الوطن حاورته قبيل رحيله
اشتريت من بائع الحلوى ثلاثة كتب كان يلف بها الحلوى
للصغار.. فأصبحت روائيا
دمشق ـ (الوطن):
فقدت الساحة الثقافية السورية مؤخرا الأديب والروائي فارس
زرزور .
ويعتبر الاديب فارس زرزور, مواليد 1929, من اهم اعلام القصة القصيرة
والرواية في سوريا . وقد بدأ الكتابة عام 1948 ونشر اول قصة في مجلة الدنيا
في ذات العام , كما صدر له اول عمل روائي في تلك الفترة ايضا وهو رواية
(المذنبون). وقد اعتبره النقاد من ابرز المبدعين في سوريا و احد اعلام
الرواية الواقعية في الوطن العربي .
وقد قال عنه الاديب شوقي بغدادي (اقاصيص فارس زرزور تضعه في مصاف كبار
كتاب القصة القصيرة في الوطن العربي , انه في اقاصيصه احد القلائل - في
سوريا على الاقل - الذين نجحوا في استلهام البيئة قصصا قصيرة رائعة
بابعادها الانسانية ولغتها الرشيقة المؤثرة التي تذكرنا احيانا بلمسات)
تشيخوف (وحسه الانساني الساحر العميق).
من اعماله الروائية : المذنبون - حسن الجبل - ابانا الذي على الارض - ان له
ان ينصاع - لن تسقط المدينة - الحفاة وخفي حنين - الاشقياء - السادة ..
وله مجموعات قصصية منها : حتى القطرة الاخيرة - 542 راكبا ونصف .. وغيرها
.. اضافة الى السيرة الذاتية والعديد من المقالات التي نشرها في الصحف
والمجلات السورية والعربية .
(الوطن) كانت قد التقت الاديب السوري قبيل رحيله واجرت معه الحوار التالي
حول دواخل النفس واسقاطاتها الاجتماعية والأدبية وقضايا الأدب وفنونه في
سوريا , وعن تجربته الأولى في مضمار القصة القصيرة والرواية وعن قراءاته
وكيف أصبح أديبا .
ـ كيف اهتديت الى القصة , وما هي أهم المؤثرات التي دفعتك لاختيار هذا الفن
دون غيره من أساليب التعبير الإنسانية الأخرى ؟
* لاحظت خلال وجودي مع الناس أن لكل إنسان في هذه الدنيا قصة.. ويستطيع
الكاتب إذا امتلك أسلوبا مقبولا أن يكتب هذه القصة , لذلك بدأت وساوس القصة
تعمل في نفسي منذ كنت صغيرا , لم أكن أفكر بالمستقبل , ولم أفكر أن أصبح
كاتبا أصلا , ولكني أخذت أكتب من باب الهواية وتزجية الوقت لا أكثر . إلا
أنني وجدت أن قصصي لاقت استحسانا ورواجا بين الناس فثابرت على هذا العمل
وكرست حياتي في سبيله .
ـ و كيف كانت البدايات , وما هي أهم المصادر التي أثرت في كتاباتك؟
* أول قصة كتبتها العام 1948 ولا أذكر عنوانها , حملتها الى مجلة (الدنيا)
وكان يشرف عليها آنذاك محي الدين القابسي , وكان لا يعرفني . فألقى القصة
جانبا وصرفني . وانتظرت أن تظهر القصة منشورة في المجلة خلال أسبوع شهر ,
شهرين , ثلاثة أشهر و فلم تظهر وخجلت أن أعود لمقابلة القابسي لأسأله عن
مصيرها , وخيل إلي أن قصتي فاشلة , ولكن وبعد ستة أشهر , قال لي أحد
أصدقائي أن لي قصة منشورة في مجلة (الدنيا) فهرعت الى المجلة , حيث قابلت
القابسي الذي أبدى اعتذاره لأنه لم يحترمني في المرة الأولى , ولأني لم
ألفت انتباهه , لذلك ألقى القصة جانبا , كي لا ينشرها , ولكنه وبعد فترة
احتاج لقصة , فقال لنفسه أقرأ قصة ذلك النحيل فربما كانت مؤدية للغرض
فقرأها وأعجب بها جدا ونشرها وقال لي : أنه يخيل إليه أنني أكتب القصة وأنا
نائم . بعد ذلك اللقاء أعددت قصصا وأرسلتها إليه فوزعها على مجلة (النقاد)
و(الجندي) ونشرت . ومنذ ذلك الحين وأنا أكتب القصة ولم أزل ثم شرعت بعد ذلك
أكتب الرواية .
