كيف يضيئني كفني
ورأيت - ليت الموت يمهلني.
وداع
قلنا لك الوداع من سنين
قلنا لك المرثية التائبه،
يا هالة الملائك الميتين
يا لغة الجرادة الهاربه.
الكلمات أحتقنت بالوحول
الكلمات ازينّت بالمخاض-
عادت لنا أرحامنا الغائبه
وها هي الأمطار و السيول
يا لغة الأنقاض
يا هالة الملائك الميتين.
موت
نموت إن لم نخلق الآلهة
نموت إن لم نقتل الآلهة
يا ملكوت الصخرة التائهه.
الصخرة العاشقة
إلى يوسف الخال
الرحيل انتهى و الطريق
صخرة عاشقه.
إننا ندفن النهار القتيل
إننا نكتسي برياح الفجيعه،
غير أنا غداً نهزّ جذوع النخيل
وغداً نغسل الإله الهزيل
بدم الصاعقه،
و نمد الخيوط الرفيعه
بين أجفاننا و الطريق.
الطوفان
اذهبي، لا نريدك أن ترجعي يا حمامه
انهم أسلموا لحمهم للصخور
و أنا - ها أنا أتقدم نحو القرار السحيق
عالقاً بشراع السفينه.
إن طوفاننا كوكب لا يدور
انه غامر عتيق -
ربما تنشق فيه اله العصور الدفينه
ربما نؤثر هذا اللقاء العريق،
فاذهبي لا نريدك أن ترجعي يا حمامه.
سفر
مسافر دونما حراك :
يا شمس، من أين لك خطاك ؟
مرثية الحلاج
ريشتك المسمومة الخضراء
ريشتك المنفوخة الأوداج باللهيب
بالكوكب الطالع من بغداد
تاريخنا وبعثنا القريب
في أرضنا- في موتنا المعاد.
الزمن استلقى على يديك
و النار في عينيك
مجتاحة تمتد للسماء
يا كوكباً يطلع من بغداد
محملاً بالشعر و الميلاد،
يا ريشة مسمومة خضراء.
لم يبق للآتين من بعيد
مع الصدى و الموت و الجليد
في هذه الأرض النشورية
لم يبق إلا أنت و الحضور
يا لغة الرعد الجليليه
في هذه الأرض القشوريه
يا شاعرا الأسرار و الجذور.
من كتاب ( أغاني
مهيار الدمشقي- أدونيس ) الطبعة الأولى- بيروت دار مجلة شعر - 1961
|