للحريّة بابٌ...يدقّ
كان يخشى الأماكن المغلقة, يسمي المختصون حالته
(رهاب الاحتجاز) بينما يعزوها هو لنزعة شديدة للحرية يحملها في جيناته, بعد
ما علم من والده الذي يعاني الأعراض نفسها, أن جدّه وجدّ جدّه يحملون
جميعاً مورثات (الحرية) تلك!!.
لم يكن يحتمل اللعب مع الأطفال في باحة المدرسة حين
يتراكمون فوقه كلاعبي (الركبي) فاختار صديقين هادئين ينزوون معاً عن
الأطفال الآخرين تجنباً لألعاب مشابهة.
كان ينتظر في غرفة الصف حتى انصراف آخر التلاميذ
تفادياًً لانحصار ينجم عن تدافعهم الجنوني فرحاً بجرس انتهاء الدوام.
كلما ازداد عمره ازدادت عقدته, فكان يحجز كرسيّاً في
الصف الأخير في صالة (سينما) أو مسرح.
ويستمع لخطبة الجمعة واقفاً, ليصلّي بجانب الباب,
ويكون أوّل الخارجين عند انتهائها.
يفضّل السير على الركوب في فترة الازدحام المروري,
بظروف طقس حارّ أو قارس, لئلا يعلق في سيارة تحوطها السيارات من كلّ جانب,
فلا يجد منفذاً للخروج حين يريد.
المصعد خطّ أحمر, ولو كان مقصده الدور الخامس عشر,
خشية انقطاع التيّار الكهربائي, فيعاني الاحتجاز والعتمة. والطائرة شرّ لا
بد منه, يحتاط لها بالأدوية المهدّئة التي وصفها له أحد الأطبّاء, و الذي
نصحه أيضاً بمواجهة هذه المشكلة بتعريض نفسه لاحتجاز إراديّ يزيد زمنه
تدريجاً حتى اختفاء الأعراض.
كانت ترهقه الأخبار خصوصاً تلك المتعلّقة بحقوق
الإنسان, والسجون السريّة, و(غوانتانامو). إلا أن برنامجاً وثائقياً على
إحدى القنوات التلفزيونية عن التعذيب وأدواته, من تقييد, واحتجاز داخل
تابوت, وحبس لمدة طويلة في غرف ضيقة ومظلمة, أثار مكامن الذعر لديه, فهرع
إلى أدويته يهديء بها روعه.
لم يعد يحتمل هذا النقص لديه, فهو محلّ سخرية زملائه
في العمل, وبات يشكّل عائقاً في جوانب حياته يعرقل عمله, يهزّ صورته أمام
مرؤوسيه, وأولاده الذين لا يرغب بانتقال هذا النقص إليهم بشكله الحادّ, على
الأقل بحكم محاكاة أفعال الوالد, في حال نجاتهم من انتقاله إليهم وراثيّاً.
عاد ذلك اليوم إلى البيت, وقد قرّر التخلص من عقدته.
الوقت مناسب فالعائلة لدى بيت حميه ولا يوجد أحد حوله, يـُفشل تنفيذ ما
خطّط له طويلاً دون أن يجرؤ على محاولة تنفيذه ولو لمرة واحدة !!
دخل الحمّام دون أن يضيء مصباحها, أقفل بابها
بالمفتاح من الداخل, ورماه كيفما اتفق لئلا يضعف فيفتح الباب بسرعة,
فيصبّر نفسه زمناً للبحث عنه في الظلمة, ضمن مساحة لا تتعدى سبعة أمتار
للحريّة
بابٌ...يدقّ2
مربعة, ومطمئناً لمكان خالٍ من عوائق قد يفقد فيها
المفتاح. لكنه لم يسمع لصوت ارتطامه أي ارتداد.
ازداد قلبه خفقاناً بعدد ضرباته وشدّتها, محاولاً
تثبيت نفسه, مسترجعاً نصائح الطبيب, وما احتوته الكتب العلمية المتخصصة من
إرشادات, ومستذكراً قصص أصدقائه, حين علق ثمانية منهم, بينهم بدينَين ذات
مرة في مصعد صغير لمبنى جديد غير مأهول, بقوا فيها لليوم التالي, لا
يستطيعون حراكاً وحتى قدوم بوّاب البناء ليخرجهم . ومقارناً نفسه بصور
لأشخاص ظهرت على التلفاز وهم محاصرون بين الركام بعد كوارث زلازل مدمّرة.
