ولدت خديجة الجراح (النشواتي) والمعروفة باسم «أم عصام» في دمشق عام 1923،
وتلقت تعليمها في دمشق، ولا يعرف عنها المشاركة في عمل أو نشاط اجتماعي أو علمي
أو تعليمي، ولكنها
برزت قاصة من خلال مجموعتيها «ذاكر يا ترى» (1960) و«إليك» (1970)
ثم تابعت إبداعها في روايتها المشتركة مع هيام نويلاتي الشاعرة «أرصفة السأم»
(1973)،
ومجموعتها «عندما يغدو المطر ثلجا،» (1980)
أعمالها:
-
خديجة الجراح (أم عصام ـ وهيام نويلاتي): أرصفة السأم. دمشق 1973.
- خديجة الجراح (أم عصام): ذاكر يا ترى. دار الثقافة بدمشق 1960.
- خديجة الجراح (أم عصام): إليك. دار الأجيال ـ دمشق ـ 1970.
- خديجة الجراح (أم عصام): عندما يغدو المطر ثلجاً. مطبوعات دار مجلة الثقافة
في دمشق ـ 1980.
- خديجة الجراح (أم عصام): غداً يوم آخر. دمشق 1985.
كُتب
القليل عن أدب خديجة الجراح، ونذكر منه:
- د. هيام ضويحي: الرواية النسائية في سورية 1946 ـ 1985. دراسة مشهدية نقدية ـ
مطبعة العجلوني ـ دمشق 1992.
- د. ماجدة حمود: الخطاب القصصي النسوي ـ نماذج من سورية. دار الفكر المعاصر.
بيروت ـ دار الفكر ـ دمشق 2001.
عضو جمعية القصة والرواية.
توفيت عام 2000
أدب الكاتبة خديجة والهموم النسوية
مثلت خديجة الجراح (1923-2000)(18) في أدبها هموم النسوية متلفعة
بأردية رومانسية على أن الرجل ذئب مفترس للمرأة غارق في المتع الرخيصة والتسلية
مع المرأة جسداً دون عناية بالقيم من جهة أو كرامة المرأة من جهة أخرى، وتعللت
الجراح في غالبية قصصها بزخم العاطفة وفيض المشاعر من المرأة إلى الرجل منعزلة
عن اشتراطاتها الاجتماعية وتحليلها النفسي مما لا يراعيه الرجل أبداً. ثم مازجت
في بعض قصصها الأخيرة هذه الهموم النسوية بهموم الوطن.
واللافت للنظر أنها عنيت باسم الرجل حين ربطت اسمها على أغلفة كتبها
باسم ابنها «عصام»، فكتبت «أم عصام»، وأضافت اسمها الحقيقي خديجة الجراح
النشواتي إلى صفحة الغلاف الداخلية، و«النشواتي» هو اسم عائلة زوجها.
إن نظرة فاحصة لقصتها المتوسطة من حيث الطول «ذاكر يا ترى»(19) (تقع
في 63 صفحة من أصل صفحات مجموعتها التي بلغت 192 صفحة) تكشف عن تفكيرها القصصي
برمته، فالقصة ببساطة هي تعلق «سمر» بـ «عامر» لدى رؤيته أول ذلك على الرغم من
معرفتها بزواجه واعترافه لها أن ثمة قطيعة وجفاء مع زوجته مما نمىّ اللقاء
المتواصل بينهما في غرفة النوم.
