لماذا ..؟؟..!!
رفعنا الملعقتين كل الى فمها لنلتهم صحن الشوربة الدافئ اللذيذ...
فقالت: الفاتحة يا أروى..
قلت: لا لن يفعلوها ..
واذا بصوت يصدح من خلف المايكروفون...الفــــــــاتحـــــة..
الفاتحة على ما تبقى من برستيج لنا نحن الإثنتين...
الفاتحة على أرواحنا الضاحكة حتى الثمالة...
على النكتة التي جمعتنا خلال عشرة أيام أو يزيد...قضيناها كأمتع ما يمكن
لصديقي عمر طويل
أن يقضوها ونحن اللتان لم نلتقي إلا هنا في تركيا وفي هذا المؤتمر الخاص
بالشباب واتحادات الطلاب الجامعية...
الفاتحة..على صحن الشوربة..انخرطنا بالضحك من جديد..طارت كل أبخرة الشوربة
فأصبحت باهتة متلبدة...حملقت بنا كل عيون المؤتمرين رجالا ونساءا...
بيضا... وسمرا
عربا... وتركا... غطست دموعنا في صحن الشوربة فضحك معنا... وارتجت أكتاف
كراسينا فكدنا نقع أرضا...
لماذا يصمم هؤلاء الأتراك على إبتداء كل شيء بالفاتحة...لهم على كل حال
طريقتهم...
تلك هي بلادهم... ونحن سنبقى ضيوفهم...
بعد العشاء المحترم جاءوا الينا بجحا على مسرح للعرائس ليضحكوا قلوبنا ..
-رانية..اذاك بالله عليك هو جحا...
-أنا هو جحا...وأنت هبنقة...
-هبنقة...!!
-نعم هبنقة...
هبنقة الذي يصحوا كل يوم فيقف أمام المرآة ويسأل صورته فيها : " إذا كنت
أنت
هبنقة فمن أكون أنا..؟؟ "
ضحكنا على شخوصنا الجديدة... وغادرنا المكان... كنا نفترق عند لحظة صعود
الباص
كانت تلتزم وفدها وكنت ألتزم وفد زوجي...
في مسجد جلال الدين الرومي... هذا الصوفي الجليل وعلى أعتاب ضريحه تجولنا
فيما
يشبه المتحف لآثاره وكتبه وكثير من نظرياته في الحياة...
أوقفتني اللحظة الشاردة في دماغي... التي تحاول دائما أن تفهم كيف يفكر
الآخر...
لكنني لم أستطع أن أفهم... لماذا
نريد دائما أن نعبد الله كما نشتهي نحن...؟؟..!! ولا نعبده كما يريد هو
...؟؟..!!
لماذا نرسم له صورة...!! ونحاول أن نقولبه فيها ونجسده بداخلها...!!!
لتتلائم عبادتنا
له مع مزاجنا.. ونظرياتنا.. وموروثاتنا ...!!!
لماذا نفرض على الله طريقتنا الخاصة في الوصول إليه... ولا نحاول أن نخضع
نحن لطريقته
التي تترجم لنا كيفية رضاه عنا وقبوله لنا...!!!
من هو الرب فينا يا ترى...نحن أم هو..؟؟..!!
من هم القطب والغوث والأبدال... الذين نستغيث بهم ونبدل لأجلهم عبادة الله
بعبادتهم...؟؟..!!
من شرودي ذاك... نادى المنادي علينا أن سيتم عرض رقصات تعبدية لأحفاد
الرومي
وأتباعه في القاعة الفارغة من كل شيء إلا الهواء... أو ربما طينية
أجسادنا..!!!
جلس كل الزائرين من المؤتمرين على الأرض الملساء.. دخل شيخ مهيب بشموخ أنفه
وعباءته السوداء... لم أستطع أن التقط السماء في وجهه... ولم أرى عليه إلا
آثار
الآدمية البحتة... ومن خلفه تسعة من الرهط بفساتينهم البيضاء الطويلة
وطرابيشهم
الحمراء... بدأوا يتعبدون الله بجوقة موسيقية تعزف في زاوية القاعة
موسيقاها
الصوفية الغائثة المستغيثة...
وبدأت الفساتين المزنرة من وسطها... المتشعبة وسعا عند أقدام المتصوفين
بالتداخل
في وسط القاعة رقصا وارتفاعا نحو السماء... باللف والدوران... داخ معها
عقلي في
البحث عن الله في جنباتها...!! والذي عرفته دوما هنا كما يريد هو في شغاف
قلبي...!!
كان الناس من حولنا خاشعين في تلك التمثيلية الروحية... إلآنا نحن الاثنتين
وبما إننا
كنا نتمتع بنفس الروح الساخرة... عدنا لتعليقاتنا الهازئة وضحكاتنا الصامتة
المتفلتة
بين جنبات القاعة هنا وهناك... لم نصمت لحظة حاولنا غير أننا لم نفلح...
-أنظري يا رانية كيف يشكل هؤلاء القوم الكواكب التسعة ويدورون كما تدور في
السماء.. وهذا شيخهم هو شمسهم ...
-من قال لك هذا ..؟؟
-هبنقة يحزر...يحزر كل شيء..
انتهت جلستنا التي إبتدأتها رانية بالفاتحة... أما خاتمتها فكانت بهدلة
وتوبيخا من سيدة
أخذتها حالة الوجد... قالت لي :
-هل تعلمين أنك كنت تجلسين على قدمي طوال الوقت...!!
-أعتذر لك... ولكن لماذا لم تخبرينني..؟؟
قالت:
-لأنني أحترم المكان الذي يحترم الله.. ولا أنبس ببنت شفه...!! وأنتما
الاثنتان هل توقفتما عن الهمس والتعليق أو الضحك لحظة...؟؟..!!
أشاحت رانية بوجهها عني وابتعدت كأنها لا تعرفني وهي تضحك... أما أنا فقد
تحولت
مباشرة إلى صرصور مرتبك... يركض هاربا إلى الزاوية من حالة قتل من سيدة
كانت
في حالة وجل إلهي رأت شيطانها أمامها فكادت أن تخنقه...؟؟
فرقنا الباص مرة أخرى...
