أديبة
ومثقفة وداعية إلى الإصلاح الاجتماعي وإنصاف المرأة وتحررها من بداية القرن
العشرين.
ولدت ملك
حفني ناصف في القاهرة في 25 كانون الأول سنة 1886. وتلقت مبادئ العلوم في
مدارس أولية مختلفة، والتحقت بالمدرسة السنية. وقد سميت ملك بـ (باحثة
البادية)؛ لأنها كانت توقع مقالاتها في الصحف بهذا الاسم .
وحصلت
ملك على الشهادة الابتدائية سنة 1900، وهي أول سنة تقدمت فيها الفتيات
لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة، وكانت ملك أول فتاة مصرية نالت هذه
الشهادة، ثم انتقلت إلى القسم العالي بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها
فما كان من وزارة التعليم إلا أن عينتها معلمة ممتازة . وحصلت على شهادتها
العالية ثم اشتغلت بالتعليم في مدارس البنات الأميرية .
كانت ملك
ناصف أول امرأة مصرية جاهرت بالدعوة العامة إلى تحرير المرأة، وظلت كذلك
حتى وفاتها. وكان بيتها ناديا يقصده كثير من السيدات الغربيات والشرقيات،
وجمعت ملك بين العقليتين العربية والأوروبية . وكانت تجيد اللغتين
الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئا من اللغات الأخرى، وهذا ما ساعدها في
عملها .
أدبها:
لملك
حفني ناصف مقالات نشرتها في (الجريدة) ثم جمعتها في كتاب أسمته (النسائيات)
يقع في جزأين، وقد طبع الجزء الأول منه وظل الثاني مخطوطا. ولها كتاب آخر
بعنوان (حقوق النساء) حالت وفاتها دون إنجازه. وكانت خطيبة تخطب النساء
داعية إلى قيم العدل والاعتدال والبحث عن حقوق المرأة
باحثة البادية.. خطوة على الإصلاح
(في ذكرى
مولدها: 27 ربيع الأول 1304 هـ)
بقلم: أحمد
تمام
من
الأمور التي تحتاج إلى مراجعة ونظر، الدعوى بأن نفرًا قليلاً من كُتّاب مصر
ومفكريها هم الذين حملوا على أكتافهم النهضة الفكرية والأدبية في مصر،
ويبالغ أصحاب هذه الدعوة في التركيز على الجهود التي قام بها العقاد وطه
حسين وتوفيق الحكيم، والمازني، ومحمد حسين هيكل، وأحمد لطفي السيد،
ويتناسون عن قصد أو عن غير قصد، جهود عشرات الأعلام في النهوض بالفكر،
والرقي بالأدب، وكأنهم يريدون اختزال النهضة في هذا العدد القليل من
الأعلام، وفي هذا ظلم للفكر، ومجافاة للحقيقة، وعدوان على الحق، وافتئات
على العدل، ومن حق هؤلاء أن يتناولهم البحث والدرس للكشف عن أدوارهم، وما
أثْرَوا به الحياة من أعمال، وإبداع.
وتستطيع
أن تُحصي عددًا كبيرًا ممن كان له أثر وتأثير في الحياة والفكر، ولكن
اغتالتهم يد النسيان والإهمال، ومن هؤلاء الكاتبة "ملك حفني ناصف".
المولد
والنشأة
شهد بيت
الكاتب الكبير "حفني ناصف" بالقاهرة مولد ابنته في (27 من ربيع الأول
1304هـ= 25 من ديسمبر 1886م) وشاء القدر أن يتفق يوم مولدها مع زفاف
الأميرة "ملك" إلى الأمير "حسين كامل" الذي صار سلطانًا بعد ذلك، فسمّاها
أبوها باسم الأميرة.
و"حفني
ناصف" واحد من أركان النهضة الأدبية في مصر، وممن أرسوا دعائمها على هدي من
تراث الإسلام وثقافة العرب، عمل بالقضاء ونبغ فيه، وأسهم في إنشاء الجامعة
الأهلية التي أصبحت بعد ذلك جامعة القاهرة، وختم حياته بأجلِّ أعماله
وأفضلها بكتابة المصحف على الرسم العثماني الذي كاد ينطمس، فوضع قواعد خاصة
بالإملاء الذي كُتب به في عهد الخليفة "عثمان بن عفان" (رضي الله عنه)،
واستغرق منه هذا العمل سبع سنوات حتى ضبط كتابة المصحف على الصورة التي
نراها عليه الآن.
