لولو تكتشف الطبيعة
بقلم
الكاتب:
يحيى
الصوفي
وصلت لولو برفقة والديها المنطقة الريفية الجميلة القريبة من المدينة،
فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض
فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرين العشب الأخضر الرطب، فتثير من حولها
المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة، والتي بدأت بالهروب
تاركة الزهور البرية المتناثرة بينها، وقد شكلت بتموجاتها الداكنة لوحة
متقنة مليئة بالألوان، تشبه تلك التي تغمس ريشتها الصغيرة بها عندما تحب أن
ترسم على الأوراق البيضاء في حضانتها التي بدأت ترتادها منذ أول العام.
فجأة وقع نظرها على عينين كبيرتين تنظران إليها بدهشة واستغراب!!!.
اقتربت لولو منهما متفحصة بفضول... فهي لم تشاهد مثلهما من العيون ملقاة
على إحدى الزهور دون رأس أو جسد من قبل !!!.
مدت إصبعها الصغير تحاول أن تتعرف عليهما باللمس أكثر، فانطبقتا على
بعضيهما البعض لتصبحا عيناً واحدةً ؟.
قبضت لولو على تلك العين الغريبة المسطحة بإصبعيها الصغيرين.. فسمعت من
يصيح بها
-( أي...أي... أنت تؤلمينني... اتركيني... اتركي جناحي !!!. )
استغربت لولو من ذلك الصوت!؟... وتركت العين الرقيقة لتتفاجأ بها اثنتين
تصفقان وتطيران بعد أن تركتا آثاراً تشبه "البودرة" الناعمة على إصبعيها؟!.
صاحت لولو مستغربة:
-عيون تطير
ضحكت نبتة للورد قريبة منها وقالت:
-فراشة... تلك العيون اسمها فراشة، كانت ضيفتي تتناول من رحيق أزهاري
فطورها، لقد أفزعتها... هربت منك ؟.
لولو مستغربة:
-ولكن لها عينان كبيرتان!؟.
نبتة الورد وهي تبتسم:
-إنها عيون وهمية مرسومة على جناحيها الرقيقين... تتخفى خلفهما حتى تخيف
وتبعد عنها الطيور!.
سألتها لولو:
-تطعمينها لماذا؟.
نبتة الورد:
-إنها كغيرها من الفراشات تسدي لي خدمة جليلة!.
لولو:
-كيف؟.
نبتة الورد:
-تنقل ما لدي من غبار الطلع إلى زهرات أخريات لتختلط وتلقح... إنها وسيلتنا
للملامسة والتزاوج، تشبه القبلات عندكم،... وهكذا وبعد كل قبلة، تنضج
بذرة... تعطي إذا ما زرعت نبتة وزهرة جديدة.
لولو:
-وأنت ما اسمك ؟
نبتة الورد:
-أنا يسمونني الأقحوان، يأخذون مني الدواء والعطور والألوان.
أجابتها لولو وقد شاهدت حشرة ملونة تسعى على إحدى أوراقها:
-وهذه تطعمينها أيضاً، إنها صغيرة جداً تنزلق انزلاقا لا أرى لها أرجل؟.
الأقحوان:
-إنها خنفساء... تعرفينها من النقاط السود المبعثرة بانتظام على ظهرها
الأملس الأحمر الذي يشبه الدرع، هي تأكل عندي أيضا ولكن من حشرات المن
السوداء الصغيرة المتخفية تحت أوراقي.
لولو:
-ولكن البقع السوداء ولونها الأحمر لا يخيف كيف تتخفى عن أعدائها؟.
الأقحوان:
-أنها تنذرهم بلونها الصاخب لتقول لهم بأنها لا تصلح للأكل، فإن هاجمها
عصفور ما انقلبت على ظهرها وتظاهرت بالموت حتى يذهب عنها الخطر!.
أمسكت لولو بإحدى الأوراق تقلبها فوجدت جيش من النمل يرسم خطاً طويلاً
قادماً من الأرض نحو عش للمن فاستغربت من ذلك وقالت:
-والنمل أيضاً ؟.
الأقحوان:
-النمل يا صغيرتي لا أحبه أبداً هو يأتي ليحلب المن ويحمل ما يستخرجه من
بطونها من عسل إلى العش ليطعم صغاره، وهو يحميها ويربيها تحت أوراقي، ولهذا
فهو ليس من أصدقائي!.
لولو:
-هل تتألمين عندما يقضمون أوراقك؟.
ضحكت الأقحوان منها وقالت:
-نحن النباتات لا نتألم، ليس لنا جهاز عصبي مثلكم لنحس به ولا جهاز
للهضم!... ولكن قد نصاب بالمرض أو نموت من الجوع أو العطش، أو بكل بساطة
نختنق من قلة النفس.
استغربت لولو منها وقالت:
-تتنفسين وتأكلين وتشربين ؟ لا أرى فماً لك فكيف تفعلين؟.
قهقهت الأقحوان وقالت:
-أنا أتغذى وأشرب من التربة عن طريق جذور لي مدفونة فيها ؟
لولو:
-غريب فمك تحت التراب ؟
الأقحوان:
-لا،... أنا لا فم لي، أنا لي جذور تشبه القصبة الرفيعة التي تشربين العصير
بها، وأطرح عن طريق أوراقي ما يزيد من الماء، ولهذا تجدينني غضة وطرية
ونضرة وأزهاري جميلة تحوي كل الألوان، ومنها تعرف الإنسان عليها وأخذها
ليخط بها ويرسم لوحاته بإتقان، ولون بها الشفاه والخدود لتصبح كل فتاة
رقيقة مثلك أخاذة بالجمال، وصنع من أريجنا العطر ليفتن بها الروح ويقرب
القلوب ويطهر الأبدان.
مدت لولو يدها الصغيرة تتفحص أوراقها الخضراء وزهورها الصفراء الجميلة، ثم
قبضت عليها براحة كفها وهزتها برفق ثم قالت:
-لا تقولي بأنك تتنفسين كما تتكلمين معي وتتفصحين؟!.
أخذت نبتة الأقحوان تتمايل بدلال وهي تضحك وتقول:
-أنت تدغدغينني وعلى ما يبدو لم تصدقينني... ما رأيك إذا قلت لك بأنك
بحياتك لي تدينين؟.
تفاجأت لولو بها وبغرورها بعد أن أطلقت سراحها وقالت:
-كيف ؟ ! بهذا أيضا تتدخلين ؟.
الأقحوان بفخر:
-لم لا فأنا التي أصنع الأوكسجين... وأنظف جو المدينة المقيت المليء
بالمازوت والكربون، لأصنع به غذائي وأعطي بدلاً منه الهواء النظيف الذي
تتنفسين.
لولو وقد شعرت بالغيرة:
-وإن قطفتك ولوالدتي هديتك فماذا تفعلين ؟.
الأقحوان بشيء من الزهو:
-تكوني قد أكملت عطائي وزينت المائدة بزهوري، فنحن نطعم ونفرح وفي كل يوم
نعطي الآلاف منا دون أن نكل أو نمل أو نستكين.
وما إن همت لولو بقطاف الأقحوان حتى وجدت نفسها بين ذراعي والدها وهو يصيح
بها:
-أين ذهبت تعالي لكي تتناولي فطورك، وهو يطبطب على ظهرها برفق:
-هيا... هيا.
سرت لولو وقد وجدت المائدة جاهزة تتوسطها كأس فيها ماء وبعض من أزهار
الأقحوان فقالت وهي تمسك صحنها المزخرف:
-فراشة انظر بابا هذه فراشة، ثم أشارت إلى الناحية الثانية منه وقالت:
-خنفساء هذه خنفساء ماما أليس كذلك ؟ وتلك أزهار الأقحوان جميلة هي
ورائحتها عطرة ويوجد منها العديد من الألوان.
تفاجأت والدة لولو بها وقد تعرفت على الرسوم وقالت:
-من علمك كل هذا ؟
نظرت لولو إلى أزهار الأقحوان فرأتها تبتسم وتشير إليها بأن تحفظ سرها...
سر الحياة... سر الوجود... إذا كان لسرهم في قلبها من مكان، فرددت ببراءة:
-ماما هذه فراشة وهذه أقحوان.
يحيى الصوفي جنيف في 24/04/2004
أضيفت في04/02/2006/ * خاص
القصة السورية (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
لماذا سكت النهر؟
بقلم
الكاتب:
زكريا تامر
كان
النهر في الأيام القديمة قادراً على الكلام، وكان يحلو له التحدث مع
الأطفال الذين يقصدونه ليشربوا من مائه ويغسلوا وجوههم وأيديهم، فيسألهم
مازحاً: "هل الأرض تدور حول الشمس أم الشمس تدور حول الأرض؟".
وكان
النهر يبتهج لحظة يسقي الأشجار فيجعل أوراقها خضراء.
وكان
يهب ماءه بسخاء للورد كي لا يذبل. ويدعو العصافير إلى الشرب من مائه حتى
تظل قادرة على التغريد.
ويداعب
القطط التي تأتي إليه فيرشقها بمائه، ويضحك بمرح بينما هي تنتفض محاولة
إزالة ما علق بها من قطرات الماء.
وفي
يوم من الأيام أتى رجل متجهم الوجه يحمل سيفاً فمنع الأطفال والأشجار
والورد والعصافير والقطط من الشرب من النهر زاعماً أن النهر ملكه وحده.
فغضب
النهر، وصاح: "أنا لست ملكاً لأحد".
وقال
عصفور عجوز: "لا يستطيع مخلوق واحد شرب ماء النهر كله".
فلم
يأبه الرجل الذي يملك سيفاً لصياح النهر وأقوال العصفور إنما قال بصوت خشن
صارم:
"من
يبغي الشرب من ماء نهري، يجب أن يدفع لي قطعة من الذهب".
قالت
العصافير: "سنغني لك أروع الأغاني".
قال
الرجل: "الذهب أفضل من الغناء".
قالت
الأشجار: "سأمنحك أشهى ثماري".
قال
الرجل: سآكل من ثمارك متى أشاء، ولن يستطيع أحد منعي".
قال
الورد: "سأهبك أجمل وردة".
قال
الرجل ساخراً: وما الفائدة من أجمل وردة؟!.
قالت
القطط: "سنلعب أمامك كل صباح ارشق الألعاب، وسنحرسك في الليل".
قال
الرجل: "لا أحب ألعابكم، وسيفي هو حارسي الوحيد الذي أثق به".
وقال
الأطفال: "نحن سنفعل كل ما تطلب منا".
فقال
الرجل: "لا نفع منكم فأنتم لا تملكون عضلات قوية".
عندئذ
استولت الحيرة واليأس على الجميع بينما تابع الرجل الكلام قائلاً: إذا
أردتم أن تشربوا من ماء نهري، ادفعوا لي ما طلبت من الذهب".
لم
يحتمل عصفور صغير عذاب العطش، فأقدم على الشرب من ماء النهر، فسارع الرجل
إلى الإمساك به ثم ذبحه بسيفه.
بكى
الورد. بكت الأشجار. بكت العصافير. بكت القطط. بكى الأطفال، فهم لا يملكون
ذهباً، وليس بمقدورهم العيش دون ماء، ليكن الرجل الذي يملك سيفاً لم يسمح
لهم بالشرب من ماء النهر، فذبل الورد، ويبست الأشجار، ورحلت العصافير
والقطط والأطفال، فغضب النهر، وقرر الامتناع عن الكلام.
وأقبل
فيما بعد رجال يحبون الأطفال والقطط والورد والأشجار والعصافير، فطردوا
الرجل الذي يملك سيفاً، وعاد النهر حراً يمنح مياهه للجميع دونما ثمن غير
أنه ظل لا يتكلم، ويرتجف دوماً خوفاً من عودة الرجل الذي يملك سيفاً.
رندا تلعب
رسمت
رندا بطباشيرها الملونة على الحائط ولداً صغيراً، ولما تأملته الفته عابس
الوجه، فسألته: "ما اسمك يا ولد؟".
قال
الولد العابس الوجه: "اسمي وضاح. لماذا تسألين؟".
قالت
رندا: "أنا أبغي مساعدتك. لماذا أنت حزين؟".
قال
وضاح: "ضاعت طابتي".
فضحكت
رندا، وبادرت إلى رسم طابة كبيرة ذات ألوان حمراء وزرقاء وبيضاء، ففرح
وضاح، وسارع إلى اللعب بها، فقالت له رندا: "دعني ألعب معك".
فلم
يوافق وضاح، فغضبت رندا، ورسمت بالطباشير نهراً أزرق كثير المياه.
رمي
وضاح الطابة بقوة إلى أعلى، فطارت ثم سقطت في النهر، فبكى وضاح منادياً
الطابة التي حملتها مياه النهر بعيداً عنه.
قالت
رندا: "لا تبك".
ظل
وضاح يبكي حتى أشفقت رندا عليه، ورسمت دراجة لها ثلاثة دواليب، فشهق وضاح
مغتبطاً، وامتطى الدراجة مطلقاً صيحات قصيرة حادة مرحة، ولكنه فجأة زال
فرحه، وعبس وجهه، فسألته رندا: "ما بك؟".
قال
وضاح: "أنا جائع".
قالت
رندا: "اذهب إلى بيتك وكل".
قال
وضاح: "لا بيت لي".
قالت
رندا: "إذن اذهب إلى مطعم".
قال
وضاح: "لا نقود معي".
قالت
رندا مبتسمة: "أنا مثلك جيوبي فارغة خاوية".
فبكى
وضاح مردداً: "أنا جائع. أنا جائع".
احتارت
رندا ولم تدر ما تفعل، ولكنها بعد تفكير قليل، أخرجت من جيبها منديلاً،
وبللته بماء النهر ومسحت به ما رسمت على الحائط، فتلاشى عندئذ وضاح
والدراجة والنهر، وظلت رندا تقف وحدها محنية الرأس حزينة لأن ولداً صغيراً
لم يجد ما يأكل.
القط الذي لا يحب
المطر
القط
الصغير يلعب مبتهجاً، والرجال الذين يحبون الأشجار الخضراء يحرثون ويبذرون
حبات القمح ثم يتوسلون إلى الريح أن تأتي الغيوم.
وأقبلت
الغيوم رمادية اللون، وهطل المطر، وركض الفرع عبر الحقول مطلقاً صيحات
عالية مرحة.
فرح
التراب العطشان، وشرب بنهم من ماء النهر.
فرحت
حبات القمح لأنها ستصير سنابل خضراء.
فرح
الرجال الذين حرثوا الأرض، فسيحصدون القمح في الصيف، وعندئذ يصبح
باستطاعتهم شراء ما يحتاج إليه أولادهم من طعام وثياب وكتب.
فرحت
الغيوم لأنها تخلصت من ماء يتعبها حمله، وصار بإمكانها التنقل برشاقة من
مكان إلى مكان.
فرح
العصفور إذ غسلت الأمطار ريشه، وحين ستسطع الشمس، سيحط على غصن شجرة، ويغرد
فخوراً بريشه النظيف.
وهكذا
عمّ الفرح، غير أن القط الصغير الذي لم يكن يملك مظلة، غضب لأن الأمطار
بللته، وهرع إلى أمه ساخطاً مرتجف الذيل، وقال لها: "أنا لا أحب المطر".
فنظرت
إليه الأم مؤنبة مستنكرة، وقالت: "يجب أن تحب ما ينفع الجميع".
صاح
القط الصغير: "لن أحب المطر".
قالت
الأم بهدوء: "يجب أن تكره ما يؤذي الجميع".
فقال
القط الصغير بإصرار: "أتمنى ألا يهطل المطر أبداً"
وبعد
أيام، تحقق ما تمنه القط الصغير، فقد رحلت الغيوم، وكّف المطر عن الهطول
قبل أن تنال حبات القمح ما تحتاج إليه منا ماء، وحينئذ سارع التجار إلى
زيادة ثمن القمح حتى يتكاثر ما يملكون من مال، وبات الخبز لا يستطيع شراءه
إلا الأغنياء، ولم يعد بمقدور القطط الحصول على الخبز، فالقطط فقيرة لا
تملك سيارات أو أبنية.
جاع
القط الصغير، فقال لأمه باكياً: "أنا جائع".
فقالت
له أمه بحزن: "ماذا أفعل؟ لا يوجد خبز في الأسواق".
فقال
القط الصغير متسائلاً: "وأين الخبز؟".
