هو أنطون بن خليل سعادة مجاعص، ولد في الأول من آذار عام 1904 في
الشوير قضاء المتن (من محافظة جبل لبنان) من أبوين شويريين لبنانيين. والده
الدكتور خليل سعادة كان طبيباً وعالماً وأديباً، ومن أبرز القادة الوطنيين
في المغترب اللبناني في البرازيل، أسس عدة جمعيات وأحزاب مهجرية وطنية
وقومية، كما أنشأ صحيفتي (المجلة) و(الجريدة) في سان باولو في البرازيل.
تلقى أنطون سعادة سنة 1909 المبادئ الأولية للقراءة والكتابة في
مدرسة الشوير على يد المعلم حنا رستم، ثم أكمل دراسته الثانوية في معهد
الفرير في القاهرة حيث كان والده قد التجأ، ثم في مدرسة برمانا في جبل
لبنان.
سنة 1919، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ترك سعادة وطنه، بعد
أن شهد بنفسه آثار المجاعة إبان الحرب، وغادر إلى الولايات المتحدة
الأمريكية ثم في عام 1921، انتقل إلى البرازيل حيث أسهم مع والده الدكتور
خليل في تحرير جريدة (الجريدة) ومجلة (المجلة).
لم يكمل أنطون سعادة تعليمه الجامعي، لكنه درس على نفسه حتى أصبح
يتقن عدداً من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية
والإسبانية، مما أفسح له من خلال مطالعاته بهذه اللغات الحية أن يكمل على
نفسه التعمق في العلم والفكر الإنساني في عدة اختصاصات شملت التاريخ
والفلسفة والعلوم الاجتماعية وعلوم الإنسان والأدب.
أسس سعادة في البرازيل جمعية سرية للعمل على تحرير الوطن من
الانتداب، كما انخرط في عدة جمعيات لهذا الغرض، لكنه وجد أن النضال الفعلي
إنما هو الذي ينطلق من داخل الوطن لا من المهجر. لذلك عاد إلى الوطن في
تموز سنة 1930م، ومنها انتقل إلى دمشق سنة 1913 حيث اشترك في تحرير جريدة
(الأيام) الدمشقية، ومن ثم عاد إلى بيروت وهو عازم على إنشاء الحزب
الدستوري القومي الاجتماعي، مفضلاً الشروع في الوسط الملائم وسط الطلاب،
حيث تولى تدريس اللغة الألمانية لطلاب الجامعة الأمريكية.
في 16 تشرين الثاني/1932، أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي
الاجتماعي تحت اسم (حزب الشعب السوري) (
S.P.P) من خمسة طلاب في الجامعة الأمريكية، ومن هذا الوسط انتشرت دعوته
إلى المناطق بحيث انتظم فيه المئات في غضون السنوات الثلاث الأولى من العمل
السري. وقد انكشف أمر الحزب عام 1935 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي،
فاعتقل سعادة وعدد من معاونيه، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة أقصاها السجن
لسعادة مدة ستة أشهر.
أما مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه سعادة فكانت على
الشكل التالي:-
ـ المبدأ الأول: سورية للسوريين، والسوريون أمة تامة.
ـ المبدأ الثاني: القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة
كل الاستقلال عن أية قضية أخرى.
ـ المبدأ الثالث: القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن
السوري.
ـ المبدأ الرابع: الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من
تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي.
ـ المبدأ الخامس: الوطن السوري هو البيئة الطبيعية الذي نشأت فيه
الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها، تمتد من جبال طوروس
في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر
الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري
في الغرب شاملة جزيرة قبرص إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق،
ويعبر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص.
ـ المبدأ السادس: الأمة السورية مجتمع واحد.
ـ المبدأ السابع: تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من
مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.
ـ المبدأ الثامن: مصلحة سورية فوق كل مصلحة.
أما المبادئ الإصلاحية لهذا الحزب، فتمثلت بما يلي:-
ـ المبدأ الأول: فصل الدين عن الدولة.
ـ المبدأ الثاني: منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء
القوميين.
ـ المبدأ الثالث: إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
ـ المبدأ الرابع: إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس
الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
ـ المبدأ الخامس: إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير
الأمة والوطن.
أما على صعيد غاية الحزب وخطته فقد عُبر عنها بالتالي: (إن غاية
الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق
مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة
نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها).
هذا وخلال وجود أنطون سعادة في السجن عام 1935، كتب كتابه الأول
(نشوء الأمم)، وبعد خروجه من السجن أُعيد اعتقاله لإعلانه ما سماه قانون
الطوارئ تحدياً للسلطة وذلك في عام 1936، وكتب خلال مدة سجنه كتابه الثاني
(شرح المبادئ)، وفي أوائل تشرين الثاني خرج من السجن ليعود إليه في أوائل
آذار عام 1937، حيث اعتقل وهو في طريقه إلى دمشق لحركة تتعلق في الحزب.
خرج أنطون سعادة من سجنه الثالث بعد ثلاثة أشهر، فأسس جريدة النهضة،
والتي صدرت لعام واحد، كما تابع قيادته لحزبه حتى مغادرته البلاد عام 1938
لتنظيم الحزب في المغتربات.
أسس سعادة في البرازيل جريدة (سورية الجديدة)، ثم انتقل من البرازيل
إلى الأرجنتين وبقي فيها حتى عام 1947، حيث أسس جريدة (الزوبعة)، وكتب
كتابه (الصراع الفكري في الأدب السوري)، بالإضافة إلى نشره لمبادئ حزبه
أينما حلّ.
لما خرج الفرنسيون من سورية ولبنان، عاد سعادة إلى الوطن في 2
آذار/1947، وأسس جريدة (الجيل الجديد). وقد اتُهم سعادة بتدبير عصيان مسلح
في حزيران/1949، فقامت السلطة اللبنانية بتدبير خطة بالاتفاق مع حزب
الكتائب، الذي قام بمهاجمة مكاتب الجريدة ومطابعها وتسبب في حرقها، فعمدت
السلطة اللبنانية على إثر هذا الحادث المفتعل والمدبر، إلى ملاحقة الحزب،
فانتقل سعادة إلى دمشق وهناك أًعلن الثورة القومية الاجتماعية الأولى
لإسقاط حكم الطغيان والفساد والتزوير في لبنان في 4 تموز/1949.
أثناء ذلك نشطت الضغوطات الفرنسية، ونجحت في دفع حسني الزعيم الذي
كان يتسلم مقاليد الحكم في ذلك الوقت في سورية، إلى تسليم أنطون سعادة إلى
السلطات اللبنانية، في 7 تموز/ 1949، حيث استُنطق وحوكم ونفذ فيه حكم
الإعدام خلال أربعة وعشرين ساعة، فكانت وفاته فجر الثامن من تموز/ 1949.
هزت هذه المحاكمة الصورية ضمائر الكثيرين، وأكدت سيطرة حزب الكتائب
الذي كان على خلاف شديد مع سعادة على الحكم في لبنان، وقد قال كمال جنبلاط
في وفاة أنطون سعادة في استجواب قدمه في 9 أيلول/1949 إلى الحكومة
اللبنانية عبر مجلس النواب اللبناني: (وفي الواقع وفي نظر كل من اطلع على
خفايا الأمور، لقد تدخلت بعض الدول الأجنبية المعروفة في قضية سعادة وضغطت
بحيث أن أكثر الأعمال الاعتباطية التي صدرت عن الحكومة اللبنانية بهذا
الشأن إزاء الحزب القومي ومن ضمنها المحاكمة والقضاء على سعادة وبعض
أتباعه بهذه السرعة وبهذا الشكل والتي قد تمت بناء على توصيات وتدخلات
وتأثيرات دول أجنبية وعربية معروفة).
كان أنطون سعادة يحاول إيجاد هوية إقليمية ضيقة في منطقة الشرق
العربي تتجاوز الهوية العامة (العربية الإسلامية) إلى هوية يجد فيها هو
ونظراؤه من الأقليات الدينية والعرقية تمثيلاً موازياً لتمثيل الأكثرية.
وجاء خلافه مع حزب الكتائب (الموارنة) لأنه كان يدعو إلى وحدة الأراضي
السورية، بينما كان المشروع الماروني المدعوم من فرنسا يتبنى انفصال سورية
عن لبنان. وقد حظي الحزب القومي السوري بتأييد العديد من الأقليات العرقية
والدينية والمذهبية، وكانت له مكانة خاصة في نفوس بعض العلويين والدروز
والاسماعيليين وكذا بعض المسيحيين من غير الموارنة. ولقد كان هذا الحزب
موضع رهان هذه الأقليات قبل غلبة المد القومي والانتقال إلى حزب البعث.
لقد اعتبر أنطون سعادة نفسه بوصفه المؤسس الأول للحزب زعيماً
تاريخياً فاحتفظ لنفسه بحق المرجعية الفكرية والتنظيمية، كما أعلن نفسه
زعيماً أبدياً للحزب على الطريقة الفاشية. إن دراسة مفصلة لأفكار أنطون
سعادة وسيرته ، ونظرته إلى مكانة الزعيم تفسر سلوك الكثيرين من زعماء
المنطقة.
ترك أنطون سعادة مجموعة من الكتب أهمها:
ـ كتاب (نشوء الأمم).
ـ (الصراع الفكري في الأدب السوري).
ـ (المحاضرات العشر).
ـ( قصة فاجعة حب) حيث طبعت مع (قصة عيد سيدة صيدنايا) في كتاب واحد.
المراجع:
ـ (الأعلام)، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين،
بيروت، طبعة خامسة 1980، الجزء الثاني، ص(27،28).
ـ (موسوعة رجالات من بلاد العرب)، د. صالح زهر الدين،
المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص(102ـ 109).
ـ (موسوعة السياسة)، عبد الوهاب الكيالي وآخرون، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى 1979، الجزء الأول، ص(364،365).
|