على موائد المثقفين.. والمفكرين في أوقات الغداء والعشاء كان يجلس
بقربنا...يضحك
لنكت رانية التي لا تنتهي... بدأ بالابتسام أولا والمشاركة ثانيا...لينتهي
بنظرات الحب
والغرام ثالثا... حتى أوقعها بعينيه غزلا...
كنت أرقب عينيه الواسعتين وهما تسرقان لقطة من عينيها...وأنا التي أذوب
أمام قصص
الحب ولو كانت خيالا فأتجنبها دوما... فمالي وأنا أراها تنطق أمامي بكل
خلجاتها
وسكناتها... ولكنها لم تكن تتركني أقرا العيون واستمتع... فتأتيني الضربة
بقدمها من
تحت الطاولة ...
-آآآخ...رانية...رجلي...
تهمس ببرائتها :
-ولكن هل رأيت كيف نظر الي...!!!
-رأيت ...رأيت...والله رأيت...وهل تسمتعين أنت بنظرات الحب من خلال قدميك
فتضريبنني بها... ألا تتبخرين شوقا وحنانا... لقد أوجعتني...
كانت النظرات تتوالى...الساعة تلو الساعه وتتوالى معها الضربة تلو
الأخرى... وإن لم
يكن هناك في المشهد طاولة نجلس عليها تحولت ضربة القدم الى قرصة في
الذراع...!!!
هو يقرص قلبها وهي تقرص ذراعي بدورها... تتأوه حبا.. وأتأوه وجعا..!!
ثم غدت سرقات العيون أكثر شراسة وأكثر ملاحقة وفي وضح النهار وتحت ضوء
الشمس..!! وما عادت وجنتي رانية تصفو لرونقهما...ينتقل لونهما من احمرار
الى احمرار.
هكذا عشنا قصة الحب سوية...أرختها إحدانا بقلبها... وتؤرخها الثانية
بقلمها...
افترقنا واجتمعنا...اجتمعنا وافترقنا...
جاءتني بعد أيام ... وقد جاء دورها لتلقي كلمتها على منصة الخطابات... كانت
تنتظر تلك
اللحظة بفارغ الصبر ... كانت تريده أن يرى إبداع عقلها بجانب خفة روحها...
قالت:
-عندما أصعد على المنصة تحييني كما حيا هبنقة جحا
-وهل حيا هبنقة جحا...هل التقيا في التاريخ يوما...؟؟
صكت على أسنانها:
-أروى... لا لم يلتقيا في التاريخ ...التقيا هنا في المؤتمر
-حاضر... حاضر...
كان في صوتها رنة حزن ... سألتها لأجلها:
-رانية...هل وعدك أن يأتي.. أم أنه سيتغيب...؟؟
-سافر..
-ســــافر..؟؟..!! كيف...بقي للمؤتمر أربعة أيام.
-هو على موعد...
-مـــــوعد..؟؟..!!
-موعد زفافه...
-رانــــــية...!!!
-موعد مع عروسه...
جن جنوني أكثر منها...!!
-كيف بالله عليك...إن كنت أنت تتوهمين... فهل فقدت أنا أيضا عقلي..؟؟..!!
وكل تلك الغراميات...وقلوب الحب التي تطايرت في الأجواء من عيونكما وما تحت
الطاولة...وما فوق الذراع...وتبادل العناوين والايميلات والهواتف...
هذا هراء...هذا محض جنون.
لم أصدق... ولم تكن هي أيضا لتصدق... كدنا نبكي سوية... لكننا لم نفعل...
ضحكنا بدلا من
ذلك... ربما لأننا كنا نشتهي البكاء..نشتهيه بشده.. جلسنا في قاعة المؤتمر
ذاهلتين..
صامتتين.
عندما تختطفك لحظة الحب من نفسك و تهيأ لك أنها هناك..نقطة ضوء في حياتك قد
تستنير
بها... ثم ما تلبث أن تكتشف أنها سراب...وكلما حاولت أن تتماسك في تجربتك
تلك تخطئ..
وكلما أخطأت ندمت ...وكلما ندمت زادت معارك قلبك قبولا أو رفضا لهذا الحب
..ولكنك في
النهاية تنكسر...
لعل الحب يكون لصا...أن يسرق منك أبخس الأشياء أو اثمنها لا يهم... ولكنه
يكفيه
لصوصية أنه ينتهك حرمة قلبك...ويدخل دون استئذان ويجعلك تبدو أمام كبريائك
كالأبله...
كهبنقة...
عادت رانية الى مقعدها بعد التصفيق الحار...كانت ترسم الدوائر على ورقة
تتكأ على ملفها
الذي تضعه في حضنها.. حول كلمة علّمت عليها بقلمها الف مرة وكتبتها ألفين...
لماذااااااااااااا...؟؟؟...!!!
ثم سألتني:
-لماذا لا يريد أن يتزوجني أحد...؟؟...!!!
دققت الأرض بأقدامي وشققتها... ثم أنزلقت من كرسيّ فيها وأختبئت..وأغلقتها
عليّ...كنت
أعلم تماما ماذا تريد أن تقول..والى أين ستصل بي ...التفتت حولها ولم
تجدني..
-أروى...أخرجي... أرجوك...أحتاجك الآن...أحتاجك لوجعي الذي أرقني عمري
كله.
صرخت داخل قلبي دون أن تسمعني ولكنني أكره المصارحات... لماذا لا يجد من
أعرفهم غيري للمصارحة.. قلبي لا يحتمل الألم... ولا يحتمل الحزن... لن أنام
ليلي يا رانية ..لن أنام
ولا زلت لم أنم لأجلك.. أنا أدرى بنفسي...
أنثنت بجسدها من على الكرسي فتحت الأرض.. شدتني من أكتافي وأخرجتني...غصبا
عني
-هل تعلمين لماذا لا يريد أن يتقدم لخطبتي أحد ..؟؟..!!
تجاهلت وقلت:
-لا عليك يا رانية...لا زلت صغيرة...
كنا لم تتجاوز الواحدة فينا الخامسة والعشرين من عمرها...ولكنها استرسلت:
-ءلأنني سمينة..؟؟..
هل تتزوج السمينات يا أروى...؟؟؟
-وهل كان هذا الأحمق رشيقا..؟؟؟
-لا شك على الأقل أن عروسه كذلك..!!
-مهما يكن..هناك دائما ..الف حل وحل...
