أول قصيدة للقروي
لنـا وطنٌ
لنـا وطنٌ هـلاّ سمِعـنا نحيـبهُ
وهلاّ رأيـنا ضعـفَه وشحوبَـهُ
إذا كان حبُّ الغيرِ فرضاً على الفتى
فكم هو فرضٌ أن يُحبَّ قريبَـه
لعينـيكَ يا لبـنان قُـوتي وقوَّتي
وتعـرفني غضَّ الشبابِ رطيبَـهُ
لأنتَ حبـيبي قبلَ أيِّ حبــيبة
وإنِّي محبٌّ لا يخـون حبـيـبَهُ
حملتُ صـليبي قاصداً أرضَ موعدي
فمن شاءَ فليحمل ورائي صليبـهُ
الفتنة الكبرى
عرتني خشــيـةٌ لله لـما رأيت الشمس تأذن بالشروق
فلم أرفع يدي بالحمد حتى ذكرت بضاعتي وكساد سوقي
ولما قمت منصرفاً لشأني تذكرت الصلاة على الطريق
* * *
حملت بضاعتي .. ألقي اتكالي على المولى ووعد من صديق
فلم أبصر جمال الروض حتى عرتني هزة الشعر الرقيق
ولما عدت من نظم القوافي تذكرت الصديق على الطريق
* * *
وإني في ذهول الشعر يوماً أحوم به على غصن وريق
إذا بحمامةٍ تبكي بكاءً له جمدت دمائي في عروقي
فلما ذاب في سمعي صداها تذكرت القريض على الطريق
* * *
سمعتُ كمنجةً في كفّ أعمى تثير كوامن الحس العميق
فلما كنتُ منجذباً إليها ومِلْتِ إلي ّ
بالقدِّ الرشيق
ذُهلتُ عن الصلاةِ وكسبِ رزقي وشِعْري والكمنجة والطريق
لبنان مل
نبِّهْ جفونكَ من لذيذ منامِ
طلع الصباحُ على ربوع الشامِ
ما ضرَّ من أفنى الحياةَ مُسهَّداً
أن بات يُوقَظ مرَّةً في العام
يا سيّدَ القلمِ الذي انقادت لهُ
يومَ النضال أعنّةُ الأقلام
بشرى إليكَ نزفُّها وقلوبُنا
فُلْكٌ على دمع السرورِ الطامي
نزلتْ كرضوان العليِّ وغلغلتْ
كالمُزْن بين جنادلٍ ورَغام
وسرتْ مُروِّحةً رُفاتَكَ بالندى
والبُرءِ تلمس موطنَ الآلام
وتعيد حجرتَكَ الوضيعةَ قبّةً
زهراءَ تُطلع ألفَ بدرِ تمام
ما أنتَ بعدُ من الردى في غمرةٍ
بل أنتَ في شفقٍ من الأحلام
لبنانُ ملَّ سريرَه وأبلَّ من
شللِ الخمول وسُلِّ الاستسلام
غسل «الدخانُ»(1) من الشحوب جبينَه
وكم اكتسى من ثلجه بقَتام!!!
****
لبنانُ يا وطنَ الجمالِ ومُنجبَ الْـ
أبطالِ والصُيّابة الأعلام
كم قد نصحتكَ فاتَّهمتَ نصيحتي
أفأقنعتْكَ حوادثُ الأيام؟
يهديك نورُ العلمِ يا أعمى ولا
يهديكَ غيرُ اللّهِ يا متعامي!
أسلمتَ للأمّ الحنونِ(2) فقل لنا
أَوَجدتْها خيراً من الإسلام؟
يمشي الغريبُ إلى خِوانكَ ساخراً
ويؤوب بالإجلال والإكرام
كرمُ الخِلالِ جنى على أربابهِ
يا ليتَ أهلَ الشامِ غيرُ كرام
أنا ما رأيتُ فضيلةً مكروهةً
كتواضعِ الأعراب للأعجام
****
أ فَتَى الشمال وفي يمينك مُصحَفٌ
للمجد خُطَّ بشفرة الصمصام
بجراحكَ اشْفِ جراحَ نفسكَ في العُلا
ما الجِلدُ خيراً من فؤادٍ دام
هبْ كان راعيكَ «المسيحَ» وداعةً
أيردُّ عنك شراسةَ الضرغام؟
حبُّ السلامِ إذا تجاوز حدَّهُ
أفضى إلى موتٍ بغير سلام
إني أُعيذكَ أن تظلَّ مُعَلّقاً
بنطاق مطرانٍ وذيل إمام
إن الأُسودَ إذا تولّى أمرَها
راعٍ فقد حُشِرتْ مع الأغنام
****
كم ذا تَشيد على أساسٍ واهنٍ
والبيتُ مفتقرٌ إلى هَدّام
قَصْرُ الذليلِ مَقمّةٌ ولَوَ انّهُ
أوفى سُرادقُه على الأجرام
لا ترجُوَنَّ بالانتداب تقدُّماً
ما في بلاد النورِ غيرُ ظلام...
حتّامَ تستجدي وأرضُكَ جَنّةٌ؟
وإلامَ تستندي وغيثُكَ هامي؟
****
من شطّ «بحر الكنجِ» زأرُ غضنفرٍ
أشجى لسمعي من هديل حَمام
صوتٌ يردّده مسيحُ الهند(1) في
«دلهي» لتسمعَ يا مسيحَ الشام
ذُدْ عن حماكَ ونادِ باستقلالهُ
لا ترعَ فيه خواطرَ الحُكّام
حَرِّرْه من رقّ السياسة أوّلاً
يُنجبْ محرِّرَه من الأوهام
ماذا يطيق من الفعال مُقيَّدٌ
بزمامِ غيرِ مُقيَّدٍ بذِمام؟
جرِّدْ لهم غصنَ السلام فربما
أغناكَ عن تجريد ألفِ حسام
إن كَلَّ زندٌ لن تكِلَّ إرادةٌ
والعزمُ في الأرواح لا الأجسام
أفنيتُ أعدائي بسيف تجلُّدي
وبرئتُ عند اللهِ من إجرام
إن عفتَ تِبْغَكَ في القصور فإنني
قد عفتُ قبلكَ في السجون طعامي!!
|