أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | إصدارات أدبية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 14/08/2024

الكاتب: خير الدين عبيد

       
       
       
       
       

 

حكايات شعبية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

أديب وكاتب قصة من محافظة إدلب

متخصص بأدب الأطفال، له بضع مجموعات قصصية، صدر بعضها عن اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة بدمشق

حديقة الألحان

وجبل السكر

والمهرج

وقصر الور

وحكايات شعبية.

 

وأصدر مؤخراً مجموعة شعرية للأطفال بعنوان

طفلةٌ وسنونوة.

 

وفي مجال مسرح الطفل:

نال الجائزة الأولى في مسابقة الشارقة الإبداعية عن مسرحيته (رسالة من المريخ)، والجائزة الثانية في مسابقة أبو ظبي في المجال نفسه عن مسرحيته (أحلام نجمة).

وقد صدرت هاتان المسرحيتان بطباعة فاخرة عن المؤسستين الراعيتين للجائزتين المذكورتين

 

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

نجمة وهلال

موسيقى الطبيعة

شجار الألوان

زهر العسل 

الساعة

طقم العيد

حوض السمك

السيدة موزة

ماسح الأحذية

فوق الأغصان

العصا والحمار

حديقة الألحان

 

زهر العسل

 

نسمة فرحانة، فاليوم عطلة نهاية الأسبوع وجدّها ينتظر زيارتها، ذهبت نسمة إلى بيت جدّها القريب، دقّت الباب، ووضعت أذنها عليه، لتسمع صوت عكّاز جدّها.

فتح الجدّ الباب، رأى حفيدته تنطّ كقطّة صغيرة، حملها، وقبّلها، بينما راحت أصابعها تلعب بشرّابة طربوشه الأحمر.

دخل الجدّ إلى ساحة الدار الكبيرة، حيث تربّعت بركة الماء في وسطها، أمّا الأشجار، فقد شكّلت حولها زنّاراً أخضر.

شمّت نسمة رائحة طيّبة، التفتت حولها وحينما رأت زهر العسل، صاحت:

- جدّي.. أنزلني، أريد أن أسلّم على هذا الزهر.

أنزل الجدّ حفيدته، ركضت صوبه، وهزّته برفق، كأنها تصافحه، فاهتز فرحاً ورشّ فوق رأسها زهرات صفراء، عربون محبّة.

قرفصت نسمة، وجمعت حفنة من الأزهار شمّتها، ثمّ أغمضت عينيها وقالت:

- الله.. ما أزكى هذه الرائحة، إنها تنعش القلب!

وقبيل المساء، عادت إلى منزلها، تمسك بكفّها باقةً من زهر العسل، لتقدّمها إلى معلمتها.

 

مرةً، غابت المعلمة، فعلم التلاميذ أنّها أنجبت طفلة حلوة.

ذهبت نسمة إلى بيت جدّها، كي تقطف باقة كبيرة من زهر العسل، وتقدمها إلى معلمتها، لكنّها شاهدت أغصان زهرتها عارية من الأوراق.

ركضت إلى الثلاّجة، وأحضرت شراب السعال، تريد أن تسقيها، فلمحها جدّها، وقال دهشاً:

- ماذا تعملين يا حلوة؟

- زهرتي مريضة، وتحتاج إلى الدواء!!

ضحك الجدّ وقال:

- إنها ليست مريضة، لقد حلّ الشتاء، وأسقط الأوراق، ولكن عندما يأتي الربيع، ستزهر من جديد.

- وماذا سأهدي معلمتي، لقد ولدت طفلة حلوة؟؟

ربت الجدّ على ظهر نسمة بحنو، وقال:

- لا تحزني يا حلوتي، أنا سأحلّ المشكلة!؟

في صباح اليوم التالي، جاء الجد إلى بيت نسمة، حاملاً بيده علبة كرتون حمراء ملفوفة بشريط ذهبي لامع.

فكّت نسمة الشريط، وفتحت العلبة، فرأت زجاجة شفافة، يرتجّ العطر بداخلها، انتزعت غطاءها، ففاحت رائحة زهر العسل، وملأت الغرفة.

ركضت نسمة إلى جدّها فرحة، نطّت إلى رقبته، وتعلّقت بأكتافه، فوقع طربوشه الأحمر على الأرض.

 

حمل الجد طربوشه، ووضعه على رأس نسمة، ثمّ حملها، وبدأا يضحكان بينما راحت شرّابة الطربوش، ترقص فرحاً.