-إنها هرموناتي يا أروى..لن تتعدل يوما..ولن يوقف عنفوانها أي تخفيف لأي
من أصناف الطعام... لن يحتضن قلبي هذا ولو لأي لحظة رجل تحت سقف واحد ولن
أرزق بطفل...أعرف قدري ..وأعرف مصيري..لن يكون لي سند بحياتي ربما هي صحتي
التي سأتكأ عليها عندما أكبر..
لن يكون لخفة روحي ولا لذكاء عقلي أي تأثير على أحد..أكثر من لعبة
قذرة..!!!
هكذا استطاع هو ان يتوج مرحنا وشغبنا في أيامنا تلك بجوهرة دامعة...ووداع
حزين...
غادرنا المكان.. وغادرنا البلاد... ركبت هي طائرتها الى قمم الثلج... وركبت
انا طائرتي الى
غياهيب الجب...ومنذ ذلك اليوم لم نلتقي...
غير أنني لا زلت أتذكرك يا رانية... بعد مرور ما يزيد على السبعة أعوام على
لقاءنا ...
وهاأنذا اليوم أكتب لأجلك... وعيوني لا زالت تترقرق لأجل عيونك...
أتذكرك يا رانية كلما ضحكت على صحن شوربة...!!
وكلما رأيت فتاة تجاوزت الخامسة والعشرين والسادسة والسابعة والثامنة وهي
لا زالت
أسيرة نفسها ...
وكلما رأيت شابا في ملعب لكرة المشاعر يرفس بأقدامه قلوب الفتيات دون أن
يحرز هدفا
واحدا...!!!
هل تظنين أن الرشيقات اليوم يتزوجون يا رانية..؟؟..!!
هل تزوجت أنت..؟؟..أم لا زال الشباب يلهون بعينيك الجميلتين..؟؟..!!
إشتقت اليك.....
عيد ميلاد
"من قال
لك أنني أريد أن أكبر"
أجابها بعينيه الشاردتين يمنة ويسرة...وفمه الضاحك بلا أي صدى في أعماقه
المتصحرة من معنى لوجوده هنا في هذه الحياة...أو على قارعة طريقها... حيث
يسترزق تحت أضواء حمراء وخضراء.. تمنع لحظة.. وتعطي أخرى...
يبيع علكته أو بعض من جوارب للسيدات أو نكاشات للأسنان لم يفهم يوما كيف
يستخدمها.. لمن خرجوا للتو من مطاعم الشهوة والرغبة وبين أنيابهم بقايا لحوم
وشحوم أتخمتهم شبعا....
أستوحشت أضلعها.. التي تحمل في ثناياها قلب عصفور رقيق من تشاؤمه لسنواته
القادمات... أرادت أن تستكمل حديثها معه غير أن إخضرار الإشارة الضوئية قد
اعلنت لها أن بوابة رزقها أنفتحت وبامكانها الإنطلاق..عابرة كل ممرات الروح
الى ما شاءت من أفنان الحياة وثمارها..
في عتمة ليلها... أقلقها هذا المتشرد الصغير نسيت أن تنام وهي تتذكر بنطاله
المتقزم عن كاحليه...وقميصه الذي قد تلون ببقع الفقر وكثير من بصمات لئم
الأغنياء...أما وجههه الذي قد تعثر بطينية البشر وأغبر كثيرا من التصاقهم
بالتراب...فكان أكثر ما يدعوها فيما يدعوها الى حبه حتى الثمالة....
عادت اليه في صباحها...ناغشته بالأمنيات...حدثته كثيرا كيف يتأمل الصغار...
وكيف غدا كثيرا من الفقراء بجدهم وكدهم أغنياء ...
لم يكن يفهم شيئا مما تقول ... واسترسلت همومه بين يديها يحدثها ويقول لها: "أخشى ان يقطعوني كما فعلوا بأبي"
باندهاش استفهمت منه...علمت أنهم يأخذون أباه كل أسبوعين لمشفى حكومي
تنعق على بوابته بومة اللامبالاة والاهمال...خير طريق واسهله لتخليص احدهم
من مرضه ..أن تُقطّع أجزاءه ارباً ارباً ما دام لا يستطيع ان يدفع ثمنا
لعلاج...
وأثمان...
بكى بدموعه الجافة التي اعتاد ان لا تسيل ابدا... وخفقت خدوده المتقعرة على
وجنتيه نبضا بالالامه التي شاخت من لياليه السوداء...
أشار بيديه وعينيه وقلبه الى لا شيء في الحياة وهو يروي كيف يسمع كل ليل
نحيب ابيه بعد أن قطعوا قدميه أولا ووقع مغشيا عليه من عجزه والألم..
ثم تركوه أسبوعين ليقطعوا بعدها يديه من الرسغين ووصل الأمر الى الركبتين
ثم المرفقين حتى لم يتبقى من جسده اليوم الا نصفه الاعلى دون أفخاذ ولا
أكتاف...!!!
حدثها كيف تشرق الشمس فيغفو أباه أمنة نعاسا...لتصحو أمه تواري مجرى
عينيها بأكمامها عن صغارها ...وشهيق يخنقها يعلو في صدرها بركان لا يخمد
أبدا...
أياما وليالي ...وليالي وأياما...يخرج هو مهرولا لعمله ... يقف بباب
الملحمة...
سألها فجأة: "هل يشبه الطبيب اللحام"
نزلت من سيارتها...إحتضنته بذراعيها...قبلت جبهته...وضعت قلبه على صدرها
انهكته حنانا...تتمتم بكلمات متقطعات بين تنهيدات انفاسها المتحشرجة في
حنجرتها "أقسم لك أنك ستكبر واخوتك احلاما ونجوما مضيئة حتى لو أعتم ليلكم يوما"
ترتجف كل أوصالها ...تحدثه ..لا زالت عن الأمل...وتذرف دموعا حارقات
تتلقفهم
أناملها التي تنغمس في رأسه ضما وحنانا..
عاد الضوء الأخضر يعلن الأنطلاق من جديد ولم يصبر اللاهثون بنزعات التسوق والإستهلاك على لحظة انفعال منساقة وراء عاطفة جياشة...جن جنونهم.. زعقت
السيارات ... ولوحت لهما الأيادي منددة شاجبة مستنكرة... تركتهم في أزمتهم
الروحية ... فليذهبوا الى الجحيم ...ما دامت هي تحتضن الجنة...