حاول الجلوس على أرض الحمّام مرغماً نفسه كما حال
السجين الذي يرضخ لتعليمات السجّان ُمكرَهاً. بدأ العرق البارد يتصبّب منه,
و صوت أنفاسه بدا كأنفاس من يجري على سفح جبل صعوداً, يلهث كمصاب بنوبة ربو
حادة. وصوت دقات قلبه ينعكس من طبلة أذنه التي تحولت إلى مؤشر نبضات وصل
إلى حده الأقصى, شعر وكأن(الأوكسجين) قد نفد, وبدأت أطرافه ترتجف, ثم تتحرك
بشكل لا إراديّ, فمزّق قميصه مقطعاً أزراره, وقام كمن أصابه مسّ وبدأ يلوّح
بيديه وكأنه يهمّ بضرب أحدهم, فأصاب مرآة الحمّام متسبباً بجرح بليغ في
يده, ثم جلس على أربع يتلمس الأرض باحثاً عن المفتاح بحركات عصابيّة. مسح
أرض الحمّام الصغيرة عشرات المرّات وداخل حوض الاستحمام, دون أن يعثر عليه.
بدأ بالصراخ بأعلى صوته يدقّ الباب محاولاً كسره,
دون جدوى, وطفق يبتعد عن الباب ثم يندفع نحوه بشدة مرّات كثيرة مثل مكّوك
النسيج علّ ذلك ينفع في خلعه.
وضع رأسه تحت صنبور الماء لأكثر من دقيقة لتهدئة
حالته الهستيرية, ترك الصنبور مفتوحاً على آخره وعاد لحركة المكّوك, إلا
أنه انزلق ببقعة ماء من رشاش الصنبور فوقع أرضاً وارتطم قحف رأسه بحافة حوض
الاستحمام.
بعد ساعات وعندما خلع أهله باب الحمّام وجدوه
مغتسلاً بدمائه, دون أن يعلموا لمَ أقفل على نفسه الباب, وهو أمر لم يكن
ليفعله طيلة حياته, و الأشد غرابة أنه كان بكامل لباسه عدا قميصه الممزّق.
المصباح مطفأ, والصنبور يتدفق وحوضه يطفح ماءً وجدران الحمّام و أرضها
وبابها وحوضها ملطخة ببصمات كفّه دماءً .....وقد شقّ الماء طريقاً على
أرضية الحمّام بين مزيج من دمٍ حارٍ ومتخثّر... وفي إحدى الزوايا وجدوا
مفتاح الباب عالقاً على جيب ثوب الاستحمام المعلّق!!!
همــسات الــرحيــل
ورقـــــة نـعــــي
لـَفـَتـَه إعلان يُلصق على الجدار..
اقترب ليقرأه.. إنّها ورقة نَعي..
اقترب أكثر..
يعرف هذا الاسم جيّداً..
إنه اسمه.. وصورته!!
يركض بين المارة.. يزعق بأعلى صوته
إنـّه أنا.. إنـّه أنا...
ولكن أحدا .. لم يكن يسمعه!!!
علامة استفهام؟
تكوّر على جنبه الأيسر..
نُقرةُ رأسه إلى الأسفل.. واتّحدت يداه مع جذع تقوّس
على فخذيه الملتصقين، المقتربين من رأسه.
لتستوي ساقاه.. باتجاه صحن فارغ.. بدا كنقطة!!
شكّلت جثـّته..علامة استفهام؟
عمـّو...
رفع يديه من إطراقه..
بين أصابعه.. ثلاث شعرات سود.. و واحدة باللون
الأبيض..
معذورة تلك التي قالت له أمام الملأ:
يا عمّو..
صديقة العمر
أسندت رأسها إلى مرآتها العتيقة، تغشـّيها بزفرات
همسها فتتكثـّف على سطحها منسكبة قطرات كالدموع.