 

 

شجار الألوان

 

استيقظت الفرشاة ذات صباح على صيحات الألوان الجالسة في العلبة كانت الأصوات مختلطة، وعالية، فلم تفهم سبب الشجار.

حرّكت الفرشاة رأسها، فتطاير شعرها الأسود الناعم، ثم قالت:

- هس، لمَ كل هذه الضجّة، ما القصّة؟.

ردّ اللون الأحمر، والشرر يتطاير من عينيه:

- أجيبيني أيّتها الفرشاة، ألست أنا من يمثّل دماء الشهداء، والورود الحمراء، وألسنة النار..؟... إذاً... أنا ملك الألوان.

قهقه اللون الأزرق، وقال ببرود:

- اسكت، وإلاّ أطفأت نارك بمياهي، فأنا البحر والمحيط، أنا السماء، أنا الفضاء، أنا ملك الملوك.

قاطعه اللون الأصفر، قائلاً:

- لتعلموا جميعكم، أنني أرمز إلى أغلى شيئين في الوجود، الذهب، والشمس، أنا وحدي الملك.

سخر اللون الأخضر من رفاقه، وقال:

- ما فائدة الحياة، إذا لم يكن فيها عرقٌ أخضر، هيّا أعطوني التاج، ونصّبوني ملكاً عليكم.

حكّت الفرشاة رأسها، وقالت:

- إنّكم تخدعون أنفسكم، ألم تسمعوا بأن الكفّ الواحدة لا تصفّق؟!.

ثم سارت نحو كأس الماء، وبللّت شعرها فعطست، لكنها اقتربت من اللون الأصفر ومسحت على رأسه بلطف، فاصطبغ شعرها بالصفرة.

دنت الفرشاة من صفحة بيضاء، ورسمت دائرة صفراء، ثمّ سألت:

- ماهذا الشّكل أيها الألوان؟

نظرت الألوان إلى الدائرة، لكنّها بقيت صامتة، قالت الفرشاة:

- إنها دائرة صفراء، ولكن عندما نرسم سماء زرقاء، فإنها ستتحول إلى شمس.

خجلت الألوان من نفسها، وطلبت من الفرشاة أن توحِّدها، على ورقة واحدة.

مسحت الفرشاة على رأس اللون الأخضر بلطف، ورسمت الأشجار، ثمّ راحت تمسح على رؤوس الألوان، وترسم عصافير تزقزق وفراشات تلعب، وأطفالاً يغنّون ويرقصون.

وبعد أن انتهت من رسم اللوحة، فهمت الألوان سرّ الحياة، فصفّقت للفرشاة وصاحت بصوت واحد:

- عاشت الملكة.  

 

 

موسيقى الطبيعة

 

غابت الشمس، فلبست الطبيعة، رداءها الأسود الجميل.

أطل معن برأسه، من نافذة غرفة المزرعة وصاح:

- جدّي... جدّي!!

- نعم يا صغيري، ماذا تريد؟

- لقد حلّ الظلام، وحان موعد ذهابنا إلى النهر، لنسهر على ضوء القمر، ألم تعدني بذلك؟.

- أجل.. ولكن بعد أن تضع إبريق الشاي والكؤوس في كيس.

ثم حمل الجد عكازه، ومضيا صوب النهر.

جلس الجدّ على حافة النهر، وقال:

- ألا ترغب بشرب الشاي، يا صغيري؟

- بلى.. الشاي لذيذ.

جمع الجدّ من حوله أعواداً يابسة، وأشعلها، ثم وضع ثلاثة أحجار، وركز الإبريق فوقها.

كانت النار ترسم على وجهيهما، وهجاً أحمر كذاك الذي ترسمه الشمس على وجه البحر، لحظة غيابها.

غلى الشاي، نصبّ الجد كأسين، إحداهما ملأى والأخرى نصفها.

نظر معن إلى كأسه، وقال ممتعضاً:

- لماذا صببت لي نصف الكأس، لقد صرت كبيراً، أما قتلت اليوم جرادتين؟

ضحك الجدّ وقال:

- الشاي ساخن، وأخشى أن يحرق فمك، هيّا ضع ملعقة سكر في كل كأس.

غرَفَ معن السكّر بالملعقة، وبدأ يحرك، بغتة انتبه إلى أمر.

كان صوت الملعقة في أثناء التحريك، مختلفاً بين الكأسين.

نقر بخفّة على حافّة كوبه، فصدر رنين حاد ثم نقر على حافّة كوب جدّه، فصدر رنين غليظ.

نظر إلى جدّه باستغراب قائلاً:

- هل سمعت يا جدّي، الملعقة تصدر موسيقا؟!.

