كاتب
"إلاهي، من أكون غير الخوف الذي يشعر به الآخرون نحوي؟"
جون بول سارتر
في البدء، كانت الابتسامة على وجوه الجميع:
1- سأكون أسعد الناس حين أرى العالم يستقبلك ككاتب!...
2- أنا لا أطلب منك سوى أن تخصص لكل صديق من أصدقائك إهداء على
الصفحة الأولى من كل إصدار!...
3- أريدك أن تكون من مرتبة أرنست همينغواي وألا تقبل بأقل من
جائزة نوبل للآداب!...
4- أنا أريدك أن تتمم مطالب أبي الطيب المتنبي وألا تحيد عن طلب
السلطة أبدا. فلا معنى لمثقف دون سلطة ولوكانت سلطة الكلمة!...
5- الأفضل أن تكون كالاعشى وتطلب المال حتى يصبح الذهب في صحون
موائد فطورك وغذائك وعشائك!...
6- أنا أنتظر اليوم الذي ستصبح فيه مثل ج.ك. رولينـز تبيع مئات
الملايين من النسخ وتقلب الدنيا وتقعدها مع كل إصدار وتلهب شوق القراءة في
الناس ليصطفوا في منتصف الليل أمام المكتبات طلبا لنسخة وحيدة بعد نفاذ
الطبعات الأولى وتدفع اللصوص لتحويل اهتمامهم من سرقة المال إلى سرقة الكتب
فيغيرون على مخازن الكتب وينهبونها ويعيدون بيعها في السوق السوداء!...
7- أما أنا فيكفيني ان أرى صديقي الذي اختار الطريق الأصعب أن
أراه يختار المثل الأصعب في الطريق الذي اختاره: أن يتحلى بشيء من شيم جون
بول سارتر وأن يكون ما يقوله، وان يمارس ما يبشر به، وان يكتب ما يفكر فيه
حتى ولو أضاع صداقة كل من حوايه وصار وحيدا معزولا...
ثم ثم بدأت الرائحة تصل خياشيم الضباع:
1- قيل لي أنك اقتحمت باب بورصة الثقافة مبكرا! لكن ألا تعلم أن هذا
المجال لا يصلح للاستثمار والأرباح السريعة؟!...
2- كتابك صغير للغاية وأنا قرأته واقفا خلال نصف ساعة!...
3- لقد اخترت ثمنا غاليا لكتابك هذا!...
4- يقال أنك نميت رأسمالا هاما من خلال إصدارك الأخير!...
5- لقد اخترت توقيتا مناسبا. فصدور كتابك بصورتك الشخصية على غلافه
الخلفي مهم للغاية خاصة وأننا على أبواب الانتخابات والتعريف بالمرشحين!
دهشة الاصدقاء:
- لقد اعجبني إصدارك أيما إعجاب! لكن ما يحز في النفس هو موقف
فدرالية قدماء كسالى الثانوية الوحيدة بمدينة خ. من صدور عمل ثقافي جديد
وميلاد مثقف جديد!...
- وما هو موقف فدرالية قدماء كسالى مدينة خاء؟
- ولكنك معني بالأمر! ألا تعرف موقفها؟!
- لا.
- حسنا. لقد قرروا أمس"قتلك رمزيا".
مطالب فدرالية قدماء كسالى الثانوية الوحيدة بمدينة خاء:
أولا: قتله رمزيا، أولا.
ثانيا: عزله عن كل الفاعلين من أصدقائه الذين يتم التعرف على اسمهم
أوعنوانهم أو صورتهم.
ثالثا: عرقلة تنقل كتبه بالطعن في سيرته والتشكيك في قصده.
رابعا: منع المتعاونين معه من توزيع كتبه.
خامسا: إرغام كل من ساهم في التوزيع على سرقة المال الذي جمعه من
بيع النسخ التي اؤتمن إياها.
سادسا: إرغام كل من ساهم في التوزيع ولا زال في حوزته نسخ متبقية
على الاحتفاظ بتلك النسخ وبالمال ونكران معرفته إلى الابد.
سابعا: تخويف الأصدقاء من مغبة الاستمرار في مجالسته لكونه صار يشكل
خطرا على الوضع العام.
ثامنا: التوسل، عبر الأقارب والمعارف وأبناء العم والخال، لدى الصحف
المحلية والجهوية والوطنية لعدم نشر أعماله مستقبلا.
تاسعا: التأثير على أرباب المكتبات والأكشاك التي تعرض كتبه لدفعهم
إلى إخفائها وإبعادها عن الزبناء القراء.
عاشرا: قتله نهائيا.
نور حكمة قديمة من صديق قديم:
حين يقدمك الناس للغير، في حضورك أوغيابك، اهتم بما يقال أكثرمن أي
كلام آخر. إنهم، في ذلك التقديم، لا يقدمون إلا أنفسهم...
ثم بدأ الافتراس:
* كلام الجرائد:
"تعرض، ليلة امس، الكاتب س لاعتداء منظم على طريقة الجماعات المسلحة
في عرض خير شوارع مدينة خ، تحت الأضواء الليلية الساطعة: عصابة جيدة
التحضير تعترض طريقه بشكل مسرحي مدروس ومعد سلفا، تشهر السكاكين في وجهه
وتنهب ما في جيوبه من عناوين أصدقائه في هاتفه النقال وساعته اليدوية...
دون خوف من حسيب أو رقيب.
ففي الوقت الذي يكرم فيه المبدع عند الأمم المتحضرة، يحز في النفس
أن نقرأ أخبارا تتكرر كهذه في ظل صمت مطبق يخفي تواطؤا شنيعا وتشفيا غير
مبرر..."
* كلام الزملاء في العمل:
- لم يأت اليوم للعمل...
- لماذا؟!...
- لا زال تحت الصدمة...
- صدمة ماذا؟!...
- لقد دوهم بيته ليلا خلال نومه ولم يسرق أي شيء. فقد اكتفى
المداهمون بتغيير مكان قطع خفيفة من الأثاث لتحذيره عند يقظته...
* شكاية لدى مدير مكتب البريد بالمدينة:
""إلى السيد مدير مكتب البيرد بمدينة خاء
الموضوع: استفسار حول عدم التوصل بالمراسلات
تحية طيبة
أما بعد، فيؤسفني ان اشعركم بعدم توصلي بالمراسلات التي يشعرني بها
مسبقا كل من يراسلني حتى اكون في الاستقبال. لكنني منذ فترة غير وجيزة وانا
لا اجد في علبتي البريدية غير تواصيل الضرائب وفواتير الماء والكهرباء
والهاتف والأنترنيت...
وتأسيسا على ما سبق، ولأن الأمر لم يعد مجرد صدفة أو مصادفة، فإنني
أتقدم إليكم بطلب تبرير معقول لما حدث
ويحدث.والسلام."
* إعلان نتائج أول مباراة مهنية بعد ولوجي عالم الكتابة والنشر والتوزيع:
التلاعب بنتائج المباراة، تزوير مجهودات المتبارين، الترسيب
التعسفي، الإهانة، الإذلال، الإقصاء...
