أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 15/08/2024

الكاتب: وديع العبيدي-العراق

       
       
       
       
       

 

 

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

شاعر وقاص وناقد (1960).

بكالوريوس علوم اقتصادية/ جامعة البصرة 1982

بدأ الكتابة في سنّ مبكرة. (1975) فاز بجائزة الشعر في العراق.

شارك في حربي الخليج الأولى والثانية.

غادر العراق في عام 1991.

عاش في الأردن والنمسا ، ويقيم حاليا في لندن. 

 

صدر له:

في الشعر

وطن الحب/ 1988

- ما قالته النخلة للعشاق:1990

- تأملات قبل السفر/1991

- سلطان الكلام/1999

- أغنية الغبار/2000

- منفيون من جنة الشيطان/2003

- دخول في خبر كان/2004

- أغنية الغبار (بالانجليزية- ترجمة: جواد وادي)/ 2004

- صدفة نجوت (باللغتين الألمانية والعربية)/2006.

- وردة لا تنطفئ / 2006

- ديوان العين (رباعيات)/ 2006.

 

في القصة

حدائق الصبّار – مجموعة قصصية

جمل بثلاث قوائم – مجموعة قصصية

صيف بارد.. شتاء حار- مجموعة قصصية

حكايات شلتوت – رواية هزلية

تواطؤ – رواية

 

في النقد

يوسف عزالدين.. شعره وتجديده (دراسة في الشعر العربي الحديث).. تقديم: د. عبدالله عبد الكريم العبادي /1993- القاهرة

جنى الأوراق من أدب عبد الرزاق (السامرائي).. دراسة وسيرة.. تقديم: د. نوري حمودي القيسي / 1999- هولنده/ لايدن

نشريات كثيرة في الصحافة الثقافية والمواقع الالكترونية منذ أواسط الثمانينيات حتى اليوم لم تجمع في كتب.

أنطولوجيا: أحفاد جلجامش (راهنية الشعر العراقي 1980- 2000) / 2003 – النمسا / منشورات ضفاف

 

في الاقتصاد السياسي (بالألمانية):

آثار الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي – معهد العلوم السياسية في جامعة سالزبورغ / النمسا - 1999

 

مجلات: أسس وأصدر المجلات الثقافية التالية في النمسا:

مجلة الساري (بالعربية والألمانية) / 1998 (حزيران)- فصلية (صدر منها أربعة أعداد).

ضفاف – (بالعربية) / 1999 (حزيران)- فصلية (صدر منها عشرون عدداً).

UFER (بالألمانية) – 1999 (حزيران)– فصلية (صدر منها سبعة أعداد).

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

صهيل العزلة

هديل

أبطال من ورق

سميثا 

معجزة صغيرة

تذكرة للحلم

 

سميثا

 

 