ابتسم الجدّ، حكّ لحيته بأصابعه الخشنة، وقال:

- الموسيقى موجودة حولنا، وما علينا سوى سماعها؟

تلفت معن في كلّ الإتجاهات، سار نحو النهر غمس قدميه بمياهه، تناثر رذاذ ناعم، وعلا صوت خريره.

ركض صوب شجرة صفصاف، فسمع تسبيح أوراقها، وابتهال أغصانها. تطلّع نحو أعواد القصب، المغروسة كالرماح على ضفاف النهر فعلم أن صوت الصفير المبحوح، يخرج من أفواهها، كلما دخلت الريح إليها.

كانت الأصوات، تتداخل في أذنيه الصغيرتين فطرب لها، وتمايل، ثمّ بدأ يغنّي: "ورقات تطفر بالدرب

والغيمة شقراء الهدب

والريح أناشيد

والنهر تجاعيد

يا غيمة يا....."

توقف أحمد عن الغناء، أدهشه منظر القمر على حافة غيمة رمادية، ماسكاً بإحدى يديه عصا صغيرة، يحرّكها بعفوية، كأنّه قائد فرقة موسيقية بينما راحت الطبيعة، تعزف موسيقاها الأزليّة.

 

 

نجمة وهلال

 

أدخل القلم رأسه في غطائه، لينام قليلاً، بعد أن رسم على الورقة البيضاء خطيّن، أحدهما مستقيم، والآخر منحنٍ.

وقبل أن يغمض عينه، سمع دردشة، ما تزال تتعالى، حتى وصلت إلى حدّ الصراخ. أخرج رأسه، فشاهد الخطّ المنحني، يتحرّك كالأفعى ويصيح:

- اخرج أيّها الخط المستقيم من ورقتي فشكلك القاسي يذكّرني بالعصا.

ردّ الخطّ المستقيم:

- أنت مخطئ، فأنا أمثّل العقل والنظام والدقّة ولا أمثّل العنف والقسوة.

- اسكت، وانظر إليّ لتعرف من أنا.

وراح الخط المنحني يتحرّك بليونة، ويشكّل أوراقاً، وأزهاراً، وحيوانات.

ثمّ ضحك وقال:

- هل رأيت حركتي الرشيقة، تفضّل، تحرّك أنت، وكوّن أشكالاً حلوةً كأشكالي.

أخذ الخط المستقيم، يروح ويجيء، على سطح الورقة، مشكّلاً نجمة جميلة.

نظر الخط المنحني إلى النجمة، فخجل من نفسه.

 

اقترب منها، والتفّ حولها برقّة، مشكّلاً هلالاً.

صفّق القلم فرحاً، وقال:

- الآن، سأنام هانئاً، على ضوء النجمة والهلال.

ثم أدخل رأسه في غطائه، وأخذ يشخر!!.

ضحكت الخطوط، حتى كادت تتزحلق من على سطح الورقة.

 

 

السّيّدة موزة

 

يحكى أنّه اجتمع ذات مساء، على طاولة السلطان الكبيرة، وفي صحن زجاجيّ جميل، كلّ من: التفّاحة والبرتقالة والموزة والرّمانة.

ولّما كانت الرّمانة كبيرة الحجم، نقد تضايقت الموزة منها، وقالت:

- ابتعدي عنّي أيّتها الغليظة، أنتِ تضايقينني!.

احمرّ وجه الرّمّانة خجلاً، وقالت:

- عفواً موزة، أنا لم أقصد إزعاجك، ولكن كان عليكِ أن تنبهيني بطريقة لبقة.

- ومن أنت حتّى أنّبهك، ثمّ كيف تناديني باسمي دون أن تسبقيه بكلمة سيّدة!؟

- ولماذا كلمة سيّده هذه؟.. كلّنا فواكه، فلمَ تتعالين علينا؟.

ضحكت الموزة، حتّى كادت تتدحرج وتسقط من الصحن، وبعد أن هدأت وقالت:

- أولاً... أنا طريّة، وطعمي حلو، فالأطفال الذين لم تبزغ أسنانهم يمضغونني بسهولة.

ثانياً.. تقشيري سهل... ولا بذور لي، فهل عرفتِ لماذا يجب أن تناديني بالسيدة موزة؟!.

مطّت الرّمانة فمها، وقالت:

- قفي عند حدّك أيّتها المتغطرسة، واعلمي أنني أخبّئ في جوفي مئات الحبّات الصغيرة أحفظها من عوامل الطقس، ألمّ شملها، وأزرع في قلوبها الأمل، لتحلم كلّ حبّة، أن تصبح شجرة رمّان كبيرة.