تباعد القاصة بين طبيعة هذا التعلق ومحيطه الاجتماعي وشروطه
التاريخية في احتوائها على خصائص الفضاء القصصي من أعراف وتقاليد، فلا تذكر
شيئاً عن اللقاء في غرفة النوم سوى التقبيل والضمّ، ولا تحفل بنظرة «عامر» إلى
المرأة سوى أنها مادة للتسلية والإمتاع بالنسبة إليه، ولا تفكر سحر بمسوغات
العلاقة ونتائجها سوى أنها حب المرأة للرجل، ولا تعنى بدوافع المنظور السردي
التي تعلل تتالي الحوافز القصصية، فتتكرر اللقاءات في فيض الإنشاء اللغوي
العاطفي بطوابعه الرومانسية، وتتفاقم هذه الوطأة على الذات دون تعليل عندما
اتهمها بالتفاهة والعادية ما لم تتجاوز حال العلاقة من طرف واحد، وتنخرط في
عشرات العلاقات الأخرى، فما كان منها إلا أن قررت «الأخذ» بأفكاره، وأن تعيش
«كما يريد» (ص61) متخلية عن تفاهتها وعاديتها متمادية في الخوض في تطبيق مبادئه
وهي التفريط في العلاقات من الزواج إلى لقاء الرجال، واختصرت وجهة نظرها
بالعبارات الختامية التالية:
«علمتني كيف أحيا..
علمتني كيف أكفر بالحب.. وأتفهم الغاية..
لقد أصبحت امرأة ناضجة.. امرأة غرست فيها أفكارك لكنك خسرتها..
لم تعد العيون الوالهة تسكب فيَّ شيئاً..
لم تعد أيامك تعني لي سوى أيام عشتها وأنا جاهلة الواقع..
لم تعد الكلمات المعسولة تعني لدي شيئاً..
لقد عرفت الحقيقة وفهمتها..
ودعت سمر عامراً بنظرة أخيرة.. حين كانت الدهشة تعانق وجهه.. وشيء
من الحسرة يسري في جنباته!
الحسرة على ماضٍ بعيد طوته الأيام..» (ص63)
وثمة قصص أخرى لا تفترق عن هذا الموضوع على أن المرأة ذائبة في حب
الرجل، بينما لا يستحق الرجل هذا الحب مما يدفعها إلى محاولات تخطي هذه
العلاقات المتعبة التي تؤدي إلى شقاء المرأة وعذابها، وتفرط القاصة في وصف
معاناة المرأة باللغة بالدرجة الأولى، ونلاحظ أن المجموعة الثانية «إليك» لا
تحمل ثقة بهذا العنوان، لأن قصص المجموعة برمتها تدور في فلك هذه النظرة التي
أوجزتها في العتبة المفتاحية في الصفحة التي سبقت صفحة العنوان الداخلي:
[من ظلمك أثور.. وفي دوامة حبك أدور
تفجعني.. تسعدني.. ترهبني.. تسكرني..
تبعدني.. تشدني
اشتكي منك وعلى يديك أرتمي
أهرب منك.. والى صدرك احتمي
إليك أهدي «إليك»] (ص1).
وأذكر قصة «الستائر الخضر» أنموذجاً لأسلوبها في مجموعتها الثانية
«إليك» الذي لا يختلف أيضاً عن كتابتها في مجموعتها الأولى، فهي قصة تدور حول
لقائها به مصادفة «وبسهولة لم تكن تحسبها انصاع إليها كغنيمة جديدة صاماً أذنيه
عن الهمسة الصادقة ليضعف أمام الإغراء الحوائي الكبير.. وتتسلل قدماه كغيره إلى
الغرفة العجيبة، ويرتمي على سرير اللعب.. ذلك الشاب تميز عن غيره لديها.. لقد
تعلق بها الكل.. أما هذا فلم تعرف الملك بين ذراعيه القويتين بل صهرت تجاربها
وخبرتها في سبيل الاحتفاظ به (ص85).
ثم آلت الخاتمة إلى الوجهة إياها: ضغوط الضياع والحسرة والعذاب
والألم عليها لدى معرفتها بزواجه من الصديقة ذات الهمسة الصادقة:
«حينذاك عادت إلى غرفتها العجيبة والى ستائرها الخضر.. توهم نفسها
بأنها ستبحث كالماضي عن صيد معتق جديد لتعيش في ألق سحر جديد.. لكن القنديل حين
يخبو ويصبح في النزع الأخير. هيهات أن يحس بالحياة ثانية» (ص86).
وطوّرت القاصة نزوعها الرومانسي في مجموعتها الثالثة «عندما يغدو
المطر ثلجاً» بمقاربة أوثق لعنصري التوتر والتكثيف تخفيفاً للاسترسال الإنشائي
اللغوي وملامسته لمبنى استعاري عن طريق التحليل النفسي ودقة الوصف المجازي،
فالعلاقة بين المرأة والرجل لم تغادر مثواها الأثير عند خديجة الجراح عندما
يكثر الرجل من علاقاته بالمرأة، ويترك من تحبه أسيرة لقيود عشقها، ثم تسعى
جاهدة للخروج من هذا الأسر، وقد دللت على هذا المبنى الواقعي للعلاقة بإشارات
إلى مبنى استعاري من خلال حرارة العلاقة وبرودتها وانهمار الثلج والمطر والتجمد
أو انقطاعه:
«ما أرهب المسافة بين نقطة البداية ونقطة النهاية..
يجمد في عينيها كل شيء، يتكاثر الثلج في الخارج يكللها على الرصيف
وهي تغادر السيارة.. تقف فترة.. تستسلم إليه وهو يمحوها كتلة بياض ناصع.. يوشوش
الصغار: عندما كنت مطراً شاركتني عيناك. تسره: عندما تتكاثر البرودة يغدو المطر
ثلجاً.. تدخل بيتها.. وتسحقها غربة كبيرة حتى الصقيع».(ص120).
وجعلت القاصة الإهداء من هذه الوشوشة وهذا الإسرار تغليباً لعذاب
المرأة من خذلان الرجل لها وخيبة الحب. غير أن المجموعة الأخيرة حوت قصصاً
جاوزت فيها المرأة هموم النسوية، على لارغم من التباس هذا المصطلح في النظرية
والتطبيق إلى حد ما حين اعتنت بدواخل المرأة وتحليلها نفسيتها ووعيها الأوضاع
الاجتماعية والإنسانية برفض أن تكون المرأة رقماً ضائعاً في قصتها «الرقم
الضائع» فهي «طوال حياتها كانت تحاول أن تمتلك شيئاً بين قبضة أصابعها ولا تجد
إلا الفراغ.. فراغاً رهيباً أحرقت معه سني عمرها الضائع.. هي المرأة الشرقية
التي خلقت من فراغ قوقعة وتربت بين جدران قوقعة.. وشبت وعرفت الصبا والقوقعة
تحنطها.. حتى في عمر النضج والمعرفة ما تزال تسبح في قوقعة ودوامة رهيبة من
التساؤلات: علام حصلت كامرأة شرقية؟» (ص29) وختمت الجراح قصتها والسؤال ما زال
مفتوحاً: «إلى متى أظل رقماً ضائعاً بين الملايين» (ص43).
ووضعت خديجة الجراح روايتها الوحيدة «أرصفة السأم» بالاشتراك مع
الشاعرة هيام نويلاتي. وتميل الرواية إلى الاشتغال على الهموم النسوية الناجمة
عن الزواج والأوضاع الاجتماعية التي تندرج في مآل اضطهاد المرأة وافتقادها
للحرية، وتستخدم شيئاً من التحليل النفسي الذي يتلاقى مع توصيف النمط الاجتماعي
السائد الذي تبدو فيه المرأة منسحقة تحت وطأة الهيمنة الذكورية حين تصير المرأة
إلى مجال إمتاع للرجل الغارق في الفسق والملذات والفساد. وتصور الرواية تعلق
«ماريا» برجل اسمه «حبيب» الذي أوحى إليها بتقديره للمرأة ومكانتها في التقدم
الاجتماعي، بينما هو مخادع كاذب متلاعب بالمشاعر ومجالها الرئيس: المرأة، على
أنها متزوجة، ويعمل زوجها تاجراً في لندن، فيضطر إلى السفر كثيراً، وتصفه بمثل
مآل أوصاف «حبيب» في النهاية، فهو زير نساء، لا هم له سوى ارتياد أماكن
الابتذال ومطاردة النساء البغايا والمتاجرات بأجسادهن. وعمدت المؤلفتان إلى جعل
العلاقة بالزوج لفظية عن طريق الرسائل، أما العلاقة العملية فكانت مع الحبيب
والعشيق «حبيب» الذي لطالما التقت به في الأماكن العامة وشبه الخاصة.
وتقترب الرواية من دفق النجوى واسترسالها الحواري مع الذات والآخر
داخل سيارة المرأة «ماريا» غالباً. بما يقترب من كشف النوازع الذاتية
الرومانسية عن التعلق بالرجل، وقد غطاها الأسى والتأسي على حال المرأة مع الرجل
المخادع لدوام استهلاك المرأة مادة للمتعة والتلذذ. ثم عاد الزوج إلى بلاده،
ولم تنقطع اللقاءات بين ماريا وحبيب، ويلحّ المنظور السردي على التماثل بين
ذوبان الرجلين في الابتذال المرفوض من قبل المرأة: الزوج في لندن، والعشيق في
دمشق، إلى أن لمحت ماريا خاتم الخطبة في إصبع العشيق، وواجهته بذلك، ولم يهتم،
بل كذب عليها بأن غيابها عنه هو السبب الذي أوقعه في علاقته بمن خطبها، مما
أوقعها مجدداً في الحيرة والتردد حول استمرار العلاقة معه أو العودة إلى زوجها،
إلا أن الأمر الضاغط عليها هو «السأم» من كل شيء، وكأن الذكورة قدر ظالم وجائر
على الأنوثة، فالرجل غارق في خيانة المرأة التي تدفع المرأة دفعاً إلى العلاقة
مع الرجل دون أن تسميها خيانة.
وبدا تأثير الوجودية في المنظور السردي طاغياً، وقد تلونت بتلوينات
التحليل النفسي والرؤية الاجتماعية، وثمة رواية لالبرتومورافيا بعنوان «السأم»
تقترب الرواية منها إلى حدّ ما في إطارها الأعم والأعمق بتصوير العلاقة بين
الرجل وعشيقته، والرجل وزوجته.. الخ. وتمتلئ الرواية بالحوارات والأحاديث
السياسية والفكرية والأخلاقية من منظورات المرأة الضيقة، فالمرأة تنتقد على
سبيل المثال زوجها، ولا تنتقد نفسها. بل تسعى لأن تعطي ذاتها سبل الرحمة
والرجاء لدى المتلقي من تسلط الذكورة على القيم الاجتماعية. وتلوذ المرأة
بالشاعرية في ملامسة السأم الناجم عن غربة المرأة واغترابها في دنيا الرجل
ومجتمعه، ولا يحدد المنظور السردي مفهوم السأم وحدوده واندغامه بالفضاء
الروائي، لأنه ملفوظ يستلزم الإقناع أو الصدق الفني والتاريخي.
وتردد المؤلفتان من حين لآخر عبارات انتقادية للطبقة البرجوازية
والطبقة المتوسطة دون تمثيل هاتين الطبقتين في شخصيات الرواية، لأن هذه
الشخصيات كثيرة، و سرعان ما تغيب عن مشاهد الرواية، وهذا كله شديد الصلة بمستوى
الرواية الفني الذي يميل إلى النجوى الذاتية الخطابية عن حال المرأة المتأسية
من الهيمنة الذكورية، ولو كان الأمر عن طريق الإلماح والإيماء.
ووضعت خديجة الجراح مجموعة قصصية أخيرة عام 1985، عنوانها «غداً يوم
آخر»، وغلبت عليها الرومانسية في الدفاع عن خريف المرأة والمرأة التي تلتبس
ظروف حياتها مع المشكلات الناجمة عن المتغيرات الاجتماعية الجديدة، ونفحت
الجراح لشخوصها نفحة أمل وتفاؤل وسط صعوبات الحياة المستمرة على المرأة. وثمة
مواقف متكررة في هذه القصص لنساء يفقدن العمر، ولا يردن أن يخسرن كلّ شيء، وهي
مجازفات على سبيل الأمنيات، ولا تجد تحققها في الواقع، على أن ذلك محاولة
للتشبث بحنان الرجل وحمايته وصداقته على أقل تقدير ومحاولة لرؤية الحياة
المريرة على المرأة بروح باسمة.