رأيتها، وهي تعبر الممرّ عبر الواجهة الزجاجية إلى غرفة الاستعلامات، ومنها إلى حجرة منزوية.. توقفت قليلاً في حجرة الاستعلامات وقلبت بعض الأوراق.. ثم رفعت رأسها فالتقت نظراتنا قبل أن تستكمل طريقها وتغادر الحجرة.. فرحت وأنا أتأكد من وجودها، بعد أن لمحت فتاة ثانية ذات ملامح هندية تنادي على الأسماء وتأخذهم إلى حجرة رقم -2-. ذلك أمر مطمئن بحدّ ذاته، ولكنني كنت أخشى أن أدعى إلى حجرتها. كانت أقصر من سميثا، وأقلّ بدانة. وجهها ريفي جداً ولا يحمل أية تعابير . لها جديلة طويلة تتدلى وسط ظهرها هي كل ذخيرتها الأنثوية. نادت على ثلاثة أسماء، وفي كل مرة كانت تفتح باب الممرّ، تنادي بخجل، تحييهم ثم تسير أمامهم إلى الحجرة الثانية  وتغلق الباب. هذه هي المرة الأولى التي أراها. عندما جئت لتسجيل الموعد على يوم الجمعة.. تردّدت الكاتبة وهي تنظر في شاشة الكمبيوتر وقالت: الجمعة لن تكون موجودة.. الأربعاء والخميس. فقلت لها : الخميس!.. ولو أنها لم تكن موجودة ما سجّلت لي الموعد. ومن غير المعقول أن تعطيني موعداً وترسلني إلى شخص آخر. طبعاً ممكن، عندما تحكم الظروف، ولكنه غير جيد من الناحية الأدبية. ثم ماذا تعني الظروف؟.. هل نحن في مالطا، مثلاً.. أم نحن في القرن التاسع عشر. حكومة لا تتدبر أمر موعد طبي بسيط، ما هو امتيازها للبقاء!.. عبرت حجرة الاستعلامات وهي تلقي عليّ نظرة أطول هذه المرة وتعود إلى حجرتها التي تحمل الرقم -3-. كنت منشغلاً بقراءة مانشيت طويل باللون الأحمر انبعجت بعض كلماته وانعكس غيرها عكس مصدر الضوء فأجتهدت في قراءته. الموضوع يخصّني ولا بدّ أن أفهمه جيداً. انفتحت السماعة وذكر إسمي إلى الحجرة رقم -3-. قمت بفرح وابتهاج نسيت في خضمهما الآلام التي حملتني للمجئ لهذا المكان. دفعت باب الممرّ كأنه باب بيتي واتجهت على الفور إلى الحجرة الثالثة التي أحفظها عن ظهر قلب.. كان الإطار الخشبي للباب يحتضن عازلاً زجاجياً مزخرفاً، بدت من خلاله جالسة على الكرسي ووجهها للباب.. طرقت طرقتين مثل خفقتي جناحي طائر فرح.. جاء صوتها بهدوء.. أدرت أكرة الباب ودخلت.. وجدتها واقفة فألقيت عليها تحية الصباح وعلى وجهي ابتسامة لم أستطع مداراتها.. كانت ساهمة وحركتها ثقيلة.. عادت نحو كرسيها بينما تقدمت لأجلس قبالتها.. وجهها راكد مثل بحيرة هجرتها العصافير.. وبشاشتي لا تزال تبحث عن أفق تتوحد به وتتواصل.. لم تنظر في الكمبيوتر ولم تفتح الصفحة الخاصة بي.. ربما كانت فعلت ذلك قبل وصولي.. لم أنتبه لذلك ولا يهمني منه شيء .. يهمني غلالة الحزن التي حاصرت ملامحها الوادعة.. لقد كنت في المستشفى.. ماذا حصل.. وحرّكت يدها اليمنى على جانب جسدها الأيمن من القدمين نحو الأعلى.. أين تشعر بالألم.. أشرت إلى رأسي.. ثم قرّبت مجلسي أمامها مشيراً بإصبعي إلى مكان العملية.. وضعت يدها في ذلك المكان وراحت أناملها تجوس خلال الشعر.. أنها توجعني.. قلت لها وأنا أمدّ يدي ثانية وأقود أصبعها إلى مكان الجرح.. هناك خيوط.. أجل.. أجل.. وجدتها.. تعال إلى السرير.. دفعت كرسيي للخلف قليلاً ثم وقفت وقد تسللت روحي غلالة حزنها.. وبدلاً من المضي وجدتني واقفاً أنظر إليها.. قامت هي الأخرى واتجهت إلى تلك الزاوية.. اخلع حذاءك.. راحت ترتدي قفازات بلاستيكية ولم أنظر إليها بعد ذلك.. وضعت إستي على طرف السرير وأنا أنظر نحو الأمام في انتظار الإشارة التالية.. اقتربت مني.. شعرت باقترابها دون أن أنظر.. الأفضل أن تستلقي على السرير.. نظرت إليها نظرة تلقائية وأنا أطوي ساقيّ وأرفعهما على السرير.. تمددت على الظهر.. على البطن قالت.. في المرة السابقة عندما طلبت ذلك.. ضغطت في شفتي على ابتسامة خجلى وطويت إحدى ساقيّ عند الركبة.. ولكنها كانت تقف قرب قدمي وقالت مباشرة.. أبسطها بجانب الثانية.. فأفلتت ابتسامتي .. ومددت ساقي كاملة .. ثم لففت قدمي اليمني على اليسرى.. فأمسكت بهما بيديها ووضعتهما الواحدة جنب الأخرى.. وظلت تمسك بهما متلاصقتين خشية أن أعيد الكرة.. وتصاعد نسغ سريري خلل الساقين نحو الأعلى.. فلم أتمالك نفسي من ضحك صامت.. في المرة السابقة طلبت مني أن أخلع جواربي.. وقد أسعدني ذلك، فقد كان في اتجاه الأصبع الكبير ثقب في كل منهما.. كيف كان سيكون حالي لو كانت تقف عند قدميّ وتمسك كلا منهما بإحدى يديها.. وذلك الإصبع يمدّ رأسه المدور مثل فأر.. وحتى أمنع نفسي من الضحك أو الابتسام أو أية حركة غير متوقعة.. طويت مرفقي حول جبيني وتشاغلت بمراقبة الإضاءة في سقف الحجرة.. انقلبت على بطني ماداً ساقيّ على استقامتهما.. ملصقاً ذراعي اليمنى بجانبي.. فيما وضعت اليسرى أمام وجهي على حافة السرير حيث وقفت تنبش في رأسي بأصابعها.. كانت تلتصق بحافة السرير مقتربة ببطنها من وجهي الملتفت نحوها.. فتحت عيني على اتساعهما في ذلك المدى المنفتح مثل فراديس متلاصقة يكمل أحدهما الآخر.. كنت مسترخياً مثل طفل على فخذ أمه.. وجهي نائم باطمئنان لولا أن عينيّ كانتا مفتوحتين.. وقد تعمدت تركهما كذلك لأنني أردت أن أراها.. وأن ترى أنني أريد أن أراها.. سميثا.. التي قرأت عينيّ جيداً وفكت ألغاز سطورهما.. وهي تقرب كرسييها مني في كل لحظة.. وتجعل وجهها قرب وجهي وتقول.. أنت تتحدث بصوت خافت .. وتتحرك بهدوء مبالغ فيه .. قل لي ماذا أستطيع أن أقدم لك.. ماذا تطلب مني أن أقدم لك.. فأبتسم بخجل وعرفان مثل طفل أمام معلمته.. وتضع كفها على ركبتي مرتين وهي تشجعني وتقول أنني أتقدم في العلاج.. لماذا ظلت تكرر ذلك حتى انكسر إناء الخزف الذي في داخلي وامتنعت عن الكلام.. وشيئاً فشيئاً اختلط عليّ النظر وتجمعت دمعة كبيرة في عيني.. بقيت تتكلم وأنا أنظر إليها بوجوم وحزن.. وقد ضغطت على شفتي حتى لا تسقط الدموع.. متناسياً أنها تنظر اللحظة في عيني وتقرأ انكسار الحروف والكلمات وعلامات الاستفهام فيهما.. بقيت تتكلم وتجيب على نفسها وتعدد الاحتمالات دون انتظار إجابة مني.. ثم استدارت نحو شاشة الكمبيوتر وراحت تكتب شيئاً.. وعندما رفعت أصابعي ومسحت جفوني.. متلفتاً نحو المنضدة.. امتدت يدها القريبة وقرّبت علبة المناشف الورقية بحميمية، دون أن تنظر تجاهي.. سحبت ورقتين مرة واحدة ومسحت بها وجهي وأصابعي.. قامت من مكانها وقالت.. سأطبع لك نسخة من التقرير.. وخرجت تاركة إياي لوحدي أتأمل أرجاء المكان.. وفي نفسي شعور وإكبار يتزايد نحو سميثا.. فرح طفولي للالتقاء بمثلها.. كم سميثا يلزم العالم ليصبح جديراً بالحياة.. يا نعوم تشومسكي وفوكوياما.. الانسان جبل.. لكننا لا نراه إلا عندما يتهاوى على بعضه.. جبل.. بكل ما للجبل من معاني ودلالات وجمال وأبهة.. فأي معنى كان سيكون للأرض بلا جبل.. ذلك الذي يمنح الوادي معناه والنهر مجراه.. بالكاد يراه أحد أو يفكر به.. لكننا ننوح ونرثي لبشاعة العالم.. العالم الذي لم نفعل شيئاً للإنتصار لجماله.. كم من البشر لديهم القوة للمحافظة على جمالهم وأبهتهم السامية.. هؤلاء الذين يقطرون الأمل على جوع القلب وتصحّر الروح وانكسار العين.. في تموز 1969 كتبت كوليت خوري " أمشي إلى الحلبة ليحضنني بين ذراعيه، ويضمّني إلى صدره، ويجري يديه على جسدي، ويقرّب وجهه من عنقي، وينفخ في شعري أنفاسه الدافئة../جئت لألفظ المرحلة خارج عيني فأنام. جئت لأشعر بأنني كالآخرين وأني في الثلاثين وأني ما زلت أحيا."/ ص 66/ 47 على التوالي (المرحلة الصعبة). تمنيت أن تبقى بجانبي في تلك اللحظة.. وأبقى مستلقياً بين يديها وتحت عنايتها.. لعلّي أتحرر من طوق العزلة وأنياب الوحشة هذه دقائق قليلة.. لو أن أصابعها تتمادى فتنزلق إلى العنق والكتفين.. أنظر إلى أصابع كفي اليسرى المضمومة كطفل مولود لتوّه.. أخشى أن تتحرك ذراعي فتحتكّ ببطنها.. ماذا تقول يا ترى في نفسها.. لا شكّ أنها أفضل مني بكثير.. ربما تنظر لي بعطف.. أو تخطط لمغامرة بريئة.. أو تنتظر مني مبادرة .. وإلاّ.. لماذا طلبت مني أن أنام.. أو الاستلقاء على البطن.. كان يمكن أن أستلقي على الجنب.. هكذا تسيطر علي غريمها أفضل.. ماذا لو تحركت أصابع كفي اليسرى وهي تمسك المقصّ في لحمة رأسي.. وبدلاً من معالجة الجرح.. تفتح جرحاً جديداً.. في هذه الوضعية.. يكون الذي في الأعلى مسيطراً.. وهي الآن في الأعلى.. بيدها كل شيء.. وأنا أفتقد كل شيء.. أليست هي التي قالت.. كيف أستطيع مساعدتك.. ماذا تريد أن أفعل لك.. لماذا ظلت تكرر ذلك حتى انكسر إناء الخزف الذي في داخلي.. فلم أتمالك نفسي من حنوها .. وكرمها فبكيت.!.

•كوليت خوري – المرحلة الصعبة – قصص طويلة- منشورات الفارسة – دمشق - ط2/ 2002 .