فأجابت
الأم مبتسمة: "الخبز يصنع من القمح، والقمح لا ينبت إلا إذا شرب الكثير من
المطر.. المطر الذي لا تحبه".
فخجل
القط الصغير، وعاهد أمه على أن يحب المطر.
الريح
قال
الغزال الصغير للريح: "احمليني إلى شاطئ البحر".
فضحكت
الريح، وقالت بلهجة مؤنبة: "أنت كسول، فللماذا أحملك ما دمت سريع
الركض؟.".
قال
الغزال: "أنا متعب جداً فهيا ساعديني".
قالت
الريح: لا أستطيع تلبية طلبك، فأنا لا أشتغل في الصيف".
قال
الغزال بغيظ: "إذن متى تشتغلين؟".
قالت
الريح: "اشتغل في الشتاء فقط".
قال
الغزال متسائلاً بهزء: "وما هو عملك؟".
فأجابت
الريح بصوت دهش مستنكر: "ألا تعلم؟ أنا أخلص الأشجار من أوراقها الصفراء
اليابسة، وأنا أثقل الغيوم المحملة بالمطر إلى الحقول العطشى".
غضب
الغزال، واتهم الريح بأنها لا تريد مساعدته، وأبلغها أنه لم يتحدث معها،
غير أنه ابتسم حين أبصر أرنباً يتواثب مرحاً، فصاح به: "أنا أسرع منك في
الركض".
قال
الأرنب فوراً: "ماذا تنتظر؟ هيا نتسابق".
وانطلق
الغزال والأرنب يركضان، وهمت الريح أن تتحداهما وتشترك في السباق، ولكنها
ظلت صامتة هادئة إذ تذكرت أنها لا تشتغل في الصيف إنما تستسلم للراحة
منتظرة الشتاء.
أضيفت في07/02/2006/ * خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
الجني...
بقلم
الكاتب:
عادل أبو شنب
كانت
فطمة تقفز من الفرح، تنط كعصفور جائع في بيدر والأولاد يتحلقونها مأخوذين
بهذا الفرح الغامر غير المألوف الذي حولها إلى جنية صغيرة. وأمينة رفيقتها
التي لا تفارقها تحاول عبثاً معرفة السبب.
وكان
النهر ينساب على بعد خطوات في مسكنة، يملأ ماؤه الأخضر اللون.. مجراه
المحفور منذ مئات السنين وعلى ضفتيه تشمخ شجرات الحور بجباهها التي تعانق
الشمس وترنو إلى الماء الكسول في احتقار.
قالت
أمينة:
-قولي.
قولي يا فطمة.
قالت
فطمة:
-الآن
أبدأ. حتى لو أطعمتني بقلاوة لن أقول. بعد قليل تشاهدين كل شيء بنفسك.
ونطت
على قدم واحدة كما تفعل في سباق القدم الواحدة في المدرسة ونهداها الصغيران
يثبان والأولاد يتبعونها.. باتجاه النهر.
كان
الوقت خريفاً والأشجار تتعرض لنسيم بارد يسقط الأوراق، ومن بعيد كانت تسمع
أصوات الفلاحين الذين يعملون في الأرض.
وكانت
شجرة الحور الكبيرة المنتصبة في خيلاء.. ترسم على صفحة ماء النهر ظلاً،
والظل المستحم في الماء يعطي الشجرة امتداداً معاكساً ذاهباً نحو الأعماق،
وكثيراً ما كان أولاد القرية يقفون على الضفة يحدقون إلى الظل المرسوم على
صفحة الماء:
-هاهنا
أعمق مكان في النهر.
-الماء
يغمر ثلاثة جمال فوق بعضها.
-كل
سنة يأكل الظل المرسوم على الماء.. ولداً.
وكان
النهر العجوز في انسيابه غير مكترث بالأولاد هادئاً رزيناً نائماً أو
متناوباً.. كأنه غيلان حكايات الجدات تنام بعيون مفتوحة الأحداق.
ورثت
الجدات قصة النهر عن جداتهن وهؤلاء ورثنها عن جداتهن من قبل وأصبح العرف
الشائع في القرية التي تحتضن النهر إن الاستحمام في نقطة وقوع ظل شجرة
الحور الكبيرة على الماء.. يؤدي إلى الهلاك بسبب من وجود جني هائل الحجم في
أعماق النهر، يبتلع الذين يقذفون بأجسادهم إلى الماء. ولقد حدث أن حاول
فتيان، في الماضي الاستحمام في النقطة الخطرة فابتلعهم الجني –تقول الجدات
–ولم ينج منهم أحد.
وصل
الأولاد الذين كانوا يجرون وراء فطمة إلى ضفة النهر وكان أحمد بوجهه الناحل
القلق ينتظر، كتفه تستند إلى ساق شجرة الحور، وعلى شفتيه ابتسامة صغيرة
شجاعة لم تستطع أن تخفي اضطراب عينيه. كان بلا ملابس تقريباً وبدنه البني
اللون يرتجف من لسعات نسيم الخريف.
قال
فطمة:
-أأنت
عازم فعلاً؟
قال
أحمد:
-أجل
وتهيب
الأولاد الموقف، كان ظل أحمد على صفحة الماء ملاصقاً لظل شجرة الحور
الكبيرة المنتصبة وكان النهر يسير هادئاً كسولاً.
وعندما
صمت الأولاد.. سمع من الضفاف القريبة نقيق الضفادع.. كأنه صلاة، فدب الخوف
في القلوب الفتية وأيقن الجميع أن أحمد، سيد لذاته من صبيان القرية،
سيختطفه الجني القابع في أعماق النهر.
كانت
فطمة من مطلع الثالثة عشرة حلوة فمها منمنم وعيناها سوداوان واسعتان يعيش
فيهما مكر صبياني وجديلتاها الفاحمتان.. تتقاتلان مع المنديل المزركش الذي
يلف وجهها الأبيض ويمنع تسللهما إلى الخارج. وكان أحمد يبدي في كل مناسبة
اهتماماً خاصاً بها وعندما قالت له قبل ساعة واحدة أثناء جولة قضياها معاً
على ضفاف النهر:
-أأنت
على استعداد لعمل ما أطلبه منك؟
قال
بسرعة:
-نعم
حتى ولو طلبت حليب السبع.
وقالت:
-وإذا
طلبت منك العوم في النهر قرب شجرة الحور الكبيرة؟
أجاب:
-افعل..
وقالت
تسأله، وتدعم سؤالها بحركة حائرة من ذراعها:
-ألا
تخاف؟
-ممن؟
-من
الجني.
-أنا؟
أنا أخاف؟ سأعوم من أجلك أمام جميع أولاد الضيعة.
نظر
أحمد إلى عيني فطمة ونظرت فطمة إلى عينيه بدورها.
كان
الأولاد واجمين ينقلون أبصارهم ما بين جسد أحمد البني اللون والجسد المائي
الممتد في كسل وتراخ داخل المجرى المحفور منذ مئات السنين، كانوا مذعورين
وكانت شجرة الحور الكبيرة المادة ظلها في فوق الماء.. تبدو في عيونهم كمارد
مخيف ولو لم يكونوا مجتمعين للجأ كل منهم إلى البكاء.
واستعد
أحمد للعوم: رفع ذراعيه إلى أعلى بعملية شهيق طويلة وراح يحدق بسرعة إلى
الوجوه الصغيرة المحتقنة بالقلق التي أذهلتها المفاجأة.
وتمتمت
فطمة:
-الله
معك.
وأسبل
أحمد أهدابه.. كمن يستسلم لمصير مجهول وتسارعت دقات قلب الأولاد وهبت نسمة
باردة أسقطت أوراقاً خريفية أخرى اضطجعت على صفحة الماء كأنها.. جثث، وسمع
النقيق الجنائزي بوضوح وراحت أمينة تلهث من الإعياء وظهر الندم في عيني
فطمة غير أن ارتطام جسد أحمد.. بالجسد المائي المنساب في المجرى بدل كل شيء
وجعل الأولاد يصرخون.
انشقت
نقطة وقوع ظل شجرة الحور على الماء.. عندما لامسها أحمد فكأنها شدق هائل
الاتساع.. ابتلع الجسد الفتي، وكف الأولاد عن الصراخ، وعادوا إلى الذهول
والصمت والترقب، ولأول مرة رأوا تكسر الظل المرسوم على صفحة الماء، غير
أنهم لم يفكروا جميعاً في هذه اللحظة إلا بالجني الهال الحجم القابع في
أعماق النهر.
ومرت
ثوان..
وعاد
النهر العجوز بسرعة إلى انسيابه الكسول، ومن جديد أسقطت نسمة خريفية أوراق
الشجر فوق صفحة الماء وراحت الضفادع تؤدي دورها وشجرة الحور الكبيرة تشمخ
بأنفها..
كأنها
آلهة، وأصوات الفلاحين البعيدة تختلط بخوار البقر الأجش، وكان الأولاد
ممتقعي اللون لا يتحركون.. كأنهم دمى خشبية يملأ عيونهم ترقب ملوث
بالدموع.
فجأة..
انشقت صفحة الماء في النهر المنساب بكسل.. عن جسد أحمد بالذات، ورأى
الأولاد الوجه مبتلاً بالماء وبالسعادة فراحوا يصيحون.. كأنهم يمتطون
أرجوحة العيد.
وسمع
صوت أحمد، لأول مرة بعد خروجه من الأعماق:
-الماء
بارد لكنه منعش..
وتتابعت الأسئلة التي كانت حائرة على شفاه الصغار:
-والأعماق؟
-..
كأعماق أي نهر آخر
-والجني؟
-لا
شيء حتى ولا سمكة صغيرة.
-والماء؟
-بارد،
بارد.. لكنه منعش.
-وصرخت
فطمة في فرح وقلق:
-اخرج
يا أحمد لئلا تبرد.
وكان
أحمد يسبح تارة على بطنه وأخرى على ظهره.. في ثقة وسعادة ولقد بدا وجهه
الناحل هذه المرة أكثر عافيه.
وتنادى
الأولاد للعودة إلى دورهم. كانت وجوههم تطفح بشراً متوقداً، وعيونهم تخبئ
الخبر الجديد: ميتة الجني الهائل الحجم.. بذراعي أحمد القويتين.
أضيفت في07/02/2006/ * خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
البطة الثقيلة
بقلم
الكاتب: عبد الله عبد
كانت
بطة في قرية بعيدة تسبح كل يوم في بركة صغيرة.
ولكن
ذات صيف، جف ماء البركة، فحزنت البطة حزناً شديداً وتساءلت:
-متى
يسقط المطر فتمتلئ البركة بالماء؟
فسمعها
عصفور وقف، لتوه، على غصن شجرة. فقال لها:
-في
الشتاء طبعاً.
قالت
البطة:
-وهل
انتظر مجيء الشتاء حتى تمتلئ البركة بالماء؟
أنا
عطشى جداً. وأرغب في السباحة.
فسأل
العصفور:
-ولماذا لا تطيرين إذن إلى بحيرة ما؟ أعرف بحيرة تحيط بها الأشجار من كل
جانب.
فقالت
البطة:
-وهل
هي بعيدة؟
فأجاب
العصفور:
-لا،
إنها وراء هذه التلال.
فقالت
البطة:
-لا
أقدر على الذهاب إلى هناك، لأني لا أستطيع الطيران.
وسأل
العصفور:
-عجباً
كيف لا تستطيعين الطيران وأنت تملكين جناحين كبيرين؟
قالت
البطة:
-حقاً
إني أملك جناحين كبيرين ولكنهما لا يقويان على حملي.
سأل
العصفور:
قصة
-لماذا؟
قالت
البطة:
-لقلة
الاستعمال يا عزيزي العصفور. لم أكن أحتاج إليهما في القرية. كنت أتنقل على
رجلي، والتقط طعامي من هنا وهناك، فلم أفرد جناحاً يوماً وأحلق في الفضاء.
فقال
العصفور:
-وهكذا
ثقل وزنك، وضعف جناحاك فلم تعودي قادرة على الطيران.
فهزت
البطة رأسها بالإيجاب. وتابع العصفور:
-وآثرت
حياة الراحة والكسل في القرية على حياة السفر والرحيل؟
أجابت
البطة بندم:
-نعم
هذا ما فعلت حقاً.
فقال
العصفور:
-يا
للأسف تحملين جناحين ولا تطيرين بهما. سمعت طفلاً يقول مرة: ليتني أملك
جناحين كي أطير بهما.
ورفرف
العصفور بجناحيه فقالت البطة:
-احملني معك إلى البحيرة أيها العصفور، فإني أكاد أهلك عطشاً.
فقال
العصفور وهو يغادر الشجرة طائراً:
-لا
أستطيع يا عزيزتي البطة. كل عصفور يطير بجناحيه.
ثم
تركها وحلق في الفضاء باتجاه البحيرة. عندئذ صفقت البطة بجناحيها وحاولت أن
تقلد العصفور في الطيران. لكنها كانت ثقيلة جداً فلم تستطع أن ترتفع فوق
الأرض.
الغيمة والريح والفلاح
مرت
الريح فوق البحر فقالت له:
-أيها
البحر هل ترافقني؟
فقال
البحر:
-إلى
أين؟
فقالت
الريح:
-للقيام برحلة في البلاد.
فقال
البحر:
-لا
أستطيع.
سألته
الريح:
-لماذا؟
فأجاب
البحر:
-لأني
أنا البحر:
ولم
يعجب هذا الجواب الريح فقالت:
-يا له
من متكبر!
وتابعت
الريح طريقها فوق البحر فشاهدت مركباً فقالت له:
-هل
ترافقني؟
فقال
المركب:
-إذا
سمحت لي، فالتجار ينتظرون على الشاطئ الآخر وعنابري حافلة بالجوز واللوز
والفراء والفلفل واللؤلؤ والمرجان.
ونفخت
الريح في الأشرعة فانتفخت وتهادى المركب فوق البحر حتى وصل إلى الشاطئ حيث
كان تجار الجوز والفراء والتوابل والصنوبر واللؤلؤ والمرجان ينتظرون، ثم
توقف عند الشاطئ ولم يتقدم بعد ذلك.
وتابعت
الريح طريقها فشاهدت شجرة فقالت لها:
-أيتها
الشجرة هل ترافقينني في رحلتي؟
أجابت
الشجرة:
-كلا.
فسألتها الريح:
-لماذا؟
فردت
الشجرة:
-لأني
أنتظر الربيع كي أورق وأزهر وأصنع ثمراً للناس.
وجرت
الريح بين البيوت فقالت لأحدها:
-هل
ترافقني في رحلتي؟
فقالت
البيت:
-بودي
لو أرحل معك، فقد ضجرت من البقاء في مكان واحد. ولكن البيوت وا أسفاه لا
ترحل لأنها ثابتة.
وواصلت
الريح سيرها فالتقت بجبل فقالت له:
-هل
تسافر معي؟
فقال
لها الجبل:
-كيف
أسافر معك وأنا أحمل على ظهري الثلج والغابة.
وانحدرت الريح إلى الطريق العامة وقد عللت النفس بأنه من الممكن أن تجد
هناك أحداً ما، فصادفت عمود كهرباء، فقالت له:
-أيها
العمود هل تمضي معي فتتفرج على الدنيا بدلاً من أن تقف هنا ثابتاً فيدخل
الملل إلى قلبك؟
فقال
عمود الكهرباء
-ليتني
أستطيع أن أفعل، ولكن عما قليل تغيب الشمس ويعم الظلام وهنا تأتي مهمتي
فأحمل النور إلى البيوت؛ وعندئذ ينحني التلاميذ على كتبهم لحفظ دروسهم،
وتحمل آلام صنارتها وخيطانها لتتابع نسج الصوف، ويفتح الأب صحيفته ليستطلع
الأخبار قرب الموقد.
وشعرت
الريح بالوحدة فأنت وأعولت. تلفتت هنا وهناك فرأت غيمة فقالت لها:
-أيتها
الصديقة هل تسافرين معي؟
فقالت
الغيمة بفرح:
-نعم..
نعم فأنا على موعد مع فلاح بذر حبوبه وغرس شتوله في الأرض ثم راح ينتظرني
في حقله. لعلي قد تأخرت في السفر إليه. وأخشى أن أصل بعد فوات الأوان.
فقالت
الريح:
-أمتطي
ظهري وسأحملك إليه قبل أن تذوي شتوله وتموت بذوره في باطن الأرض.