-ألا تذكرين الأيّام الخوالي؟
زمن الأوّل
لم يدرِ في سرده لحكاية من أيّام الجامعة عاشها
البارحة.. أنّ عمرها فاق ربع قرن!
قالوا هي من زمن الأوّل، ضحك الأولاد، ضحك معهم..
في شهقة مديدة أشبه بالتنهيدة.. تنسـّم عطر
الياسمين في زوايا الحكاية.
همــسات الــرحيــل2
سؤال محيّر
يسألني باب الدار: هل ستعود اليوم؟
أجيبه: وكيف لي أن أعرف؟
يكرّر عليّ السؤال بلا ملل، كلـّما هممت بالخروج!!
أصدقاء قدامى
أثناء مراسم الدفن... وتلقين الميت
تتلاقى عيون الأصدقاء المترقرقة...
من هو التالي؟
حوار مع جمجمة
حملت الجمجمة، بعد ما فتحوا القبر لدفن والدي.
أخذت أهمس في صدغ جدي، بأسرار العائلة..
التفتُّ فرأيت، أحد أحفادي يهمس لي، في الصدغ الأيمن
من جمجمتي، ببعض الأسرار!
محطـّة
صعد إلى الحافلة الصاخبة بمرح شبان غارقين في لهو
أثير، ليندمج معهم ترويحاً عن طول درب، ظنـّاً منه أنّه سيحبس الوقت خلال
توجهّه نحو محطتـّه!!
أدرك بعد نزول الكثيرين على الطريق، وبعد مسافة زادت
عن نصف زمن الوصول، أنّ الرحلة تقترب من نهايتها!!
وضع يديه على حقيبته تأهّباً لمحطّة تالية، ربما
تكون الأخيرة! بينما تتحسّس يمناه الساعة في يسراه، مختلساً النظر إليها،
ولسانه يلهج بدعاء السفر -زوّادته الأهم- .. المسهوّ عنها.
لقب كبير
كان لقبه كبيراً إلى درجة لم تتسع له حدود المكان،
فعلـّق على الشاهدة الرخامية بأناقة بالغة.. ثم اندلس جثمانه في غيابة
القبر الفخم.
أشباح كرم
الفستق
كان منظر أشجار الفستق الحلبي رائعا، بحمرتها المصفرّة على الأوراق الخضر، تعكس
الأضواء كأنها مصابيح منمنة، قبل أن يخرس صوت المحرك وتغم ّالأنوار الصفراء،
مسابقة العتمة الشاملة.
لينقلب المنظر مخيفا ًعلى نور البدر الساطع، فبدت الأشجار.. كأشباح تحركها
أنسام الليل وتتهامس بأصوات طقطقة نضوجها وكأنها تتكلم لغة الجان..
كانوا ثلاثة في عطلة الصيف، اجتمعوا مع الأسر العديدة لأبناء وأحفاد الجدّ
الكبير.. ذي اللحية البيضاء المهيبة.. في موسم الفستق.. الذي يقطفوه ويأكلوه،
ويتقاسمو الغلال (مونة) يملحونها، تكفيهم، كامل أيام السنة.. ويوزعون جزءاً
منها هدايا للأهل والأصدقاء.
تفرّقت الأسر للنوم في الكرم الواسع.. منهم من اتـّخذ القبّة الطينية مأوى..
ببابها الذي فرّقت الأيّام ما بين خشباته، وأضيئت داخلها شموع وضعت على
الشبابيك، وفتحات النور فيها، فيرتسم خيال دخانها، أطياف حكايات على الجدران
المكلـّسة، المكوّنة من أحجار الآجرّ المتكدّسة فوق بعضها لتأخذ شكل القبـّة.
بينما اختارآخرون بيت الجدّ (البيت الكبير) المطروش بالكلس.. والملوّنة أخشابه
بلون الفستق الأخضر الفاتح..