 

 

 

أبطال من ورق

 

 

توقفت لدى العنوان كثيراً.. قمت وأعددت لنفسي كأساً من القهوة.. وأنا أستغرق فيه.. نظرت إلى العنوان مرة بعد مرة وأنا أرتشف القهوة.. كل شيء كان واضحاً.. كل الدلالات .. كل الطرق تؤدي إلى .. شيء واحد دفعني إلى إلغاء كل تأويلاتي.. هو عدم انسجام نهاية القصة مع الواقع.. هل هو غرور؟.. لا أدري.. ولكن قناعاتي كلها تؤكد أن المسألة لم تنتهِ.. فكيف تموت في القصة.. ربما كانت قصة شخص آخر.. أو مجرد خطرة خيال.. شخص أنبتته تصوراتك.. كما أنبتت تصوراتي إمرأة مثلك.. قصة جميلة.. تمنيت أن أكون مقصوداً بها.. إذا كنت سأحظى بكل هذه المشاعر والعواطف.. ولكنه لم يكن غير ورقة.. ورقة اختلقتها لحظة ضجر.. ثم مزّقتها عندما استعادت مزاجها وألقتها في المزبلة دون أن تعن بما فيها من مشاعر.. تقول أحلام مستغانمي أنها تكتب قصة لكي تقتل أبطالها*.. عندما تنتهي القصة تنتهي علاقتها بالبطل.. خيوط كثيرة تجمع بين ذلك.. مترادفات ودلالات كثيرة.. لماذا لا تكون هذه واحدة منها.. قتل البطل.. ربما لم يحن الوقت لتضعي تصريحاً مثل هذا.. ولكن ذلك محدود الأهمية.. ففي كل قصصك يموت البطل.. إذا لم تقتليه أنتِ.. يقتله المجتمع أو الدولة.. أليس غريباً أن لا يعيش أبطالك أكثر من بضعة صفحات.. أبطالك الذين تصنعينهم بيديك.. يلفظون أنفاسهم بدون موعد.. بعضهم يتعرض للادانة.. أو يعيش مثقلاً بالاتهامات.. أتذكر هذا.. وأتذكر .. منذ تعارفنا لم تكتبي شيئاً جديداً.. في البداية بعثتِ واحدة.. ربما كانت مخزونة من بريد متأخر.. وقبل مدة.. إن لم تكن هي النهاية.. وصلتني هذه القصة.. قصتي.. موت على الطريقة الألكترونية.. صاروخ  من ذبذبات إلكترونية يصدع صورته بإلكترونات مزدوجة الشحنة حتى يتلاشى كما في أفلام ترميناتور وسبايدر.. متّ دون أن أدري.. وعندما تنفست من وراء الدخان.. كنت تضحكين.. فقد عدت إلى مخدع سعادتك.. قبل أن يلفّك ضجر جديد إلى ضحية جديدة.. لا أجزم هنا أنني أعرف كل شيء عن أبطالك السابقين.. بل أكاد لا أعرف أي شيء.. تلعب وسيلة التواصل دوراً مهماً لديك.. لأنك ما زلت تفضلين التعامل مع الحياة بالريموت كنترول.. أبطالك تحركينهم عبر الأسلاك.. أو أنواع الخدمات البريدية الأخرى.. رسالة .. تلفون.. أيميل.. وفي كل ذلك تلعب الكلمة نفس الدور.. تسخين الموقف.. حتى يصل للانفجار.. محققاً ذروته الكبرى.. الاتصال والتواصل مسألة فنية.. وهي لا تبتعد عن السينما.. سيما وأن المؤلف أو المخرج لا يظهر على المسرح .. أنه يستخدم طاقم الفيلم للتعبير عن فكرة أو عاطفة جوانية داخله.. والجميع يشاهدون الفيلم ويهاجمون البطل.. أما هو فلا يفطن أحد أنه هو.. وليس الممثل/ الضحية.. من ينفذ الجريمة.. أشعر الآن بكآبة عميقة.. عندما أتصور أنني كنت أحد الممثلين الفاشلين.. أو المغدورين في فيلمك.. لكنني في قمة إحساسي بالبؤس والهزيمة.. ينتابني إحساس مزدوج.. حب وكره.. وطالما أن الحب والكره وجهان لحقيقة واحدة هي العلاقة الحميمة.. أمثل بعد الموت.. دور الضحية التي عشقت جلادها.. الضحية التي تبقى تتعذب وتموت كل يوم لتعود وتعشق من جديد.. طلما أن يد الجلاد تمسّ ذلك الجسد.. (قتل الحبيب مثل الزبيب!).. هل يمكن اعتبار التعذيب نوعاً من الحميمية التي تربط بين الضحية والجلاد.. فالتعذيب عملية غير مجردة من العواطف.. عاطفة الكره أو الحقد أو الانتقام.. ربما عندما يحلّ المساء يبدأ بالبكاء على ما فعل ويشتاق لو يعاد الزمن للوراء ويكفر عن خطيئته.. ولكنه في الصباح التالي.. يجد نفسه مندفعاً.. بحكم العادة.. إلى مزيد من التعذيب.. مستمتعاً بتأوهات الضحية واحتراقاتها.. لهذا يتجه الجلاد إلى المورفين.. إلى تخدير نفسه بأية وسيلة تقمع مشاعره وانتباهاته الانسانية.. ليحافظ على ممارسة الدور.. الذي استعذبته أو استمرأته الضحية.. وهي ضحية.. لأنها لا تتمرد.. لا تأتي بأي شيء يدل على الاحتجاج أو الرفض أو التمرد.. شيء مثل الحبّ في القرون الوسطى.. أو مثل غرام شهريار الذي يقتل انثاه بعد المواقعة.. فحالة الموت الجنسي بعد بلوغ الذروة التي تخلف فيه شعوراً دقيقاً من الحزن والكآبة.. يترجمها إلى موت مقابل.. محوّلاً هزيمته أمام جسد الأنثى إلى انتصار وحشي على الجمال.. شيء مثل هذا يحسّه مخرجو السينما والمسرح وكتاب السيناريوهات.. حين يكثرون القتل والموت في أعمالهم أو يستمرئون تعذيب الأنثى وتعرضها للاغتصاب.. فالفيلم قصيدة يكتبها المخرج وتترجم هزائمه.. دلالة عميقة على مبلغ السادية أو الاحباط في نفس صانع العمل .. انتشار الجريمة في الأعمال دلالة على الانتقام من المجتمع عبر الحقد الذي يتنفسه ويوجهه نحو الخارج.. في كل عمل ثمة علاقة بنيوية نفسية عميقة بين نوع العمل وذات المنتج.. لا يوجد عمل مجرد.. ولا منتج متجرد.. لذلك يميل كثير من المنتجين.. مخرجين أو مؤلفين للادعاء أن غايتهم الشهرة.. أو الحصول على المال.. لا.. ثمة شيء أهم وأكبر وأعمق وأقدم .. لقد حاولت مرات عديدة قمع هذا الصوت في داخلي.. قطع هذا الاتصال مع الميتافيزيقا دفاعاً عن مشاعري والتصاقي الحميمي بك.. ولكنني.. كما انهزمت في قصتك.. انهزمت أمام نفسي.. وأمام الميتافيزيقا.. وأعترف هنا.. لكي تعرفي مبلغ اعتزازي بك.. وفرحي غير المحدود بالأشواق والعواطف والمكابدات التي طفحت على سطح قصصك .. ان ما تعانين من عذاب دافع للكتابة.. يقنع أبطالك للقبول بأدوارهم وتسليم مصائرهم بيدك .. ولست غير واحد منهم.. فرد في سلسلة طويلة لا يقدر أحد على إحصائها.. أو أيقافها!.