المدرسة
السنية بالقاهرة
في هذا
البيت الكريم نشأت "ملك" وتعلمت، وكان أبوها هو معلمها الأول، فحفظت سورًا
من القرآن، وألمّت بدروس العربية، وشَدَت مبادئ الفرنسية، ثم التحقت
بالمدرسة "السنية" بالقاهرة، وكانت المدرَسَة الوحيدة التي اختصت بتعليم
البنات، فبرزت الطالبة النابهة في مجال دراستها، حتى تمكنت من الحصول على
الشهادة الابتدائية، وهي في الرابعة عشرة من عمرها، ثم واصلت تعليمها في
المدرسة نفسها بقسم المعلمات، وكانت الدراسة فيه بالإنجليزية إلى جانب
المواد العربية، وتخرجت فيها بعد ثلاث سنوات من الدراسة، ثم تلقت تدريبا
لمدة عامين، أهّلها للعمل مدرّسة في المدرسة "السنية" التي تخرجت فيها،
وذلك سنة (1323هـ=1905م).
نبوغ مبكر
تفجّرت
مواهب "ملك" الأدبية في أثناء دراستها، وجرى الشعر على لسانها وهي في هذه
السن المبكرة، فنشرت بعض آثارها الشعرية في جريدة "المؤيد" للشيخ "علي
يوسف"، ثم دعاها الشاعر الكبير "مطران خليل مطران" إلى الكتابة في مجلة
"الجوائب المصرية" التي كان يصدرها، فنشرت قصيدة وهي في السابعة عشرة من
عمرها تأسى فيها لوضع الشرق وتتألم من حاله المتردي، وقد أثارت القصيدة
إعجاب الشاعر، ورأى فيها نزوعا إلى الإصلاح والتجديد.
اتجهت
"ملك" مبكرا إلى الإصلاح الاجتماعي، وخصّت المرأة بجهادها الفكري والعملي،
فكانت تطوف على منازل صديقاتها ومعارفها لتقنعهن بإرسال بناتهن إلى المدرسة
السنية التي تعمل بها، فدخلها كثيرات ممن كان آباؤهن يفضلون قعودهن في
البيت أو يؤثرون إرسالهن إلى المدارس الأجنبية التي كان التعليم بها يتم
بلغة أجنبية، ولا تدرس الطالبات فيها شيئًا من اللغة العربية أو التاريخ
والدين.
وعندما
أُعلن عن مشروع الجامعة المصرية كانت "ملك" الآنسة الوحيدة التي ألّفت لجنة
لدعم المشروع الكبير، وجمعت قدرًا من المال حتى يتحقق أمل البلاد بظهور
جامعة حديثة.
بين السفور
والحجاب
في أثناء
هذه الفترة كانت تدور معركة قلمية حامية الوطيس بين دعاة السفور وأنصار
الحجاب، وبلغ من حدة المعركة أن دلف إليها كثيرون من رجال الأدب والفكر، بل
إنها جذبت رجلا اقتصاديا لم يكن له انشغال بقضايا الفكر من قبل هو "محمد
طلعت حرب"، فشنَّ حملة على دعاة السفور، وكانت هذه المعارك من آثار الضجة
التي أشعلها كتابا: "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" لـ "قاسم أمين".
وكان
طبيعيا أن تنزل "ملك" هذا المعترك متسلحة بالثقافة الواسعة، ملتزمة بأحكام
الشرع ومبادئه، لا تحيد عنه قيد شعرة، فدفعت اعتراضات الداعين إلى السفور
بآيات من القرآن الكريم ونصوص من السنة، وفنّدت آراء الذين يُرجعون تأخر
الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية، مثل قولها: "إن الأمم
الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم
القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار
التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء".