* رد على تهديد بالاعتداء علينا لاحتجاجنا على نتائج المباراة وأشكال
إخراجها:
"إلى الكاتب المحلي لنقابة خاء
الموضوع: رد على تهديد
بعد التحية
تلقيت اليوم زوالا، على لسان رسولكم المناضل خاء ، نص التهديد
الشفهي بالاعتداء على شخصنا. ولأنني تعرضت مند قراري حمل القلم كسبيل
للإسهام في النقد والتنوير الاجتماعيين لسلسلة من الاعتداءات، فإنه لا
يمكنني سوى أخذ تهديدكم مأخذ الجد. ولذلك أشعركم أن أي اعتداء سنكون موضوعه
إما من طرفكم شخصيا أو من طرف آخرين، معلومين أو مجهولين، ملثمين أو مكشوفي
الوجه سيجعل من تهديدكم هذا مرجعا للاعتداء ومن رسولكم المناضل خاء شاهد
إثبات. كما أنني أحتفظ بنسخة من هذا الرد لليوم الأسود.
والسلام."
أنفاس الضباع من أفواه الأصدقاء:
الأول: صديقي، هل تريد تغيير العالم؟!...
الثاني: الناس مرتاحون هكذان وانت مالك؟!...
الثالث: هل أنت مستعد للتضحية بحياتك فداء لعوام يحاربونك؟!...
العاشر: صديقي، استيقظ!...
المئة: إنك فقط توفر للطفيليين وحثالة الاحياء فرص عمل بتمكينهم من
العض في جهودك ووجودك!...
الألف:استيقظ، يا صديقي، فالمبدع في عين الإنسانية في مكان آخر، هو
كنز ثمين وهبة إلاهية إلى المعذبين في الأرض.ولكنه، بالنسبة للضباع حوليك،
هو مجرد وجبة!...
----------------------
القصر الكبير، بتاريخ 27 يناير 2006
أضيفت في
01/02/2006/ خاص القصة السورية
مدينة الحجاج بن
يوسف الثقفي
" ليس ثمة أحد كرم لما يتلقاه.التكريم كان وسيبقى للذي
يعطي."
كالفين كوديلج
Calvin Coolidge
" مدينة الحجاج
ترحب بكم"...
هذه هي أول عبارة تقابلك قبل ست كيلو مترات من دخولك المدينة على متن
سيارتك. ثم تتوالى الشعارات على السبورات الحديدية على جانبي الطريق:
"من أجل مدينة
بدون دور الصفيح في أفق 2999"
" من أجل مدينة
بدون رشاوى في أفق 2999"
" من أجل مدينة
بدون بطالة في افق ..."
" من أجل مدينة
بدون سجون في..."
" من أجل مدينة
بدون ..."
" من أجل..."
" ..."
وصلت، أخيرا، إلى مركز المدينة بعد قراءة كل الشعارات المؤدية إليه.
نزلت من السيارة لأتمشى قليلا ريثما يحل وقت الندوة التي جئت لحضور
أشغالها. مشيت مع "بوليفار" الحجاج بن يوسف الثقفي حتى إذا وصلت سينما
الحجاج بن يوسف الثقفي توقفت طويلا عند أفيشات الأسبوع المقبل المزمع عرضها
داخل القاعة" أفلام تاريخية عن إسهامات الحجاج بن يوسف الثقفي في توسيع
رقعة بلاد الإسلام.
دسست يدي في جيب بنطلوني لأتجول على مهل في شوارع مدينة أستكتشفها لأول
مرة. ثم واصلت السير بين وكالات تأمين الحجاج بن يوسف الثقفي وصالونات
حلاقة الحجاج بن يوسف الثقفي ومقاهي الحجاج بن يوسف الثقفي واستوديوهات
تصوير الحجاج بن يوسف الثقفي ومحلبات الحجاج بن يوسف الثقفي وملبنات الحجاج
بن يوسف الثقفي ومصبنات الحجاج بن يوسف الثقفي وحانات الحجاج بن يوسف
الثقفي وفنادق الحجاج بن يوسف الثقفي ومخابز الحجاج بن يوسف الثقفي ومر ائب
الحجاج بن يوسف الثقفي وبقالة الحجاج بن يوسف الثقفي ومساجد الحجاج بن يوسف
الثقفي... حتى خلصت إلى الساحة الكبرى: ساحة الحجاج بن يوسف الثقفي
وتتوسطها نافورة عاجية رائعة التصميم، نافورة الحجاج بن يوسف الثقفي. لكن
ما أثار انتباهي هو خلاء المكان من المارة إلا من أفيشات ملصقة على جدران
المباني المجاورة.اقتربت منها لقراءتها:
" تنظم جمعية
الحجاج بن يوسف الثقافي للتنمية والعدل والتربية والثقافة والإعلام
والتواصل والرياضة وحقوق الطفل والمرأة والأقليات ندوة تحت عنوان: "الصورة
المضيئة للحجاج بن يوسف الثقفي، العادل المستبد".
اقتحمت باب الندوة على آخر عبارة لآخر متدخل في الندوة: "رحم الله
الحجاج، ما أعدله!"
وتعالت
موجة عاتية من التصفيق الحار الحقيقي لأيدي حمراء من فرط الجهد وعيون دامعة
تعبر بصدق عن أدمغة لم تقرأ ولم تر ولم تسمع في يوم من الأيام بغير الحجاج
بن يوسف الثقفي.
الرباط، بتاريخ: 15 يوليوز 2005
لكل سماؤه
" المنطق يأخذك من ألف إلى باء. أما الخيال فيسافر بك إلى أي مكان."
Albert Einstein
كانت شمس المغيب قد رست على الأفق وبسطت، للتواصل مع الشاطئ، جسرا
بلوريا يتلألأ على صفحة البحر الذي يذاعب بأمواجه الخفيفة قدمي الطفل
الحافيتين: يدفعهما بلطف حين يتقدم نحو الصخور ويسحبهما معه حين يتراجع إلى
زرقته، يدفعهما ويسحبهما، يدفعهما ويسحبهما...
سأل الطفل أباه مشيرا إلى البحر:
- أبي، إذن هنا
تعيش القروش ؟
فأجاب الأب مطمئنا:
-نعم، ياعزيزي،
ولكن بعيدا من هنا، هي تفضل المياه الدافئة في أعالي البحار.
-هي قوية!
-نعم، يا بني:
القرش هو ملك البحر ...
-وهنا في البر، من
ملك البر ؟
-السبع، يا ولدي.
السبع هو ملك البر والغاب.
-ومن الأقوى، السبع
أم القرش؟
كان الطفل يبدو متحمسا للموضوع. ربما كان يتصور، أمام عينيه، كل سؤال
وكل جواب قصة مصورة وينتصر لأحد شخوص الحكاية.
انتبه
الأب للأمر فأجاب على السؤال بسؤال آخر:
-وكيف لأحدهما أن
يتفوق على الآخر وكل يعيش في مملكته؟ السبع في الغاب والقرش في البحر. وحتى
إذا ما حاول الواحد منهما أن يغير على الآخر مات اختناقا إما على التراب،
إذا كان قرشا، أو داخل الماء، إذا كان سبعا.
ابتسم
الطفل راضيا وظل ينظر إلى البحر بإكبار وسأل:
-وماذا هناك في
البحر؟
-الحياة.