* أحلام مستغانمي- رواية ذاكرة الجسد.

أضيفت في05/12/2006/  خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

 

هديل

"مهداة إلى الحمامة طبعاً!"

 

ثمة شيء تغير.. ذات مساء..شيء انكسر مثل قطعة الخزف داخل قلبي .. أو قوس الزمرد في كبد السماء.. مثل جرة  على تيغة السطح.. كانت تروي ظمأنا وأشواقنا.. شيء. أكثر من مجرد رقم هاتف.. أكثر من نداء مبحوح.. أكثر من كلمة.. اختنقت قبل مغادرة الشفة.. ثمة شفة ترتجف.. وقطعة كبد يتعذب.. ثمة قلم لا يستدل إلى لغة.. ثمة صمت.. وراءه سرّ ينزف.. تغلفه العتمة.. ويستبيحه ليل.. ثمة ما يعذبني.. اليوم أكثر من أي وقت مضى.. اللحظة.. تحديداً.. بعد أن مرّت من خاطري رسائل كثيرة.. داهمتني في العمل.. في الطريق عند عودتي في المساء.. عند ذهابي للبحث عنك.. في مكان لا أجدك فيه.. في الصباح .. في الظهيرة.. في ساعات كثيرة من شهر رمضان.. حيث يطيب التأمل.. تطلين بصورتك الكامدة.. تلقين نحوي نظرتك الحميمة المنكسرة دون توقف.. وأنا.. فلاح يفترش الأرض.. على قارعة الطريق.. منتظراً .. موسم أمطار.. تصدق نبوءة زرعاته.. قبل ذلك.. كنت تحلقين حولي وتداعبينني مثل صبية.. تغرقني بضحكاتها وزقزقاتها.. أركض وراءها فتهرب.. وأركض أمامها.. فتلحقني.. كان فرحك فرحي.. وضحكك ضحكي.. وشوقك شوقي.. وتنهدات ليلك نجمات تضيؤني.. لقد اختفت الضحكة من حدائق وجهك.. وصوتك اكتسى بعباءة كمد.. كلماتك.. كلماتك التي بعثت النار في رمادي البارد.. باردة وحزينة.. أنت رائع وعزيز علي جداً.. أحسّها اليوم أكثر برودة من شتاء يتقدم.. لك كل الفرح.. هكذا من غير (أتمنى).. من غير فعل.. أيتها الحمامة.. فرح من غير فعل.. من غيرك أنت.. هل يوجد في العالم فرح من غير فعل.. فرح من غير يد.. فرح من غير روح تصنعه وتحمله وتطير به إلى الفلاح الذي ينتظر موسماً خيراً ينسيه سنوات الجفاف والصيهود.. هكذا انسحبت همزتك من الفعل.. وانسحب الفعل من الجملة.. فأصبت بالبرد قبل أن يدخل الشتاء.. قبل مكالمتك الأخيرة.. كنت أراك في كل مكان.. وكنت معي في كل وقت.. أتحدث معك بلا وعي مني.. وأستمع إلى إجاباتك المرهفة.. دون أن أنتبه مرة أن تكوني نائمة أو مشغولة.. ولم تتأخري في الجواب.. أخرج للشارع فأراك في كل النساء.. أمرّ عبر الشوارع فأتصورك في كل منعطف.. في موقف الباص.. أو كابينة الهاتف.. هذه أنت.. عندما تلتفتين ستلتقي عيوننا.. غير معقول.. أنت هنا .. ستصيح عينك الضاحكة.. وكالعادة.. ستخونني الكلمات.. كل وجه حميم كان أنتِ.. وكل ابتسامة عذبة.. كان أنتِ.. وكل ضحكة بريئة كانت أنتِ.. كل أمل رائع يمشي على قدمين كان أنتِ.. أنتِ.. التي أفتقدك الآن كثيراً.. أكثر من كل السنين التي مرّت.. السنين الطويلة التي استعمرها اليأس قطيعة الفرح.. حتى تآلفت معها وصرت أكثر انتماء لها من شيء آخر.. يومها كنت سعيداً بحزني وقنوطي.. هذه ليست الحقيقة.. ولا الكلمة الصحيحة.. ولكنني اقتنعت به.. لم أغلق بابي ولم أنتظر أحداً.. ولم يمرّ أحد.. والذين مروا.. لم يتوقفوا ولم تطرق أناملهم على الباب.. والذي طرقوا.. طلبوا حاجتهم ومضوا.. في عزلتي كانت نجوم معتمة تضيء في صومعتي.. وكلمات باردة تسيل مثل مطر على زجاج روحي فتغسلني وأغمض عيني.. كنت أدور في الشوارع ولا أنتظر شيئاً.. وأسافر في البلدان ولا أبحث عن أحد.. ولا عن نفسي.. فقد كان كل شيء موجوداً ومعدوماً في نفس اللحظة.. كيف أبحث عن شيء.. موجود.. أو شيء لا أنتظره.. سفرتي الأخيرة.. كانت واحدة من تلك السفرات.. ولكنها أكثرها شقاء.. أكثر ألماً وتوحداً.. في قمة ذلك الألم والتوحّد.. جئتِ.. سافرت سنوات طويلة.. تجولت في مدن كثيرة.. وحلقت حلقت بثيابك البيضاء الطويلة.. ثياب سيدونا المهمفهفة مثل أحلام جميلة .. كشفت عن أطراف أناملك وطرقت الباب..  ومنذئذ.. تركت الباب مفتوحاً.. عدت سنوات كثيرة إلى وراء.. ومن أجلك نسيت أشياء كثيرة.. أشياء كالوحشة واليأس والموت.. وعدت أؤمن بالحياة والسعادة والشباب .. أحسّ أنني أعرفك منذ زمن بعيد.. ولم تكوني على خطأ.. من يعتقد أننا لم نلتقِ من قبل .. هو في وهم.. أليس كل هذا التلاقي دالة على معرفتنا المسبقة.. أليس كل هذا التشابه والانسجام دليلاً إلى أول شجرة تسلقتها من أجل عينيك.. كيف أتألم كل هذا الألم دون معرفة بيننا .. لماذا يكون عتابي جريحاً وساخناً.. إن لم تكن لشوقي جذور ضاربة في القدم .. هل كانت ضحكاتك.. أعني زقزقات ضحكاتك لتخترقني لولا أنها تأتي من طفولة بعيدة.. هل كان ألمي بهذه الشدّة.. لو لم أعرف سبب كمدك الذي لا أريد أن أصدقه.. وأنتظر منك أن تقنعيني بأن أوهامي باطلة.. وأنك ما زلت قوية مفعمة بالحياة والأمل والتحدي.. التحدي الذي يكسر رتابة الزمن ويذيب قيود الظلام.. عيوني كامدة أيتها الحمامة.. وفي روحي شتاء يتقدم.. توحدت خطوتي في الطريق .. والاتجاهات تشابهت.. نجمة بعيدة صرت.. بعيدة.. والطريق إليك لا تغسله غير الدموع.. دموع وألم وشوق مجروح.. شوق يكفي حمولة عشرات السفن التي تقطع البحر.. لأصل إليك.. وربما.. تعبرينها ..