أُعجبت التفّاحة بحديث الرّمانة، فصفّقت لها بورقيتها اللتين لهما شكل قلب، اغتاظت الموزة منها، وضربتها في مكان الفصين، فانخفست وصاحت:

- آخ... آخ

فار الدم في وجه البرتقالة، وقالت:

- موزة... عيب، الزمي حدودك، واعلمي بأن الألقاب لاتعلي في المكانة، لكلّ صنف من الفاكهة مذاق خاص، وفائدة خاصة.

ثمّ دفعنها بأوراقهنّ خارج الصحن.

وقعت الموزة على الطاولة، وانحنى ظهرها فصارت تشبه العجائز.

 

 

حوض سمك

 

دخل أحمد إلى غرفته، فوجد قطّته الصغيرة" لولو" تجثم أمام حوض السّمك، تنظر إلى السّمكات الصغيرات الملوّنة، والحصى المتلامعة، وفقاعات الهواء التي يطلقها أنبوب رفيع، موصول بجهاز كهربائي.

تقدّم أحمد من قطّته بهدوء، فلاحظ أنّها تلحس فمها، بينما صار الخط المستقيم داخل عينيها، يشبه صنّارة صيد.

خاف أحمد على سمكاته، لأنّه لم يفطن إلى أنّ قطّته البيضاء، التي أحضرها البارحة من بيت جدّته، تأكل السمك.

ومن غير أن يدري، زعق أحمد في وجه لولو:

- ابتعدي يا جنيّة، وإلاّ أرجعتك إلى بيت جدّتي، الحقّ عليّ، كان يجب أن أترك جدتي تضربك، لأنّك شربكت لها طابة الصوف الحمراء.

نطّت لولو، واختبأت تحت الكرسي، وهي تموء بحزن وانكسار.

ثمّ اقترب من حوض السّمك، وبدأ يعدّ السّمكات.

فجأة، أحسّ بوبر ناعم يدغدع قدميه.. آه... إنها قطّته لولو، لقد أحسسّت أنّه متضايق، فأرادت أن تعرف السّبب، لذا رفعت ذيلها إلى أعلى، فبدا على شكل إشارة استفهام.

هدأ أحمد، وجلس على الكرسي، فنطّت لولو إلى حضنه، وحطّت رأسها على فخذه بينما راحت يده تمسح على شعرها الأبيض، كالقطن.

نظرت لولو إليه، فقال:

- لولو، هل تسمحين بسؤال؟.

دعكت لولو رأسها بقائمتها الأمامية، كأنّها تفكّر، ثم ماءت بصوت منخفض، كإشارة لموافقتها!!.

سألها أحمد:

- هل صحيح أنّك تحبين أكل السّمك؟

ارتجف جلد "لولو" عندما سمعت اسم السّمك وكأن الكهرباء قد مسته. انزعج أحمد من قطّته، وقال:

- أنت ظالمة يا لولو، لقد ارتجفتِ لأنّك كنت تخطّطين لأكلها، انظري إلى تلك المخلوقات الرائعة، ألا ترينها تلمع مثل النجوم؟.

إنّها تعيش في الماء لتبقى نظيفة، تصوّري لولو، لقد ضمرت يداها، كي لا تضرب بهما أحداً وتحوّلتا إلى زعانف صغيرة، تساعدها على السباحة.

بينما ضمرت رجلاها، وتحولتا إلى ذيل، لتتّجه حيث تريد، دون أن تزعج أحداً بصوت أقدامها؟.

أغمضت لولو عينيها، فتابع أحمد غاضباً:

- افتحي عينيك يا كسولة، كثرة النوم تسبّب الخمول، آه ما أنشط السمكات إنها لا تغمض عيونها، حتى في أثناء النوم، هي ليست مثلك يا لولو!!

وقبل أن يكمل تأنيبه للقطّة، سمع صوت أمّه تناديه من المطبخ:

- تعال يا أحمد، الطّعام جاهز، ألا تحبّ السّمك المشوي؟.

قفز أحمد من فوق الكرسي، وركض صوب مائدة الطعام، جلس أمام صحنه، وبدأ يأكل بشراهة.

وبعد أن شبع، تذكّر قطّته الصغيرة البيضاء فأحسّ بأنّه قد بالغ في تأنيبها لذا خجل من نفسه واحمرّت أذناه.