وامتطت
الغيمة ظهر الريح التي سرعان ما انطلقت في طريقها فرحة جذلى لأنها تحمل
الأمل والخير لفلاح ينتظر.
اليد أولاً
عندما
مات الملك ترك سيفه الذي قتل به كثيراً من الأعداء، وكان لهذا السيف صيت في
كل البلاد. فقبضته من الذهب ونصله المرهف قد صنع من صاعقة سقطت على كوخ
حطاب.
وكان
للملك ولد يحب اللهو واللعب كثيراً، ولا يهتم بشؤون رعيته ويقضي أوقاته في
أمور تافهة لا تليق بحاكم مسؤول عن رعيته.
وكانت
والدته كلما قالت له: "يجب أن تتدرب على القتال وحمل السيوف". كان يرد
عليها: -ولماذا أتدرب على السيوف؟ إن سيف أبي الذي قبضته من ذهب ونصله من
صاعقة كفيل بدحر الأعداء وقطع رقابهم.
حينئذ
كانت الأم تخلد إلى الصمت ولا تنبس ببنت شفة.
حتى
جاء يوم أغار فيه الأعداء على البلاد. وكان هؤلاء الأعداء يتحينون الفرص
للثأر من الملك الذي هزمهم كثيراً. ذلك الملك الذي لم يستطيعوا أن يتغلبوا
عليه وهو وحي.
حمل
ابن الملك سيف أبيه باحتفال مهيب، ثم سار على رأس جيشه لملاقاة أعدائه.
عندما
التقى بأعداء بلاده نشبت بينه وبينهم معركة صغيرة، لكنه لم يستطع أن يصمد
طويلاً أمامهم وسرعان ما انهزم.
ذهل
ابن الملك واستبد به العجب فقال لمن حوله وهو يرمي سيف أبيه على الأرض:
-أي
سيف تافه هذا: إنه لا يستأهل الصيت الذي أذيع عنه.
فقال
له أحد قواده:
-بل
إنه سيف عظيم جداً يا مولاي.
فقال
ابن الملك:
-أين
هذه العظمة التي تتحدث عنها. إنه سيف مثلوم الحد لم يقطع رقاب أحد من
الأعداء.
فأجاب
القائد:
-السيف
لا يقطع الرقاب يا مولاي.
قال
ابن الملك:
-عجباً
ومن يقطع رقاب الأعداء إذا لم يكن السيف هو الذي يقطعها إذن؟
-إن
الذي يقطعها يا مولاي اليد التي تحمل السيف.
قال
ابن الملك:
-ماذا
تقول أيها القائد؟
فقال
القائد:
-أقول
يا مولاي أن الذي يقطع رقاب الأعداء هو اليد التي تحمل السيف. حسناً أترك
السيف في غمده ألف سنة فإنه لا يتحرك ولا يقتل أحداً من الأعداء، أما اليد
فتستطيع أن تقتل الأعداء بدون سيف.
فقال
ابن الملك:
-وكيف
تستطيع اليد أن تقتل الأعداء بدون سيف؟
فأجاب
القائد:
-تستطيع أن تفعل ذلك بأية أداة قاطعة: بالمنجل.. بالفأس أو بالرفش. المهم
يا مولاي أن تكون اليد مصممة على قتل الأعداء.
قال
ابن الملك:
-ما
تقوله أيها القائد غريب حقاً.
وقرر
أن يبدأ صفحة جديدة. ثم ركب حصانه وانطلق يتدرب على السيف. بعد مدة من
الزمن صار ابن الملك يجيد استعمال السيوف وكل أدوات القتال.
قال:
-والآن
يجب أن نقاتل الأعداء ونهزمهم.
ثم مضى
بجنوده لقتال الأعداء الذين كانوا يغطون في نومهم عند الفجر.
حينما
استيقظ الأعداء سخروا من ابن الملك وجيشه لأنهم كانوا يعتقدون أن ابن الملك
وجيشه لا يحبون القتال، ولا يجيدون استعمال السيوف.
قال
ابن الملك:
-أيها
الأعداء اتركوا أراضينا وعودوا إلى دياركم.
فضحك
الأعداء من ابن الملك وقالوا له:
-كلا
لن نترك هذه الأراضي.
فقال
ابن الملك:
-أيها
الأعداء إذا لم تتركوا بلادنا وتعودوا إلى دياركم فستهلكون.
قال
الأعداء ساخرين:
-أنتم
لا تستطيعون إخراجنا من بلادكم، لأن سيوفكم لا تقطع.
فقال
ابن الملك:
-ليست
السيوف هي التي تقطع.
فقال
الأعداء:
-وما
الذي يقطع إذن. إذا كانت السيوف ليست هي التي تقطع؟
قال
ابن الملك:
-إن
الذي يقطع حقاً هو اليد التي تحمل السيف. لقد غلبتمونا في المرة السابقة
لأننا اعتمدنا على سيوفنا. أما الآن فنحن نعتمد على أيدينا.
ثم هجم
ابن الملك وجيشه على الأعداء هجوماً صاعقاً وانتصروا عليهم. ولم يكن ابن
الملك في هذه المرة يحمل سيفاً قبضته من ذهب، ونصله من صاعقة سقطت على كوخ
حطاب.
وإنما
كان يحمل بيده شيئاً آخر غير السيف. ربما كان فأساً. وربما كان منجل حصاد.
وكذلك فعل بقية أفراد الجيش.
أضيفت في07/02/2006/ * خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
مساكن للعصافير
بقلم
الكاتب:
وليد إخلاصي
كانت
العصافير التي تسكن (الحديقة العامة) سعيدة ومطمئنة البال، تغرد وترقص في
السماء ثم تحط على أعشاشها الصغيرة المتناثرة على قمم الأشجار وأغصانها.
وظلت
العصافير سعيدة إلى أن جاءها إنذار من رئيس الحديقة يقول إما أن تدفع
العصافير أجرة الأعشاش التي تسكنها، أو أن تغادرها إلى مكان آخر. فقالت
العصافير بأسى: ولكننا لا نملك مالاً، ونحن لا نعرف كيف يأتي الناس بالمال.
وشكل العصافير وفداً لاسترحام رئيس الحديقة وشرح أوضاعهم، ولكنه كرر عليهم
مضمون إنذاره، وهددهم بالطرد إن لم يستجيبوا للإنذار.
وحزنت
الأشجار وأصاب الأزهار يأس كبير، إلا أن ارتباطهم الشديد بالتراب منعهم من
تقديم شكوى رسمية فاكتفوا بالبكاء.
قالت
الأشجار: -من يسلينا بعد الآن بالغناء صباح مساء؟!
وهتفت
الأزهار: -من يغني لنا أناشيد الحب والصفاء؟!
ولكن
رئيس الحديقة لم يأبه لما سمع، واضطرت العصافير إلى الرحيل، فانطلقت مهاجرة
أفواجاً والحيرة قد تملكتها لا تعرف لها مستقراً.
وأصاب
الأشجار حزن عميق، واستسلمت الأزهار لبكاء ساخن عميق سرعان ما أغرقها فجعلت
تموت واحدة تلو الأخرى، كذلك الأشجار جفف الألم أغصانها تتساقط على الأرض
لتحلق بها الأغصان نفسها. ودخل الناس ذات يوم إلى الحديقة يطلبون الراحة
والمتعة، فهالهم الصمت والحزن، وكأن الحديقة أصبحت مقبرة قاتمة الألوان.
لا
عصافير ولا أزهار، والأشجار تجف مقبلة على الموت بأجساد وأهنة. مل الرجال
المنظر فتركوا الحديقة إلى بيوتهم، وتساءل الأطفال عن سر التعاسة المقيمة،
فاستجوبوا شجرة سرو هرمة، فقصت عليهم الحكاية كلها، هاجرت العصافير لأنها
لا تملك مالاً تدفعه أجرة لأعشاشها الصغيرة!
وتوجه
الأطفال إلى رئيس الحديقة يستعطفونه ويطلبون للعصافير الرحمة والغفران،
فصدهم الرئيس بقسوة وقال لهم: يجب أن يدفع الساكن مالاً لقاء البيت الذي
يقطنه.
فصاح
الأطفال: ومن أين يأتي العصافير بالمال؟
فلم
يعرهم رئيس الحديقة التفاتاً فخرجوا إلى الحديقة الميتة يبكون. وقال طفل
طيب: لنجمع للعصافير أجرة لبيوتهم.
وصمم
الأطفال آنذاك على أن يساهموا في إعادة الحياة إلى الحديقة فقتروا على
أنفسهم في المصروف، لا حلوى ولا ألعاب. ورغم معارضة الآباء فقد تم جمع مبلغ
كاف من المال دفع إلى رئيس الحديقة، فدعيت العصافير للعودة إلا أن العصافير
لم تتمكن جميعها من العودة، لأن أعداداً كبيرة منها قتلها التعب والتجوال
في سماء لا أعشاش فيها فسقطت على الأرض قتيلة، وبالرغم من أن أعداداً ضئيلة
عادت إلى الحديقة فإن الحياة دبت في الأشجار ونمت الأزهار من جديد، فعادت
السعادة إلى الحديقة.
أضيفت في07/02/2006/ خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
دجاجتي العقيم
بقلم
الكاتب:
مراد السباعي
لم أكن
قد تجاوزت التاسعة بعد، عندما نازعتني رغبة ملحة، في استغلال المبلغ الزهيد
الذي ادخرته من (خرجيتي) خلال بضعة أشهر.. ورأيت بعد طول التفكير أن ابتاع
ديكاً حسن الصوت والشكل ودجاجة أنيقة عريقة، تعطيني من البيض أفخمه
وأطيبه..
وكان
ذلك.. وجئت بالديك والدجاجة فوضعتهما في قفص من الخشب صنعته بنفسي، وكلفني
صنعه من المشقة الشيء الكثير، لقد جرحت يدي بالمنشار في مواضع عديدة وأدخلت
أحد المسامير في إصبعي.
ومضت
الأيام وأنا أراقب باهتمام عظيم سلوك الديك والدجاجة، وأنتظر بشوق ولهفة
ذلك اليوم السعيد الذي أشاهد فيه شيئاً أبيض يتدحرج بين رجلي دجاجتي
السوداء..
وكانت
الظواهر كلها تشير إلى أن أحلامي وشيكة التحقيق، وأن البيضة المنتظرة ستكون
في متناول يدي بين ساعة وساعة..
فهاهو
ذا الديك العظيم يملأ القفص حركة ونشاطاً، ويصيح بصوته الجميل صياحاً
متواصلاً لا هوادة فيه، ويصفق بجناحيه تصفيق الفرح المستبشر، ويدور حول
دجاجته الحبيبة بزهو متعجرف أين منه زهو الطواويس.. ولا عجب، فالدجاجة في
(زحمة) من أمرها.
ولكن
الأيام تمضي، والشهور تتعاقب، ولا شيء في القفص غير الصياح والضجيج،
والجلبة الفارغة، ولا شيء غير الريش المتساقط..
آه، يا
للدجاجة الممثلة..
رأيتها
ذات مرة تقبع على القش المهيأ لبيضها، وتدور حول نفسها ببطء وإعياء، وتقوقي
بصوت خفيض جداً، كأنها تعاني أشد آلام الوضع، فقلت في نفسي كان الله في
عونك وشد ما كانت دهشتي عندما شاهدتها بعد لحظات قصيرة تنتصب واقفة، وتنتفض
عدة انتفاضات قوية، ثم تدرج في أرض القفص باحثة عن الطعام، وكأنما الذي
فعلته لم تقصد به إلا اللعب بعواطفي.. ورأيتها مرة أخرى... هي وديكها
اللعين، يقيمان الدنيا ويقعدانها صياحاً وعربدة وتصفيقاً بالأجنحة، وقفزاً
على القضبان، فقلت لقد آن أوانها، ولن يمضي النهار إلا وتكون البيضة في
كفي، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ومضت تلك المشكلة كزوبعة في فنجان..
بيد أن
المفاجأة قد حدثت ذات صباح.. فقد لمحت بين رجلي دجاجتي شيئاً أبيض كالثلج
يأخذ مكانه على القش المبعثر، فتناولته والسرور يرعش يدي، والسعادة تغمر
كياني، وانطلقت به إلى جدتي كالمأخوذ..
وأخذت
جدتي البيضة من يدي فقلبتها بإمعان وتدقيق، وأطالت إليها النظر، وفجأة
أطلقت ضحكة ساخرة، ورمت بالبيضة إلى الأرض.. ورأيت البيضة تتدحرج على الأرض
دون أن تنكسر، وفي غمرة من الدهش الصاعق لما أصابني أمام هذه المعجزة، سمعت
جدتي تقول: هذه بيضة من الجص.. ولا أدري أي خبيث قد وضعها تحت دجاجتك ليسخر
منك.. إن دجاجتك يا ولدي عقيم، وما كان العقم لينتج شيئاً على الإطلاق...
أضيفت في07/02/2006/ خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
العصفور والطائرة
بقلم
الكاتبة:
ليلى صايا سالم
طلع
الصباح.. اهتزت أوراق الشجرة وأفاق العصفور. فتح عينيه وصفق بجناحيه وطار.
كان نشيطاً تغمره البهجة.. حط على الأرض وتمرغ بالعشب الأخضر، ابتل ريشه
بالندى فنفضه وطار. استمع إلى زقزقات العصافير البعيدة، كان يفهم ما تقول.
أجابها بزقزقة ممطوطة، واستنشق هواء الصباح بعمق.. كان الصباح جميلاً
والعصفور مسروراً.
فجأة
سمع صوتاً غريباً.. كان صوتاً قوياً مزمجراً لم يسبق له أن سمع مثله من قبل
خفق قلبه. اهتزت الشجرة.. صمتت العصافير وتوقفت الصراصير عن الغناء، وركضت
الحشرات تختبئ في شقوق الأرض.. صمت كل شيء. رفع العصفور رأسه نحو السماء..
كانت زرقاء صافية، وشاهد فيها طائراً كبيراً يمرق بسرعة من غير أن تخفق
أجنحته.
كان
يهدر بشدة. تعجب العصفور من أمر هذا الطائر وتساءل في سره: أي طائر غريب
هو. قد يكون أكبر من شجرة التوت الكبيرة التي اعتاد أن يقف عليها في بيت
صديقه غسان. ولكن لماذا يبدو غاضباً إلى هذا الحد؟ وكيف يستطيع أن يطير من
غير أن يرف بأجنحته أو يحركها؟ ودفعه فضوله إلى أن يسأله عنه، فطار مسرعاً
إلى بيت صديقه غسان.
كانت
الجدة في الحديقة تنزع بعض الأعشاب اليابسة. زقزق العصفور قائلاً:
-صباح
الخير أيتها الجدة.
-صباح
الخير أيها الجميل.
-هل
رأيت يا جدتي ذاك الطائر الكبير المزمجر؟ إنه يلتمع تحت أشعة الشمس، ويطير
ثابتاً وكأنه لا يخشى السقوط.
-إنه
ليس بطائر أيها العصفور.. إنه طائرة.. ألم تر أو تسمع بالطائرة؟
-لا.
وما هي الطائرة؟
-هي
حوت ضخم من الحديد.. جوفه كبير.. يبتلع الناس وأمتهم ويطير بهم ويأخذهم إلى
أماكن بعيدة حيث يخرجهم ثانية من جوفه.
فكر
العصفور في نفسه: لا شك أن الطائرة أفضل مني فأنا لا أستطيع أن أحمل سوى
القش بمنقاري.
ثم سأل
الجدة:
-وهل
تطير مسرعة.. أسرع مما أطير؟
ضحكت
الجدة وقالت:
-أسرع
بكثير.
-وماذا
تحمل في جوفها أيضاً؟
-تحمل
أشياء تشبه الكرات. هل تعرف الكرات؟. إنها تلك الأجسام المستديرة الملونة
التي يلعب الصغار بها، وحين ترمي تلك الأشياء تزرع الموت والدمار.
خاف
العصفور وارتعش. سأل الجدة:
-وهل
يحب الأطفال الطائرة يا جدتي؟
-إنهم
يخرجون حين يسمعون صوتها، يرفعون رؤوسهم نحو السماء، ويصفقون لها بأيديهم
وتعلوا ضحكاتهم وهي تمرق بسرعة فوق رؤوسهم.
