لفائض القيمة معول أيضا
قال الرجل للمرأة التي بدت مرتبكة بعدما أخفقت كلماتها المتعثرة في
الإحاطة بحاجتها.
(إنها لم تتجاوز الرابعة عشر ربيعاً)
_قالت: دعها تعمل أرجوك
_قال: يا سيدتي القانون يمنع
_ قالت المرأة: نحن في حرب
_قال: أنت تحرجيني
_قالت: لو لم يكن الأمر ملحا
اجلسا .. اجلسا، أنت قد لاتفهمين واقع الأمر . أني بحاجة لها، لكن
القانون صارم. ابنتك بحاجة إلى المدرسة. والعمل في الخياطة أمر يحتاج إلى
جلد، ونفس طويل، ربما تأتي يوما إلى المشغل مع دميتها.
_هي لا تملك دمية
كانت الفتاة مطرقة الرأس، بدت له خارجة لتوها من المدرسة، ألقت
صدريتها وجاءت على عجل، الحذاء صحيح انه متعاف إلا انه مصنوع من قماش، قد
يعجز عن درء شتاءنا الموحل، وفستانها باد انه قد ضاق على جسمها منذ زمن.
_من أرسلك ألي..
_الناس تتحدث عنك بخير .
_هل عملت سابقاً في مشغل
رفعت الفتاة عيناها متطلعة بالرجل فبان في عينيها حور مفصحاً عن
عينين جميلتين، وملامح بريئة، وكمن يحاول أن يهجر مواطئ أقدامه متطلعاً
لأفق أرحب. فهم الرجل انه أصبح مدانا في نظرها ما دام يتحجج.
_لم تخرج سوى إلى المدرسة
_في أي صف هي
_الثاني متوسط
_هل هي فاشلة في المدرسة (قال الرجل وقبل أن تجيبه المرأة)
_قالت الفتاة: بانفعال الأولى على صفي .
_ما دمت قد تكلمت.. هل تعرفين شيئاً عن الخياطة.؟
_أستطيع أن أتعلم ..
_ستجلسين على ماكينة صناعية سرعتها فائقة.
_الفتيات يساعدنني ..
كانت مفعمة بالثقة والإصرار وهي تحاورني، لمحت في عيني المرأة سحابة
دمع حامت، مع ابتسامة خفيفة تحاول أن تداريها وبدت لي تقاطيع وجهها آخذة
بالاسترخاء.
طرق الباب، ودخلت فوزية، حاملة الشاي،؟ ووضعته أمام المرأة
وابنتها.. بعد أن حيتهما ووقفت أمامهما .
_بعد أن تشرب الشاي خذيها معك لتطلع على العمل ..
ارتجفت يدها المطبقة على القدح وهي تنظر الى فوزية، التي بدأت
حديثها مع المرآة، عن موقع البيت، وساعات الدوام
انشغل الرجل بالمكتب المكتظ بلوازم الخياطة، المجلوبة من السوق
والتي كان على وشك توزيعها مخزنياً.. وهو يحاور نفسه: سيتحول المشغل يوماً
ما إلى روضة أطفال.. ماذا عساي أقول.
خرجت الفتاة مع فوزية. وثمة فرح طفولي يوشك أن يعربد. وبقيت المرأة
جالسة.
_أتعلمين انك تظلمين ابنتك.
_يا سيدي. المعيشة صعبة
_ماذا يعمل والدها.
_انه شهيد. استشهد قبل أن تتم العشرة.
_قد أجد لك مكاناً هنا ..
_يا سيدي عندي أطفال صغار، أرجوك الفتاة متحمسة
_لتأتي في العطلة الصيفية.. أو عطلة نصف السنة.
_نحن بحاجة لمورد ثابت
فتح الباب مشيراً للمرأة أن تتقدمه، وقبل أن يدخلا إلى قاعة المشغل
بدت غير متيقنة من قراره، بعدما اجتازا الممر وجدا نفسيهما بمواجهة
العاملات اللواتي كن أحطن بالفتاة وكل منهن تشرح لها جزءاً من عملها،
وعلامات الدهشة قد أخذت من الفتاة كل مأخذ.
اقتربت الفتاة من أمها.
_هل أعجبك العمل
_كثيراً..
_قال الرجل: سنشتري لك ماكنة .. ونضعها في بيتكم بعد أن تتعلمين
على الخياطة ، وسأوفر لك العمل . على شرط واحد .
_قالت الفتاة: ما هو
_قال الرجل: ؟أن لا تتركي المدرسة.
قفزة الفتاة جذلى وهي تحتضن أمها... وتحلقت العاملات حولهن بينما
خرج الرجل وهو يحدث نفسه هكذا أوقف ماكنة هناك واهوي بمعولي على
الرأسمالية. وتركهم يحتفلون.
الفتى يتعلم
بالرغم من إسدال الستائر. اخترق البرق بضوئه الأزرق الحاد أرجاء
الغرفة بشكله المتناوب، ناقلاً أجواء الاحتدام والصخب الذي تفعله الريح
بالخارج. أمام الفتى المتدثر بلحافه الشتوي .إلا آن الحوار بينهما استطاع
أن يتسلل إلى أذنيه، لكنه لم يكن يفهم .
عندما ولج أبوه إلى الغرفة كانت الجدة تحيط به وتشجعه ، إلا أن الأم
ما كانت لترضى.
لا تخش على الأولاد .
دار في الغرفة ..فتح جاروراً، أخرج أوراقاً, كان الفتى يسترق البصر
عبر أصابع يديه اللتين أحاطت بوجهه الغض.. ثم فتح الأب باب الدولاب واخرج
البندقية.
_أين العتاد ..
هرولت الزوجة داسة يدها بين (البقج) لتخرج كيساَ
_أبا (…) لمن تتركنا ..؟
أجابت حماتها ..لاتثبطي عزيمته ، ليس مقتولا من مات في سربه ..
_يا عمة نحن أربعة انفس ..! !
_لكم الله .. وأنا أضعكم في عيوني .
_يا عمة .. ابتعدي عنه ..
سأقرأ لك (آية الكرسي والمعوذات) وانفخها عليك كل يوم
_أبا (…)
وتحشرج الصوت. وضاعت الكلمات بينما وقف الرجل أمام سرير ولده ،
تأمله ثم طبع على جبهته قبلة.
_اعتني به يا أمي، أريده رجلاً. لا تتركيه يسأل .. أخبريه عني. قبّل
الرجل يد أمه، وضم الزوجة إلى صدره .. هامسا في أذنيها.
_لن أنساك.. سوف أعود
دفع الباب وانطلقت وراءه زوجته ، لتدس كيساً من (الكليجة)
_ضعه في جيبك ..
انحدر الرجل على درج واسع ليطل على الشارع حيث تنتظره سيارة . سمعت
الأمر أتان صوت الزمور وهدير المحرك.
والتفتت كل منهما لتطوق الأخرى ، كان الجو لا يزال عاصفا لملمتا
شجاعتهما وهمتّا بالدخول، ليتعثرا بالفتى الذي بعثرت الريح شعره.
_ أين مضى أبى .؟
أخذته الجدة من يده ومضت به إلى غرفتها .كان الفجر على وشك أن يولد
أجلسته على سريرها وجلست الأم فبالتهما تسلل البرق مرة أخري، ليومض وجه أمه
الذي غمره لدمع فبدا مضيئا. قالت الجدة كلاماً كثيراً.. لكن عندما أشرق
الصباح كان الفتى قد أدرك معنى مفردة قد لا تغادره أعواما كانت .. الحرب !
|