لم يفهم الطفل قصد أبيه فاستدرك الأب الموقف:
-يوجد في البحر نفس
ما تراه على البر حولك، يا ولدي: الجبال والهضاب والوديان والأغوار
والأشجار والأحجار والنباتات والضياء والظلام... إن الحياة هنا، في البر،
تقابلها حياة موازية في البحر. وحيوانات البر تقابلها كذلك أسماك في البحر.
-وهل تتسع كل هذه
التضاريس والأحياء والأشياء داخل البحر؟
-ما يوجد في البحر
أكبر حجما وأكثر تنوعا مما يوجد في البر.
ضيق الطفل عينيه وهو ينظر بعيدا إلى الأفق:
-ولكن سطح البحر
سطح هادئ بلا نتوءات ولا رؤوس تطل ولا ذيول تخبط في الماء!!!
-لايغرنك السطح،
ياولدي.
رفع الأب بكفه وجه طفله الصغير إلى الأعلى وقال له:
-هل ترى تلك القبة
الزرقاء الهادئة؟
-السماء، يا أبي؟
-تلك سماؤنا وسماء
السباع. أما سطح البحر فهو سماء الأسماك والقروش.
ثم بعد فترة، أضاف:
-إذا خرج البحريون
عن سطح البحر، سمائهم، اختنقوا وماتوا. وإذا نحن البريون أطللنا برؤوسنا
خارج سماءنا، احترقنا ومتنا!
ثم استطرد:
-لكل، يا ولدي،
سماؤه. هناك أشكال من العوالم وأشكال من المخلوقات وأشكال من طرق التفكير
وأشكال من سبل العيش... هناك اختلافات لانهائية في هذه الحياة. وهذه
الاختلافات هي سر الحياة الكبير ونبع غناها الأكبر. ولولاها ما كنا
لنستمتع بهذه اللحظة وبهذه الوقفة على هذا الجمال الذي سيجعلنا نعود للبيت
أكثر تجددا وأكثر سعادة.
كانت الشمس قد بدأت تسحب بساطها المضيء عن سطح البحر وتختفي رويدا
رويدا في الأفق بين السماءين حين شعت السعادة في جوارح الطفل وهو يعلن من
وحي اللحظة الملهمة:
- الحياة رائعة، يا
أبي!
قالها وهو يضم يده إلى يد أبيه: الأب ينظر إلى السماء والطفل إلى
البحر.
العرائش، بتاريخ: 27 يوليوز 2005
أضيفت في
03/12/2005/ خاص القصة السورية
طائر الربيع
" انظر إلى كل شيء كما كنت تراه إما لأول مرة أو لآخر مرة. آنذاك ستصبح
حياتك على الأرض مليئة بالسعادة".
بيتيه سميت
Betty Smith
في سطيحة هذه المقهى، ربيعا، لا أطلب غير الشاي. وأستمتع بالنادل
يحمله لي في إبريق صغير يطل النعناع العطر من فمه. حتى إذا وضعه على
المائدة قبالتي، رفع يده إلى الشجرة فوق رأسينا وأقتطع منها زهرا طريا
وأغمسه لي في الإبريق وانصرف.
عندما يحل الصيف وتكبر الشمس وتقترب، تدب الحماسة في المتحفظين
والحذرين وتشتعل الروح في الأحياء وتنتفض الأجساد على جنبات البحار
والانهار والوديان. آنذاك، أحب اللون الأصفر، لون الطاقة والحيوية
والتجدد... وأشعر بالإنتشاء .
وعندما يحل الخريف وتتساقط الأوراق والبتلات وتهب رياح التغيير،
وتنخفض السماء الرمادية بثقلها لتحاور الحقول والوديان.آنذاك، أحب اللون
البني: لون التغيير...وأشعر بالتجدد .
وعندما يحل الشتاء وتتساقط الأمطار وترتوي الأرض وتمنح حرية التعبير
لصغار الفلاحين فيتنبؤون بمحصول الزراعة ويقارنون الغلات الممكنة بالغلات
الفائتة... أشعر بالحرية.
ومع حلول الربيع، يحل الجمال في كل مكان: النحل والورد والعصافير
والخضرة والدفء وصغار الحشرات وكبار الحيوانات وضعاف النباتات...كل يعانق
حبيبة أو تتودد لحبيب وتترجى ذرية .كل يلتحف بالخضرة ويتواصل بالأخضر.مع
الربيع تضحى الحياة خضرة على خضرة وأشعر بالانبعاث، بالولادة من جديد.
الأرض تنبض بالتغريد والشدو. السماء تومض بالأجنحة الحية : الخطاطيف،
رسل الحرية والتغيير، تحلق في كل مكان. لا يمكنك أبدا التكهن باتجاه
طيرانها.إنها تنطلق ذات اليمين وذات الشمال، تسرع الإيقاع وتبطئ، تغير
اتجاهها كما تريد، فرحة بالانبعاث...
الناس هنا يقدسون الخطاف ويحرمون صيده أو حتى طرده من سقوف بيوتهم.
والنتيجة أن الخطاف يستمتع بالربيع حتى آخر ليلة. يحلق دون خوف. يطير دون
قيود ويحط على الأشجار، على حبال الغسيل، على الأسلاك الكهربائية ويبصق على
رؤوس المارة ورواد المقاهي،على السطيحة، تحته ويظل ينتظر منهم رد فعل ما من
نوع ما. لكن الناس تكتفي بمسح رؤوسها بأكفها وتبتسم حين ترفع عيونها إلى
الأعلى وتتأكد أن الأمر لا يعدو كونه بصق الخطاف، طائر الربيع.
القصر الكبير، بتاريخ: 4 أبريل 2005
أضيفت في
05/11/2005/ خاص القصة السورية
حفل راقص
'' الكثير من الناس يضيعون نصيبهم من السعادة، ليس لأنهم لم يجدوها، ولكن
لأنهم لم يتوقفوا للاستمتاع بها''.
ويليام فيذر
William Feather
البوليس يطوق المكان حفاظا على الأمن العام.
باب قصر المهرجانات الضخم أغلق وفتحت بويبة صغيرة في الجدار يقف
شرطي في مدخلها: يتسلم التذكرة من يد الزائر، يقطعها إلى نصفين، يحتفظ
بالنصف ويعيد له النصف الثاني ثم يقتحم جسده تفتيشا وتلمسا ودلكا... حتى
إذا لم تصادف يداه وخزا معدنيا تحت لباس الزائر دفعه بقوة إلى داخل البويبة
ليتفرغ للزائر الموالي في الطابور الطويل المنتظر على يسار الشرطي لولوج
الحفل الذي سيبدأ بعد أربع ساعات...
داخل قصر المهرجانات، الباعة أكثر من الزوار. أغلب الباعة أطفال
يبيعون الشاي أو القهوة الجاهزة والشطائر المحشوة بالبيض والبطاطس المقلية
والليمونادة بثلاثة أضعاف ثمنها خارج السور. لكن الناس والباعة تتصايح
وتتنادى وتتبادل المال والشطائر والشكر واللاشكر على واجب...
موسيقى أولية صاخبة اندفعت دون سابق إشعار من الأبواق الضخمة على
المنصة حيث لازال التقنيون يرتبون الآلات الموسيقية وخيوط المايكروفونات
ومصابيح الإنارة. لكز أحد الزوار صديقه لمصاحبته لحلبة الرقص لكنه لم يلق
تجاوبا:
-لم تبدأ السهرة بعد. هذه مجرد شريط موسيقي مسجل لملء الفراغ ريثما
تحل الجوقة الموسيقية ويكتمل التجهيز على المنصة وتمتلئ المدرجات والكراسي
بالعدد المتوقع من الزوار...
اقتنع الآخر وجلس يوقع برجله على الأرض متوترا أو مستمعا بالأغاني
الصاخبة التي تغرق ضجيج الأطفال وهم يجرون في الحلبة والممرات وصياح الباعة
وهم يتسلقون المدرجات بسطول الليمونادة الدافئة وسلال الشطائر الباردة
يتخطون الزوار الجالسين الذين أنفقوا ما كان لديهم على تذكرة الدخول وجلسوا
ينتظرون العرض بصبر غير مشكوك فيه ...
على المنصة، اقتلع احد التقنيين المايكروفون لاختباره :
-" آلو!...آلو!... أيوا... أيوا!... واحد!...واحد!..."
أحد الجالسين ذكرته العبارات الشذرية للتقني بخطابات الساسة والحكام
ومحترفي السياسة، فصاح مقلدا:
-" أيها الشعب الأبي!... أيها الشعب الأبي!... واحد!...
واحد!...تست!... تست!... أيها الشعب الأبي!... "
بعض مجالسيه من المخمورين استلقوا على ظهورهم من الضحك بينما أخفى
الصحاة واليقظون وجوههم بين أكفهم خوفا من عنف أو تعنيف هم في غنى عنه وهم
يتهامسون:
-الويل له! سيفسد لنا السهرة! حتما، سيفسدها...
بعضهم قام ليغادر المكان في اتجاه مكان آخر على مدرج آخر بينما
انتفض الباقون على إيقاع أول أغنية للجوق الذي حل بالمنصة للتو.
فيضان الحركة يتماوج في كل المدرجات. الحلبة تتماوج بالراقصين
الهائجين، الممرات حبلى بالراقصات الخجولات من العيون الناقدة، والمدرجات
ملآى بالعجائز والمعطوبين وضعاف البصر والأقزام الذين يحرسون مقاعد ذويهم
من تطاول التائهين والقادمين الجدد وكل من استحال عليه الحصول على موطئ
أست...
على الحلبة، الكل يرقص والكل يدور حول ذاته ويوقع إيقاعات تختلف عن
إيقاعات الجوق وباقي الراقصين. النساء تراقص النساء، والرجال يراقصون
الرجال. النساء تعانق النساء والرجال يعانقون الرجال والأطفال تائهون عند
أقدام الجنسين معا...
أحدهم خرق قانون الرقص العمومي وتقدم للرقص مع فتاة قبلت مصاحبته
للتو، تحت أنظار ساخطة تحاول إيجاد تصنيف ساقط للفتاة السهلة ولكنها تترفع
عن تصنيف الفتى الذكر: لأنه ذكر...
الفتاة والفتى يرقصان مستمتعين بالإيقاع واللقاء. الفتى يوقع برجليه
ككل الرجال، والفتاة تعتصر ردفيها ككل النساء وتغني النص الكامل للأغنية
التي لا يحفظ منها الفتى غير اللازمة التي ينتظرها بفارغ الصبر كي يلتحق
بهاشاديا:
زيديني عشقا، زيديني
يا أحلى نوبات جنوني
زيديني...
فيندمج مع اللازمة حتى يخرج عن ميزان الرقص لكن الفتاة تعيده إلى
الميزان بمجرد لمسة وابتسامة على إيقاع سعيد وكلمة حلوة لمغن صار أحلى وهو
ينادي عموم الراقصين:
-" لنرقص! فليس لنا غير هذه الليلة. لنرقص! فغدا سنمر أمام باب قصر
المهرجان المقفلة وستقشعر جلودنا لتذكر هذه اللحظة السعيدة. لنعش سعادة
ليلتنا هذه بعيون ومشاعر الغد … فلنرقص، ولنستمتع بالرقص !"
السعيدية، بتاريخ: 16/08/2004
فخامة
السيد الرئيس الحبيب الحي ديما
"ليس هناك إنسان، في تاريخنا البشري، عاش حياة بدخ ورخاء استحق اسمه
التذكر والتذكار."
تيودور روزفلت
Theodore
Roosevelt
" حاز ليلة أمس الأستاذ سيف الدولة الحبيب الحي ديما على الجائزة
الكبرى لفخامة السيد الرئيس الحبيب الحي ديما لهذه السنة في حفل بهيج حضره
معالي السيد الوزير معاوية الحبيب الحي ديما وحضرة السفير نظام الملك
الحبيب الحي ديما والناطق الرسمي باسم البلاد السيد عبد الملك الحبيب الحي
ديما.
وقد نال الأستاذ سيف الدولة الحبيب الحي ديما جائزته تحت تصفيق عاصف
من إعجاب عموم الجمهور وكبار رموز الدولة وهو ما أثر نفسيا على الأستاذ
الحائز على الجائزة الكبرى خلال إلقائه كلمته بشأن اختياره لنيل الجائزة من
خلال بحثه الرائد المعنون " التبرك باسم فخامة رئيس البلاد ضرورة لتنمية
الاقتصاد وتوحيد وجهات العباد " قبل أن يجهش بالبكاء ويرفع يديه متضرعا لله
أن يحمي فخامة السيد الحبيب الحي ديما من مكروه يترصده ويترصد البلاد."
وضع الزبون الأجنبي الصحيفة المحلية المكتوبة بلغته الأم على
مائدته. رشف رشفة سريعة من كوب قهوته. نادى على النادل. وضع في يده بضع
دريهمات ثم انصرف تاركا النادل وراءه يسمع للمتبقين من الرواد ممن لا يدفع
له البقشيش كرم الأجانب وشح ذوي القربى.
عند منعطف الشارع، رفع الرجل الأجنبي يده لسؤال أحد المارة من أبناء
المدينة:
-من فضلك، أين يمكنني أن أجد مؤسسة فخامة السيد الرئيس الحبيب الحي
ديما للثقافة ؟
توقف الشاب . حك صدغه بسبابته. تذكر، أخيرا، قن المسار ثم :
- واصل سيرك على هذا الشارع، "شارع السلطان عبد الملك "، ثم انعطف
يسارا على " شارع نظام الملك"، بعد مئتي متر. ثم در يمينا على " شارع
الخليفة معاوية "، ثم يسارا على " شارع سيف الدولة "، ثم يمينا على " شارع
الملوك الثلاث "، ثم يسارا على " شارع الوزير جعفر البرمكي"، ثم يمينا على
" شارع الوالي عمرو بن العاص"، ... ثم يسارا على... ثم يمينا على...
قاطعه الأجنبي وقد اختلط عليه الحابل بالنابل ونسي كل الاتجاهات
وضاع في سيل أسماء الأباطرة والسلاطين والأمراء والرؤساء والزعماء والقواد
والولاة ومحترفي السياسة والتسيير:
-اعذرني، لقد تعطلت ذاكرتي بسبب كثرة الأسماء والشوارع ...
-ليس في الأمر مشكلة. مدينتنا مترامية الأطراف وشوارعها كثر ...
-أليس في بلادكم علماء ومفكرين وفنانين ورياضيين عظماء ؟
لم يفهم ابن البلد دلالة السؤال، فأجاب عن السؤال بسؤال مواز :
-لماذا ؟!
تأمله الأجنبي برهة ثم أضاف لمنظومة الأسئلة قطعة استفهامية جديدة:
-هل لديك إخوان أو أبناء أو أقارب ؟...
-نعم.
-ما هي أسماؤهم ؟
-عبد الملك، معاوية، سيف الدولة، نظام الملك...
اندهش الأجنبي :
- حتى في أحلامكم وداخل قرارة نفوسكم وفي أعماق بيوتكم؟!...
انتبه ابن البلد أن الأجنبي مشبوه فيه وأنه مدسوس وأنه عميل
استخباراتي يحاول التجسس عليه وأنه لا نية له في معرفة شارع أو ساحة...
فعلت الصفرة وجهه وبدأ الارتعاش يتمكن من أوصاله فوثب وثبة كاد يسقط عقبها
ثم انطلق جريا هاربا من أسئلة الأجنبي فبدت جريته هجينة رخوة توحي للناظر
بثقل الأسماء الكبرى على هيكل الأجساد المنهكة في سعيها نحو طوق
النجاة.
موسم الهجرة إلى أي
مكان
" اسم جدي: رحال ..
اسم أبي: رحال...
اسم أمي: (...)
أسماء تعني العنف والألم.. وعدم الاستقرار... هكذا كانت طفولتي..."
العربي باطمة
" الرحيل"
الكتاب الأول من السيرة الذاتية، ص، 9
سبح الشيخ بنظره فوق جحافل المنتظرين لصفارة الانطلاق لعبور البحر نحو
الضفة الأخرى.
تملكه إحساس بالهيبة. وجه نظره نحو الضفة الأخرى ثم همهم:
- " سبحان الله ! شاطئان متقابلان لا يجمعهما في الوجود شيء: واحد مأذبة
والآخر مجمر!"...
أوقف سبابته على الحبة الأخيرة من سبحته ليسأل الشاب الجالس وحيدا قربه
منهمكا في قراءة كتاب يبدو من انحناءة ظهره أنه سلبه كل اهتمامه:
-ألا زلت تقرأ وأنت على حافة الهجرة والموت؟
-أنا أقرا روائع الحكي: "ألف ليلة وليلة"...
-وما معنى الروائع أمام المغامرة التي ننتظر جميعا انطلاقها؟
-سر ألف ليلة وليلة يكمن في قدرتها على جعل الانتظار أهون وأسهل، من خلال
الحكي...
-إذا كان الأمر كذلك لمذا لا نحكي ونهون الانتظار ونتعارف ونتقارب أكثر؟
التحق بهم آخرون كانوا يسترقون السمع ففضحهم اندفاعهم:
-نعم، ليحكي كل منا ظروف وأسباب ودوافع إقدامه على الهجرة.
-فكرة رائدة وسأكون انا البادئ إذا ما وعدتموني بالإصغاء.
-كلنا آذان لكن تذكر أمرا هاما وانت تحدثنا.
-وما هو هذا الأمر؟
-تذكر أنه ليست معنا سلطة تخيفك أو تسجل أقوالك. فكل المنصتين إليك مهددون
بالموت غرقا خلال هذه الرحلة. فلا تخف فضيحة أوتشهيرا من أحد. وكن ، وأنت
تحدثنا، كمن يحتضر وهو يرى امام عينيه الحقيقة التي ظل يؤجل مواجهتها طول
حياته...
-شرطكم مقبول، يا رفاقي في الغرق. وهذه قصتي...
حديث المهاجر من وطن الممثلين:
الوطن صار مسرحا لأسوء أنواع الممثلين. الناس أميون ويمثلون دور الآباء
المسؤولين ويأخذون أبناءهم للمدارس. المدرسون يمثلون دور المربي والمعلم
والمنشط. والتلاميذ، منهكين بالمحافظ الثقيلة وساعات الدرس الطويلة
والمسافات البعيدة بين المدرسة والبيت، يمثلون دور النجباء المتجاوبين مع
الدرس. والتلفاز يذيع نتائج الامتحانات ويمثل دور المطمئن لتطور مستوى
أبناء الشعب. والشعب مريض والأطباء يمثلون دور المعالج. والمحسوبون أقارب
يمثلون دور المواظبين على زيارة القريب في المشفى. والمرضى يموتون ويحملون
إلى ديارهم في سيارات يمثل بها سائقها كسيارة إسعاف. ويخرج أفراد عائلاتهم
يصرخون ويندبون ليمثلوا دور المنكوب...
تمثيل في تمثيل في تمثيل... وأنا في حاجة إلى العيش ولو ليلة بعيدا عن هذه
الخشبة الكبيرة. لذلك ، فقراري الرحيل قرار لا رجعة فيه.
حديث المهاجر من وطن المنفى:
الاغتراب والمنفى كلمات تتكرر في معاجم الدنيا وتثير في كل مرة الحنين إلى
الأصل، إلى الوطن، إلى الأمل.
لكن أشنع أنواع الاغتراب هو أن تعيش غريبا في وطنك: حرا طليقا لكن لا أحد
يعترف بجهودك، منفيا بين والديك وزوجتك وأبنائك وأقاربك وجيرانك... أن تعيش
منفى الوطن بين أناس لا يتذكرون اسمك ولا يحتاجون معونتك ولا يرون في وجودك
جدوى. هنا، أعلى درجات الاغتراب والنفي وأنا هارب منه.
حديث المهاجر من وطن حاسة السمع:
هنا أرض العمى. هنا أرض الآذان الطويلة. لا احد يرى. الكل يشغل حاسة واحدة:
اسع. والويل لمن أصابته بحة أو فقد صوته!
هنا الكل يسمع لأن الكل هنا مغمض العينين.
هنا، لا مكان للصمت والسكينة والتأمل والإنصات للذات...
هنا، لا مكان لأمثالي. ولذلك لا مناص لي من الرحيل.
حديث الطفل المهاجر من تسلط الكبار وظروف الكبار:
لا أفهم كيف يسول والدي لأنفسهم أن يرسلوني للمحطة الطرقية بصندوق وكرسي
لمسح أحذية الغرباء والمسافرين. يأخذون مني محفظتي ويسلمونني صندوق مسح
الأحذية:
- " هاك، يا ولدي، سير ترزق الله!"
هل أبواب الرزق موصدة إلا هذه الباب: مسح الأحذية؟ أصدقائي في المدرسة
صباحا، وفي معهد الموسيقى مساء، وفي دار الشباب أيام عطلة نهاية الأسبوع،
وفي الرحلات أيام العطل الكبرى... وأنا " سير امسح الصبابط!"
الإهانة !
وممن؟ !
من والدي…
أنا فكرت طويلا في الامر: فإذا كانت الإهانة هي كل ما يوجد هنا، فلماذا لا
أجرب العبور إلى الضفة الأخرى لأحيا حياة أخرى؟ !