حزن
العصفور وقال في نفسه: لا شك سيأتي يوم ينصرف فيه الأطفال عن الطيور
ويتعلقون بالطائرات.
ترك
العصفور الجدة واقترب من النافذة. كان غسان الصغير يحبو وهو يضرب بيديه
لعبة صغيرة.
عادت
الطائرة يسبقها صوتها المزمجر.. اهتزت جدران المنزل.. صرخ غسان.. بدأ يبكي
بشدة، كان الرعب يهز جسمه الصغير.
نقر
العصفور زجاج النافذة.. نظر إليه الطفل سكت ثم ضحك وبانت أسنانه الصغيرة.
صفق العصفور بجناحيه منتصراً. قال في نفسه: لن تكون الطائرة أفضل طالما هي
تبكي الأطفال وأنا أجعلهم يضحكون.
أضيفت في07/02/2006/ خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
الأعمى والأصم
بقلم
الكاتب:
أيوب منصور
كان
لحاكم إحدى المدن القديمة ولدان، أحدهما أعمى لا يبصر، والآخر أصم لا يسمع.
وبعد وفاته حدث خلاف بين الولدين على الحكم، لكن قاضي المدينة اقترح أن
يحكم المدينة في النهار الولد الأعمى، ويحكمها في الليل الولد الأصم. وافق
الولدان على الاقتراح وصار كل منهما يحكم خلال أوقاته المحددة، ففي النهار
يأمر الوالي الأعمى الناس بالامتناع عن تأدية أعمالهم وتكريس الوقت كله
للكلام عن عدالته وعن ظلم أخيه.. أما في الليل فكان الوالي الأصم يمنع
الناس من النوم ويجبرهم على ترديد أغاني المديح لشخصه حتى مطلع الفجر. وبعد
مضي مدة قصيرة نفدت مؤنة المدينة وهلك الناس لأن حاكم النهار يسمع ولا يرى
وحاكم الليل يرى ولا يسمع.
العقل الكبير
كان
الحمار الصغير يتنزه ليلاً، فانقض عليه الضبع يريد أن يأكله فأشفق الفيل
على الحمار، وسارع إلى إنقاذه وطرد الضبع.
قال
الفيل للحمار: أنت صغير السن، ولذا سأرعاك حتى تصير حماراً كبير السن.
وبعد
أمد قال الحمار للفيل: هاأنذا أصبحت كبير السن، ولم أعد بحاجة إلى رعاية
أحد.
قال
الفيل: هيا قدم إلي دليلاً على أنك أصبحت أيضاً كبير العقل.
فهجم
الحمار فوراً على شجرة، وراح يرفسها حتى أوشك أن يحطم حوافره فضحك الفيل
وقال:
ما
فعلته ليس دليلاً على اكتمال العقل؟ قالت الضفدعة:
أن
تتمكن من النهيق وأنت في الماء.
فقفز
الحمار إلى ماء النهر، وعندما حاول النهيق امتلأ جوفه بالماء وأوشك أن
يغرق.
والتقى
الحمار بفأرة فقال لها متسائلاً: كيف أستطيع أن أصبح مكتمل العقل؟
قالت
الفأرة: تزوج.
قال
الحمار: لا أحد يوافق على الزواج من حمار.
قالت
الفأرة: أنا موافقة على الزواج منك ولكن يجب أن تمتنع عن الطعام حتى تصبح
نحيلاً مثلي وتتمن من الإقامة في بيتي.
صار
الحمام أياماً ولكنه تخلى عن صيامه إذ أوشك الجوع أن يهلكه. قابل الحمار
جرادة، فقال لها: كيف أستطيع أن أملك عقلاً كبيراً؟
قالت
الجرادة: سيصبح عقلك كبيراً إذا أكلت كل ما في الغابة من أعشاب وأشجار.
عمل
الحمار بنصيحة الجرادة، وانطلق في الغابة يأكل ما يصادفه فأصيب بالتخمة
ومات.
سار
الفيل في جنازة الحمار وهو يقول: الحمير لا تكتمل عقولها إلا بعد الموت.
الدجاجة والنسر
شاهدت
الدجاجة نسراً يطير في ارتفاع منخفض، فأقسمت أنها تستطيع أن تطير كما تطير
النسور.
فقالت
البومة للدجاجة: الدجاجة لا تستطيع أن تطير إلا كما يطير الدجاج. غضبت
الدجاجة، وصعدت إلى سطح المنزل، وصفقت برهة بجناحيها ثم قفزت في الفضاء
لتسقط على الأرض ميتة. فهتفت البومة:
قد
تطير النسور كالدجاج ولكن الدجاج لا يستطيع أن يحلق كما تحلق النسور.
أضيفت في07/02/2006/ خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
روبوت مشاغب
بقلم
الكاتب:
السيد نجم
كان
الاحتفال بسيطا وجميلا, فقد التف أفراد الأسرة كلهم حول المائدة ,ومع أنغام
الموسيقى المفرحة, وغناء "مي وبسمة" لأمهما "د.عزة", أطفأ الجميع الشمعة
المضيئة وسط التورتة التى شارك جميع أفراد الأسرة فى إعدادها.
أشار
الأب الى الجميع يأمرهم بالهدؤ قليلا, ثم قال:
"نحن
جميعا سعداء بمناسبة حصول ماما د.عزة على جائزة علمية كبيرة,
ونتمنى
لها التقدم دائما فى أبحاثها العلمية "
عقبت
"مي" بسرعة:
"وما
جائزتنا نحن, لقد ساهمنا كثيرا فى هذا النجاح..."
ألحقتها "بسمة" وتابعت قائلة:
"صحيح..يكفى أننا نساعدها فى أعمال المطبخ"
وضحك
الجميع.
لم يمض
وقتا طويلا حتى صاح الأب ثانية , يطلب منهم الانتباه له, ثم قال:
"أنت
على حق يا "مي" , لذلك سوف أقدم لكما هدية ثمينة جدا"
هلل
البنتان بسعادة, وفى شوق لأن يسمعا تفاصيل الهدية, وزادت سعادتهما عندما
أخبرهما الأب بالهدية المنتظرة:
"سوف
أشترى لكما مكتبة كبيرة وقيمة "ميكروفيلم", وسوف أحرص أن تضم
الكثير
من الموضوعات المسلية فى الأدب والعلوم , بل وفى التاريخ أيضا"
وقبل
أن ينتهي الأب من تفاصيل الهدية, تابعت الأم قائلة:
" أما
هديتي , سوف تكون لنا جميعا..بابا, وأنا, وأنتما , كلنا معا؟!"
شعر
الجميع بالدهشة, وانتظروا تفاصيل أكثر عن تلك الهدية التى تتحدث عنها د.عزة
بثقة واعتزاز. مع ذلك انتهت الحفل ولم تخبرهم الأم عن أية تفاصيل أخرى.
ولفترة طويلة كان موضوع تلك الهدية حديث الأسرة كلها, والأم مصرة على عدم
البوح بتفاصيلها..!
..... .......
......
لم
يكف أحد أفراد الأسرة السؤال عن سر الهدية المفاجأة التى وعدتهم بها الأم,
ولم تبح د.عزة بتفاصيلها!. كلما تجدد السؤال , تبتسم الأم , ولا تعلق بأكثر
من كلمتين اثنتين: "سوف نرى!!".
انقضى
شهر كامل , وفى تمام الساعة الثانية بعد الظهر حسب الميعاد المتفق عليه ,
دخلت د.عزة الى مكتب المهندس "علم الدين" صاحب المصنع الصغير لصناعة "الربوت".
فهو أمهر من يصنع الإنسان الآلي فى كل المدينة , ويتميز "الربوت" الذي صممه
بنفسه ويشرف على تصنيعه بالمهارة فى تنفيذ الأوامر , مهما كانت شاقة أو
متعبة!. لذلك أطلق عليه اسم "الأسطى سعيد" !!
فور أن
لمحها المهندس "علم الدين", نظر الى ساعة الحائط المعلقة أمامه, وأشار
اليها صامتا مع بسمة واثقة . فعلقت د.عزة دهشة:
"وصلت
فى الميعاد المحدد ..أليس كذلك؟!"
هز
المهندس رأسه وقال:
"بل
وصلت قبل الميعاد بساعتين يا سيدتي"!
لم
تعلق..ولم يسمح لها المهندس بأكثر من دقيقتين لعرض طلبها, لأنه فى عجلة من
أمره, ولا يوجد عنده أي وقت فراغ وهو داخل مصنعه كي يضيعه فى الثرثرة.
لم
تغضب د.عزة منه, وأعادت عليه التأكد من تحقيق كل المواصفات التى عرضها
عليها أثناء المقابلة الأولى. وقبل أن تغادر حجرة المكتب, أخبرها المهندس
علم الدين بضرورة انتظاره بمنزلها فى تمام الساعة الرابعة لاستقبال الضيف
الجديد.
..... ...... ......
عادت
الأم الى المنزل فى انتظار "الأسطى سعيد", وضح على وجهها علامات الحيرة.
فسألتها "مي"عن سر القلق والشرود الواضح عليها,وسألتها "بسمة" الصغيرة:"هل
أنت جائعة يا ماما؟".
ابتسمت
الأم, وأخبرتهما عما يدور فى رأسها. هل من الأفضل أن تخبرهما عن سر
المفاجأة التى وعدتهما بها..أم تنتظر ؟!. فتعلقت الابنتان بها أكثر, وطلبا
التفاصيل, لأنهما فى شوق الى معرفتها.
فقالت:
"سوف
يحضر حالا الآن الأسطى سعيد, وسوف يساعدكما ويساعدني...."
وقبل
أن تتابع, عبرت الابنتان عن دهشتهما ..من يكون الأسطى سعيد هذا؟, وأى
مفاجأة فى أن تحضر أمهما رجلا يعمل على راحتهما ؟؟!
فضحكت
الدكتورة عزة, وقالت:
" بل
الأسطى سعيد هذا ..ربوت, أو إنسان آلي. سوف يعيش معنا هنا فى المنزل
وينفذ
كل الأوامر التى سنطلبها منه !"
على
غير التوقع, تلاحقت الأسئلة وكثرت, بل وسألت الابنتان بطريقة لم تسمح
لأمهما بالإجابة..أسئلة كثيرة, متلاحقة, ولم ينتظرا ردا ؟!
.. "هل
هو مثلنا, من لحم ودم وعظم؟"
.. "
هل يأكل ويشرب؟"
.. "
هل يجيد شراء ما نريده من السوق؟"
.. "
هل يجيد القراءة , ويمكن أن يقرأ القصص معي؟"
.. "
وأنا أحب أشغال التريكو..هل يجيد تلك الأشغال ويساعدني فيها؟"
فى تلك
اللحظة, دخل الأب الذي فهم سر تلك الأسئلة وغيرها , فضحك ثم قال:
"إذن..ننتظر, فأنا فى شوق الى الأسطى سعيد مثلكما تماما"
بقى
بعض الوقت على الرابعة , ويمكن لهن الاستماع الى أية إجابة من الأب حتى يصل
الإنسان الغامض الآلي هذا. وافق الأب وقال:
"الربوت
هو آلة على شكل جسم الإنسان, له رأس داخلها يوجد "المخ" أو الجزء
المسئول عن إصدار الأوامر أو السيطرة على الآلة, وهو فى ذلك مثل
الإنسان...!
كما
توجد بالآلة "الذاكرة" وهى عبارة عن اسطوانة صغيرة , عليها ثقوب كثيرة"
علقت
"بسمة " قائلة:
" إذن
صف لنا مخ الإنسان الآلي ؟"
ابتسم
الأب وتابع:
" أنت
المتعجلة يا بسمة.. حالا كنت سأوضح لك تركيب المخ فيه.....
مخ
الربوت يشبه سويتش التليفونات, السويتش هو الذي يربط بين كل خطوط
التليفونات وكذلك يوصل المكالمات ..أيضا مخ الربوت يقوم بوظيفة الربط بين
أجزاء
الربوت, وعلى الرغم من صغر حجمه إلا أنه قادر على أداة توصيلات
كثيرة
جدا..جدا"
فضحت "مى"
و"بسم’" وقالتا معا وفى صوت مشترك, وكأنهما اتفقا على ذلك, وقالا:
" ياه
.. هذا الربوت هام جدا.
سوف
يريحنا من الأعمال الشاقة, وسوف يجعلنا سعداء بإصدار الأوامر فقط!!"
فهمت
د.عزة ما يقصدانه , فأسرعت إليهما وحذرتهما ..إن لم يستفيدا بالوقت والجهد
الذي سيوفره لهما الربوت, لن تتردد فى إرجاعه إلى المهندس علم الدين. لكنها
لم تسمع ردا, سمعوا جميعا صوت جرس باب الشقة, فنظرت الأم الى الساعة,
وتأكدت أنها الرابعة تماما.
..... .......
......
المهندس "علم الدين" ويده فى يد "الأسطى سعيد", صرخت مي:
"ما
هذا ..وكأنه إنسان ولكن من زجاج وحديد!!"
تابعت
بسمة بسرعة:
"له
عينان وفم , ذراعان وقدمان!!"
وعندما
طلب منه المهندس الى يدخل مكان عمله الجديد, رد الربوت بصوت حاد وسريع
قائلا:
"بل
تفضل أنت أولا..هذا من آداب السلوك"
فضحك
الجميع, وعلقت بسمة فى نفسها بصوت دهش: "انه يتكلم أيضا!!"
مضى
المهندس بعض الوقت مع الأسرة السعيدة, وتحدث معهم جميعا عن الضيف الجديد,
وكيف أنه مطيع وقادر على تنفيذ كل الأعمال الشاقة, والتى قد تعجز عليها
سيدة المنزل؟!
قبل أن
يترك الشقة , اقتربت مي من الربوت وهى تردد :"يجب أن نطلق عليه اسم يناسبه
, ونناديه به ونحن نلعب معه".
فوجئت
بالربوت يرد وحده قائلا:
" أنا
اسمى الأسطى سعيد."
فأسرعت
بسمة اليه تقول:
" بل
أنت كىكى..اسمك من الآن كىكى"
ضربت
الربوت الأرض بقدميه غاضبا, ثم قال:
"ما
هذا الاسم؟ انه لا يناسبني أبدا...
أنا
لست كلبا جئت كي أتدلل والهو..أنا إنسان آلى, جئت للعمل!!"
فطلبت
"مي" منه أن يبدأ العمل ويقرأ معها قصة "رحلات السندباد السبعة" فورا.
....... .......
.......
أحضرت
الكتاب, تأملت الغلاف للحظات, ثم بدأت يقلب أوراقه , توقفت أمام الصفحة
الأولى, ثم تناولت كوب الماء , شربت الماء, ثم أرتكنت على ظهر الأريكة
وبدأت تقرأ.
ما أن
بدأت فى القراءة, أسرع "سعيد" معترضا:
" ما
كل هذا أنت بطيئة جدا...!
لماذا
تفقدين كل هذا الوقت فى الإعداد لقراءة القصة ؟؟!"
لم
تعقب "مي", ابتسمت..فضلت أن تتابع القراءة باستمتاع وهدؤ, وببطء أيضا ,
ربما تتخيل كل رحلة من رحلات سندباد الشيقة, والتى سمعت عنها لكنها لم تقرأ
الكتاب من قبل .
خلال
ثوان قليلة , سمعت "الأسطى سعيد" يردد جملة واحدة , ولا يريد أن
يصمت..تماما كما الرضيع الجائع. فضحكت "مي" وطلبت منه أن ينتظر, ويكف
الصياح بتلك الجملة المملة والتى لم تتوقعها:
"اقلبي
الصفحة من فضلك...
اقلبي
الصفحة من فضلك..."
لم
تنته من الصفحة الأولى, ماذا يريد منها ؟. نفذت طلبه, انتقلت الى الصفحة
التالية, قبل أن تنتهي من الجملة الأولى, عاد المشاغب الى سابق جملته
المملة:" اقلبي الصفحة من فضلك!!".فشعرت بالحيرة والاضطراب.
أسرعت
الى أمها التى انشغلت عنها فى حجرة المكتب, أخبرتها بما حدث بغضب وانفعال.
لفترة قصيرة شردت الأم , ثم ابتسمت..وجدت التفسير, فقالت:
"لا
تغضبي يا مي, فالربوت يقرأ فوتوغرافيا أو تصويريا.."