 

 

طقم العيد

 

 

دخل ماجد مع أبيه دكّان الخيّاط، حاملاً بيده قطعة قماش ملونة، ليخيط طقماً للعيد. أخذ الخيّاط مقاس ماجد، ووعدهما أن ينهي خياطتها بعد أسبوع، ثمّ وضع قطعة القماش على الرّف.

حلّ المساء، فأغلق الخيّاط باب دكّانه، وذهب إلى بيته.

كان الظلام داخل الدكّان دامساً، والسكون مخيّماً.

فجأة، سمع كلّ من الإبرة والمقص صوت بكاء، بحثا عن مصدر الصوت، فعرفا أنه ينبعث من على الرف.

إنها قطعة القماش الملونة!!

سأل المقص:

- ما بكِ أيّتها الضيفة العزيزة، لماذا تبكين؟.

ردّدت قطعة القماش الملوّنة:

- أنا أبكي على حظّي التعس، فما إن أصبحت جوزة قطن، حتى قطفني الفلاّح، وأرسلني إلى معمل الغزل، حيث حوّلني العمّال إلى قطعة نسيج.

تنهدت قطعة القماش وأضافت:

- وبعد أن اشتراني التاجر، وأجلسني على الرفّ، شعرت بالارتياح، كنت مسرورة لمشاهدة الناس، الداخلين والخارجين من المتجر، لكن عندما صادفني أبو ماجد وابتاعني تغيّر الحال، فغداً ستجري لي عمليّات جديدة، سأقصّ بشفرتين حادتين، وأوخز بالإبرة، يا الله كم أنا خائفة.

تنحنح المقص، وقال:

- أنت تبالغين يا صديقتي، فما قيمة حياتك إذا بقيت مركونة على الرّف، ستأكلك العثّة، وترمين في حاوية القمامة، أمّا إذا تحوّلت إلى طقم عيد، فإنك سترين الأطفال وهم ينفخون بالوناتهم الملوّنة، وتركبين الأراجيح، بينما سنبقى أنا وصديقتي الإبرة، جالسين على الطاولة، نحلم بالفرح.

تدخلت الإبرة قائلة:

- ما قاله صديقي المقص صحيح، ومع هذا فأنا سأعمل جاهدة، أن أدخل في مساماتك، كي لا أوجعك في أثناء الخياطة، وتذكري أنّك أنت من سيدخل البهجة إلى قلب ماجد!؟ ارتاحت قطعة القماش، وارتختْ، بعد أن تجعدت أثناء انفعالها، ثم نامت، وهي تحلم بمجيء العيد.

 

 

السّاعة

 

مع معرفة الخبر، طار أحمد ونور من الفرح.

لقد قرر والدهما، أن يصطحب أسرته معه إلى الكويت، وسيكون السفر بعد يومين، ركض أحمد إلى خزانته الصغيرة، أخرج خارطة الوطن العربي، وبدأ يمرّر إصبعه فوقها، باحثاً عن دولة الكويت، بينما راحت نور تجمع ألبسة لعبتها مها وترتّبها في حقيبة صغيرة.

كل شيء في البيت يبدو فرحاً، ماعدا السّاعة المعلقة على الحائط، فما إن سمعت كلمة سفر حتى كادت مسنناتها تقف عن الحركة، واضطربت عقاربها، فصارت تسبّق حيناً، وتقصّر حيناً آخر.

انقضى اليوم الأوّل، وصحّة الساعة تزداد سوءاً، فالرّقاص النشيط ثقلت حركته، وصار ينوس ببطء شديد، حتى وجهها اللاّمع، بدا شاحباً.

أحسّت اللوحة المعلقة على الحائط نفسه بمرض السّاعة، فسألتها:

- ما بكِ يا صديقتي، تقولي آه.. آه، بدلاً من تَكْ.. تَكْ، هل أنتِ مريضة؟

ردّت الساعة بحرقة، قائلةً:

-آه.. أيتها اللوحة الجميلة، غداً سيسافر الصغيران كما تعلمين، بينما سأبقى أنا معلقةً على الحائط، كقطعة خشبيّة ميّتة، من سيوقظهما في الصباح، ليذهبا إلى المدرسة، من سيشير إلى موعد نومهما؟... أجيبيني أيّتها الصديقة، أكاد أقع!!.

حزنت اللوحة، عندما سمعت كلام السّاعة، فانكمشت على نفسها، حتى كاد الإطار يسقط منها وبعد تفكير قصير، قالت:

- اسمعي أيّتها السّاعة الطّيبة، الصغيران يحبّان عصفورك، الذي يخرج كل ساعة، ويصيح كوكو.. كوكو.. بعدد الساعات، فأرجو أن تطلبي منه ألاّ يخرج صباح الغد، ليبقى الصغيران نائمين، ولا يسافران.