حديث المهاجر من وطن "كان" وأخواتها:
هنا أرض ال" كان". الناس هنا يعيشون على الذكرى والأمس والعلاقات البائدة.
الناس هنا تخلد الوهم وتقدسه. لا أحد ينظر إلى الأفق. لا أحد ينظر إلى
أجنحة الطيور وهي ترسم حروف السعادة الغدوية. لا أحد يحلم. هنا، الحلم نكتة
. وأنا غير مستعد لأضحك غيري بأحلامي. ولذلك، أنا الآن اطلب الرحيل.
حديث المهاجر خوفا من "الانقراض":
في أوطان الناس الذين سبقونا في سلم التطور: إذا كنت تمتلك عقلا فإنك ستعيش
عليه. وإذا كان عندك صوت جميل، فستعيش عليه. أو كانت عندك سواعد قوية ستعيش
عليها. أو كانت عنك قدما ساحرة، فلسوف تعيش عليها...
أما هنا، فوالله لو توفرت فيك كل الشروط وكل القوى وكل المواهب، لوجدت نفسك
تسابق أراذل القوم لتمد يدك ولسانك وأعضاءك الأخرى توسلا لمن احتكر كل شيء
كي يستمتع بهذا المنظر: منظر زحف جحافل المتسولين نحو يده العليا التي تبقى
إلى الأبد خير من اليد السفلى...
قانون البقاء يخيرنا بين الانقراض في المحيط الأصلي أو الهجرة إلى محيط
جديد يكفل سبل النمو والبقاء.
أما أنا فقد اخترت الهجرة إلى المحيط الجديد . وها آنذا أعد الدقائق للعبور
الكبير.
حديث المهاجر من وطن "الغفلة":
لق احتملت أكثر من اللازم الحياة في أرض "اضرب على راسك!" و"الله يجعل
الغفلة ما بين البايع والشاري" و "برق ما تقشع!" و "القانون لا يحمي
المغفلين" ولو أن نصف العباد أميون والنصف الآخر تحت مستوى الفقر...
الشعارات تلو الشعارات والناس تلوكها اتباعا، دون ملل ودون وعي. الناس تلوك
الشعارات القاتلة التي لا تؤمن بها لا سباع الطير ولا سباع البر ولا سباع
البحر... وأنا لست مستعد للتعايش وقتا أطول مع سباع الإنس. أنا، هنا، أطلب
النجاة بجلدي. أنا، هنا، أطلب الرحيل الكبير.
حديث المهاجر الهارب من سلطة المنبطح:
السلطة توجد حيثما وجدت علاقة غير متكافئة بين طرفين. وأهم تجلياتها: الفعل
والخضوع. السلطة هنا ليست هي سلطة الدولة أو سلطة الرأسمال أو سلطة القبيلة
أو سلطة العرق... إن السلطة، هنا، هي سلطة المنبطح: قاتل الأنبياء
والفلاسفة والمبدعين والزعماء والمحررين...
فحيثما بزغ شعاع جديد بنور جديد، خرج المنبطح بشعاراته وتهديداته:
-" فين حدك؟ "
- " باراكة علينا من سخونة الرأس؟"
- " ما خصنا صداع مع أحد!"...
ولأن سلطة المنبطح خفية،
ولأن المنبطح يبطش ويفتك بوحشية لا يمكن مقارنتها بأي من رموز السلطة
الأخرى،
ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت المنبطح...
فقد قررت الهجرة الكبرى.
حديث المهاجر من وطن الهجرة الدائمة:
هجرة أم تهجير؟
أنا لم أختر هجرة أرضي لولا الجفاف والقروض والحياة دون ماء أو كهرباء
بعيدا عن المشفى والصيدلية والحمام والمدرسة والمحطة والسوق...
في البداية، هاجرت وأسرتي الصغيرة إلى أقرب مدينة صغيرة مجاورة واكترينا
بيتا صرنا نعمل جميعا من أجل تسديد متطلباته من ماء وكهرباء وإصلاح...
ثم هاجرنا إلى مدينة أكبر في جنوب البلاد حيث صرنا نسكن في مقر عملنا
فأصبحت حياتنا عمل في عمل حتى بيعت الشركة ونحن ضمن بنود عقد بيعها إلى رب
عمل جديد سرعان ما أعلن إفلاس الشركة وألقانا إلى الشارع وأغلق عليه باب
الشركة.
بعد ذلك، هاجرنا إلى مدينة أكبر في الشمال حيث اشتغلت " دفاعا " في غرف نوم
البدينين من أثرياء المدينة الذين صعبت البدانة قدرتهم على الاستمتاع
بالجماع ...
ولأنني تنقلت في كل دوائر الهجرة من نواتها في الأرياف إلى أقصى اتساعاتها
في كبريات مدن الشمال، فإنني أجد نفسي الآن منساقا إلى الدائرة الكبرى
والهجرة الكبرى...
حديث المهاجر من وطن الإرادة المصادرة:
الناس هنا بلا إرادة.
المشعود والساحر يمنح الإرادة للسذج والغفل والبله من الناس...
شيخ القبيلة يمنح الإرادة لبنات وأبناء قبيلته ...
رئيس الحزب ومالك مقراته والممسك بمفاتيحه يمنح الإرادة لمناضليه...
الإرادة التي يمكنها إحالة الإنسان إلى قوة بناءة أو مدمرة، هي، في الأصل،
ملغاة. وأنا لا احتمل الحياة مع الدمى والعرائس.
كيف يمكنني أن أغير رأيي وأنا أشاهد بأم عيني كيف يصادر عراب الحزب حرية
مناضليه ويحيلهم إلى أدوات بشرية تلوك ما حفظ لها من مبررات الطاعة:
الظرفية غير المناسبة، الانضباط لقرارات الحزب، التاكتيك المرحلي...
وكيف يمكنني أن أغير رأيي وأنا أشاهد بأم عيني كيف يحيل عراب الحزب
المناضلين إلى مجرد خشيبات تصنع المعادلات، إلى مجرد أرقام للمزايدة في
لحظات البيع بالمزاد العلني أو السري... وكيف يحيل عراب الحزب المناضلين
إلى مجرد رهائن "ضاربين الصف" في دكاكين سياسية صغيرة الحجم، ضيقة الأفق،
تفتح أبوابها على دورات أولمبية يتدفق خارجها المناضلون/ الرهائن بلافتات
طويلة ومناشير كثيرة وحماسة يجهل المناضلون/ الرهائن جدواها وبرامج سياسية
مقتبسة بتصرف عن قصص "كليلة ودمنة" ...
كيف يمكنني أن أغير رأيي وأنا أرى بأم عيني الدمى دمى والعرائس عرائس؟
إنهم يسمون العمل المافيوي عملا سياسيا، والعصابة حزبا، والعراب أمينا
عاما، والاختطاف استقطابا، والرهائن مناضلين، ولا حق للرهائن في الحرية
الفردية...
فاشهد اللهم أني قد قلت وتطهرت قبل أن ارحل وأغيب.
حديث المهاجر من وطن " الانتحار":
هنا، كل شيء غال ما عدا حبال الشنق والأحزمة الناسفة وحقن السم. كل شيء
غال: الفواكه واللحم والسكن والكتب... وأنا أريد أن أحيا. أنا عاشق للحياة.