دهشت
مي أكثر, سألتها:
" لم
أفهم, ماذا تعنين؟"
تابعت
الأم:
"انه
يصور الصفحة التى يطلع عليها بالكامل, ويفهمها فى نفس اللحظة."
اشتركت
"بسمة " فى الحوار, وقد أعلنت عن رفضها لهذا القادم الجديد الذي لا يحترم
قدراتهم فى القراءة. ما زال الوقت أمامهما حتى يصدرا حكما نهائيا على الضيف
الجديد..هذا بالضبط ما أخبرتهن به الأم, ثم طلبت منهما أن يصبرا لوقت أطول.
وكان من الممكن أن يطول الحوار طويلا بين ثلاثتهن, لولا أنهن سمعوا صوتا
حادا يصيح وإلحاح:
"حان
ميعاد الغداء...
حان
ميعاد الغداء..."
كان
الأسطى سعيد انتهى على التو من إعداد السفرة لتناول وجبة الغداء. ولأنها
المرة الأولى التى يعد فيها المائدة, أسرعت الأم كي ترى, وربما لتطمئن عما
يشغلها من أمور المنزل..فقد كانت دوما تتمنى أن تجد من يساعدها فى إعداد
الطعام وتجهيز المائدة.
...... ........
..........
كانت
تلك الجلسة حول المائدة لتناول وجبة الغداء, من المرات القليلة التى يشترك
فيها الأب, فهو دوما منشغلا بعمله, وربما النهار كله خارج المنزل. لذلك عبر
عن سروره بوجوده بين أفراد أسرته فى هذا اليوم , وعلى مائدة الغداء, وقال:
"منذ
فترة لم أجلس معكم لنتناول وجبة الغداء..أنا سعيد اليوم لأنني معكم"
لم
يتردد الابنتان فى التعبير عن سرورهما.
وما أن
بدأ كل منهم فى تناول شيئا من الطعام, حتى بدا عليه التذمر, والإحساس
بالضيق, وربما الرغبة فى عدم متابعة تناول الطعام!
فى
البداية لم ينطق أحدهم, لكن تأكد الجميع أن هناك مشكلة ما فى كل الأطباق.
وما أن صاحت "بسمة" معبرة عن تذمرها:
"انظري
يا ماما..الأسطى سعيد لم يسخن الأرز, الأرز باردا!"
فمالت
د.عزة الى الأسطى سعيد الواقف كما الجنود فى ميدان المعركة صامتا الى
جوارهم, وقالت له مستفسرة:
"لماذا
لم تسخن الأرز يا أسطى سعيد؟"
بعد
فترة صمت, علق قائلا:
"أنا
لا أسخن أى شئ"
فعلقت
د.عزة قائلة:
"
لكننا نحب الطعام ساخنا, والأرز بالتحديد يجب أن يكون كذلك!"
بنفس
الوقفة العسكرية, والرد بالصوت الحاد, قال سعيد:
"لا
أفهم ماذا تقصدين يا سيدتي..عفوا"
بكثير
من الدهشة, علق الأب قائلا:
" يا
خسارة, لم تكتمل فرحتي بالجلوس معكم اليوم للغداء معا....
يبدو
أن الأسطى سعيد هذا سوف يجعلنا غير سعداء..."
فعلقت
"مى" ضاحكة:
"ليبقى
هو وحده سعيدا فى هذا المنزل"
.... ...... .......
لم
ينقض سوى عشر دقائق على نوم د.عزة خلال فترة العصرية. من عادتها النوم لنصف
ساعة تقريبا, لكن الأسطى سعيد له رأيا آخر!
انتبهت
د.عزة وهى تشعر بشيء من الاضطراب, وتتساءل عما حدث..فاضطر الأسطى سعيد
إيقاظها بسرعة وبطريقته الواثقة تلك:
"د.عزة
.. استيقظي .. حالا.
د.عزة
..استيقظي .. حالا."
وجدته
الى جوار رأسها, وهو ما فزعها أكثر, خصوصا أنها لم تعتد أن يدخل غرفة نومها
أى شخص دون استئذان, حتى ابنتيها يطرقان على الباب قبل الدخول..؟
حكت
جفونها, تحدق بشدة نحو الأسطى سعيد, تأمره أن يكف عن صياحه. ينفذ سعيد
الأمر ويتجه نحو باب الغرفة. إلا أنه يعود ويقول:
"يجب
أن تشربى , وتشربوا جميعا ما أعدته الآن"
فلما
سألته عما أعده, لم يجب اكتفى بكلمة :"شكرا", "شكرا"...!!
ابتسمت
وقالت فى نفسها: "يبدو أنه شاي العصر", واتجهت لتناول الشاي مع ابنتيها وقد
خرج الأب الى عمله فور تناول الغداء البارد!
ما أن
جلس ثلاثتهن ونظروا الى أكواب الشاي, عادوا الى سابق عهدهن فى التعليق و
الإحساس بالغضب. هذه المرة اعترضت د.عزة وقالت:
"أنا
أحب أن أشرب شاي العصر بدون حليب..
لماذا
جهزت الثلاثة أكواب شاى مخلوط بالحليب..يجب أن تسألنا أولا؟؟"
تدخلت
"بسمة" وقالت:
" هنا,
كل فرد فينا له رغباته الخاصة"
فرد
بسرعة متسائلا:
" ماذا
تعنى كلمة رغباته؟"
فتابعت
مي وقالت:
" تعنى
أن كل فرد هنا له مزاجه الخاص"
فرد
بنفس السؤال:
"
وماذا تعنى كلمة مزاجه؟"
تدخلت
الأم وهى تضحك هذه المرة, قالت:
" يجب
أن نعد ما تعده على حسب ما يريد كل فرد فى الأسرة..لن نأكل
ونشرب
حسب رغبتك ومزاجك أنت ..هل فهمتني الآن؟"
بهدؤ
وثقة , علق الأسطى سعيد قائلا وهو يدير ظهره متحركا الى حيث يرغب , وقال:
"حتى
الآن لم أفهم ماذا تقصدين بكلمة رغبة أو مزاج, هاتين الكلمتين لا أفهمهما!
وردد
كلمة "شكرا" كثيرا, حتى ذهب الى شرفة الحجرة . مع كثير من الحيرة, رددت
الأم السؤال فى نفسها: "كيف أشرح له حتى يفهم هذا الإنسان الآلي"؟!
........ ........
......
فى
صباح اليوم الجديد, و قبل أن يستيقظ أحد أفراد الأسرة, انتبهوا جميعا
واضطربوا بسبب صوت تهشم شيئا ما!
لاحظت
د.عزة أن ضوء الشمس مازال بعيدا, وأن عقربي الساعة تشير الى الخامسة .
دهشت, وتساءلت عما حدث فى تلك الساعة المبكرة, والجميع نائم.."هل اقتحم لصا
المنزل؟ أم ريح قوية فتحت النوافذ؟ أم ماذا؟؟!
استيقظ
الأب وتحرك بسرعة نحو مصدر الصوت, فكانت المفاجأة. ابتسم الأب وقال لزوجته:
"انه
الأسطى سعيد أيضا!!"
لقد
هشم سعيد "الفازة" الثمينة التى اشترتها الأم من إحدى المزادات بثمن مرتفع
اعتزازا بها وبجمالها. صرخت:
"يا
خسارة.. الفازة تهشمت تماما"
لم تكن
لمحت "الأسطى سعيد" بعد, ما أن نبهها الأب الى مكان وجوده فى ركن الغرفة
البعيد, حتى صاحت فى وجهه:
"أنت
أيضا؟!"
بهدوء
رد الأسطى سعيد قائلا:
"عفوا
لم أكن أعرف كيف يحملون هذا الشيء"
فقال
الأب وهو يحاول أن يكون أكثر هدوءا من زوجته, قال:
" ومن
قال لك تقترب من هذه الأشياء فى تلك الساعة من النهار؟"
برر
الأسطى سعيد ما فعله, بأنه لا يعرف الليل من النهار, وأنه ظل يعمل كيفما
يشاء, حتى كانت تلك الفازة التى تهشمت عفوا !!
لم يجد
الأب ما يعلق به, اكتفى بنظرات حزينة الى الفازة, وعاد الى حجرة نومه,
بينما ظلت الأم نتجمع فى أجزاء الفازة. إلا أنها عادت وقالت لسعيد:
"يجب
أن تحترس فى المرات القادمة"
فكانت
إجابته التى لم تحتملها, حين قال بثقته المعهودة:
"آسف..لا أستطيع أن أوعدك بشيء مثل هذا يا سيدتي.. شكرا"!!
ثم
أدار ظهره وذهب بعيدا.
وجدت
د.عزة نفسها أمام موقف لا تعرف كيف تتصرف حياله؟!, رغما عنها ابتسمت, ثم
عادت الى حجرة نومها ثانية , ربما مع بداية اليوم الجديد تستطيع أن تفكر
بهدؤ أكثر.
لا
تدرى كم انقضى من الوقت حتى انتبهت على صوت الأسطى سعيد الى جوار رأسها ,
يردد بصوته الحاد:
"استيقظي يا سيدتي.. لقد ملأ ضوء الشمس كل مكان..شكرا"
فقالت
له بغضب, وبعد أن نظرت الى ساعتها:
"
لكنني لا أستيقظ فى السادسة..ميعادي السادسة والنصف, اتركني الآن"
فتابع
الأسطى سعيد:
" بل
يجب أن تستيقظي الآن .. شكرا"
انفعلت
د.عزة أكثر, وهى لا تدرى كيف إقناع هذا الإنسان الآلي. أمرته أن يغرب عن
وجهها , ثم حذرته من إيقاظ الطفلتين. فرد عليها قائلا:
"وما
فائدتي إذن؟"
....... .......
.........
جلست
د.عزة على طرف السرير , تشعر بالحيرة, تسأل نفسها:"ماذا على أن أفعل..تمنيت
أن يكون هذا الإنسان الآلي هدية لكل أفراد الأسرة؟؟"
قبل أن
يبدأ المهندس علم الدين فى عمله صباحا , كانت د.عزة أمامه, وفى كفها كف
الأسطى سعيد. وهو ما أدهش المهندس!
عندما
سمع منها تفاصيل كل ما حدث خلال تلك الساعات القليلة, وأن الأسطى سعيد هذا
لا يحترم رغبات الآخرين. ابتسم وقال لها:
"نعم
هو يفعل كل ما هو محفور فى اسطوانة الذاكرة التى وضعتها أنا له,
الآن
فهمت ما تريدين.. أعطني مائة جنيه أخرى مع هذا الربوت , وسوف
أصنع
لك ربوت آخر يحترم رغباتك ورغبات الأسرة كلها..هل توافقين؟"
انتظرت د.عزة لفترة قصيرة , ثم
قالت: "موافقة, فقط يحتاج الى تطوير برنامجه". وعادت الى أفراد أسرتها فى
انتظار الربوت الجديد!!
تحدى سكان القمر
ظهر
المذيع التليفزيوني على الشاشة مبتسما وهو يعلن لجميع سكان الأرض عن بداية
المباراة المنتظرة بين فريقي "مهاجرو القمر" و "الأرض"!
منذ عدة
سنوات ظهرت مشكلة حقيقية بين سكان القمر, هؤلاء الذين هاجروا من الأرض إلى
القمر. لقد نجحوا على سطح القمر وأقاموا مجتمعات جديدة ومنتجة, كما أقاموا
المصانع واستصلحوا الأراضي الوعرة هناك. إلا أنهم وبعد تلك السنوات أعلنوا
تمردهم وغضبهم على كل سكان الأرض!
اجتمعت
هيئة الأمم المتحدة التى تضم معظم دول العالم مع الوفد القادم من القمر
للتعرف على سر هذا الغضب, وربما لمنع تدهور العلاقات بين الكوكبين, أى حرصا
على السلام الكون, وحسن الجوار بين الكواكب.
ومنذ
اللحظات الأولى للاجتماع, تبين للجميع أن المهاجرين تحولوا إلى سلوك لا
يعرف الخبث أو الضغينة أو الدهاء. وأعلنوا صراحة أن سبب غضبهم هو تجاهل
سكان الأرض لهم, على الرغم من أنهم (أي سكان القمر) كانوا منذ زمن بعيد من
سكان الأرض, وقد هاجر أجدادهم إلى القمر من أجل حياة أفضل.
وقد لخص
رئيس وفد سكان القمر طلبات وفده.. التعاون التجاري العادل حيث أن سكان
الأرض يصعدون ويجمعون الثروات من فوق سطح القمر, ولا يدفعون القيمة
المناسبة لتلك الثروات من معادن وغيرها. لم تطل المفاوضات أكثر من يومين,
وأعلن سكرتير عام الأمم المتحدة بأنه تم تحديد المشاكل, وأيضا وضعت الحلول
المناسبة لها.
أعلن
الخبر على العالم اجمع, فسعد الجميع للنجاح فى تلافى أسباب صراع محتمل , قد
يكون سببا للحروب بين الكوكبين. وبهذه المناسبة وتعبيرا عن التعاون
المنتظر, تقرر إقامة مباراتين لكرة القدم التى يعشقها الجميع..واحدة على
سطح الأرض, والأخرى على سطح القمر.
حان وقت
بداية المباراة الأولى على سطح الأرص. ما أن ظهر الفريقين معا فى طريقهم
الى أرض الملعب, دهش الجميع, سكان القمر يرتدون تلك البذلة التى يعرفونها
لرجال الفضاء. وتساءل الكبير قبل الصغير:
"إن كانت
تلك البذلة من أجل الحفاظ على عمل أجهزة الداخلية لرواد الفضاء
فوق سطح
القمر, حيث أن الجاذبية هناك أقل الى الثلث منها على سطح
الأرض..وإذا كان هؤلاء المهاجرون من أصل الإنسان على الأرض, لماذا
إذن
يرتدونها؟؟"
وهو
التساؤل الذي فرض نفسه على المذيع وهو يتحاور مع أحد العلماء. فأجاب العالم
بثقة وهدؤ:
"صحيح
سكان القمر الآن من أصول الإنسان على الأرض, لكن أجسادهم الآن
وجيل بعد
جيل بدأ يتكيف على جاذبية القمر..وبالتالي أصبحت الحياة على الأرض
الآن
مستحيلة, ويجب أن يرتدى تلك البذلة الوقاية!!"
فورا
انتقل المذيع للحديث مع أحد الخبراء فى الاتحاد الدولي لكرة القدم, سأله:
المذيع:
لماذا مساحة الملعب أقل من المساحة التى نعرفها ؟
الخبير:
حتى يتمكن سكان القمر اللعب لفترة أطول, نظرا لأن البذلة التى يرتدونها
تعيقهم
بعض
الشيء. كما يجب أن تعرف أننا عدلنا من زمن الأشواط وأصبحت نصف ساعة
فقط لكل
شوط, وللسبب نفسه.
المذيع
شكره, ثم طلب من الجميع الاستماع الى نشيد المحبة والسلام الذي يردده أفراد
الفريقين, وقد ألفه أكبر شعراء الأرض.
ثم بدأت
أحداث المباراة المنتظرة, كانت مفاجأة للجميع. فقد كانت الكرة أقل حجما,
وأقل وزنا عن تلك التى يلعبون بها على سطح الأرض. وأعلن المعلق على
المباراة أن السبب هو عدم قدرة فريق القمر على التعامل مع الكرة العادية,
وأن الفريق وصل الى كوكب الأرض منذ أسبوعين , ومع ذلك لم يستطع التكيف على
اللعب فوق أرضية الملعب المزروع "نجيلة" أو نجيلة صناعية "التى تسمى "ترتان".
وبعد مضى
فترة قليلة بدأ اللاعبون يتساقطون. ما أن يصطدم أحدهم بزميل منافس له على
الكرة, يسقط على الأرض ولا يتحمل الاصطدام!. ربما هذا هو السبب الذي تعاطف
من أجله جمهور الملعب مع سكان القمر, وما أن أعلن الحكم عن ضربة جزاء لفريق
القمر.. لم يغضب!!
أحرز فريق
القمر هدفه, فارتفعت الحمية والتحمس عند أفراد فريق الأرض, ونال مرمى فريق
القمر عشرة أهداف متتالية!. أحرز الأخير منها قبل نهاية المباراة بثوان
قليلة..!
وتصالح
الجميع على أرض الملعب, لكن كابتن فريق سكان القمر توعد جميع أفراد فريق
سكان الأرض قائلا:
"نحن
نتحداكم على سطح القمر قريبا!!"