ـ ما هي أهم المصادر والقراءات التي أثرت في كتاباتك ؟
* كنت علما في الجزيرة سنة 1948 في إحدى قراها , وذات مساء حملتني المصادفة
الى دكان بائع السكر لاشتري كمية من السكر , فوجدت عنده وقرب الميزان
مجموعة من الكتب , وقلت له : أتبيعها ؟ (كنت ضجرا وأريد القراءة للتسلية)
قال : أنني ألف بها الحلوى للصغار قلت بعني شيئا منها . فباعني ثلاثة كتب
بثلاث فرنكات حملت الكتب الى المدرسة حيث أنام وأدرس وتصفحتها فكانت :
(الرجل الضاحك) لـ فيكتور هوغو , (المقابر) لديستوفسكي , و(كل شيء هادئ في
الميدان الغربي) لكاتب ألماني يدعى أريك ماريا ري مارك هذه الكتب الثلاثة
جعلتني كاتبا وعلمتني كيف تكتب الرواية وكيف تكتب القصة بأسلوب جميل مقبول
.
ـ ما هي الموضوعات التي طرحتها في قصصك القصيرة , تطورها منذ البدايات
حتى الآن ودلالة هذا التطور في رأيك أو منحاه وأسبابه الاجتماعية إن وجدت ؟
* قصصي القصيرة معظمها قصص اجتماعية وعسكرية فخلال وجودي في الكلية
العسكرية بدأت أكتب قصصا عسكرية من الحكايات التي كنت أسمعها من العسكريين
عن المعارك التي خاضوها وعن مشاكلهم وواقعهم.. أما من الناحية الأخرى فأكثر
ما كنت أهتم به هو قضايا العمال والبسطاء من الناس والجائعين بصورة خاصة
والذين ليسوا بحاجة الى العيش والى الخبز وحده ولكن آلي الحرية . والحب
والأمل في الحياة.. كل إنسان في هذه الدنيا لديه أمل.. وأمال هؤلاء الناس
تصطدم بعقبات.. هذه العقبات مادة لقصصي وكيف يستطيع الإنسان أن يذلل هذه
العقبات .. هنالك عقبات تذلل وهناك مصاعب وعقبات لا تذلل .. وأحيانا تذلل
بطرق غير مشروعة فتؤدي الى مصير لا تحمد عقباه . وكل إنسان بحاجة الى أن
يعيش وأن يهرب من الانسحاق في هذه الدنيا التي تزداد سوءا يوما بعد يوم .
ـ
على صعيد الرواية ما هي المواضيع التي طرقتها في روايتك.. وهل كان هناك
تكامل في معالجة موضوعات محددة بين قصصك القصيرة وروايتك , أم أن هناك
انفصالا بين عالمي القصة والرواية لديك ؟
* لا تستطيع أن تضع فاصلا بين القصة والرواية.. فالرواية هي امتداد للقصة..
أما عن مواضيعي فأنا عشت فترة في الريف السوري (وران) حيث اطلعت على أحوال
القرويين وهؤلاء لهم مشاكل خاصة تختلف عن مشاكل سكان المدينة , ومشاكلهم
مثيرة .
وعن هذا كتبت رواية (المذنبون) ورواية (حفاة وخفي حنين) ومن ثم
تأتي رواياتي التاريخية قد فازت روايتي (لن تسقط المدينة) العام 1961
بالجائزة الثانية للمجلس الأعلى للفنون والآداب وكذلك كانت روايتي الثانية
تاريخية أيضا (حسن جبل) وهو رجل شعبي يعمل طيانا وكان أحد رجال الثورة
السورية , وكنت أذهب الى منزله كل يوم وأتحدث إليه . كان ذلك العام 1955
وقد فازت روايتي تلك أيضا بالجائزة الأولى للمجلس الأعلى للفنون والآداب في
ذلك العام وعندي رواية لم تنشر بعد هي (كل ما يحترق يلتهب).
وأتعب جدا
لأتوصل الى عنوان لقصصي . ظللت فترة طويلة في رواية (لن تسقط المدينة) وأنا
أبحث عن عنوان حتى مرت معي جملة أثناء الكتابة تقول عندما هزم العرب
السوريين في معركة ميسلون , وقف الدرك عند دمر يأخذون البنادق من المجاهدين
فسأل أحد المجاهدين الدرك : هل سقطت المدينة .. فقال له صديقه لا لن تسقط
المدينة . وكذلك رواية (آن له أن ينصاع) بقيت فترة طويلة لم أجد لها عنوانا
مناسبا , وفي الرواية كان النهر بطلا من أبطال القصة يتكلم.. يفيض ويدمر
ويقتل المواشي , وأخيرا حجزوه ضمن السد .. فكان شقيا فانصاع وصار عاقلا..
وقد قرأ العنوان أحد الكتاب المغاربة فسألني هل تقصد الانصياع المادي أم
الانصياع المعنوي ؟ وفوجئت بالسؤال : فكلنا يعرف أن انصياع الشقي الى درب
الاستقامة هو انصياع معنوي ومع ذلك أجبته أنني أقصد الانصياعين معا فقال :
مرحى حقيقة هناك انصياعان مادي , ومعنوي , والمادي معروف , أما المعنوي فهو
وضع الأشياء المادية ضمن حيز لذلك يسمون أداة كيل القمح بالصاع , وهكذا
ينصاع الماء والغاز في الأنبوب , والأدب في الكتاب .