بيت مكوّن من طابقين امتلآ ذكريات على جدران توزعت عليها، آيات قرآنية، وتناثرت
صور بالأبيض والأسود المصفر للكعبة المشرفة، وبعض المشايخ. بينما يرقب رأس غزال
حركة القاطنين بعين لا تنام، وعُلـّقت آلات الإيقاع المستديرة بأقطارها
المتعددة، التي تستخدم في الأذكار، تملأ فراغات الجدران بتناسق عفوي آسر،
فيكتمل المشهد برسوم ملوّنة للسلاطين (العثملية) بعماماتهم التي تناطح السحاب.
وافترشت أسر أخرى مصاطب إسمنتية.. حول البيوت والقبة..مصطب تحيطها(عرايش)
الكرمة، المتداخلة مع أحواض الورد.. لتعلن خصوصية كل منها بحدودها الجغرافية
الطبيعية.
اختار ثلاثة شبان من العائلات، ساحة الكرم المعبّدة التي تركن فيها السيارات.
فاستلقوا على أرائك، نقلوها من البيت الكبير، ووسدوها بوسائد تزكم الأنوف
برائحة (النافتالين).
أشباح كرم الفستق2
على قبة السماء تناثرت النجوم بأعداد أكثر من تلك تحتويها سماء المدينة. وفيما
البدر يكمل طريقه إلى كبدها، توقف برهة خلف برجين متدرجين بشكل هرمي، أعدّا
لتجمّع الحمام البريّ بأعداد كبيرة، يرتفعان لأكثر من عشرة أمتار، فبدا
ارتسامهما كحارسين عملاقين لأشباح الليل!!
لم يستطيعوا النوم باكراً، كانوا يتبادلون الأحاديث على أصوات الخنافس تغنّي
نشيدها الأزليّ، وهم مستلقون يراقبون النجوم، كأنهم يخطئون عدّها.. فيعيدون من
جديد.
عندما بدأ (عبد الله)- أكبرهم - حديثه عن جدّهم الكبير.. اعتدلوا من استلقائهم،
وأنصتوا باهتمام المدهوش، فنزلت قصّة جدّهم -المتوفى منذ أكثر من عشر سنين – و
تردّده لتفقد الكرم ليلاً، كالصاعقة، ليصيخوا السمع إلى الراوي الذي لامس نجاحه
في جذب اهتمامهم، من تشويق، وإثارة.. فاسترسل بالمزيد، ثمّ أقسم أن كثيرين قد
شاهدوه بأمّ العين.
يطلق طاووس مذعور من طواويس الكرم الطَلقاء صيحاته بعد ما مرّ بقربه أحد كلاب
الحراسة، فارتبك (حسن) و(نديم( من ذلك الصياح الذي اقترن برفرفة شديدة ونزول
الطاووس من فوق بيت الجبّ كما السقوط.
لكن )عبد الله( استمرّ بسرد الدهشة، مع وقع الموسيقى التصويرية للأجواء
المحيطة.
وجد (حسن) نفسه وحيداً بعدما نام المتحدّث.. على أريكته.. ليلحق به(نديم)بشخيره
بعد قليل!!
ازدادت حاسة السمع قوّة لديه.. حتى بات يحسب أنفاس آلاف طيور الحمام النائمة في
البرجين.
وأصوات همهمة القطط والكلاب، وحركات الغزلان في حظائرها الواسعة.. تضاف إلى
طقطقة، وحفيف، صفير، ونقيق.
انتبه فجأة لوقع خطوات.. تشحط على الأرض.. يزداد صوتها بانسحاب رمل متناثر على
الإسفلت تحت القدمين الشاحطتين.
أشباح كرم الفستق3
يا إلهي إنه هو!! وقع أقدامه.. يعرف هذا الصوت جيداً، إنه أثر حذائه الأحمر
القاسي المصنوع من جلد الماعز.
تختلط الأصوات.. يتقدّمها ضربات قلبه.. ويبقى شحط الحذاء طاغياً!!
تتوقف الخطوات.. يسمع دقـّات الدلو الخشبي على حافة الجبّ.. مترافقا مع دوران
البكرة وصدى ارتطام الدلو بالماء.. ثم صرصرة منتظمة لسحب الدلو المليء.. ورجع
قطرات الماء المتساقط.