ولذلك، أنا راحل إلى حيث تشرق الشمس ولا تغيب. أنا راحل إلى حيث الإنسان هو
أغلى كائن وكل الباقي في المتناول.
حديث المهاجر من ثقافة "حالة الطوارئ" :
حالة طوارئ. الحياة والموت في ظل حالة طوارئ.
لم أعد أطيق حياة كهذه: جمود في جمود وتحفظ في تحفظ وخرس في خرس.
أعياد باردة يتصافح يومها الناس على عتبات البيوت، يغلقون الأبواب ثم يجلس
الأب وزوجته وأبناءه يشربون الشاي ويأكلون الحلوى أو أمام المجمر يشوون
اللحم السنوي. وفي المساء، بعد العصر، يبدأ طواف الشارع الرئيسي للمدينة في
صمت: الإناث مع النساء، والأولاد مع الرجال. وقبل العشاء، ينتهي الطواف
ويبدأ الانسحاب على أمل طواف آخر في عيد آخر...
أما في الحفلات، فأجواق موسيقية باردة تعزف لمدعوين ساهون. وفي جهة الحريم
نساء تكترين لباسا جديدا أو باذخا وتهمس في آذان بناتهن أن يتحلين بالتعقل
والحكمة والرزانة. وحتى إذا ما رقصن فليفعلن ذلك بأكتافهن وأرجلهن لأن بعض
النساء الحاضرات جئن خصيصا للبحث عن زوجة لأبنائهن وهن يفضلن البنت العاقلة
الرزينة الثابتة ولا يحبذن البنت اللعوب التي لا تكل من الرقص والضحك
وتجاذب أطراف الحديث مع أي كان ... والنتيجة هي ان كل الحفلات، في هذه
الأرض، هي حفلات باردة لدمى باردة تسيرهن أمهات مقاولات ...
برود في برود. وأنا أبحث عن دفء إنساني ينبعث من دفء قيمي.
هنا، أنا لم أجده. والآن، أنا مهاجر في سبيل البحث عنه.
حديث المهاجر من جحيم " التحريم ":
الجميع يتسابق ليحرم ويمنع ويبطل حواسك وعقلك فلا تنظر ولا تسمع ولا تلمس
ولا تشم ولا تذق... حتى إذا ما أصابك الشلل الكامل، تكالبوا عليك ليحددوا
لك ما يسمح رؤيته وما يباح سماعه وما يحل لمسه وما يمكن تذوقه وما يستحسن
شمه وما يليق الفكير فيه...
هنا ثقافة التحريم. كل الناس تتسابق على تحريم هذا أو تحريم ذاك. الجميع
يحرم ومن لم يحرم شيئا فهو لا زال يؤسس لصياغة مقبولة لتحريم شيء لم يخطر
على البال.
كل النقاشات والدردشات والفرفشات حول الحرام والمحرم والتحريم...
تحريم في تحريم. لاءات في لاءات... وأنا متعطش للاستماع ببراءتي
وطفولتي.
حديث المهاجر من أرض "الإرهاب الوجودي":
أنا لست مهاجرا. أنا هارب بأعضائي.
لم تعد لي سوى كلية واحدة أصبحت أخاف عليها من طمع الطامعين. أدخل بيتي قبل
غروب الشمس. حتى إذا ما خرجت من البيت حرصت على صحبة الناس وسلكت المسالك
المأهولة. أخشى أن أختطف وتسرق مني كليتي المتبقية. خوفي صار وسواسا
قاتلا، مرضا مزمنا...
لقد سرقت كليتي في إحدى العيادات. ولسرعة العملية، نسي الجراح المقص في
معدتي. لكنها مجرد خدعة كي أعود إلى المشرط مرة اخرى، بعد فترة النقاهة،
وأضع بين أيديهم كليتي الثانية أو إحدى خصيتي...
الإنسان، هنا، ينظر إليه كمجرد سلة أعضاء بشرية، مجرد قطع غيار وأنا أبحث
عن مكان آمن، عن وطن آمن... وأنا مهاجر بحثا عن وطني ضالتي.
حديث الكاتب المهاجر من وطن صناعة الأمية:
لمن أكتب؟
من هو القارئ الذي سأتوجه إليه؟
العمال والفلاحين الأميين؟
أم الطلاب المنهارين؟
أم العاطلين الذين لا يملكون لا فلس ولا غد؟
أم الموظفين أسرى ومثلث العمل والسوق والشباك الأوتوماتيكي؟
أم أرباب العمل الذين نزل عليهم من السماء إلهام مالي دون إلهام معرفي؟
أم أكتب لنفسي؟...
ثم لماذا أكتب؟
أأكتب لتجديد نظام العالم؟
أأكتب عن الحرية والعدالة؟
أي قيمة للحرية في مجتمع يحكمه الخوف من الفتنة؟
أي قيمة للعدالة في مجتمع ابتكر الرشوة للقضاء على كل العراقيل الإدارية ؟
ثم أين سأضع كتبي؟
على الرفوف البعيدة العالية في مكتبات كتب السحر الأحمر والأسود والأبيض؟
أم في دواليب المكتبات المدرسية تحت المساطر والأقلام الرصاص والأقلام
الملونة والدفاتر والطباشير؟
أم عند الأكشاك بين مرجوعات صحف الأسبوع الماضي؟
أم على جنبات الرصيف مع صور الفنانين الملونة والمجلات الإيروسية؟
أنا حددت وجهتي: سأهاجر لأتنفس هواء القيم النبيلة والثقافات المتعددة
والتاريخ غير المخصي وأتصالح مع ذاتي وجذوري وأكمل ديني/ حريتي..
حديث المرأة المهاجرة من التحرش:
الرجال ؟ أنا عرفت تسعة رجال.
ثلاثة ماتوا بين احضاني، وثلاثة طلقتهم، وثلاثة طلقوني... ومع ذلك، يعتقد
بعض الرويجلين أنني محرومة وأنني قد ألين مع الوقت ومع الاستئناس بعباراتهم
البائدة.
على مدار الساعة، أتعرض للتودد الذي يخفي تحته رسائل بأنني غير مصونة لأنني
بلا رجل، غير محترمة لأنني بلا رجل، غير محمية لأنني بلا رجل...
وأنا الآن بينكم مستعدة للهجرة الكبرى إلى حيث يحترمني الآخر لذاتي وليس
لوجود ذكر بجانبي.
حديث السياسي المهاجر من "سياسات اللعب":
لما انخرطت في العمل السياسي فقد فعلت ذلك لأجل العمل: العمل السياسي
والعمل النقابي والعمل الحقوقي والعمل الثقافي... وقد كنت أشعر بامتلاكي
لرأسمال رمزي يخول لي الدفع بمشاريع العمل إلى الأمام...
لكنني بدأت أشعر في أوج ممارستي بأن الأمر في تحول مستمر. فما كان "عملا"
صار مجرد "لعب". وما كان جدا صار مزاحا خالصا. وصار الناس يلوكون معاجم
ممسوخة دون علم بأن المفاهيم الممسوخة تنتهي بمسخ أصحابها. وصار الجميع
يتحدث عن اللعبة السياسية واللعبة الانتخابية واللعبة الديموقراطية...