عملت السّاعة بنصيحة اللوحة، فتأخّرت الأسرة عن موعد الطائرة.

انزعج أحمد، نظر إلى الساعة بغضب، نهض إليها، وقفل الباب الذي يخرج منه العصفور!!.

في اليوم التالي، سافرت الأسرة، على متن الطائرة، بعد أن غيّر الأب موعد الرحلة.

وبعد شهر من وصولهم، فتحت المدارس أبوابها، لكن الصغيرين تأخّرا في النوم، ولم يذهبا إليها.

جلس أحمد على سريره حزيناً، تذكّر ساعته الجميلة، وعصفوره الحبيب.

وما إن سمع زقزقة العصافير، تنبعث من حديقة البيت، حتى شعر بالذنب، لحبسه عصفوره فدسّ رأسه تحت الغطاء، وراح يبكي بحرقة شديدة.

 

 

ماسح الأحذية

 

في الحديقة العامّة، وتحت شجرة الكينا الكبيرة، جلس عبد الله أمام صندوقه الخشبي، كان الصندوق مزركشاً بمسامير لامعة، ومزوّداً بدرج صغير، يحتوي علب صباغ ملوّنة، وفرشاة وخرقة صفراء لمسح الأحذية.

نظر عبد الله إلى الأطفال، الذين يلعبون في الحديقة، فاغرورقت عيناه بالدموع، ثم وقف وركل الصندوق، فتدحرج وصاح:

- آخ.. لمَ تضربني أيّها الصديق، لقد خلعت مساميري؟!

دُهِش عبد الله، نظر إلى الصندوق، فرأى درجه يمتدّ مثل اللسان.

أحسّ عبد الله بالذنب، فبلع ريقه، وقال:

- اعذرني يا صديقي، فأنا متضايق، لأنني أرى الأطفال، ينفخون البالونات، ويمسحون على شعر الدمى، بينما أنفخ أنا الغبار من فوق الأحذية وأمسحها بالخرقة.

بكى الصندوق، فقرقعت العلب في بطنه، ثم قال:

- اصبر يا صديقي، الحياة قاسية، ومع هذا فهي حلوة، تذكّر أصدقاءك الذين يحبونك، تذكّر أباك المريض، ألست أنت من يرسم الابتسامة على شفتيه، أنت شاطر، وسيكون لك مستقبل زاهر في الدراسة، ستصبح طبيباً، وتشتري سيّارة حمراء.

فرح عبد الله عند سماعه كلمة سيّارة، نظر إلى صندوقه بمودّة، وتخيّل علب الصباغ الدائرية مثبتة كالعجلات على طرفي الصندوق، فنطّ مبتهجاً وهو يغنّي:

صندوق الألعاب يا خير الأصحاب.

 

 

فـوق الأغصان

 

الغصن فرحان، لأن العصفورين الأصفرين بنيا عشّهما فوقه.

رقدت العصفورة على البيض بحنان وعصفورها يقف بجوارها، ينظر إليها، والابتسامة لاتفارق منقاره، يتذكّر كيف بنيا عشّهما قشّة قشّة وبطّناه بالريش الناعم، صحيح أن ريشهما قد بللّه العرق، لكنّه تعبٌ مثمر ولذيذ.

بعد أسبوعين، وفي صباح ربيعي جميل، نقر أحد الفراخ قشرة البيضة، ومطّ منقاره الليّن ثمّ بدأ يزقزق، كأنّه يطلب من الطبيعة، أن تفتح له ذراعيها.

غمرت السّعادة قلب الأبوين، فطارا إلى الحقول، ليزفّا نبأ السعادة.

تتالى فقس البيض، فصار العش يحتضن أربعة فراخ جميلة.

الفراخ تكبر، ويتبدّل زغبها الناعم، لينبت مكانه ريش جميل، كانت تنام تحت أجنحة بعضها تأكل ما يجلبه الأبوان، إلاّ واحداً منها، فقد كان لا يأكل إلاّ الدودة الكبيرة، ولا ينام إلاّ ممدداً، ناسياً أن العش قد ضاق لأن الفراخ كبرت، ومع كلّ هذا كان "يسقّطُ" في العش.

حكَتْ الفراخ الثلاثة لأمها، عن طباع أخيها السيّئة، فخاطبته قائلة:

- كن مهذّباً، واعلم أنّ الإساءة ترتدّ على صاحبها، وإلاّ فسأحرمك من الطعام مدة يوم.