خالفت شرطة المرور قلبها المحزون...ورمى لها أحدهم صحيفة اليوم بعناوينها
المتسولة للشهرة والتسويق "شحاد يبني قصراً في أرقى ضواحي المدينة"
"أقضوا على ظاهرة التسول بالإمساك عن وعي الحب والإنفاق"
أعطته ما قدرت عليه من الكرامة....
لعنتهم... ولعنت اقلامهم التي لم تُعبر الا عن ظاهر الظاهرة... ولعنت قلوبهم
الخاملة الا
عن جشعهم وآمالهم العريضة بالخلود...
بعد أيام معدودات... كان الجميع يتحضر للاحتفال بعيد ميلاد أخاها الصغير
... خرجت
لتشتري ما وعدت به بآخر ما تبقى معها من معاشها...قالب الكعكة المزهوة
بصورة
لأخيها أمير الأبرياء...
رأته مشدوه النظرات... متلعثم الكلمات... يمسك بالمارة واحدا تلو الاخر... يشد
بأكمام
قلوبهم... املا في قلوب دافئة معطاءة يرجوهم 50 دولارا ليدفن أباه الذي مات
منذ
يومين وليستكمل أوراق وفاته ..ولا زال طريح الحصيرة...غطته أمه ووضعته تحت
النافذة حتى لا يشتم اطفالها من ابيهم في آخر عهدهم به الا عفونة
الرائحة...
أمسكت بيديه بين يديها وقبلتهما ... وقفت على حيرتها تستدرك ما يمكن لها أن
تفعله
وعدته بالعودة اليه بما يحتاجه...ورجته الا يغادر مكانه قيد أُنملة...
اشترت كعكة البرجوازيين بثمن دفن فقير... لم تستطع هي ايضا أن تقي نفسها
شحها
أو أن تخرج بكليتها من عباءة عالمها...
عادت الى حفلة شقيقها...هرج ومرج...طرب ورقص وغناء...
Happy birthday to you.... وعيد
ميلاد سعيد يا امير الأبرياء...وزينات...
وبلالين...كلما فقع أحدها جفل فؤادها على عشق تركته على قارعة الطريق...
لا تعدم حبه ولا هي تستطيع ان تتكفل كامل قضيته...أستكملت وقتها مع الأهل
والأصدقاء..لكنها وبصدقها أظلم فؤادها...ولم تستكمل الرقص على الالام
الفقراء...
على سرعة محرك سيارتها ...وعلى قوة دفعها...كانت تصلها ابواق ناعقة
بالاحتفالات
من شبابيك ماكدونلز...وهارديز..وجولبي.. والبابيز...لم تستطع أن تصل اليه
مع
هرج المدينة...وانشغال كل بحبة فؤاده ولؤلؤة عينيه...
ضاع في الزحام ...وأختفى... تحت جنح أشرطة طويلة وعناوين تعم البلاد..عن
افتتاح جلالة الملكة مؤتمر التنمية ورعاية الطفولة...!!!!
حفر وأمه التراب تحت عتبة البيت...جرا الحصيرة وما يرقد عليها...
كان ذلك اليوم ايضا هو عيد ميلاده...لكنه قام بدفنه...!!!!
وشتان في هذا الكون بين عيد ميلاد...وعيد ميلاد....!!
(ملاحظة:قصة الأب الفقير ووضعه الصحي ومعاناته بسبب مرضه امام أطفاله حقيقة
,نسجت حولها حكايتي)
بأي ذنب قتلت ..
الجمعة,
15 ديسمبر, 2006
أعدت نفسها ووضعت زينتها...عاد متاخرا كعادته في المساء...أقفل النظر اليها
ليفتح صفحات كتاب أويسمع نشرة الأنباء.
أختلفوا في لحظة الرضا ...ودب بينهما صراع.
بطبيعته الفلاحية التي بين دفتي قلبه كان يهون عليه دوما أن ينطق بأيمان
الطلاق على صغائر الأشياء أو عظائمها..لا فرق!!! على كأس الشاي الذي لم
تعده في موعده ... وعلى سلة النفايات التي كانت تملؤها لقمتها ويتلوث هو
بحملها ... وعلى هدرها لوقتها مع الصديقات...وعلى فاتورة التليفونات...
وعلى الوظيفة التي تسعى اليها سعي المريض للشفاء... بطبيعتها الرومانسية
الرقيقة كانت تعتبر أيمانه بالطلاق وحدة طباعه تجاوزا لكل الخطوط
الحمراء... لكنها لم تكن أكثر تسامحا منه...وكانت تغار عليه من نسمة
الهواء...وكطبيب عيون كان عليه واجب شرعي نبيل أن يحدق بكل أصناف
العيون!!!! من فضائله أنه يغضب ثم يصفح...ويقدم أعتذاره إليها سواء كان
ظالما أو مظلوما من نقائصها أنها تعاند وتكابر ...وتغضب أياما
وليالي..تتأبى عليه كثيرا... ليعاود الغضب دورته...وينام كل على
ألمه...محتضنا جرحه وكبريائه... تداخلت الأمزجة وتشابكت...صراعا أخذ الوانه
المتعددة وأشكاله... ولا زالت صدفات الحب بينهما خالية من لآلئها...مع أن
أوليات مكوناتها من أتربة وأغبرة كان لابد منها حتى تتشكل اللؤلؤة..وتتضح
الصورة وتشرق الحياة عِشرة وألفة.. وهما اللذان لم ينقضى على زواجهما
عامان أو أقل من ذلك بقليل.
في تلك الليلة المحمومة بينهما بحرارة جاوزت الأربعين...نامت دون أن تهدأ
خواطرها كانت تزعجها فكرة الإرتباط به أصلاً ..لكنها حاولت ان تصبر
نفسها...وقبل أن تسترسل في أفكارها دق ناقوس الخطر على بوابتها... ولما
أسرعت الخطى لفتحها فالطرقات عالية والجلبة شديدة..وجدت جيشا كبيرا من
الأرهابيين يتربص بها...هنالك بعض الشخوص الذين تعرفهم من أقاربها المقربين
..وبعض من أقارب زوجها..وكثير من نصائح الصديقات البالية عن حزم الأمتعة
والكرامة ومغادرة الديار... وعلى رأس الطارقين الزعيم الأكبر هادم الأَسر
وناشر اللعنات بين بني البشر ...قاد الركب وأتى يصفق للخلاف ويستعد لتصفية
الحساب... أرتعدت عيونها نوما من هذا الجمع الغفير.
وعلى أشراقة فجر يوم جديد...أستيقظت من منامها وقد رات فيما ترى الروح في
لحظة العبور الى فضاءات الغيب......
عِشرة : طفلة صغيرة تحبو باحثة عن لقمة تكبر معها وتقف بها على قدميها
...أقتربت منها أرادت أن تسحب من بين يديها كومة متكدسة من الملح وقطعة من
الليمون الحامض.... أجفلت لما عاتبتها الصغيرة ..لم تريدين وئدي قبل موعد
وفاتي يا أمي.!!!!! هي المذاقات المتعددة التي ننمو بها في الحياة وتنمو
بنا.... غير أننا نبدو بسطاء في إدراكنا لألوان الحياة وتشعبها ونشتهي ما
لا ينبغي ... ولا نصبر على ما يليق بنا... ونلهث وراء شرور أفكارنا لا
نريدها أن تهرب منا.... نضع على موائد أعمارنا أصناف كثيرة من الأطعمة في
الوقت الذي لا نحسن التعامل مع مذاقاتها ...ونتعجل على النهايات السعيدة
دونما صبرا لتجاوز حبكة علاقتنا.
في الصباح الباكر حملق جمع الطارقين حول نافذة افكارها وقدموا لها المساعدة
في حمل حقائبها...ومغادرة الزمان الذي تصبر به ومعه حتى يُسند ظهرها ويشد
من أزرها...لبناء عشها...
في طريق عودتها الى بيت والديها ....أستثارها هذا الجمع الغفير مرة أخرى
وهم يقفون في أرض خلاء ...أشخاص يبكون رياءا ... وأخرون يضحكون
أستعلاء...ومجموعة ثالثة يثرثرون استجماما...أوقفت سيارتها وشاركتهم
جمهرتهم...عرفت لحظتها انها تقف معهم على مقبرة عمرها ...وتدفن عشرتها ..
طفلتها الصغيرةالتي لم تطعمها شيئا ولا حتى في احلامها ..!!!! بينما كان
هو يحاول أن يلملم حبات العقد التي تناثرت من بين يديه وهو يتذكره على
عنقها ... في أيامه التي لم تكتمل معها وأعصابه التي لم تصطبر على حسن
عشرتها..رأى من على شرفته روح بريئة تطير في علياء السماء...أدرك أنهما معا
قتلا كل فصول العمر فلا استمتعا بحر الصيف ولا دفء الشتاء...ولا قبلا بأن
تتساقط أوراق الخريف ليتجدد العهد ويعود الصفاء... كان الصبر وحده كفيل بأن
يجعل طيورهم تهاجر من شتائهما الى صيفهما لتحط رحالها في ربيع العمر ثمارا
ناضجة وأزهارا.....بدل من أن تغيب في أعماق الفضاء ذكريات وأوجاعا..!!!
صديق الرصيف ..
سكبت حزنها كله في عينيه ..ثم غادرت المكان ..
اعتلت الطريق الوعر الصاعد من قلبها الساكن في العصر الحجري وتفرعت منه
الى عهود جديدة ..توصل الى الطريق المزدحم بالإلكترونيات والآلة ..
وصلت زمان مجدها بكعبها الطامح الى ملامسة أشعة الشمس وتقمصت الحنان وأصيبت
بحالة من هذيان الكلمات الرقيقة المفتعلة كروتين على جدول أعمالها
وامتشقت أدوات الطبيب الحاذق قلبا دافئا تضعه على كفها ..وتنفخ عليه في كل
جناح تتفقد به مرضاها ..وترسل منه نسائمها ..
كان يعشقها على امتداد العمر الموصول من قلبها المتحجر حتى نهايات كل مساء
مرّ من طفولته الموجوعة القابعة على نافذة الحرمان التي كان يرقبها منها
..وهي تصطحب العز والجاه بشخصنة حياتها حول محور نجاحاتها وعملياتها
الجراحية التي قد أُشتهرت بها ..لتتركه كل يوم وحيدا يفتح ثلاجة ذاك الفؤاد
الذي بين ضلوعه ليجده دوما فارغاً خاوياً إلا من صقيع وزمهرير..
وأصبح كل شيء يخصها مسروق من خصوصيته معها ..
حضنها ..قبلاتها ..ادنى التفاتة منها إليه ..حكايات ما قبل النضوج ..سمر ما
بعد الطفولة ..حلاوة طبيخها ..وملوحة حلوياتها التي صنعتها بعجز أمومتها ..
كانت ذاتيتها تغالب كل شيء في حياتها ..فلا يستفيق قلبها من ليلة غرام
بعملية جراحية ناجحة تزيد من ألق شهرتها حتى ينام في أخرى ..وهو لا ينام
الا في حضن البرد ..تغمر ليالي الخوف التي عانى منها صبيا ركام هائل من
صقيع الثلج ..هكذا إمتلأ عمره بالزكام والجذام من لحظة بكائية مولده الخارج
من رحم ضاق عليه بالرحمة الى رحم الكتروني يصور الحياة آلة أوسع ..
غدا يغار عليها من كل شيء ..
من فستانها الذي ترتديه على خاصرة السنون العجاف لمراهقته ..
من مرآتها التي تصورها كأحلى"سنووايت" فقدت من حياتها العيش الا في غابة مع
أقزام المفاهيم وتشوهات المعاني ..
ومن هاتفها الجوال الذي يلتقط كل ذبذبات الأمومة المستدامة العابرة للقارات
العجاف والسمان .. وما استطاع أن يلتقط اصفرار قلبه الذي كتفت له يداه
وذبذباته الغائرة على سريره العسكري شاهدا عيانا على بعد منفاه عنها ..
من خواتمها المرصعة التي جنتها بثمن بيعه رقيقا للفلبينية حينا
وللأندونيسية حينا آخر ..وللسيرلينكية سيرة ذاتية تدمغ بها جبينه .. اعواما
تتلوها اعواما من عمره بناءا لفصاحته ..وإصحاحا للسانه ..وتدعيما منشودا
لبرجوازيته امام أهل الجيرة وتأصيلا لثقافة( الفبو –سيلاني – أندروماتيكي
)(F.S.N)
العالمية المرموقة ..
وغدا يغار عليها..
من سيارتها المتعجرفة التي ترتمي في أحضانها في كل حين ..ويرتمي هو على
صلف حديدية قلبها مستجديا عطف بقاءها معه ..إصفرار الليمونة في وجنتيه
..وملوحة الدمع في مقلتيه ..ولا حياة لمن تنادي الا من نداءات الجارية الأم
أو الدكتاتورة الجارية :
"فوت حبيبي فوت ..خلص ..ما في ماما . .ماما راحت سوغول "
ومن سلسلة مفاتيحها التي توحي لها بنشوة االإسترجال ..عالما آخر تحارب فيه
الأنوثة الذكورة باعتبارها الأمل المنشود للوصول للكمال ..
ومن حقائب العطاء والتضحية ..التي تنثر منها عبقا في كل مكان ..ولم يشتم هو
منها الا رذاذ العطر الذاهب معها الى حيث ذاك الآخر الموجوع على سرير ليس
في بيته ..وعنوان ليس في حيِِِِِّه ..
..
كانت تبني مستقبلها ..وتهدم بمعول إنسانيته المنقوصة من وجودها مستقبله
..وينعكس اهمالها على ضياعه ..في مقاطع البلوتوث ..وأروقة البالتوك ..
وكان هو بوحدته يصادق الطرقات ..وتتجذر بذور شخصيته في تربة الإنطواء
..ويكبر بالعزلة ..وتنمو عضلاته بالقسوة ..تزيدها ثرثراتها معه في أحايين
متقطعة عن أعمالها وبعضا من أوجاع المستشفيات ..وتجالس أوجاعه الرصيف تثرثر
عنها وتشتكي جفاءها ..
معادلة كيميائية حامضية المذاق تلك التي نشأ عليها ..
أنجبته رغما عن أنفه ..فلم يكن بينه وبينها عقد ولا احتواء لأي شرط أو
إيجاب وقبول ..او حتى فرصة للرفض ..فسوّت من خلاله انفعال نفسي يخالج
أنوثتها فأصبحت أما ..وعكرت حقيقة فطرية علمية ثابتة تسمى نموا صحيا
للطفولة فأصبح صديقا للرصيف ..
وأصبح فؤاده فارغا كأم موسى ..فألقى به في اليم ..وأصبح فؤادها مكتظا
بالعلو مرصعا بمديح المجتمع ..وشاشات المجد ..فاعتلت به عرش فرعون ..
..
خيالات نساء أقرب ما يكن الى أشباه رجال ..في مزارع تطرد عن خضرة الزرع
أشعة الشمس ..وتظلل الأرض من حبات المطر ..فقر في القلوب ..وقفر في الحصاد
..
..
أن تجعل يدك مغلولة الى عنقك ..لتخنق ببخلك طفلك ..أو أن تصبح الأنا هي محط
رسالتك ..وجوهرة مبادئك ..أو أن يصبح عهد الأمومة معبد اسمه الذات ..
أن تنجب ولدا وبنتا وماركة عالمية وأرباع طنجرة في اخماس عاطفة ..وشعر مقفل
على الرأس برباط نفاد الوقت ..فلن تستطيع أكثر النساء حنكة وذكاءا وتنظيما
أن تدور في دوائر الحياة كلها الا المكابرات ..
..
أو أن يصبح عهد الأمومة رسالة مفادها كيف يمكن لك أن تجني المال استقلالا
من عبودية رجل وسجودا لحركة الآلة ..ليزداد عدد الماركات التي يتعارف عليها
ابناؤك ..ويلبسونها تشيرتا وبنطالا من "المذركير "..و"تشيكو" ..أو" آدمز"
..أو عطرا شبابيا من "كالفن كلن "..أو حتى حذاء النايك الرياضي ..أو
احتفالا ممجوجا بمعدل ضارب بكل معاني القلب ..معادلات رياضية مجردة تساوي
فيزياءا مقطوعة الأنوار في حنايا أفئدة الأجيال القادمة ..
..
كان نوره قد انطفئ ..
مر على تاريخه ..ووقف على رصيفه صديقه ..تفقد احافيره التي نقشها بدموع
الوحدة والشوق اليها ..عبر عقود من عمره قد مضت وانقضت ..كل احفورة حكاية
..وكل حكاية بعث لألم ..وكل ألم لغة هيروغليفية جديدة ..تحتاج للباحثين
والمنقبين عن ما انقرض من مفاهيم ..وأعتم من قيم ..
خرج بها على نفس الطريق الوعر الصاعد هذه المرة من قلبه المتحجرهو الى
مأواها الأخير في بيت علية القوم من العجزة والمسنين ..
فلم يكن بينهما عقد ولا أحتواء لأي شرط ..أو ايجاب وقبول ..أو حتى فرصة
للرفض ..
مدت يدها اليه..أدار ظهره وانقرض هو ايضا من حياتها ..
امتد اليها نفس صوت طفولته :
"فوت حبيبي فوت ..خلص ما في بابا ..بابا راح سوغول "
وغادرها ..!!
ملاحظة:
سوغول بالسيرلانكي تعني شغل بالعربي الفصيح ....
لحية شيطان
الاربعاء, 07 آذار, 2007
قال وهو يروي قصة دامت ثمانية عشر عاما ..يزاول طقوسها في صباحات أيامه
وظهريتها ومساءاتها :
دخلت الحمام..وخلعت على عتبة نجاسته طهارتي ..وتوضأت بماء البول..ونشفت
أضلعي بصفحات القرآن..ثم أقمت الفساد لصلاتي واستقامت في نفسي..وأعلنت
التكبير له ..ووجهت وجهي لقبلتي وسجدت بين قدميه..
كان يعتلي عرش خبائثه وخبائثي..واعتلي وضاعتي..يحدق بنظره في انتماء
قلبي..وأخفض عقلي في مجرى لوثتي..يرفع قرون الاستشعار تجاه أفكاري يمحص
كفرها وولاءاتها..وتحترق شفتاي تقبيلا لنيران عنجهيته ينفث بسيجارته لهيب
شموخه على طينيتي..وينكت رمادها على أصقاع روح قد ضيعتها.. فيغرق جذعي
الخاوي الذي عليه قد ركب رأسي بجنيات غاية في الحسن والجمال فأضاجع كل
واحدة بكوبون كفر جديد ..وعهود إضلال قطعتها على نفسي إذعانا لمشيئة متألهة
على تكريمي ..حتى إذا ما انطفأت أشواق بشريتي..واسترجعت من عقلي جنون مارد
حاقد
على بني قومي..سكبت في روحي من دم الحيض حبرا أترجم به قذارتي على تمائم
أعلقها على أجياد النساء خاصة وكثيرا من العباد عامة ...!!
ثم وضعت عمامتي وجبتي على جسدي ..ولبست لحية الشيطان على ذقني ..وخرجت
بكرامتي المرحاضية الى مجلسي...
فتناقلتني الدموع بين العيون بالرجاء ..!!وتهامست القلوب..جاء الشيخ
..!!الزاهد ..العابد..!!
الصالح..!!..وتلقفتني الألسن بالدعاء..!!
وأنا لا أستنشق الا شيطانا ولا أزفر الا آخر..!!
ولما دخل الشيخ الصالح ..العابد ..الزاهد..على مجلسي ليفك سحر الجهل عن
بصيرة الناس ..وهم يتهالكون على ربانيتي.وكراماتي.. بآية الكرسي..يمعن
بترديدها ..وكنت انتصف وسط خنجرا تحمي الشياطين احشائي من ان يخترقه
..فتفرقعت الشيطان رهبا من عظيم يعتلي كرسيه في عليائه تقتلها نور
كلماته..وسالت دمائي على خنجر غدر الجن وذريته ..ونقلت الى مستشفى لتقطيب
جروحا أصابت كبد الحقيقة في جسدي الفاني ..وما رفعت غشاوة جهل عن بصائر بني
جلدتي..!!
هكذا ألّهني الناس .. واستعبدتني الشياطين ..وجاءتني النساء في أكثر من
جاءني تحتضن كل واحدة تاريخ قلبها بين يديها ..تركعه في قبضة جاهل عابث لا
يفهم من الحياة الا بيت خلاء وجنية وسيد شيطان ..!!
وأنا هنا أقف وأقول :
هكذا يرعد الكون بالشعوذة ابتداءا من "السنجوما"مشعوذات قبائل الزولو..في
نهاية عالم أحتج على عقله وفضائله بحجة الفقر والاستبداد..تعلق السنجوما
منهن على عقول الشباب المصاب بالايدز حجب ونصائح لاغتصاب الأبكار والعذارى
حتى لو كانوا رضعا طلبا للشفاء الشامل العاجل من الأطهار الأبرياء..!!
الى سياسيين ومرموقين أوروبيين وفرنسيين حتى وأسرائليين جبناء في معركة
كرامة الأرض والعقل..في بدايات عالم آخر احتج هو ايضا على فطنته ووعيه
وحضارته بحجة استشراف المستقبل وتعاظم المسؤوليات وهموم الأوطان وطلبا
للفوز في انتخابات تنفذ برامج لإصلاح لم يبدأ يوما على وجه هذه البسيطة
..ولن يبدأ أبدا ما دام تقوده خزعبلات شيطان سفاك أفاك.. لكل ما يمكن ان
يسمى إنسان..!!
وما بين القطبين الجنوبي والشمالي.. اضطرت الشياطين للتسجيل في الجامعات
ودخول كافة التخصصات لتلبية كل الاحتياجات الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية لبني البشر التي تتعاظم مطالبها ..وليساهموا في ارتفاع معدلات
بطالة الوعي والعقل والإيمان ..وازدياد معدلات الفلسفة والهرطقة وخيانة
الأمانة ..والإنتحار الجماعي على بوابة المفاهيم الشيطانية الخاصة للكون
والحياة والإنسان ..والإرتماء من ثم في عش فردوسه الجهنمي..
هكذا لبسنا جميعا لحية شيطان ..!!!!
ونحن نطلب منه أن يسدد فاتورة ضعفنا أمام المجهول ..لنتمسك بقشة المعرفة
صكا إبليسيا جديدا نخون به عهد أنفسنا ..وعهد السماء..!!
عندما بدأنا من عهود التاريخ الأولى نحن الهراطقة والزنادقة ببناء أهرامات
متعالية من حجارة صماء منزوعة الأوتاد تسافر بالدين على أجنحة معتزلة
للحقيقة الى عهد الخرافات والنجوم .. وتحيل البدهيات المصانة في العقل
والضمير والوجدان الى آلهة للفلسفة ..وتحيل الفلسفة الى آله
للعبادة..فيصبح الأله عقلا سقراطيا أو أرسطويا..او حتى فارابيا..لكنه لا
يكون الله ابدا..!!!!
عندما يستدرجنا الشيطان حتى يخرج الدين من بين إيدينا ليصبح فرقا وطوائف
وجماعات..
متكلمون.. وباطنيون.. وفلاسفة.. وساوس منه ابتدعت للعقل رؤية..خداع وتخييل
لأنفسنا
حتى غايات القتل والتمثيل والتشنيع واغتصاب الأرحام..وموائد من لحوم البشر
على مائدة الأبالسة ..وكؤوس مترعة بالدم..نخب عقوق البشر لموجدها وبارئها
العظيم المتعال..!!
عندما نختزل دين الله بمقاصده وتفاصيله ..ورسله وملائكته وكتبه في أسطورة
يرويها
الأجداد ويصبح الجد الأكبر أكثر الوهية من خالقه..وهم التقليد
والموروث..دينا جديدا يمنع الروح أن تنعتق الى حيث كمالاتها..!!!!
عندما تهفو أو تغفو عن مبدأ..ويزداد نعاسك وتدخل في السبات ..وتستيقظ وأنت
نائم فما تعود تميز بين الحقيقة والأحلام ..ويتمايل عقلك ساعة الى الجنة
وساعة الى النار..!!
عندما نسحر أنفسنا بإيهامها انها ذات مقدسة تعلو غرورا فوق الغيوم وتتباطؤ
في تواضعها..فما نمنحها من علوها الا ضبابية الرؤية وظلامية الفؤاد..!!
عندما لا يكون بياض قلوبنا الا أطيافا ملونة مختلطة متداخلة تتكشف في أول
انكسارا لها على منشورات الحياة وأفكارها ..!!
عندما لا نصمد أمام قيمنا أكثر مما تصمد النملة تحت أحذيتنا ..ويتبعثر زئبق
مبادئنا عند أول انفجار للابتلاء يقع نصب أعيينا..!!
عندما تكون أخلاقنا قشرة موز.. نرمي بها في طريق الناس لتنزلق بها هامات
وتضحك في جنتها أحقاد دافئة بالخبث والدهاء..وتتجول ألسنتنا وكلماتنا
المسمومة في أعراض الناس فلا تتعرى الا قلوبنا التي قد هدها البغض وأكلتها
جيوش الحنق والغيظ والأحقاد..!!
عندما تعجن النساء عقولهن بالحيض والبول حمقاوات يذهبن الى دار الجان
لاسترضاء زوج ..ومثقفات يستنزفن ما تبقى من وعيهن بفتح بوابة مستقبلهن
بفنجان..ثم يلهجن بالغضب على نقص عقولهن وما في عقولهن ميزان..!!
عندما يدخل بين الصديق والصديق صديق يفتش في جيب الخيانة عن خنجر
الطعن..ويحقن بمصل طبيب فيروس نقص المناعة فتتهاوى من قلبك لؤلؤة ينثر
الليل نجومه دموعا لأجل عيونها وينطفئ القمر...
هنا تشتد الظلمة ...!!!!
اعلم حينذاك ان الشيطان كان هناك ..وانه قد زينك بفتل شواربه على
وجهك..وبياض لحيته أو سوادها لا فرق ..أجيال من الجن تتعاقب على أجيال من
الإنس ..وأنت واقف هناك تتلاطم بك الأمواج ..وتحاول الثبات ..أو تستمتع
بالعلو على موجة لتغرقك أختها بثوان معدودات ..ولا زلت تحسب نفسك ممن
يحسنون صنعا..!!!!
اعلم حينذاك أنك لا شك ستلقى الله...!!
استطرد في حديثه وقال :
وكانت لحظة لقائي مع الله..وأخذتني ملائكته في رحلة من العذاب وهوت بي في
زفت متزفت مغلي بعد أن سألتني عن ربي وديني وطالبتني بالوضوء والذهاب
للصلاة في مسجد أشارت إليه في زاوية الحلم ..ولما حاولت أن أراه وجدته
ألوانا من كفري تتراقص أمام ناظري لم تهدا في عجقة تداخلها أبدا وزاغت مني
الأبصار..وصحوت من حم الزفت صراخا مجنونا وكنت قد ظننت أن الشياطين تتلاعب
بي ولكنني ولما تذكرت والدي الذي علمني السحر طفلا وغادر بعدها الحياة يقف
بي في زاوية ثانية من نفس الحلم على مرتفع للهاوية ينصحني أن لا أقع فيه
وأبتعد بأقصى قياس للسرعة..علمت أن هناك يدا حانية قد امتدت الي تسمى يد
الله..
أعلنت التوبة في نفس اللحظة..وأغرقت الشياطين الغرفة ..وبعد أن تطهرت ووقفت
للصلاة التي لم أفقه كنهها يوما على كثرة ما ترددت على المساجد واتخذت فيها
زاويا لتقليب صفحات القرآن على مرأى من الناس ومسمع ..وحاورتني الشياطين
وتصدوا لي بقوة لا أملك لها صدا أبدا..حاولت أن أستدعي كلمات مأثورات لم
اعرف ..حاولت مناجاته لم أقدر ..حاولت أن أرتل بعض آياته لم أتذكر..حتى
الفاتحة توجعت ذاكرتي كثيرا لأستفتح بها صلاتي .. وأردت السجود ..ساومتني
الشياطين ..تراقصت أمامي ..منعتني ..حجرت على فؤادي..هددتني بقتل
أطفالي..ثم لما عاندتها..حضرت كل حورياته الفاتنات وتعرت لأجلي حتى لما
أردت ان أغمض عيناي لكي أمنع شهوتي التي أعتدت السجود لأجلها أمسكت مجموعة
من الجن بجفوني فلم أستطع أن أطبق جفنا على أخيه..لن يستطيع أحدا منكم أن
يفهم يا قومي أنني كنت طينا صلبا لا حياة فيه ولا روح البتة.. ولا يملك من
نفسه أمرا إطلاقا..كنت عبدا مقيتا للشيطان يملك كل شأني وأمري..
فناشدته الرحمة ..أن كان مد يده الحانية لي في رحلة للروح في عالم الغيب
..فها آنذا أحاول أن أرحل بها أليه في عالم الشهود..فوقعت سجودا وتناثرت
الشياطين للوراء..وعلى كثرة ما سجدت في صباحات العشق الشيطاني..كانت هذه
أول مرة أذوق فيها مرارة الحرمان من التهاوي بين يديه..
ولاحقتني الشياطين وعذبتني ..وقتلت لي ثلاثة من أطفالي ..واختطفوا من رحم
زوجتي جنينا حولته أشلاء دماء ..ولا زالت تنتقم مني ..وهددوني بقتل زوجتي
أن لم أتوب من توبتي..هنا ضعفت ..فأردت خيانة الله من جديد..!! فساندتني
أعقل امرأة شاهدتها بين الآف النساء اللواتي كن دائما يطرقن بابي من أصقاع
الدنيا كلما جاءوا لأداء العمرة أو الحج...يؤدون الشعائر لله ويشهدون لي
بالقدرة والجبروت...!!!!
عاشت معي صبرا الآف الدقائق والساعات وما اهتز لها جفن بوعد السماء..قالت
:أنا فداء التوبة..
وافتدتني ..ولا زلت على وعد قطعته لقلبها..كما هو وفى بوعده للسماء..
أنهى الشيخ اليمني المسكين ما قال وهم ليغادر المكان وتحملق حوله الجمع
وتطايرت الى مسامعي أصداء كلمات :
يا شيخ .. كيف نفك سحر ال... يا شيخ هل تستطيع ان تكتب لي طريقة ال... يا
شيخ انا فتاة جامعية أحتاج الى...يا شيخ هل يستطيع الشيطان ان... يا شيخ هل
يمكن الأستعانة بال....هل الفنجان والمندل من ...هل يملك الجن القدرة
على...هل يمكن ان نستعين بالجن على...من باب ال..
أطرقت السمع ثم غادرت المكان وأنا ايضا يدور في رأسي سؤال..هل وعى الناس ما
قال..؟؟..!!
|