باحثة
البادية
وفي سنة
(1325هـ=1907م) تزوجت "ملك" من "عبد الستار الباسل" رئيس قبيلة "الرماح"
بالفيوم، وكان رجلاً متعلمًا يجيد أكثر من لغة أجنبية، ومعروفا بالشهامة
والمروءة، وفوق ذلك كان من أكبر أثرياء مصر، وبعد الزواج اتخذت "ملك"
لنفسها لقبًا جديدًا اشتهرت به هو "باحثة البادية"، غير أن هذا الزواج لم
يكن موفقا، وأوقفها على مساوئ اجتماعية دفعت قلمها إلى محاربتها، وكان
الزوج قد أخفى عليها خبر زواجه من ابنة عمه، واكتشفت أن زوجها كان عقيمًا
لا ينجب فنسب ذلك إليها لا إلى نفسه.
وقد
خيّمت هذه السحائب الحزينة سماء منزلها، فكدّرت حياتها، وشابت صفاء نفسها،
ولم تجد مخرجًا من هذه الحالة سوى الانشغال بكتابة المقالات إلى الصحف،
والتردد على الأندية والمجامع، والقيام بالأنشطة الاجتماعية.
سبيل
الإصلاح
كانت
باحثة البادية تخص "الجريدة" التي كان يقوم عليها "أحمد لطفي السيد"
بمقالاتها، التي كانت تدعو فيها إلى وجوب تعليم المرأة، باعتباره الوسيلة
الوحيدة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها، وإصلاح أسرتها، والاقتراب من زوجها،
وقد جمعت هذه المقالات في كتاب تحت عنوان "النسائيات"، ونشرته سنة (1328هـ=
1910م)، وكان يضم 24 مقالا، وخطبتين وقصيدة واحدة، وقدّم له "أحمد لطفي
السيد"، وقرّظه بعض العلماء.
ولجأت
باحثة البادية إلى وسيلة أخرى تؤازر مقالتها وتدعم تأثيرها؛ فاتجهت إلى
الخطابة وإلقاء المحاضرات العامة على السيدات في دار الجريدة وفي الجامعة
المصرية، وفي الجمعيات النسائية، وكانت خطيبة مطبوعة ذات تأثير في نفوس
سامعيها؛ حتى إن "أحمد زكي باشا" الملقب بـ "شيخ العروبة" كان يُثني عليها،
ويقول بأنها أعادت العصر الذهبي الذي كانت فيه ذوات العصائب يناضلن أرباب
العمائم في ميدان الكتابة والخطابة.
وحين
عُقد في القاهرة المؤتمر المصري الأول لبحث الإصلاحات التي يجدر بالأمة
والحكومة أن تنتهجاها، تقدمت "باحثة البادية" بورقة ضمّنتها ما تراه واجبا
للنهوض بالمرأة، وكان المؤتمر قد عُقد في سنة (1329هـ=1911م) تحت رعاية
"رياض باشا" رئيس الوزراء.
وتلخّصت
اقتراحات "باحثة البادية" في عشر نقاط، رأت أن المطالب التي قُدِّمت إلى
المؤتمر ليتوفر على درسها قد خلت منها، فسارعت إلى تقديمها، وتتلخص في:
تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح، وتعليم البنات التعليم الابتدائي
والثانوي، وتعليم التدبير المنزلي والصحة وتربية الأطفال، وتخصيص عدد من
البنات لتعلم الطب وفن التعليم حتى يقمن بكفاية النساء في مصر، واتباع
الطريقة الشرعية في الخِطْبة، والالتزام بالحجاب.
ولم تكتف
"باحثة البادية" بهذه الجهود فقرنت القول بالعمل والدعوة إلى الإصلاح
بالتطبيق، فأسست عددًا من الجمعيات للنهوض بالمرأة، فأسست جمعية "التمريض"
على غرار "الصليب الأحمر"؛ لإرسال الأدوية والأغطية والأغذية والملابس إلى
الجهات المنكوبة بمصر والبلاد الشقيقة، فأرسلت إلى المجاهدين في ليبيا ضد
الاحتلال الإيطالي بعض ما يحتاجونه، وأنشأت مدرسة لتعليم السيدات التمريض،
على حسابها، وجعلت منزلها في القاهرة مقرًا للجمعية، وأزمعت إنشاء مشغل
للفتيات وملجأ للمعوزات، وقررت أن توقف له خمسة وثلاثين فدانا على هذا
المشروع لكن موتها اغتال هذا المشروع النبيل.
