مأدبة
جوع عتيق يفترس
أمعائها ..وظمأ شديد يحرق جوفها .. ذهبت شمالا.. جنوبا.. غربا.. شرقا...
جلست على موائد عديدة لكنها لم تشبع ولم ترتو
تريد طعاما من
نوع آخر وشرابا مختلفا
-آه...ما
أجمل هذه لأرض ! لا بد أن أجد فيها ما يملأ جوفي
.
طبيعة خضراء...
لتحترق ... ماء عذب رقراق لا بد من تلوثه ... بيوت شامخة يجب أن تهدم ..
رجال أسود يحرسون المدينة من كل طامع بها ..يخيفونها إلى حد الرعب القاتل
ستعمل على قهرهم بقتلها النساء العزيزات والأطفال الأبرياء
.
حكام
هذه المدينة يتصارعون فيما بينهم ..كل منهم يريد أن ينفرد بالسلطة مما
جعلها تحلم بمأدبة لا مثيل لها
.
صديقتها
الوحيدة والتي تشبهها كثيرا سارعت تمهد لها الطريق للوصول إلى أهدافها
.
أحرقت الأرض ..
لوثت المياه ...هدمت المنازل ..قتلت الأطفال والشيوخ والنساء وأخذت تعد لها
العدة اللازمة للمائدة التي تريدها.
أما هي...
فعليها أن تفكر... كيف تقيم مأدبتها ؟؟؟
ومن ستدعو
إليها غير صديقتها الحميمة
.
ادعت
أنها حمامة سلام وأقامت مأدبة خاصة تمهيدا للمأدبة التي تحلم بها ...
أتحفتها بكل ما تملك من الحقد والكراهية ورشت عليها بهارات من المجاملات
التي ستحقق لها أهدافها
ثم وزعت
القبلات هنا وهناك على وجنات من أتخمتهم مائدتها ووعدتهم
بزيارتها
القادمة أنها ستقدم لهم هدايا لا مثيل لها
جالت في
المدينة تتفرج على معالمها شعرت أن غولا كبيرا قد تحرك بداخلها وعليها
إشباعه قبل أن يفترسها . ثم غادرت
ترى كيف ستكون
هداياها؟؟؟
وهل ستشبع
الغول الجائع والمتعطش الذي يسكن داخلها ؟
عينت المكان ..
حيث التجمع الأكبر للحوم الطرية التي تشتهيها وألقت
بألعابها
الذكية
مزقت جسد
الأطفال إلى قطع وشوتها بنيران الحقد والكره ثم أقامت مأدبة لا مثيل لها
دعت إليها صديقتها وحلفائها.. و.جلست تتلذذ بمضغ لحومهم الطرية ... وتشرب
كأسا من دمائهم الطاهرة ثملت ورقصت طربا على أنغام لؤمها .. ثم وعدت
ضيوفها بموائد أكبر وأشهى
أضيفت في
18/05/2007/ خاص القصة السورية / المصدر الكاتبة
هيا إلى الخلود
يحترقُ الزمنُ أمامَ عينيها .. يخترقُ أجسادَ الرجالِ والنساءِ
والأطفال .. يركضُ مسرعاً مخلفاً في الذاتِ القلقَ والإحباط .
رياحُ كراهيةٍ.. وزمهريرحقد دفينٌ يقتربُ منها .. من أهلها .. من
مقدساتها .. هدفُهُ أن يقتلعَ الأشجارَ ، يطفيءَ الأقمارَ ، يوقظَ الأئمةَ
الراقدينَ بسلام .
أحستْ بحملها ثقيلاً في أحشائها يكادُ يشلُّ حركتَها وقدراتِها ..
تُرى هلْ يرى النورَ أم ستغتالُهُ يدُ الغدرِ الآثمةِ قبلَ ولادته .
انتفضَ الجنينُ بقوةٍ جعلتها تصرخُ بهِ : ماذا تريد ؟.
تلقتِ الردَّ ركلة أقوى منَ الأولى :كمْ هوَ قويٌّ ومتمردٌ .. كلما
خطرتْ لي فكرةٌ لا تعجبُهُ أبدى غضبَهُ بركلاتٍ في بطني .
منَ الشرفةِ تأملتِ المدينةَ المتلألئةَ في قلبِ الليلِ ، المرتميةَ
بينَ ذراعي عاشقِها المتدفقِ بالحيويةِ والعطاءِ والذي يعانقُها بسحرٍ
عجيبٍ ، فتروي لهُ كلَّ ليلةٍ حكايا ألفِ ليلةٍ وليلة .. ومغامراتِ
السندباد .. وعلي بابا .. فيتحدثُ لها عنْ حضاراتِ الشرقِ التي روّاها منْ
مائهِ العذب .