انزعج الفرخ الرابع من كلام أمه، وازدادت طباعه سوءاً.

في اليوم التالي، قالت الأم لفراخها:

- أحبّائي، حرّكوا أجنحتكم داخل العش، لتقوى وتساعدكم على الطيران. حرّك الفراخ الثلاثة أجنحتهم، سخر الرابع من إخوته وقال:

- ستتعب أجنحتكم، ولن تقدروا على الطيران أمّا أنا، فجسمي مرتاح لذلك سأكون أقوى منكم!!

الفراخ الثلاثة تطير من غصن إلى غصن تلعب مع الفراشات، تزقزق وتضحك غار الفرخ الرابع من إخوته، نطّ يريد مشاركتها اللعب، فوقع على الأرض وجرح رأسه.

هرع أبواه وإخوته إليه، احتضنوه، وطاروا به إلى العش.

ضمدّت الأم رأس صغيرها، فلم يعد بإمكانه أن يرى شيئاً!؟.

في اليوم التالي، كان الأبوان والإخوة الثلاثة يبتسمون، لأنّ الفرخ الرابع، كان يحرّك جناحيه وحيداً داخل العش.

 

 

 

العصا والحمار

 

الحمار الأبيض مربوط بشجرة جوز، إنّه يأكل البرسيم، وأذناه الطويلتان مرخيّتان، ومقوّستان كمقود درّاجة.

فجأة.. وقع بصره على العصا المرميّة بجواره، فبصق اللقمة من فمه، وقال:

- إلى متى ستلاحقينني أيّتها الأفعى، لقد كرهت حياتي، صرت أراكِ في منامي!؟

تململت العصا وقالت:

- حمار... لا تنفعل، كي لا يذهب صوابك فأنا لست إلاّ أداة يستخدمها صاحبها، دون إرادتها!!

- تمسكني، أيّتها الممثلة، هل نسيت آثار ضربتك على عنقي وجنبي، أليس لديكِ عمل سوى ضربي؟

- افهمني أرجوك، الذنب ليس ذنبي، فكم أحبّ أن تحرقني النار وتحوّلني إلى رماد، بدل أن أضربك!!

- وهل تظنينني ساذجاً إلى هذا الحد، كي أصدّق كلامك، وكيف أفعل ما دام أنّ قلبك قد تيبّس؟

أخذت العصا نفساً عميقاً، فطقطقت، وتشقّق لحاؤها، ثمّ قالت:

- صدّقني أيّها الحمار الصبور، أرجوك، فأنا أعرف كم تقاسي، نعم، لأنني أرى العقور الموزّعة على جسدك، وأسمع صوت الذباب اللحوح، الذي يقرصك.

هدأ الحمارُ، ثمّ حكّ رأسه بحافره، وقال:

- الظاهر أن كلامك صحيح، ولكن، لماذا لا تعصين صاحبك؟.

تأوّهت العصا، وقالت:

- الأجدر بك أن تعصيه أنت، لأنّك قوي وتستطيع أن ترفس.

نظر الحمار بقسوة، إلى صاحبه النائم في ظلّ شجرة زيتون، ثم نتر الرسن بقوّة، فانقطع.

نهق الحمار نهقات فرحة، ثم أمسك العصا بشفتيه برفق، واتّجه إلى حقل بعيد، وهو ينطّ برشاقة وسعادة.

 

 

حديقة الألحان

 

فكّت أنغام جديلتها، أطفأت المصباح، واندسّت في فراشها، كقطّة صغيرة. في المنام، رأت نفسها في حديقة بيتها، فجاءها طائر الكروان، وحطّ على شجرة الورد ثمّ شدا قائلاً:

- مرحباً أيتّها الحلوة، ماذا تفعلين في الحديقة؟

نظرت أنغام حولها، فشاهدت على شجرة الورد، طائراً ذا ريش ملوّن جميل ابتسمت له وقالت:

- أنا آكل البوظة، تفضّل، الحس، إنها لذيذة ومدّت إليه يدها.

-شكراً لكِ، الثلّج يؤثّر على حنجرتي، وأخشى أن يبحّ صوتي.

- إذا سمحت، غرّد قليلاً، أنا أحبّ صوت الطيور.

حرّك الكروان حنجرته، وشدا، فتمايلت أغصان الوردة طرباً، صفقت أنغام ناسية البوظة فسقطت على الأرض، وذابت.

توقف الكروان، وقال:

- أأعجبك تغريدي؟

-الله... إنه رائع، ولكن أين تعلمت الغناء؟

- تعلمته في حديقة الألحان!

- وهل أستطيع أن أتعرّف إليها؟

- بالتأكيد... إنها حديقة رائعة.

ثمّ رفع الكروان رأسه إلى السّماء، وشدا بصوت عال، فجاء سرب من الكروان، يحمل سلّة قشّ صغيرة، مربوطة بخيوط ملوّنة، وقد أمسك كلّ كروان طرف خيط بمنقاره.

هبطت الكراوين بالسّلة، نطّت أنغام وجلست فيها، بينما وقف صديقها الطائر على كتفها، ثمّ طرن بها نحو السماء.

شاهدت أنغام أطفالاً يلعبون على أسطحة البيوت، كانوا صغاراً كالدمى بينما بدا النهر مثل خيط أزرق.

مرّ السرب على غيمة بيضاء، فحاولت أن تكمش بيدها قطعة صغيرة، لكنّها لم تستطع، لأن ذرّات البخار، كانت تفرّ من بين أصابعها، كالماء.

وصل السرب إلى الحديقة، أعطى الكروان أوامره بالنزول، فهبطت، قفزت أنغام من السلّة شكرت الكراوين، وسارت نحو مدخل الحديقة.

كانت حديقة الألحان، مسوّرة بأعواد القصب الصفراء، بينما كان الطريق مفروشاً بأزاهير بيضاء، أمّا الأزاهير الحمراء، فقد شكلّت خمسة خطوط متوازية.

سألت أنغام الكروان:

- ما هذه الخطوط، أيّها الصديق؟

- إنها المدرج الموسيقي!

دخلا الحديقة، فرحت الأشجار واهتزّت مصدرة أصواتاً حلوةً ناعمة.

رفعت أنغام عينيها، فشاهدت أعداداً كبيرة من الأجراس، معلقة على الأشجار، سألت دهشةً:

- لماذا تحمل الأشجار أجراساً؟

ابتسم الكروان وقال:

- لكي تشارك الطيور في ألحانها.

وصلت أنغام إلى ساحة الحديقة، والكروان ما يزال يقف على كتفها، فتوقفت فجأة أمام نصب كبير، له شكل غريب، التفتت إلى صديقها وسألته:

- ماهذا الشكّل؟

- إنه مفتاح صول!!

جلست أنغام على مقعد خشبي، وراحت تتأمّل بإعجاب، ذاك المفتاح الجميل. فجأة، سمعت صوتاً حزيناً، كصوت أمّها، ينبعث من ورائها، التفتت نحوه فشاهدت آلة الكمان، تقف على حافة بركة ماء، تحرّك قوسها فوق أوتارها وتصدر لحناً شجيّاً.

طار الكروان إليها، وقف على قوسها، وسألها مستفسراً:

- لماذا تعزفين بمفردك يا صديقي...

أين العود والطبلة؟

تأوّهت الكمان، وأجابت:

- في الصباح، عندما طرتِ إلى المدينة، جاء العود وأهانني!

- العود؟!

- نعم.. اتهمّني بأن زندي قصير، وأوتاري أربعة، بينما يملك هو خمسة أوتار.

- وماذا أجبته؟

- قلت، إن الإبداع لا يتعلق بكثرة الأوتار وقلّتها، فأنا أصدر طبقات صوتية عالية، لا يستطيع غيري، وإن كان له ستة أوتار، أن يصدرها. تنهّد القوس قائلاً:

- واللّه، أيّها الكروان الحبيب، لو لم تمنعني الكمان، لألهبت ظهر العود ضرباً.

نظر الكروان إلى القوس، وقال:

- لا يا قوس، يجب ألاّ نقابل الإساءة بمثلها.

ثمّ طار الكروان، واختفى بين الأشجار، وبعد مدّة قصيرة، عاد بصحبة العود والطبلة.

اعتذر العود من صديقته الكمان، وأهداها ميدالية، على شكل مفتاح صول صغير.

دقّ قلب الطبلة، وأصدرت ضربات فرحة، ثم قالت:

- لن تختلفا بعد اليوم، فأنا سأضبط إيقاعيكما.

عزفت الآلات، وشدا الكروان.

اهتزت الأجراس، حام الفراش، وزقزقت العصافير.

فتحت أنغام عينيها، نظرت حولها، فلم تجد الحديقة، لكنّ صدى الألحان بقي يرنّ في أذنيها الصغيرتين.

 

أضيفت في 09/03/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: من مجموعته حديقة الألحان الصادر عن اتحاد الكتاب العرب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2024  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية