تعارف
استيقظت عند الضّحى، فركت عينيها النّاعستين بلطف تطرد بقايا كسل،
ألقت بيدها إلى هاتفها الجوّال تكتشف السّاعة... نطّت في سرعة إلى الخزانة،
حشرت جسمها داخل بنطال الجنز، بحثت عن قميص مناسب ذي لون فاتح لكنّها سحبت
أخيرا ما طالته يدها... وقفت قليلا أمام المرآة، سرّحت شعرها بأصابعها، رشّت
عطرا على جيدها وهمّت بالخروج، لم يبق على الموعد إلاّ ربع ساعة !.
***
استيقظ باكرا على صوت المؤذّن فجرا. أسند ظهره إلى الحاشية وتلمّس
بيديه أزرار المذياع، جاء الصّوت محشرجا بابتهالات دينيّة، أرخى أجفانه واستسلم
لتأمّلاته اليوميّة.
***
استدارت وعادت إلى المرآة، بدت لها صورتها شاحبة كسلى مشوّهة ببقايا
النّوم، وضعت أحمر شفاه، وبقرصات سريعة تورّد الخدّ. انتبهت إلى عدم تناسق
القميص مع البنطال مع الحذاء مع الحقيبة !. أفزعها ذلك، ماذا سيظنّ بها ؟ لا
تحسن اختيار الألوان ؟ تهمل أنوثتها ؟
***
لم يخرجه من خدره إلاّ صوت الصّفير القصير في المذياع يعلن الوقت :"
عند الإشارة تكون السّاعة السّابعة صباحا " ثمّ يعود الصّفير السّريع متبوعا
بموسيقى نشرة الأنباء.
هاله أنّ موعده معها ما زال بعيدا...
***
انحشرت داخل خزانتها فغيّرت حقيبتها الجلديّة بأخرى من القماش
الأزرق، وحذاءها الرّياضيّ بآخر من الجلد الأسود. وقفت أمام المرآة، استدارت
بقوامها، تأمّلت جسمها الفارع، هالها ! القميص الفضفاض يخفي جمال البنطال، يحجب
تقاطيع دبرها !.
***
سيبقى في الفراش إلى الثّامنة، عندما تأتي خادمته العجوز سيطلب منها
أن تكوي له قميصه الأبيض، سيرتدي بدلته السّوداء الأنيقة وتضع له ربطة عنق
مناسبة، سيطلب منها أن تلمّع حذاءه الأسود أيضا، سيرشّ عطرا خفيفا وسيحلق
لحيته..
***
مرّة أخرى تنحشر داخل خزانتها.. تلقي بالقمصان فوق السّرير، عثرت
أخيرا على قميص أحمر قصير، تأمّلت نفسها في المرآة...
إنّها مستعدّة الآن للّقاء ، مظهرها أنيق ومحترم.
رشّت من جديد عطرا على جيدها وانطلقت إلى الخارج تلوّح بيدها إلى
سيّارة تاكسي.
***
تلمّسها بأطراف أصابعه فبدت له ناعمة ملساء، ابتسم، لقد حلقها
البارحة قبل أن ينام، كما أنّه أخرج بدلته السّوداء وربطة العنق الأنيقة ولمّع
حذاءه بنفسه، ومسح نظّارتيه جيّدا.
كيف نسي كلّ ذلك؟؟ كيف؟
راجع التّفاصيل جزءا جزءا... تذكّر عصاه، فهبّ من الفراش يتلمّس
الجدار بيديه وأطراف السّرير برجليه...
|