تُرى أينَ زوجُها الآن .. والذي لمْ تعدْ تراهُ منذُ لبّى نداءَ
الجهاد .
لماذا هيَ وحيدةٌ تفترشُ الآلامَ وتتلحفُ الأحزان .. وهذا الجنينُ
الذي لا يهدأُ والغاضبُ من كلِّ شيءٍ وكأنهُ حقاً يدركُ ما تعانيهِ أمهُ .
فكرتْ لماذا لا يكونُ جنينُها أولَ شهيدٍ في هذهِ المعركة .
ولأولِ مرةٍ تململَ الجنينُ بهدوء .
عليها أنْ تقررَ مصيرَهُ ومصيرَها لأنها لنْ تحتملَّ رؤيةَ المدينةِ
تنهارُ صروحُها العظيمةُ .
عادت إلى غرفتِها ، وقفت أمامَ المرآةِ تتأملُ نفسها .. خلعت
منديلَها وتناولتِ العقالَ العربيَّ ووضعتْهُ فوقَ رأسها .. انتابها شعورُ
الفخرِ والاعتزاز .. استعرضتْ ذاكرتُها النساءَ العربياتِ وبطولاتِهنَّ
التي سجلَها التاريخُ ابتداءً من زنوبيا مروراً بالخنساءِ وسميةَ وجميلةَ
انتهاءً بسناءَ وآيات .. وهيَ أيضاً مكانُها معسكرُ التدريب .
لمْ تعدْ تشعرُ بحملِها ثقيلاً .. إنما كانَ خفيفاً ينسابُ في
داخلِها بعذوبةٍ لاحدودَ لها وتساءلتْ أيمكنُ للجنينِ أنْ يفهمَ ويدركَ
مشاعرَ أمهِ !!؟.
لمَ لا ما دامَ هناكَ حبلٌ سريٌّ يربطُ بينهما .
سألتها رفيقتُها : لماذا أنتِ هنا .. عودي من أجلِ الجنينِ وسأقومُ
بالمهمةِ وحدي .
أجابتها أنا هنا من أجله 00 هوَ يريدُ ذلك .
استغربتْ رفيقتُها كلامَها .. فتابعتِ القول : أجلْ أنهُ يفهمُ كلَّ
ما أريدُ .. وأفهمُ ما يريدُ .. ولا نريدُ أن نستسلمَ لموتٍ تحتَ الأنقاض .
امتدتْ مسافةٌ منَ الصمتِ بينهما تعانقُ روحَ كلٍّ منهنَّ بينما
السيارةُ تقطعُ أطولَ اللحظاتِ في حياتهنَّ .. اللحظاتِ التي امتزجتْ فيها
مشاعرُ الرهبةِ والخوفِ .. الحبِّ الكراهيةِ .. الفخرِ .. القهرِ .
اقتربتِ السيارةُ من جنودِ العدوِّ .. نظرتْ كلٌّ منهنَّ في عيني
الأخرى لترى الوطنَ يزغردُ منتصراً رغمَ احتراقهِ .. تحسستْ جنينَها
الساكنَ بيديها الحانيتينِ ثمَّ صرختْ بصوتٍ أقوى من صوتِ دويِّ الإنفجار
."هبا إلى الخلود ياولدي "
ظمأ...فارغ
أخذتْ تجوبُ شوارعَ المدينةِ ، تخلعُ سنيَّ قهرِها ، تنطلقُ إلى
الساحةِ الرئيسية ، وقفتْ عاريةً في وسطِها بجانبِ تمثالِ الأحلام
الأحلام التي وئدت وهي في أوج تفتحها في الذات المتطلعة إلى أيام
تعانق المستقبل الموشح بالفرح والسعادة
اجتمعَ الناسُ مشدوهينَ في بادئِ الأمرِ ، ثمّ أخذوا يصيحونَ صيحاتٍ
مختلفةٍ : " جنّتِ المسكينة .. لا .. كانتْ شيطاناً بصورةِ ملاكٍ .. إنّها
ماجنة .. كافرة " .
وصرخَ القسمُ الأعظمُ منَ الرجالِ : إنها مجنونةٌ دعوها وشأنَها .
تمنت لو أنها فعلا مجنونة ... ما أروع الجنون إذا كان يجعلنا لا
نفكر ولا ندرك ما يجري حولنا ومعنا
لكن حتى هذه النعمة لا نتمتع بها رغم أننا نقف عند حافته ...
متأرجحين بحبال واهية..لا نستطيع أن نهوي إلى بؤرته ولا نقدر على التراجع
نظرتْ إليها النساءُ باشمئزازٍ .. الأطفالُ يرمقونَها بنظراتٍ
باهتةٍ لا تفهمُ معنى وقفتِها.. الرجالُ يلتهمونها بنظراتٍ مفترسةٍ
ويرسمونَ على شفاههم بسماتٍ ملتوية .
طالَ وقوفُها .. مالتْ الشمسُ إلى الأفولِ واستقرَّ رأيُ الأغلبيةِ
على أنها مجنونةٌ فانفضوا عنها راثينَ حالَها وتركوها وحيدةً في الساحة .
ظلامٌ دامسٌ سترَ عريَها .. انزوتْ إلى ركنٍ منْ أركانِ قاعدةِ
التمثال .. جلستْ تحدّقُ بعينٍ ثاقبةٍ إلى ظلامِ الليلِ الذي عانقَ
المدينةَ البائسة ..النائمة في أحضان اليأس منذ أن فقد أهلها كرامتهم بعد
أن سلموا مفاتيحها إلى السماسرة الذين باعوها في سوق النخاسين .
شعرتْ بأصواتٍ تشبهُ دبيبَ النملِ لكنهُ ليسَ بنمل . ربّما كانَ
حفيفَ الأشجارِ ، لكنْ أينَ الأشجارُ في هذهِ المدينةِ المقهورة؟... التي
دنست مياهها.. فأبى الزرع أن يشرب منها . وشرب الناس ملء بطونهم فامتلأت
ذواتهم بالذل والهوان ..والاستسلام
تسلقتْ القاعدةَ واحتمتْ بالتمثال .. سكنتْ سكونَ المومياءِ ..
أحسّتْ ببرودةٍ قاتلةٍ تتغلغلُ في أعماقِها الحارة الصارخة التي أبت أن
تشرب من تلك المياه فهب الظمأ ينفض عنها أثواب الخنوع والرياء
كانَ رجالُ المدينةِ يتسلّلونَ إلى الساحةِ وفي داخلِ كلٍّ منهم
وحشٌ يريدُ افتراسَها قبلَ الآخر ، فجأةً ظهرتِ النسوةُ يحملْنَ قناديلَ
أضاءتْ أرضَ الساحةِ فظهرَ رجالهنَّ حفاةً شبهَ عراةٍ .. نظرنَ إليهم
نظراتٍ يتطايرُ منها الشرر.. صرخَ أحدُ الرجالِ متداركاً الموقفَ : أينَ
الساقطة ؟.. ارتفعَت أصواتُ الرجال : أينَ الساقطة ؟.
واختلطتْ أصواتُ الرجالِ والنسوةِ : الغانية .. الكافرة .. أحرقوها.
ظمأ يشتعل في فراغ اللحظات القادمة من المجهول الرابض فوق الأحلام
البعيدة ... حيث تسافر الأماني المختنقة في ظل الحاضر المنكسر تحت نزوات
الانحطاط والانهزام
عانقتِ التمثالَ بكلِّ قوتها .. التصقتْ بهِ حتى أصبحتْ جزءاً منهُ
، لكنَّ القناديلَ ترتفعُ إلى أعلى وتقتربُ منها أكثرَ فأكثر.
من الفراغ الممتد بين البطون المتخمة والعقول العليلة تنتصب مائدة
الشعارات المزيفة
إنها تراهم .. تسمعُ حواراتِهم ومجادلاتِهم الساخنةَ حولَ الخيانة
.. الشرف .. الغضب.
يتجمد الظمأ من صقيع الاحتضار ..وينهار متحطما على صخرة الواقع
المر...لكن ..؟
فجأةً أحسّتْ بدفءٍ يسري في الجسدِ الباردِ الذي تلتصقُ بهِ ،
ويمتدُّ إلى ذاتِها المتجمدة ، وأنَّ شيئاً ما قدْ توحّدَ بها ومدَّها
بطاقةٍ منَ النورِ سترتْها نهائياً وجعلتْ روحَها تسمو إلى الأعلى ،
فتلاشتْ الأشياءُ .. الرجالُ .. النساءُ .. الساحةُ .. المدينةُ .. لكنّها
سمعتْ بكاءَ الأطفالِ الذينَ استيقظوا ولمْ يجدوا أمهاتِهم وآباءَهم .
|