وفاة
باحثة البادية
لم تمتد
الحياة بـ "ملك حفني ناصف"، فلقيت ربها في صبيحة اليوم الأول من المحرم
(1377هـ=17 من أكتوبر 1918م) عن اثنين وثلاثين عامًا.
من مصادر
الدراسة:
- محمد رجب البيومي - النهضة الإسلامية في
سير أعلامها المعاصرين - الجزء الخامس - مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية –
القاهرة - 1408هـ=1987م.
- مجد الدين حفني ناصف – آثار باحثة
البادية – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة – القاهرة - 1962م.
- أنور الجندي - المحافظة والتجديد في
النثر العربي المعاصر – القاهرة - 1961م.
- عبد السلام العشري - باحثة البادية -
إدارة الشئون العامة بوزارة التربية والتعليم – القاهرة - بدون تاريخ.
مَلَك حَفْنِي ناصِيف (باحثة البادية)
عمل
الطالبة: ندى موسى
إشراف
الأستاذ: خالد فراج
حياتها
ونشأتها:
ولدت ملك
حفني ناصف في القاهرة يوم الاثنين في 25 كانون الأول سنة 1886 . وتلقت
مبادئ العلوم في مدارس أولية مختلفة، والتحقت بالمدرسة السنية رغبة من
والدها الذي أراد أن يخرج عن عادة الوجهاء في ذلك العصر. وبهذا شجع والد
ملك زملاءه على الاقتداء به بإلحاق بناتهم إلى التعليم. وقد سميت ملك بـ(
باحثة البادية )؛ لأنها كانت توقع مقالاتها في الصحف بهذا الاسم.
وحصلت
ملك على الشهادة الابتدائية سنة 1900م ، وهي أول سنة تقدمت فيها الفتيات
لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة، وكانت ملك أول فتاة مصرية نالت هذه
الشهادة، ثم انتقلت إلى القسم العالي بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها
فما كان من وزارة التعليم إلا أن عينتها معلمة ممتازة. وحصلت على شهادتها
العالية ثم اشتغلت بالتعليم في مدارس البنات الأميرية، فقامت بعملها على
أحسن قيام.
وكانت
الباحثة تطوف منازل صاحباتها ومعارفها؛ لتقنعهم بإرسال بناتهن إلى المدارس،
وكانت خير مثال لقريناتها حيث كانت تتحلى بأخلاق سامية، وسريرة صافية، ونفس
أبية، ومثابرة على العمل.
وفي سنة
1907م تزوجت بعبد الستار الباسل، وتركت التعليم بالمدارس واشتغلت بالتعليم
العملي، في بيت زوجها، فكانت تباشر أكثر أعمال بيتها بنفسها، وكانت إذا
فرغت من شؤون منزلها عكفت على قراءة الكتب، وأيضا كانت مهتمة على تعرف
أحوال السيدات وزيارة مدارس البنات وفحص مناهج التعليم. ولكن زواج ملك لم
يكن ناجحا، فعانت منه أشد المعاناة، وراحت تعالج بقلمها آلامها وآلام
المرأة الشرقية في أبحاث ومقالات نشرتها في الصحف، وراحت، منذ عينت مدرسة،
تدعو إلى تعليم البنات، وتهيب بالآباء أن يرأفوا ببناتهم ويخرجوهن من ظلمة
الجهل، وظلمة الكبت، وأيضا كان من رأيها في تربية المرأة أن تباشر من أعمال
الرجل ما لا ينافي الإسلام، وألا تكون زينتها مشغلة لها ولا عبئا ثقيلا
ينوء به عملها. وكانت ملك ناصف أول امرأة مصرية مسلمة جاهرت بالدعوة العامة
إلى تحرير المرأة، وظلت كذلك حتى وفاتها. وكان بيتها ناديا يقصده كثير من
السيدات الغربيات والشرقيات، وجمعت ملك بين العقليتين العربية والإفرنجية.
وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئا من اللغات الأخرى،
وهذا ما ساعدها في عملها.