يصيخ إلى سريان الماء، وابتلاعه في بلعوم شاربه.. ليعلو في أذنه صوت محاولة
تسهيل امتناع ريقه الجاف ّرعباً..
تعود الخطوات بطيئة.. متواترة، بين الواحدة والأخرى زمن خمسة أنفاس متسارعة..
حركات شخصٍ كأنّه يسير في المكان، لا تتغير مسافته اقتراباً أو ابتعاداً!!
توقـّف.. بدأ صوت دقّ المضخة اليدوية بجانب البيت الكبير.. مع احتكاك حديدها
الصدء، و انسكاب الماء على الأرض.
لماذا يحتاج للمضخة.. وقد سحب الماء من الجبّ قبل قليل؟
يبدو أنه يتوضأ.. لقد اقترب الفجر.. وتمتمات دعاء الوضوء تصل إليه مبهمة.. بصوت
جدّه.. لم يعد يشك في ذلك!!
أذّن الجدّ للصلاة وكأنّه يُسمع به نفسه.. ولكنّ (حسن) يستطيع تمييز أذانه
جيداً.. إنه متأكد الآن!
تعاود الخطوات البطيئة.. بوتيرة أسرع هذه المرّة بفارق ثلاثة أنفاس بينها.. و..
إنّه يقترب..الصوت يقترب.. لا يستطيع فتح عينيه.. ولا إيقاظ رفيقيه.
يدنو منذ فترة طويلة.. ولا يصل.. اعتاد القلب خفقانه السريع، والأنفاس تواترها
المتزايد!
أشباح كرم الفستق4
شعر بنور الفجر ينبلج.. لمحه بعين نصف مفتوحة. اقترب وقت استيقاظ (عبدالله)..
الذي سيوقظ الناس بدوره لصلاة الفجر.. ثمّ ينزل إلى المدينة.. ليأتي
بالزلابية.. إحدى مكوّنات الإفطارلجمع الزائرين.
تمرّ الدقائق ثقيلة.. بطيئة.. كوقع الخطوات اللامتناهي.. والقادمة من المجهول..
والمتوجّهة نحوه بلا انتهاء.. ودون إدراك لمصيرها.
توقـّع كل الاحتمالات.. لكنه سيكون رحيماً به. نعم سيكون رحيماً.. وكيف يُرعب
جدّ حفيده؟ والحفيد مشتاق للقروش الجديدة المذهّبة التي كان ينثرها عليه وعلى
أقرانه.. يفتقد حناجير العطر الأسطوانية الصغيرة ..التي ينتهي غطاؤها بنتوء
بطول عود الثقاب ينغمس في عطر الورد الذي كان يوزّعه على الكبار والصغار.
لكنّه ربما جاء ليعاتبه على تقصيره في أداء صلواته.. أو أنـّه.. ربما كشف عن..
يا إلهي ربما كشف عن.. إنـّها ذنوبي الكثيرة.. ذنوبي الكبيرة ولا شك. يقولها
مرتجفاً. هل سيعاتبه.. يعاقبه؟؟
لماذا تذكـّر تلك.. الأمور؟ لو لم يستحضرها.. ربّما لن ينتبه جدّه لكنه بتقريب
ذاكرته السوداء إلى مكان وجود جدّه صاحب الكرامات.. الذي كشف الكثيرمن كذب
الأولاد حين كانوا يسرقون الفستق المملح المخزّن فوق الخزانة العالية بغرفته..
أيام الشتاء.
.. بالتأكيد سوف ينتبه!!.
تزداد الخطوات اقترابا ببطء.. تدنو.. حدّ الملامسة!! يبدو كأنه توقـّف فوق
رأسه..
انكمش وجه (حسن) واقترب على بعضه.. جذب الغطاء بقوّة وارتجاف فوق وجهه..
وأخيرا لمسه..!! بدأ الاحتكاك بالأريكة.. انحبست أنفاس) حسن (.. وشعر بقلبه
يتوقف..
حتى سمع بقرب أذنه مواء قطتين تلعبان.. إلى جانبه!!
دقت الساعة ليستيقظ الجميع لصلاة الفجر.. شمّر عن ساعديه.. وكان أول
المتوضئين..
|