...... ...... .......
بسرعة
انقضت فترة استعداد فريق "الأرض" للعب المباراة الثأرية على سطح القمر مع
أحفاد المهاجرين الأوائل .
كان
التدريب شاقا وغير تقليدي. لم يكن أعضاء فريق الأرض يتدربون على الملاعب
العادية التى يعرفونها. كانوا يتدربون فى مبان مغلقة ضخمة, الجاذبية فيها
أقل من جاذبية الأرض, كما أن أرض الملعب ترابية, وكانوا يتدربون وهم يرتدون
البذلة الخاصة برواد الفضاء!
وكلما فتر
عزم اللاعبين من شدة الإجهاد يقف المدرب ويذكرهم بأن أعضاء فريق القمر
يتحدون!
وكما التف
سكان الأرض والقمر حول أجهزة التليفزيون لمتابعة المباراة الأولى, التفوا
أيضا لمتابعة أحداث المباراة الثأرية.
ظهرت
المذيعة هذه المرة وهى متحمسة ومنفعلة, وأعلنت عن انتقال الإرسال حالا الى
سطح القمر, ثم طلبت دعوات سكان الأرض كلهم لفريقهم بالنصر المبين على فريق
القمر الذي يلعب على ملعبه, ومتحمسا للثأر من هزيمة المباراة الأولى.
إلا أن
الإرسال ظل معلقا حتى انتهت من تحية كل من شارك فى الإعداد لتلك المبارايات
, سواء هيئة الأمم المتحدة على الأرض, أو هيئة الاتصال الكوني على القمر.
ثم أشادت بالجهد الرائع الذي بذله العلماء والمهندسين والفنيين باللجان
العلمية التى تولت تنفيذ الفكرة, حتى تحقق الحلم ونفذت المباراة.
ثم التقت
بأحد العلماء وسألته عن سبب قلقه الواضح على وجهه, فأجاب:
"انه
القلق الإيجابي, أريد أن تنفذ كل خطوة بنجاح تام"
إلا أن
العالم توقف فجأة كي يطلب الإشارة الى حادثة هامة حدثت معه منذ فترة بعيدة.
وافقته المذيعة وطلبت معرفة تفاصيل تلك الحادثة, قال:
"منذ عدة
سنوات, كنت أرافق أحد المهاجرين الى القمر, وفى الطريق الى قاعدة
إطلاق
الصاروخ , لمحت الحزن على وجهه, فسألته عن سبب ذلك, قال بصوت
منخفض:
"يا سيدي
العالم, إننا نهاجر الى القمر من أجل تعمير هذا الكوكب, لكن ما أخشاه
أن
تعتبروا هجرتنا هي النهاية ..نهاية العلاقة بيننا وبينكم على سطح الأرض"
فقلت له:
"يوما ما سوف تتأكد أننا لم ننساكم, فأنتم الرواد وتستحقون كل التقدير"
وفجأة
انتهى الحوار, وبدأ التليفزيون فى عرض أولى المشاهد على سطح القمر.كان
اللاعبون من الفريقين وطاقم الحكام . بعد حوالي الدقيقة وصل صوت المعلق
الرياضي والمذيع القمري أو أحد أحفاد المهاجرين الى القمر.
بينما ظهر
لاعبو فريق القمر يرتدون الشورت والفانلة, مثل تلك التى يلعب بها فرق
الأرض, كان فريق الأرض يرتدى البذلة الفضائية!
الجديد
أن علق كل لاعب ما يشبه علبة صغيرة على صدره وظهره, وشئ يشبه الدخان ينطلق
من ظهورهم, ومن شئ يحمله حكم المباراة!!. وأعلن مذيع القمر عن سر هذا
الدخان, وأنه جهاز دفع خاص حتى يتمكن لاعبو الأرض من الحركة بل والجرى على
أرض الملعب.
بدأت
المباراة حماسية, وقوية كما توقع الجميع, وكانت المفاجأة أن أحرز فريق
الأرض الهدف الأول !
وقبل أن
ينتهي المعلق من شرح تفاصيل هذا الهدف المباغت السريع, كان رد فريق القمر
بهدف سريع أيضا. ولم تمض دقائق وكان الهدف الثاني ثم الثالث..ولم يجد
المتابعون على الأرض الا القول بأن هؤلاء المهاجرين تعودوا على الحياة على
سطح القمر, وعلى هذا الملعب الترابي.
وبين
الشوطين تساءلت المذيعة عن وقت إذاعة هذه المباراة, فرد الخبير بأنه فى
نهار يوم عادى هناك, على الرغم من الظلمة التى تبدو على الشاشة. وتابع
قائلا:
"يجب أن
أخبرك أن الضوء يحتاج الى الهواء حتى ينتقل فيه ونشعر به,
وسطح
القمر بلا هواء. لكن يجب أن يلاحظ الجميع مشهد قرص الشمس
الدائري
فى أعلى الشاشة"
توالت
أسئلة المذيعة, واستفسرت عن كيفية التصرف أمام تلك الضبابية الواضحة.
فابتسم الرجل وأخبرها:
"حلت تلك
المشكلة بأن استخدم العلماء مادة خاصة يطلون بها الكرة والملابس,
ثم
الملعب, وغير ذلك. وهذه المادة يمكن أن تلتقطها عدسات الكاميرات
المستخدمة."
قبل أن
يبدأ المعلق الرياضي أحداث الشوط الآخر من المباراة, قال:
" ويسرني
أن أخبر سكان القمر والأرض, أن المنطقة التى نلعب عليها الآن
بجوار جبل
يسمى "جبل ناصر الدين"..وهى منطقة منبسطة وبلا جبال.
ويقال أنه
اسم أحد علماء الفلك العرب أيام دولة الأندلس, وأعتقد أنه مبعث فخر
لكل العرب
على سطح الأرض والقمر. والوثائق العلمية تؤكد أنه أول فلكي
تعرف على
هذا المكان على سطح القمر, على الرغم من تواضع الإمكانيات
من أجهزة
ومعدات مقارنة بزمننا هذا.
ولن أطيل
عليكم, إليكم الشوط الثاني من المباراة الهامة, التي أجرز فيها
فريق
القمر خمس أهداف حتى الآن."
وضح أن
فريق الأرض تخلص من رهبة المباراة تماما, ومن أثر الهزيمة الثقيلة بالشوط
الأول من المباراة, وإلا ما كان نجح فى إحراز كل تلك الأهداف!
كان هذا
هو تعليق المعلق الرياضي, لكنه من شدة التحمس, صاح وزعق بشدة ,غاضبا..على
الرغم أنه يعلم استحالة سماع صوته للاعبين!
وفى خطوة
جريئة, تقدم المدرب واستبدل لاعب ثم ثان, وركز على الهجوم بلاعبين جديدين,
فتحقق له
ما أراد ونجحا فى إحراز الهدف السادس ثم السابع..وهكذا حتى الهدف العاشر!!
انتهت
المباراة وقد أحرز فريق سكان القمر الفوز, وثاروا لأنفسهم ومن الهزيمة التى
لحقت بهم فى مباراة فريق الأرض.
وقبل أن
يتركوا الملعب , تحدثوا إلى مذيعة التليفزيون يعربون عن سعادتهم, أولا لبدء
التواصل مع أهاليهم من سكان القمر..ثم بالنتيجة التي أكدت تفوقهم وأنهم
ليسوا أقل من سكان الأرض!!
أضيفت في02/03/2006/ خاص
القصة السورية / عن
اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
الليل والأطفال
بقلم
الكاتب:
آصـف عبد الله
من
قديم الزّمان كان الليل حزيناً جداً، كان يسمع أطفالاً يقولون: "لا نحبّ
الليل".
وآخرون
يقولون: "الليل موحشٌ ومخيف".
والآباء والأمهات يحاولون إبعاد الخوف، دون جدوى ويطلبونَ من الأولاد
الذّهاب إلى النّوم، فالليل مخصص للرّاحة والنهار للعمل، وتُطفأ الأضواء؛
فيظهر الليل خلف النّوافذ قاتماً يغطي كلّ شيء: الأشجار والبيوت، والشوارع،
فيجزع الأولاد ويأوون إلى الفراش مكرهين، ودائماً يقولون:
ـ
"الليل مخيف، نحن لا نحبّ الليل".
تجوَّلَ الليلُ كثيراً؛ حكى قصّته لكل من صادفه، قال لـه القمر:"لا تحزن يا
صديقي، سأساعدك، وسيحبّك الأطفال".
فرح
الليل حين سمع ذلك، وبعد مدّة أطلّ القمر وسطع ببهاء؛ سمع الليلُ الأطفالَ
يقولون:
ـ "ما
أجمل الليل في ضوء القمر!"..
ولكنّ
القمر لا يستطيع أن يبقى طويلاً، وعندما ينتهي من عمله كان يذهب إلى مكان
آخر ليبدأ عملاً جديداً؛ فيشعر الليلُ أنّ الأطفال عاودهم الخوف، وقبل أنْ
يبحث عن حلٍ كانت النجوم تلمع في بحر السماء، والضفادع تنقُّ مغنيةً أجمل
الأغاني، وكان يسمع صوت البومة وهي تتمتم:
ـ
"الليل جميل ورائع، وأنتم أيها الأطفال جميلون فاذهبوا إلى الفراش".
صار
الأولاد ينتظرون القمر، وبعضهم ينتظر النجوم فيبدأ يعدّها من نافذته حتى
يغفو، وآخرون كانوا يسعدون بأغاني الضفادع وحكمة البومة، وعندما يذهبون إلى
الفراش يبدؤون رحلة الأحلام.
لو كنت حصاناً
عندما
دخل سعيد إلى البيت، كان ملطخ الثياب بالوحل، وملوث الوجه أيضاً! نظرت أمّه
إليه نظرة خاصة، فوقف مرتبكاً، قالت الأم:
ـ
"ماذا فعلت بنفسك؟! هيّا إلى الحمام".
كان
سعيد يكره الاستحمام كثيراً، وغالباً ماكان يهرب إلى اللعب، عندما يشعر أنّ
موعد الاستحمام قد حان، فهو لا يطيق الصّابون؛ لأنّه يخرش عينيه، ويقرسه
بقسوة.
وكانت
أم سعيدٍ تصبر عليه وهو ينطّ ويصرخ:
ـ "لا
أريد أن أستحم.. لا أريد لا أريد"…
والآن
عرف أنّه لا خلاص من الاستحمام، بعد أن لوّث وجهه ويديه وملابسه بالوحل!…
دخل
إلى الحمام وراح يحدث نفسه:
ـ "لو
كنت حصاناً صغيراً أنط وألعب حيث أشاء، أنام فوق الوحل الطري، أجري بسرعة
كبيرة، أقضم العشب الغضّ، لا تجبرني أمي على الاستحمام، فلا يدخل الصابون
في عيني، لكن لا.. لا لا أريد أن أكون حصاناً، فالحصان الصغير سيكبر،
وسيجرّ عربة، ويحمل الأثقال.
لقد
رأيت حصاناً يجرّ عربة المازوت، والرجل يضربه بالسوط بقسوة! أنا لا أحبّ أن
يضربني أحد!
لو كنت
كلباً صغيراً… لا… لا… لا أريد أن أكون كلباً، بعض الأولاد يعذبون الكلاب
الصّغيرة، يشدّونها من آذانها، ويجرّونها من أذنابها! لقد شاهدت كلباً
جائعاً يأكل من الفضلات المرمية في مجمع القمامة.
أريد
أن أكون نمراً قوياً لا أخاف من شيء….لا…لا…لا أريد… رأيت نمراً محبوساً في
قفص في حديقة الحيوان، قال لي أبي: "لقد اصطاده رجل قوي ووضعه في هذه
الحديقة". يمكن أن يطلق عليّ أحد الصيادين النّار فأموت… لا أريد أن أموت
لا أريد".
دخلت
الأمّ وسعيد مايزال واقفاً يحدّث نفسه! وكانت قد سمعت كل مانطق به منذ
البداية…
قالت:
"مابك أَلَمْ تخلع ملابسك بعد يا حصاني الصغير؟!"..
ـ
"حالاً…حالاً يا ماما، لكني أخاف الصّابون، إنّه يكوي عينيّ".
قالت
الأمّ مشجعة:
ـ "لا
تخف.. هيّا أغمض عينيك وتصوّر نفسك حصاناً صغيراً لطيفاً، أو جرّواً
مهذباً، لكن إياك أن تتصور نفسك نمراً ذا مخالب طويلة وحادة تخبّئ الأوساخ
تحتها، وتخيف رفاقك بها، فينفضون عنك"..
خلع
سعيد ملابسه، وأغمض عينيه بسرعة، رأى نفسه حصاناً صغيراً يجري بسرعة، ثمّ
جرواً يلحس بلسانه يد أمّه، بينما كانت الأم قد غمرت جسده الطري برغوة
الصابون كان سعيد يرغب أن يرى نفسه نمراً، وحين هَمَّ بتقليد صوت النمر،
فتح فمه وعينيه، وشدّ أصابع يديه، صرخ بصوت قوي من لذع الصابون، وأطبق
عينيه بقوّة؛ ضحكت الأم وقد قدّرت ماخطر لسعيد، فقالت بعد إزالة الصابون
بالماء الفاتر:
ـ "هل
رأيت نفسك نمراً؟"..
صمت
ولم يجب، ثمّ فتح عينيه.. فركهما جيّداً، كان الماء منعشاً، سرّ سعيد وأخذ
يلعب بالماء وتمنى أن يخرج إلى الساحة ليلعب مع رفاقه، ولم يرغب بعد ذلك أن
يكون غير سعيد الإنسان، وتعلّم كيف لا يخاف من الصّابون!…
نشوان وألعابه
جمع
نشوان ألعابه، البطّة ذات العجلات، الكلب ذا الشعر الطويل والدّب صاحب معطف
الفرو، والسَّيارة الحمراء والبيانو الصّغير.
قال
نشوان لألعابه: "الآن، نحن أصدقاء، سأعلمكم الرّقصَ، ثم نحتفل بصداقتنا"..
قالت
البطّة ذات العجلات:
ـ "أنا
بطّة لا أعرف غير السباحة، ولا أحبُّ غيرها.."..
قال
نشوان: "وهذه العجلات، ماذا تعملين بها؟"..
قالت
البطّة: "أسابق بها رفيقاتي".
صاح
الكلب ذو الشعر القصير: "وأنا أجلس هنا؛ أحرس أصدقائي، ولا أتقن غير ذلك…".
هزّ
الدّب معطَفهُ الثقيل قائلاً:
ـ
"وأنا لا أترك معطفي الثقيل؛ أخاف البرد كثيراً… ربما أصاب بالزكام".
أطلقت
السيارة الحمراء صوتاً طويلاً من مزمارها: "وأنا جاهزة لإطفاء الحرائق…".
أمّا
البيانو الصّغير فقد ظلّ صامتاً. قال نشوان:
ـ
"وأنت يا صاحب الصّوت الجميل… ماذا تقول؟"..
ولم
يقل البيانو الصّغير شيئاً… دهش نشوان من صمت البيانو، لكنه سرعان ما لاحظ
مطرقتين صغيرتين جانب البيانو، أخذهما نشوان وطرق بهما طرقاً خفيفاً فوق
صفائح البيانو الصغير فانبثقت أنغام عذبة، رقص الدّب والكلب ورقصت البطة،
لكن السيارة راقبت سعادة أصدقائها بسرور، دون أن تطلق صوت مزمارها وبقي
نشوان يعزف ألحاناً جميلة تبعث في النفس الفرح…
ذات ليلة
اعتادت
عبير أن تنام باكراً، وذات ليلة لم تستطع أن تنام، وبقيت جالسة في سريرها،
كان أخوتها ينامون إلى جانبها، نظرت إليها بودّ وفي نفسها تساؤل عن النّوم
وسرّه:
ـ
"لماذا ينام النّاس؟.. ألا يستطيع المرء أن يبقى مستيقظاً؟"..
نظرت
من النّافذة؛ كان القمر يسكب ضوءاً رائعاً!
قالت:
"لماذا يسهر القمر كلّ الليالي؟"..