أدبها:
لملك
حفني ناصف مقالات نشرتها في( الجريدة) ثم جمعتها في كتاب أسمته (
النسائيات) يقع في جزأين، وقد طبع الجزء الأول منه وظل الثاني مخطوطا. ولها
كتاب آخر بعنوان ( حقوق النساء ) حالت وفاتها دون إنجازه. وكانت خطيبة تخطب
في السيدات، وخطبت فيهن خطبتين نفسيتين ظهر فيهما العدل والاعتدال، وفي نفس
الوقت حرصها على جنسها، وإجهاد نفسها للبحث عما يهمه من الأمور.
الكاتبة
الاجتماعية:
اهتمت
ملك بتغيير حال المرأة، ونقلها من الآلية الصامتة إلى الشخصية الإنسانية
ذات الحقوق والواجبات. وقد انطلقت، في حركتها الإصلاحية، من مصلحة الأسرة
والوطن، ورأت أن هذه المصلحة تقتضي رفع المستوى الزوجي، وأن رفع المستوى
هذا يرفع الحياة الاجتماعية في الشرق عامة، وفي مصر بنوع خاص. وبانطلاقها
من هذا المبدأ استطاعت أن تظهر للجمهور بمظهر المصلحة لا بمظهر الثائرة
الناقمة، واستطاعت أن تنال الرضى العام، والتأييد الاجماعي.
أهم أعمالها
:
أسست
اتحاد النساء التهذيبي، ووضعت برنامجا لمشغل هام لم تتمكن من تنفيذه، وجمعت
كثيرا من التبرعات لمنكوبي طرابلس، وأسست مدرسة في بيتها لتعليم التمريض
بمناسبة الحرب العالمية الأولى، وقد حاكت بيدها 100 بذلة كاملة للهلال
الأحمر المصري. ولم يكن شيء من ذلك كله ينسيها ما يجب عليها لذوي رحمها،
ومن يقع تحت ظهرها- ممن أجهدهم الفقر وأعوزتهم الحاجة- وأشد ما كان برها
لوالدها فكانت تألم أشد الألم لألمه.
أما في
الخارج فكان لها صاحبات ومكاتباتها كثيرات منهن، ولها كثير من الرسائل التي
لم تنشر. وقامت ملك بإهداء كتابها ( المرأة المصرية ) للأمريكية اليزابيث
كوبر التي مدحتها. وقد اشتغلت بالسياسة ونشرت مقالا حماسيا في جريدة الشعب.
وكانت باحثة البادية متدينة ورعة، إذ كانت ترتب كثيرا من الإعانات للفقيرات
وتعنى بإرشادهن إلى النظافة والتعليم.
آثارها
العلمية والأدبية:
1)النسائيات : مجموع ما خطبته وكتبته في الجريدة خاصا بالمرأة.
2)حقوق
النساء : لم يطبع بعد أن أنجزت منه ثلاث مقالات.
3)رسالة
ضافية قدمتها للمؤتمر المنعقد في مايو سنة 1911 بمصر الجديدة.
خصائص في
كتابتها النثرية:
إنَّ
الناظر في كتاباتها المختلفة يرى عبارة سهلة صحيحة الألفاظ عربية خالية من
تصنع السجع. وكان أسلوبها في المعالجة فهو أسلوب التحليل والتعليل ومن ثم
الإقناع في غير قسوة ولا عنف ولا تطرف. وقد بينت حالة التخلف التي كان
الشرق يتخبط فيها، وبينت حالة المجتمع المصري في عهدها، وما كان عليه من
التفكك والبؤس، وراحت بلباقة جذابة، وصراحة حافلة بالعذوبة، وعاطفة جياشة،
وحب صادق لوطنها، وتطلق صوتها في كل أذن وفي كل قلب، ولا سيما وإنها تحارب
العادات السيئة، ولا تتنكر للتقاليد النافعة، وتتمسك بتعاليم الشريعة
الإسلامية في إخلاص، كما تتمسك بشرف العروبة ومصر في غير مهادنة ولا
اضطراب.
