سأعود إليك
يغتالني ذلك الشعور بالشوق إلى وطني، ويستنزفني الوقت وأنا هنا.
أتفقد كل يوم أحاسيسي ومشاعري وانفعالاتي لأتأكد أنها مازالت تسكنني
وأسكنها، ما زال ذلك العشق لوطني يستعمر نهايات أعصابي.
يشدني خبر في الجريدة عن وطني، أو أية كلمة تأتي بذكره.
هنا في غربتي أستمتع بمشاهدة قناتنا الفضائية لأنهم ربما سيبثون بين
لحظة و أخرى مشهدا من مدينتي أو بقعة ساحرة في بلدي، و استعد للبكاء رغم
أنني لم أبكي عندما كنت هناك وكنت ألمس الأشياء ،لكن هنا أنا في كل لحظة
مستعد للبكاء.
لاتعرفون شيئاً عن زوايا العشق في دمشق القديمة ، ولا تعرفون شيئاً
عن ذاكرة الأحجار هناك، ولا تستطيعون أن تسمعوا لحنا يعزفه نبع في جبال
اللاذقية.
أما أنا فأتجول كل يوم في شوارع حلب قبل نومي أبدأ من قلعتها وأمر
بساحاتها وسط المدينة إلى حديقتها وأبنيتها وصولاً إلى بيتنا، أمد يدي إلى
جيبي لأخرج مفتاح بيتنا لأدخل، لكنني لا أستطيع الدخول، لأنه ليس ببيتنا
وليس فيه رائحة طبخنا ولا أحواض الزرع ونباتات أمي ولا صحون مطبخنا أو
أسرتنا وحتى أمي غادرته وأخوتي والجيران والهواء غادره فأعرف أني هنا ولست
هناك.
( الإجازة
السنوية ) مخدر نعيش عليه سنة كاملة لنتمكن من العيش في مكان آخر، مكان
اخترناه واختارنا لنمارس فيه عملنا، ولكن هناك كنا نمارس العشق والحب في
الطرقات في الأزقة في المعابد والجوامع في قنوات المياه، على الأرصفة في
المقاهي وفي امتلاكنا الدنيا كلها، فقط لأننا نجلس سوياً على شرفة منزلنا
وتعد امي أطيب قهوة في العالم ولها أشهى رائحة في الدنيا لأن أنفاس أمي
اختلطت بها .
فيا غربتي لا تطولي، ويا عمري لا تقصر، فأنا مازلت على موعد معها
هناك،
فيا سوريتي يا حبيبتي يا سيدتي ويا عطر جسدي ويا رائحة أمي وذاكرتي،
انتظريني سأعود إليك.
20-6-2006
فيروسات التفاهة
تطالعنا شاشاتنا العربية المعنونة تحت عنوان قنوات الأغاني كل يوم
بتحف فنية جديدة، وتتفتق عبقريتها عن وجوه جديدة كل يوم، لا نكاد نسمع بها
إلا وأضحت نجوما براقة في سماء ليالينا السوداء، وكأن ليالينا تفتقد للنجوم
التي تستطيع بنورها أن تيقظ الحس الفني فينا وتغني أرواحنا بالجميل
والراقي.
من هؤلاء ؟ ولماذا هم هنا ؟
في إحدى الجلسات لي مع الأصدقاء أفاجئ بشاب لم أكن أعرفه من قبل
وصدف وقابلته في تلك الجلسة، شاب لا يمتلك من الوسامة شيئا ولا حتى جزءا
يسيرا من المنطق أو الثقافة، يفاجئنا بخبر نزل كالصاعقة على أغلبنا، يقول
أن والده سيهديه مبلغا من المال في عيد ميلاده وأنه يعزم على إنتاج أغنية
خاصة به وفيديو كليب، لأنه وببساطة يرى أن فلان وفلانة ليسا أفضل منه ويقول
بكل ثقة (ايه ما حدى أحسن من حدى )، وطبعا مازلنا ننتظر بفارغ الصبر تلك
الأغنية وذلك الكليب اللذان سيغيران مجرى التاريخ وسيفتحان أفقا جديدة
للأغنية العربية .
ربما وجد هؤلاء ضالتهم في هذا المجال للحد من البطالة التي يعانيها
شبابنا العربي أو الفراغ القاتل لديهم من خلال تشكيلهم فريقا لإحداث هذا
الانقلاب الفني الرخيص والمبتذل .
فلا تسألوا عن الكلمات المفصلة على لحن مبعثر وإيقاعات خرافية
ومشاهد الابتذال التي ترافق كل هذه الضجة اللافنية.
فمنهن من تتساءل هو خطيبي كان أسمو ايه والأخرى ما زالت تقف على
الروف لتضع النقط على الحروف وثالثة تمتطي صهوة السرير وتذكر حبيبها وتقول
أنا إلي أنت رقصتها وآخر ليس لديه من شيء إلا أنا يبرز عضلاته ويزعق،
وروايات وحكايات كثيرة .
السؤال هنا ؟! من أين يأتون بهذه الكلمات النشاز وتلك الأفكار
المتعمقة بالتفاهة، ويرصدون لها لها مبالغ طائلة ليلوثوا بها أسماعنا
وأبصارنا ويتشدقون أمام عدسات الكاميرات، وتصبح صورهم على أجهزة "الموبايل"
والسيارات وعلى الحوائط في غرف المراهقين، وجنونهم وتقليعاتهم مصدر الموضة
لشبابنا وأغانيهم تهدى للأحبة.
المشكلة أيضا أننا بحكم استدراج الإذاعات والتلفزة لنا، لا بد لنا
من أن نلتقط كلمة أو دندنة من هذا الزعيق اليومي فنعتاده ويعتاده شبابنا
وأطفالنا أيضا وهنا الطامة الكبرى.
لا أريد أن أسهب في موضوع تكلمنا عنه مراراً ولكن إلى متى ستبقى هذه
المهزلة قائمة وهؤلاء يسرحون ويمرحون على هواهم وما من رادع ولا ضمير.
سننتظر يوما نعلن فيه شفاء عالمنا الفني من فيروسات التفاهة هذه،
وإلى أنا يكتشف المثقفون لقاحاً أو دواء للتخلص منهم سنبقى نتحدث عنهم
وننتقدهم بدون أن نذكرهم لأننا عندما نذكرهم نساعدهم على الاستفحال في جسد
ثقافتنا، وللحديث بقية ......
كيف يكتبون لنا
تاريخنا؟
كانوا يكتبون لنا التاريخ ويطبعونه في كتب ملونة ومزخرفة ومنمقة،
ويطبعون أيضا مذكراتنا اليومية مع صور بشعة تخترق كل جوارحنا، لا لأننا
أمين، بل لأننا مقهورين، قهرنا في هذا الزمان قهر الحصول على لقمة العيش
ومن ثم العيش بسلام والتجرؤ على الحلم.
فنحن نحلم أحلاما صغيرة جدا ونعيش على أمل تحقيقها عقوداً وعقود.
أما اليوم فقد غيروا تصميم كتبهم، فلم يعودوا يأبهون لشكل الكتاب بل
تجاوزوا الملون والمزخرف والمنمق إلى مدمىً وملطخ وممزق، صاروا أكثر وقاحة،
وصارت علانية نواياهم، يكتبون مصالحهم السوداء على أجسادنا الممزقة في كل
مكان من أرضنا.
ويا ويلنا إن تباطئنا في الاقتناع بأبجدية حرب الديمقراطية المزعومة
أو قوانين الفروسية العصرية، حلت علينا لعنة الشيطان وأصبحنا منبوذين في
الأرض وعلقت أسماؤنا على لوائح المخربين في الأرض والعابثين فساداً، وأضحت
عروسة "الزعتر" بيد طفل تحمل رؤوسا نووية تهدد العالم، وجوازاتنا عرضة
للتفتيش والتنقيب والتمحيص ومن ثم الاسترخاء والنوم في سفاراتهم .
عواصمنا أغلقوا أبوابها لأنهم اكتشفوا أخيرا أن ذلك الإشعاع الثقافي
الذي شعت منه إلى العالم دمشق وبيروت وبغداد والقدس في الماضي هو إشعاع
مخرب يدمر البشرية ويتلف حضارة الديمقراطية، وأن رائحة الياسمين الشامي
والبرتقالة اليافاوية غازات سامة، وحمامات جوامعنا تنقل أنفلونزا الطيور،
ومازالوا يكتشفون كل يوم شيئاً جديداً. يخططون لنا الموت، والموت لا يعني
أننا فقط سنقتل وإنما موت بعضنا يكون سريرياً لا نفهم ولا نعقل ولا نتكلم،
دمى من لحم ودم، ولكن تتحكم بها أجهزة "الرمونت كونترول" في أيديهم هؤلاء
سفاحو العصر الجديد هؤلاء مدمرو البشرية هؤلاء من يدعون الدول العظمى.
أما نحن فيا حسرة على العباد ، نتمدد و نتقلص تبعا لأمزجتهم و
نتساءل كل يوم لماذا نحن ؟ ولماذا هكذا صرنا ؟
فيا سيدي القارئ .....
وأنت واحد منا، ومن بين المقهورين فينا، لنسأل سويا ... لماذا ؟
لماذا نصبح أقلامهم التي تعبئ حبرها من دم أخوتنا ؟
لماذا لا نعود أمة إذا وخز طرف من أطرافها نستجيب ألما له ، ونخرج
من دوامة الأمة الضائعة التي يفني الجسد فيها، والروح أتعبها القهر وخدر كل
طرف من أطرافها فلندع عروقنا تنبض من جديد ولنعطي فرصة أخرى لتستجيب
أعصابنا من جديد.
يقولون عنك
يقولون عنك
قطعة من بلور السماء
وقعت
يقولون عنك
مخلصة البشرية
رجعت
ويقولون أيضا
أنك آلهة العشق
وأنك طويلة.. وجميلة ..وبريئة ....
وخبيثة إن حق الحق
يقولون عنك أشياء كنت لا أفهما
والآن ...؟!
أدركت أنا كل ما قالو كذب ورياء
فأنت يا حبيتي ..
تجاوزت كل ما قالوا
من كذب ورياء
فأنت ما زلت .. لغزا .. سرا
خطا مسماريا
فكه من أصعب الأشياء
1/7/998
|