وصفت الجراح في قصتها «بقايا مائدة» سيارة حمراء كبيرة وركابها،
وتداعيات الصور والأفكار لهؤلاء الركاب الثلاثة في المقعد الأمامي والثلاثة في
المقعد الخلفي.
وانداحت الخواطر في دواخل نساء المقعد الخلفي، فقد تركت المرأة مع
ضيوفها مائدة عامرة، وهما عروسان على أبواب الحياة وزوجان منذ عشرة أعوام
وأحزان منذ عشرين سنة. وللمرأة أولاد خمسة، وقد رحل الكبير إلى روما للدراسة،
والثانية صبية جميلة بريئة، والثالثة صبية حلوة ناعمة لم تبلغ العشرين بعد،
والرابعة صبية صغيرة، والأخير طفل في العاشرة، وثمة شعور وحشي يمزق حنايا الأم
من قسوة الحياة. وتوقعت أن يأتي يوم تترك فيه دارها على بقايا مائدة فقط، فهو
خوف الوحدة والغربة، وتوالت حالات هجوم المخاوف على هؤلاء الركاب دفعة واحدة،
ولكنهم نجوا بصعوبة من حادث السيارة.
وتألمت المرأة في قصة «دائرة الضوء» من ذكرى علاقته ببثينة، ثم
استرسلت في حديثها عنه طلباً لمحاورته، والتساؤل مستمر حول نوعية هذه المرأة:
عادية أم لغز؟ والاعتراف حاصل بالتطورات الاجتماعية والطبقية، وهي امرأة جبارة
لا تتعب من المغامرات، وتذكر أنها سرقت حبيبها منها أيضاً، واختلطت صورة المحدث
بحبيبها المسروق، وانداحت المشاعر رافضة نموذج بثينة، وصعد أنموذج المرأة
القوية في قلمها وروحها: «وأنا أشعر بنمو وردة جديدة في أعماقي.. وردة الصبر
والانتظار الطويل» (ص13).
وسمعت لينا في قصة «كانت» كلمات الإطراء كلما خرجت إلى الشارع، ثم
يسمع المتلقي على الفور نغمة الخوف من الزمن الذي يهزم الجمال والشباب، وانتقل
القصّ فجأة إلى مرحلة تقدم لينا بالعمر، وتعليق الفتيات والنساء حول دخولها
الأربعين، وعرفت متأسية أنها خسرت صديقتها العزيزة بالموت، وأصبحت لينا حزينة
مع خريف العمر، ولطالما توجعت من كلمة «كانت»، فهي وحيدة إذن، وأمعنت في تأمل
علاقتها مع حماتها وبيت الزوجية، ورأت في لوحة الاتحاد النسائي العام مثاراً
للتغير في الحياة الاجتماعية والأفكار الرئيسة أمام ظلم الماضي: الأب والأسرة
والزوج والأولاد والعمر الذي يذوي رويداً رويداً. وقررت أن المرأة الآن تختار
حياتها في ظل التحرر المادي. والقصة بعد ذلك أنين روح ومرثية لعمر المرأة «عبر
الزمان الذي نحمله على أكتافنا حينما نكبر ونتعب» (ص22).
وتصف قصة «الكف» رحلة امرأة مع الكف والصفعات المرتبطة بها،
فالعينان حزينتان، وثمة سيارة مسرعة تخطف نجوى في الازدحام، وتتراءى صور ثلاثة
أكف ملونة مرسومة زرقاء وحمراء وسوداء، وتتوارد تعويذات أم لتذكر بالصفعات،
وتشير للسائق أن يتوقف، فما من أمل، كل شيء أسود، وهذا هو حالها في تذكر صفعة
الصديقة التي اختطفت منها زوجها، وهناك صفعات كثيرة مماثلة إزاء المشكلات
المتفاقمة على أن «الصفعة هي تلك الحرية العمياء»، وتصف حاجة المرأة إلى الرجل
وسلوك الرجل إزاء المرأة، ثم قررت التخلص من ذكرى الصفعات والتعامل مع حبيبها
كصديق، مثل كل صديق.