لندن 27/سبتمبر 2006

 

 

صهيل العزلة

 

النهارات الطويلة قضيتها لوحدي.. والليالي المسهّدة جرعتها وحدي.. في مشاكلي العويصة لم تفعلي شيئاً.. مرضت ولم تكوني إلى جانبي.. تمنيت أن أحظى بنظرتك الحانية.. لمستك الحميمة وأنت تجلسين قربي في المستشفى.. تبتسمين لي أو تبدين لي قلقك ومحبتك.. حملت ورقة التحويل ومضيت.. هل رأيت محكوماً بالاعدام.. يحمل مستند الحكم ويمضي بقدميه إلى الجلاد.. هكذا ذهبت.. وأنا لست مطمئناً لحالتي المرضية.. صعدت أو أصعدوني إلى الطابق الخامس.. فالحالات الخطيرة تكون معلقة بين الأرض والسماء.. لو كنت في نيويورك لأصعدوني إلى الطابق الخمسين أو السبعين.. فالسماء خلف الأتلنتي أقرب.. كان هناك شابان في الصالة.. وامرأة مسنة تأكل البسكويت وتبصق في لفافة تضعها بقربها.. جاءت الممرضة وتأكدت من الاسم والعنوان.. عشر دقائق قالت.. لو تأخرت ساعة لن أفتح فمي.. هم قالوا في رسالتهم.. اجلب معك كتاباً للتسلية.. وأنا جلبت معي كتاباً للقراءة.. لكنني لم أفتحه حتى الآن.. لأنني أنظر للمرأة وهي لا تنظر لي.. فكرت أنها مثل طفلة.. تعبر عن حاجاتها بشكل عفوي ومباشر.. يبدو أنها خارجة من صالة العملية.. فرأسها ملفوف بشاش جعل وجهها الأبيض يزداد بياضاً.. عينان خضراوان.. قامت تسير بتؤدة واستقامة دون تلفت.. تابعتها.. كانت هناك مغسلة لم أنتبه إليها.. قربها قنينة ماء معلقة للشرب.. أخذت قدحاً من بلاستك أبيض وملأته بالماء.. ملأته لآخره.. وعادت تنوء به بتؤدة أكثر.. وضعته على طاولة قريبة.. استدارت مثل كائن آلي.. وضعت مؤخرتها مقابل حضن الكرسي.. جلست وهي تنظر للأمام.. رفعت إستها قليلاً.. ثم دفعته للنهاية.. هكذا تحسّ بالأمان أكثر.. ربما بالدفء والطمأنينة.. أمتدت يدها اليسرى بحركة محسوبة وقربت قدح البلاستك من شفتها وعيناها تنظران نحونا.. هذه المرة وقعت علي وهي ترشف.. أخذت رشفة واحدة وأنا صرفت نظري في هذه اللحظة.. أعادت القدح إلى مكانه.. عدت لمراقبتها.. الكراسي التي نجلس عليها وثيرة ومن النوع الفاخر.. لها مساند عالية ومريحة.. ثمة طاولات عالية ورفيعة مصممة خاصة لتدخل بشكل جانبي مع الكرسي.. كانت واحدة قربي.. عليها علبة مناشف ورقية صغيرة.. أصغر علبة مناشف رأيتها في حياتي.. لكنني لم أعرها أهمية.. فقد فقدت لذة الاكتشاف والفضول منذ زمن.. لا جديد يجتذب اهتمامي.. الأشياء القديمة تحركني أكثر.. كلما تقدت نحو النهاية زدت التصاقاً بالبدايات.. من قال ذلك.. لا أدري.. لكنني الآن أعيش هذه المرحلة.. الوحدة تقضمني قضماً مثل تفاحة يابسة.. كل ثانية وكل دقيقة وكل ربع ساعة وثلث ساعة والنصف إلا خمسة والنصف وخمسة.. كل شيء يثقل على إحساسي حتى الزمن.. وأنت بعيدة.. بعيدة.. تقولين أنك تفكرين بي.. وتزعلين لأنني لا أفكر فيك.. وأنا كل ثانية وكل دقيقة وكل ربع ساعة وكل ثلث ساعة يقضمني رقاص الساعة وناقوس الكنيسة ونشرات الأخبار.. أفرح عندما يأتي الليل.. فينقذني من وحشة النهار.. وعندما أدخل الحجرة تفترسني عيون الجدران البيضاء.. أطفئ الضوء وأمضي للسرير فأشعر ببرودة الفراش.. هل تعرفين القائل.. أن أسرّة الوحيدين تكون باردة.. أفكر بك في لا وعيي .. وأفرح لأنك هنا.. في ذاكرتي وفي حياتي.. أتمناك جنبي اللحظة.. جسدي بارد وسريري بارد والحجرة باردة والنافذة باردة والجو بارد.. من قال أن الجو بارد.. فالشتاء في بدايته.. ولكني أحسّ بالبرودة.. في روحي وليس في جسدي.. روحي مثل فانوس منطفئ.. متى تأتين وتملأينه بالزيت.. ليشتعل.. ها.. متى .. متى تأتين.. ثم يتحول فرحي إلى غضب ويأس.. وأكرهك.. المرأة تجبر نفسها على احتساء القدح حتى النهاية مثل دواء.. لا أستسيغ ذلك.. لكنها تفعله.. هذا يدخل في برنامج  الترشيق.. تملأ  معدتها بالماء بدل الطعام.. لكنني لا أشتهي حتى الماء.. ربما لو التقيتها في الخارج.. رغبت في محادثتها.. هل هي إنسانة وحيدة مثلي.. يبدو سنّها مقارباً لي.. ولكن لو نزعت اللفافة عن رأسها.. تبدو أكثر شباباً.. وجهها جميل.. عيناها تحتفظان بجاذبية المراهقة.. ولكنها بدينة.. وعجيزتها عبء عليها.. هذه علامة الشيخوخة.. أو العادات السيئة.. أنها شرهة في الطعام.. تأكل في صالة العمليات.. تحتفظ بالأكل في حقيبة يدها.. شيء مقيت.. ماذا تفعل عندما تكون في البيت.. هي إنسانة وحيدة بالتأكيد.. تقتل شبقها بإدخال الطعام في فمها.. على العكس مني.. أقتل وحشتي بالجوع.. كل ملابسي واسعة عليّ.. وعجيزتي لا تستطيع الاحتفاط بالبيجاما.. ربما أستطيع أن أورثها عاداتي.. ربما تورثني عاداتها.. هذا ليس مهماً.. المهم البرودة .. أي شيء يكون مهماً.. لشخص لا يعرف سرّ مرضه.. خاصة عندما يكون في الرأس.. فحص الطبيب عيني وسمعي.. الممرضة حملت مطرقة خشبية ودقت على رسغي القدمين والمفاصل.. أمسكت سلكاً معدنياً.. تضرب به تارة على الجدار وتارة على نقاط محددة من جسمي وتقول.. إذا تحس قل نعم.. أقول نعم.. عندما لا أقول تعيد السؤال فأقول نعم.. تنهض المرأة بنفس الطريقة بعد أن دفعت عجيزتها للأمام وصارت قدماها تمسان أرضية الصالة.. نسيت أن أقول.. أنها عندما استوت على الكرسي.. - استوت بمعنى استقرت كما ورد في التفاسير-.. صارت ساقاها معلقتين تتدليان نحو الأسفل مثل غصنين ينوءان بالفاكهة.. حرّكت قدميها كالأطفال فسقط النعلان نحو الأسفل.. لماذا هي بيضاء إلى هذه الدرجة.. أصابعها وبيضة القدم ناصعة ومغرية.. لا بدّ أن زوجها كان يلثم قدميها أو يمتص بياضها في الليل.. ذهبت مسافة أبعد.. حسبتها تغادر الصالة.. قبل الباب توقفت.. داست برجلها على شيء فانفتح غطاء من الأعلى.. ألقت قدح البلاستك.. كان يقف إلى جانبها شاب طويل يرتدي قفطان العمليات الأخضر.. على رأسه طاقية خضراء.. يبدو أنه يتمتع بالاستراحة.. يراقب فقط.. المرأة تعود.. ليست لي رغبة في القراءة.. ولا في التحدث مع المرأة.. أو النظر إلى شاشة التلفزة.. نساء جميلات يتحدثن بإطراء عن كلاب بقربهن.. أنا لا أحب الكلاب.. ربما أقتني كلباً أنا الآخر.. الوحدة هي التي تجعل النساء يقتنين الكلاب.. بعد ذلك يبدونّ سعيدات.. مرحات.. نشيطات.. هكذا أراهنّ في البارك.. يلعبن مع الكلب.. يرتدين قفازات مثل قفازات الأطباء.. يرفعن برازه في كيس بلاستك ويحتفظن به في حقائبهن اليدوية.. فكرة الكلب تشغلني منذ مدة.. المرأة تفضل الكلب على الرجل.. وتحمله في حضنها مثل الطفل.. عينا المرأة لا تفارقان شاباً يجلس على يميني.. حادثته كذلك.. يدخل من الباب ذلك الشاب الذي كان في استراحة وبيده أوراق.. ينادي على إسم.. فأنهض.. أتجه إليه.. يصافحني.. يقول إسمه بسرعة لا ألتقط منها شيئاً.. يخرج فأتبعه.. في حجرة ثانية يوجد شخصان آخران يلبسان مثله.. يشرح لي طبيعة العملية.. احتمالات النزيف بنسبة عشرين في المئة.. احتمالات عودة الورم بنسبة اثنين بالمائة.. لا.. هذا لا يستحق الذكر.. وحتى لو عاد.. أعود إليكم.. هل لديك أية أسئلة.. أبتسم.. يطلب مني التوقيع على استمارة.. أوقع.. يطلب مني الاستلقاء على السرير.. أستلقي.. يلقون بقطعة قماشة خضراء سميكة على رأسي.. فأغمض عيني .. أحدهما كان يقف أمامي ويكلمني باستمرار في لعبة أعرفها.. ولكنني أجاريه.. والآخر يقف خلفي ويده تنبش في رأسي.. ومرتين أسمعه يقول .. مجرد بسيطة.. نغزتين بسيطتين.. يرنّ جهاز الهاتف رنيناً طويلاً.. أسمعه يرنّ.. وأتركه كذلك..

 

فتاة تجلس على ساقي شاب وتضغط شفتيها على شفتيه مدة طويلة فيبدوان مثل نصب حجري.. ينتفض الشاب فجأة ويدفعها بيده لأنها قطعت تنفسه.. الفتاة تعود تراوغه وتقبله على وجهه ورقبته.. شاب طويل يرتدي الجينز.. يرتدي نظارات ويدسّ يده داخل بنطال فتاة طويلة بجانبه من الخلف.. الفتاة أيضاً ترتدي الجينز وتسير ملقية رأسها على صدره وذراعها تلتف على خصره.. فتيات كثيرات يرتدين قمصان قصيرة هذا الصيف.. ونساء يستلقين على بطونهن على الحشيش.. شاب يحمل فتاته على كتفيه مثل طفلة وساقاها تتدليان أمام صدره وهي تتحدث بالهاتف الخلوي بلا انقطاع .. تحت الأشجار مناظر سيقان ملتفة على بعضها.. أحدهما يجعل من بطن الثاني وسادة ويقرأ في كتاب.. وأنا مع كل لقطة أفكر بك.. أجمع في نفسي كلاماً أقوله لك.. ماذا يقول يا ترى هؤلاء الشباب.. أغبطهم لأنهم يتحدثون كثيراً بلا ملل أو تعب .. عندما تأتين سأعود شاباً ونفعل مثل هؤلاء.. أم أنك تتظاهرين بالخجل..  وأزرع لولواتي بين اليأس والأمل.. واللو زرعو ما خضر.. بعيدة أنتِ كالنجوم.. والأيام طويلة وموحشة كالسجن.. تعبت من التفكير ومن الحلم والأمل والترقب.. صرت أقرب إلى الواقع وأكثر إحساساً باليأس.. سوف تأتين والشتاء  قد حلّ.. لا نستطيع فيه الخروج ولا التنزه.. لن نرى أحداً ولن يرانا أحد.. ستقابلين وجهي في البيت وأقابل وجهك. تسألين عن الطبخ وأتحدث عن أخبار التلفزيون.. أحدثك عن حياتي في غيابك فتتحدثين عن أقاربك.. أنت لا تحبين حديثي في السياسة وأنا لا أريد أن أسمع شيئاً عن الطبيخ وعائلتك.. سأضيق بك.. وستضيقين بي.. لأنني أريدك أنت ولا أريد عائلتك.. أريد أن تتحدثي بلغة تدفئ العظام.. كي أشعر بك قريبة مني.. وتشعري بي جزء منك وليس مجرد إسم على ورقة أو ديكور اجتماعي .. لقد كرهتك.. لأنك لم تفهميني كما أنا.. وتريدينني قبولك كما أنتِ.. دون أن أشعر بك.. أشعر بعقدة من تذكر كلمة الطبخ.. ألا تجيدين شيئاً غير الطبخ.. شيئاً غير التنظيف والمسح.. ماذا عني.. وماذا عنك.. اجلسي قربي لأحدثك وتحدثيني.. تمددي قربي ومارسي غوايتك في جسدي لأحسّ بانتمائي إليك.. إلى متى تكررين نفس الكلمات.. ماذا أقول.. ليس لي شيء أقوله.. هذا الشيء لا أحبّه.. هذه الطريقة لا تعجبني.. أنا تعبانة.. أريد أن أنام.. أنام.. أنام.. ماذا .. تر..يد.. ين..  أنا أيضاً.. تعبت.. وأريد أن أنام.. أنام.. أنام.. ولكن.. من دونك.. من.. د.. و.. نك.