ولما
لم تجد أحداً مستيقظاً في مثل هذه الساعة، أزاحت الغطاء عنها، بهدوء وغادرت
الغرفة، فقد شعرت أنها بحاجة إلى قليل من الماء، تسللت على رؤوس أصابع
قدميها؛ حتى لا تزعج أحداً، لكنها دهشت حين وجدت أمّها جالسة تنسج الصوف،
فسألتها:
ـ "ماما.. لماذا لم تنامي بعد…؟."…
قالت
الأمّ: "شعرت أنّني لا أستطيع النوم، فجلست لأكمل هذه "الكنزة"…".
عادت
عبير إلى فراشها وبدأت تكلّم نفسها:
ـ
"القمر يسهر، يسكب ضوءه ليرشد الناس في الدروب البعيدة، ويسلّيهم لينسوا
تعبهم"…. أمي تسهر لتنسج الصوف وتمنحنا الدّفء… وأنا أسهر وحيدة أفكّر في
هذه الحياة الجميلة".. نامت عبير في ساعة متأخرة.. نامت نوماً عميقاً وحلمت
أحلاماً جميلة…. وفي الصَّباح جاءت الأمّ ومسحت بيدها اللطيفة وجهَ عبير…
فتحت عبير عينيها، كانت أمُّها تبتسم لها وتدعوها لتتناول الفطور، فالوقت
يمرّ بسرعة.. نهضت عبير، نظرت من النّافذة، كانت الغيوم تغطي وجه السماء..
يبدو أنّ الشتاء يطرق الأبواب.
تذكّرت
ليلة البارحة، السماء الصافية بنجومها اللامعة، وقمرها الواسع المنير…
قالت
الأم: "الطقس تغيّر بسرعة، إنّه يميل إلى البرودة، لا تخرجي قبل أن ترتدي (كنزتك)
الجديدة، عرفت عبير أنّ أمّها سهرت الليلة الماضية من أجل إنجاز هذه (الكنزة)!!
كم كانت (الكنزة) جميلة!!
لبست
عبير كنزتها الجديدة، نظرت في المرآة، ابتسمت وتمتمت:"كم أنت جميلة يا
كنزتي!"لكنها لم تنس أن تشكر أمّها.
أشرق
وجه الأم وهي ترى ابنتها ترتدي الكنزة، وفي المدرسة بدا التلاميذ يزهون
بملابسهم الصوفية الجديدة، لم تقل عبير هذه المرّة: "كم أنت جميلة يا كنزتي!"..
بل قالت:
ـ "كم
هي جميلة أيدي الأمهات التي حاكت هذه الكنزات، وأدركت أنّ كلّ الأمهات
يسهرن مع القمر يصنعن شيئاً جميلاً…
أضيفت
في03/03/2006/ خاص القصة السورية/ عن مجموعته لو كنت حصانا الصادر
عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
الأقـوى
بقلم
الكاتب:
د. موفق أبو طوق
أربع
سمكات ذهبية، وثلاث وردية، واثنتان حمراوان، وواحدة زرقاء..
جميعهنّ يسْبَحْنَ في حوض كبير، مياهه نقية لا تشوبها شائبة، وهواؤه دائم
التبديل.. تغذّيه فقاعة هنا وفقاعات هناك!.
وعلى
قاعٍ مفروشٍ بالحصى؛ استقّرت قوقعة جميلة، تفتح فاها بين حين وآخر، وإلى
جانبها ناعورة لطيفة.. تدور وتدور من غير توقّف!..
*
* *
كانت
السمكات العشر يعشْنَ في هدوء وأمان، فلا شيء يعكّر صفوهنّ، أو ينغص
حياتهنّ... كنّ متفاهمات في كل أمر، لا يتخاطَفْنَ الطعام الذي يُلقى
إليهنّ، ولا يتزاحَمْنَ على الأماكن القريبة من الزجاج الشفّاف، ولا تعتدي
إحداهن على الأخرى مهما يكن الخلاف في وجهات النظر!.
كل شيء
على ما يرام.. بل؛ كان على ما يرام!. إلى أن جاء صاحبهّن (عماد) ذات يوم،
وألقى سمكةً جديدةً في الحوض؛ أتمّت عددهن إلى إحدى عشرة.
كانت
السمكة الجديدة سوداء اللون، كبيرة الحجم، تفوق في حجمها حجم اثنتين معاً!.
وكانت شرسة الطباع، تهوى الإيذاء والاعتداء، لا تقنع بالقليل؛ ولا ترضى إلا
بأكبر حصّة من كل شيء!!.
يُلقى
الطعام.. فتسبق الأخريات إلى التهامه، ولا تُبقي لتلك السمكات المسكينات
غير النزر اليسير!.
ولا
تكتفي بذلك؛ بل تحول بينهنّ وبين مواضعَ تستأثر بها وتحرّمها على غيرها..
ثم لا تنفكّ تلطمهنّ بذيلها القوي، وتدفعهن بزعانفها الكبيرة، وتخدش
أجسادهنّ بتلك النتوءات التي تملأ فمها المستدير!!.
وعلى
الرغم من أن السمكات أحسنّ ضيافتها، وحاولنَ إكرامها وإسعادها.. إلا أنها
أصرّت على مواقفها المزعجة وتعاملها السيء.. وهي تردد على مسامعهن دائماً
وبكل وقاحة:
-
ابتَعدْنَ عن طريقي.. أنا الأكبر والأقوى.
-
دعْنَ الطعام لي.. أنا الأكبر والأقوى.
-
إياكنّ وغضبي.. فأنا الأقوى، الأقوى، الأقوى!!.
***
ومرت
الأيام، والسمكة السوداء تزداد صلافة وشراسة، والسمكات الأخريات يزدَدْنَ
ضعفاً وخوفاً.. وكنّ كثيراً ما يلجأن إلى السمكة الزرقاء... لأنها أقدمهنّ
عهداً وأكثرهنّ حكمة.. كنّ يطلبْنَ منها المساعدة والنصيحة، فتنظر إليهنّ
بإشفاق، وتتمتم بكلمات قليلة لا تزيد ولا تنقص:
-
انتظرْنَ يوم التبديل.
ولم
تدرك السمكات الصغيرات ما تقصده الزرقاء!!.. مع ذلك لم يتوقّفْنَ عن
استعطافها، خاصة عندما تمعن تلك الكبيرة في إيذائهن، فتكرّر قولها نفسه:
-
ترقّبْنَ يوم التبديل!.
وعندما
أصرّت السمكات على معرفة ما تعنيه هذه الكلمات؛ أضافت:
-
يومئذ.. يعرف كلٌّ منا حجمَه وقوّتَه!!.
***
جميعهنّ ينتظرنَ ذلك اليوم، وهنّ -في الوقت نفسه- لا يعرفْنَ ماذا سيجري!!.
وجاء
يوم الجمعة، وأقبل عماد كعادته كي يبدّل الماء القديم..
فتح
مصرفاً في أسفل الحوض، فتدفق الماء خارجاً، وبدأ مستواه يهبط شيئاً فشيئاً.
السمكات جميعاً -باستثناء السوداء- اعتدْنَ هذا الأمر، فهو يتكرر كل أسبوع،
وعماد يترك لهن في أسفل الحوض ما يكفي من الماء، ريثما يمسح -هو- الزجاج،
وينظف الحصى، ويدلك القوقعة والناعورة.
ينخفض
الماء أكثر فأكثر، والسمكات الصغيرات لا يأْبَهْنَ لذلك.. السمكة السوداء
وحدها بدأت تشعر بالقلق!.
أدركت
أن أمراً غير طبيعي يجري هنا... أمراً لم تعتد عليه ولم تره من قبل!!. لقد
هبط الماء حتى وصل إلى زعنفتها الظهرية، بل ها هو ذا ينزل وينزل حتى يلامس
ظهرها المقوّس، آه.. ضحالة الماء لا تليق بحجمها الكبير، غلاصمها لا تجد
كفايتها فيما يغمرها منه!.. تكاد تختنق، تجد صعوبة بالغة في التنفس، تميل
بجسمها علّها تبقى تحت سطح الماء، تشعر بالخوف الشديد!!. أنقذْنَني أيتها
السمكات العزيزات.. أنْقذْنَني!. تلطم بذيلها القاع، تضرب بزعانفها الحصى،
ارتطامها يزداد أكثر فأكثر.. أنقذنني، أنقذْنَني.. إني أختنق!!!..
***
السمكات الأخريات يسبَحْنَ بحريّة، يتنفّسْنَ بيسْر، فالماء المتبقي ملائم
لأحجامهن الصغيرة!!. لكنهن عندما أحسَسْنَ بما تعانيه زميلتهن الكبيرة،
نسين كل ما فعلته، وتغاضين عن إساءتها، وأسرعن إلى فتحة المصرف يحاولنّ
سدّها بأجسامهن الصغيرة!. لكن محاولتهن باءت بالفشل، فالماء يتسرّب بسرعة،
ويكاد يلحق بهنّ أذى.
وطال
الوقت، وعماد منهمك في تنظيف الحوض، غير آبه بالسمكة التي أشرفت على
الهلاك.. في اللحظات الأخيرة؛ فطن إليها.. أسرع في سكب الماء، فارتفع
مستواه وعادت السمكة ثانية إلى حركتها الطبيعية، وهي تلهث.. بعد أن أعياها
التعب، وهدّ قواها الخوف.
***
ومنذ
ذلك الحين، والسمكة الكبيرة تعامل الأخريات أطيبَ معاملة، فقد تلقّت درساً
لن تنساه، درساً علّمها حقائق الحياة..
فهل
عرفتم هذه الحقائق.. أيها الأصدقاء الصغار!!
أضيفت
في01/03/2006/ خاص القصة السورية/ عن مجموعته يوميات دموع الصادر
عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
حكاية المهر"دحنون"
بقلم
الكاتب:
موفق نادر
منذ أن
ولد المهر الأحمر امتلأت الدار بالفرحة وكأنَّ عرساً يدور فيها، فكنت ترى
الناس يروحون ويجيئون، وكلهم يريدون أن يروا هذا المهر الذي يشبه لون زهر"الدحنون"
فعلاً ذلك الزهر المعروف جداً في سهول فلسطين، حتى أن الشمس لحظة شروقها
على تلك السهول تبدو واحدة من زهور الدحنون الحمراء!
قال
أبي: نسميه دحنون
ومن
يومها كلما سمع اسمه رفع أذنيه، وأرهف السمع، شاعراً بمحبة الناس له وبخاصة
الصغار، فكان يقترب منهم ويبدأ يشم أصابعهم الصغيرة بفمه الدافئ. وهم
يربّتون على غرة بيضاء في جبينه، ويمسحون شعر عرفه الأشقر.
مرة،
حينما رأى أخي الصغير يتدحرج فوق المرج الأخضر جاء المهر"دحنون" وانبطح إلى
جانبه وهو يصهل وكأنه يقول: هيا نكمل اللعبة!
هكذا
بدا لنا جميعاً أن المهر أليف وقريب إلى قلوبنا جميعاً حتى أننا أحسسنا
بغيابه حين كان يرافق أمه إلى الحقل أيام الحراثة فننتظر عودته بشوق ولهفة!
كنا
نراه يمرق من أمامنا مثل سهم ثم يعود ليتوقف قليلاً بالقرب منا، وقد ينحني
ليقضم خصلة من العشب النامي قرب الجدار، ثم يرفع رأسه فجأة وينطلق راكضاً
وكأنه يرقص منقّلاً قوائمه بأسلوب غريب لا تتقنه إلاّ الخيول الأصيلة!
وقد
سمعت أبي يشهد أن هذا المهر الرائع ينتمي إلى سلالة أصيلة فعلاً ثم راح
يسمّي عدداً من أجداد"دحنون" ويذكر أسماء الفرسان الذين خاضوا حروباً قاسية
على صهوات تلك الخيول الرائعة ضد العدو التركي ثم الإنجليزي أيام الثورات
التي مضت.
لكن،
يا بني-قال أبي- كم تغيّرت الأحوال: وظروف العمل فرضت علينا أن نروّض هذه
الخيول الأصيلة لتساعدنا في أعمالنا الزراعية، هذا محزن حقا ولكن أعتقد أنه
لا حيلة لنا!
وروى
أبي كيف أن فرساً من هذه الخيول، بيضاء مثل حمامة، حين سقط فارسها في
مواجهة مع المحتلين الإنجليز عند إحدى قرى الجليل، حاولت أن تنهضه، فراحت
تلمس صدره بفمها، وحين شعرت أن حرارة الروح قد فارقت جسده، وأنه لن ينهض
بعد وقفت عند رأسه وبدأت تذرف الدمع!
نعم،
حين وصل الناس رأوا ثياب الشهيد مبللة بالدم ثم بدموع فرسه الأصيلة.
شيء
واحد كان يبدو غريباً لنا هو أن هذا المهر تتغير ملامحه سريعاً، فقد بدأ
وبره الناعم كالزغب يتساقط بعد شهور قليلة من ولادته ويظهر تحته شعر خشن
لامع يجعل لونه أكثر سطوعاً.
وصارت
قوائمه تطول حتى صار صعباً على بعضنا أن نلمس ظهره الممتلئ، وما عدنا
نتجرّأ على أن نقترب منه كثيراً، فقد صار لعبه أكثر خشونة من قبل، وكنا
نخشى أن يدوس أرجلنا بحوافره التي غدت قاسية جداً.
لكن
هذا كله لم ينقص من حبنا له وتعلّقنا به، وهو يشعر بذلك حتى أنه صار يترك
أمه فلا يبقى ملتصقاً بها كظلها، ويتبعنا إذا ناديناه حين نذهب إلى الكرم
القريب أو البيدر فيبدأ ركضه وإظهار براعته ذهاباً وإياباً، وكلما مرَّ بنا
صهل وحمحم وكأنه يقول: هل ترون قوتي؟!
وأكثر
ما كان يبهج"دحنون" على ما يبدو هو موسم الحراثة وبخاصة أرضنا التي في سفح
التل، فما إن يصل الموكب المؤلف من أمه وعدة الحراثة إلى هناك، ويرى الأرض
الممتدة حوله حتى يبدو في أقصى فرحته ونشاطه، فيبدأ الركض في كل اتجاه، وكم
يفرحه أن يرى الكلب يهرب أمامه فيزيد من سرعته حتى يوشك أن يدوسه فيملأ
قلبه بالرعب ويعوي مذعوراً وهو يقذف بنفسه خلف شجيرة أو صخرة.
وسألت
أبي مرة:
ألا
يتعب"دحنون" من كل هذا الركض؟!
فابتسم.. : يا بني، الخيول العربية مخلوقات قوية، وهي تحتاج إلى الحركة
والنشاط لتنمو أجسادها جيداً، فيظل عندها رغبة للانطلاق والجموح!
حين
جلس أبي عند المصطبة في المساء قال لأمي:
أنا
سعيد جداً بهذا المهر، إنه يبدو قوياً متين البنية وأريده أن يحلّ قريباً
مكان أمه التي بدأت تهرم ويحب أن ترتاح، إنَّ أرضنا العالية تحتاج حراثتها
إلى حصان قوي وأعتقد أن"دحنون" هو ذلك البطل!
-
ولكن، هل تعتقد أن ترويضه سيكون سهلاً؟
إنه
يبدو متوحشاً جامحاً مثل حصان برّي!
-
طبعاً، ليس الأمر سهلاً: أتنسين كم صبرنا على عناد أمه يوم بدأت الحراثة؟
أتذكرين كم من المحاريث حطّمت؟! فلابد من الصبر على كل حال.
منذ
الموسم القادم سأبدأ تدريبه، لكن ليس هذا ما يشغل بالي إنني مستعدّ أن
أروّض كل خيول الأرض، نعم، كلها، أهون عليّ من أن يحدث ذلك الذي أخشاه!
- لقد
أقلقتني، قالت أمي، هل حدث مكروه؟
- ومن
غيرهم، أبناء الشياطين.؟! بالأمس وصلوا بسياراتهم المصفحة حتى حدود كرمنا.
ثم جرّوا أسلحتهم حتى قمة التلة وهم يتلفتون مثل المجانين ويسألون كلّ واحد
من أصحاب الأراضي أن يريهم أوراق ملكيته لأرضه.
- هكذا
إذاً؟!
- وأنت
تعرفين بقيّة الحكاية، يأتون بجرّافاتهم، ثم المواجهات والدم!
- لكن
ألم يكفهم ما نهبوه من البيوت والأراضي، أين قرانا التي كانت بالأمس فقط
تملأ السفوح؟ وفجأة صارت مستوطنات لهم ولنا فقط فوّهات الرشاشات والتعذيب..