ورأت في الحب وهماً في قصة «رحيل الوهم» عندما عانت هيفاء من وهم
عادل، وعاملت عادلاً ودلالاً صديقين فقط أيضاً. بينما أوردت نظرة أخرى إلى
الحبّ في قصة «الساق الخشبية»، فقد التقت معه في سهرة، وكان ثمة توافق بينهما،
ودعاها آخر للرقص ففعلت، وكانت رجله من خشب.. وأحبته.. وأحبته، فالحب يصنع
المعجزات. ودافعت عن الرجل في قصة «على زند الصخور» من منظور التعاطف معه ما
دام مؤمناً بالقيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية حين فقد سيارته، وقد تذكر
كل شيء: بيته وزوجته وهو يغادر إلى حلب، فأسرته هي كل شيء بالنسبة إليه ماضياً
وحاضراً ومستقبلاً، وواجه حادثاً من جسر وارتمى على الصخور، ونجا من الموت،
وحمد اللّه أنه معه!.
وشكت من ذكورية الرجل إزاء المرأة في قصة «نزوة»، فسحر امرأة وحيدة
أرملة مات زوجها وابنها بعد سنة، وأحبت عمر حباً جارفاً صادقاً، وعبدته عبادة
وهو ادعى حبّه لها. كان متزوجاً، وأخبرها أنه لم يحبّ زوجته قط، وبقي معها
طويلاً وهي عاقر إرضاء لوالده، وتحين فرص الخلاص منها ليتزوجها، فصدقت سحر
كلامه، وقدّرت عاطفته، وقابلته حباً صادقاً نافية الرغبة في الزواج ما دام هذا
الحب مشتعلاً. ثم فجعها عمر، وتخلى عنها دون أن تعرف، وتعذبت في بيتها وحيدة،
ذات مساء قررت الخروج إلى أي مكان، وركبت سيارة أجرة، ودهشت عندما رأته يحضن
امرأة، وكتبت حبّها له وشوقها إليها، وأدركت أنه خدعها ولم يكن حبّه سوى
نزوة!.
وأظهرت قصة «رسالة» التباس معنى الحبّ بين زوج وزوجته بسبب رسالة،
اكتشف فيما بعد أنها من أخيها، فتصالحا وتعانقا، وعاتبها لأنها لم تشركه في
أحزانها.
ودانت الرجل الموغل في نزواته في قصة «الدمى» لفرط علاقاته بالنساء،
فغادرته الفتاة سلمى الخادم في بيته، ومشت في الشوارع الخالية التي أخذ نور
الشمس يملؤها على الرغم من تعلقها به، واستعدت لبدء حياة جديدة.
وتباينت المواقف بين الرجل والمرأة في قصة «أسرار الدروب الضيقة»،
فالمرأة الأم المتصابية خسرت ابنها، لأن إحساسها طاغ عليها بأنه أدرك علة
تصابيها، وتراءى لها مراراً دون حقيقة، فجلست وفي قلبها حسرة أن تراه أو
تلثمه(20).
خصصت خديجة الجراح إبداعها القصصي والروائي للعلاقة بين المرأة
والرجل على أن المرأة هي المحبة والصادقة، وإذا خرجت عن ذلك، فالرجل هو المسؤول
الذي يظلمها ويخدعها ويخادعها ويدفعها إلى الابتذال والمرض والموت، ثم طوّرت
تجربتها القصصية في مجموعتها الثالثة إلى وعي الشروط التاريخية والاجتماعية
الضاغطة على وجدان المرأة وتهميشها من قبل الهيمنة الذكورية وتسليعها للمرأة.
أضيفت في 09/03/2006/ خاص القصة السورية /عن كتاب
القصة القصيرة من التقليد للحداثة الصادر عن اتحاد الكتاب العرب
|