لندن 24/ سبتمبر 2006

 

 

معجزة صغيرة

 

أشرعة ممزقة وقارب منقلب.. حدفت به أمواج الأقدار على شواطئ نائية.. حيث لا تنقل الريح غير عويل الوحشة.. وصرير البرد.. لا صورة من أسراب الطيور تعبر أفق السماء.. ولا زقزقات عصافير صغيرة تقطع السكون الخابي.. نور النهار فقد بهاءه منذ زمن.. وتجردت عتمة الهندس من أيما ايحاء.. نفس المشهد لا تتغير تفاصيله.. مشهد جامد وتفاصيل ميتة لا توحي بشيء.. لا هسيس.. لا حفيف.. لا حركة.. لا انقلاب.. القارب.. حتى شكل القارب المغروز في الرمل يبدو كأنه كان هكذا منذ الأزل.. قارب مقلوب منغرز كخنجر صديء في خاصرة الشاطئ.. مثل جنين يولد ملفوفاً بحبله السرّي ويبقى على حاله.. لا تجرؤ سكين الداية أو شظية قنبلة على تحريره من ربقة الحياة.. لا أثر لزمن.. ولا صوت لذاكرة.. لا ندفة لمطر..  باصرة.. لا بصر.. كل شيء صار بعيداً.. كل شيء مهجور.. ملقى في درج الأبدية.. في انتظار معجزة.. معجزة صغيرة تصحح الألم.. كما يقول جون كيتس.. الألم نستطيع نحن أن نصنعه.. أما المعجزة.. فننتظرها من السماء.. من الغياهب.. كأن كل شيء لم يكن غير صدفة.. بداً صدفة.. وانتهى كذلك.. صدفة.. بدون صوت.. أو سابق إنذار..

في زاوية ضيقة من قاع القارب.. محشوراً مثل صرة طعام قديم أو ثياب مستهلكة.. كان القلب.. معلقاً في السديم.. متأرجحاً في نقطة بلا ريح.. يبست فيه الذاكرة.. وذبل فيه الأمل.. لا رائحة للحنين.. ولا طعم للانتظار.. لا حاجة.. لا رغبة.. لا ألم.. مجرد عبث.. عجز عن كل شيء.. الأفق سؤال مفتوح.. عيون بيضاء مفتوحة على وسعها .. لا تتوقع مرور هجرات الطيور التي اعتادت رحلة الشتاء والصيف.. البحارة والقراصنة أيضاً انقطعوا عن زيارة الشاطئ في غمرة عبثهم وجنونهم بالشراب والطعام وألوان نساء الجزر الملونة.. ربما لم يكن ذلك غير وهم.. ربما انتهى العالم وأنت لا تدري.. تحققت فجأة نبوءة القنبلة الذرية أو النووية التي تخوّف منها العلماء الروس.. أو انحرف ذيل المذنّب هالي مصطدماً بقشرة الكرة الأرضية محيلاً إياهاً إلى دقائق غبار كوني كما كانت أول مرّة.. وحدك أنت منسي.. خارج الكوارث والهاويات.. حتى الكوارث والهاويات لا تذكرك.. مجرد شيء انتفت الحاجة إليه.. ثمرة ذابلة.. منفضة سجائر من عهد قديم لا يناسب مزاج العولمة المتبدل..

.. ضوء شديد.. ربما كان كوخ قريباً.. خرطوم نافورة مياه.. أو بحيرة.. أو تلة صغيرة.. أو شيء مثل ذلك.. ربما كان صباحاً أو ظهيرة أو ليل مشتعل ببروجكترات هائلة.. لا أهمية لكل ذلك.. لم يكن غير جانب من مشهد لوحة معلقة.. فجأة يمرّ أحدهم.. تعتقد أنك تعرفه.. يعتقد أنه مهتم بك.. يرفعك عن الأرض.. فترفض.. تفضل أن تبقى بلا حركة.. منكفئاً على الوجه..  أو البطن.. رفعت يداه شيئاً من زاوية كتفك فجاء خفيفاً في يده..  انتبهت إلى وجود نفس الشيء على قفا المستلقي أو الواقع قربك.. صرت تحسّ بوطء شيء على قفاك.. شيء ثقيل.. صلب.. متقرن.. جلدة وبر.. وصلة حشيش سميك متعاقد نما على ظهرك.. جعلك جزء من قطعة الأرض المنكفئ عليها.. كم من الأقدام داست عليك وأنت لا تدري.. كم من الديدان والحشرات حفرت أخاديدها في جسدك وأنت سعيد.. كم من المعاول والشظايا اشتغلت في أحشائك.. حاول قريبك رفع قشرة (الثييل) عن جسدك فكانت ملتحمة بلحمك الذي ارتفع معها.. استجاب لصمتك وسحب يده.. أخذك معه مثل لوح من خشب أو مقطع عمودي من أرض يسحبك خلفه وأنت تتبعه على استحياء رغما عنك.. إلى ما يشبه حمامات مكشوفة تحيط بها خراطيم مياه قوية.. على تلة صغيرة ما يشبه حجرة وباب بدائية وقف الحكيم أمامها.. وأوعز بوضع قطرات من الزيت على قفاك.. رفع صاحبك قطرات من زيت الحكيم ووضعها على جلدتك.. وتركك.. سوف يعيد ذلك مرة أخرى كعلاج دوري لتعود إلى أصلك..

مشيت إلى أمام.. داخل خرطوم طويل من حجرات نوم متداخلة مثل حلقات دودة اليوغلينا.. فرحت لأن لك حجرة وفراش ومتاع.. دفعك الفضول للتقدم فوجدت جماعة في الحجرة الملاصقة لحجرتك.. فرحت وأنت تعرف بعضهم.. عدت إلى مكانك.. وجدت فراشك منكوشاً.. وأدواتك مبعثرة.. وآثار فضلات خارج مكانها.. بحثت عن لغة تتكيف بها مع المكان.. عدت من حيث دخلت.. يتناوبك إعياء أو إغماء.. تفقد الاحساس بالمكان.. تدور أمامك عوالم إهليليجية متوسطة الكثافة.. حليبية قهوائية اللون.. عينك تتسعان وتتسعان وتتسعان.. متحولتين إلى فضاء لا نهائي.. من بياض.

لندن الأول من نوفمبر 2006

 

 

تذكرة.. للحلم..

 