وربما تحدثوا مستقبلا عن اللعبة النقابية واللعبة الحقوقية واللعبة
الثقافية واللعبة الدينية... إلا أنني لا أريد أن أجايل جيل المسوخ القادم.
ولذلك، عزمت على الرحيل: لا بديل لي عن الهجرة.
حديث الطالب المهاجر من التلاعب بالإرادات:
لم أعد أفهم.
نجمع الوثائق ونحضر قاعة الامتحان لاجتياز مباراة، فينجح الذين غابوا عن
الامتحان.
نعبئ الجيران على التصويت لهذا المرشح، فيفوز في الانتخابات ذاك المرشح
الذي قاطعه الجميع.
نفتح التلفاز لمشاهدة برنامجا مقررا سلفا، فيمرر مكانه نشاط مختلف رديء
مباشر بالصوت والصورة والتعليق وال...
ولأنني لا أعرف ذاك الاختيار الذي يمكنني تبنيه دون إفساده من احد، فقد
قررت الرحيل إلى حيث تحترم الإرادات ولن يثنيني عن قراري أحد.
حديث المقاول المهاجر خوفا على رأسماله:
هنا ندفع الضرائب، وهنا ندفع الرشاوي !
اجتمعنا في "رابطة المقاولين" وقلنا بصوت واحد :
ّ هذا لم يعد مقبولا: إما الضرائب أو الرشاوي. أرباحنا تذهب كلها إما إلى
خزانة الدولة أو إلى موظفيها. ولذلك، نحن نقترح استبدال مكاتب الضرائب
والجبايات بمكاتب الرشاوي والأتاوات."
وقع على هذه العريضة أزيد من ألف مقاول ثم أرسلناها للمعنيين بالأمر ثم
جاء الرد على الشكل التالي:
" الضرائب حق الدولة على المواطنين النشطين سواء كانوا شخصيات مادية أو
معنوية. أما الرشاوي فشغلكم. فدبروا أمركم مع أشغالكم لكن احترموا واجباتكم
اتجاه الدولة التي تحمونها وتحميكم"...
ليس لي من سبيل يمكنني اللجوء إليه لحماية رأسمالي. ولذلك، فقد قررت
الهجرة.
حديث المهاجر من أرض السجون:
لما كنت أسيرا، كنت أفكر بمنطق" هنا وبرا". هذه الثنائية كانت وحدها تحفزني
على مقاومة التذمر والاستمرار في الحياة إلى حين انقضاء تاريخ الأسر. لكن،
الآن، وقد خرجت، بعد كل هذه المدة الطويلة في ظلام السجن، لم أجد تلك ال"
برا " التي كانت تكون ثنائية التوازن النفسي والعقلي والوجودي في حياتي
داخل الزنازن...
أنا، الآن، أعيش بينكم، أيها المتمتعون بشهادات حسن السلوك، ولكن بعقلية
السجين.
إنني لا أرى ما حوالي غير مرافق لسجن عظيم حيث كل من حوالي مجرد سجناء
بؤساء حتى وهم تحت جلابيب العيد أو بدلات الاجتماعات فأنا لا أراهم يرتدون
إلا لباس السجناء.
فيوم الاثنين، أراهم يرتدون اللون الوردي. ويوم الثلاثاء يرتدون الأبيض
المخطط بالأسود. ويوم الأربعاء يرتدون الأصفر... ولهذا، أنا، هنا، بينكم
أنتظر عبور البحر إلى حيث يمكنني العيش حرا بين أناس أحرار.
صوت يغني:
" يا الرايح وين مسافر؟
تروح، تعيا وتولي
اشحال ندموا العباد الغافلين
قبلك وقبلي..."
انطباع شارد:
هل كنا نعيش كل هذا العنف فرادى ولا يعرف أحدنا شقاء الآخر؟
ياللإهانة!
لم يكن الواقع بهذا الوضوح في يوم من الأيام! لم تكن حياتنا مفضوحة بهذه
الدرجة لأننا لم نكن حميميين في تحايانا، ولا في كلامنا، ولا في خصامنا،
ولا في صداقتنا، ولا في جلوسنا ولا في فراقنا...
كنا منافقين. وكنا نؤدي الثمن أمراضا لا علاج لها: سكري وشلل نصفي وسرطان
وانهيار عصبي...
لم نكن نرى الواقع بهذا الوضوح لأننا كنا نخاف بعضنا البعض. كنا نخاف
انفضاح أمرنا... والآن عبد سقوط ورقة التوت عن الجميع، تخلصنا من قيم الخوف
والفضيحة.
الآن، ليس لدينا ما نخاف عليه لأننا جميعا عرايا...
يا للعار!
علينا أن نكفر عن جبننا. إننا لا نستحق هذه الأرض! إننا لا نستحق هذا
الوطن! لقد خذلناه بعشرة آلاف سنة من الوجود الجبان! وعلينا أن نفكر عن
خطيئتنا...
علينا أن نهاجر وألا نعود إلا بعد أن تصبح الشجاعة صفة وجودنا. علينا أن
نهاجر وألا نعود إلا بعد أن تصبح الحرية نظام تفكيرنا. علينا أن نهاجر وألا
نعود إلا بعد أن تصبح الكرامة غاية كينونتنا...
أيها الأصدقاء، ماذا تقترحون ونحن بين الصحاري والبحار: التيه أربعين عاما
في الصحراء أو عبور مجاهل البحار؟...
اقتراح:
كل شجعان التاريخ سلكوا طريق البحر. لكننا لا نملك عصا موسى لنشق البحر.
ولا عندنا سفن طارق بن زياد حتى نعبر بها البحر ثم نحرقها بعد الوصول...
نحن مجرد جحافل من المنبوذين لا نملك غير سواعدنا وأفواهنا: فما رأيكم لو
شربنا جرعة واحدة لكل واحد من هذا البحر؟ سيجف وسنعبر مشيا على الأقدام
وسنصل إلى الضفة الأخرى بسلام!!!
رد فعل الشجر والحجر:
أتذهبون حقا وتتركوننا لوحدنا؟!
هل هذا النوع من الهجرة قادر على تطهيركم فعلا؟!
إن كل من يهاجر يحمل معه ما هو هارب منه. إنكم تحملون معكم تناقضاتكم
وتناقضات واقعكم. إن من يهاجر بحثا عن تطهير سيقضي حياته مهاجرا من بلاد
إلى بلاد بحثا عن براءة غير ممكنة.
الهجرة الحقيقية هي هجرة سلبياتكم. إنكم مهاجرون بنفس القبضات الممكنة على
رقابكم. لن تتطهروا ولن تتحرروا وهجرتكم هذه هي فقط عقوبة إضافية لمعاناتكم
التاريخية.
كورال المهاجرين الفبروزيين وهم يشمرون عن سواعدهم ويفتحون أزرار قمصانهم
استعدادا لشرب البحر:
سنرجع يومـا الى حيــنا ونغرق في دافئات المــنى
سنرجع مهما يـمر الزمـان وتنآى المسافات ما بينــنا
فيا قلب مهـلا ولا ترتـمي على درب عـودتنا موهـنا
يعــز علينا غدا أن تعـود رفوف الـطيور ونحن هـنا
|