ـ هل قصصك ورواياتك من نوع القصة - السيرة - أي أنك تنتج من تجاربك وكأنك
تكتب عن نفسك , أم إن عالمك القصصي روائي مصنوع متخيل تحاول فيه التعبير عن
واقع اجتماعي محدد ؟
* أحاول دائما أن أضع نفسي مكان بطل قصتي وأعيش حياته , لأعاني ما يعانه
حتى أستطيع أن أكتب الأشياء التي أحس بها وأشعر بها , فأنا أعيش حياة
أبطالي . يمكن اعتبارها شبه سيرة ذاتية لأنني أعاني ما يعانيه أبطالي في
الإحساس بالألم والفرح والحزن وكل التناقضات والمشاعر الإنسانية الأخرى ,
إذ لا تستطيع أن تكتب وتصف إحساسا ما إذا لم تكن تشعر تماما به . بمعنى
أنني لا بد أن أعيش حالة البطل لاستطيع التعبير عن واقع اجتماعي محدد .
ـ ما هو الواقع برأيك وكيف تعبر عنه . وما هي أشكال علاقتك به ؟
* أعبر عنه بلغة مبسطة بعيدة عن التعقيد ليستطيع أن يقرأها كافة الأشخاص
أعني البسطاء . فروايتي (الأشقياء والسادة) والتي قبلها جعلتهما مثلا
حواريتين يتكلم فيهما أبطالهما بأنفسه . فليس فيها الوصف الفلسفي المعقد أو
الكلمات الصعبة .
ـ هل ترى أن النقد قد استوعب تجربتك الأدبية كلها وهل استفدت من النقد في
أعمالك وما شكل علاقتك بالنقاد ؟
* ليست لي أي علاقة مع النقاد وأنا لا أؤمن بالنقد أصلا .. لأن النقد قد
يكون مقبولا بالنسبة لكاتب مبتدئ فيستطيع أن يتعلم ويتلافى أخطاءه أم أنا
كما يقول عني الكثيرون من العارفين بفن القصة أنني بدأت قصاصا مباشرة ,
وقفت رأسا على قدمي دون أن أحبو , أول قصة كتبتها في حياتي نشرت على الفور
.. لم أجرب .. ولم أمزق , بمعنى أكتب وأمزقها لماذا ؟ ولأني أستوعب القصة
قبل كتابتها جيدا وأهيئ عناصرها وحبكتها والعقدة وبدايتها ونهايتها ثم
أكتبها وكثيرا لا أقرأ الصفحة بعد كتابتها . ولهذا يلاحظ كثيرا من الأخطاء
اللغوية أحيانا في قصصي لأنني لا أقرأها ثانية وهذه ثقة بالنفس وليس غرورا
.
ـ إلا أن أعمالك نقدت أكثر من مرة ؟
* نقدت كثيرا وخاصة رواية (آن له أن ينصاع) وقالوا أنها رواية كلفت بها
تكليفا وكل عمل يكلف به الكاتب يكون فاشلا .
ـ وأنت ما رأيك شخصيا بأن يكلف كاتب ما بكتابة رواية ؟
* أنا لم أكلف بكتابة الرواية فقد كتبت صنع الله إبراهيم رواية عن السد
العالي اسمها (نجمة أغسطس) . نقرأ في الصحف سؤالا يقول : (هل من كاتب سوري
يستطيع أن يكتب رواية عن سد الفرات).. ؟ فتقدمت الى الجهات المسؤولة بطلب
لكتابة رواية , وحصلت على تكليف ومن ثم توظفت في مدينة الثورة لأعيش أعمال
سد الفرات وعشت هناك مدة سنتين . بين عمال السد اطلعت خلالها على سير العمل
وتفاصيل المشروع كافة .. بدءا من عمليات الحفر وانتهاء بتشكيل البحيرة .
ـ ما بعد الأربعينيات والخمسينيات كان الهم الأول للكاتب العربي وحتى
للمواطن العربي هو القضية الفلسطينية .. ومن خلال متابعة أعمالك لم ألحظ
أنك أشرت للقضية الفلسطينية لماذا ؟
*(مقاطعا) لقد كتبت قصصا عسكرية ...
ـ ولكنها لا تعالج القضية الفلسطينية أو تتحدث عنها ؟
* إنها قصص عسكرية تتحدث عن جنود حاربوا في فلسطين المحتلة , وحربنا دائما
مع الصهيونية . من هنا أرى أن كل قصصي فلسطينية طبعا لا يوجد معالجة للقضية
الفلسطينية لأن القضية لا تطلب معالجة فهي ليست مقالة .. القصة تتحدث عن
الجنود الذين يقاتلون في فلسطين وأظن أن هذا يكفي .
ـ ما هو رأيك بحركة القصة في سوريا ؟
* لا يوجد حركة لأنها كلها مرتبطة بالحياة المعيشية للإنسان , وكل الناس
تركض وراء العيش وبالتالي فهم لا يقرأون لذلك هناك ربط دائم بين الحياة
الثقافية والحياة المعيشية فعندما تنفرج الحياة المعيشية تنفرج الحياة
الثقافية.
|