لا أعرف كم مضى على آخر مرة سمعت فيها صوتك.. ولكنني اقدّرها بسنوات.. السنوات التي تسحب سرفاتها ببطء على روحي. كلما تطقطق وريقات أيامي اليابسة.. تقفزين في مخيلتي.. مثل ذكرى طفولة قديمة.. قديمة وبريئة يا ياسمين.. ليتها لم تكن بريئة أبداً.. ليتني توقحت ولثمت خدّك أو صفحة عنقك كما يفعل أطفال اليوم في التلفزيون.. ليتني نسيت خجلي الموروث ومصصت شفتيك وأصابعك مثل زنود الستّ.. لم أشعر بالخجل وأنا أرافقك عبر سوق مديتننا (قره غان) مثل (محرم) حين أرسلتك أختك الكبيرة لجلب ثيابها من الخياطة.. كنت ترفلين بالبيجاما المورّدة.. وعيون أصحاب الدكاكين مفتوحة عليك من اليمين واليسار.. أسير إلى جانبك وأتلفت بخيلاء وثقة، فأنا الذي أحميك من عيون الذئاب.. هل تذكرين ذلك.. كنت في الثامنة.. ولكنك فارعة الطول مثل أمك.. وكنت أكبرك بعامين.. وأطول منك قليلاً.. بسنتيمين فقط.. الفتاة مثل خضروات الصيف تنمو بسرعة.. أما الأولاد فعظامهم تحتاج وقتاً أطول لتخشن.. هذا ما قالته أمي عندما رأتنا مرة .. أما أنا فلم أكن أرى شيئاً.. حضورك يطغى على مشاعري وأعيش سكرة دائمية.. وعندما تأتين معي إلى بيتنا.. أحسّ كأنك ستبقين معي حتى الأبد.. كانت أمي تفرح وهي تنظر إلينا وتقدم لك الشاي والفاكهة.. وأنت تتمنعين.. يدعوني خالي إلى حجرته التي لا يسمح لأحد بدخولها.. ويعاملني باحترام وتقدير مبالغ فيه ويقول لي أجلس .. فأجلس على جانب الكرسي المقابل له.. ويسدي لي بالتعليمات.. حول سريّة المهمة وأهميتها البالغة.. ويكرر عليّ عدّة مرات .. خومو نسيت شي.. ثم يخرج ورقة مطوية طويات كثيرة لا أعرفها، تبدو مثل حرز أو إصبع ملفوف.. ينظر في عيني ثم يضعها في راحة يدي ويطوي أصابعي عليها بيده وهو يقول.. أمسكها جيداً.. ولا تفتح يدك إلا في يدها.. لا تدع أحداً يراها أو يعرف شيئاً.. فأشير له برأسي علامة الايجاب.. ومن عتبة باب حجرته.. حتى باب بيتكم.. في ركضة واحدة.. دون توقف.. ودون رؤية شيء.. كنت أحفظ الطريق على ظهر قلبي مثل قصيدة.. أجتاز وادي الرمل وأعبر محطة القطار حتى بيوت السكك.. وليس في خيالي غير صورتك.. خالي يحبّ أختك الكبيرة وأنا أحبّ أختها الصغيرة.. وعندما يجمع الحبّ خالي وأختك في بيت واحد.. سننتقل أنا وأنت ونعيش معهما.. أنا أحبّ خالي الذي يجلب لي الكتب والمجلات.. وأنت تحبين أختك التي تحضر معها مجلة البوردو من المدرسة.. غالباً كنت أنت التي تفتحين الباب.. فأسألك عن أختك.. وبعد زرع اللفافة في راحة يدها وأنا أتلفت خشية عيون أمك.. أعود معك إلى الحديقة.. لكنني لا أذكر شيئاً غير ذلك.. لا أذكر ماذا كنا نقول.. أو نفعل.. هل كنا نطارد الفراشات.. أو كنت تطلبين مني تسلق شجرة التوت وجمع الثمر.. كل ما أذكره هو مرافقتي لك عندما تذهبين إلى السوق أو الخياطة..      

مكالمتك الأخيرة.. صارت تاريخية مع مرور الزمن... مثل خطب القادة والزعماء.. كلّ كلمة فيها اكتسبت روحاً وصارت تتنفس في الحجرة وترافقني أينما مضيت.. زقزقات صوتك نمت لها أجنحة وتحولت إلى فراشات ملونة .. أستعيدها مقطعاً مقطعاً ونبراً نبراً وأتوقف لديها مقلباً ومنقباً.. ما الذي حدث .. هل أخطأت في حرف تغير تأويله لديك.. هل تفرقنا اللغة التي أعادت رباطنا عبر البحار والمسافات.. لقد تواصلت كلماتك شبه اليومية حتى أدمنت حضور صوتك وألفت كلماتك كما لو كنا سوية.. أعود إلى منزلي المهجور فأجد أقواس السعف تغلف الأبواب.. وأطواق الياسمين تلفّ الشبابيك.. وفراشات صوتك تتردد في أجواء الحجرة .. أنتظرك كل مساء حتى يصحو الهاتف مطلقاً زغاريده.. وعبر شاشة الديسبلي يلمع اسمك مثل شمس نصف الليل.. وبدل الكلمات المعهودة كالتحية والسؤال.. يضحك فرحك مثل زقزقات عصفورة تكتشف الربيع لتوها .. هل خطر لك مرة، أن لكلماتك من السحر.. ما يبعث الحياة في أنفاس هاربة.. ويحيل خرائب العزلة إلى فراديس مزهرة متألقة.. هل قلت لك أنني عدت سنوات كثيرة إلى الوراء .. وأن سنوات عجفاء كثيرة خلعتها من حياتي مثل أضراس مسوسة منخورة.. لقد تعبت وأنا ألاحق ترددات حروفك و نبرات زقزقاتك التي تبتعد شيئاً فشيئاً.. مع الزمن.. كل لمسة من جسدي تستذكر طراوة أناملك الدقيقة وهي تنقلني من مكاني إلى يوتوبيا الحلم.. هل حدثتك كيف يصف (خالد) بطل رواية أحلام مستغانمي [ذاكرة الجسد] كلمات حبيبته التي تتحول عبر الهاتف إلى عصافير وأنامل تتنقل على جسده .. (كيف أقنعك أنني أصبحت عبداً لصوتك عندما يأتي على الهاتف ، عبداً لضحكتك ، لطلتك ، لحضورك الأنثوي الشهي..)/171.. لقد أعدت قراءة الرواية مرة بعد مرة.. وفي كلّ مرة أطوي الكتاب وأتماهى في (خالد) الرسام الذي حوّلته قصة حبّ مفاجئة إلى كاتب وعاشق.. كنت أختلي في أجواء الرواية كأنني أكتب لك وأعيد عليك كل الكلام .. فيأتي المساء.. تأتي الساعة التاسعة.. ويؤكد لي صوتك أن ما أعيشه حقيقة .. حقيقة واقعة.. وأن صوتك وزقزقات ضحكاتك ليست أنغاماً مخزونة في الأثير من أيام القيثارة السومرية كما قال كامل الدباغ ذات يوم ، ثم تحوّلت في أذني إلى كلمات وموسيقى.. انني أفتقدك حقاً بعد أن صرت جزء من كياني وقطعة من حياتي ويومياتي ومشاعري وفكري.. ان صدى كلماتك يتخافت الآن ويبتعد.. وأخشى أن تتحول الحقيقة إلى وهم.. والحلم إلى خدعة .. أعرف قوة الشعور ومبلغ المعاناة الذي يدفعك لتتصلي عبر البحار والبلدان.. وشعوري المتفاوت بين النشوة والبكاء.. أن أكون أنا صورة حلمك.. الحلم القديم الذي عاد في ملامح جديدة .. أشعر باعتزاز كبير لك .. لا.. لا يمكن أن تكوني كذلك.. ولكن.. قلقي يزداد عليك..  أبحث عن اسم مدينتك في تقارير الاضطرابات الأمنية.. ولا أعرف كيف أنت الآن.. أتمنى أن تكوني بخير.. منشغلة بالعمل.. أو بكتابة قصة مثل هذه .. وأن تتذكري أنها الساعة التاسعة.. وتأخذي الهاتف بيدك.. لتعود العصافير للزقزقة.. والمياه للانسياب.. هذه المرة .. لا بدّ .. من تذكرة السفر.. ولا بدّ من عاصمة أو مرسى على بحر.. تستطيع أن تجمعنا .. وتفهم لغتنا .. ل غ ت ن ا..

نظرت إليّ الممرضة الهندية بابتسامة وقالت باللغة الانجليزية.. لقد أجريت العملية بنجاح.. وحالتك الآن أفضل.. سوف نعيدك إلى حجرتك !.

لندن في 21/ سبتمبر 2006 

هوامش

(قره غان) مدينة شرقي بغداد، ولد فيها الكاتب.

كامل الدباغ: صاحب أول برنامج علمي في تلفاز بغداد (العلم للجميع) من أعداده وتقديمه منذ بداية الستينات حتى وفاته في التسعينيات.

أحلام مستغانمي - رواية (ذاكرة الجسد)- الفصل الثالث – بيروت .

 

أضيفت في 29/10/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية