رائحة الذكرى
في هذا اليوم الغائم...
وأنا أراه يصعد إلى الطائرة التي غُرست في مقلتي..لا أدري لماذا طاف
بي طائف من ظنةٍ تكاد تغزو لبي وكأنها مارد من يقين...
حينها..أحسست أن أشواقي لن تتعلق بتارة بينٍ أو تارات..إنما سترحب
آفاقها ..
لوحت له بكفٍ أدركت أنه لن يراها ..وأنا ألصق وجنتي ببلور النافذة
البارد ..أستميت في محاولة اشتمام ماتبقى لي من رائحة الذكريات الشتيتة...
رائحة الرغام المطير..الذي مسدته خطواتي المرقلة ..وأنا أدفن كفي في
راحة أبيه ..وهو يهمس لي:
"تريثي..ففي أحشائك الأمل"
وأبتسم ..جذلا..شوقا..أملا..
رائحة الياسمين التي عبقت في غرفة المشفى..حيث رأيت وجهه أول
مرة..وتلمست جسده الغض..ولثمت مبسمه الجميل..والأخلاء يدلفون للغرفة عازفين
أحلى ترينم:
"مبارك..جعله الله من مواليد السعادة"
ويطرب قلبي..وينتشى..وأخال السعادة ودقا يروي الأيام الجدباء...
رائحة القهوة..أقدمها لأخي..وأنا متدثرة بأبراد الحداد
المترملة..وثمة جعجعة نشيج في صدري..لا أتجشم إخفاءها..وهو يختلس النظر لمقلتي
الذبيحة..سامعا كلماتي الثايتة:
"الرفض وليس سواه..سأربي ولدي.."
ورائحة الورق..والبحر ..وليالي الشتاء المديدة..و الأفانين العابلة
التي تتوق لزهور العرفان..والقد الأهيف الذي احدودب أمضا...والذماء التي تتشبث
بالبقاء..
واليوم أراه..ورائحة الذكريات لا تريد أن تبارحني..وأنا أودعه
وأتجرع الصابة..وأردد:
"لن أيأس من الجنى"
أضيفت في
07/05/2008 / خاص القصة السورية / المصدر: الكاتبة
لك أسلمتهم
يتهامسان
وأمعن التحديق في شفتيهما تسولا للحقيقة مهما كان أمضها..راقدة على هذا التابوت
الأبيض..متوجسة..مرتعبة..أكاد أرى الحقيقة نصلا يمزقني..يمزق أحلامي..تاراتي
الغضة.... ثم يتغمد في قلبي ..
يهرب نزر قليل من كلماتهما إلى أذني..كلمات أصرّا أن يُلبساها ثوبا أجنبيا
..سخرتُ منهما متحدية..
"ما أدراهما أني معلمة أحياء!"
ترفع هي لوحة الأشعة من على سناء الشاشة..ثم تدفنها في ذلك الظرف الأجرد..إلا
من إسمي كضغث مصفر يحتضر..
تدعوني إلى النهوض.. أصلح هندامي ثم أسكن على الكرسي المقابل لمكتبها..أقول لها
مبتدرة:
"لا داعي للتحفظ..لقد أدركت كل شيء..وسأستطيع مواجهة هذا الكل!"
تلعق شفتها..وتجيبني:
"الأمل بالله كبير..وهذه فحوصات أولية.."
أنظر إلى الفراغ وأتسائل:
"وبعد؟!"
"أرى أن العلاج الكيميائي أجدى..فالجراحة تخيب غالبا في مثل هذه الحالة"
أهب واقفة..أشكرها بحرد..مارد من غضب يستولي عليّ.. يمضغني الخوف..يلفني الضياع
برشاه الشائكة..تسير بي قدماي في مسارب الحيات..وترصد مقلتاي ما يمور حولي من
صور ..
كرسي متحرك..قبعة قميئة..نحيب يتسرب من غرفة أشبه بالقبر
أنسج الصور على الأشفار لألونها بلون الرفض ..
أخرج من المبنى لتغيم عيناني ..كأنهما وليدتان ..تريان الحياة لأول مرة..كل شيء
يبدو جديدا..غريبا..موحشا ..حتى وجه زوجي المترقب الذي أطفأ السيجارة مذ
اقتربت..
غربة تضرب أوتادها في خافقي..وتكفنني بأطنابها الغبناء.. لتغمسني في بحر الحتوف
بلا قرار..
أغلق باب السيارة..يدير مقودها..أغمض عينيّ وأنسى كل شيء .......إلا وجوه
أطفالي.
,,,,,,
خمسة أشهر..وذلك الوحش الخبيث يتقبّع في أعماقي .. يمتص ذمائي..وأنا سادرة في
حياتي..أغفو على جهلي..وأستيقظ عليه..
خمسة أشهر أركن أوجاعي اللاشعور..أستمهلها ..فلا وقت لديّ!
وقتي مقتسم مسبقا ومحدد النصاب ..أمضيه بين تقويم ..كي خمار..صنع ضفيرة..وإخماد
حسيس الغرث..
يومي متنازع عليه ..ولكل منه شرب معلوم..فماذا الآن؟!!
ولمن أُسلمهم؟!!
,,,,,
البرد يجلدني ..كل أوشحة العالم لا تدفئني..شعري يتساقط لأبدو كميس
الخريف..ومقل يتيمة مصلوبة علي ثمالتي..
نفس التهامس..تتبادله مع زوجي المذهول هذه المرة..لتنحدر الدمعة من عينه ..
تتشرع أبواب المنون..أرفع عينيّ للسماء..له..أناجيه:
"رباه..لك أُسلمهم
|