يا إلهي..!
-
الحمد لله على كل حال، أيّ يوم يمرّ فلا نشيّع فيه شهيداً؟
حتى
صارت قبور الشهداء أكثر من أشجار البرتقال في جبال الجليل وسفوح يافا!
لم
يكن"دحنون"، الذي كبر ورغم ذلك ظللنا ندعوه مهراً، لم يكن مشاكساً وعنيداً
جداً، كما توقعنا، عندما شُدَّ إلى المحراث أول مرة، صحيح أنه رفس الأرض
بقائمته حين وضعنا النير حول عنقه، وهزّه بقوة يريد أن يسقطه ليظل حرّاً
كما اعتاد لكن أبي ربّت على عنقه. ومسح جبينه وراح يقبلّه بين عينيه وهو
يقول له مثلما يهمس لصديق حميم:
إهدأ
يا مبارك، هُسْ يا أصيل!
أتعتقدون أن"دحنون" يفهم كلامنا؟! فقد راح المهر ينقل بصره بيننا وبين أمه
التي كانت ترعى العشب في طرف الحقل القريب، وحينما صهلت ونظرت إليه، حمحم
واستكان سائراً وراء أبي، بينما أمسك عمّي بالمحراث وراح يسنده بخفّة
ويوجهه محاولاً منع السكة أن تنغرس عميقة في الأرض.
لقد
كان أبي سعيداً جداً بهذا الحصان الفتيّ القوي وهو يرى عضلات صدره تكشف عن
بنيته الصلبة وقدرته الأكيدة!
لكن
الحصان رغم هذا المظهر لم ينس ميله إلى اللعب، فقد ظلّ إلى الآن كلما رأى
طفلاً صغيراً مدَّ عنقه الطويل وراح يتمسّح به ويداعبه، فكان الصغار لا
يخافونه أبداً، ويحبّون جداً الاقتراب منه، حتى كان أبي يضطر أحياناً إلى
أن يبعدهم عنه صائحاً:
احذر
يا ولد! هيه أنت ابتعد دع الحصان يأكل ألا ترى أنه متعب؟ الآن فقط انتهى من
الحرث!.
شيء
واحد كنّا نخشاه، ونحسب له ألف حساب، رغم أنه كان متوقعاً في أية لحظة، هو
أن يجيء الصهاينة الجنود إلى كرمنا بينما"دحنون" موجود هناك!
لقد
كان هذا المهر منذ صغره يذعر كلما رأى أحداً منهم أو لمح واحدة من سياراتهم
فيبدأ الركض حتى يغيب عن الأنظار، ولا يعود إلاّ بعد ذهاب الجنود الأعداء،
ولكننا لم نفطن إلى أنه ينفر منهم كل هذا النفور إلاّ بعد أن كبر فصار يجنّ
جنونه عند رؤيتهم فيبدأ ينخر ويحمحم، ثم يدور في مكانه أو يقف على قائمتيه
الخلفيتين صاهلاً صهيلاً مخيفاً، حتى أن جندياً صهيونياً شاباً، يضع نظارة
سميكة حينما رأى الحصان هكذا ما عاد يفعل شيئاً وقد جمد في مكانه لحظات ثم
قفل عائداً إلى السيارة المصفحة وهو يقول: عربي!!
كلما
مرّ الجنود بكرمنا في سفح التل كان لابدّ أن تحدث مشكلة، ولهذا فقد كان أبي
دائماً يحذر أن يحدث ذلك بينما"دحنون" مشدود إلى المحراث، فأوصانا أن نخبره
قبل وصول الجنود ليسارع إلى حلّ المحراث عن الحصان وأخذه بعيداً عن
الأنظار إلى زاوية من زوايا الكرم حيث تنمو الأعشاب البرّية التي يحبّها
جداً، ويبدأ بقضمها بشهية واضحة منذ وصوله إليها، فلا يرفع رأسه إلاّ إذا
سمع صوتاً مباغتاً كأنْ يزقزق عصفور في الشجرة القريبة، أو ينبح كلب في
الكرم المجاور، فيرهف الحصان أذنيه لحظة ثم يعود ليأكل من العشب مطمئناً.
كل هذه
الأشياء تبدو بسيطة، بل عادية، أما أن يجعلنا"دحنون" نذهب إلى
قيادة"البوليس" وأن نتعرّض للسجن وزمجرة رجال الشرطة وتهديداتهم الوقحة،
فهذا لم يخطر لنا ببال! وأكثر من ذلك أن أبي أمضى شهوراً طويلة في السجن
قبل أن يستطيع المحامي أن يجعلهم يفرجون عنه بعد دفع مبلغاً كبيراً من
المال كل ذلك يبدو قريباً إلى الخيال رغم أن الصهاينة يسجنون العرب بسبب
ومن غير سبب، ومع ذلك يبقى الذي حدث غريباً جداً!
كان
صباحاً رائعاً من أيام الربيع، رطباً حتى أن غمامات راحت تنتشر قريبة من
الأرض، فتملأ زوايا الكروم والبيارات بجوّ منعش من برودة الصباح، راحت هذه
الغيمات، تنثّ رذاذاً ناعماً كان يلمس وجوهنا وأيدينا برقة قبل أن تصعد
الشمس من مخبئها وراء الأفق فتغسل الأرض والأشجار بنورها البهيّ.
وكان
أبي منذ الفجر قد خرج بالحصان، فشدّ إليه المحراث وبدأت الخطوط الحمراء
الزاهية تزداد سريعاً بين أشجار البرتقال والزيتون، ومن بعيد كنت تسمع صوت
أبي وهو يوجّه الحصان: "دحنون" ثلمك! أو عشت دحنون، الله يعينك" ثم تسمعه
ينشد مقاطع من أهزوجته المحبوبة التي يغنيها بصوته القاسي دائماً كلما راح
يحصد الغلال أو يحرث الأرض أي حينما يشعر أنه يتحد بهذه الطبيعة الرائعة،
طبيعة أرض الآباء والأجداد. وحينما كان يصلنا صوته وهو يردد:
" يا
ديرتي ما لكْ علينا لومْ.. لا تعتبي لومكْ على من خانْ"
نشعر
أن الحقول تردد صدى صوته الحزين دفعة واحدة.
لم
يستطع أبي ذلك اليوم أن يميّز وسط الضباب أو يرى الجنود القادمين، ولم يسمع
كذلك هدير السيارة المصفحة التي تركوها عند أول السفح، وما كان أحد منّا
قادراً على أن يصل إلى أبي ليحذره ليسارع إلى حلّ عُدّة الحرث عن الحصان!
فما
أحسّ إلاّ والجنود يحيطون به وهم يتمنطقون برشاشاتهم، بينما اعتمروا خوذاً
مكسوّة بقماش مموّه بألوان كثيرة تشبه أرضاً مفروشة بزهر مهروس، فبدوا
وكأنهم ذاهبون لاحتلال جبهة من جبهات القتال:
ارتعش
قلب أبي فجأة حين رآهم، وشدّ بكلتا يديه على الحبل الذي يوجّه به الحصان
علّه ينقذ الموقف!
لكن
الوقت على ذلك كان قد انتهى، ففي لحظة كرفّة الجفن كان"دحنون" قد قفز إلى
الأعلى واقفاً على قائمتيه الخلفيتين ثم بدأ يرفس الهواء، ثم يهبط ويرمح
مرةً، مرتين.. فإذا المحراث يتفكك ويتطاير قطعاً رغم أنه من الخشب القوي!
كان
صوت صهيله يملأ البرية فيبدو مخيفاً مثل ذئب ضخم شرس حتى أن الجنود سارعوا
إلى الاختباء خلف الأشجار البعيدة لكن هذا لم يُرضِ الحصان الغاضب فانفلت
يركض بين الأشجار، يدور ويدور وكأنه يطارد أشباحاً لا نراها..
ثم غاب
فجأة حتى أن قائد الدورية تجرّأ وتقدّم من أبي ثم راح يسأله أسئلته
المعتادة وهو يشير ببندقيته نحوه، لكن عينيّ الضابط الصهيوني ظلّتا تنظران
إلى الجهة التي غاب فيها الحصان وكأنه يخشى شيئاً لا يعرفه.
وقد
كان ظنّه صادقاً فقد ظهر "دحنون" قادماً مثل السهم، وقبل أن يهمّ الضابط
بالعودة إلى مخبئه خلف الشجرة كان يعلو في الهواء ويطير الرشاش من يده حين
صدمه الحصان برأسه وكأنه أحسّ الخطر الذي يتهدد صاحبه.
سقط
الصهيوني مرتطماً بالأرض بلا حراك فبدا وكأنه كيس من القنّب، وسمعنا صوت
تلقيم الرشاشات من خلف الأشجار لكن الحصان طار مثل عاصفة حمراء وغاب خلف
الربوة، ولم يستطع أحد من الجنود أن يصيبه ولو بطلقة من رصاصاتهم الكثيرة
التي صُوّبت إليه، ومعها انخلعت قلوبنا خوفاً!
وهكذا
انتهت الحفلة، غاب الحصان، واقتيد أبي إلى السجن بتهمة أنه علّم الحصان أن
يكره الصهاينة، وصار المحراث حزمة من عصيّ عدنا بها إلى البيت مساءً.
ومن
يومها أُضيفت مهمة جديدة إلى جنود الدوريات فصاروا، إضافة إلى بحثهم عن
الفدائيين وعن الأطفال من راجمي الحجارة، صاروا اليوم يسألون عن الحصان حتى
أنهم حفظوا اسمه فكانوا كلما جاؤوا يبدؤون بسؤال غريب مضحك:
هيا
قولوا أين"دخنون"! ثم يروحون يقلبون الأثاث ويبحثون كما لو أنه قطعة حلوى
يسهل إخفاؤها.
ولكن
الحصان لم يعد حتى الآن، وأبي بعد أن عاد من سجنه الطويل حدّثنا إنه في
ليالي الشتاء المظلمة كان كلُّ مَنْ في السجن يسمعون صهيلاً يملأ الجوّ.
فيتراكض السّجانون والجنود، ولكنهم لا يجدون شيئاً، أما نحن فلا نزال حتى
اليوم، وكلّما حلَّ الربيع، وامتلأت السفوح بزهور الدحنون الحمراء نهمّ
لنجمع منه باقات كثيرة لكن دوريات العدد المنتشرة كانت تصادرها منا ونحن
نسمعهم يقولون: "دخنون" ممنوع!
أضيفت
في09/03/2006/ خاص القصة السورية/ عن مجموعته حكاية المهر "دحنون" الصادر
عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
حديقة الألحان
بقلم
الكاتب:
خير الدين عبيد
فكّت
أنغام جديلتها، أطفأت المصباح، واندسّت في فراشها، كقطّة صغيرة. في المنام،
رأت نفسها في حديقة بيتها، فجاءها طائر الكروان، وحطّ على شجرة الورد ثمّ
شدا قائلاً:
-
مرحباً أيتّها الحلوة، ماذا تفعلين في الحديقة؟
نظرت
أنغام حولها، فشاهدت على شجرة الورد، طائراً ذا ريش ملوّن جميل ابتسمت له
وقالت:
- أنا
آكل البوظة، تفضّل، الحس، إنها لذيذة ومدّت إليه يدها.
-شكراً
لكِ، الثلّج يؤثّر على حنجرتي، وأخشى أن يبحّ صوتي.
- إذا
سمحت، غرّد قليلاً، أنا أحبّ صوت الطيور.
حرّك
الكروان حنجرته، وشدا، فتمايلت أغصان الوردة طرباً، صفقت أنغام ناسية
البوظة فسقطت على الأرض، وذابت.
توقف
الكروان، وقال:
-
أأعجبك تغريدي؟
-الله... إنه رائع، ولكن أين تعلمت الغناء؟
-
تعلمته في حديقة الألحان!
- وهل
أستطيع أن أتعرّف إليها؟
-
بالتأكيد... إنها حديقة رائعة.
ثمّ
رفع الكروان رأسه إلى السّماء، وشدا بصوت عال، فجاء سرب من الكروان، يحمل
سلّة قشّ صغيرة، مربوطة بخيوط ملوّنة، وقد أمسك كلّ كروان طرف خيط بمنقاره.
هبطت
الكراوين بالسّلة، نطّت أنغام وجلست فيها، بينما وقف صديقها الطائر على
كتفها، ثمّ طرن بها نحو السماء.
شاهدت
أنغام أطفالاً يلعبون على أسطحة البيوت، كانوا صغاراً كالدمى بينما بدا
النهر مثل خيط أزرق.
مرّ
السرب على غيمة بيضاء، فحاولت أن تكمش بيدها قطعة صغيرة، لكنّها لم تستطع،
لأن ذرّات البخار، كانت تفرّ من بين أصابعها، كالماء.
وصل
السرب إلى الحديقة، أعطى الكروان أوامره بالنزول، فهبطت، قفزت أنغام من
السلّة شكرت الكراوين، وسارت نحو مدخل الحديقة.
كانت
حديقة الألحان، مسوّرة بأعواد القصب الصفراء، بينما كان الطريق مفروشاً
بأزاهير بيضاء، أمّا الأزاهير الحمراء، فقد شكلّت خمسة خطوط متوازية.
سألت
أنغام الكروان:
- ما
هذه الخطوط، أيّها الصديق؟
- إنها
المدرج الموسيقي!
دخلا
الحديقة، فرحت الأشجار واهتزّت مصدرة أصواتاً حلوةً ناعمة.
رفعت
أنغام عينيها، فشاهدت أعداداً كبيرة من الأجراس، معلقة على الأشجار، سألت
دهشةً:
-
لماذا تحمل الأشجار أجراساً؟
ابتسم
الكروان وقال:
- لكي
تشارك الطيور في ألحانها.
وصلت
أنغام إلى ساحة الحديقة، والكروان ما يزال يقف على كتفها، فتوقفت فجأة أمام
نصب كبير، له شكل غريب، التفتت إلى صديقها وسألته:
-
ماهذا الشكّل؟
- إنه
مفتاح صول!!
جلست
أنغام على مقعد خشبي، وراحت تتأمّل بإعجاب، ذاك المفتاح الجميل. فجأة، سمعت
صوتاً حزيناً، كصوت أمّها، ينبعث من ورائها، التفتت نحوه فشاهدت آلة
الكمان، تقف على حافة بركة ماء، تحرّك قوسها فوق أوتارها وتصدر لحناً
شجيّاً.
طار
الكروان إليها، وقف على قوسها، وسألها مستفسراً:
-
لماذا تعزفين بمفردك يا صديقي...
أين
العود والطبلة؟
تأوّهت
الكمان، وأجابت:
- في
الصباح، عندما طرتِ إلى المدينة، جاء العود وأهانني!
-
العود؟!
-
نعم.. اتهمّني بأن زندي قصير، وأوتاري أربعة، بينما يملك هو خمسة أوتار.
-
وماذا أجبته؟
- قلت،
إن الإبداع لا يتعلق بكثرة الأوتار وقلّتها، فأنا أصدر طبقات صوتية عالية،
لا يستطيع غيري، وإن كان له ستة أوتار، أن يصدرها. تنهّد القوس قائلاً:
-
واللّه، أيّها الكروان الحبيب، لو لم تمنعني الكمان، لألهبت ظهر العود
ضرباً.
نظر
الكروان إلى القوس، وقال:
- لا
يا قوس، يجب ألاّ نقابل الإساءة بمثلها.
ثمّ
طار الكروان، واختفى بين الأشجار، وبعد مدّة قصيرة، عاد بصحبة العود
والطبلة.
اعتذر
العود من صديقته الكمان، وأهداها ميدالية، على شكل مفتاح صول صغير.
دقّ
قلب الطبلة، وأصدرت ضربات فرحة، ثم قالت:
- لن
تختلفا بعد اليوم، فأنا سأضبط إيقاعيكما.
عزفت
الآلات، وشدا الكروان.
اهتزت
الأجراس، حام الفراش، وزقزقت العصافير.
فتحت
أنغام عينيها، نظرت حولها، فلم تجد الحديقة، لكنّ صدى الألحان بقي يرنّ في
أذنيها الصغيرتين.
أضيفت
في09/03/2006/ خاص القصة السورية/ عن مجموعته حديقة الألحان الصادر
عن اتحاد الكتاب العرب (للتعليق
والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الطفل)
|