شعرها:
قالت
الشعر وهي في الحادية عشرة من عمرها، وكان بدء أمرها فيه أن تقوله معارضة
لما تحفظه في المدرسة تارة جدا وتارة هزلا. ثم كان لها من حسن استعدادها
وكثرة قراءتها ونبوغ والدها فيه خير معوان على تعبيد سبيله. وأكبر ما كانت
تتناوله من الأغراض غرض واحد وهو ترقية المرأة الشرقية. وشعرها حسن
الديباجة جميل الأسلوب يعد في الدرجة الوسطى من شعر هذا العصر. فمن شعرها
قالت تخاطب المرأة المصرية:
سيري كسير
السحب لا تأني ولا تتعجلي
لا تكنسي
أرض الـشوا رع بالإزار المبسل
أما السفور
فحكمه في في الشرع ليس بمــعضل
ذهب الأمة
فيه بين محرم ومحلل
ويجوز
بالإجماع منهم عند قصد تأهل
ليس النقاب
هو الحجا ب فقصري أو طولي
فإذا جهلت
الفرق بينهما فدونك فاسألي
من بعد
أقوال الأئمة لا مجال لمقولي
لا أبتغي
غير الفضيلة للنساء فأجملي
خلاصة آراء
ملك في :
الزواج،
الحجاب والسفور.
البيت
والمدرسة.
الأمراض والعلل التي تتعرض لها نفيسة الرجل والمرأة
الزواج:
تهيئة
المجتمع الراقي تكون أولا عن طريق الزواج الموفق، وأسباب إخفاق الزواج
كثيرة أهمها الجهل الذي يجعل الفتاة تقترن بمن لا تعرفه، وتعدد الزوجات
الذي يثير الأحقاد ويهدم الأسرة، وعدم الاهتمام للسن في الزواج مما يشفي
الزوجين ويضر بالأبناء، والزواج بالأجنبيات يخلق الخلافات. والجهل هو أساس
التخلف الذي هيمن على الشرق بمجمله . وهو في الزواج داء مريع، و" نتيجة
شقاء الزوجين وعدم الوفاق بينهما مقدماتها جهل أحد الزوجين بالآخر، وزواج
مختلفي الطباع، متعلم وجاهلة بالعكس، أو غني وفقيرة، ومختلفي الدين والبلد،
والطمع في الغنى بغير نظر في الأخلاق، والزواج القسري، وتأويل الدين الحنيف
على غير ما أريد منه في أحكام الزواج والطلاق" .
وأما
تعدد الزوجات فهو أمر فضيع في نظر الباحثة، " هو عدو النساء الألد،
وشيطانهن الفرد، كم قد كسر قلبا، وشوش لبا، وهدم سرا،وجلب شرا. وكم من برئ
ذهب ضحيته، وسجين كان أصل بليته، واخوة لولاه لما تنافروا، ولا تناثروا ...
انه لا سم فضيع ممتلئ وحشية وأنانية ... "
وأما في
شأن سن الزواج فقالت الباحثة : " على ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من
الوفاق والمحبة، والواجب ألا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج، كفؤا
لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة ... وزواج مختلفي السن إضعاف
للنسل، وشقاء للزوجين، وقلب لنظام الطبيعة الدقيق" .
وأما
الزواج بالأجنبيات فترفضه الباحثة بشدة لأن الأم تغذي الطفل بميولها
وطباعها ولغتها كما تغذيه بلبنها، وقد تضيع الوطنية عن طريق مصاهرة الأجانب
.
الحجاب
والسفور:
تذهب الباحثة في هذا الموضوع مذهب اعتدال ؛فتؤيد فكرة
السفور ولكن بعد المجتمع الشرقي قد انتقل من مرحلة الجهل إلى مرحلة النور .
وهي تقول في ذلك : "مجموع
رجال مثل مجموعنا الحالي لا يصح بحال ما أن يوكل إليه أمر المرأة وتترك
عرضه لسبابه وقلة حيائه، ومجموع نساء كنسائنا الآن لا يفهم ألا ما يفهمه
الرضيع يصبح سفورهن واختلاطهن بالرجل بدعة لا انتهاء لشرها".
البيت
والمدرسة:
ترى الباحثة أن الأسرة الواحدة يجب أن تكون تامة الامتزاج،
مرتبطة بالحب الصحيح؛ وهي تقول: " كما يتوارث الأولاد اللون والخلقة عن
والديهم يجب أن يتوارثوا عنهم أيضا أخلاقهم الحسنة ومميزاتها ". وهي تطلب
من الزوجين أن يتجنبوا الكلفة فيما بينهما، وتطلب من الزوجة أن تظهر في
عيني زوجها بمظهر البشاشة واللطف والأنوثة، وأن تتجنب التدخين والمسكرات،
وأن تحافظ على رشاقتها بممارسة بعض أنواع الرياضة البدنية، وإلى جانب ذلك
كله تحذر ملك حفني ناصف الزوجة من الغيرة الشديدة الجامحة، لان مبدأ عدم
الثقة هدام للحياة الزوجية، وتقول: "الغيرة
القليلة ممدوحة؛ لأنها تدل على حب الشخص للآخر وعلى اهتمامه به ... وأما
إذا استعملت الزوجة الغيرة في غير موضعها فإنها تشقي زوجها، وتشقي أهله
وأهلها".
وتتوجه
باحثة البادية إلى الرجل فتطلب منه أن يتجنب الطمع، وظلم المرأة، والازدراء
بها؛ لأن طمع الرجل مهواة لا قعر لها، وظلمه للمرأة استبداد لا يطاق،
وازدراؤه لها حقارة ما بعدها حقارة، وهي تقول: " إن الدين لم يسمح بتعدد
الزوجات وبالطلاق هكذا من غير شرط كما يفعل الآن رجالنا، وإنما جعل لهما
شروطا وقيودا لو اتبعت لما أن منها النساء البائسات" . وهي تقول أيضا : "
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فكيف ورجالنا على هذا الاستبداد يأملون
إصلاح الأمة، وتربية أبنائها على حب الاستقلال والدستور. أما والله لو
أرانا
رجالنا عناية واحتراما لكنا لهم كما يحبون، فما نحن إلا مرآة تنعكس علينا
صورهم، ولنا قلوب تشعر كما يشعرون. فان أردوا إصلاحنا فليصلحوا من أنفسهم
وإلا فلينظروا ماذا هم فاعلون" .
أما في
شأن تعليم المرأة فالباحثة تطالب به بكل قوة، لأن العلم يوسع آفاقها، ويجعل
منها أماً صالحة لتربية أبنائها تربية تؤدي إلى رقي المجتمع وتقدم الأمة.
وفاتها:
توفيت
ملك باحثة البادية في 12 تشرين الأول 1918 بعد أن عاجلتها الحمى الأسبانية
. فمشى في مشهدها كثيرات من الكبيرات وتلميذاتها وصديقاتها وعارفات فضلها.
ودفنت في مدفن عائلتها بالإمام الشافعي. وعلى أثر وفاتها اجتمعت طائفة من
النساء لتأبينها يوم الأربعين لوفاتها في الجامعة المصرية برئاسة هدى هانم
شعراوي . واجتمعت طائفة من الأدباء لتأبينها يوم الأربعين في نفس القاعة
التي حاضرت فيها.
ورثاها
أبو الوفاء محمد فقال:
يا مصر قد
أفل القمر فسجا ظلامك واعتكر
لم يبق في
فلك السما من كوكب إلا انكدار
وتكدرت شمس
الضحى والجو أظلم واكفهر
أسفا على
ذات العفا ف وربة الفضل الأبر
يا روضة
الأدب التي غاضت كلمح البصر
فاضت لموتك
عبرة حرى هتون كالمطر
جرعتنا مر
الأسى وأذاقتنا الثكل الأمر
لما وردت
مناهلاً للموت ليس لها صدر
يا ربة
القلم الذي أحيا القرائح والفكر
لك في
النظيم قصائد تزري بمنظوم الدرر
لك في
النثير رسائل رقت كأنفاس السحر
عقد تحلى
جيد مصر بحسنه ثم انتثر
عمر النوابغ
لمحة تمضي كأعمار الزهر
وكذاك أوقات
السرو ر مجرب فيها القصر
رحم الله
ملك ناصيف وغفر لها.
المراجع:
1.ذكرى
باحثة البادية، باسم عبد الملك.
2.الجامع في
تاريخ الأدب العربي ـ الأدب الحديث، حنا الفاخوري. دار الجيل ، بيروت.
3.أساطين
النهضة الحديثة في النثر.
|